من طرف الرسالة الأربعاء 26 فبراير 2014 - 14:07
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة علوم القرآن
المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
[ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
يقول الله تعالى وهو أصدق القائلين (( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً{63} الفرقان
هذه لوحة قرآنية رسمت فيها صفات عباد الرحمن وضح الله فيها معالمهم وصفاتهم وجعلهم أنموذجاً يقتدى بهم ويتأسى بهموعباد الرحمن هم المنسوبون إلى الله وحده فكما أن هناك عباد للشيطان وللطاغوت وللشهوات فإن هناك عباداً لله ، وكما أن هناك عباداً للدنيا والنساء فإن هناك عبيدُ لله وحده .
هؤلاء العباد الذين يئس الشيطان من أن يغويهم أو يجد منفذاً للسيطرة عليهم فقد أقسم كما قال جل وعلا : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ{82} إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ{83})) ص
وقال تعالى : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ))الحجر42
عباد الرحمن نسبهم الله إلى ذاته
عباد الرحمن إنه الرحمن الذي علم أنهم أهل لرحمته وأن رحمته تحيطهم عن يمينٍِ وشمال ومن فوقهم ومن تحتهم .
(جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَانُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) مريم 61، (قُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى) 59 النمل.
أخي الحبيب يا عبد الله
أتريد أن تكون من عباد الرحمن ؟ أتريد أن تنتسب إلى الله عز وجل أتريد أن تكون واحداً من هؤلاء ما عليك إلا أن تتصف بصفات عباد الرحمن قولاً وعملاً فما أكثر من يقول : أنا من عباد الرحمن ولكن أفعاله تقول غير ذلك أول صفة من صفاتهم كما قال تعالى : (وعبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً))
إنّ صفة المشي لها عند الله قيمة لأنها تعبر عما في الإنسان من مشاعر وأخلاق فالمتكبرون والمتجبرون لهم مشية والمتواضعون لهم مشية كل يمشي معبراً عما في ذاته
عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً متواضعين هيّنين ليّنين يمشون بسكينةٍ ووقار بلا تجبر واستكبار ولا يستعلون على أحد من عباد الله .
عباد الرحمن يمشون مشية من يعلم أنه من الأرض خرج وإلى الأرض يعود ((مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى))طه55
اعلموا أيها المسلمون
أنه ليس معنى يمشون على الأرض هوناً أنهم يمشون متماوتين منكسي الرؤوس كما يفهم بعض الناس فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أسرع الناس مشيةىً وأحسنها وأسكنها
قال أبو هريرة رضي الله عنه:
(ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله كأن الشمس تجري في وجهه ، وما رأيت أحداً أسرع في مشيته من رسول الله كأنما الأرض تطوى له ).
ورأى عمر بن الخطاب رجلاً يمشي رويداً مطاطأ الرأس فقال : مالك أأنت مريضاً ؟ قال : لا فعلاه بالدرة وأمره أن يمشي مشية الأقوياء .
ورأت أحد أزواج النبي شباباً يمشون متماوتين فقالت من هؤلاء ؟ قالوا النسّاك الزهاد.
فقالت : لقد رأيت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كانوا هؤلاء والقرآن نهى عن مشي المرح والبطر والفخر والاختيال قال تعالى : ((وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً))الإسراء37
وهذا لقمان يوصي ابنه ((وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ))لقمان18
لا تُمِلْ وجهك عن الناس إذا كلَّمتهم أو كلموك؛ احتقارًا منك لهم واستكبارًا عليهم, ولا تمش في الأرض بين الناس مختالا متبخترًا, إن الله لا يحب كل متكبر متباه في نفسه وهيئته وقوله.
ولا تكلم الناس وأنت معرض عنهم بل أقبل عليهم بوجهك وتواضع وابتسم فالابتسامة صدقة والله لا يحب كل مختالٍ فخور,المختال الذي يُظهر أثر الكبر في أفعاله.
والفخور الذي يظهر أثر الكبر في أقوالهوالله يحب المتواضع الذي يعرف قدر نفسه ولا يحتقر أحداً من الناس كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعوويقول:
( اللهم أحييني مسكيناً ومتني مسكيناً وأحشرني في زمة المساكين )
روى الامام أحمد قوله صلى الله عليه وسلم : (( من تعظم في نفسه أو اختال في مشيته لقي الله تبارك وتعالى وهو غضبان ))
وروى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بينما رجل ممن قبلكم يتبختر يمشي في بردته قد أعجبته نفسه فخسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة )
إذاً علام يتكبر الناس علام يتميزون علام يستعلون على عباد الله بأموالهم ومناصبهم ولو نظروا إلى أنفسهم لوجدوا أن أباهم الماء المهين وجدّهم التراب كما قال تعالى : ( وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهين ).
رأى مطرف بن عبد الله أحد الأمراء يمشي متبختراً فنهاه وقال هذه مشيةٌ يبغضها الله تعالى فقال له : أما تعرفني ؟ قال : نعم أعرفك.. وأعرف من أنت . انت الذي أولك نطفة مذرة ، وآخرك جيفةُ قذره ، وأنت مع ذلك تحمل العذره
فيا عجباً ممن خرج من مجرى البول مرتين كيف يتكبر .
ولا يمشي فوق الأرض إلا تواضعاً
فكم تحتها قوم همُ منك أرفعُ
وإن كنت عزٍ وجاهٍ ومنعةٍ
فكم مات من قومٍ همو منكم أقنعُ
ولذلك كان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين كان يمشي خلف أصحاب كواحدٍ منهم وكان يجلس لا يتميز عليهم ، حتى أن الرجل الغريب ليأتي فيقول أيكم بن عبد المطلب وكان في بيتكم في مهنة أهله ، يرقع ثوبه ويخصف نعله ويحلب شاته .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
[ وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
عباد الرحمن هم الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
فهم لا يلتفتون إلى حماقة الحمقى وسفه السفهاء ويترفعون عن الرد عن كل سب وشتم واستهزاء إنما هم أكرم وأرفع " وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً.
وقال تعالى :((وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً ))الإسراء53
وقل لعبادي المؤمنين يقولوا في تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب؛ فإنهم إن لم يفعلوا ذلك ألقى الشيطان بينهم العداوة والفساد والخصام. إن الشيطان كان للإنسان عدوًا ظاهر العداوة.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: ( لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشا ولا متفحشا، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقا ) البخاري ومسلم والترمذي.
عن أبي الدرداء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله ليبغض الفاحش البذيء) الترمذي وابن حبان في صحيحه.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة الصائم والقائم " أبو داود وابن حبان في صحيحه.
عن عمار بن ياسر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( حسن الخلق خلق الله الأعظم).
إن دعامة حسن الخلق التي بها يقوم، الرفق واللين والمعاملة الطيبة ومداراة السفهاء، وقد امتن الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعله لينا مع القوم غير فظ ولا عنيف ولا جبار فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ)آل عمران 159؛ ونصح موسى وأخاه هارون عليهما السلام إذ أرسلهما إلى فرعون (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه 44.
قال صلى الله عليه وسلم :
( إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله )البخاري ومسلم.
( إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وما لا يعطي على سواه ) مسلم.
" من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير".
" ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل هين لين سهل".
وحسن الكلام مع الأعداء يطفئ خصومتهم ويكسر شوكتهم (( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ )) فصلت34 وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
[ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
هؤلاء عباد الرحمن رأينا حالهم مع أنفسهم وهو بالتواضع لا الفخر ولا الكبرياء وحالهم مع الناس بالصبر على جهل السفهاء .
ثم انظروا حالهم مع ربهم إذا خيّم الليل وأرخى سدوله إذا أوى الناس إلى فرشهم كان عباد الرحمن مع ربهم ((يبيتون لربهم سجداً وقياماً ))
بينما كثير من الناس في غفلاتهم نائمون وفي سهرهم ماجنون هناك عباد يبيتون لربهم سجداً وقياماً ، إنهم يضعون الجباه التي لم تنحني لمخلوق يضعونها بين يدي الله جل وعلا راكعة ساجدة خاشعة خائفة طائعة
((إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ))السجدة15
وهم قياما يتلون أيات الله يسألونه الجنه ويستعيذون به من النار.
إنهم يفعلون ذلك ليس طلباً لمرضاة احد ولا لإيتغاء محمدة او شهرة وإنما يبيتون لربهم سجّداً وقياماً يبتغون وجهه يرجون رحمته ويخافون عذابه .
وصدق الله القائل عنهم ((أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ))الزمر9
لما أرشد الله تعالى أولياءه إلى صفة ما ينبغي أن يكون عليه حالهم بالنهار، من ترك الإيذاء والعدوان مبادأة وجزاء، عقب بذكر صفاتهم بالليل سجودا وقياما (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا )؛ فتكامل بذلك يوم المؤمن ليله ونهاره، سره وعلانيته، برا بالخلق وقياما بحق الخالق.
إن قيام الليل أفضل العبادات بعد المفروضات، لأن العبد يخلو فيه إلى ربه دون رياء أو تسميع، ويدعوه ويتضرع له بطمأنينة نفس وهدوء بال وخشوع قلب، خاليا من هموم الدنيا وشوائب الحياة وشواغل الكسب والأهل والولد، فتكون عبادته أشد إخلاصا ودعاؤه أكثر صدقا، وموقفه من ربه أبلغ قربا، كما ورد في حديث مسلم عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( أقرب ما يكون العبد من ربه عز وجل وهو ساجد، فأكثروا الدعاء )، أما إن كان السجود والدعاء والتضرع في جوف الليل كما ترشد إليه الآية الكريمة، فذلك الفوز الكبير والنجح الوفير؛ أخرج مالك والبخاري ومسلم والترمذي وغيرهم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغغفرني فأغفر له؟ ".
وروى أبو داود والترمذي والحاكم عن عمرو بن عنبسة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أقرب ما يكون العبد من الرب في جوف الليل، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " .
وروى الترمذي أيضا عن أبي أمامة قال: قيل يا رسول الله، أي الدعاء أسمع – أي أرجى عند الله تعالى- ؟ قال( جوف الليل الأخير ودبر الصلوات المكتوبات) .
عباد الرحمن هم الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً
روى الامام احمد عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ((عجب ربنا تعالى من رجلين رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين اهله الى صلاته فيقول الله جل وعلا انظروا الى عبدي ثار عن فراشه ووطائه رغبةًفيما عندي وشفقةًمما عندي
ورجل غزا في سبيل الله ثم إنهزم اصحابه فرجع حتى يهريق دمه فيقول الله انظروا الى عبدي رجع رجاء فيما غندي وشفقةً مما عندي ))
((إنهم عباد الرحمن كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)) الذاريات17
مات أحد علماء الصوفية في عصره هو الجنيد فقيل له يا امام ما فعل الله بك فقال ذهبنت تلك الاشارات وطاحت العبارات وضاعت العلوم ولم ينفعنا إلا ركعات كنّا نركعها في السحر.
عباد الرحمن
تتجافى جنوبهم عن المضاجع
كلهم مابين خائف متهجد وطامع
تركوا لذة الكرى للعيون الهواجع
وأستهلّت عيونهم فائضات المدامع
ودعوا ياربنا ياجميل الصنائع
عباد الله
شتان بين من يقضي الليل في طاعة الله وبين من يقضيه في معصيةالله
شتان بين من يسهر في لهو وعبث حتى قرب الفجر فإذا قرب الفجر ناموا
وبين من يقضي الليل صلاةً واستغفاراً وتسبيحاً ونوماً على ذكر الله .
شتان بين من يقضي الليل في إجرام يدبر المكائد والشرور لعباد الله الصالحين
وبين من يقضي الليل علماً وتعلماً ودعوة الى شرع الله.
عباد الرحمن
إذا ما الليل أظلم كابدوه
فيسفر عنهم وهم ركوع
أطار الخوف نومهم فقاموا
,اهل الامن في الدنيا هجوع
قال صلى الله عليه وسلم:
((إن في الجنةغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها قيل هي لمن يارسول الله قال((لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام)) رواه الترمذي
اللهم اجعلنا من عبادك الصادقين من عبادك المتقين الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
[ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
يذ كرالله صفة لعباده في كل الأوقات وفي جوف الليل أرجى: وهي سعيهم الدائب للنجاة من النار والدعاء إلى الله تعالى أن يعيذهم منها (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا(65)إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا)؛ والعذاب الغرام هو الألم الموجع الملح الملازم، والهلاك والخسران الدائم، يوضح ذلك وصفه لجهنم بأنها ( ساءت مستقرا ومقاما) ، وكونُها مستقرا خاصٌّ بالعصاة من أهل الإيمان، وكونها مقاما خاصٌّ بأهل الكفر لأنهم يخلدون فيها.إن الإِشارة إلى توجه عباد الرحمن بالدعاء إلى الله تعالى أن يصرف عنهم عذاب جهنم، مع اجتهادهم في العبادة وصدقهم في النية والقصد، دليل على أنهم في قمة الإخلاص خوفا من الله تعالى ورجاء فيه، وهذا كقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ ) المؤمنون60، وقد روى الحاكم عن ابن عباس قال:
لما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) التحريم 6، تلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على أصحابه، فخر فتى مغشيا عليه، فوضع النبي صلى الله عليه وسلم يده على فؤاده فإذا هو يتحرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يا فتى قل لا إله إلا الله " فقالها، فبشره بالجنة، فقال أصحابه: يا رسول الله أمن بيننا؟ قال: " ما سمعتم قوله تعالى(ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) ؟ إبراهيم14. وقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة".إن منزلة الخوف والرجاء هي مقام عباد الرحمن في الدنيا، ومن كان هذا حاله توج عمله بالحياء من الله تعالى والمحبة له ولأوليائه، وطهر لسانه من الكذب والغيبة وفضول القول، وبطنه من حرام المشرب والمطعم، وجوارحه من الآثام والفواحش، وقلبه من العداوة والخيانة والغش والحسد والرياء؛
فعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو في الموت فقال: " كيف تجدك؟ " قال: أرجو الله يا رسول الله، وإني أخاف ذنوبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف ) - الترمذي وابن ماجه وابن أبي الدنيا-، أما الدعاء وحده مع الإصرار على المعصية فذلك محض الجهل والغفلة والغرور والتعلق بالأماني، يقول تعالى:
(لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا) النساء123
إن لكل حق حقيقة يتجلى بها في أوضح صورة, وإن حقيقة عباد الرحمن أن تتوافر فيهم العقيدة السليمة والطاعات المفروضات عملا وتركا، والمعاملة اللينة الهينة الرحيمة مع الخلق، وذلك هو النور الرباني الذي يغشى قلوبهم ، ويأخذ بنواصيهم إلى جادة الخير والرحمة، ولله در حارثة رضي الله عنه إذ قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كيف أصبحت يا حارثة؟ " قال: أصبحت مؤمنا حقا، فقال عليه الصلاة والسلام: " انظر ما تقول، فإن لكل حق حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ " ، فقال: عزفت نفسي عن الدنيا، وأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا،وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعاورون فيها، فقال عليه الصلاة والسلام: " عرفت فالزم "، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن ينظر إلى رجل نور الله الإيمان في قلبه فلينظر إلى هذا "، ثم قال: يا رسول الله ادع لي بالشهادة، فدعا له فنودي بعد ذلك: يا خيل الله اركبي، فكان أول فارس ركب فاستشهد في سبيل الله-أخرجه الترمذي والطبراني والبزار والسيوطي في الدر المنثور-. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
[ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
من صفات عباد الرحمن الاعتدال في النفقة بقوله تعالى: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما) 67 الفرقان، وهو نظير قوله تعالى(وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيرا) الإسراء 26، وقوله عز وجل: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) الإسراء29.والإسراف عباد الله هو مجاوزة الحد في النفقة وبذل المال.
أما الإقتار والقتر والتقتير فهو التضييق الذي يعد نقيض الإسراف.
وبين الإسراف والتقتير درجة الاعتدال، وهي الفضيلة التي حث القرآن عليها بقوله: (وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما) الفرقان 67، أي وسطا واعتدالا بين الغلو والتقصير، وبين الإفراط والتفريط. إلا أن هذه الدرجة الوسط بين رذيلتي التقتير والإسراف، يبقى أمر تحديدها رهنا بمستوى ورع المرء وتقواه وإيثاره الدنيا على الآخرة، ومقامه بين حديها الأعلى والأدنى، وأدنى ذلك أن يبذل زكاة ماله ونفسه، وطعام عياله وأرحامه وضيوفه، وأعلاه أن يحتفظ لنفسه بقوت يومه، ويبذل ما سوى ذلك في أوجه البر والخير، لأن الأصل أن لا إسراف في البذل والخير، وأن الإمساك عن الطاعة هو الإقتار بعينه، ولذلك يقول عز وجل:
( وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِين) البقرة195، وتعني التهلكة الإمساك عن طاعة الإنفاق.
( وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُون( البقرة272
( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) سبأ 39
وأخرج البخاري): قَالَ عَبْدُاللَّهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَيُّكُمْ مَالُ وَارِثِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِه؟"ِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا مَالُهُ أَحَبُّ إِلَيْه،ِ قَال:"َ فَإِنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالُ وَارِثِهِ مَا أَخَّر"َ (
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَاتَ فَوُجِدَ فِي بُرْدَتِهِ دِينَارَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" كَيَّتَان ") أحمد
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَى أُحُدٍ فَقَال:"( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا يُحَوَّلُ لِآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ أَدَعُ مِنْهُ دِينَارَيْنِ إِلَّا دِينَارَيْنِ أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ" فَمَاتَ وَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً وَتَرَكَ دِرْعَهُ مَرْهُونَةً عِنْدَ يَهُودِيٍّ عَلَى ثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ) أحمد
لذلك كان السلف الصالح يرون من الورع ألا يجمع المرء ما لا يأكل ولا يبني ما لا يسكن، وذلك ما أشار إليه مجاهد بقوله: ( لو أنفق رجل مثل أبي قبيس ذهبا في طاعة الله تعالى لم يكن سرفا، ولو أنفق صاعا في معصية الله تعالى كان سرفا)، وقال ابن عباس: ( الإسراف الإنفاق في معصية الله، والإقتار منع حق الله)، وسأل وهيب بن الورد عالما: ما البناء الذي لا سرف فيه؟ قال: ما سترك عن الشمس وأكنك من المطر، فقال: ما الطعام الذي لا سرف فيه؟ قال: ما سد جوعتك،فقال له في اللباس، قال: ما ستر عورتك ووقاك من البرد.
إن الإنفاق المقبول عند الله تعالى في أوجه البر رهن بمدى حلّية المال وطيبته: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيد ) البقرة 267،
كما يتحدد مقداره بمستوى علو همة المنفق وسمو مرتبته في سلم العابدين ومدارج السالكين ومرقاة الواصلين، ومدى تعلقه بالآخرة وثقته بالله تعالى؛ لذلك فالعدل والقوام بين الإسراف والتقتير نسبي بهذه الصفة، ولكل منفق أجره وثوابه إن قصد وجه الله عز وجل، وأنفق من طيبات ما كسب، أما الإسراف فحقيقته الإنفاق في معصية الخالق أو الإضرار بالمخلوق.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
[ وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
من صفات عباد الرحمن التوحيد الخالص بقوله تعالى: ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَر) الفرقان68، وذلك لأن دعوة غير الله تعالى معه أو من دونه، أعظم ما ارتكب من خطايا وآثام ( وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم) لقمان 13 ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً)، وأخطر ما اعتدي به على حق الله عز وجل( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار)المائدة 72.
سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ قَالَ( أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ " قَالَ: ثُمَّ أَي؟،ٌّ قَال:"َ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشيَة َأَنْ يَطْعَمَ مَعَكَ " قَال:َ ثُمَّ أَي؟،ٌّ قَال:"َ أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِك"َ ،َ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ ( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) مسلم واحمد.
إخواني أن الشرك نوعان : أحدهما الشرك الأكبر وهو المخرج من الملة، وثانيهما الشرك الخفي أو الأصغر الذي يعد ذنبا عظيما تجب المبادرة بالتوبة منه، لأنه مدعاة للعقوبة الشديدة في الآخرة؛ ومن أمثلته أن تعمل العمل لله ولوجوه الناس، أو للمنزلة أو للتسميع والرياء، )عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمُ الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ قَالُوا وَمَا الشِّرْكُ الْأَصْغَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الرِّيَاءُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا جُزِيَ النَّاسُ بِأَعْمَالِهِمُ اذْهَبُوا إِلَى الَّذِينَ كُنْتُمْ تُرَاءُونَ فِي الدُّنْيَا فَانْظُرُوا هَلْ تَجِدُونَ عِنْدَهُمْ جَزَاءً " ) ابن حنبل
وعن أبي سعيد الخدري قَال:َ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ:" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَا هُوَ أَخْوَفُ عَلَيْكُمْ عِنْدِي مِنَ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ قَالَ: قُلْنَا بَلَى فَقَالَ:( الشِّرْكُ الْخَفِيُّ أَنْ يَقُومَ الرَّجُلُ يُصَلِّي فَيُزَيِّنُ صَلَاتَهُ لِمَا يَرَى مِنْ نَظَرِ رَجُلٍ " ) ابن ماجه
أما الشرك الأكبر المخرج من الملة فثلاثة أصناف:
شرك الربوبية، باعتقاد أن مع الله تعالى إلها آخر يخلق ويسير ويدبر…( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُون) يونس 3 (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) الأعراف185.
شرك الألوهية، وهو التوجه بالعبادة صلاة وصياما وحجا ونسكا ورجاء وتوكلا وخوفا ورهبة ورغبة ومحبة لغير الله معه أو من دونه، أو اتخاذ الوسطاء بين العبد وربه كما لدى القبوريين والباطنيين واليهود والنصارى ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام 162.
شرك الأسماء والصفات، كأن تسمي الله تعالى أو تصفه بما لم يرد في الكتاب والسنة، أو تعتقد أن مخلوقا يتصف بصفة كمال كاتصاف الله بها، كما لدى الخرافيين والمشعوذين الذين يدعون معرفة الغيب والقدرة المطلقة ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون) الأعراف180، ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى 11
إن الشرك الأكبر هو الوجه الثاني للكفر، أما الأصغر فهو الممهد له المعبد طريقه المؤدي إليه. لذلك على المؤمن أن يبذل قصارى جهده لتجنب الشرك الأصغر وسد جميع الذرائع إليه، وأن يبادر بالاستغفار والتوبة من كل خاطرة أو لمحة أو نجوى بها شبهة ذلك.
[ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
لا زلنا وإياكم في ضلال صفات عباد الرحمن وصفة اليوم هي صفة صيانة النفس البشرية من التلف، بقوله تعالى:
( وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَق) الفرقان 68، لأن الأصل في النفس البشرية أنها واحدة ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء) النساء 1، وقتل الجزء بمثابة قتل الكل. والأحاديث النبوية في الأمر كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم: ( كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو قتل مؤمنا متعمدا) مورد الظمآن،
وقوله((قَتْلُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ زَوَالِ الدُّنْيَا) النسائي وقوله صلى الله عليه وسلم ( أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ) البخاري.
ويشمل ذلك قتل الإنسان نفسه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ بِيَدِهِ يَجَأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ بِيَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يُرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا)) أحمدكما يشمل الإجهاض وعملية تحديد النسل، بطرق غير شرعية ولغير ضرورة معتبرة، وفي ذلك يقول الله تعالى ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ)الأنعام 140. ويشمل قتل الغير( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) الأنعام 151 ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) المائدة32.عباد الله أيها المسلمون ومن صفات عباد الرحمن اجتناب فاحشة الزنى: بقوله تعالى (وَلا يَزْنُون) الفرقان 68، وكما قال تعالى: ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلا) الإسراء 32
ولذلك بين رسول الله صلى الله عليه وسلم العواقب المدمرة لشيوع الفاحشة في المجتمع( عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال:"َ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ، لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِم،ْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُم) ابن ماجه
وقد امتدح الله تعالى العفة وحرض عليها وبشر أصحابها بالفلاح ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ) المؤمنون 5، وأرشد إلى ما يعين على ذلك ويسد الذرائع إلى فاحشة الزنى ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُون) النور 30، وقال صلى الله عليه وسلم:( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ) البخاري، كما حذر عز وجل حفظا للمجتمع وصيانة للأعراض من إشاعة الفاحشة بالقول أو الفعل أو سوء الظن(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة) النور 19
ثم يُعقِب الله صفات عباد الرحمن بوعيد صارم للعصاة ، ووعد حق للطائعين التوابين.
أما وعيده فقوله تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاما ) ، فقوله (ومن يتجرأ على فعل تلك الأثام من القتل والزنا يلق أثاما أي نكالا ووبالاً (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا) الفرقان 69، فالخلود في النار بسبب الشرك ودعوة غير الله تعالى، أما المؤمن فتضاعف عقوبته ولكنه لا يخلد في النار.
هذا الوعيد الصارم الشديد أسلوب يؤثر في النفس البشرية التواقة إلى النجاة والسعادة، إذ الخوف والرجاء فطرة بشرية أصيلة، والمؤمن الحق دائما بين خوف يرده عن المعاصي ورجاء يحث به الخطى نحو الجنة،( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِين) الأنبياء90
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
[ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
تأتي رحمة الله الواسعة لذلك عقب تعالى على ذكر العقوبة ، بفتح باب الرجاء والأمل والبشارة لمن أقلع وتاب ورجع إلى الحق والصواب، كيلا تتقطع قلوب العباد يأسا وقنوطا ، فقال (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيما) الفرقان 70، فأرشد إلى طريق النجاة من العذاب المضاعف المخلد في النار، وبَيَّنَ أن التوبة مسلك ذلك ووسيلته الأولى والوحيدة.
إن حقيقة التوبة الرجوع عن الذنب إلى الطاعة، والله تواب: أي يتوب على عبده ويقبل توبته ويعود عليه بالمغفرة والفضل، أو يوفقه للتوبة ويسدد خطاه في طريقها.
و التوبة فرض على جميع المسلمين ، لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَار)، فوصفها تعالى بلفظ ( نصوح) تمييزا لها عن التوبة المائعة الوقتية التي سرعان ما تتلاشى؛ فالنصوح (أي الخلوص ) والصدق أهم صفاتها وجوهر حقيقتها، يقال " والتوبة النصوح كذلك لأنها تخلص صاحبها من كل الآفات وتصفيه من كل الذنوب.لذلك كانت للتوبة النصوح شروط لا تتحقق إلا بها، وهي:
1-الندم على ما ارتكب من السيئات. 2-الإقلاع عن رديء الأعمال والعادات.
3-القيام في الحال على أحسن الحالات.4- رد الحقوق والمظلمات.
5- العزم على ترك العودة إلى المخالفات.6- تدارك ما أمكن تداركه مما فات من الأعمال الصالحة والعبادات.
فالتوبة بذلك ندم يورث عزما وقصدا، وعلامة الندم رقة قلب خوفا ورجاء، وغزارة دمع حزنا واستغفارا، لذلك قال عمر رضي الله عنه: (اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة). وعلامة العزم والقصد الإقلاع البات والجهد في الطاعة.و لقد رغب الشرع الحكيم في التوبة وحرض عليها وحببها بنصوص الكتاب والسنة فقال تعالى:
َ ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون ) النور31
- (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين ) البقرة 222
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم) التوبة 104
(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر 53
(وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيما ) النساء 110 وأخرج أحمد:حَدَّثَنَا عَن أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا
وأخرج مسلم: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ إن الله عز وجل يستثني من العذاب، التوابين توبة نصوحا، توبة في طياتها الإيمان والعمل الصالح، ويجزيهم على ذلك جزاء أوفى يناسب عظمة كرمه وعفوه، ومن أكرم منه تعالى؟ ومن أكثر عفوا منه سبحانه؟ يقول عز وجل: (فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الفرقان 70
أخرج الإمام أحمد: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَعْرِفُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنَ النَّارِ وَآخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ يُؤْتَى بِرَجُلٍ فَيَقُولُ نَحُّوا كِبَارَ ذُنُوبِهِ وَسَلُوهُ عَنْ صِغَارِهَا قَالَ فَيُقَالُ لَهُ عَمِلْتَ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا وَعَمِلْتَ كَذَا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا قَالَ فَيَقُولُ يَا رَبِّ لَقَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَمْ أَرَهَا هُنَا قَالَ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ قَالَ فَيُقَالُ لَهُ فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
[ وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ]
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
صفات عباد الرحمن تتوالى ومن صفاتهم قال تعالى بعد ذلك (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ ) الفرقان72وحرف الزاي والواو والراء أصل واحد يدل على الميل والعدول، ومنه " ازوَرَّ عن الشيء" إذا مال عنه وانحرف، وكل ما هو تغيير للحق والحقيقة زور، فالكذب زور لأنه ميل عن طريق الحق، والشرك والكفر والباطل أيا كان زور، ومجالس اللهو والعبث والفاحشة زور كذلك، أما شهادة الزور فمنها حضور كل مجلس يجري فيه ما لا يجوز شرعا أو مروءة، لأن مجرد مشاهدة هذه المجالس أو حضورها اشتراك فيها وإقرار لها ورضا بها، يقول تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ) الأنعام 68، ويقول أيضا: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) الحج30، ومنها أيضا تزوير الحقائق وقلبها عند تأدية الشهادة إن احتيج إليها، وهو ما رواه البخاري في صحيحه، قال عَنْ عَبْد ِالرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِر"ِ ثَلَاثًا، قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَال:َ " الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْن "،ِ وَجَلَسَ وَكَانَ مُتَّكِئًا فَقَال:"َ أَلَا وَقَوْلُ الزُّورِ"، قَالَ فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا حَتَّى قُلْنَا لَيْتَهُ سَكَتَ ) . والآية بهذا تحرم الزور قولا وفعلا وسماعا ومشاهدة وشهادة، وتنزه المؤمن عن مخالطة الشر وأهله، وتصون دينه عما يثلمه ويشينه.
ثم يقول تعالى (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ) الفرقان72:
واللغو هو كل ما سقط من قول أو فعل أو سفاهة، وما لا يعتد به ولا تحصل منه فائدة،. واللغو كل ما يجب أن يلغى ويترك من الأقوال والأفعال مما ليس بطاعة أو مباح؛ فإذا صادف أن مر المؤمن بمجالس الزور واللغو أكرم نفسه ونزهها بالإعراض والإنكار وترك الخوض فيها أو المساعدة عليها أو النظر والمشاهدة لها (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ).
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
كتاب : المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
المؤلف : أمير بن محمد المدري
منتدى ميراث الرسول - البوابة
( صلى الله عليه وسلم )