منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ضفحة رقم [ 6 ] من كتاب الصداقة والصديق

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    ضفحة رقم [ 6 ] من كتاب الصداقة والصديق Empty ضفحة رقم [ 6 ] من كتاب الصداقة والصديق

    مُساهمة من طرف الرسالة الإثنين 31 مارس 2014 - 16:10

    ضفحة رقم [ 6 ] من كتاب الصداقة والصديق Sadaka10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة ألأسرة الثقافية
    الصداقة والصديق
    ضفحة رقم [ 6 ] من كتاب الصداقة والصديق 1410

    قالت عائشة رضى الله عنها: كنت أرى امرأة تدخل على النبي صلى الله عليه وآله، وكان يقبل عليها بحفاوة فشق ذاك علي فعلم ذاك مني فقال: يا عائشة هذه كانت تغشانا أيام خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان.
    وأروي هنا ذراوة من كلام أرباب الحذق والخرق فإن فيه فائدة حسنة لا أرى الإضرار عنه، والإخلال به.
    سمعت ابن السراج الصوفي يقول: قلت لأبي الحسن البوشنجي: من أصحب؟ قال: من يصفو كدرك بصفائه، ولا يكدر صافيك بكدره.
    وقلت لغلام ابن بابويه القمي: من أعاشر؟ فقال: من إذا أحسنت قال: الحمد لله الذي وفق هذا لم أرى، وإذا أسأت قال: الحمد لله الذي لم نبله بأشد مما أرى.
    وقال أبو المتيم الرقي: قلت لابن الموله: من أخلص إليه، وأشتمل بسري وعلانيتي عليه قال: من إذا لم يكن لنفسك كان لك، وإذا كنت لنفسك كان معك، يجلو صدأ جهلك بعلمه، ويحسم مادة غيك برشده، وينفي عنك غش صدرك بنصحه، اصحب من إن قلت صدقك، وإن سكت عذرك، وإن بذلت شكرك، وإن منعت سلم لك، قلت يا سيدي من لي بمن هذا نعته؟ قال: كن أنت ذاك تجدك على ذاك، ويجدك مثلك على ذاك، كأنك إنما تحب أن يكون غيرك لك، ولا تحب أن تكون أنت لغيرك.
    وقيل لبرهان الصوفي: من الصديق؟ قال: يا هذا من بضع نصفه معدوم عليك فاطلب من يسعك بخلقه، ويؤنسك بنفسه، ويواسيك من قليله، إن رضي عنك لم يغلظك، وإن سخط عليك لم يمقتك، يبدي لك خيره لتقتدي به، ويواري عنك شره لئلا تستوحش منه، فأما من تكون مثال نفسه في كل حال تلون به الدهر، وهم صدره في كل أمر، يقلب به الليل والنهار، يقدم حظك على حظه، ولا يسارق النظر بلحظه، ولا يغلظ القول بلفظه، ولا يتغير لك في غيبه، ولا يحول عما عهدته في شهادته، يعانق مصلحتك بالاهتمام، ويثبت قدمك عند الإقدام والإحجام فذاك شيء قد سد الناس دونه كل باب، وقصر الطمع فيه عن كل قاب، فليس له شبح إلا في الوهم، ولا خيال إلا في التمني والسلام.
    وقلت لجعفر بن حنظلة: من أصحب؟ قال: أخطأت، قل لي من لا أصحب، فإني إن حصرت لك من لا تصحب فقد أرشدتك إلى من تصحب، فإني إن حصرت لك من لا تصحب فقد أرشدتك إلى من تصحب، قال: فمن لا أصحب؟ قال: لا تصحبني ولا تصحب من كان مثلي، وما زادني على هذا، ولحقني من هذا الكلام كرب وصرف الزما، فرأيته بمدينة السلام سنة ثمان وخمسين وهو متوجه إلى الحج فقلت له: أيها الشيخ لقد جرحت سري بكلامك في وقت كذا وكذا، ولعلك ذاكر مما كان هناك، قال: أردت بتنفيرك مني إغراءك بي، وهذا من خدع المشايخ للمريدين.
    وحدثني ابن السراج الصوفي قال: كنت بالشام عند الروبذباري أبي عبد الله، فكتب إلى المهلبي، وكان من مشايخ الشام، كتاباً فيه شوق وعتب يقول في فصل منه: أراحك الله يا سيدي من شوق من لا تشتاق غليه، وعتب من لا تغتابه، فإنه إذا أجاب هذا الدعاء حرس وقتك لك، وأفرغ بالك عليك، وكنت في زينة حالك ساعياً، ولحقائق سرك وعلانيتك راعياً، ولكن لو رحمت أصدقاءك في شوقهم إليك، صنتهم وغياك عن عتبهم عليك، وليس بضائر أن تجعل اهتمامك بهم، وطلوعك عليهم، وتجديدك العهد بناسمتهم في عرض ما تتقرب إلى الله به إن كان حسناً، أو في جملة ما تسغفر الله منه إن كان قبيحاً. وبعد فليس كل من أوتي الصبر، وأعين بالجلد، وكان له من نفسه داع إلى الجفاء، ومجيب إلى الهجر، أكمل ذلك كله في البعد هن خلانه، والبراءة من خلصانه، والله الذي هو مالك همنا، والسابح في سرائرنا، لولا أنك أحلى من زلال الحياة إذا طابت، وأطيب من العيشة إذا لذت، وأعذب من الزلال على الحرة، وأدب في الضمائر من الخواطر، وأعلق بالعيون من النواظر، ما اهتززنا مشتاقين إليك، ولا الهبنا متهالكين عليك، ولكنك الروح، والصبر عن الروح معوز، والحياة والبقاء مع فقد الحياة معجز، فإن فاء بك رأيي في الانكفاء إلى أحداق طامحة نحوك، وهمم طائحة في الوجد بك، ومجالس خضرة نضرة بأحاديثك، ومسامع صاغية إلى لذيذ لفظك، وشهي جدك وهزلك، فتصدق علينا بنفسك إن الله يجزي المتصدقين.
    سالم بن وابصة:
    ونيرب من موالي السوء ذي حسد ... يقتات لحمي ولا يشفيه من قرم
    داويت صدراً طويلاً غمره حقداً ... منه وقلمت أظفاراً بلا جلم
    كقنفذ الرمل ما تخفى مدارجه ... خب إذا نام عنه البوم لم ينم
    ملازم لخداع ما يفارقه ... يبدي لنا الغش والعوراء في الكلم
    كأن سمعي إذا ما قال مخفظة ... أصم عنه وما بالسمع من صمم
    حتى اطبى وده رفقي به ولقد ... نسيته الحقد حتى عاد كالحلم
    إن من الحلم ذلا أنت عارفه ... والحلم عن قدرة صنف من الكرم
    آخر:
    فمن شاء رام الصرم أو قال ظالماً ... لذي وده ذنب وليس له ذنب
    آخر:
    وهون وجدي أنه ليس واجداً ... من الناس إلا قد أصيب بصاحب
    آخر:
    وما زال يدعوني إلى الهجر ما أرى ... فإني وتثنيني عليك الحفائظ
    وأنتظر العتبي وأغضي على القذى ... وأصبر حتى أوجعتني المغائظ
    آخر:
    ولي صديق عدمت عقلي ... إن قلت: إني له صديق
    ما نلتقي في الزمان حتى ... يجمع ما بيننا الطريق
    آخر:
    نشدتك بالبيت الذي طاف حوله ... رجال بنوه من لؤي بن غالب
    فإنك قد جربتني هل وجدتني ... أعينك في الجلى وأحميك جانبي
    وإن معشر دبت إليك عداوة ... عقاربهم دبت إليهم عقاربي
    آخر:
    من لم يردك فلا ترده ... لتكن كمن لم تستفده
    آخر:
    إذا كنت تحصي ذنوب الص ... ديق وتنسى ذنوبك بالواحده
    فإنك أنبل أهل الز ... مان طراً على هذه القاعده
    وكتب بعض آل ثوابه إلى صديق له:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    فأما ما أشرت به من معاتبة أبي فلان، واستقبحته من سيرته في بعض نقض العهد، وتضييع الود فالناس يا أخي أصدقاء الحال يتصرفون بتصرفها، ويحولون بحولها، والحزم أن يؤخذ صفوهم، ويقبل عفوهم، ولا يعاتبوا على هفوتهم، والله يعلم أني لكل من واددت على حب واف، وميل صاف، وإخلاص شاف.
    وكتب أيضاً هذا الكاتب إلى آخر:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    وددتنا أعزك الله، فأحسنت ظاهر التودد، ولاقيتنا فعمرت الحال بالتفقد، ثم أخذت بوثائق الصرمة والجفوة، وخليت عن علائق الصلة والمبرة، حتى كأن ما أسلفته كان حلماً، وما استأنفته كان غنماً، فإن قلت: إن الشغل بالسلطان، والتصرف مع الزمان، عاقاك عن جميل العادة، وقضي حق السلام والعيادة، فقد كان لك في الرسول فسحة، وبالكتاب بالعذر حجة، وكان الأولى أن تربط وشل ثقتنا بك، وتميط سيئ ظننا عنك، وتجعلنا في حيز السكون إليك، ونحن نرجو أن تستقبل الإعتاب، وتستهجن هذا الكاب، وتراجع فينا ما أنت أولى به من الصواب، إن شاء الله.
    وكتب أيضاً:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    حقوقك مفترضة، وثقتي بك مستحكمة، وربما كانت الصلة في إظهار ضدها، وكان بادئ الجفوة أبقى للحال، وأعمر لها، وما أحسبني أحتاج إلى زيادة في علمك بما أنت عليه قديماً وحديثاً من ودك، زاد الله في مننه ونعمه عندك.
    وكتب أيضاً:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أنا أجري مجرى أوليائك، ومن لبس الضافي من نعمائك، فإن زرتك لم أوجب عليك حقاً بمواصلة، وإن أغببتك، لم أخف منك حيفاً ولا لائمة، فالحمد لله الذي جعلني بهذه المنزلة في المتحققين بك، والثقة بفضلك.
    شاعر:
    أخشى القطيعة بيننا وأظنها ... ستكون إن دمنا على الهجران
    وأرى اللجاجة غير شك ربما ... قطعت شوابك حرمة الخلان
    وكتب الكاتب الأول أيضاً:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    أنا واحد منكم أهل البيت، داخل في جملتكم، وجاري مجرى لحمتكم، فإن شملتكم نعمة، شركتكم في التجمل بها، وإن تجددت لكن دولة تجاوزتكم في الابتهاج بها، وإن وقفت بكم حال تصريف معكم فيها، ومن كان بهذه المنزلة في المشابكة والممازجة لم يخش منكم إذا غاب نقمة، ولا إذا حضر جفوة، ولا إذا قصر محاسبة، فالحمد لله الذي أخلصني لكم، وجعلني على ثقة بكم، لا يضيق بي عندكم عذر بما لا يجب لي عليكم شكر.
    شاعر:
    عدوك ذو العقل خير لك ... من الصديق الوامق الأحمق
    فما احكم الرأي مثل امرئ ... يقيس بما قد مضى ما بقي
    آخر:
    لا أسمع، الدهر، جليسي الأذى ... إن لساني عن جليسي كليل
    إن خليلي واحد وجهه ... وليس ذو الوجهين لي بالخليل
    شاعر:
    أبني إن سعادة ... بالمرء طاعة ذي التجارب
    خذ من صديقك ما صفا ... لك لا تكن جم المعاتب
    وإذا منيت بجاهل ... فاحضر بحلم غير عازب
    ما نال غنماً ذو السفاه ولا أخو حلم بخائب
    واشرب على الأقذاء ملتمساً بها صفو المشارب
    واشكر فإن الشكر محتوم على الإنسان واجب
    ما خير من لا يشكر النعمى وينصر في النوائي؟
    آخر:
    وإذا وصلت بعاقل أملاً ... كانت نتيجة قوله فعلاً
    آخر:
    وكيف يسود المرء من هو مثله ... بلا منة منه عليه ولا يد
    إذا لم يكن للمرء عقل ولم يكنيدافع عن إخوانه لم يسود
    آخر:
    أعاتب إخواني وأبقي عليهم ... ولست بمستبق أخاً لا أعاتبه
    آخر:
    ولست برائي عيب ذو الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا
    فعين لرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدي المساويا
    آخر:
    أصافي خليلي ما استقام بوده ... وأمنحه ودي إذا يتجنب
    ولست باد صاحبي بقطيعتي ... ولا أنا مفش سره حسن أغضب
    آخر:
    فانظر لنفسك من يحب ... ك بين أطراف الرماح
    من لا يسؤك لسانه ... بالعيب أن يلحاك لاح
    آخر:
    أرضى عن المرس ما أصفى مودته ... وليس شيء مع البغضاء يرضيني
    ليس الصديق بمن تخشى غوائله ... ولا العدو على حال بمأمون
    آخر:
    ولاق ببشر من لقيت تكن له ... صديقاً وإن أمسى مغباً على حقد
    آخر:
    ما لي صديق من يواصلني ... في اليسر ثم يصد في العسر
    اغفر ذنوب أخيك ما قصرت ... دون الحوائج فارض باليسر
    آخر:
    لا تفش سراً إلى غير الصديق ولا ... إلى المشيع له يوماً إذا عتبا
    قد يحقر المرء ما يهوى فيركبه ... حتى يكون إلى توريطه سببا
    شر الأخلاء من كانت مودته ... مع الزمان إذا ما خاف أو رغبا
    إذا وترت امرءاً فاحذر عداوته ... من يزرع الشوك لا يحصد به عنبا
    آخر:
    ليس الصديق الذي يعطيك شاهده ... شهد الوداد وخان الغيب غائبه
    وقال عبيد بن الأبرص:
    قد يوصل النازح النائي وقد ... يقطع ذو السهمة القريب
    آخر:
    تلوم على القطيعة من أتاها ... وأنت شببتها في الناس قبلي
    آخر:
    قد فرق الله بين شيمتنا ... في كل أمر فكيف نأتلف
    قال جعفر بن محمد رضي الله عنهما: من أفطر من أجل أخ له، ثم لم يمنن عليه عدل له ذلك بصيام شهر.
    وقال الحسن البصري: لا ينظر الله إلى من بذل الود لأخيه حتى ائتمنه ثم انطوى له على غل.
    شاعر:
    وأخ إن جاءني في حاجة ... كان بالإلحاح مني واثقاً
    وإذا ما جئته في حاجة ... كان بالرد بصيراً حاذقا
    يعمل الفكرة لي في الرد من ... قبل أن أبدأ فيها ناطقا
    آخر:
    أراك مع الأعداء في كل موطن ... وقلبك من ضغن علي مريض
    وما بي من فقر إلى أن تحبني ... وما ضرني أني إليك بغيض
    وقال ابن عباس: العاقل الكريم صديق كل أحد، إلا من ضره، والجاهل اللئيم عدو لكل أحد إلا من نفعه.
    وقال آخر:
    لنا صديق مبغض للأدب ... إخوانه من جهله في تعب
    يغضب حيناً عند حد الرضا ... نوكاً ويرضى عند حال الغضب
    كأنه من سوء تأديبه ... أسلم في كتاب سوء الأدب
    آخر:
    الحمد لله عامل الصدقه ... كان صديقاً فقد لوى عنقه
    آخر:
    يا صديقي ما كنت لي بصديق ... إنما كنت للزمان صديقا
    قال بعض السلف: أحق الناس بأن يتقى: العدو القوي، والصديق المخادع، والسلطان الغشوم.
    شاعر:
    إذا عدوك لم يظهر عداوته ... فما يضرك إن عاداك أشرار
    وقال رجل لعمر بن الخطاب: والله إني لأحبك في الله، قال: لو كنت كما تقول لأهديت إلي عيوبي.
    وقال أعرابي: السؤال عن الصديق أحد اللقائين.
    شاعر:
    من لم يكن ذا صديق ... يفضي إليه بسره
    ويستريح إليه ... في خير أمر وشره
    فليس يعرف طعماً ... لحلو عيش ومره
    آخر:
    وأبيض قد صادفته فدعوته ... إلى بدوات الأمر حلو شمائله
    أخي ثقة إن أبتغ الجد عنده ... أجده ويلهيني إذا شئت باطله
    وإني لمعراض عن المرء بعدما ... يبين وتبدو لو أشاء مقاتله
    آخر:
    أغيب عنكم بود لا يغيره ... طول البعاد ولا ضرب من الملل
    آخر:
    ولا يلبث الحبل الضعيف إذا التوى ... وجاد به الأعداء أن يتخذما
    قال الحسن البصري: ليس من المروءة أن يربح الرجل على أخيه.
    وقال الحسن: كان أحدهم يشق إزاره اثنين، ولا يستأثر دون أخيه بورق ولا عين.
    وقال الحسن: لأن اقضي لأخ من إخواني حاجة أحب إلي من أن أصلي ألف ركعة.
    وقال الحسن: ما تحاب اثنان ففرق بينهما إلا ذنب يحدثه أحدهما.
    وقال الحسن: لا تشتر مودة ألف بعداوة واحد.
    وقال الشاعر:
    إذا ما امرؤ ولى علي بوده ... وأدبر لم يهدر بإدباره ودي
    قيل لأعرابي: كيف ينبغي أ، يكون الصديق؟ قال: مثل الروح لصاحبه، يحييه بالتنفس، ويمتعه بالحياة ويريه من الدنيا نضارتها، ويوصل إليه نعيمها ولذتها.
    وأخبرنا ابن مقسم العطار النحوي قال: أنشدنا ثعلب لأعرابي:
    وذي رحم قلمت أظفار ضغنه ... بحلمي عنه وهو ليس له حلم
    إذا سمته وصل القرابة سامني ... قطيعتها، تلك السفاهة والظلم
    ويسعى إذا أبني ليهدم صالحي ... وليس الذي يبني كمن شأنه الهدم
    يحاول رغمي لا يحاول غيره ... وكالموت عندي أن يسوغ له الرغم
    فإن أنتصر منه أكن مثل رائش ... سهام عدو يستهاض بها العظم
    وإن أعف عنه أغض عيناً على قذى ... وليس له بالصفح عن ذنبه علم
    فما زلت في لين له وتعطف ... عليه كما تحنو على الولد الأم
    لأستل ذاك الضغن حتى استللته ... وقد كان ذا ضغن يضيق له الحزم
    فداويت منه الحقد والمرء قادر ... على سهمه ما دام في كفه السهم
    وقلت لابن برد الأبهري، وكان من غلمان ابن طاهر: من الصديق؟ قال: من سلم سره لك، وزين ظاهره بك، وبذل ذات يده عند حاحتك، وعف عن ذات يدك عند حاجته، يراك منصفاً وإن كنت جائراً، ومفضلاً وإن كنت ممانعاً، رضاه منوط برضاك، وهواه محوط بهواك، إن ضللت هداك، وإن ظمئت أرواك، وإن عجزت آداك، يبين عنك بالجسم والرسم، ويشاركك في القسم والوسم. قلت: أما الوصف فحسن، وأما الموصوف فعزيز، قال: إنما عز هذا في زمانك حين خبثت الأعراق، وفسدت الأخلاق، واستعمل النفاق في الوفاق، وخيف الهلاك في الفراق، والله لقد شاهدت لشيخنا ابن طاهر أصدقاء ينطوون له على مودة أذكى من الورد والعنبر، إذا لحظهم بطرفه تهللوا، وإذا ناقلهم بلفظه تدللوا، وإذا تحكم عليهم تعجلوا، وإذا أمسك عنهم نولوا وخولوا، وكان يجدون به ما لا يجدون بأهليهم وأولادهم، رحمة الله عليهم، فلقد كانوا زينة الأرض، في كل حال من الشدة والخفض، وإني لآذكرهم فأجد في روحي عبقاً من حديثهم، قلت: كيف كان انبساطهم في الاجتماع؟ قال: ما كانوا يتجاوزون الليلة الحلوة، والمزح الخفيف، واللفظ اللطيف، والرمز الرشيق، والتبسم المقبول، وإذا افترقوا فإنما هم في اهتمام يعود بنظام عيشهم، وتدوم لهم مسرة حياتهم، الكلمة واحدة، والطريقة واحدة، والإرادة واحدة، والعادة واحدة، والوحدة إذا ملكت الكثرة نفت الخلاف، وأروثت الائتلاف، ثم تكلم في الوحدة والواحد والأحد بكلام في غاية الرقة، مع الإيضاح، ولولا أن هذا الموضع يجفو عنه لرسمته فيه، ولكن قد قيل لكل مقام مقال، ولكل فعل أوان، وفي حفظ الحدود استمرار الموجود، على ما هو به موجود.
    وأنشد لعبد الله بن طاهر:
    وما المرء إلا اثنان هذا موكل ... بما يعجب الإخوان إن قال أو فعل
    فينزل محموداً إذا حل منزلاً ... ويرحل مفقوداً إذا قيل قد رحل
    فأما الذي لا خير فيه فإنه ... وإن أطعم السلوى وألعق من عسل
    يذيب عن لحم العدو مخافة ... ويأكل من لحم الصديق إذا آكل
    وما قلبه إلا وعاء معطل ... من الود محشو من الغل والدغل
    ومن قل منه الود للناس لم ينل ... من الناس إلا مثل ذلك أو أقل
    قيل لأبي السائب: ما آفة الملال؟ قال: كثرة الإدلال.
    وقيل لابن أبي عتيق: ما يدعو المحب إلى الهجر؟ قال: إدمان المحبوب للغدر.
    لما انتقل ابن المنجم عن جيرة عبيد الله بن طاهر إلى دار إسحاق بن إبراهيم الموصلي كتب عبيد الله إليه أبياتاً:
    ما من تحول عنا وهو يألفنا ... أبعدت عنا ولأياً صرت تلقانا
    فاعلم بأنك مذ فارقت جيرتنا ... بدلت جاراً وما بدلت جيرانا
    فكتب إليه ابن المنجم:
    بعدت عنكم بداري ودون خالصتي ... ومحض ودي وعهدي كالذي كانا
    وما تبدلت مذ فارقت قربكم ... إلا هموماً أعانيها وأحزانا
    وهل يسر بسكنى داره أحد ... وليس أحبابه للدار جيرانا
    آخر:
    كن بالتحفظ من ك ... ل من عرفت حقيقا
    فقد يصير عدواً ... من كان يوماً صديقا
    آخر:
    يخرج أسرار الفتى جليسة ... رب امرئ جاسوسه أنيسه
    وقال الحارني: الجليس الصالح، كالسراج اللائح، والجليس الطالح، للمرء فاضح، مجالسة الأشكال تدعو إلى الوصال، ومجالسة الضداد تذيب الأكباد.
    وقال النبي صلى الله عليه وآله: مثل الجليس الصالح كمثل الداري إن لا يجدك من عطره، يعلقك من ريحه، ومثل الجليس السوء كمثل القين إن لا يحرقك بشرره، يؤذك بدخانه.
    شاعر:
    خليلي للبغضاء حال مبينة ... وللحب آيات ترى ومعارف
    آخر:
    إذا كنت تغضب من غير جرم ... وتعتب من غير عتب عليا
    عددتك ممن حوته القبور ... وإن كنت ألقاك في الناس حيا
    آخر:
    إن المرء أعراه الصديق بدا له ... بأرض الأعادي بعض ألوانها الربد
    آخر:
    أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه ... كأن به عن كل فاحشة وقرا
    سليم دواعي الصدر لا ناشطاً أذى ... ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا
    إذا ما أتت من صاحب لك زلة ... فكن أنت محتالاً لزلته عذرا
    غنى النفس ما يكفيك من سد خلة ... فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا
    آخر:
    وأنت امرؤ إما ائتمنتك خالياً ... فخنت، وإما قلت قولاً بلا علم
    فأنت من الأمر الذي كان بيننا ... بمنزلة بين الخيانة والإثم
    آخر:
    لعمرك ما أدري وإني لأوجل ... على أينا تغدو المنية أول
    وإني أخوك الدائم العهد لم أخن ... إن ابزاك خصم أو نبا بك منزل
    أحارب من حاربت من ذي عداوة ... وأحبس ما لي إن غرمت فأعقل
    وإن سؤتني يوماً صفحت إلى غد ... ليعقب يوماً منك آخر مقبل
    كأنك تشفي منك داء مساءتي ... وسخطي وما في ريبتي ما تعجل
    وإني على أشياء منك تريبني ... قديماً لذو صفح على ذاك مجمل
    ستقطع في الدنيا إذا ما قطعتني ... يمينك فانظر أي كف تبدل
    وفي الناس إن رثت حبالك واصل ... وفي الأرض عن دار القلى متحول
    إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته ... على طرف الهجران إن كان يعقل
    ويركب حد السيف من أن تضيمه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل
    وكنت إذا ما صاحب رام ظنتي ... وبدل سوءاً بالذي كنت أفعل
    قلبت له ظهر المجن فلم أدم ... على ذاك إلا ريث ما أتحول
    إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد ... إليه بوجه آخر الدهر تقبل
    آخر:
    فأكرم أخاك الدهر ما دمتما معاً ... كفى بالممات فرقة وتنائياً
    آخر:
    أفاطم أعرضي قبل المنايا ... كفى بالموت هجراً واجتنابا
    آخر:
    لا تطلبن الود من متباعد ... ولا تنأ من ذي بغضة إن تقربا
    فإن القريب من يقرب نفسه ... لعمر أبيك الخير لا من تنسبا
    آخر:
    لعمرك ما أبقى لي الدهر من أخ ... حفي ولا ذي خلة أواصله
    ولا من خليل ليس فيه غوائل ... وشر الأخلاء الثير غوائله
    النمر بن تولب:
    أحبب حبيبك حباً رويداً ... فقد لا يعولك أن تصرما
    وأبغض بغيضك هوناً رويداً ... إذا أنت حاولت أن تحكما
    آخر:
    لقد عجبت وما بالدهر من عجب ... يد تشح وأخرى منك تأسوني
    آخر:
    أتيت أنادي الدهر جد لي بصاحب ... وخل طلاب الدهر ما أنا طالب
    فما جاء لي منه بغير مجانب ... وآخر خير منه ذاك المجانب
    أخلائي أمثال الكواكب كثرة ... وما كان ما يرمى به الأفق ثاقب
    بلى كلهم مثل الزمان تلوناً ... إذا سر منه جانب ساء جانب
    آخر:
    ومن البلاء أخ خيانته ... علق بنا ولغيرنا نشبه
    آخر:
    ألم تر ما بيني وبين ابن عامر ... من الود قد بالت عليه الثعالب
    فأصبح نابي الود بيني وبينه ... كأن لم يكن والدهر جم العجائب
    آخر:
    تكاشرني كرهاً كأنك ناصح ... وعينك تبدي أن صدرك لي دوي
    لسانك ماذي وغيبك علقم ... وشرك مبسوط وخيرك منطوي
    آخر:
    كم من صديق لنا أيام دولتنا ... قد كان يمدحنا فصار يهجونا
    آخر:
    دعني أواصل من قطعت تراه بي إذ لا يراكا
    إني متى أحقد لحقدك لا أضر به سواكا
    وإذا أطعتك في أخيك أطعت فيه غداً أخاكا
    حتى ارى متقسماً ... يوماً لذا وغداً لذاكا
    آخر:
    يا صديقي بالأمس صرت عدواً ... سؤتني ظالماً ولم ترسوا
    كلما ازددت لك في الحب ت ... زيدت نبوة وعتوا
    آخر:
    ما لي بحائجة أرادني الزمان بها يدان
    لما بلغت مكاني فيك بلغت في مدى الزمان
    ونصبتني غرضاً يبيح دمي ولحمي من رماني
    هذا جزاء مقدماًتي إذ أكون وليس ثاني
    وعدا علي بك الزمان مذرباً نحوي لساني
    آخر:
    هبني أسأت كما زعمت فأين عاقبة الأخوه
    فإذا أسأت كما أسأت فأين فضلك والمروه
    أخبرنا المرزباني، حدثنا الصولي، حدثنا أحمد بن يزيد المهلبي، حدثنا هبة الله بن إبراهيم بن المهدي قال: كتب أبي إلى بعض من عتب إليه في شيء: لو عرفت الحسن لتجنبت القبيح، ولو استحليت الحلم لاستمررت الخرق، وأنا وأنت كما قال زهير:
    وذي خطل بالقول يحسب أنه ... مصيب فما يلمم به فهو قائله
    عبأت له حلمي وأكرمت غيره ... وأعرضت عنه وهو باد مقاتله
    وإن من إحسان الهل إلينا، وإساءتك إلى نفسك أنا أمسكنا عما تعلم، وقلت ما لا تعلم، وتركت الممكن، وتناولت المعجز، فالحمد لله الذي أوضح غدرك، وأبان أمرك، وقبح عند الناس ذكرك.
    وقال أعرابي: نصح الصديق تأديب، ونصح العدو تأنيب.
    شاعر:
    وتطرف الكف عين صاحبها ... فلا يرى قطعها من الرشد
    قال أبو سعيد السيرافي فيما سمعته منه: الصديق يكون واحداً وجمعاً ومذكراً ومؤنثاً. قال المرواني وكان حاضراً: هذا والله من شرف الصديق، قلت: ما نزيغ بهذا، قال: أما ترىهذا المثال كيف عم هذه الأشياء المختلفة حتى تكون صورة الصديق محفوظة فيها، وملحوظة منها ولذلك قال الله تعالى: " أو صديقكم " ، فأخرجه مخرج الواحد، وهو يريد الواحد والجمع والمذكر والمؤنث.
    أخبرنا أبو السائب القاضي عتبة بن عبد الله، حدثنا الحسن بن عروة، حدثنا محمد بن عبد الله القرشي، حدثنا محمد بن عبد الله الأشكري عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر رضي الله عنهما قال: أوصاني أبي قال: يا بني لا تصحب فاسقاً فإنه بائعك بأكلة فما دونها، قلت: وما هو دونها؟ قال: يطمع فيها ثم لا ينالها، ولا تصحب بخيلاً فإنه يقطع بك في مالك أحوج ما تكون إليه، ولا تصحب كذاباً فإنه يمنزلة السراب يقرب منك البعيد، ويبعد منك القريب، ولا تصحب أحمق فإنه يريد أ، ينفعك فيضرك، ولا تصحب قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في ثلاثة مواضع من كتاب الله: في سورة البقرة، وسورة الرعد، وسورة الذين كفروا.
    وقال ابن أبي خازم الشاعر الجاهلي:
    وكن من الإخوان مستوحشاً ... وحشة إنسي بجنان
    أخبرنا الصواف أبو علي، حدثنا ابن المؤمل، قال: سمعت موسى بن جعفر يقول: خير إخوانك المعين لك على دهرك، وشهم من سعى لك بسوق يومه.
    وقال بعض السلف الصالح: خير إخوانك من وعظك برؤيته قبل أن يعظك بكلامه. قلت لبرهان الصوفي: ما تفسير هذا؟ قال: لأنك إذا رأيته رأيت هيأته، وشارته، وحركته، ونظرته، وقومته، وقعدته، وهذا كلها نواطق، ولكن بلا حروف، وشواهد ولكن بلا لفظ، وإشارات ولكن بلا أدوات، وأما إذا جاء الكلام فقد استوعب أقصى البيان، وأتى على آخر الإرادة، فأراد هذا القائل أنه إذا أراك نفسه فقد حضك على اتباع أمه، ودعاك إلى الاقتداء به، وأن تحرج من مسكه، وتبرز من تبيانه، فهذا كلام في غاية الإيضاح.
    قال محمد بن علي رضي الله عنهما: كفى بالله ناصراً أن ترى عدوك يعصي الله فيك وتطيعه.
    قال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " ما تحاب رجلان إلا كان أفضلهما أشدهما حباً لصاحبه، هذا أخبرنا به المرزباني عن ابن السراج عن المبرد عن الرياشي عن أبي عاصم عن مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس.
    قال رجل من العباد لعابد آخر: إني لأحبك في الله، قال: أعوذ بالله أن أكون ممن يحب في الله والله علي ساخط.
    وقالت امرأة لرابعة العدوية: إني لأحبك في الله، قالت: فأطيعي من أحببتني فيه، قالت: من طاعتي له محبتي لمن أطاعه.
    أخبرنا ابن مقسم النحوي قال: حدثنا أحمد بن يحيى، حدثنا عمر بن شبة، حدثنا الأصمعي، قال: وقف أعرابي يسأل فقال: أخ في تلاد الله وجار في بلاد الله، وطالب خير من فضل الله، فهل من أخ يواسي في ذات الله؟ قال ابن السراج: التلاد: المال الذي لم يكتسب، سمعته من علي بن عيسى عنه.
    قال أبو الدرداء: ما أنصفنا إخواننا، يحبوننا في الله، ويفارقوننا في الدنيا، إذا لقيني قال: أحبك يا أيا الدرداء، وإذا احتجت إليه في شيء امتنع مني.
    قيل للأوزاعي: أيبلغ من حب الرجل لأخيه أن يكون أحب إليه من أخيه لأمه وأبيه؟ قال: نعم ومن أمه وأبيه! شاعر:
    ومن نكد الدنيا على الحر أن يرى ... عدواً ما من صداقته بد
    سمعت العسجدي يقول وقد أنشد هذا البيت: فما الحيلة إذا كان المخلص لا يوجد، والمرائي لا يفقد، والحاجة قائمة إلى التعاون، والتعاون مورث للتهاون، والتهاون باعث على الكلام، والكلام بين العتب والاستزادة، والتظلم والاستراحة، ثم قال: لا حيلة إلا الصبر فإن فساد دخائل الإخوان مضموم إلى جميع جوادث الزمان، والله المستعان.
    وقال المهلبي لبني أمية:
    مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا ... امشوا رويداً كما كنتم تكونونا
    الله يعلم أنا لا نحبكم ... ولا نلومكم أن لا تحبونا
    وأنشدنا أبو السائب القاضي قال: أنشدني محمد بن يزيد لنفسه:
    بنفسي أخي برشددت به أزري ... فألقيته حراً على العسر واليسر
    أغيب فلي منه ثناء ومدحة ... وأحضر منه أحسن القول والبشر
    وكتب أبو النفيس إلى العباداني: سبحان من لم يغنك عنا حتى سلانا عنك، ولا شغلك بغيرنا حتى عوضنا منك، ولا خار لنا في بعدك، حتى صنع لنا في فقدك، ولا هون عليك الوجد بنا حتى خفف عنا الموجدة عليك، ولا حظر عليك وصلنا حتى أباح لنا هجرك، ولا سهل عندك الرزء بنا حتى رفع عنا المصيبة فيك.
    وكتب أيضاً: أخت هذه الحمد لله الذي لم يزين لك الكفر بحرمتنا حتى حسن عندنا الشرك في صحبتك، ولا طوى عنا بساط قربك حتى أسبل علينا سجاف بعدك، ولا علق حبلك بغيرنا حتى كفانا مؤونة عتبك، ولا خوفك بالرغبة عنا حتى أمننا بالزهد فيك، ولا دمس جيبك بالأسف علينا حتى طهر قلوبنا من الشوق إليك، ولا سقاك صفو الهجر حتى أروانا بزلال الصبر، ولا أوسع لك في الانحراف عنا حتى أوضح لنا العذر في الانصراف عنك، ولا أذكرك قبح الجفاء حتى أنسانا خالص الصفاء، ولا عراك من يمن الإجماع حتى ألبسنا حبرة الإفراق، فدم على هجرنا فقد استبدلنا بك، واسل عنا فقد تعزينا عنك والسلام.
    شاعر من بني أسد:
    وأستنقذ لمولى من الأمر بعدما ... يزل كما زل البعير عن الدحض
    آخر:
    وإني لأنسى عند كل حفيظة ... إذا قيل مولاك: احتمال الضغائن
    وإن كان مولى ليس فيما ينوبني ... من الأمر بالكافي ولا بالمعاون
    آخر:
    ومولى خفت عنه الموالي كأنه ... من البؤس مطلي به القار أجرب
    رئمت إذا لم ترأم البازل ابنها ... ولم يك يها للمبسين محلب
    آخر:
    تثاقلت إلا عن يد أستفيدها ... وخلة ذي ود أشد به أزري
    وقال ساعدة الهذلي: ولا أوذي الصديق بما أقول.
    قال أبو زيد في الأمثال: رب أخ لك لم تلده أمك.
    وقال أيضاً: أخي خذلة وأنا عذلة وكلانا ليس بابن أمه.
    وقال أيضاً: الصبي أعلم بمبضعي جده.
    وقال أيضاً: النفس تعلم من أخوها النافع.
    وقال:
    القوم إخوان وشتى في الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم
    وقال بعض السلف: من علامات العاقل بره بإخوانه، وحنينه إلى أوطانه، ومداراته لأهل زمانه.
    وقال شاعر:
    لعمرك إني الخليل الذي له ... علي دلال واجب لمفجع
    وإني بالمولى الذي ليس نافعي ... ولا ضائري فقدانه لممتع
    أولئك إخوان الصفاء رزئتهم ... وما الكف إلا إصبع ثم إصبع
    والعرب تقول:
    خل طريق من وهي سقاؤه ... ومن هريق بالفلاة ماؤه
    وقال أعرابي: الصديق للظهر سناد، وللدهر عتاد، ولليوم جمال، وللغد مال.
    وقال شاعر:
    إن كنت تطلب في الزمان مهذباً ... فني الزمان وأنت في الطلبات
    خذ صفو أخلاق الصديق وأعطه ... صفواً ودع أخلاقه الكدرات
    قال ابن المعتز: إذا صحت النية، وتوكدت الثقة سقطت مؤونة التحفظ.
    أخبرنا ابن مقسم قال: قرأت على أحمد بن يحيى أنشدنا ابن الأعرابي:
    إذا أحسن ابن العم بعد إساءة ... فلست لشري فعله بحمول
    أي إذا أحسن وأساء لا أحمل عنه الشر أي لم أواخذه، وأراد بالشر فعليه فقلب.
    وقال آخر: صحبة الأشرار، تورث سوء الظن بالأخيار.
    سدوس بن ذهل اليربوعي:
    إذا ما امرؤ ولى غنياً بوده ... وأدبر لم يصدر بإدباره وقر
    ولبنى هذيل مثل وهو: هذا التصافي، ولا تصافي المحلب، أصله أن هذيلاً أصابت دماً في بعض العرب، فأسر أصحاب الدم رجلين من هذيل متصادقين، فقالوا لهما: أيكما أشرف فنقتله بصاحبنا؟ فقال كل واحد مهما: أنا ابن فلان الحسيب النسيب، ذو الثأر المنيم، فاقتلوني دون صاحبي، فكل بذل نفسه للقتل دون صاحبه، فعيوا بأمرهما لما رأوا من تأبيهما فقالوا: هذا التصافي، لا تصافي المحلب، وصفحوا عنهما، أي لا تصافي للنادمة على الشراب.
    وروى يعقوب قول نابغة بني جعدة:
    أدوم على العهد ما دام لي ... إذا كذبت خلة المحلب
    آخر:
    أخ لي إما كل شيء سألته ... فيعطي وإما كل ذنب فيغفر
    آخر:
    كان لنا صاحب فبانا ... وحاد عن وصلنا وخانا
    تاه علينا وتاه منا ... فما نراه ولا يرانا
    وقال أعرابي: المودة قرابة مستفادة.
    شاعر:
    أخ لك لا تغيره الليالي ... ولا الأيام عن خلق جديد
    وقال أعرابي: وصول معدم خير من جاف مكثر.
    وقال محمد بن سليمان لابن السماك: بلغني عنك شيء فقال: لست أبالي، قال: ولم؟ قال: فإن كان حقاً غفرته، وإن كان باطلاً رددته.
    وقال أعرابي: اللهم إني أعوذ بك من سلطان جائر، ونديم فاجر، وصديق غادر، وغريم ماكر، وقريب ناكر، وشريك خائن، وحريف مائن، وولد جاف، وخادم هاف، وحاسد محافظ، وجار ملاحظ، ورفيق كسلان، وجليس وسنان، ووكيل ضعيف، ومركوب قطوف، وزوجة مبذرة، ودار ضيقة.
    شاعر:
    فلا تعتقد خلا يسرك بعضه ... وإن غاب يوماً عنك ساءك كله
    إذا شئت أن تبلو امرءاً كيف طبعه ... فدعه وسل من قبلها كيف أصله
    شاعر، ويقال أنه لعمارة بن عقيل:
    ألم ترني والمرء ابن أمه ... إذا ما أتت عوجاء لا تتقوم
    ضممت جناحي عن أبي النضر بعدما ... تلومته ما كان لي متلوم
    وقلت له لما التقينا وقال لي ... مقالة مزرعائث يتجرم
    أتعذلني في أن أبيعك مثل ما ... به بعتني والبادئ البيع أظلم
    وليس على ود امرئ ليس عنده ... وفاء ولا عهد إذا غاب مندم
    وقال ابن المقفع: لا صديق لثلاثة: للميت، والفقير، والمحبوس.
    وسئل الجنيد الصوفي: من تصحب؟ قال: من قدر أن ينسى ماله ويقضي ما عليه.
    شاعر:
    ليت شعري ما كانت الحال بعدي ... أعلى العهد أم تكرهت ودي
    أنا ذاك المسيئ والذنب ذنبي ... فاعف عني يا أكرم الناس عندي
    لا يكون الغفران إلا لمولى ... وتكون الذنوب إلا لعبد
    محمود الوراق:
    لا تحدسن أخاك وارع ل ... ه على الأيام عهده
    حسد الصديق صديقه ... وأخاه من سقم الموده
    شاعر:
    وأول خير من صديق أفدته ... رجوعي بتسهيل الصديق حجابي
    وأعرف ما لي عنده بغلامه ... وبالبشر منه عند رجع جوابي
    آخر:
    زرعت في القلب مني من مودتكم ... زرعاً تمكن في الأحشاء والكبد
    آخر:
    جزى الله عني صالحاً بوفائه ... وأضعف أضعافاً له في جزائه
    أخاً لي إذا ما جئت أبغيه حاجة ... رجعت بما أبغي ووجهي بمائه
    بلوت رجالاً بعده بإخائهم ... فما ازددت إلا ربغة في إخائه
    آخر:
    تاه على إخوانه قاسم ... فصار ما يطرف من كبره
    أعاده الله إلى حاله ... فإنه يحسن في فقره
    آخر:
    لم يبق في الناس حر ... ولا صديق يسر
    وكل من ترتضيه ... عند المذاقة مر
    آخر:
    أكل هذا الجفاء يا حكم ... كذا يكون الإخاء والكرم
    الحمد لله لا صديق لمن ... زلت به في زمانه القدم
    آخر:
    إذا كنت تأتي المرء توجب حقه ... ويجهل منك الود فالهجر أوسع
    آخرك
    تكثر الإخوان ما لم يخبروا ... وعلى الخبر قليل في العدد
    لا تودن امرءاً لم تبله ... وانظرن بعد ابتلاء من تود
    خالق الناس على أحسابهم ... لا يغرنك ثياب وجسد
    رب محمود على الصورة قد ... نال ذماً، وذميم قد حمد
    فإنذا الصورة والحمد معاً ... جمعاً يوماً لإنسان سعد
    قل بحلم أودع القول فللص ... مت خير من مقال في فند
    ودع المزح فيا رب امرئ ... قاده المزح إلى ما لم يرد
    شاعر:
    إذا كان إعراض الفتى مثل أكله ... فذاك ضعيف الرأي مستجهل العقل
    وليس بموثوق به في مودة ... ولا حسن رأي عند عقد ولا حل
    فآخ صديق الصدق إنك إنه ... وإن هو نافى بالتخطط والشكل
    يقال: أمور ليست لها ثبات منها: ظل الغمام، دخلة الأشرار، وثناء الكذابين، والمال الكثير يرثه الأحمق، ومودة النساء.
    قال أكثم بن صيفي: العيش في سبعة أشياء: الولد البار، والزوجة الصالحة، والأخ المساعد، والخادم العاقل، والعافية السابغة، والقوت الكافي، والأمن الشامل.
    شاعر:
    إذا رأيت امرءاً في حال عسرته ... مصافياً لك ما في وده دخل
    فلا تمن له أن يستفيد غنى ... فإنه بانتقال الحال ينتقل
    آخر:
    لا تحمدن على الإخاء مؤاخياً ... حتى تبين قدر غور إخائه
    فتذم أو تختصه من بعدما ... تبلو سريرته وصدق وفائه
    شاعر:
    إذا أنت شاجرت الرفيق فلن له ... ومن خير من رافقت من لا تشاجره
    كاتب: اشتريتك بالتنصل إذ بعتني بالتجني.
    فيلسوف: لا تعدن من آخاك في أيام مقدرتك للمقدرة، واعلم أنه ينتقل عليك في أحوال ثلاثة: يكون صديقاً يوم حاجته إليك، ومعرفة يوم استغنائه عنك، ومتجنياً ذنباً يوم حاجتك إليه.
    شاعر:
    وشرك عن صديقك غير ناب ... وشرك عند منقطع الترات
    شاعر:
    فانظر لنفسك من تصاحب منهم ... ليس الصحيح داؤه كالأجرب
    شاعر:
    إذا غبت لم تنفع صديقاً وإن تقم ... فأنت على ما في يديك ضنين
    آخر:
    أبا هاشم لا فرق الله بيننا ... ففي قربكم أنسي، وفي بعدكم حتفي
    شاعر:
    الأخلاء في الرخاء كثير ... فإذا ما بلوت كانوا قليلاً
    وإذا ما أصبت خلا حفيظاً ... راعياً للإخاء براً وصولا
    فتمسك بحبله أبد الدهر ... وأكرم به أخا وخليلا
    قال الراجز:
    إني وإن عيرتني نحولي ... أوازدريت عظمي وطولي
    لا أعجف النفس على خليلي ... أعرض بالود وبالتنويل
    قال أبو زيد الأنصاري: يقال عجفت نفسي على المريض إذا صبرت عليه.
    شاعر:
    مذ بدا يخطر ما لم يرني ... وإذا يخلو له لحمي رتع
    آخر:
    ورب امرئ تغتشه لك ناصح ... ومؤتمن بالغيب غير أمين
    قال أبو زيد العذري:
    وابل الرجال إذا أردت إخاءهم ... وتوسمن أمورهم وتفقد
    فإذا ظفرت بذي الليانة والتقى ... فبه اليدين قرير عين فاشدد
    ومتى يزل، ولا محالة، زلة ... فعلى أخيك بفضل حلمك فاردد
    آخر:
    أحين تناهت بك المكرمات ... رميت بحبلي على غاربي
    فما بال عينك مطروقة ... إذا ما رميت بها جانبي
    شاعر:
    أراك مع الأعداء في كل موطن ... وقلبك من ضغن علي مريض
    وما لي من فقر إلى أن تحبني ... وما ضرني أني إليك بغيض
    شاعر:
    أما المزاحة والمراء فدعهما ... خلقان لا أرضاهما لصديق
    إني بلوتهما فلم أحمدهما ... لمجاور جاراً ولا لرفيق
    قال ابن عباس: ما من غرة إلا وغلى جانبها عرة، وما الذئب في فريسته بأسرع من ابن عم دني، في عرض ابن عم سري.
    قال الأصمعي: وقف أعرابي على قوم يعيبون رجلاً من إخوانه. فقال: أبطئوا عن عيب من لو كان حاضراً لسارعتم إلى مدحه.
    شاعر:
    إن شر الناس من يكشر لي ... حين يلقاني وإن غبت شتم
    وكلام سيئ قد وقرت ... عنه أذناي وما بي من صمم
    لا تراني راتعاً في مجلس ... في لحوم الناس كالسبع الضرم
    قال المدائني: يقال: من رمى أخاه بذنب قد تاب منه ابتلاه الله به.
    وقال عمر بن الخطاب كفى بك عيباً أن يبدو لك من أخيك ما يغني عليك من نفسك، أو تؤذي جليسك.
    الأخطل:
    إني تدوم لذي الصفاء مودتي ... وإذا تغير كنت ذا ألوان
    وأصد عن عيب الصديق تكرماً ... عمداً وما دهري له بهوان
    وأفارق الخلان عن غير القلى ... وأميت بعض السر بالكتمان
    كاتب: ولعمري إن في الحق أن يقبل الاعتذار، ما لم يكن معه الإصرار، وأن لا تحمل المتستر بالصداقة على المكاشفة بالعداوة ما صلح ظاهره، وتصنعت سرائره.
    وقال آخر: إخوان الشر كشجرة النار يحرق بعضها بعضاً.
    وقال آخر: إنما سمي الصديق صديقاً بصدقه لك، وسمي العدو عدواً لعدوه عليك لو ظفر بك: وقال أيضاً: من لم يقدم الامتحان قبل الثقة، والثقة قبل الأنس، أثمرت مودته ندماً، ليكن الأنس أغلى أعلاق مودتك، وأبطأها عرضاً على صديقك.
    وقال: علامة الصديق إذا أراد القطيعة أن يؤخر الجواب، ولا يبتدئ بكتاب.
    وقال: إخوان السوء يتفرقون عند النكبة، ويقبلون مع النعمة، ومن شأنهم التوصل بالإخلاص والمحبة إلى أن يظفروا بالأنس والثقة، ثم يوكلون الأعين بالأفعال، والأسماع بالأقوال، فإن رأوا خيراً ستروه، وإن رأوا شراً وظنوه أذاعوه ونشروه.
    وقال آخر: إنما تطيب الدنيا بمساعفة الإخوان ونفع بعضهم بعضاً في كل باب، وإلا فعلى الصداقة الدماء، وما أرجو إذا كانت تنقطع في الدنيا، ولا تتصل بما أحب في الدنيا.
    شاعر:
    أنت امرؤ قصرت عنه خليقته ... إلا من الغش للأدنين والحسد
    حدثنا ابن مسرف قال: كان بين محمد بن السماك وبين رجل مؤاخاة فانقطع عنه الرجل فكتب إليه ابن السماك: أما بعد: فإن لكل شيء ثمرة، وثمرة المودة الزيارة والسلام. وكتب إليه في آخره:
    لقد ثبتت في القلب منك مودة ... كا ثبتت في الراحتين الأصابع
    فأجابه الرجل: أما بعد يا أخي فقد زرعت في قلوبنا مودتك، فتعهد زرعك بسقي الماء وإلا فلا تأمن والسلام.
    شاعر:
    صديقك حين تستغني كثير ... وما لك عند فقرك من صديق
    فلا تغضب على أحد إذا ما ... طوى عنك الزيارة عند ضيق
    آخر:
    إذا المرء لم يبذل لك الود مقبلاً ... مدى الدهر لم يبذل لك الود مدبرا
    آخر:
    أقام معي من لا أحب جواره ... وجاراي، جارا الصدق مرتحلان
    ولا يستوي الجاران جار مكارم ... وجار طويل العمر دون مجاني
    آخر:
    أعاتب ليلى إنما الصرم أن ترى ... خليلك يأتي ما أتى لا تعاتبه
    وما أهل ليلى من خليل فينفعوا ... وما أهل ليلى من عدو نجانبه
    قيل للإسكندر: بما نلت هذا الملك على حداثة السن؟ قال: باستمالة الأعداء، وتعهد الأصدقاء.
    وقال آخر: العتاب حدائق المتحابين، وثمار الأوداء، ودليل على الضن بالصفا، وحركات الشوق، ومستراح الواجد، ولسان الإشفاق.
    وقال آخر: التجني رسول القطيعة، وداعي القلى، وسبب السلو، وأول التجافي، ومنزل التهاجر.
    وقال آخر: من عاشر الناس بالمسامحة دام استمتاعه بهم.
    شاعر:
    وكنت إذا صحبت رجال قوم ... صحبتهم وثبتني الوفاء
    فأحسن حين يحسن محسنوهم ... وأجتنب الإساءة إن أساؤوا
    وأبصر ما يعيبهم بعين ... عليها من عيونهم غطاء
    آخر:
    إني رأيتك لي محباً ... وإلي حين أغيب صبا
    فهجرت لا لملالة ... حدثت ولا استحدثت ذنبا
    لكن لقول قد مضى ... من زار غباً زاد حباً
    الله يعلم أنني ... لك أخلص الثقلين قلبا
    وقال جحظة فيما حدثنا ابن سيف، كتب رجل إلى صديق له:
    لله أنت على جفائك ... ماذا أؤمل من وفائك
    فكرت فيم هجرتني ... فوجدت ذاك لسوء رأيك
    فرأيت أن أسعى إليك وأن أبادر في لقائك
    كيما أجدد ما تغير لي ... وأخلق من إخائك
    لإسحاق بن إبراهيم الموصلي في أبي دلف العجلي:
    اجعل أبا دلف كمن لم تعرف ... واهجره معترفاً وإن لم يخلف
    آخ الكرام المنصفين بوصلهم ... واترك مودة كل من لم ينصف
    لا خير في صدق الإخاء موكل ... بأذى الصديق ملولة مستطرف
    شاعر:
    سأحبس نفسي إذ كرهت مودتي ... وأكسر قلبي منك باليأس والصبر
    وأذكر وداً كان مني تكرماً ... وإن حلت عن وصلي وملت إلى الهجر
    فشكري لما أوليتني لك دائم ... وحبي جديد ليس ينقص في الدهر
    فما زلت أبكيكم بعين سخينة ... كما كانت الخنساء تبكي على صخر
    آخر:
    إذا نائبات الدهر يسرن للفتى ... أربع خصال قلما تتيسر
    كفاف يصون الحر عن بذل وجهه ... فيضحي ويمسي وهو حر موقر
    وكأس يسليه إذا الهم ضافه ... ومحسنة إحسانها ليس ينكر
    ورابعة عزت وقل حصولها ... صديق على الأيام لا يتغير
    فذاك الذي قد نال مالكاً بلا أذى ... وأسعد بالخيارت إن كان يفكر
    أخبرنا المرزباني، أخبرنا القراطيسي قال: أخبرنا أبو العيناء قال: كتب رجل إلى صديق له: أما بعد فإني ما اتهمت حسن ظني بك حين توجه إخائي نحوك، ولا تجدد أملي باعتمادي عليك، ولا استدعتني رغبة فيك إلى من سواك، ولا أراني اختياري غيرك عوضاً منك.
    وحدثني أبو طائع الطلحي قال: كتب الجارحي إلي مرة: الله يعلم أنك ما خطرت ببالي في وقت من الأوقات إلا مثل الذكر منك لي محاسن تزيدن صبابة إليك، وضناً بك، واغتباطاً بإخائك.
    شاعر:
    لئن جد أسباب العداوة بيننا ... لترتحلن مني على ظهر شيهم
    والشيهم ذكر القنافذ، وإنما يريد لتصيبك مني داهية، هكذا حفظت عن ابن الأعرابي، وكان كبيراً.
    قال جميل بن الصريري لابنه: يا بني اصحب السلطان بشدة التوقي كما تصحب السبع الضاري، والفيل المغتلم، والأفعى القاتلة، واصحب الصديق بلين الجانب والتواضع، واصحب العدو بالإعذار إليه، والحجة فيما بينك وبينه، واصحب العامة بالبر، والبشر، واللطف باللسان.
    شاعر:
    إن الكريم الذي تبقى مودته ... ويحفظ السر إن ضافى وإن صرما
    ليس الكريم الذي إن ذل صاحبه ... بث الذي كان من أسراره علما
    قال فيلسوف: اعتزل عدوك واحذر صديقك.
    وقال عمرو بن العاص: الكريم يلين إذا استعطف، واللئيم يقسو إذا لوطف.
    وقال خلف الأحمر: وصف لي رجل أخاً له فقال: كنت لا تراه الدهر إلا وكأنه لا غنى به عنك، وإن كنت إليه أحوج، وإن أذنبت غفر ذنبك، وكأنه المذنب، وإن أسأت إليه أحسن وكأنه المسيء.
    شاعر:
    إذا أنا لم أجز الصديق بنصحه ... وأقص الذي تسري إلي عقاربه
    فمن يتقي يومي ومن يرتجي غدي ... لنائبة، والدهر جم نوائبه
    لحى الله مولى السوء لا أنت راغب ... إليه ولا رام به من تحاربه
    وما قرب مولى السوء إلا كبعده ... بل البعد خير من عدو تقاربه
    من الناس من يدعى صديقاً ولو ترى ... خبيئة جنبيه لساءك جانبه
    يمن ولا يعطي ويزعم أنه ... كريم ويأبى لؤمه وضرائبه
    وإني وتأميلي جذيمة كالذييؤمل ما لا يدرك الدهر طالبه
    فأما إذا استغنيتم فعدوكم ... وأدعى إذا ما غص بالماء شاربه
    وما تركت أحلامكم من صديقكم ... لكم صاحباً إلا قد ازور جانبه
    آخر:
    إذا أنت لم تعرض عن الحقد لم تفز ... بذكر ولم تسعد بتقريظ مادح
    آخر:
    من نم في الناس لم تؤمن عقاربه ... عن الصديق ولم تؤمن أفاعيه
    كالسيل بالليل لا يدري به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه
    آخر:
    عامل الناس بخلق رفيق ... والق من تلقى بوجه طليق
    فإذا أنت قليل الأعادي ... وإذا أنت كثير الصديق

    ضفحة رقم [ 6 ] من كتاب الصداقة والصديق Fasel10

    كتاب : الصداقة والصديق
    المؤلف : أبو حيان التوحيدي
    منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة
    ضفحة رقم [ 6 ] من كتاب الصداقة والصديق E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 14:49