منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المواعظ الإيمانية [ 14 ]

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    المواعظ الإيمانية [ 14 ] Empty المواعظ الإيمانية [ 14 ]

    مُساهمة من طرف الرسالة السبت 22 فبراير 2014 - 6:46

    المواعظ الإيمانية [ 14 ] Quran010

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة علوم القرآن
    المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
    المواعظ الإيمانية [ 14 ] 1410
    ● [ سورة القلم ] ●
    [ القلم -1 ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    يقول تعالى "ن والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربك بمجنون (2) وإن لك لأجرا غير ممنون (3) وإنك لعلى خلق عظيم (4) فستبصر ويبصرون (5) بأيكم المفتون (6) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (7)
    سورةٌ مكيّة، شأنُها شأنُ السّور المكيّة، في الاهتمام ببيان أصول الدين وأركان الإيمان، التي أهمّها التوحيد والرسالة والبعث. لكنّ محورَ السورة وموضوعَها الرئيسيَّ هو الرسالةُ والرسول وموقف المشركين منهما.
    استفتحت السورة بالقسَم من الربّ - عز وجل - على براءة نبيّه - صلى الله عليه وسلم - مما اتّهمه المشركون بقولهم شاعرٌ مجنون. ثم أثنى اللهُ على نبيّه لأخلاقه الحميدة وشهد له أنه بلغ أعلى درجات الأخلاق. ثم نهاه عن الاستجابة للمشركين فيما يدعونه إليه من أنصاف الحلول: ودوا لو تدهن فيدهنون.
    ولقد كانت بعثةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - نعمةً على قومه فكفروا بها، فضرب الله لهم مثلا بأصحاب الجنّة، وخوّفهم عاقبةَ الكفر والطغيان. ثم نفى التسويةَ بين المؤمنين والكافرين، وذكر شيئًا من أهوال اليوم الآخر، التي يظهر فيها الفرْقُ بين المؤمنين والكافرين جليّا.
    وخُتمت السورة بأمرِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالصبر، وحذّرته من أن ينفد صبره فيكون كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم *لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم *فاجتباه ربه فجعله من الصالحين.
    (ن) هذا حرف من الحروف الأبجدية المعروفة، وقد اختلف المفسرون في سرّ استفتاح الله - تعالى - بعض سور القرآن الكريم بمثل هذا الحرف، والراجح والله أعلم بأسرار كلامه أن الله - عز وجل - أراد أن يبطل زعمهم أن القرآن كلام محمد - صلى الله عليه وسلم - افتراه من عند نفسه، فقال لهم: إن القرآن مؤلف من هذه الحروف (ن)، (ق)، (ص)، (حم)، (طس) ونحوها وهي نفسها التي يتألف منها كلامكم، ومحمد واحد منكم، ولغته لغتكم، فإن كان افتراه فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين {الطور: 34}، فإن عجزوا فمحمد أعجز منهم، فليعلموا أنه كلام الله رب العالمين نزل به الروح الأمين، على قلب محمد ليكون من المنذرين.
    قال - تعالى -: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23) فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين {البقرة: 24}.
    قوله - تعالى -: والقلم وما يسطرون (1) ما أنت بنعمة ربك بمجنون. هذا قَسَمٌ من الله - تعالى - بالقلم وبالكتابة. والله - سبحانه - يُقْسِمُ ببعض مخلوقاته إشارةً إلى عظمتها ومكانتها، فهذا القَسَمُ فيه إشارةٌ إلى الاهتمام بالكتابة التي هي أساسُ التعليم، لأنَّ هذا الدينَ الإسلام يقومُ على أساسٍ من العلم، ولذا كانت أول آياتِ القرآن نزولا: اقرأ باسم ربك الذي خلق *خلق الإنسان من علق *اقرأ وربك الأكرم *الذي علم بالقلم *علم الإنسان ما لم يعلم {العلق: 51}.
    وقد كثرت الآياتُ والأحاديث في الحث على طلب العلم، وبيان فضلِه وشرفِه، وشرفِ حملته. وسبق في سورة المجادلة طرفٌ من ذلك.
    وجواب القسم ما أنت بنعمة ربك بمجنون والمراد بالنعمة النّبوّة، وهي فضلُ الله يؤتيه من يشاء، و الله أعلم حيث يجعل رسالته {الأنعام: 124}، وما كان الله يبعث في الناس مجنونًا. والعجيبَ أنّ القومَ حين قالوا ما قالوا كانوا يعلمون كَذِبَ أنفسهم، إذ كيف يكونُ مجنونًا من كانوا يحكّمونه بينهم؟! وكيف يكون مجنونًا من لقبّوه دون عظمائهم بالصادق الأمين؟! ولكنّه البغي، والحسد، ولذا قال - تعالى - لنبيّه: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون {الأنعام: 33} وفي قولهم هذا، وشهادة اللهِ لرسولِه - صلى الله عليه وسلم - بالبراءة منه، عزاءُ لكلّ مَنْ يُقالُ فيه من الدعاة ما ليس فيه، فليوّطنْ الدّعاةُ أنفسُهم على الصبر، وأن يحتسبوا الأجرَ عند الله على أيِّ أذًى يلحقهم بسبب الدعوة، فإنها سُنّةٌ مطّردَةٌ في الدعاة، ولذا قال لقمانُ لابنِه وهو يعظُه: يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور {لقمان: 17}. وصلى الله على نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
    [ القلم -2 ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :يقول - تعالى -: وإن لك لأجرا غير ممنون أي إنّ لك أجرًا دائمًا مستمرا لا ينقطع، على صبرك عليهم، وتبليغك رسالة ربك إليهم، مع تكذيبهم لك، وإعراضهم عنك. وإنك لعلى خلق عظيم وإنها لشهادةٌ عظيمةٌ من العليّ العظيم، لنبيّه العظيم، بعظمةِ أخلاقه، فلئن جاز لحملةِ الشهادات أن يعلّقوها على الجدران، فإن هذه الشهادة تستحقّ أن تكتب بسبائك الذهب وتعلق على جدران الفضة، لأنها من الله وكفى بالله شهيدا {النساء: 166}. عن سعيد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: أخبريني يا أمّ المؤمنين عن خُلُقِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالت: أتقرأ القرآنَ؟ فقلت: نعم. فقالت: كان خُلُقُه القرآن. {صحيح،
    ومعنى هذا أنه - عليه الصلاة والسلام - صار امتثالُ القرآن أمرًا ونهيا سجيةً له، وخُلُقًا تطبّعه وترك طَبْعَه الجبلّي، فمهما أمره القرآنُ فعله، ومهما نهاه عنه تركه، هذا مع ما جَبَله الله عليه من الخلق العظيم، من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكلِّ خُلُقٍ جميل، كما ثبت عن أنس قال خدمت رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عَشْرَ سنين، فما قال لي أُفٍّ قط، ولا قال لشيءٍ فعلتُه: لم فعلته، ولا لشيءٍ لم أفعلْه ألا فعلتَه؟ وكان - صلى الله عليه وسلم - أحسنَ الناس خُلُقًا، ولا مسستُ خزا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألينَ مِنْ كفّ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممتُ مِسْكًا ولا عِطْرًا كان أطيبَ مِنْ عَرَقِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -. {حسن صحيح،
    والأحاديث في هذا كثيرة. ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب الشمائل.
    ولقد كان - صلى الله عليه وسلم - يحثُّ على مكارم الأخلاق ويرغب فيها، فكان يقول: "أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم. {حسن صحيح )
    وكان يقول: "إن المؤمن ليدركُ بحسن خُلُقِه درجة الصائم القائم". {صحيح، رواه: د(4777-154-13)}وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما مِنْ شيءٍ أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حُسْنِ الخُلُق، وإن الله يُبغض الفاحش البذيء{صحيح،
    وهو الذي يتكلم بالفحش ورديء الأخلاق. فعليك يا عبد الله بحسن الخلق، وإياك وسوء الخلق، واعلم أنه لا يهدي لأحسن الأخلاق إلا الله، ولا يصرف شيئًا إلا هو، ففر إلى الله بالدعاء الدائم وقُلْ: اللّهمّ كما حسّنَتَ خَلْقي حسّن خُلُقي.
    وبعد هذا الثناء الكريم على عبده يطمئنُه إلى غده مع المشركين الذين رموه بذلك البهتُ اللئيم، ويهدّدهم بافتضاح أمرهم وانكشافِ بطلانهم وضلالهم المبين، فيقول: فستبصر ويبصرون *بأيكم المفتون أي: فستعلم يا نبينا ويعلم مخالفوك ومكذّبوك مَنِ الضَّالُّ أنت أم هم؟ لقد قال قومُ ثمود من قبل لنبيهم صالح: بل هو كذاب أشر {القمر: 25}، فقال - تعالى -: سيعلمون غدا من الكذاب الأشر {القمر: 26} هم أم صالح؟. وها هم المشركون يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - شاعرٌ مجنون؟ أتواصوا به بل هم قوم طاغون {الذاريات: 53}، والله - تعالى - يتوعدهم بالفضيحة على رءوسِ الأشهاد يوم القيامة، فيقول لنبيّه - صلى الله عليه وسلم -: فستبصر ويبصرون *بأيكم المفتون "وهذا الوعد من الله يشير إلى أن الغد سيكشفُ عن حقيقة النبي وحقيقة مكذبيه، ويثبت أيّهم الممتحن بما هو فيه، أو أيّهم الضال فيما يدعيه. ويطمئنه إلى أن ربه هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين وربه هو الذي أوحى إليه، فهو يعلم أنه المهتدي ومن معه، وفي هذا ما يطمئنه وما يقلق أعداءه، وما يبعث في قلوبهم التوجّس والقلق لما سيجئ".
    وصلى الله على نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
    [ القلم -3 ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    وقوله - تعالى -: ولا تطع كل حلاف مهين وكثرةُ الحلف عنوانُ الكذب، فلا يلجأ إلى كثرة الحلف إلا الكذّاب، أما الصادق فلا يلجأ إلى الحلق أبدا، ولاسيما إذا رُفع ذكرُه، وعُرفَ بين الناس بصدقه. والكذّاب يكذّب نفسّه قبل أن يكذّبه غيرُه، فيلجأ إلى الأَيمان الكاذبة ليصدّقه الناس، وهو يعلم أنّه كاذب. وقد وصف الله كل حلاف بأنه مهين، أي حقير ذليل، قال الحسن: كلّ حلاف مكابر مهين ضعيف. "والمهانة صفةٌ نفسية لا تفارق النفس الكريمة ولو تجردت من كل أعراض الحياة الدنيا". وقوله - تعالى -: هماز أي يهمز الناس ويعيبهم، وقد توعده الله - سبحانه - بالحُطمة، فقال: ويل لكل همزة لمزة *الذي جمع مالا وعدده *يحسب أن ماله أخلده *كلا لينبذن في الحطمة *وما أدراك ما الحطمة *نار الله الموقدة *التي تطلع على الأفئدة *إنها عليهم مؤصدة *في عمد ممددة {الهمزة: 1-9}. والهمز واللمز خُلُقٌ ذميم، نهى الله - تعالى - عنه فقال: يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون {الحجرات: 11}.
    وأما قوله - تعالى -: مشاء بنميم فهو الذي يمشي بين الناس، ويحرّش بينهم وينقل كلام الناس ليوقع بينهم، وهذا من شر الناس عند الله يوم القيامة، كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبئكم بشراركم؟ المشّاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبّة، الباغون للبرءاء العنت". وأخبر - صلى الله عليه وسلم - أن النميمةَ من الأسباب الموجبة لعذاب القبر، ففي الصحيحين عن ابن عباس قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقبرين فقال: "إنّهما يعذبان، وما يعذّبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستتر من البول، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة". {متفق عليه،
    كما أخبر - صلى الله عليه وسلم - أن الذي يمشي بالنميمة لا يدخل الجنة، فقال: "لا يدخل الجنة قتّات". {متفق عليه، )
    وقوله - تعالى -: مناع للخير أي يمنع الخير عن نفسه وعن غيره، لقد منع عن نفسه الإيمان وهو جماع الخير، كما منعه عن غيره، بالصدّ عنه والنهي عنه. والمنَّاع للخير من أهل جهنم، كما يقول الله - تعالى - لملائكته يوم القيامة: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد *مناع للخير معتد مريب *الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد {ق: 24-26}. وهو مع منعه الخير عن الناس معتد أثيم فلم يسلم الناس من شرّه وأذاه، حين منعهم خيره، بل جمع بين الشرين: فمنع عنهم الخير وأوصل إليهم الضرر والأذى. وقوله - تعالى -: عتل وهو الفظّ الغليظ، الصحيح، الجموع، المنوع، وهذه صفة أهل النار والعياذ بالله، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبّئكم بأهل الجنة: كلُّ ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره. ألا أنبئكم بأهل النار: كل عُتُلٍّ جَوّاظٍ مستكبر". {متفق عليه،
    وقوله - تعالى -: بعد ذلك زنيم أي بعد هذه الصفات الذميمة فهو زنيم، وقد ذكر المفسرون في معنى هذه الصفة أقوالا كثيرة أرجحها قولان:
    الأول: الزنيم هو الرجل المعروف بلُؤْمِه وخُبْثِه، حتى كأنّ به علامةً يعرف بها.
    والثاني: أن الزنيم هو الدعيُّ الذي لا يُعْرَفُ نسبُه.
    وقوله - تعالى -: أن كان ذا مال وبنين *إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين؟! معناه هل هذا جزاء إنعامي عليه بالمال والبنين؟ و هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ فبدلا من أن يبادر إلى شكري بالإيمان لي وتصديق رسولي، جعل شكره التكذيب بآياتي، وقال أساطير الأولين! ومِنْ ثَمّ يجيء التهديد: سنسمه على الخرطوم على الأنف والعرب تعبّر عن العّزة والذِلّة بوصف الأنف، فتقول: أَنْفٌ أَشَمّ. للعزيز. وأَنْفٌ في الرّغام. للذليل.ومنه قولهم: رَغِمَ أَنْفُ فُلانِ، أي: ذُل، لأن أكرمَ ما في الإنسان وَجْهُه، وأَعْلَى ما في الوجه الأَنْفُ، فإذا رَغِمَ الأنفُ أي لَصِقَ بالتراب فذلك عُنوان الذّلة.أعاذنا الله وسائر المسلمين من ذلّ الدنيا وعذاب الآخرة.
    وصلى الله على نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
    ● [ سورة المنافقون ] ●
    [ المنافقون -1 ]


    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون (1)
    سورة المنافقون سورة مدنية، واسمها يدل على موضعها، فهي تتحدّث عن النّفاق والمنافقين، لتهتك أستارهم، وتكشف أسرارهم، حتى يعرفهم المؤمنون فيحذروهم، إذ أن المنافقين أشدُّ خطرًا وأعظم ضررًا من الكافرين الذين صرحوا بكفرهم وعداوتهم للإسلام وأهله.
    ثم خُتمت السورةُ بتحذير المؤمنين من فتنة المال والولد، وأَمْرِهم بالإنفاق مما رزقهم الله في سبيل الله، قبل أن يفوت الأوان بانتهاء الأجل، فيتحسر الإنسان ويندم على تقصيره ولات حين مناص {ص: 3}.
    النفاق: هو أن يظهر الرجل خلاف ما يبطن. وهو قسمان: اعتقادي وعملي.
    فالنفاق الاعتقادي: هو أن يظهر الرجل الإسلام ويبطن الكفر.
    والنفاق العملي: هو أن يعمل المؤمن عملا من أعمال المنافقين، فيكون فيه خصلة من النفاق، كما قال - صلى الله عليه وسلم -: "أربعٌ مَنْ كنّ فيه كان منافقًا خالصًا ومن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر".
    والنفاق الاعتقادي أعظمُ من الكفر الصريح، ولذا يجمع اللهُ الكافرين والمنافقين في جهنم جميعا، ثم يجعلُ المنافقين في الدرك الأسفل منها، كما قال - تعالى -: إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعا {النساء: 140}، ثم قال: إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا {النساء: 145}.
    أما النفاق العملي فلا يُخرجُ المؤمن من دائرة الإيمان، وإن كانت فيه خصلة من النفاق، لكن يجب على المؤمن أن ينأى بنفسه عن شيم المنافقين.
    ولا يجوز اتهام مؤمنٍ بالنفاق وإن كانت فيه خصلةٌ منه، فلا يجوز أن يُقال عن فلانٍ أنه منافق، لكن يجوز أن يُقال: فيه خصلة من النفاق؛ لأن النفاق محله القلب، ولا يطّلع على القلوب إلا علامُ الغيوب.
    والسورة تتحدث عن نفاقِ الاعتقادِ وأهلهِ، وتبدأ بالإخبار عنهم. أنهم يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم: إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله، فكذبهم الله في هذه الشهادة، وشهد على كذبهم فقال: والله يشهد إن المنافقين لكاذبون لأنهم لا يعتقدون بما شهدوا به، وإنما هي كلمة يقولونها بألسنتهم، وحتى لا يتوهَّم متوهِّم أنّ الله كذّبهم في دعوى رسالته - صلى الله عليه وسلم - جيء بهذه الجملة المعترضة والله يعلم إنك لرسوله، فأثبت - سبحانه - الرسالة لرسوله - صلى الله عليه وسلم -، وكذّبهم في دعواهم أنهم يشهدون له بها.
    وصلى الله على نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
    [ المنافقون -2 ]

    لحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    يقول تعالى (اتخذوا أيمانهم جنة أي وقاية، يتّقون الناسَ بالأيمان الكاذبة، فإذا ما قالوا قولا، أو فعلوا فِعلا يُؤْخَذُ عليهم تنصّلوا منه، وتبرَّءوا، بالأيمان الكاذبة، والله ما قلنا، والله ما فعلنا. وربما يعملون العمل السيء ويحلفون أنهم مسلمون، فيغترّ بهم من لا يعرفهم، فيصدّقهم وربما اقتدى بهم، وفي ذلك من الضرر ما فيه، ولذا قال - تعالى -: "اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله صدّوا أنفسهم، وصدّوا غيرهم، إنهم ساء ما كانوا يعملون" وهل هناك أسوأ من الصدّ عن سبيل الله؟ ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام؟ {الصف: 7}، ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا أي ذلك الحلف الكاذب والصدّ عن سبيل الله، بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم ثم كفروا بقلوبهم فطبع على قلوبهم والطّبْعُ هو الختم، وهو أشبه ما يكون بالشمع الأحمر إذا ضُرب على محلٍّ ما، فلا يخرج منه شيء، ولا يدخله شيء، وكذلك الطبع على القلوب والعياذ بالله إذا طُبِعَ على قلبٍ لا يخرج منه منكر، ولا يدخله معروف، فهم لا يفقهون فلا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرا.
    قال العلماء: لما تحدّث الله - تعالى - عن المنافقين في سورة البقرة ضرب لهم مثليْن: ناريًا، ومائيًّا، فالنّاري هو: "مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17) صم بكم عمي فهم لا يرجعون" {البقرة: 17، 18}.
    والمائي: "أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير" {البقرة: 19، 20}.
    فالنّاري مثل الذين آمنوا ثم كفروا، والمائي للذين هم في ريبهم يترددون ويميلون إلى الإسلام تارة، ويميلون عنه تارة، فهم كالذي يمشي في الظلمات يستضيء بنور البَرقِ كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا، فأما الذين آمنوا ثم كفروا ف مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون، فهم لما آمنوا خرجوا من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان، فلما كفروا رُدّوا في الظلمات، فما هم بخارجين منها، صم بكم عمي فهم لا يرجعون، وذلك من الله عقوبة لهم على تركهم الإيمان بعد أن ذاقوا حلاوته، ورأوا نوره، ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون، كما قال - تعالى -: "فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم" {الصف: 5}.
    ثم وصف الله المنافقين بجمال الصورة، وحلاوة اللسان، فقال: وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم فهذا حال ما ظهر منهم وأفئدتهم هواء {إبراهيم: 43}، يعني لا حياة فيها كأنهم خشب مسندة أي يشبهون الخشب المسنّدة إلي الحائط، في كونهم صورًا خاليةً عن العلم والنظر، فهم أشباحٌ بلا أرواحٌ، وأجسامٌ بلا أحلامٌ، فلا يعجبك جمالُ صورتهم، ولا عذوبةُ منطقهم.
    ثم وصفهم الله بالضعف والخور، والجبن والهلع، فقال: "يحسبون كل صيحة عليهم" وهذا حال كل من يخالف فِعلُه قولَه، خائفون دائمًا، قلقون أبدا، يحذرون أن يُفضحوا، وتكشف أسرارهم، كما قال - تعالى -: "يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون" {التوبة: 64}، وقال - تعالى -: "أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم (29) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم" {محمد: 29، 30}، ثم حذّر اللهُ نبيه منهم فقال: "هم العدو فاحذرهم" هم العدوّ الكامل العداوة، فاحذرهم ولا تأمنْهم وإن قالوا نشهدُ إنّك لرسول الله، وإنما حذر الله - تعالى - منهم لأن الخطر كامنٌ فيهم، وقد أظهروا الإسلام، وهذا يجعل المسلمين قد يأتمنونهم، فحذّر الله منهم، وبيّن أنهم هم العدو، وإن قالوا نحن مسلمون.
    ثم دعا عليهم، ودعاءُ الله قضاءٌ مبرم، وحكمٌ نافذ، قاتلهم الله أي أخزاهم ولعنهم وأبعدهم عن رحمته. أنى يؤفكون كيف يُصرفون عن الهدى إلى الضلال؟ وكيف تضل عقولهم مع وضوح الدلائل والبراهين؟ والحمد لله رب العالمين.
    [ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ] -1

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :فإنه لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، ومن يطالع سيرة النبي - عليه الصلاة والسلام - وكيف بدأ دعوة الإسلام يتبين له أن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان إذا ذكر الناس ودعاهم إلى عبادة الله - عز وجل - أو أراد أن ينصحهم ويقيم عليهم الحجة كان يتلو عليهم آيات من القرآن الحكيم قال - تعالى -: ((فذكر بالقرآن من يخاف وعيد))، وقال: ((واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك))، وقال: ((وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير)) [الشورى:7].
    حتى أنه في عبادته - عليه الصلاة والسلام - كان يتأول القرآن كما ذكرت عائشة - رضي الله عنها
    غير أن الذي لاحظته وشكا منه غير واحد من الأصحاب والطلاب جفوة كثير من الناس للقرآن، فإذا ما أراد أن يناقش أحداً قلما استدل بالآيات بينما هو يكثر من ذكر أقوال الرجال وربما من حديث الرسول - عليه الصلاة والسلام - ولا ضير في الاستدلال بالسنة لكن الأولى تأخير السنة عن الكتاب.
    وصنف آخر يقضون الساعات الطوال بعرض المسرحيات والأناشيد الإسلامية في الأندية والمناسبات بحجة الدعوة إلى الله!!، ولكنهم لا يعطون القرآن الكريم عشر معشار ما أنفقوه من الوقت فليس للقرآن إلا دقائق معدودات في الافتتاحيات.
    وهذا خلاف هدي الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأزكى التبريكات.
    مجرد تلاوة القرآن وترتيله تؤثر في نفس الإنسان يستوي في ذلك المؤمنون والكافرون، لكن نوعية التأثير تختلف بين هؤلاء و أولئك.
    فالكافر إذا استمع إلى القرآن ينفر منه ويشمئز وقد ذكر ذلك - سبحانه - وهو عليم بذات الصدور - فقال: ((ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفوراً)) [الإسراء:41]. وقال: ((وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا(45)وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على أدبارهم نفوراً)) [الإسراء: 45 - 46]، وقال: ((وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون)) [الزمر:45].
    إن الكافر ليحس من أعماقه بتأثير القرآن فيما يسمعه من هذا النظم العجيب، لقد بلغ من شدة تأثيره على المشركين أنهم كانوا يخرجون في جنح الليل يستمعون إلى تلاوة الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأصحابه الكرام وهم يقرأون، حتى إنهم تواصوا فيما بينهم ألا يستمعوا له و أن يرفعوا أصواتهم بالضجيج حين تلاوته فقال - تعالى - واصفاً هذه الحال منهم: ((وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون)).
    والكفرة من الجن أيضاً ينفرون من القرآن ففي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر و إن البيت الذي تقرأ البقرة فيه لا يدخله الشيطان".
    وصلى الله على نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
    [ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ] -2

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    إن تأثير القرآن على نفوس المؤمنين وقلوبهم فذلك بزيادة الإيمان والخشوع والخشية والإنابة إلى الله - عز وجل -.قال - تعالى -: ((إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون)) [الأنفال: 2]، وقال: ((وبشر المخبتين، الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم والصابرين على ما أصابهم والمقيمي الصلاة ومما رزقناهم ينفقون)) [الحج: 35].
    وقال: ((وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين)) [المائدة:83]، وقال: ((الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد)) [الزمر: 23]، وقال: ((وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون)) [التوبة: 124 - 125].
    هذا الوجه من وجوه إعجاز القرآن الكريم أي صنيعه بالقلوب وتأثيره على النفوس ذهب عنه كثير من الناس ولا يعرفه إلا القليل، فإنك لا تسمع كلاماً غير القرآن منظوماً ولا منثوراً إذا قرع السمع خلص له إلى القلب من اللذة والحلاوة في حال ومن الروعة والمهابة في أخرى ما يخلص منه إليه، تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، حتى إذا أخذت حظها منه عادت مرتاعة قد عراها الوجيب والقلق وتغشاها الخوف والفرق، تقشعر منه الجلود وتنزعج له القلوب، يحول بين النفس ومضمراتها وعقائدها الراسخة فيها، فكم من عدو للرسول - صلى الله عليه وسلم - من رجال العرب وفتاكها أقبلوا يريدون اغتياله فسمعوا آيات من القرآن فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول و أن يركنوا إلى مسالمته والدخول في دينه وصارت عداوتهم موالاة وكفرهم إيمانا .
    وصلى الله على نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.
    [ فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ] -3

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد:
    ● قصة إسلام عمر بن الخطاب ●

    خرج عمر - رضي الله عنه - يريد قتل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فلقيه نعيم بن عبد الله النحام، فقال: أين تريد يا عمر؟ فقال: أريد محمداً هذا الصابئ فأقتله. فقال له نعيم: لقد غرّتك نفسك يا عمر. أفلا ترجع إلى أختك فاطمة بنت الخطاب وزوجها، فقد والله أسلما واتبعا محمداً.
    فرجع إلى أخته وهي تقرأ سورة (طه) فلما أخذ الصحيفة منها وقرأ صدراً من السورة قال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه، فذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: يارسول الله جئتك لأومن بالله وبرسوله وبما جاء من عند الله.
    وهناك رواية أخرى في سبب إسلام عمر بن الخطاب خلاصتها: أن عمر أراد أن يطوف بالكعبة، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم يصلي فقال عمر حين رآه، لو أني استمعت لمحمد الليلة حتى أسمع ما يقول، فجئت من قبل الحجر فدخلت تحت ثياب الكعبة ما بيني وبينه إلا الثياب، فلما سمعت القرآن رقّ له قلبي فبكيت ودخلني الإسلام وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ سورة (الحآقة).
    ● موقف النجاشي وأساقفته حين سمعوا القرآن ●

    طلب النجاشي من جعفر ابن أبي طالب - رضي الله عنه - أن يسمعه شيئاً مما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الله، فقرأ عليه صدراً من (كهيعص) فبكى النجاشي حتى اخضلت لحيته وبكت أساقفته حتى اخضلت لحاهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال لهم النجاشي: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فلا والله لا أسلمهم إليكما ولا يُكادون. وكانت قريش قد أرسلت عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة قبل أن يسلما ليقنعا النجاشي بطرد مهاجرة الحبشة.
    ● قراءة الأصمعي على أعرابي سورة الذاريات ●

    وعن الأصمعي قال: أقبلت من جامع البصرة فطلع أعرابي على قعود له فقال: ممن الرجل؟ قلت: من بني أصمع، قال: من أين أقبلت؟ قلت: من موضع يتلى فيه كلام الرحمن، فقال: اتل علىّ فتلوت: ((والذاريات)) فلما بلغت قوله - تعالى -: ((وفي السماء رزقكم)) قال حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولى، فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف فإذا أنا بمن يهتف بي بصوت رقيق فالتفت، فإذا أنا بالأعرابي قد نحل واصفر فسلّم عليّ واستقرأ السورة، فلما بلغت الآية صاح، وقال: قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، ثم قال: وهل غير هذا؟ فقرأت: ((فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون)) فصاح وقال: يا سبحان الله من ذا الذي أغضب الجليل حتى حلف، لم يصدقوه بقوله حتى ألجؤوه إلى اليمين قائلها ثلاثاً، وخرجت معها نفسه.
    ● قصة توبة الفضيل بن عياض ●

    عن الفضل بن موسى قال: كان الفضيل بن عياض شاطراً يقطع الطريق بين أبيورد وسرخس وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً فبينما هو يرتقي الجدران إليها إذ سمع تالياً يتلو: ((ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله)) فلما سمعها قال: بلى يا رب قد آن فرجع، فآواه الليل إلى خربةٍ فإذا بها سابلة. فقال بعضهم: نرحل، وقال بعضهم حتى نصبح فإن فضيلاً على الطريق يقطع علينا.
    قال: ففكرت، وقلت أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين هاهنا يخافوني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني قد تبت إليك وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام
    ● تأثير القرآن على الجن ●

    لقد تجاوز القرآن البشر في تأثيره إلى صنفٍ آخر من المخلوقات فلم تتمالك الجن عندما سمعته أن قالت: ((إنا سمعنا قرآناً عجباً، يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)) [الجن: 1 - 2].
    وقال - تعالى -: ((وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين، قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق)) [الأحقاف: 29 - 30].
    وقد ذكرنا آنفاً أن الجن ينفر من قراءة القرآن، والبيت الذي تُقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان.
    وصلى الله على نبي الهدى والرحمة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

    المواعظ الإيمانية [ 14 ] Fasel10

    كتاب : المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
    المؤلف : أمير بن محمد المدري
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    ( صلى الله عليه وسلم )
    المواعظ الإيمانية [ 14 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر 2024 - 7:51