منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المواعظ الإيمانية [ 6 ]

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    المواعظ الإيمانية [ 6 ] Empty المواعظ الإيمانية [ 6 ]

    مُساهمة من طرف الرسالة الأربعاء 26 فبراير 2014 - 14:04

    المواعظ الإيمانية [ 6 ] Quran010

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة علوم القرآن
    المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
    المواعظ الإيمانية [ 6 ] 1410
    [ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    عباد الله يقول جل وعلا : (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً ) الفرقان73:
    وللمرء إذا ما ذُكر بآيات الله وآلائه ونعمه، أو وجه إليه نصح أو ترغيب في رضا الله أو ترهيب من غضبه، أو حث على فعل الواجب واجتناب المحرم، أحد موقفين:
    إما أن يتلقى ذلك مفتحا ذهنه حريصا على الاستفادة، مقبلا على المذكر الناصح بأذن واعية وعين راعية وقلب خاشع، ممتثلا لشرع الله وحكمه، وهو بذلك من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الزمر18.
    وإما أن يخر على النصح بأذن صماء وعين عمياء وقلب مختوم عليه، لا يتأثر ولا يتغير، ويبقى مستمرا على الغواية والضلال والجهل والكفر، وعن مثله قال تعالى:( وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ) الأعراف 179.
    أيها المسلمون إن الذين يذكرون بآيات الله صنفان: سعيد وشقي، وقلبان: حي وميت، وفيهما قال تعالى:( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُون،َ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) التوبة 124-125
    والصفة الاخرى لعباد الرحمن فهم دائماً يدعون الله (و يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ ) الفرقان74:
    لأن الرجل إذا كانت له زوجة صالحة وذرية طيبة مطيعة معاونة، وبورك له في أهله وولده قرت عينه بهم وسكنت عن ملاحظة أزواج الآخرين وذرياتهم، وذلك هو قرة العين وسكون النفس. ولذلك يحرص عباد الرحمن على أن يكون لهم أعقاب عمال لله تقر بهم الأعين، وأزواج صالحات يساهمن في تربية الذرية على التقوى والصلاح، فلا تنقطع أعمالهم بالموت وإنما تستمر في الأبناء والحفدة، ويوقنون أن ذلك هبة من الله تعالى فيلجؤون إليه بالدعاء والتوسل (قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء )آل عمران 38 (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً ) مريم 5-6. قال صلى الله عليه وسلم:( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث، صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له) الترمذي والنسائي.
    (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ) الفرقان74:
    والمعنى أن من صفات عباد الرحمن أن يسألوا ربهم أن يبلغهم في العلم والدين مبلغا يجعلهم هداة إلى الخير دعاة إلى الطاعة، أئمة يقتدى بهم وتكون سيرتهم أسوة حسنة ودعوة صادقة يسترشد بها (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) الأنبياء 73،
    ثم ختم عز وجل وصفه لعباده المتقين بذكر الجزاء الذي أعده لهم فقال (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً) الفرقان 75, أي أن المتصف بالصفات الواردة في هذه الآيات ،وهي التواضع والحلم و التهجد و الخوف من الله، و الاعتدال في الأمر كله والرفق في القول والتصرف، والتنزه عن الشرك والكبائر، والتوبة والإعراض عن السوء وأهله، وتحمل الأذى والعفو عن أهله، واجتناب الزور واللغو، وقبول الموعظة و النصح، و الابتهال إلى الله طلبا للعون بالزوجة الصالحة والذرية الطيبة وببلوغ مرتبة الإمامة في الدين000 كان جزاءه بما صبر على الطاعة و عن الشهوات ثلاثة أصناف من التكريم0
    1- الدرجة العليا من الجنة و قد عبر عنها القرآن " بالغرفة " (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواً) الفرقان 75, و الغرفة لغة هي كل بناء عال، يقول تعالى (وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ) سبأ 37, ( لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ) الزمر20
    2- التعظيم، لقوله تعالى (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاماً) الفرقان 75, والتحية تكون لهم من الله تعالى (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يس 58, و تكون أيضا من الملائكة (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) الرعد 23-24.
    3- دوام هذا التعظيم خالصا غير منقطع، لا يشوبه سوء أو اضطراب، وخلود المقام في الجنة لا يظعنون ولا يحولون ولا يموتون (خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً)الفرقان 76, (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) هود 108.
    أسال الله العلي القدير أن يجعلنا من عباده الذين إصطفاهم ورضي عنهم
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    ● [ سورة العلق ] ●
    [ العلق -1 ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    إنّ أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع يكاد يكون تامًا هي صدر سورة العلق.
    وروى الطبري - بإسناده - عن عبد الله بن الزبير . قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءني - وأنا نائم - بنمط من ديباج فيه كتاب . فقال:اقرأ . فقلت:ما اقرأ . فغتني حتى ظننت أنه الموت . ثم أرسلني فقال:اقرأ . فقلت:ماذا أقرأ ? وما أقول ذلك إلا افتداء من أن يعود إلي بمثل ما صنع بي . قال: اقرأ باسم ربك الذي خلق . . . إلى قوله:علم الإنسان ما لم يعلم قال:فقرأته . ثم انتهى , ثم انصرف عني . وهببت من نومي , وكأنما كتب في قلبي كتابا . قال:ولم يكن من خلق الله أبغض علي من شاعر أو مجنون . كنت لا أطيق أن أنظر إليهما , قال:قلت:إن الأبعد - يعني نفسه - لشاعر أو مجنون ! لا تحدث بها عني قريش أبدا ! لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه فلأقتلنها فلأستريحن ! قال:فخرجت أريد ذلك . حتى إذا كنت في وسط الجبل سمعت صوتا من السماء يقول:يا محمد . أنت رسول الله وأنا جبريل . قال فرفعت رأسي إلى السماء , فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول:يا محمد أنت رسول الله وأنا جبريل . قال:فوقفت أنظر إليه , وشغلني ذلك عما أردت , فما أتقدم وما أتأخر , وجعلت أصرف وجهي عنه في أفاق السماء , فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك , فما زلت واقفا ما أتقدم أمامي , ولا أرجع ورائي , حتى بعثت خديجة رسلها في طلبي , حتى بلغوا مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني . . ثم انصرف عني وانصرفت راجعا إلى أهلي . . . "
    إن جبريل جاء النبي صلى الله عليه وسلم بصدر هذه السورة ((اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)), صدر السورة إلى هنا يكاد الإجماع ينعقد على أنه أول كلام إلهي صافح آذان البشرية حين تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم,
    إنه حادث ضخم . ضخم جدا . ضخم إلى غير حد . ومهما حاولنا اليوم أن نحيط بضخامته , فإن جوانب كثيرة منه ستظل خارج تصورنا !
    إنه حادث ضخم بحقيقته . وضخم بدلالته . وضخم بآثاره في حياة البشرية جميعا . . وهذه اللحظة التي تم فيها هذا الحادث تعد - بغير مبالغة - هي أعظم لحظة مرت بهذه الأرض في تاريخها الطويل
    ما حقيقة هذا الحادث الذي تم في هذه اللحظة ?
    حقيقته أن الله جل جلاله , العظيم الجبار القهار المتكبر , مالك الملك كله , قد تكرم - في عليائه - فالتفت إلى هذه الخليقة المسماة بالإنسان , القابعة في ركن من أركان الكون لا يكاد يرى اسمه الأرض . وكرم هذهالخلقية باختيار واحد منها ليكون ملتقى نوره الإلهي , ومستودع حكمته , ومهبط كلماته , وممثل قدره الذي يريده - سبحانه - بهذه الخليقة .
    وما دلالة هذا الحادث ?
    دلالته - في جانب الله سبحانه - أنه ذو الفضل الواسع , والرحمة السابغة , الكريم الودود المنان . يفيض من عطائه ورحمته بلا سبب ولا علة , سوى أن الفيض والعطاء بعض صفاته الذاتية الكريمة .
    ودلالته - في جانب الإنسان - أن الله - سبحانه - قد أكرمه كرامة لا يكاد يتصورها , ولا يملك أن يشكرها . وأن هذه وحدها لا ينهض لها شكره ولو قضى عمره راكعا ساجدا . . هذه . . أن يذكره الله , ويلتفت إليه , ويصله به , ويختار من جنسه رسولا يوحي إليه بكلماته . وأن تصبح الأرض . . مسكنه . . مهبطا لهذه الكلمات التي تتجاوب بها جنبات الوجود في خشوع وابتهال
    ثم ذهبت السورة تحكي أمورًا أخرى ((كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعًا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب)).
    آيات قليلة بناؤها واضح, ولكنه معجز, القضايا التي أثارتها, المهمات التي طرحتها ما هي؟ هل فكرتم بها؟ تعالو نشترك بالتفكير, افتتاح السورة بقول الله جل اسمه خطابًا للنبي الكريم عليه السلام " اقرأ " مع أن النبي صلى الله عليه وآله أمي, لا يقرأ ولا يكتب ولا يحسب, شيء يلفت النظر, ما معنى أن تقول للأمي اقرأ؟ ألست تكلفه محالاً, وتكليف المحال عبث لا يليق بالعقلاء, ما معنى تكليفك لأمي بالقراءة, ولو اجتهد مجهوده كله ما أطاق ذلك؟ لكن في الأمر لطيفة.
    قول الله للنبي اقرأ لا يعني فقط أن الإنسان يجب أن يقرأ من الكتاب؛ لأن القراءة لا تتوقف على الكتاب فقط, يعني هذا أن الإنسان إذا كان لا يحسن أن يقرأ ويكتب فهذا لا يعفيه من عملية المتابعة وجمع المعلومات مشافهة, والنبي صلى الله عليه وسلم مع أنه لم يكن يقرأ ولم يكن يكتب ولم يخط بيمينه كتابًا كما أخبر الله في القرآن فقد استطاع بعون الله وعنايته أن يجمع في صدره الشريف الوحي المكرم بسماعه وبحروفه, والصحابة رضي الله عنهم الذين تلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن كانت غالبيتهم العظمى الساحقة لا تقرأ كتابًا, ولا تخط بيمينها شيئًا, ومع ذلك كان النبي عليه السلام يخبر بالآي من كتاب الله فيجمعه الصحابة رضي الله عنهم في صدورهم, وبذلك كانوا قارئين.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
    [ العلق -2 ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    إقرأ بإسم ربك الذي خلق كل أمر . كل حركة . كل خطوة . كل عمل . باسم الله . وعلى اسم الله . باسم الله تبدأ . وباسم الله تسير . وإلى الله تتجه . وإليه تصير .
    والله هو الذي خلق . وهو الذي علم . فمنه البدء والنشأة , ومنه التعليم والمعرفة . . والإنسان يتعلم ما يتعلم , ويعلم ما يعلم . . فمصدر هذا كله هو الله الذي خلق والذي علم . .(علم الإنسان ما لم يعلم). .
    ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) ماذا يعني هذا القول؟ نحن نستمع في المحافل وفي المراسيم والقرارات: باسم الشعب الفلاني, باسم الأمة, نحن رئيس الجمهورية, أو نحن القاضي فلان, أو نحن الوزير الفلاني, نقر ما هو آت, فالتقرير ليس باسم شخص معين, وإنما هو باسم الأمة, وفقًا أو اعتبارًا بأن الأمة هي مصدر السلطان على النحو المفهوم والمرفوض في العصر الحاضر.
    فقول الله جل وعلا ((اقرأ باسم ربك الذي خلق)) يشكل مفترقًا للطريق بين الإسلام وبين ركام الجاهلية وغثائها الذي كان معروفًا زمن النبي عليه السلام, والذي سيظل معروفًا مادامت الدنيا دنيا, وما دام الناس في شرورهم, هذا الذي نرى, القراءة والعلم, الحركة والانتباه, القيام والقعود, أي تصرف من التصرفات لا ينبغي أن يكون باسم فرد, ولا ينبغي أن يكون باسم أمة, وإنما ينبغي أن يكون باسم الله, الله جل وعلا هو المالك, وهو المتصف, وهو الخالق, وهو الرازق, فالاشتراك معه في الأمر والتقرير, والتقدير والنهي محاولة للاعتداء على سلطان الله جل وعلا في كونه, كل ما يفعله الإنسان ينبغي أن يكون باسم الله على وفق منهاج شرعه وعلى وصف خطى نبيه صلى الله عليه وسلم, والأفراد والأمم والشعوب لا حق لها في أن تأمر وفي أن تنهى, وتأتي بقية لهذا بعد قليل.
    ((اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق)) العلق: العلقة في كلام العرب نقطة الدم اللزجة المتجمعة, حينما يشير القرآن ـ من أوليات الوحي ـ إلى هذه الحقيقة, يترك للذهن أن يشرح, يلاحظ هذه القطرة من الدم التي وقعت في الرحم, كيف نشأت؟ وكيف تطورت؟ وكيف تخلقت جنينًا في البطن؟ ثم كيف خرجت إلى عالم الدنيا طفلاً لا يكاد يستقل بنفسه, ولا يحصل لنفسه على نفع ولا يدفع عنها أذى, ثم مازالت عناية الله تحف بهذا المخلوق العاجز حتى كان طفلاً يدرج ثم شابًا, ثم كهلاً, ثم شيخًا, وإذا هو بشر سوي, هذا الإنسان الذي يتحرك ويأتي بالمعجزات, ويقدم المنجزات ويفتح في العلم فتوحًا تذهل العقول, وتستأسر الألباب, هذا بدايته نقطة دم علقة, فحين يناديك ربك بالعلم والقراءة وأنت لا تعلم ولا تقرأ لا تغفل أيها الإنسان عن أن وقوف الشيء ووقوف المخلوق عند مرحلة واحدة أمر محال, فكل شيء إلى تطور, وكل شيء إلى ترقي, وكل شيء إلى اندفاع نحو الأحسن, ونحو الأفضل وكما تخلقت هذه العلقة فكان منها الإنسان المدرك المحس الفعال المريد, المفكر المقدر, كذلك أنت لا تستقِل نفسك ولا تسهن بها, أنت اليوم لا تعلم لكنك لو حاولت أن تقرأ وأن تجمع علمًا إلى علم وكلامًا إلى كلام وقضية إلى قضية, فلن يمضي كبير زمن حتى تكون عالمًا مع العاملين فإذا قعدت عاجزًا لا تقرأ ولا تتكلم ولا تغشى مجالس العلم ولا تسأل, فحتى متى؟ متى تكون عالمًا ودينك دين العلم؟ متى تكون عالمًا وفي الإسلام لا مكان للجهلاء؟ متى تكون عالمًا وأنت اليوم تعيش في عصر ينبذ الجهلاء والجاهلين, كذلك يجب عليك أن تكون من العالمين ((اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم)).
    هذه الأداة التي هي القلم لا يكلف شراؤها إلا مبلغًا زهيدًا, لكن قيمتها الذاتية لا تقدر بثمن, بهذا القلم عرفنا أخبار الأولين واطلعنا على تجارب الماضي, ونقلت إلينا حقائق العلوم, وكل ما تتنعم به الإنسانية من تراث حضاري, فالفضل فيه يعود إلى القلم, الماضون كتبوا وقرأنا وتعلمنا, ونحن نكتب ونضيف إلى هذا التراث ما أعاننا الله عليه, وأولادنا يفعلون ذلك؟ بم كل هذا الشيء؟ بهذه الأداة التي لا يكاد أحدًا يلقي إليها بالاً, هي القلم, من الذي علمك أيها الإنسان أن تكتب بالقلم؟ الله, الله الذي لا إله إلا هو علم بالقلم, علم الإنسان ما لم يعلم.
    اسمعوا ماذا تقول مطالع سورة البقرة: ((وإذا قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)) ثم ((وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون)).
    الله جل وعلا اختص أبانا آدم بهذه الكرامة وسحب الكرامة على أبنائه جميعًا لغاية أرادها الله وهو أعلم بها وهي غاية الخلافة في الأرض والقوامة على كلمات الله والحراسة لشريعة الله تبارك وتعالى ((علم الإنسان ما لم يعلم كلا)) هذه السورة ترددت فيها "كلا" ثلاث مرات كلا, وأنت تقرأ السورة تشعر أنك حين تقول كلا كأنما أنت تقود سيارتك في الطريق وإذا بك فجأة أمام النور الأحمر, فتجد نفسك مضطرًا إلى الوقوف لأنك لو تجاوزت لعرضت نفسك لخطر محقق, لا تتجاوز كلا, بعد كلا, كلام عظيم ينبغي عليك أن تدركه وأن تفكر فيه طويلاً ((كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)) مفتاح القضية كلها في هاتين الكلمتين ((إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)) ما الذي يحول بين الإنسان وبين الاهتداء لكلمات الله, ما الذي يحول بين الإنسان وبين قراءة آيات الله في الأنفس والآفاق.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    حقيقة واحدة, نبهت عليها هذه السورة ((إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى)) ما معنى الطغيان تقول: ملأت الكأس ماء فطغى الماء يعني أن الماء تجاوز حافة الكأس والإنسان حين يتجاوز حده نقول عنه طغى فلان, فالطغيان مجاوزة الحد المقدور للإنسان, ما أنت أيها الإنسان؟ عبد لم تكن إلهًا ولن تكون, وما ينبغي لك أن تنازع الله خصيصة الألوهية, أنت عبد حين تحاول أن تتعدى طورك وتجاوز مقدارك فأنت طاغ, والطغيان مجاوزة الحد ((كلا إن الإنسان ليطغى)) ليصرف عن الحد ويعرض عن الهدى, ويضرب بكلمات الله عرض الحائط بسبب طغيانه, بسبب نسيانه لنفسه, نسيانه لحقيقة ذاته, ما سبب ذلك أيضًا؟ ((أن رآه استغنى)), أن هذا تفسير المراد سبب ذلك أن الإنسان يشعر بأنه قد استغنى عن أية قوة خارج ذاته, فمن أجل ذلك هو يطغى ويتجاوز حده, ومن أجل ذلك ينسى حقيقة العبودية التي ينبغي ألاّ ينساها ومن أجل ذلك ينصرف ويعرض عن الحق.
    ما معنى استغناء الإنسان؟ شعوره بأنه غير محتاج إلى غيره, تعززه بالولد, تعززه بالمال, تعززه بالجاه والسلطان, تلك هي الأدواء, استغناء الإنسان يسبب نسيانه لحقيقة بقائه في هذه الدنيا, سبب واضح من أسباب الإنصراف عن الحق, ولكن الإنسان حينما يضع نصب عينيه أنه أبدًا ودائمًا عبد الله جل وعلا, ليس ربًا ولا قريبًا من الرب فإنه حينئذ يسمع كلمات الله حين تتلى عليه بأذن صاغية وقلب متفتح, بماذا ينسى هذا الإنسان؟ بسيطرة هذه العوامل عليه, صاحب الأولاد يرى أنه عزيز بأولاده, وراءه جيش لجب من الأولاد وأولاد الأولاد, فهو بغير حاجة إلى سند يأتيه من خارج ذاته, والله جل وعلا قد شرح ذلك, ألم تقرأوا ما قال ربكم تبارك وتعالى في سورة مريم: ((أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدًا أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدًا كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدًا ونرثه ما يقول ويأتينا فردًا)).مريم
    ويلك يا مخلوق, ويلك يا تائه, من أنت حتى تستكثر بأولادك وأولاد أولادك, وترى أنك في غنىً عن العزيز الجبار يوم تقف بين يدي المنتقم القاهر لمن يكون بين يديك؟ لا ولد, ولا عبيد, ويأتينا فردًا, كذلك الإنسان يشعر أنه حين يملك المال في غنىً عن الناس, وفي غنى عن رب الناس, لم تحف به العناية حتى وصفت بين المال والنسب محنة واختبارًا, وإنما يرى أنه بجهده حصل على هذا المال, ليس هذا فقط, ولكن شعورًا خبيثًا آثمًا مجرمًا فيحكم في الإنسان حين يملك المال والثراء, أنا أستطيع أن أشتري اللذات فأمرح ما شاء لي المرح, أنا أستطيع أن أشتري الأعوان والأتباع من الإمعات والتافهين فيسيرون من خلفي وتصطفق النعال, أستطيع كذا وأستطيع كذا, ويحك, ما الذي يعلمك أن هذا المال سيبقى بين يديك؟ لا شيء, ألم تقرأ ما قال الله جل وعلا في سورة القصص: ((إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة))القصص
    المفاتيح لا تحملها إلاعصبة أولوُ قوة, ومع ذلك فبعض التافهين من الأغنياء الذين يملكون نسبًا قليلاً يظنون أن الدنيا دانت لهم, وأنهم يستطيعون أن يتخذوا الآخرين خولاً وعبيدًا لا ((إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين قال)) ـ اسمعوا ما قال هذا المفتري ـ ((إنما أوتيته على علم عندي)) أي بفهمي وبإرادتي وببصري وخبرتي ((أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعًا ولا يُسأل عن ذنوبهم المجرمون فخرج على قومه في زينته)) ـ لاحظوا الفتنة ـ ((قال الذين يريدون الحياة الدنيا ياليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم)) ـ فماذا قال الذين يريدون ثواب الله؟ ـ ((وقال الذين آتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحًا ولا يلقاها إلا الصابرون فخسفنا به وبداره الأرض فلم يكن له من فئة ينصرونه من دون الله)) ـ أين المال, أين الأعوان, أين النسب, أين الغرور؟ حق الحق وذهب الباطل ـ ((وما كان من المنتصرين وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر لولا أن منّ الله علينا لخسف بنا وكأنه لا يفلح الكافرون تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوًا في الأرض ولا فسادًا والعاقبة للمتقين)).القصص
    يا صاحب السلطان: مالك أيها الإنسان, أنت اليوم في دفة الحكم, وغدًا إنسان طريد لا تعرف أين تأوي, تسير خائفًا تترقب, فعلاّم الغرور بالسلطان, أبين يديك من الله صك أنك لا تنزل عن هذا الكرسي؟! لئن لم تنزلك قوى الناس لتنزلنك قوة الله التي لا تغلب ولا تغالب,
    هذا القرآن لا ينتفع به جبار عنيد, هذا القرآن لا ينتفع به العشائر, وأشباه العشائريين, هذا القرآن دواء نافع للإنسان الذي لا يطغى, للإنسان الذي يعرف أنه لله عبد, فإذا عرف ذلك وعرف مقام الألوهية, وأن له وحده حق الأمر والنهي أصغى بأذنيه وأصاغ بقلبه, وفتح جوارحه جميعًا للفهم عن الله والعمل بمقتضى ما أراد الله تعالى.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ] -1

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    شبه الله سبحانه الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة لأن الكلمة الطيبة تثمر العمل الصالح والشجرة الطيبة تثمر الثمر النافع وهذا ظاهر على قول جمهور المفسرين الذين يقولون الكلمة الطيبة هي شهادة أن لا إله إلا الله فإنها تثمر جميع الأعمال الصالحة الظاهرة و الباطنة فكل عمل مرضي لله عز وجل هوثمرة هذا الكلمة وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله أصلها ثابت قول لا إله إلا الله في قلب المؤمن وفرعها في السماء يقول يرفع بها عمل المؤمن إلى السماء وقال الربيع بن أنس كلمة طيبة هذا مثل الإيمان والإيمان قولان الطيبة وأصلها الثابت الذي لا يزول الإخلاص فيه وفرعه في السماء خشية الله والتشبيه على هذا القول أصح وأظهر وأحسن فإنه سبحانه شبه شجرة التوحيد في القلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل الباسقة الفرع في السماء علوا التي لا تزال تؤتي ثمرتها كل كلما رفع العمل الصالح
    عبد الله
    إذا تأملت هذا التشبيه رأيته مطابقا لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء ولا تزال تثمر الأعمال الصالحة كل وقت بحسب ثباتها في القلب ومحبة القلب لها وإخلاصه فيها ومعرفته بحقيقتها وقيامه بحقها ومراعاتها حق رعايتها فمن رسخت هذه الكلمة في قلبه بحقيقتها التي هي حقيقتها واتصف قلبه بها وانصبغ بها بصبغة الله التي لا أحسن صبغة منها فيعرف حقيقة الهيئة التي يثبتها قلبه لله ويشهد بها لسانه وتصدقها جوارحه ونفى تلك الحقيقة ولوازمها عن كل ما سوى الله عز وجل وواطأ قلبه لسانه في هذا النفي والإثبات وانقادت جوارحه لمن شهد له بالوحدانية طائعة سالكة سبل ربه ذللا غير ناكبة عنها ولا باغية سواها بدلا كما لا يبتغي القلب سوى معبوده الحق بدلا فلا ريب أن هذه الكلمة من هذا القلب على هذا اللسان لا تزال تؤتى ثمرتها من العمل الصالح الصاعد إلى الرب تعالى وهذه الكلمة الطيبة تثمر كثيرا طيبا كلما يقارنه فيرفع العمل الصالح الكلم الطيب كما قال تعالى
    (( إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ))فاطر
    فأخبر سبحانه أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب وأخبر أن الكلمة الطيبة تثمر لقائلها كل وقت عملا صالحا.
    والمقصود أن كلمة التوحيد إذا شهد المؤمن بها عارفا بمعناها وحقيقتها نفيا واثباتا متصفا بموجبها قائما قلبه ولسانه وجوارحه بشهادته فهذه الكلمة من هذا الشاهد أصلها ثبات راسخ في قلبه وفروعها متصلة بالسماء.
    مثل النخلة وهي مخرجة لثمرتها كل وقت مثل المومن ومن السلف من قال ذلك ويدل عليه حديث ابن عمر الصحيح ومنهم من قال هي المؤمن نفسه كما قال محمد بن سعد حدثني أبي حدثني عمي حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة يعني بالشجرة الطيبة المؤمن ويعني بالأصل الثابت في الأرض والفرع في السماء يكون المؤمن يعمل في الأرض ويتكلم فيبلغ قوله وعمله السماء وهو في الأرض وقال عطية العوفي في (( ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة)) قال ذلك مثل المؤمن لا يزال يخرج منه كلام طيب يصعد إلى الله
    وقال الربيع بن أنس (( أصلها ثابت وفرعها في السماء )) قال ذلك المؤمن ضرب مثله في الإخلاص لله وحده وعبادته وحده لا شريك له قال أصلها ثابت قال أصل عمله ثابت في الأرض وفرعها في السماء قال ذكره في السماء ولا اختلاف بين القولين فالمقصود بالمثل المؤمن والنخلة مشبهة به وهو مشبه بها وإذا كانت النخلة شجرة طيبة فالمؤمن المشبه بها أولى أن يكون كذلك ومن قال من السلف إنها شجرة في الجنة فالنخلة من أشرف أشجار الجنة.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة ] -2

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    إخواني :
    الشجرة الطيبة أول صفة لهاانها طيبة وذلك يحتمل عدة امور منها :
    أنها طيبة المظر والصورة والشكل (( والنخل باسقات لها طلع نضيد ))ق
    وثانيها كونها طيبة الرائحة وثالثها كونها طيبة الثمرة ورابعها كونها طيبة المنفعة
    أصلها ثابت راسخ رسوخ الجبال باقٍ فرعها في السماء بعيدة عن عفونات الارض
    عباد الله الكلمة الطيبة قد تهدي انساناً.
    الكلمة الطيبة قد تغير مجتمعاً.
    الكلمة الطيبة قد ينقذ الله بها قلوباً أو يعمر بها نفوساً بل قد يحيي بها الله أقواماً من السبات .
    عباد الله
    الكلمة الطيبة كحبة القمح المفردة قد تهمل وتذهب أدراج الرياح وقد تكون مباركة فتنبت وتثمر وقد تكون الثمرة خصبة تتضاعف وتتضاعف.
    الكلمة الطيبة كلمة الحق كالشجرة الطيبة ثابتة سامقة مثمرة لا تزعزها الاعاصير ولا تعصف بها رياح الباطل ولا تقوى عليها معاول الطغيان وإن خيّل للبعض أنها معرضة للخطر فهي سامقة متعالية تطل على الشر والظلم والطغيان من علو .
    والكلمة الخبيثة كلمة الباطل كالشجرة الخبيثة قد تتعالى وتتشابك ويخيّل الى البعض أنها أضخم من الشجرة الطيبة وأقوى ولكنها تظل ضعيفةً وما هي إلا فترة ثم تجتث من قوق الارض فلا قرار لها ولا بقاء .
    وقال صلى الله عليه وسلم : ((إن مثل المؤمن كمثل القطعة من الذهب، ينفخ فيها صاحبها فلم تتغير. والذي نفس محمد بيده، إن المؤمن كمثل النخلة أكلت طيّبا ووضعت طيبا))
    وقال صلى الله عليه وسلم ((مثل المؤمن كمثل النخلة ما أخذتَ منها من شيء نفع)). النخلة تثمر طوال السنة بلحا رطبا، والمؤمن أينما حلّ نفع، كالغيث والنخلة أغصانها وجذوعها وجريدها يفيد البلادَ والعباد، والمؤمن كله خير؛ كلامه وماله وحركته. والنخلة ترمَى بالحجر وترد بأطيب الثمر، وهكذا المؤمن يدفع الإساءةَ بالإحسان. النخلة أصلها ثابت لا يتزعزع، والمؤمن ثابت لا تغيّره شهوة ولا شبهة ولا غيرها، فهو ثابت على دينه وتقواه. النخلة فرعها في السماء، والمؤمن لا يأخذ زاده وغذاءه إلا من خالق السماء.
    قال صلى الله عليه وسلم: ((إن خير عباد الله الموفون الطيّبون، أولئك خيار عباد الله)) ثم ذكر سبحانه مثل الكلمة الخبيثة فشبهها بالشجرة الخبيثة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار فلا عرق ثابت ولا فرع عال ولا ثمرة زاكية ولا ظل ولا جنى ولا ساق قائم ولا عرق في الأرض ثابت مغدق ولا أعلاها مونق ولا جنيلها ولا تعلو بلى تعلى .
    وإذا تأمل اللبيب أكثر كلام هذا الخلق في خطابهم وكتبهم وجده كذلك فالخسران كل الخسران الوقوف معه والاشتغال به عن أفضل الكلام وأنفعه.
    قال الضحاك ضرب الله مثلا للكافر بشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يقول ليس لها أصل ولا فرع وليس لها ثمرة و لا فيها منفعة كذلك الكافر ليس يعمل خيرا ولا يقوله ولا يجعل الله فيه بركة ولا منفعة.
    وقال ابن عباس رضي الله عنه ومثل كلمة خبيثة وهي الشرك كشجرة خبيثة يعني الكافر اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار يقول الشرك ليس له أصل يأخذ به الكافر ولا برهان الله عمل المشرك ولا يصعد إلى الله فليس له أصل ثابت في الأرض ولا فرع في السماء يقول ليس له في السماء ولا في الآخرة .
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    يقول تعالى ((قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ)) المائدة:100
    اسمع ـ يا عبد الله ـ إلى كلام العزيز الحميد الذي بيَّن لنا أنه لا يستوي عنده الخبيث والطيّب، فالطيّب في أعلى الدرجات، والخبيث في أسفل الدّركات. والله جعَل الدنيا دار ابتلاء وامتحان، لماذا؟ ليميز الخبيثَ من الطيب. والله تعالى طيّب يحبّ الطيب من القول، ويحب الطيب من العمل، ويضاعفه لأصحابه. الله جل وعلا يحب الطيّبين من الناس، ويبغِض الخبيث. الله جل وعلا يرفع الطيّبَ ويبارك لأصحابه فيه.
    عباد الله، هل يستوي المؤمن طيّبُ الأعمال الذي إذا رأيتَه رأيتَ عمله طيّبًا، عملَه حسنًا، عملا يحبه الناس ويحبه الله، يؤدّي فرائض الله، طيّبا في أعماله، راعيا لأمانته في وظيفته، هل يستوي هذا مع ذلك الخبيث في عمله وفعله؟! تراه لا يرعى أمانة الله، متقهقرا في الصلوات، إذا استُرعي على مال أكله، إذا استُعمل على وظيفة ارتشى وغشّ وخان، هؤلاء ولو كانوا كثيرين فهم عند الله من أخبث البشر.
    إخواني
    المؤمن في حياته كلها طيب، في أخلاقه طيب، في سلامه طيب، قال تعالى: ((فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)) النور:61.
    والمؤمن رحلته طيبة إلى الله تعالى، فإذا مات جاءته ملائكة بيض الوجوه يقولون: "اخرجي ـ أيتها النفس الطيبة ـ إلى روح وريحان ورب راض غير غضبان"، قال تعالى: ((الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ)) النحل:32.
    تتوفاهم الملائكة طيبة نفوسهم بلقاء الله فهم بعيدين عن الكرب وعذاب الموت يقولون سلام عليكم طمأنةً لقلوبهم وترحيباً بقدومهم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون تعجيلا لهم بالبشرى وهم على أعتاب الاخرة جزاءً وفاقاً على ما كانوا يعملون
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.
    [ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم وأحمد: (الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )، ذلك لأن محكمة الحقوق في الآخرة يقام فيها العدل على أكمل وجه، فيقتص للمظلومين جنا وإنسا وعجماوات من ظالميهم سادة كانوا أوعامة.
    وإذا كان عدوان الشاة على الشاة يستدعي القصاص يومئذكما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم ( لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ )- مسلم وأحمد والترمذي-،
    ومنع امرأة هرتها الماء والطعام يدخلها النار (عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ أَطْعَمَتْهَا وَلَا سَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ )- البخاري ومسلم-، وقطع شجرة نافعة لغير مصلحة يستوجب تصويب رأس القاطع في النار(قاطِعُ السِّدْرِ يُصَوِّبُ اللهُ رَأْسَهُ في النار) - رواه البيهقي في الكبرى وحسنه الألباني _
    عبد الله
    فما بالك بمن يظلم أخاه الإنسان، مؤمنا كان أو غير مؤمن، من أي ملة أو دين أو مذهب؟ بل ما بالك بمن يظلم أولياء الله تعالى من الدعاة والصالحين والآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر؟
    إن ميزان الآخرة منضبط على معيار واحد يميز العدل من الظلم(الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ ) غافر 17، عدل ينجى وظلم يركس في الجحيم. لذلك ورد الأمر بالعدل والتحذير من الظلم قرآنا وسنة في سياقات كثيرة، وبأشد الصيغ دقة ووضوحا ، يقول تعالى:
    ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) -الأنعام 82-.
    - ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) - الصافات 22،23-.
    - ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) - النحل -90.
    - ويقول فيما يرويه عنه نبيه صلى الله عليه وسلم: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا )- مسلم وأحمد والترمذي-.
    إن التحريم الصارم للظلم مبعثه العدل الإلهي المطلق والرحمة الربانية الشاملة، لأن الظلم مصدر كل رذيلة ومنبع كل شر، وما الفساد إلا بعض نتائجه( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ ) -البقرة 205-،
    وقد استعمل لفظ " الظلم" في الشريعة لثلاثة أصناف تدور كلها بين الكفر والكبائر هي:
    ظلم بين المرء وبين الله تعالى وأعظمه الكفر والشرك والنفاق(يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) - لقمان13-،( فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين) - البقرة258-.
    ظلم بين المرء وبين الناس(إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)- الشورى42
    ظلم بين المرء وبين نفسه(فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ)- فاطر32
    والأصل في هذه الأصناف كلها ظلم النفس، إذ كل ظالم في حقيقة الأمر ظالم لنفسه وكل محسن محسن إلى نفسه قال تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) -فصلت46-، وقال جل وعلا (وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) - النحل118-.
    إن الظلم سلوك خاطئ منحرف، ومرآة تكشف عمق الفساد في نفسية صاحبه وسوء مخبره، لذلك اشتد غضب الله تعالى عليه وتوعده بالعقاب الأليم فقال: (إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقاً) الكهف29.
    (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) الزمر24.
    ولعل معترضا يقول: هذا عقاب الظالم فما بال الجندي وهو مأمور والساكت المستضعف وهو مغمور؟ والجواب أن ميزان العدل لا يفرق بين السيد والمسود والتابع والمتبوع والفاعل والمعين على الفعل، فكلهم شركاء يجمعهم المصير الواحد(كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ) الأعراف38. لأن الظالم لابد له من قوة تعينه على الظلم وجند يحمونه عند ممارسته، وهتافين يشجعونه عليه، وراضين رغبا ورهبا أو استخذاء واستضعافا؛
    إن دولة الظلم لابد لها من أركان ، وأركانها الظالم وحاشيته وأعوانه والراضون بحكمه والمستخذون بين يديه؛ فإن فقدت هذه الأركان لم تقم للظلم دولة ولا للظالمين صولة.
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً
    [ ولا تحسبن غافلاً عما يعمل الظالمون ]

    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد :
    إنّ الظلم يتمثل في صور شتى ويتشخص في أصناف من الناس كثيرة، منهم من أخذهم الله بعذاب الدنيا والآخرة ممن ذكرهم الوحي قرآنا وسنة ، ومنهم من يعاصرنا ومنهم من يأتي بعدنا:
    منهم الحكام المتألهون، والأغنياء المستكبرون والتجار المطففون والفساق السابقون والمعاصرون من قوم عاد ولوط وصالح.
    ومنهم ظالم أبويه بإهمالهم أو الإساءة إليهم، وظالم أرحامه بالتقصير في حقوقهم أو التخلي عنهم أو الإضرار بهم.
    ومنهم ظالم زوجته في عرضها بالنظر إلى غيرها بما لا يجوز، وظالمة زوجها في عرضه بالنظر إلى غيره بما لا يحل.
    ومنهم الظالم لقومه أو قبيلته أو عرقه بالتعصب لهم وإعانتهم علي الباطل كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم إذ سئل ما العصبية؟: (أن تعين قومك على الظلم)- المعجم الكبير-.
    ومنهم من يظلم المسلمين عامة بعدم النصح لهم، أو عدم نصرتهم أو بخيانتهم والتنكر لهم.
    ومنهم من يظلم الإنسانية عامة بالتقصير في واجب الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
    ومنهم الدول المسلمة الظالمة التي لا تقيم العدل فيسلط الله تعالى عليها عدوها ولو كان مشركا، كما هو حال أمة موسى عليه السلام التي سلط عليها بختنصر الوثني، والمسيحيين إذ ظلموا فسلط عليهم جبابرة عبدة أصنام أذلوهم وغيروا دينهم، وحال دول المسلمين الظالمة حاليا وقد هزمت أمام مجوس الهند في باكستان، وصهاينة بني إسرائيل في فلسطين، وعباد الوثن في السودان وعباد الصليب في العراق..، قال تعالى:( وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْماً آخَرِينَ) الأنبياء11,
    كما أن منهم الذين يخذلون الدعاة إلى الله تعالى والمجاهدين في سبيله والمعتقلين والمهاجرين والشهداء، بالتخلي عنهم وإهمال أسرهم وذرياتهم وعدم الدفاع عنهم ؛ فإن بلغ الأمر إلى أكل لحومهم والشماتة بما أصابهم أو أصاب ذرياتهم، أو القيام بالتجسس عليهم وقذفهم، أو السعي لإطالة محنتهم، كان ذلك أقرب إلى أعظم الظلم الذي هو محاربة الله ورسوله بمحاربة أوليائه ودعاة دينه، وهذا ما عبر عنه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث القدسي الذي رواه عن رب العزة قال((مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ))- البخاري -.
    و الرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحذر المؤمنين من الظلم ويحضهم على اتقائه، ويقول: (اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) - البخاري-وقال صلى الله عليه وسلم ،( ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ )- الترمذي-.وقال (دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَإِنْ كَانَ فَاجِرًا فَفُجُورُهُ عَلَى نَفْسِهِ) - أحمد-.
    وكان عليه الصلاة والسلام يستعيذ بالله من دعوة المظلوم جهرا أمام المسلمين تعليما لهم بقوله عند الخروج للسفر والعودة منه:( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَالْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ) - النسائي-.
    كما أنه صلى الله عليه وسلم أعطى من نفسه القدوة، فأبرأ ذمته من حقوق الخلق، في مرض موته فيما رواه البخاري، إذ خرج متكئا على الفضل بن العباس وعلي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ ، حتى جلس على المنبر ، وكان مما خطب : ( أما بعد أيها الناس ، إنه قد دنا مني خلوف من بين أظهركم ، ولن تروني في هذا المقام فيكم … فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد منه ، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد منه ، ومن أخذت له مالا ، فهذا مالي فليأخذ منه ، ولا يخش الشحناء من قبلي ، فإنها ليست من شأني … ).
    وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً.

    المواعظ الإيمانية [ 6 ] Fasel10

    كتاب : المواعظ الإيمانية من الآيات القرآنية
    المؤلف : أمير بن محمد المدري
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    ( صلى الله عليه وسلم )
    المواعظ الإيمانية [ 6 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر 2024 - 7:34