بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مختارات من فتح البارى
شرح صحيح البخارى
كتاب الإيمان
باب تَفَاضُلِ أَهْلِ الْإِيمَانِ فِى الْأَعْمَالِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى - رَضِى اللَّهُ عَنْهُ -عَنْ النَّبِى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدْ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرِ الْحَيَا - أَوْ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ - فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ) قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو " الْحَيَاةِ " وَقَالَ: " خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ "
الشرح
قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبى أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحى المدنى ابن أخت مالك، وقد وافقه على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك، وليس هو فى الموطأ. قال الدارقطنى: هو غريب صحيح.
قوله: (يدخل) للدار قطنى من طريق إسماعيل وغيره " يدخل الله " وزاد من طريق معن " يدخل من يشاء برحمته " وكذا له وللإسماعيلى من طريق ابن وهب.
قوله: (مثقال حبة) بفتح الحاء، هو إشارة إلى ما لا أقل منه،
(1/73) قال الخطابى: هو مثل ليكون عيارا فى المعرفة لا فى الوزن، لأن ما يشكل فى المعقول يرد إلى المحسوس ليفهم. وقال إمام الحرمين: الوزن للصحف المشتملة على الأعمال، ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال. وقال غيره: يجوز أن تجسد الأعراض فتوزن، وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه، والمراد بحبة الخردل هنا: ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد، لقوله فى الرواية الأخرى: " أخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة ". ومحل بسط هذا يقع فى الكلام على حديث الشفاعة حيث ذكره المصنف فى كتاب الرقاق.
قوله: (فى نهر الحياء) كذا فى هذه الرواية بالمد، ولكريمة وغيرها بالقصر، وبه جزم الخطابى وعليه المعنى، لأن المراد كل ما به تحصل الحياة، والحيا بالقصر هو المطر، وبه تحصل حياة النبات، فهو أليق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذى هو بمعنى الخجل.
قوله: (الحبة) بكسر أوله، قال أبو حنيفة الدينورى: الحبة: جمع بزور النبات واحدتها حبة بالفتح، وأما الحب فهو: الحنطة والشعير، واحدتها حبة بالفتح أيضا، وإنما افترقا فى الجمع. وقال أبو المعالى فى المنتهى: الحبة بالكسر: بزور الصحراء مما ليس بقوت.
قوله: (قال وهيب) أى: ابن خالد (حدثنا عمرو) أى: ابن يحيى المازنى المذكور.
قوله: (الحياة) بالخفض على الحكاية، ومراده: أن وهيبا وافق مالكا فى روايته لهذا الحديث عن عمرو بن يحيى بسنده، وجزم بقوله: " فى نهر الحياة " ولم يشك كما شك مالك.
(فائدة): أخرج مسلم هذا الحديث من رواية مالك فأبهم الشاك، وقد يفسر هنا.
قوله: (وقال خردل من خير) هو على الحكاية أيضا، أى: وقال وهيب فى روايته: مثقال حبة من خردل من خير، فخالف مالكا أيضا فى هذه الكلمة. وقد ساق المؤلف حديث وهيب هذا فى كتاب الرقاق عن موسى ابن إسماعيل عن وهيب، وسياقه أتم من سياق مالك، لكنه قال: " من خردل من إيمان " كرواية مالك، فاعترض على المصنف بهذا، ولا اعتراض عليه، فإن أبا بكر بن أبى شيبة أخرج هذا الحديث فى مسنده عن عفان بن مسلم عن وهيب فقال: " من خردل من خير"كما علقه المصنف، فتبين أنه مراده لا لفظ موسى. وقد أخرجه مسلم عن أبى بكر هذا، لكن لم يسق لفظه، ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر، وأراد بإيراده الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصى مع الإيمان، وعلى المعتزلة فى أن المعاصى موجبة للخلود.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِى يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَى وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِى، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ. وَعُرِضَ عَلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: الدِّينَ)
الشرح
قوله: (حدثنا محمد بن عبيد الله) هو أبو ثابت المدنى وأبوه بالتصغير. قوله: (عن صالح) هو ابن كيسان تابعى جليل.
قوله: (عن أبى أمامة بن سهل) هو ابن حنيف كما ثبت فى رواية الأصيلى، وأبو أمامة مختلف فى صحبته، ولم يصح له سماع، وإنما ذكر فى الصحابة لشرف الرؤية، ومن حيث الرواية يكون فى الإسناد ثلاثة من التابعين أو تابعيان وصحابيان،
(1/74) ورجاله كلهم مدنيون كالذى قبله، والكلام على المتن يأتى فى كتاب التعبير، ومطابقته للترجمة ظاهرة من جهة تأويل القمص بالدين، وقد ذكر أنهم متفاضلون فى لبسها، فدل على أنهم متفاضلون فى الإيمان.
قوله: (بينا أنا نائم رأيت الناس) أصل " بينا " : بين ثم أشبعت الفتحة. وفيه استعمال بينا بدون إذا وبدون إذ، وهو فصيح عند الأصمعى ومن تبعه وإن كان الأكثر على خلافه، فإن فى هذا الحديث حجة. وقوله: " الثدى" بضم المثلثة وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء التحتانية جمع ثدى بفتح أوله وإسكان ثانيه والتخفيف، وهو مذكر عند معظم أهل اللغة، وحكى أنه مؤنث، والمشهور أنه يطلق فى الرجل والمرأة، وقيل: يختص بالمرأة وهذا الحديث يرده، ولعل قائل هذا يدعى أنه أطلق فى الحديث مجازا. والله أعلم.
فتح البارى . للإمام ابن حجر العسقلانى
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِى مَالِكٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِى عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِى - رَضِى اللَّهُ عَنْهُ -عَنْ النَّبِى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: ( يَدْخُلُ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: أَخْرِجُوا مِنْ النَّارِ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ، فَيُخْرَجُونَ مِنْهَا قَدْ اسْوَدُّوا، فَيُلْقَوْنَ فِى نَهَرِ الْحَيَا - أَوْ الْحَيَاةِ، شَكَّ مَالِكٌ - فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِى جَانِبِ السَّيْلِ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهَا تَخْرُجُ صَفْرَاءَ مُلْتَوِيَةً ) قَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا عَمْرٌو " الْحَيَاةِ " وَقَالَ: " خَرْدَلٍ مِنْ خَيْرٍ "
الشرح
قوله: (حدثنا إسماعيل) هو ابن أبى أويس عبد الله بن عبد الله الأصبحى المدنى ابن أخت مالك، وقد وافقه على رواية هذا الحديث عبد الله بن وهب ومعن بن عيسى عن مالك، وليس هو فى الموطأ. قال الدارقطنى: هو غريب صحيح.
قوله: (يدخل) للدار قطنى من طريق إسماعيل وغيره " يدخل الله " وزاد من طريق معن " يدخل من يشاء برحمته " وكذا له وللإسماعيلى من طريق ابن وهب.
قوله: (مثقال حبة) بفتح الحاء، هو إشارة إلى ما لا أقل منه،
(1/73) قال الخطابى: هو مثل ليكون عيارا فى المعرفة لا فى الوزن، لأن ما يشكل فى المعقول يرد إلى المحسوس ليفهم. وقال إمام الحرمين: الوزن للصحف المشتملة على الأعمال، ويقع وزنها على قدر أجور الأعمال. وقال غيره: يجوز أن تجسد الأعراض فتوزن، وما ثبت من أمور الآخرة بالشرع لا دخل للعقل فيه، والمراد بحبة الخردل هنا: ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد، لقوله فى الرواية الأخرى: " أخرجوا من قال لا إله إلا الله وعمل من الخير ما يزن ذرة ". ومحل بسط هذا يقع فى الكلام على حديث الشفاعة حيث ذكره المصنف فى كتاب الرقاق.
قوله: (فى نهر الحياء) كذا فى هذه الرواية بالمد، ولكريمة وغيرها بالقصر، وبه جزم الخطابى وعليه المعنى، لأن المراد كل ما به تحصل الحياة، والحيا بالقصر هو المطر، وبه تحصل حياة النبات، فهو أليق بمعنى الحياة من الحياء الممدود الذى هو بمعنى الخجل.
قوله: (الحبة) بكسر أوله، قال أبو حنيفة الدينورى: الحبة: جمع بزور النبات واحدتها حبة بالفتح، وأما الحب فهو: الحنطة والشعير، واحدتها حبة بالفتح أيضا، وإنما افترقا فى الجمع. وقال أبو المعالى فى المنتهى: الحبة بالكسر: بزور الصحراء مما ليس بقوت.
قوله: (قال وهيب) أى: ابن خالد (حدثنا عمرو) أى: ابن يحيى المازنى المذكور.
قوله: (الحياة) بالخفض على الحكاية، ومراده: أن وهيبا وافق مالكا فى روايته لهذا الحديث عن عمرو بن يحيى بسنده، وجزم بقوله: " فى نهر الحياة " ولم يشك كما شك مالك.
(فائدة): أخرج مسلم هذا الحديث من رواية مالك فأبهم الشاك، وقد يفسر هنا.
قوله: (وقال خردل من خير) هو على الحكاية أيضا، أى: وقال وهيب فى روايته: مثقال حبة من خردل من خير، فخالف مالكا أيضا فى هذه الكلمة. وقد ساق المؤلف حديث وهيب هذا فى كتاب الرقاق عن موسى ابن إسماعيل عن وهيب، وسياقه أتم من سياق مالك، لكنه قال: " من خردل من إيمان " كرواية مالك، فاعترض على المصنف بهذا، ولا اعتراض عليه، فإن أبا بكر بن أبى شيبة أخرج هذا الحديث فى مسنده عن عفان بن مسلم عن وهيب فقال: " من خردل من خير"كما علقه المصنف، فتبين أنه مراده لا لفظ موسى. وقد أخرجه مسلم عن أبى بكر هذا، لكن لم يسق لفظه، ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة ظاهر، وأراد بإيراده الرد على المرجئة لما فيه من بيان ضرر المعاصى مع الإيمان، وعلى المعتزلة فى أن المعاصى موجبة للخلود.
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِى أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِى يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَى وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، مِنْهَا مَا يَبْلُغُ الثُّدِى، وَمِنْهَا مَا دُونَ ذَلِكَ. وَعُرِضَ عَلَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ: الدِّينَ)
الشرح
قوله: (حدثنا محمد بن عبيد الله) هو أبو ثابت المدنى وأبوه بالتصغير. قوله: (عن صالح) هو ابن كيسان تابعى جليل.
قوله: (عن أبى أمامة بن سهل) هو ابن حنيف كما ثبت فى رواية الأصيلى، وأبو أمامة مختلف فى صحبته، ولم يصح له سماع، وإنما ذكر فى الصحابة لشرف الرؤية، ومن حيث الرواية يكون فى الإسناد ثلاثة من التابعين أو تابعيان وصحابيان،
(1/74) ورجاله كلهم مدنيون كالذى قبله، والكلام على المتن يأتى فى كتاب التعبير، ومطابقته للترجمة ظاهرة من جهة تأويل القمص بالدين، وقد ذكر أنهم متفاضلون فى لبسها، فدل على أنهم متفاضلون فى الإيمان.
قوله: (بينا أنا نائم رأيت الناس) أصل " بينا " : بين ثم أشبعت الفتحة. وفيه استعمال بينا بدون إذا وبدون إذ، وهو فصيح عند الأصمعى ومن تبعه وإن كان الأكثر على خلافه، فإن فى هذا الحديث حجة. وقوله: " الثدى" بضم المثلثة وكسر الدال المهملة، وتشديد الياء التحتانية جمع ثدى بفتح أوله وإسكان ثانيه والتخفيف، وهو مذكر عند معظم أهل اللغة، وحكى أنه مؤنث، والمشهور أنه يطلق فى الرجل والمرأة، وقيل: يختص بالمرأة وهذا الحديث يرده، ولعل قائل هذا يدعى أنه أطلق فى الحديث مجازا. والله أعلم.
فتح البارى . للإمام ابن حجر العسقلانى