منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المواعظ الإيمانية [ 9 ]

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    المواعظ الإيمانية [ 9 ] Empty المواعظ الإيمانية [ 9 ]

    مُساهمة من طرف الرسالة السبت 22 فبراير 2014 - 7:00

    المواعظ الإيمانية [ 9 ] Quran010

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة علوم القرآن
    المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
    المواعظ الإيمانية [ 9 ] 1410
    [ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ] -1

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    عباد الله: يقول الله تعالى في آخر صفتين من صفات المؤمنين في أول سورة الأنفال: (الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) وهاتان الصفتان لا يحصل الإيمان الواجب في القلب إلا بهما. كما هو الشأن في كل صفة يدل سياق القرآن أو السنة على أن الإيمان الواجب في القلب لا يحصل إلا بالإتيان بها، وأما عن الصلاة فإن الله تعالى وصف المؤمنين بأنهم يقيمونها ولم يقل أنهم يفعلون الصلاة أو يأتون بالصلاة لأنه لا يكفي فيها مجرد الإتيان بصورتها الظاهرة، فإقامة الصلاة إقامتها ظاهراً بإتمام أركانها وشروطها وواجباتها وإقامتها باطنة بإقامة روحها وهو حضور القلب فيها وتدبر ما يقول وينفع فيها بإقامة الصلاة هي التي قال الله تعالى فيها في سورة العنكبوت: (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر) وهي التي يترتب عليها الثواب ويدخل في الصلاة نوافلها ورواتبها.
    وأما قوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) فيدخل فيه النفقات الواجبة كالزكاة والنفقة على الزوجات والأقارب والمماليك ونحو ذلك والنفقات المستحبة في جميع طرق الخير، ولم يذكر سبحانه المنفق عليه لكثرة أسبابه وتنوع أهله ولأن النفقة من حيث هي قربه إلى الله تعالى، وأتى "بمن" الدالة على التبعيض لينبههم إلى أنه لم يرد منهم إلا جزءاً من أموالهم غير ضار لهم، ولا مُثقل بل ينتفعون هم بإنفاقه وينتفع به إخوانهم، وفي قوله تعالى: (رزقناهم) إشارةً إلى أن هذه الأموال التي بين أيديكم ليست حاصلةً بقوتكم ولا ملككم، وإنما هي رزق الله الذي خولكم وأنعم به عليكم، فكما أنعم عليكم وفضلكم على كثير من عباده فاشكروه بإخراج بعض ما أنعم به عليكم وواسوا إخوانكم المعدمين. ولكن ينبغي أن يُعلم أن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه . عن النبي صلى الله عليه وسلم.
    فلو أنفق عبد من حرام كالربا والمال المسروق والمغصوب ونحو ذلك، لو أنفق من المال الحرام أمثال الجبال لم يقبل منه وكان مؤاخذاً به ومعذباً به يوم القيامة. فسبحان من يجعل أمثال الجبال من الحرام هباءاً منثوراً ويجعل مثقال ذرة من حلال يوم القيامة أمثال الجبال.
    وكثيراً ما يجمع الله بين الصلاة والزكاة في القرآن الكريم لأن الصلاة متضمنة للإخلاص للمعبود، ولأن الزكاة والنفقة متضمنة للإحسان إلى عبيده، فعنوان سعادة العبد إخلاصه للمعبود وسعيه في نفع الخلق. كما أن عنوان شقاوة العبد عدم هذين الأمرين منه، فلا إخلاص ولا إحسان، وما دمنا نتكلم اليوم عن الصلاة والزكاة فمن الجدير بالذكر أن يعرف أن من شقاوة العبد تركه للصلاة ومنعه للزكاة، فلا إخلاص ولا إحسان كما سبق، وعليه فلابد من بيان حكم تارك الصلاة ومانع الزكاة وجزائهما عسى أن يكون في ذكر ذلك باعث للمحافظين على الصلاة وإخراج الزكاة على الثبات والاستقامة على هذا الخير واردع لأصحاب النفوس المريضة والشحيحة عن البغي وتجاوز الحدود.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون ] -2

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    إن الصلاة يا عباد الله هي عماد الدين وميزان الإيمان والإخلاص لرب العالمين، وهي آكد الأعمال وأفضل الخصال ونحن مأمورون بالمحافظة عليها وإقامتها، فمن تهاون بها وأضاعها فهو لما سواها من دينه أضيع ولها أرفض.
    وقد أجمع العلماء على أن تارك الصلاة عامداً جاحداً بوجوبها كافر يقتل كفراً ما لم يتب، وهذا لا إشكال فيه بين جميع طوائف المسلمين: أن العمد بالترك الجاحد للوجوب كافر.
    ثم المسلمون الذين أكرمهم الله تعالى بهذا الدين يعملون عملاً قليلاً بالقياس إلى الأمم السابقة وينالون أعظم الأجر لو ثبتوا على ما عُهد به إليهم وما أمروا به وكلفوا به ونظروا إليه على أنه كما أنه تكليف فهو أيضاً تشريف لما ينتظرهم من الثواب الجليل والفضل العميم من الله تبارك وتعالى العظيم الكريم.فالصلاة خمس في العد وخمسون في الاجر
    والصلاة لها شأن عظيم والمفرط فيها يعاقب عقابا شديدا قال تعالى
    (فخلف من بعد خلْف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً) فسوف يلقون جزاء غيّهم عذاباً مضاعفاً وقال تعالى في سورة المدثر في سؤال أصحاب اليمين في الجنة للمجرمين عن سبب سلكهم سقر قال سبحانه عنهم أنهم أجابوا بما في الآية الثالثة والأربعين وما بعدها: (ما سلككم في سقر)، ما الذي أدخلكم جهنم، ما الذي أدخلكم النار، (قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين) لا صلاة ولا زكاة، لا إخلاص ولا إحسان (وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين) أي يوم الجزاء (حتى أتانا اليقين) أي حتى أتانا الموت (فما تنفعهم شفاعة الشافعين).
    نعم، ومن الأحاديث ً ما رواه أحمد بإسناد رجاله ثقات والطبراني في الكبير والأوسط عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال: ((ومن حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف))
    وأما مانع الزكاة فإن جحد وجوبها كفر وارتد، وإن لم يجحد وجوبها وإنما منعها فقط قوتل حتى تؤخذ منه ولو بالقوة، وإذا مات ولم يخرج زكاته ولم يتب حتى أتاه الموت وهو على ذلك، فجزاءه في ذلك يبينه حديث أبي هريرة رضي الله عنه في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صُفحت له صفائح من نار فُأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أُعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)).
    ويرى في الحديث مثل ذلك فيما يتعلق بصاحب الإبل وصاحب الغنم إن لم يخرج زكاتها، يُبطح لها فتنطحه وتدوس عليه كلما مرت رجعت، هكذا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ثم يُرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار عياذاً بالله تعالى.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    يقول الله تعالى ،في محكم تنزيله في سورة التوبة: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم )
    نقف معكم في ظلال هاتين الآيتين الكريمتين من سورة براءة.
    عباد الله: إن الدخول في الإسلام صفقة بين متبايعين بمجرد أن يدخل الإنسان في هذا الدين ،وبمجرد أن يعلن إيمانه وإسلامه ،فإن البيعة تقع ،وأبشر بها من بيعة ،ويا سعادة من وفق في هذه التجارة ،ويا خسارة من يعرض عن هذا البيع أو يخل بشيء من شروطه بعد أن تقع.
    أيها المسلمون: هل تعلمون من البائع ومن المشتري ،وكم وما هو الثمن المدفوع. وعلى ماذا انعقدت هذه البيعة.
    الجواب كله في قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم).
    إن البائع في هذه الصفقة هو المؤمن ،والمشتري هو الله عز وجل. والثمن المدفوع بأن لهم الجنة ،وانعقدت البيعة عن الأنفس والأموال (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة).
    ماذا تقولون في بيعة ،المشتري هو رب السماوات والأرض ،مالك الملك ،الله جل جلاله الذي يملك البائع ويملك نفسه وماله ،ويملك الكون كله بما فيه ،جل وعلا.
    ولكنها منة وفضل وكرم وإحسان من الله عز وجل.
    لكن أين المؤمن الذي يتنبه لهذا ،ويستيقظ من غفلته، وإلا فما قيمة النفس والمال الذي يبيعه المؤمن في هذه البيعة ،مقابل الثمن الذي يقبضه. جنة عرضها السموات والأرض. جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. جنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ،من أنواع اللذات والأفراح والمسرات.
    فلا مقارنة يا عباد الله بين ما يُدفع وما يُؤخذ لا تقارن يا عبد الله بين ما تبذله لله وما تأخذه ،فإن نفسك ومالك لا يقابل شيء بما أعده الله لك في جنته ومع ذلك ،تجد من يعرض عن هذه البيعة ومن يغفل عنها ،بل من يستكبر عنها ،نعوذ بالله من المهانة.
    أيها المؤمن: يا من عُقدت هذه البيعة من أجلك ،وأنت لا تعرف مقدارها وقيمتها.
    إذا أردت أن تعرف مقدار الصفقة ،فانظر إلى المشتري من هو ؟ هو الله جل جلاله. وتأمل في العوض ،وهو أكبر الأعواض وأجلها ،جنات النعيم.
    وإلى الثمن المبذول فيها وهو النفس والمال الذي هو أحب الأشياء للإنسان. وإلى من جرى على يديه عقد هذا التبايع ،وهو أشرف الرسل محمد صلى الله عليه وسلم وبأي الكتب رُقم ،في كتب الله الكبار ،المنزلة على أفضل الخلق ،في التوراة والإنجيل والقرآن.
    أيها المسلمون: إن قضية الاختيار في هذه البيعة منتفية إنه لا خيار لك أخي المسلم في الموافقة وعدم الموافقة في هذه الصفقة. إنك لم تُسأل ،ولم تستشر. لكي يكون لك رأي في القضية.
    وإذا تأملنا الآية الكريمة ،وجدنا هذا ظاهراً ،يقول الله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين) -الآية لم تقل بأن الله يشتري أو يريد أن يشتري. لكي يكون لنا الخيار هل نبيع أو لا نبيع. وإنما اشترى وانتهت البيعة ،ثم بعد ذلك ،يا سعادة من استمر على هذه البيعة ،ويا خسارة من أبطل البيع.
    أيها المسلمون: إن الذين باعوا هذه البيعة ،وعقدوا هذه الصفقة ،لاشك أنهم صفوة مختارة. الذي ضحى بنفسه وماله في سبيل الله ،لابد أن يكون ذات صفات مميزة.
    فمن هم هؤلاء المؤمنون الذين لهم البشارة من الله بدخول الجنات ونيل الكرامات؟
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ التائبون العابدون الحامدون السائحون ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    ما هي الصفات الجميلة والخلال الجليلة ،لأولئك الذين اشترى الله منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة؟
    ،فإذا أردت ذلك يا عبد الله. فما عليك إلا أن تتمثل قوله تعالى: (التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله وبشر المؤمنين).
    ذكر جل وعلا أول صفة لهؤلاء فقال: التائبون: أي الملازمون للتوبة في جميع الأوقات عن جميع السيئات ،التائبون من الذنوب كلها التاركون للفواحش.
    يقول الله عز وجل: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى). فهل كل ما أذنبت ذنباً يا عبد الله أعقبته بتوبة وما أكثر ما نذنب وما أكثر من نخطئ. وكما قال ابن مسعود: ما نزل البلاء إلا بذنب وما رفع إلا بتوبة. فتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
    استجمعوا شروط التوبة كلها لكي تحققوا التوبة النصوح. اقلعوا عن الذنوب ،اعزموا على ألا تعودوا إليه ،اندموا على ما فات من عمر ومن وقت ومن مال وأنتم في معصية الله عز وجل وهل يهلك المجتمعات ويفسدها إلا الذنوب والمعاصي.
    فيا أيها الناس: إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ،قال عليه الصلاة والسلام: ((باب من قبل المغرب ،مسيرة عرضه ،أو قال يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة ،خلقه الله يوم خلق السماوات والأرض مفتوحاً للتوبة ،لا يغلق حتى تطلع الشمس منه)).
    الصفة الثانية ،لمن أراد أن يكون من تلك الزمرة الفائزة قال: (العابدون).
    إن المتصفون بالعبودية لله ،والاستمرار على طاعته من أداء الواجبات والمستحبات في كل وقت ،فبذلك يكون العبد من العابدين، فقس نفسك يا عبد الله ،هل أديت ما عليك من واجبات ،وتركت ما نهيت عنه من منهيات. لكي يطلق عليك أنك من العابدين. أم قصرت في ذلك كثيراً. فيجب عليك إذن الرجوع والتوبة ومحاسبة النفس ،وتبدأ في القيام بحق الله عز وجل والمحافظة على عبادة الله في الأقوال والأفعال ،ألا إن سلعة الله غالية ،ألا إن سلعة الله الجنة.
    الصفة الثالثة: الحامدون: الحامدون لله في السراء والضراء ،واليسر والعسر المعترفون بما لله عليهم من النعم الظاهرة والباطنة ،المثنون على الله بذكرها وبذكره في آناء الليل وآناء النهار. اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين.
    الصفة الرابعة: لأولئك المؤمنين الذين لهم البشارة من الله بدخول الجنات ونيل الكرامات أنهم (السائحون( ،فسرت السياحة في كتب المفسرين بالصيام لحديث – ((السائحون هم الصائمون)). وفسرت بالجهاد لحديث: ((سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)). وقيل في السياحة بأنه السفر في القربات كالحج والعمرة والجهاد وطلب العلم وصلة الأقارب ونحو ذلك.
    وأياً كان معناها ،من هذه المعاني التي ذكرناها ،فإنها كلها داخلة في إطار العبادة لله. أين هذا من فهم كثير من المسلمين هذه الأيام للسياحة ،وما هو سياحة الناس هذه الأيام.
    إن العامة ،لا تفهم من السياحة إلا شواطئ أوربا ،ومنتزهات باريس وغيرها. لا يدركون من السياحة ،إلا انتظار عطلة الصيف ثم السفر إلى بلاد الكفار والدعارة ،وقضاء شهر أو شهرين في تلك الأجواء العفنة بالإلحاد والكفر بالله ،والتبرج والسفور. بينما كان سياحة سلف هذه الأمة هو الجهاد في سبيل الله ،وتقديم النفس رخيصة في سبيل الدين. والإقبال على الموت بلذة وفرحة لنيل الشهادة.
    والموت يرقص لي في كل منعطف
    فخشية الموت عندي أبرد الطرف
    ماضٍ وأعرف ما دربي وما هدفي
    وما أبالي به حتى أحاذره
    ثم بعد ذلك نريد توفيق الله عز وجل. وآيات القرآن نفهمها على غير مرادها.
    فنسأل الله عز وجل ،أن يبصرنا في ديننا ويلهمنا رشدنا ،وأن يدلنا إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة إنه على كل شيء قدير.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ الراكعون الساجدون ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    الصفة الخامسة: (الراكعون الساجدون) أي المكثرون من الصلاة المشتملة على الركوع والسجود فهؤلاء لا يصلون فقط ،ولا يؤدون المفروضات الخمس في اليوم والليلة ،ولكن غلب الصلاة على أفعالهم ،بحيث أنهم وصفوا بـ (الراكعون الساجدون) فمع أداء الواجب عليهم من الصلوات ،فهم لا شك أنهم يتطوعون عليها ،وكلما وجدوا وقت فراغ ،قاموا إلى الصلاة ،متمثلين قول الله عز وجل: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب).
    إنهم إذا قاموا إلى الصلاة وجدوا لذة وفرحة ،لا يقومون إليها كحال بعض المسلمين هداهم الله ،بثقل وكسل ،وكأنه همٌ يريد أن يزيله عن كاهله ويتخلص منه.
    إن الركوع والسجود ،له أثر في حياتهم ،ينهاهم هذا الركوع وهذا السجود عن الفحشاء والمنكر ،وهذا يدل على أنها ليست مجرد حركات فارغة ،كما هو حال بعض المصلين ،الذين يصلون من جهة ،وهم غارقون في معاصيهم ومنكراتهم جهة أخرى.
    فانظر أخي المسلم من أي القسمين أنت تجاه ركوعك وسجودك؟ هل أنت من المكثرين أم المقلين؟ هل أنت من الخاشعين أم الغافلين؟ إذا أردت أن تكون مع أولئك النفر.
    أيها المسلمون: أنبه على قضية ولا أطيل فيها لأنه قد سبق الكلام عليه مراراً ،لكن وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين، لا يزال يا عباد الله عدد من يجلسون في بيوتهم من المسلمين أضعاف أضعاف أضعاف من يحضرون إلى المساجد.
    فاتقوا الله أيها المسلمون. إلى متى لا نرجع إلى الله ،إلى متى ونحن مقصرون في أهم وأعظم ركن وشعيرة في ديننا بعد الشهادتين. أما يكفينا ما حصل لنا. كل هذه الصفات في وجوهنا ،ولم ينفع إلى الآن ،كل هذه الضربات فوق رؤوسنا ولم يفد حتى الآن.
    فاتقوا الله أيها المسلمون في أنفسكم ،واتقوا الله فيمن أنتم مسئولون عنهم.
    تفتح أبواب المساجد في كل فرض ولا يأتي إلا القليل ينتظر المصلين في الفجر إلى آخر الوقت ،ثم يُصلى بكسرة صف ،تسأل أين المصلين أين المسلمين. كل متلحف في فراشه. والغالب يقضيها بعد طلوع الشمس. أسألكم ،هل هذه حال ترضي الله عز وجل. أنت لو أمرت ولدك بأمر ،ثم لم يسمع كلامك ،ماذا تفعل معه ،لا شك أنت تعاقبه ،ولا تعطيه مصروفه ،أقل الأحوال أنك تغضب عليه. هذا حالنا مع الله عز وجل، ولله المثل الأعلى. يأمرنا ولا نطيع ،ينهانا ولا ننتهي.
    لا نريد أن ندخل في تفاصيل الأمور التي نفعلها. والمخالفات التي نرتكبها ،إنما كلمتنا ونصيحتنا عن الصلاة فقط.
    أيها الأخوة: إلى متى لا نحافظ على الصلاة ،إلى متى وتبقى مساجد المسلمين تشكو إلى الله عز وجل خصوصاً صلاة الفجر. كل هذه الآيات والنذر التي تمر فوق رؤوسنا لا تستحق أن نؤدي شكرها ،أقل ما نقدمه لله أن نحافظ على الصلاة؟ والله إنها لآية عظيمة من آيات الله ،هذا الذي حصل قبل أيام ،لكن لن يتعظ ويعتبر. يأتي قدر الله عز وجل ،ثم يسقط في أرض المسلمين ،ولا يختار إلا فئة أرادهم الله عز وجل ،اختارهم لذلك. وهناك حولهم من لم يصبه شيء. تخيل يا أخي لو تقدم هذا الذي سقط عدة أمتار، أو تأخر عدة أمتار ،ثم سقط عليك وأهلكك أنت وأولادك وزوجتك وجيرانك. والله إنها لآية عظيمة تستحق لوحدها خطبة كاملة لما فيها من المؤشرات. و|ن هناك جنود لله عز وجل لو صدق المسلمون مع الله لسخرها لهم. (ولا يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر).
    فنقول ألا تستحق هذه النعمة وغيرها كثير كثير أن تؤدي شكرها يا عبد الله ،وتقبل على ربك وتحافظ على صلاتك. وإلا فنخشى والله أن يصيبنا ما أصاب غيرنا ،أو ينطبق علينا قوله تعالى: (وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم). (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً إلا من تاب).
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ] -1

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    الله، يقول الله جل جلاله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) [الحجرات:10].
    يخبرنا تعالى عن صفاتِ المؤمنين، وأنّ المؤمنين إخوةٌ بعضُهم لبعض، فالمؤمن أخٌ لأخيه المؤمن، جمعتهم أخوةُ الإيمان، وحَّدتهم رابطةُ الإسلام، فهم إخوانٌ في الله متحابّون في الله. تلك الأخوّة تدعو ذلك المؤمنَ إلى أن يحبَّ لأخيه ما يحبّه لنفسه، وأن يكره له ما يكرهه لنفسه.أجل أيها المؤمن، تحبُّ له ما تحبّ لنفسك، فكلّ أمر تحبُّه لنفسك فأنت تحبُّه وترضاه لأخيك المؤمن، وكلُّ أمر تكرهه لنفسك ولا ترضاه لنفسك فأنتَ تكرهه ولا ترضاه لأخيك المؤمن، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه)).
    أيها الإخوة، هذه الأخوّة الصادقةُ تحمِل المؤمنَ إلى أن يعرفَ حقوقَ أخيه المؤمن، ويؤدِّيَ تلك الحقوق طاعةً لله وتقرُّبًا إلى الله، ليس لرجاءِ مصلحةٍ من أحد، ولا خوفًا من أحد، ولكن الذي يميله عليه أخوتُه الإيمانية في ذات الله، فهو يؤدِّي تلك الحقوق طاعةً لله وقربةً يتقرَّب بها إلى الله.
    أيّها المؤمن، حقوقُ المسلم عليك عديدةٌ، فالسعيدُ من عرَف تلك الحقوقَ، وأدّاها على الوجه المرضيّ.
    فمن أعظم حقوق أخيك المسلم عليك بذلُ النصيحة لهُ، دعوتُه إلى الله، حثُّه على الخير، السعيُ في إصلاح دينه واستقامة أخلاقه ودعوتُه إلى الاستقامة على هذا الطريق المستقيم. فتلك أعظمُ الحقوق؛ أن تنصحَ أخاك في الله نصيحةً تبتغي بها وجهَ الله، تمحضُ النصحَ.
    إن رأيتَه مخالفًا للشرع ورأيتَ في أعماله وتصرفاتِه ما يخالف شرعَ الله فتدعوه إلى الخير، وتنصحه وتوجِّهه وتحذِّره من مزالق السوء.
    إن رأيته يصحبُ فئةً منحرفة يُخشى عليه من صُحبتها شرٌّ وبلاء فحذِّره من تلك الرفقة السيئة، وبيِّن له عواقبَ رفقة أصحاب السوء وما تؤدِّي صحبتُهم من البلاء والفساد.
    إن رأيتَ أخاك المسلمَ يحمل فكرًا منحرِفًا وآراءً خاطئة مجانبة للصواب فليكُن موقفك منه تحذيره من تلك الأفكار السيئة والآراء المنحرفة، وتبيِّن له وجهَ ذلك، وتسوق له الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله، وتخاطبه بكلِّ خطابٍ ليِّن؛ لأن قصدَك استنقاذه وتخليصُه من هذه الأفكار المنحرفة والآراء الشاطّة التي تنافي تعاليم الإسلام. عندما تشعر أن أخاك المؤمنَ عنده تصوّرات خاطئةٌ وآراء غيرُ صحيحة ونظرات لمجتمعه المسلم لا توافق الصوابَ فلا تدَعه يلجّ في طغيانه ويتمادى في انحرافه، خُذ على يديه بنصيحةٍ ودعوة صالحة وحِكمة ورِفق ولين، عسى أن يقتنعَ منك ويتجنّبَ تلك الآراء والأفكارَ الخاطئة التي لا تعود عليه ولا على مجتمعه بالخير.
    عندما تشعر أن أخاك المؤمنَ خدعته دعاياتٌ مضلِّلة وأغواه منحرفون وزيّنوا له الباطلَ بما يضرُّ الأمةَ في دينها وأدنياها وبما يجلب عليها البلاءَ والمصائب فليكن موقفك منه موقفَ الناصح الكاشف لتلك الأباطيل الموضِّح له نتائجها السيئة وما يترتَّب عليها من أضرار على الفرد والجماعة.
    عندما تشعر أن أخاك المؤمنَ غير مقتنِع ببعض الأشياء أو أن عنده شكًّا في بعض تعاليم الشريعة، قد خدعته الدعاياتُ المضلّلة، فليكن موقفك منه موقفَ الناصح الموجِّه الذي يوضح الحقَّ ويبيّنه، هكذا فليكن المؤمنون فيما بينهم، تناصحٌ وتعاون ودعوةٌ إلى الخير وتحذيرٌ من أسباب البلاء والانحراف.
    أيها المسلم، من حقِّ أخيك المسلم عليك أن تمحض له المشورةَ الصادقة عندما يستشيرك ويستنصحك، فأدِّه مشورةً طيبة ونصيحة مباركةً تعتقدُ أنها الحقّ الذي ترضاه لنفسك.
    أخي المسلم، من حقِّ أخيك عليك أن تنصُره إذا وقعت عليه مظلمة، فتكون في صفِّه بالدعوة إلى الخير، وتكون في صفِّه بتوجيهه وتعليمه؛ كيف يتخلّص من تلك المظالم، وكيف يعالج القضايا، فتكون معه إلى أن يحقِّق الله له مطلوبَه بالطرق السليمة.
    وإن رأيته ظالمًا غاشمًا فكن ناصرًا له بأن تردعَه عن الظلم، وتبيِّن له نتائجَ الظلم الوخيمة في الدنيا والآخرة، حذِّره من مظالم العباد، حذِّره من دعواتِ المظلومين، وأن دعوةَ المظلوم مستجابة، ((واتقِ دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب))
    أخي المؤمن، عندما تشعر أن أخاك المسلمَ بينه وبين زوجتِه شقاق ونزاع، وأنت قادر على الإصلاح والتوفيق، فتذكر قول الله: (وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) [النساء:128]، فأصلح بين الزوجين، ووفِّق بينهما؛ لتكونَ من المؤمنين حقًّا.
    عندما يبلغك فجوةٌ بين الرجل وأبنائه وأمورٌ بينه وبين أبنائه واختلاف بينهم فبادر بنصيحةِ الأبناء، وحُثِّهم على البر والصلة وتحذيرهم من العقوق، ثم قابلِ الأبَ وحُثّه على الخُلُق الطيب والصبر مع الأولاد وعدم إحداث ما يسبِّب الشقاقَ والنزاع، حتى يعينَ أبناءَه على برِّه والإحسان إليه.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
    [ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ] -2

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد : أيها المسلم، من حقِّ أخيك المسلم عليك أن لا تكونَ غاشًّا له عندما تبيعه وعندما يشتري منك، فإياك أن تكونَ غاشًّا له ومدلِّسًا عليه وخادعًا له ومُخفيًا عيوبَ السِّلَع، فإنّ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من غشَّنا فليس منّا، والكذب والخداع في النار))
    من حقِّ أخيك المسلم عليك أن يَسلَم أخوك من شرِّ لسانك ويدك، فلا يكن لسانُك مغتابًا له ولا ساعيًا بنميمةٍ بينه وبين إخوانه لقصدِ الإفساد، ولا يكن لسانك يرميه بالعظائم ويتَّهمه بما هو براء منه ويقول عليه إثمًا، فحذّره من ذلك وبيّن له قول الله: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب:58].
    من حقِّ أخيك المسلم عليك أن لا ينال بسبب هفواتِ لسانك أن تقول فيه باطلاً، أو تشهدَ عليه زورًا وبهتانًا، أو تنسبَ إليه ما هو براء منه، فهذا من أعظم حقوقه عليك.
    ومن حقِّ أخيك عليك أن يسلَم من يدك، فلا تضربه ولا تُتلف مالَه ولا تخُطَّ بقلمك ما فيه ضررٌ وإيذاء له في الحاضر والمستقبل.
    من حقِّ أخيك المسلم عليك إن يكن عندك شهادةٌ له هو غافلٌ عنها لا يعلَم بها ويترتَّب على هذه الشهادةِ حفظُ حقوقه المالية فإنَّ الواجب عليك أن تظهرَها ولا تخفيها، (وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [البقرة:283].
    من حقِّ أخيك عليك عندما ترى وصيَّته التي يريدُ أن يوصيَ بها أو أوقافَه التي يريد أن يوقِفَها، حينما ترى فيها حَيفًا ومخالفةً للصواب وتفضيلاً للبعض على البعض فخُذ على يده ومُره بالعدل في وصيته وعدم مخالفة الشرع، (فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة:182].
    من حقِّ أخيك المسلم عليك أن تحفظَ ماله عندما يفقدُه وعندما يغيبُ ماله عنه وينساه، والنبي صلى الله عليه وسلم سأله الصحابيّ عن لُقطة الذهب والفضة قال: ((اعرِف عِفاصها ووكاءها، ثم عرِّفها سنة، فإن جاء صاحبها يومًا من الدهر فهي له، وإلاَّ فهي مال الله يؤتيه من يشاء)) فأمره أن يعرِف وعاءها ويعرِف ما رُبطت به ويحصِي عددها، ثم يعرِّف عليها حولاً كاملاً في مجامِع الناس وفي وسائل الإعلام تعريفًا عن مفقود وعن نقودٍ مفقودة أو حُليّ مفقود، فإن جاء ذلك الإنسان ووصف ذلك المال أو ذلك الحليّ بأوصافٍ تدلّ على صِدقه ومطابقة الواقع فادفعها له، وإن مضى عامٌ ولم يأتِ لها طالب فهو مال الله ملَّكك الله إياه إلى أن يأتيه من يدَّعيه ويبيِّن صفاتِه على الحقيقة. كلُّ هذا من حقِّ المسلم على المسلم.
    من حقِّه عليك ـ أخي المسلم ـ أن تبدَأه بالسلام إذا لقيته، فتقول: السلام عليكم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يحلُّ لمسلم أن يهجرُ أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهم الذي يبدأ بالسلام))
    ومن حقِّه إذا سلَّم عليك أن تردَّ عليه تحيّته، (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) [النساء:86]. فإذا قال: السلام عليكم، فقل له: وعليكم السلام، وإن زدته: "ورحمة الله وبركاته" فقد أخذت بالحظ الأوفر.
    من حقِّه عليك عيادتُه في مرضه وزيارته أثناءَ مرضه تضميدًا لجراحه ومواساةً له وإكرامًا له ولأهله، فعسى أن ينتفعَ من زيارتك بنصيحةٍ تُسديها إليه، وتذكيرًا له بحقوقٍ للناس غائبة عنه، وتذكيره بالتَّوبة إلى الله والإقلاع والاستغفار، وتذكيره بالوصيَّة العادلةِ التي لا جَور ولا ظلم فيها.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
    [ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ] -3

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    نبينا صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يؤمنُ أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبه لنفسه))
    فأحبَّ الخيرَ لأخيك المسلم، واسعَ له في الخير جهدَك، واكره له ما تكرهُ لنفسك، قِف معه في المواقف العصيبة، فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن فرَّج عن مؤمنٍ كربةً من كُرَب الدنيا فرّج الله عنه كربةً من كُرَب يوم القيامة.
    المسلم، من حقِّ أخيك المسلم عليك، إذا رأيتَه على أمر خالفٍ للشرع واطلعتَ على أمر يخالف الشرع يمارسه فليكن منك السترُ عليه قبل كلِّ شيء، ولا تحاول فضيحتَه وإشاعة الفاحشة عليه.
    اعلم أن الإنسان خطَّاء، وأن الشيطانَ يجري من ابن آدم مجرى الدم، وأن الإنسان ضعيفٌ أمام شهواته إلاَّ من لطف الله ورحِم وعصم، إذًا فليكن موقفك أمور، أولاً: السّتر عليه وعدمُ نشر تلك الفاحشة، وليحذر من قول الله: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) [النور:19]. فلا تفرح باطِّلاعك على أخطائه، ولا تفرَح بهلاكِه، بل اعلَم أن هذه من مكائد الشيطان، فليكُن موقفُك مع أخيك الستر عليه أولاً، ثم توجيهُه وتحذيره من تِلكم الجريمةِ التي يمارسها، وبيِّن له كتابَ الله وسنةَ رسوله، فعسى الله أن يجعلَ في سترك ورفقك سببًا يستحيي [منه] ويخجل، ثم يتوب إلى الله من خطئه.
    من حقِّ المسلم عليك، عندما تعلم أنَّ شخصًا من المسلمين حجَر على بناته ومنعهنّ الزواج، وأراد بمنعهنّ من الزواج استغلالَ حقوقهنّ وأموالهن ومرتَّباتهن أو أراد أن يجعلهنّ سِلعةً يساوِم بها لأغراضه الخاصة، يردُّ الأكفاءَ طلبًا في صاحب مال ونحوه، فليكن موقفك منه موقفَ الناصح الموجِّه، المحذِّر له من تلك الخطيئة، المبيِّن له أن البناتِ أمانة في أعناق الأب، إذا تقدَّم إليه من يرضى خلقَه وأمانته فليتَّق الله وليزوِّج البنات، ولا يجعلهنّ للمصالح المادية أو نحو ذلك، فإن هذه أمانة لا ينجو منها إلا إذا سلَّمها للكفء الذي يغلب على ظنه أهليته لذلك.
    أيها المسلم، عندما ترى المعاملاتِ السيئة عند أخيك، معاملاتٍ ربوية، ومعاملاتٍ فيها كذب وخداع وعدم مبالاة، فليكن موقفك منه النصيحة وتحذيره من الأموال المحرّمة، وأنه لا خيرَ فيها، وعواقبُها سيئة، وعواقبها فشل البركة والعذاب يوم القيامة.
    وأخيرًا يا أخي، المؤمنُ مرآةٌ لأخيه، فالمرآة تعكس حالَ أخيك، فليكن حرصُك على هدايته واستقامته وبُعده عن المخالفات لتؤدِّي حقَّ الأخوة الإسلامية الصادقة.
    أسأل الله لي ولكم العونَ والتسديد، إنه على كل شيء قدير.
    يقول صلى الله عليه وسلم : ((المسلمُ أخو المسلم؛ لا يظلمه ولا يكذبه ولا يحقره ولا يخذله)).
    أخي المسلم، قد يضمُّك مجلسٌ ما ترى بعضَ مَن لا حياءَ عنده ينتهك أعراضَ المسلمين، ينتقِص من حُرمتهم، ويهتك أعراضهم، ويقولُ فيهم من الأكاذيب والأباطيل ما هم برآء منه، فإياك وإيّاك أن تسكتَ بلا إنكار، وإياك أن يمرَّ المجلسُ عليك وأنت ساكت، انهض وانصح الجالسين، وحذِّرهم من انتقاص حرمة المسلمين، فإنّ من نصر أخاه المسلمَ في موقفٍ يُنتقص من عِرضه، ويُنتهك من حرمته نصره الله في موضعٍ يحبّ نصرتَه فيه، ومن خذل أخاه المؤمنَ في موضعٍ يُنتقص من عِرضه ويُنتهك حرمته خذله الله في موضع يحبّ نصرتَه فيه، فانصر أخاك، ودافِع عن عِرضه، ولا تدع للسفهاء والأراذل أن يمتدّوا في أعراض الأمة، ويقولوا الأكاذيبَ، ويفتروا الأباطيل، ويقولوا ما ليس لهم به علم، فإنّ المسلمَ إذا أخذَ على يد السفهاء ولم يترك لهم المجال، يقولوا بلا علم، أخذ على أيديهم، وحذَّرهم من عذاب الله، وبيَّن لهم أن نجوى المسلمين خيرها ما كان معِينًا على البر والتقوى، (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) [النساء:114].
    فكن ـ يا أخي المسلم ـ يقظًا عندما تُنتهَك أعراض المسلمين، دافِع عنها بقدرِ الاستطاعة، وقِف الموقفَ المحمود الذي تبتغي به وجهَ الله وترجو به ما عند الله.
    وفَّق الله الجميع لكل خير، وجنّبنا وإياكم أسباب الشر والبلاء، إنه على كل شيء قدير.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :في البخاري عن بلال بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم القيامة. وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سَخط الله عز وجل، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله عز وجل بها عليه سخطه إلى يوم القيامة)).
    يُلقي الرجل الكلمةَ لا يُلقي لها بالاً وهو يحتسي القهوة والشاي، يريد أن يملأ فراغه ويضحِك خلاّنه أو يسرّ الذين يسامرونه، فيسخر من أخيه المسلم أو يقع في عرضه همزًا أو لمزًا، هذه الكلمة قد يكتب الله بها عليه سخطه إلى يوم القيامة، قال علقمة: "كم من كلام منَعَنيه حديث بلال بن الحارث أن أقوله".
    قالت عائشة رضي الله عنها يومًا: يا رسول الله، حسبك من صفيّة كذا وكذا، تعني أنها قصيرة، فقال صلى الله عليه وسلم: ((لقد قلتِ كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته))، لو اختلطت بماء البحر لأنتَن البحر كلّه، هذه الكلمة ـ إنها قصيرة وهي تُرى قصيرة ـ أنتنت ماء البحر لو مزجت به، فكيف بكثير مما نقوله صباح مساء؟!
    وقال سبحانه: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا) [آل عمران:181]، وقال عز شأنه: (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور:15]، وحث على حفظ اللسان وصيانة المنطق ومجانبة الفحش والبَذاء فقال جل وعلا: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) [الإسراء:53]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ: ((أمسك عليك هذا)) وأشار إلى لسانه، فقال معاذ: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟! ف‍‍قال: ((ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟!)) وحصائد الألسن جزاء الكلام المحرّم وعقوباته. وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان تقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا))، قال النووي رحمه الله: ((تكفر اللسان)) أي: تذل له وتخضع".
    ولقد كان خوف السلف الصالح من آفات اللسان عظيمًا، فهذا أبو بكر كان يخرج لسانه ويقول: (هذا الذي أوردني شر الموارد)، وكان ابن عباس يأخذ بلسانه ويقول: (ويحك، قل خيرا تغنم، أو اسكت عن سوء تسلم، وإلا فإنك ستندم)، فقيل له: يا ابن عباس، لم تقول هذا؟ قال: (إنه بلغني أن الإنسان ليس على شيء من جسده أشد حَنَقًا أو غيظًا منه على لسانه إلا من قال به خيرًا أو أملى به خيرًا)، وكان ابن مسعود يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما على الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان، وقال الحسن: "اللسان أمير البدن، فإذا جنى على الأعضاء شيئا جنت، وإذا عفّ عفت"، وقال عمر : (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه، ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به)، وكان طاووس رحمه الله يعتذر من طول السكوت ويقول: "إني جربت لساني فوجدته لئيما وضيعا"، وقال أحد السلف: "إن ترك فضول الكلام والطعن في الناس أشق على النفس من قيام الليل"، وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: "كان بعض أصحابنا يحفظ كلامه من الجمعة إلى الجمعة".
    أيها المؤمنون، حفظ المرء للسانه وقلّة كلامه عنوان أدبه وزكاء نفسه ورجحان عقله، كما قيل في مأثور الحكم: "إذا تم العقل نقص الكلام"، وقال بعض الحكماء: "كلام المرء بيان فضله وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل".
    إذا شئت أن تحيا سليما من الأذى ... وحظك موفورٌ وعرضك صيّن
    لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ ... فكلّك عوراتٌ وللناس ألسن
    وعينك إن أبدت إليك معايبا ... يومًا فقل يا عين للناس أعين
    فصاحب بمعروفٍ وسامح من اعتدى ... وفارق ولكن بالتي هي أحسن
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :أيها المؤمنون قال الله جل وعلا: (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا) [الإسراء:82].
    وقال جل وعلا في القرآن: (قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء)[فصلت: 44] فإن الله جل جلاله جعل هذا القرآن هدى للمؤمنين، وجعل فيه الشفاء.
    قال العلماء: الشفاء في القرآن ثلاثة أنواع:
    فمنه الشفاء من أدواء الشبهات والشهوات. التي من تسلطت عليه أضلته وصار ساعيًا في الظلمات، والله جل جلاله جعل هذا القرآن هاديًا للتي هي أقوم (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)[الإسراء:9] فمن أراد السلامة من أمراض الشهوات ومن أمراض الشبهات، فعليه بالقرآن، فهو للذين آمنوا هدى وهو للذين آمنوا شفاء.
    النوع الثاني: أن القرآن شفاء لأمراض البدن بأنواعها. قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ما من داء إلا وفي القرآن شفاؤه، علمه من علمه وجهله من جهله, وآيات القرآن عند أهل العلم فيها من عجائب الاستطباب ومن عجائب التداوي بها ما لا يعلمه كثير من الناس.
    فانظر مثلاً إلى ابن عباس رضي الله عنه كيف تلا على الذي كان به داء الرعاف الذي استطال به. كان طريقة دواء ذلك الداء عند ابن عباس رضي الله عنه أنه كتب على جبينه آيات من القرآن وهي قوله تعالى: (وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر) [هود:44]. فشفى الله جل وعلا ذلك المريض.
    انظر إلى ذلك الرجل الذي أصيب بسمّ من بعض ذوات السموم. فأتاه بعض الصحابة فقرأ عليه القرآن، فأبطل الله جل وعلا ذلك السم وأثره وقام الرجل سليمًا يمشي بين الناس
    وهكذا القرآن فيه شفاء للأمراض البدنية.
    وقد عدّ العلماء من أنواع هجر القرآن التي تدخل في قوله تعالى: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورًا) [الفرقان:30]. عدوا من أنواع هذا الهجر، أن يهجر القرآن فلا يستشفي به.
    والنوع الثالث من أنواع الشفاء بالقرآن الشفاء من الأمراض النفسية، ومن عين الإنس وعين الجن ومن السحر، ومن جميع تلك الأمراض، التي قد لا تكون من جنس الأمراض البدنية.
    وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرقى بعض أولاد جعفر لما رأى فيهم من أثر العين. وقد أمر عليه الصلاة والسلام بذلك، وقد رقى عليه الصلاة والسلام ورُقي أيضًا.
    فالقرآن إذًا أيها المؤمنون شفاء، والرقية بالقرآن سنة ماضية فقد رقى جبريل عليه الصلاة والسلام نبينا محمدًا عليه الصلاة والسلام وقد رقى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من الصحابة، ورقى الصحابة أيضًا، رقى بعضهم بعضًا، وهذا امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه)) فالرقية بالقرآن وبالأدعية النبوية الواردة، فيها الشفاء بإذن الله، فهي سبب ينفع الله جل وعلا به. والقرآن فيه الشفاء للمؤمنين ولكن الظالمين لا يزيدهم إلا خسارًا.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً

    المواعظ الإيمانية [ 9 ] Fasel10

    كتاب : المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
    المؤلف : أمير بن محمد المدري
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    ( صلى الله عليه وسلم )
    المواعظ الإيمانية [ 9 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر 2024 - 4:56