منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ضفحة رقم [ 7 ] من كتاب الصداقة والصديق

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    ضفحة رقم [ 7 ] من كتاب الصداقة والصديق Empty ضفحة رقم [ 7 ] من كتاب الصداقة والصديق

    مُساهمة من طرف الرسالة الإثنين 31 مارس 2014 - 16:08

    ضفحة رقم [ 7 ] من كتاب الصداقة والصديق Sadaka10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة ألأسرة الثقافية
    الصداقة والصديق
    ضفحة رقم [ 7 ] من كتاب الصداقة والصديق 1410

    وقيل لفيلسوف: من تحب أن تصادق؟ فقال: أما في الدهر الصالح فالحسيب، اللبيب، الأديب، فإنك تستفيد من حسبه كرماً، ومن أدبه علماً، ومن لبه رأياً، وأما في الزمان السوء فارض بالمكاشر الذي يعطيك بعضه بالحياء، وبعضه بالنفاق، ويمتعك ظاهره، وإن ساءك باطنه، ولكل زمان حكم، ولكل ظهر عكم.
    وقالت أعرابية:
    يا دهر لا عريت من آبده ... ما أنا في فعلك بي حامده
    صاحبت إخوانك طراً فما ... حمدت منهم خلة واحده
    وكنت من كلهم حاضنه ... في كل يوم بيضة فاسده
    وقيل للواسطي المتكلم: كيف ترى أبا عبد الله البصري؟ فأنشد:
    حرج الخليفة بغضه لعدوه ... وصفاؤه لصديقه سيان
    وكتب ابن أكمل إلى ابن سورين، وكان بينهما ود متوارث: إن رأيت أن تروي ظمأ أخيك بغرتك، وتبرد غليله بطلعتك وتؤنس وحشته بأنس قربك، وتجلو غشاء ناظره بوجهك، وتزين مجلسه بجمال حضورك، وتجعل غداءك عنده في منزلك الذي هو فيه ساكنك، وتهب له السرور بك باقي يومه، مؤثراً له على شغلك فعلت إن شاء الله.
    فأجابه: كيف أروي ظمأك إلي مني، وأنا أشد ظمأ إليك منك إلي، وعلى حيلولة ذاك فالتلاقي أبرد لغليل النفس، وأجلب لما شرد من الأنس، وها أنا قد هيأت كلي لطاعتك، وبشرت روحي بالاستمتاع بحديثك، وأخذت عياذ الاستفادة منك، وصلت على الدهر وأبنائه بما ملكته من تشريفك والسلام.
    قال أعرابي لآخر: ودك لا ينضى ملبوسه، ولا يتوى محروسه، ولا يذوي مغروسه.
    وأنشدنا أبو سعيد السيرافي قال: أنشدنا قدامة بن جعفر الكاتب لشاعر:
    وفتيان صدق ثابتين صحبتهم ... يزيدهم هول الجناب تآسيا
    فإن يك خيراً يحسنوا أملاً به ... وإن يك شراً يشربوه تحاسيا
    واعتذر رجل إلى أبي أيوب سليمان بن وهب الكاتب وأطال فقال له: أقلل فإن الولي لا يحاسب، والعدو لا يحتسب له.
    قال ابن السكيت: العرب تقول: أنت من حبة نفسي أي ممن تحبه نفسي.
    وقال: يقال: هو صفيي، وسجيري، وهم أصفيائي وسجرائي.
    وحكى أبو عمرو واللفيف في معنى السجير، وهو خلصاني، وهم خلصاني.
    ويقال: آخيت الرجل وواخيت، يقلبون الهمزة واواً، كما يقال: آسيته وواسيته، وهو خلي وهم أخلائي.
    فأما الشجير بالشين فهو الغريب.
    قال أعرابي لصاحب له: إني لأصقل بلقائك عقلي، وأشحذ بمحادثتك ذهني، وأطوي بذكر محاسنك أيام، وأرجع من طويتك إلى أكرم موثوق به لرعايه عهد، وأفضل متكل عليه لمحافظة على ود.
    وقال آخر لصاحب له: ما زلت أعلم أنك للسر ملء الصدر، وأنك في المساعدة أذكى من الجمر، وأرق من عتيق الخم، ظريف المخاطبة، عذب المواصلة، لذيذ المجالسة، هنيء العشرة، مقبول الظاهر، سليم الباطن، منشور المطاوي، عار من المساوي.
    قال أعرابي لرجل: إن فلاناً وإن ضحك لك فإنه يضحك منك، فإن لم تتخذه عدواً في علانيتك فلا تجعله صديقاً في سريرتك.
    وكتب آخر إلى صديق له: إنما قلبي نجي ذكرك، ولساني خادم شكرك.
    وكتب آخر في بعض العتاب: قد طالت علتك أو تعاللك، واشتد شوقنا إليك، فعافاك الله مما يك من مرض في بدنك، أو إخائك، ولا أعدمناك.
    قال إسحاق: قلت للعباس بن الحسن: إني لأحبك، فقال: رائد ذاك معي.
    قال: وذكرت له رجلاً فقال: دعني أتذوق طعم فراقه فهو والله الذي لا تشجى به النفس، ولا يكثر في إثره الالتفاف.
    سئل أعرابي عن صديق له فقال: صفرت عياب الود بيني وبينه بعد امتلائها، واكفهرت وجوه كانت بمائها.
    إبراهيم بن العباس الصولي:
    يا أخا لم أر في الناس خلاً ... مثله أسرع هجراً ووصلا
    كان لي في صدر يوم صيدقاً ... فعلى عهدك أمسيت أم لا؟
    روى المدائني عن عبد الله بن سلم الفهري قال: غاب مولى الزبير بن العوام عن المدينة حيناً، فلما آب قال له رجل من قريش: أما والله لقد أتيت قوماً يبغضون طلعتك، وفارقت قوماً لا يحبون رجعتك، قال: أنعم الله بمن قدمت عليه عيناًن ولا خلف الله على من فارقته خيراً.
    وقرأت لعلي بن جعفر الكاتب، كاتب الطابع، رقعة له إلى صالح بن مسعود الكاتب النصراني لم تكن بذاك قلة ما لم أروها، لكني وجدت شعيراً نقلته إلى هذا الموضع وهو:
    بل عشت لي وبقيت منك ممتعاً ... في صالح الإخوان والأهل
    حتى إذا نزل الحمام بواحد ... منا ليأخذه على مهل
    متنا جميعاً لا يفرق واحد ... فيذوق فيه مرارة الثكل
    وقال بعض السلف: الانبساط إلى العامة مكسبة لقرين السوء، والانقباض مجلبة للمقت، فإنا اقتديت من قرناء السوء باعتقاد المقت، وإما ابتغيت أسر الإخوان بالصبر على المكروه.
    قال عبد الملك بن مروان لرجل: ما بقي من لديك؟ قال: جليس يقصر مع طول الليل مع العلة، ودابة أشتهي معها طول السفر. وأنشد لأعرابي:
    من أين ألقى صاحباً مثل عمر ... يزداد طيباً كلما طال السفر
    قال بعض السلف: توق من الرجال من إن أنعمت عليه كفرك، وإن أنعم عليك من عليك، وإن حدثته كذبك، وإن حدثك كذبك، وإن ائتمنته خانك، وإن ائئتمنك اتهمك.
    لأبي الأسود:
    أريت امرءاً كنت لم أبله ... أتاني فقال: اتخذني خليلا
    فخاللته ثم صافيته ... فلم أستفد من لدنه فتيلا
    فألقيته غير متستعتب ... ولا ذاكر الله إلا قليلا
    ألست حقيقاً يتوديعه ... وأتبع ذلك هجراً جميلاً
    قال عمر بن الخطاب: مما يصفي لك ود أخيك أن تبدأه بالسلام، وتوسع له في المجلس، وتدعوه باحب الكنى إليه.
    محمد بن عبد الملك الزيات:
    أقول إذا ما بدا طالعاً ... وقد كاد أو هم أو قد ولج
    من الناس من ليس حتى المما ... ت منه و من أذاه فرج
    ولو كنت تأمنه ليلة ... إلى الصبح لم يرض أو يدلج
    ولو كان ذا من أحب العباد إلي ... ك لكان بغيضاً سمج
    فكيف إذا كان ممن يكاد ص ... درك من بغضه ينفرج
    آخر:
    تريك أعينهما في صدورهم ... إن الصدور يؤدي غشها البصر
    آخر:
    متى تك في صديق أو عدو ... تخبرك العيون عن القلوب
    أنشدنا المبرد فيما حدثنا به أبو سعيد السيرافي عن ابن السراج عنه:
    كيف العزاء لمن يعن له ... شرب المدام ولذة الخمر
    وحديث فتيان غطارفه ... وفوارس كالأنجم الزهر
    إن جئتهم سروا وإن نزحت ... داري فإن حديثهم ذكري
    يا ليتني أحيا بقربهم ... فإذا فقدتم انقضى عمري
    فتكون داري بين دورهم ... ويكون بين قبورهم قبري
    قال حاتم الأصم: أربعة تذهب الحقد بين الإخوان: المعاونة بالبدن، واللطف باللسان، والمواساة بالمال، والدعاء في الغيب.
    كتب سهل بن هارون الكاتب إلى جعفر بن يحيى:
    إذا ما أتى يوم يفرق بيننا ... نموت فكن أنت الذي يتأخر
    وقال الجماز فيما حدثنا ابن المرزباني عن الصولي عن أبي العيناء عنه يصف صديقاً: لم أر في الناس وفياً بعد واحد كان أصفى لي مودته، وبذل لي مهجته، كان أطوع لي من كفي، وكنت أذل له من نعله، أتكلم بكلامه فينطق بلساني، إن قلت خيراً أعانني، وإن ملت إلى سيئ ردعني، كان والله إذا قال فعل، وإذا حدث صدق، وإذا أؤتمن لم يخن، ضاحك السن، مسفر الوجه، كان إذا غاب فكأنه شاهدي، وإذا غبت عنه فكأنه يراني، لا ينطق لسانه بخلاف ما يضمر جنانه، لا يدري أينا أسر بصاحبه، ولا أينا أصدق مودة بخليطه، آنس ما كنا إذا اجتمعنا، وأوحش ما كنا إذا افترقنا، ما تفرقنا طول صحبتنا إلا يوماً حسبناه حولاً، أغبط ما كنا إذ رمى الهر فلم يشق إذ رمى من كل روحه روحي، ونفسه أعز علي من نفسي، فليته أصابني وأخطأه، وإذا لم يخطئه أصابني معه، فيكون موتنا معاً كما كان عيشنا معاً، مات فمات الوفاء بعده، خاب الرجاء فما ألذ بعده طعاماً، ولا أسيغ شراباً ، غماً له، واكتئاباً عليه، وشوقاً إليه، فلو كنت أقول الشعر لرثيته آخر الدهر، ولأتعبت بالقوافي الكاتبين، فبليت بعده بمن إذا أحببته أبغضني، وإن وددته عاداني، وإن أقبلت نحوه ولى عني، فهو كالذئب والغراب، ما للذئب يناله الغراب، وما للغراب فالذئب لا يطمع فيه، حسبك به غادراً، تراه عن الوفاء مبطئاً، وإلى الخيانة مهملجاً.
    قال أرسطو طاليس في رسالة أفدناها أبو سليمان: تعهد الإخوان بإحياء الملاطفة، فإن التارك متروك، ثم تعهد إخوان الإخوان، فإن إخوان الإخون من الإخوان، وهم بمنزلة العلم المستدل به على الوفاء، ثم تعهد أهل المكاشرة المتشبهين بالإخوان بالصبر عليهم، إما طمعاً في تحويل ذلك منهم صدقاً، وإما اتقاء كلمة فاجر وقعت في سمع مائق ذي دولة.
    وذكر أعرابي مودة رجل فقال: مودة رثة العقال، وسماء قليلة البلال، وأرض دائمة الإمحال، هو اليد الحذاء، والأزمة الحصداء، أبعد مقاله قريب، وأقرب فعاله بعيد، يقول ما لا يفعل، ويفعل ما لا يقول.
    شاعر:
    أتناسيت أم نسيت إخائي ... والتناسي شر من النسيان
    عبد الصمد بن المعذل:
    هي النفس تجزي الود بالود مثله ... وإن سمتها الهجران فالهجر دينها
    إذا ما قرين بت منها حباله ... فأهون مفقود عليها قرينها
    لبئس معار الود من لا يوده ... ومستودع الأسرار من لا يصونها
    لما تباعد بين يحيى بن خالد وعلي بن عيسى بن ماهان وجه علي أبا نوح ليتعرف ما في نفسي يحيى، فكتب يحيى على يد أبي نوح:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    عافانا الله وإياك، كن على يقين أني بك ضنين، وعلى التمسك بما بيني وبينك حريص، أريدك ما أردتني، وأريدك أن تنوب عني ما كان ذلك بي وبك جميلاً، فإن جاءت المقادير بخلاف ما أحب من ذلك لم أعد ما يحمد، ولم أتجاوز إلى شيء مما يكره، هاجني على الكتاب إليك مسألة أبي نوح غياي، وإعلامك رأيي وهواي، فما تبدلت، ولا حلت، فجمعنا الله وإياك على طاعته وأنشد:
    لكل أديب ترى هيئة ... وهذي تدل على همته
    ولم أر مثل فتى ماجد ... يداري الأمور على فطنته
    يجازي الصديق بإحسانه ... ويزجي العدو إلى غفلته
    ويلبس للدهر تبانه ... ويخضع للقرد في دولته
    بلوت الرجال وجربتهم ... فكل يدور على لذته
    قال سفيان بن عيينة: صحبت الناس خمسين سنة ما ستر لي أحد عورة، ولا رد عني عيبة، ولا عفا لي عن مظلمة، ولا قطعته فوصلني، وأخص إخواني لو خالفته في رمانة فقلت: هي حامضة، وقال: هي حلوة لسعى بي حتى يشيط دمي.
    وقال أعربي في صاحب له: افصح خلق الله كلاماً إذا حدث، وأحسنهم استماعاً إذا حدث، وأكفهم عن الملاحاة إذا خولف، يعطي صديقه النافلة، ولا يسأله الفريضة، له نفس عن العوراء محصورة، وعلى المعالي مقصورة، كالذهب الإبريز الذي يعز كل أوان، والشمس التي لا تخفى بكل مكان، هو النجم المضيء للجيران، والبارد العذب للعطشان.
    كتب أبو الدرداء إلى سلمان الفارسي يدعوه إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان: إن بعدت الدار من الدار فإن الروح مع الروح قريب، وطائر السماء على إلفه من الأرض يقع.
    قال معبد بن مسلم:
    جزى الله الموالي عن أخيهم ... وكل صحابة لهم جزاء
    بما فعلوه إن خيراً فخيراً ... وغن شراً كما امتثل الحذاء
    فما أنصفتم والنصف يرضى ... به الإسلام والرحم البواء
    لزدتهم النصحية من لدني ... فمجوا النصح ثم ثنوا فقاؤا
    وقلت: فدى لكم عمي وخالي ... فما قبل التودد والفداء
    فكيف بهم وإن أحسنت قالوا ... أسأت، وإن غفرت لهم أساؤا
    قال بنا المرزباني: حدثنا القراطيسي قال: أنشدنا أبو العيناء قال: أنشدنا السدري:
    وإني لأهوى ثم لا أتبع الهوى ... وأكرم خلاني وفي صدود
    وفي الناس عن بعض التضرع غلظة ... وفي العين عن بعض البكاء جمود
    قال أبو العيناء: قلت لأعرابي: كيف أنت؟ قال: كما يسرك إن كنت صديقاً، وكما يسوءك إن كنت عدواً.
    وكتب ابن ثوابة إلى صديق له: ما انفككت عن ودك، ولا انفركت عن عهدك.
    شاعر:
    إذا كثر التجني من خليل ... بلا ذنب فقد مل الخليل
    كتب الحسن بن وهب إلى صديق له يعلمه صبابته إليه، ووحشته لفراقه فقال: وقد قسمك الله بين طرفي وقلبي، ففي مشهدك أنس قلبي، وفي عينيك لهو طرفي، فأجابه الصديق: وقفت على الفضل الذي أخبرت به بما أخبرت، فسيان عليك رأيتني أم لم ترني إذا كان بعضك يؤنس بعضاً فتسلوعني، ولكن يأراك فيخشع قلبي، وأغيب عنك فتدمع عيني، فسيان بين من سلا أبده، ومن حزن أمده.
    فكتب إليه الحسن: يا حانقاً على الجرة، ثم تمثل:
    أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
    هكذا أنشدنا علي بن عيسى الرماني بالشين ورد السين.
    قال يونس النحوي: لا تعادين أحداً وإن ظننت أنه لا يضرك، ولا تزهدن في صداقة أحد وإن ظننت أنه لا ينفعك، فإنك لا تدري متى تخاف عدوك، وترجو صديقك، ولا يعتذر أحد إليك إلا قبلت عذره وإن علمت أنه كاذب، وليقل عتب الناس على لسانك.
    وقال جعفر بن يحيى لصديق له: أنت من جوارحي يميني، ومن سوانحي يقيني.
    وذكر أعرابي قوماً فسد ما بينهم بعد صلاح ومودة: والله ما زالت عيون العداوة تنجم من صدورهم فتمجها أفواههم، وأسباب المودة تخلق في قلوبهم وتخرس عنها ألسنتهم حتى ما تجد للشر مزيداً، ولا للخير مريداً.
    وقال أعرابي: خير الجلساء من إذا عجبته عجب، وإذا فكهته طرب وإذا أمسكت تحدث، وإذا فكرت لم يلمك.
    شاعر:
    وخل كنت عين النصح منه ... إذا نظروا ومستمعاً سميعاً
    أطاف بغية فنهيت عنها ... وقلت له أرى أمراً شنيعاً
    أردت رشاده جهدي فلما ... أبى وعصى أبيناه جميعاً
    كتب بعض الهاشميين إلى يحيى بن خالد: علمي بمودتك يمنعني من استحثاثك، ووصلة إخائي تشكو إليك تقصيرك، وأملي فيك يصبرني على تأنيك.
    شاعر:
    إني لألبسكم على علاتكم ... لبس الشفيق على العتيق المخلق
    ولقد أرى ما لو أشاء عتبته ... وأصد عنه ببغيتي وترفقي
    ليرى العدو قناتنا لم تنصدع ... ويكون ذاك كأنه لم يخلق
    وإذا تتبعت الذنوب فلم تدع ... ذنباً قطعت قوى القرين المشفق
    وسمعت أو نقلت إليك مقالة ... عوراء نطقتها صموت المنطق
    وقال ابن عائشة: مجالسة أهل الديانة تجلو عن القلوب صدأ الذنوب، ومجالسة أهل المروءات تدل على مكارم الأخلاق، ومجالسة العلماء تزكي النفوس.
    شاعر:
    إن الكريم أخو الكريم وإنما ... يصل اللئيم حباله بلئيم
    كتب إبراهيم بن العباس الصولي إلى صديق له: أنصف الله شوقي إليك من جفائك، وأخذ لبري من تقصيرك، ولا سلط الدهر على حسن ظني
    بك كما سلطه على لطيف محلي منك.
    وقيل لديجانس: لم لا يشتد فرحك بأخيك في حياتك كشدة حزنك عليه بعد وفاته؟ قال: لأني كنت أعلم في حياته أنه يموت، والآن أعلم أنه لا يعيش! شاعر:
    أصافي المرء يألفني فيجري ... جميعاً بختلاف واتفاق
    وعهد الود محفوظ إذا ما ... أمنا في الوداد من النافق
    وأقطع كل ذي بر وصول ... إذا مزج الخليقة باختلاق
    وكم من معقب حسن اجتماع ... لتنويه بسر الإفتراق
    وكم من معقب حسن اجتماع ... لتنويه بسر الافتراق
    شاعر جاهلي:
    لي ابن عم لو أن المزن طاع له ... ما نالني منه ما يروى به الثغر
    يود لو أنني أرمي بمندبة ... من الشواجب لا يعفو لها أثر
    إذا رآني أبدى لي مكاشرة ... وتحتها لهب الأحقاد يستعر
    فلو ذبحنا على صراء صردحة ... تزايل الدم منا حين ينهمر
    إذا رآني خال الشمس طالعة ... من نحو وجهي إليه حين يبتدر
    لا يحملني على حدباء جائحة ... مهلاً أبا الجهل لا يطمح بك الأشر
    إني ومن وخدت تدمى مناسمها ... إليه ينكبها الحزان والطرر
    لولا وشائح أرحام مؤكدة ... لقد تبينت ما آتي وما أذر
    شاعر:
    ومكاشر ما زال يمذق لي ... مذقاً وأمحضه الهوى محضا
    يرضى ويسخطني وأحسبه ... أني متى أرضيته يرضى
    جعل النميمة شيمة خلقاً ... فرفضته عن احتي رفضا
    وتزايدت عندي مثالبه ... حتى لأشبه بعضه بعضا
    فهجرته وتكرت صحبته ... إن النمائم تورث البغضا
    شاعر:
    هون عليك فما أرتضي ... قط الصديق على المباحث
    وقال كعب الحبار لرجل أراد سفراً: إن لكل رفقة كلباً فلا تكن كلب أصحابك.
    وقال محمد بن يوسف: قلت للجوري: إني أريد الشام فأوصني، قال: إن قدرت أن تنكر كل من تعرف فافعل، وإن استطعت أن تستفيد مائة أخ إذا خلصوا لك، فتسقط تسعة وتسعين وتكون في الواحد شاكاً فافعل! وقال علي بن عبيدة: لا حياء لمن لا وفاء له، ولا وفاء لمن لا إخاء له، ولا إخاء لمن يريد أن يجمع هوى أخلائه حتى يحبوا ما أحب، ويكرهوا ما كره، وحتى لا يرى منهم خللاً ولا زللاً؟ وقال يحيى بن معاذ: من لم يزرك، ولم يواسك، ولم يتحفك فهو من إخوان الطريق.
    حدثنا العسجدي قال: جاء رجل إلى أبي إسحاق الكسائي ليلاً فقال: ما جاء بك؟ قال: ركبني دين، قال: كم هو؟ قال: أربعمائة درهم، فأخرج كيساً فأعطاه، فلما رجع عنه بكى فقال له أهله: ما يبكيك؟ قال: بكاي أني لم أبحث عن حاله وألجأته إلى الذل! قال ابن السماك الواعظ: الحسد أأم الطبائع، فمن ثم وكل بالأقرب فالأقرب، واعلم أن العدو يعود بالملاطفة صديقاً، والظالم بالإنصاف محسناً، والعاتب بالعتبى حبيباً، والحاسد بمنزلة البغل الشموس يطيعك في تناول مراده، ويكلفك أرضاً بعيدة الطلب، وكذلك الحاسد يدنيه منك سوء الطمع، ويبعده منك سوء الطبع.
    وقال أبو زافر يعاتب أخاه نوحاً:
    جربت من نوح أموراً كثيرة ... وطيبت من نفسي وما كدت أفعل
    فلما أبى إلا اعوجاجاً تركته ... وبعض انتهاء النفس ابقى وأوصل
    فأي أخ يا نوح يوماً علمتني ... إذا كان أمر يونس الريق معضل
    وقال أيضاً:
    إذا ما قلت نوح مستقيم ... أبت أخلاقه إلا اعوجاجا
    فأي أخ علمت أخاك يوماً ... إذا ما اللد أكثرت الضجاجا
    فأنت مخيلة لا شك فيها ... فلما أمطرت كانت عجاجا
    شاعر:
    رب صديق كنت أدعو له ... أن يجعل الدنيا كمالاً لديه
    حتى إذا صار إلى حاجتي ... حقاً وصارت حاجتي في يديه
    حال عن الود وعن عهدنا ... وأظهر الشح على درهميه
    فما مضى بعد دعائي له ... يومان حتى صرت أدعو عليه
    شاعر:
    خذ لقلبي من التجني أماناً ... واكفني أن أذم فيك الزمانا
    أنت صيرت في فؤادي مكاناً ... لك فاحفظ بالود ذاك المكانا
    كن لودي على إخائك عوناً ... من زمان يغير الإخوانا
    قيل ليحيى بن خالد: أي شيء أقل؟ قال: قناعة ذي الهمة البعيدة بالعيش الدون، وصديق قليل الآفات كثير الامتناع يضب مواضع المدح.
    وقال أخو ثقيف: مودة الأخ التالد وإن أخلق، خير من مودة الطارف، وإن ظهرت بشاشته وراعتك جدته.
    شاعر:
    لعمرك ما مال الرجال ذخيرة ... ولكن إخوان الثقات ذخائر
    آخر:
    وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس
    ضحوك السن أمار بعرف ... وعند النكر مطراق عبوس
    بشار:
    فدع التبحث عن أخيك فإنه ... كسبيكة الذهب الذي لا يكلف
    آخر:
    إن القوم غطوني تغطيت عنهم ... وإن بحثوا عني ففيهم مباحث
    وإن نبثوا بئري بئارهم ... وأخرجت ما تخفيه تلك النبائث
    أبو العتاهية:
    يدل على الإنسان ظاهر فعله ... ولا علم لي بالباطن المتغيب
    آخر:
    بلغت من السنين مدى طويلاً ... ولم تعرف عدوك من صديقك
    فسرت على الغرور ولست تري ... شراب أم سراب في طريقك
    وأنشد ابن حبيب:
    أيها الفارغ المريد لغيب الناس مهلاً عن المغيبة مهلا
    إن في نفسك التي في جنبيك عن الناس لو تفكرت شغلاً
    عجباً منك في ثناك لحمي ... فإذا ما رأيتني قلت أهلاً
    إن ذا الفضل والمروءة لا يقبل قولاً يخالف القول فعلاً
    وقال الحسن بن أبي الحسن البصري: من وجد دون أخيه ستراً فلا يكشفه.
    وقال: رب أخ لك لم تلده أمك.
    وقال: اصحب الناس بما ئت، يصحبوك بمثله.
    وقال: الإخوان إخوان الثقة، وإخوان المكاشرة، فإخوان الثقة أهل بسط الكف، ولين الجناح وهم أقل في الناس من الكبريت الأحمر، وإخوان المكاشرة فابذل لهم حلاوة المنطق، وطلاقة الوجه، وإذا كنت من أخيك على ثقة فابذل له نفسك ومالك، وصاف من صافاه، وعاد من عاداه.
    وقال علي بن حماد: قالالحسن: مثل الصاحب مثل الرقعة في لقميص، فينظر امرؤ باي شيء يرقعه.
    وقال الحسن: إن المؤمن شعبة من المؤمن، يحزن لحزنه، ويفرح لفرحه، وهو مرآة أخيه، وإن رأى منه ما لا يعجبه قومه وسدده، ووجهه، وحاطه في السر والعلانية، إن لك من خليطك نصيباً، وإن لك نصيباً من ذكر من آخيت، فاختاروا الإخوان والأصحاب والمجالس.
    وقيل لعدي بن حاتم: ما أثقل الأشياء عليك؟ قال: اختيار الصديق، ورد السائل، ومسألة الئيم. فقيل له: فما أضر الأشياء للرجل؟ قال: كثرة الكلام، وإفشاء السر، والثقة بكل أحد.
    وقال يونس بن عبيد: ليس لملول صديق.
    وقال الشاعر:
    البس جديدك إني لابس خلقي ... ولا جديد لمن لا يلبس الخلقا
    قال النمري: الجديد ها هنا الصديق الحديث العهد كأنه استجده بالصداقة. والخلق الصديق القديم الصداقة. يقول على وجه التوبيخ: عليك بالإخوان الجدد فإني متمسك بإخواني القدماء، ثم قال: لا جديد لمنلا يلبس الخلق، أي من لم يقم على مودة الصديق القديم لم يقم على مودة الصديق الجديد.
    قال: ومثله قول العرجي:
    سميتني خلقاً لحلة قدمت ... ولا جديد إذا لم يلبس الخلق
    قال: والناس يظنون أن الجديد والخلق ها هنا ثوبان.
    وقال العرجي:
    لا يحول الفؤاد عنك بود ... أبداً أو يحول لون الغراب
    وقال ربيعة الأسدي:
    إن المودة والهوادة بيننا ... خلق كسحق اليمنة المنجاب
    آخر:
    ما سمعنا باسم الصديق فطالبنا بمعناه فاستفدنا الصديقا
    أتراه في الأرض يوجد لكن ... نحن لا نهتدي إليه طريقا
    أم ترى قولهم صديق مجاز ... لا ترى تحت لفظهم تحقيقا
    شاعر:
    ذهب الذين أحب قربهم ... وبقيت كالمقمور في خلف
    من كل مطوي على حنق ... متصنع يكفي ولا يكفي
    المتلمس:
    على كلهم آسى وللأصل زلفة ... فزحزح عن الأذنين أن يتصدعوا
    وقد كان إخواني كريماً جوارهم ... ولكن أصل العود من حيث ينزع
    وقال المقنع الكندي:
    وصاحب السوء كالداء العياء إذا ... ما ارفض في الجلد يجري ها هنا وهنا
    يجري ويخبر عن عورات صاحبه ... وما يرى عنده من صالح دفنا
    كمهر سوء إذا رفعت سيرتهرام الجماحوغن خفضته حرنا
    إن يحي ذاك فكن منه بمعزلة ... وإن يمت ذاك لا تشهد له جننا
    آخر:
    رأيت موالي الألى يخذلونني ... على حدثان الدهر إذ يتقلب
    فهلا أعدوني لمثلى تفاقدوا ... وفي الأرض مبثوثاً شجاع وعقرب
    الحارث دعي الوليد:
    فإن أنت أقررت العداة بنسبتي ... عرفت وإلا كنت فقعاً بفدفد
    ويشمت أعداء ويخذل كاشح ... عمرت لهم سماً على ناب أسود
    شاعر:
    ومعشر منقع لي في صدورهم ... سم الأساود تغلي في المواعيد
    وسمتهم بالقوافي فوق أعينهم ... وسم المعيدي أعناق المقاحيد
    آخر:
    وغني لتراك الضغينة قد بدا ... تراها من المولى فما أستثيرها
    قال بعض السلف: خالطوا الناس ورابدوهم.
    وقال أبو العيال الهذلي:
    وأخاك إن آخاكم وعتابه ... إذا جاءكم بتعطف وسكون
    ثعلبة بن صعير:
    وإذا خليلك لم يدم لك وصله ... فاصرم لبانته بحرف عاقر
    وقال ذو الإصبع العدواني:
    لي ابن عم على ما كان من خلق ... مخالف لي أقليه ويقليني
    أزرى بنا أننا شالت نعامتنا ... فخالني دونه بل خلته دوني
    وقال أسامة بن الحارث الهذلي:
    تذكرت إخواني فبت مسهداً ... كما ذكرت بواً من الليل فاقد
    وقال عبدة بن الطبيب:
    واعصوا الذي يبدي النميمة بينكم ... متنصحاً وهو السمام المنقع
    يزجي عقاربه لتبعث بينكم ... حرباً كما بعث العروق الأخدع
    حران لا يشفي غليل فؤاده ... عسل بماء في الإناء مشعشع
    لا تأمنوا قوماً يشب صبيهم ... بين القوابل بالعداوة ينشع
    وقيل لعبد الله بن عورة، وكان خطيباً: تركت المدينة ولو رجعت إليها لقيت الناس، فقال: وأين الناس؟ إنما الناس رجلان: شامت بنكبة، أو حاسد لنعمة.
    شاعر:
    أخاك أخاك إن من لا أخاً له ... كساع إلى الهيجا بغير سلاح
    وأنشد يونس بن فروة:
    فلقد رضيت بعصبة آخيتهم ... وإخاؤهم لك بالمعرة لازم
    فعلمت حين جعلتهم لك دخلة ... أني لعرضك في إخائك ظالم
    وقال بعض الحماء: إن الأخ إذا لم يكن صديقاً فهو نسيب الجسم، والصديق وإن لم يكن أخاً فهو نسيب الروح.
    أخبرنا ابن مقسم، حدثنا ثعلب، حدثنا عبد الله بن شبيب قال: سمعت العتابي يقول: سمعت أعرابياً يقول لصاحب به: لا تنكرني لك فأعرف نفسي بك، ودع سرح القلب محمياً، وثمر الفؤاد مجنياً فيوشك أن تبعد الطية عل غير أهبة ولا أوبة.
    شاعر:
    وكنا كغصني بانة ليس واحد ... يزول على الحالات عن رأي واحد
    تبدل بي خلا فخاللت غيره ... وخليته لما أراد تباعدي
    ألا قبح الرحمن كل مما ذق ... يكون أخاً في الخفض لا في الشدائد
    وكتب أحمد بن إسماعيل الكاتب إلى ميمون بن عارون: أعلمني رسولي أنك سألته عمن آنس به في ناحيتي، ومن في الناس اليوم يؤانس أو يجالس؟ نحن إلى الأنس منهم أحوج منا إلى الأنس بهم، وصورة الأمر في فسادهم أنه لما كان الدين عمود المحاسن، ونظام الفضائل، وعصم الأخلاق، وكان الناس قد خلوا أو أكثرهم منذ صاروا يتعاطونه مع المراء من الدين في معاملاتهم وموداتهم، مدخولاً من جوانبه، مختلاً من أوساطه وأطرافه فلن ترى إلا ذاماً مذموماً، زارياً مزرياً عليه، حالفاً بالقبيح، محلوفاً به.
    وحديث أن رجلاً قال لسفيان الثوري: أوصني! فقال: أقل معرفة الناس، وأنكر من تعرفه منهم، وابدأ بي، وأغضب من شئت، ودس من يسأله، فوالله لو لاحيت رجلاً في زمانه فغضب لما أمنت ا، يترامى به غضبه إلى سفك دمي، وأفرط أعزك الله مفرط في هذا الزمان فقال: لا أقول كما قال سفيان لنقصان دهرنا عن دهره، ولكني أقول: أرض من شئت، ودس من يسأله عنك، وما أنكره لكثرة الشر في الناس أن يكون جواب كثير ممن يرضى مثل جواب من يغضب، إلا أني أرجو أن لا تكون هذه القضية عامة.
    وأنشدني عبيد الله بن عبد الله لنفسه:
    وحده الإنسان خير ... من جليس السوء عنده
    وجليس الصدق خير ... من جلوس المرء وحده
    وهذا لعمري كما قال، ولكن كيف لنا بجليس الصدق؟ ولربما نفع قرب العدو، وضر قرب الصديق، وهذا كلام ينكر ظاهره إلى أن يظهر تفسيره، أما العدو الذي ينفع قربه فهو الذي مقدار ضره أن يثلب ويعيب، ويجد مطنعاً ليذيع ويشيع، فإذا قرب هذا صورته ممن يعاديه وكله بحراسة نفسه، ومراعاة أموره، وتحصين تدبيره، وتحسين أفعاله، وكان برصيده له رقيباً عليه، وإذا رام تحفظ الإنسان بهذا الرصد وترقيه هذه الرتبة صلحت أموره، وكان سبب صلاحها قرب هذا العدو منه، وإنما صار للعرب مآثر تنشر، ومفاخر تذكر، بتوقيهم المعاير والمعايب، في المقاوم والمجامع، ولم يخل أحد قط من ولي مؤدب، أو عدو مؤنب، أو تقريع بخطأ أو تهجين بنقص إلا من أهمل نفسه، ومن عادة الإهمال الهلاك، وقل من تحفظ فسلم من غضاعة، فكيف به إذا أضاع التحفظ من نفسه، وأمنه من غيره.
    وقال بعض المتقدمين: لا صلاح للملك إلا بنفسه ووزرائه وعداء يخرجون عليه فيصلح نفسه من أجلهم.
    ومما دونوه من الكلام: انه يجب على العاقل أن يتخذ أبويه أصدقاء، وإخوانه رفقاء، وأزواجه ألافاً، وبنيه ذكراء، وبناته خصماء، وأقاربه غرماء، والعلماء أولياء، والجيان رقباء، ويعد نفسه فرداً وحيداً، فذكروا رقبة الجيران، وحضوا على توقيها، فكيف بالجار العدو، وأما الصديق الذي يضر قربه فهو الذي إذا قرب توصل بصداقته إلى معرفة الأسرار، وعلم الأخبار، ثم تحفظ الزلل، والتقط الخلل، وأحصي الفلتات، وعد الهفوات، وراعى عثرات الألسن، وبوادر القول والعمل، عند الغضب والرضا، وفي أوقات الاسترسال التي يخلو الإنسان فيها من إغفتال، ثم جعل ذلك سلاحاً معداً يحمله على صديقه وقت العداوة وقد قيل في ذلك: يحصي العيوب عليك أيام الصداقة للعداوه ونحن لم نخالف في ما عممنا به من الذم في باب الإخاء والأنس قول النابغة:
    ولست بمستبق أخاً لا تلمه ... على شعث: أي الرجال المهذب
    وقول الآخر:
    هم الناس والدنيا ولم يزل القذى ... يلم بعين أو يكدر مشربا
    ومن قلة الإنصاف أن تطلب الأ ... خ المهذب في الدنيا ولست مهذبا
    وقال آخر:
    وكنت إذا الصديق نبا بأمري ... وأشرقني على حنق بريقي
    غفرت ذنوبه وكظمت غيظي ... مخافة أن أعيش بلا صديق
    هؤلاء إنما أوجبوا الإغضاء والاحتمال والصبر والكظم مع سلامة الإخاء، وإنما وقفوا بالصفح والعفو على ما يخلو الإنسان يأنس به من مثله، ألا ترى النابغة يقول: أي الرجال المهذب؟ والآخر يقول: مخافة أن أعيش بلا صديق، والآخر يقول: ومن قلة الإنصاف أن تطلب الأخ المهذب في الدنيا ولست مهذباً، نقول كما قالوا، ونغفر كما غفروا لو وجدنا من يسلم لنا جملة إخائه، وإنما نشكو فقد عمود الإخاء الذي حصوله يغفر ما دونه، وحيث بلغنا من هذه الشكوى، وهذا الذم، فلسنا نجحد النعمة في بقية جميلة في هذا الزمان من أحرار الإخوان قد قدمك الله فيهم فضلاً وبراً، وهمة عليه، وأخلاقاً رضية، ومع ذلك فإن على العاقل في شريطة الإخاء إذا وجد موضع الدين والوفاء أن يقتصد في المؤاخاة، ويتقصر من العدة على من تفي طاقته بما يجب لهم، فإن حقوقهم إذا زادت على وسعه لحقته الإضاعة لبعضها، وجنت الإضاعة عليه العداوة ممن أضاع حقه، ولذلك قيل: كثرة الأعداء من كثرة الأصدقاء، وانتظم في هذا المعنى:
    إذا اتسع الإخاء عرت حقوق ... مراعيها مقيم في مضيق
    فإن خصت رعايته فريقاً ... أخل بما عليه في فريق
    وإن رام القيام لهم جميعاً ... بشرط الود لم يك بالمطيق
    وأوحش بعضهم فأفاد منه ... عدواً كان في عدد الصديق
    فخذ ممن تؤاخيه بقصد ... وقدر فتح أبواب الحقوق
    وقال:
    إذا كثر الإخوان للمرء وابتغوا ... معونته في صرف دهر وغدره
    فوحدته لا تستقل بحقهم ... وكثرتهم لا تستقل بضره
    وكنت أعلمتني أنك استحسنت مني البيتين في ذكر العدو والصديق وهما:
    إن كنت تطلب فضلاً ... إذا ذكرت ومجدا
    فكن لعبدك خلا ... وكن لخلك عبدا
    وكان سببهما ا، صديقاً لي ضرب عبداً له فحضره صديق له فمنعه الصديق فلم يمتنع، فكتبت إليه بهذين البيتين أذكره بحق الصديق في عبودية الطاعة، وأخوة العبد في حق الإيمان، قال الله تعالى: " إنما المؤمنون إخوة " ، هذا ما في التسلط على المماليك من الدناءة
    ولأحمد بن إسماعيل أيضاً إلى إسحاق بن سعد: وكأن الزمان يخص الإخاء وأهله من كدره ونكده بما لا يعم به غيهم، فما تشاء أن ترى ذوي صفاء قد فرقت بينهما نوى فحصلا من التزاور على التكاتب، ومن أنس الاجتماع على وحشة الافتراق، ومن بهجة اللقاء على لدغة الشوق وكثرة التوق، ومن راحة المباوحة والمفاوضة على ضيق الصدور بالأسرار، وكرب النفوس بالكتمان إلا وجدتهما، ولا تشاء أن تجد أمثالهما قد جمعتهما الديار، واعترضت بينهما الأحداث، فاجتماعهما في معنى التفرق، وقربهما في صورة البعد، إلا أن شوقهما أبرح، ونزاعهما إلى اللقاء أشد، وحسرتهما على ما يفوت منع أكثر إلا رأيتهما، فأما إهوان اللقاء، وعبيد العيون الذين تجمعهم الرغبة والرهبة، ويتزاورون في لمواصلة من العهدة إذا ولت مطمعة، وأخلفت مخيلة، أو نابت نائبة، فاكتراثهم لأعراض الدهر بينهم تستر، لأن الحاضر منهم لا تزعجه من أخيه الغيبة، والغائب لا تقر عينه بالأوبة، فالفرقة لا تورثهم وحشة، والاجتماع لا يجدد لهم أنسة، وربما وجدت تراضيهم بمخالفة ظاهرهم باطنهم، قد أتيح لهم متعة بعشرتهم لأن كلا منهم قد قدم التحرز من صاحبه، واستشعر الاحتراس منه، فليس بستودعه ما يخاف ضياعه، ولا يأمنه على ما يحتاج إلى الاهتمام به، وأعطاه مقداراً من ظاهره، وقفت عليه عادته، وأسقطت مؤونة التحصيل عنه، ولبسته على علم به، فإن أظهر له جميلاً لم يغتر بظاهرة، وإن وقف على غل أو غش لم يجدد له علماً بباطنه، فليس يبدو له من أفعاله ما ينفره فيقطعه ولا يغيب عنه منها ما يأمنه فيسكن إليه، ويخاف جناية الاسترسال عليه، ولا يبقيه في مشهده ومغيبه منه ما لا يعرفه، فيجريان في هذا الميدان مدة طويلة متمتين بالمؤالكة، والمشاربة، واللقاء والمحادثة، وأخو الثقة يرمق الحركة، ويراعي اللحظة، ويتأول اللفظة، وإن ظهرت منكرة وقف عندها، وتعرف سببها، وتبين موقعها من العمد والخطأ، ومقدارها في الصغر والكبر، وهل يقل صغيرها عن المعاتبة، أو يبلغ كبيرها ترك المراجعة، وينزل الأمور بين هذين الطرفين منازلها، ويعمل في ما يستقر عليه بما هو أصون لعقدته وإن كانت نفيسة، لأن أخا الثقة من الإخوان يمنح الأنس، ويبث ذات النفس، ويظهر العجر والبجر، ويكشف الأسرار، ويخص بخواص الأخبار، ويدخر للنوازل، ويفزع إليه في النوائب، فيعد للمشهد والمغيب، واليوم والغد، والمحيا والممات، والنفس والعقب، ويستظهر بإخائه على الزمان، ويعتضد به في الحدثان، وإنما يستحق ذلك ما نقي جيبه، وسلم غيبه، وخلص قلبه، وصح لبه، ولوقوفه على هذه الغاية من الاستحقاق يراعيه من أودعه أجل ودائعه، وجعله أفضل عدده، والحمد لله الذي جعلك مقدماً في إخوان الصفاء، يثق بك الصديق، وتخف المحنة عليه في مراعاة طويتك بصحة عقدك، وكرم عهدك، وتسمكك في وردك وصدرك بعصم الدين التي تشتمل على المناقب، وتنفي المقابح والمعايب، وتؤدي صاحبها إلى فوز البد، وتحوز له النعيم المقيم، فتمم الله نعمه، وأوزعك شكره، وأمدك بمزيده:
    تنازعنا الوداد وكنت أجري ... إذا بلغ المدى جري السبوق
    فحاز السبق إسحاق بن سعد ... وخلفني بقارعة الطريق
    الاستزادة على حسب الحرية، ومن لم يجد ألم الجفوة لم يعرف موقع المبرة، وأيام السلطان والقدرة غنيمة ذي النبل والهمة، تعتقد بها المنن، وترعى فيها الحرم، وتبنى المكارم لليوم والغد، والنفس والعقب، ولي ما شهدته من مودة صحيحة موروثة، وأسباب شابكة متقدمة، وربغة متجددة، وأمل متأكد، ولكل من ذلك حق وحرمة، وأنا شريك في النعمة بالهوى والنية، مطلق اللسان بوصف فضائلك في محافل ذي الشرف والحرية، كبتاً لعدوك الذي ليس بينه وبين الله عصمة، ونصراً لوليك ولي الدين والمروءة، ومعي معاضدة الأخ، وخدمة العبد، وطاعة اليد والسلام.
    وقال أيضاً في فصل آخر: وإذا سلمت لي الحال القديمة بيننا التي كان العهد فيها باللقاء يتراخى، فإذا التقينا وجدنا على جدته، وأعطى المفضول منا - أعني نفسي - من آتى فاضرً - أعنيك - من الإعظام والإجلال حقه، وسلك الفاضل بالإنصاف والتواضع سبيل فضله، لم أحفل بما يحدث بعد ذلك من إدراك أمل وفوته، ونيل طلبة وتعذوها.
    وكتب عبد الله بن المعتز إلى احمد بن يحيى لشيباني أبياتاً منها:
    إنا على البعاد وللتفرق ... لنلقي بالذكر إن لم نلتق
    فأجابه: لم تعد ما في النفس، بلغك الله أملك، ونحن وإن لم نلتق كما قال رؤبة:
    إني وإن لم ترني فإنني ... أراك بالغيب وإن لم ترني
    أخوك والراعي لما استرعيتني
    ولكني أحذر عليك، فإنه لا تفى محبتي إليك، ومن لم يحذر فقد ضيع الحزم، وأنا أسأل الله أن يجعل عليك واقية برحمته.
    وكتب آخر: من عاقته العوائق عن المحاورة، عول على المكاتبة، وأنا آنس بذكرك فضلاً عن مكاتبتك، وبمكاتبتك فضلاً عن رؤيتك، ولو تقاربت المنازل كتقارب القلوب لأحبت داعي الشوق إليك في الحذاء والرداء، والضياء كتقارب القلوب لأحبت داعي الشوق إليك في الحذاء والرداء، والضياء والدجى وأنشدني منشد:
    كنا نزوركم والدار جامعة ... في كل حال فلما شطت الدار
    صرنا نقدر وقتاً في زيارتكم ... وليس للشوق في الأحشاء مقدار
    ولرب منازل متقاربة لقلوب متباعدة، يجمعهم النفاق، وتفرق بينهم الأخلاق! وكنت كتبت إلى صديق يمرح في بعض ما يستهدي:
    لا تجعلن بعد داري ... مخسساً لنصيبي
    فرب شخص بعيد ... إلى الفؤاد قريب
    ورب شخص قريب ... إليك غير حبيب
    ما البعد والقرب إلا ... ما كان بين القلوب
    لابن ثوابة: فلبثت بعدك بقلب يود لو كان عيناً فيراك، وعين تود لو كانت قلباً فلا تخلو من ذكراك.
    وقع أحمد بن صالح بن شيرزاد إلى رجل: أنت ضعيف الإخاء، قليل الوفاء، معاملك معك في عناء، ومعاشرك منك في بلاء.
    وكتب إلى صديق له: وصل كتابك مخبراً بعافيتك، مبشراً بسلامتك، مذكراً بلذيذ عشرتك، وطيب ألفتك، ناطقاً بصحيح ودك، وكريم عهدك، وإني لآنس بذكرك، فضلاً عن مكاتبتك، وبمكاتبتك فضلاً عن رؤيتك، إلا إني في ذلك كما قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي:
    إن ما قل منك يكثر عندي ... وكثير من الحبيب القليل
    عيسى بن فرخشانه: اعتقدت ودك، وأوجبت حقك، واعتددت بشكك، ولحفظ حالك عندي رقيب من عنايتي لا يفتر فيك لفظه، ولا يصرف عنك لحظه، وذكر السيد استيحاشه لقصدي، وحنينه إلى لقائي، والأنس آخر ما يبذل من ذات النفس، وأجل ما تخص به السادة أولياءهم، والإخوان إخوانهم، وبه تنال راحة المفاوضة والمباثة، وعليه تبنى الثقة والمشاورة، وإليه ينتهي إخاء المودة، فإذا بلغه أهلها قضوا حقوقها، واستوفوا شروطها، والسيد ممن لا يخص بأنسه إلا من ترتضتي أخلاقه، وتحمد مذاهبه، وكفى بذلك فضلاً لمن ناله، فأين يبلغ شكري ما قضي به من ذلك لي.
    وكتب أيضاً: وأنا - والله - أيها السيد ما زلت كاتباً، وممسكاً، وفائزاً، ومثابراً، الوالي المخلص، والواد المصحح، ومن إذا شد عروة اوثقها، وإذا عقد مودة صدقها، ولا خير في المذق والشوب، والمماذق أخو المنافق، والشائب هدف العائب، والرجل بمواقع اختياره إذا مال ووالى، وإذا انحرف وعادى، وإذا اجتنب واجتبى، يدل على خطره وقدره، ويقوم نفسه قيمة يرجع إليها من عامله وعدل عليه.
    محمد بن بحر: وثل كتابك فناب عن زهر الرياض حسناً، وأخبر عن فتيق المسك عرفاً، لما جمع من غريب المعنى، وبديع اللفظ، وتصرف كاتبه - لاعدمته - في بر جدده، وتفضل وكده.
    القاسم بن محمد الكرخي: قد واصلت أياماً تباعاً، غدواً إليك ورواحاً، حتى ملني البكور، وسئمني التجهيز، وشكاني الطريق، ولحاني الصديق، وفي كل ذلك أعاق عنك بالحجاب:
    ولا خير في ود امرئ متكاره ... عليك، ولا في صاحب لا توفقه
    هذا من عتاب جاش به الصدر، وقل عن كتمانه الصبر، فإن عطفك حفاظ فأهل البر والفضل أنت، وإلافإني على على العهد ولا أقول:
    فما ملني الإنسان إلا مللته ... ولا فاتني شيء ظللت له أبكي
    كاتب: أطال الله بقاءك، والمخاطبة بكل دعاء تخاطب به إخوان الصفاء وإن ضعفت اليد عن اسقصائه، وضاق ما يكتب فيه عن استيفائه.
    للحسن بن مسلم: زاد الله من عمري في عمرك، ورفعك إلى الدرجة الموازية لقدرك، وضاعف الكرامة والنعمة والسعادة لك، وقدمك في المحبوب قبلي، وقدمني للمحذور قبلك، إني - وجعلني الله فداءك - وإن كنت آنس بك في الحول وقتاً، وأغبر في بقيته خلواً مستوحشاً، فإن موقع وقتك عندي منه، كموقع ربيعة من سائر شهوره، لما يبهجني من السرور بك، ويونق بصري من بهي منظرك، ويرتغ فيه لبي من رياض علمك وأدبك، ويجدد لي من يوافع فؤادك، وملذوذ ثمار ودك، ما يروق به الربيع العيون من بهيج زينته، ويجود به على الأرض من غيوثه، ويلبسها من زخارفه، وينشر عليها من موشى حلله، ويملأها من خصبه وبركته، وأشبه مغيبك - جعلت فداك - بأضداد هذه الصفات، غير أني أحيا بالتذكر والرجاء مدى النأي إلى اللقاء، وأجد عقلي بما أفدت في ساعة منك متقوتاً زمناً طويلاً طقول أنوشروان الملك: قوت العقول الحكم، وقوت الأجساد المطعم، فلا زلت من نورك مقتبساً، ولإخوانك في القرب والبعد مؤنساً، ولا زالت الأقدار تسعفنا فيك ببلوغ أمل، ودنو محل، حتى تطول العشرة، وتدوم الغبطة والمسرة.
    كاتب: لئن بعد - أسعدك الله - مزارنا بعد قرب، لما باعد ذلك، بحمد الله، قلباً من قلب، ولا حل مما بيننا عقداً من ود، ولا منع من محافظة على غيب وعهد، وإن انقطعت منا المكاتبة أحياناً لاعتناق علة أو شغل، فتواصل التشاكل لا ينقطع لانقطاع الكتب، وقد جعل الله - وله المن والطول - نعمتنا عند بعض بنجوة من التقصير، وفي حال غنية عن المعاذير، فجعل الله ما عراك تمحيصاً، وعقباه تخليصاً، وأعادك إلى أحسن ما عودك، وما لم تجري به آلاؤه عندك.
    وكتب آخر: إن لم يكن جمعنا - أسعدك الله - تلاق يأنس فيه بعضنا ببعض، وتتصل به أسباب بيننا في القرب ولبعد، فكفى بالمشاكلة مؤانسة، وبالمشاكهة مواصلة، تثبت علائق الثقة، وتدقع عواض الحشمة، وتزين استعمال الدالة.
    لليزيدي: فأما ما عندي مما أبذله لك رغبة، وأرضى بقبولك إياه مثوبة فمودة أقيم عليها بقية عمري، وأستوفي لك حقوقها على نفسي، وطاعة أصحح فيها سري وعلني، وأتبع شروطها فيما وافقني وخالفني، وشكر أشغل به خاطري وعقلي وأعمل فيه لساني، وثناء حسن أسعى فيه وأجتهد، وذكر جميل أقوم به وأقعد، وأن أوالي بك وأعادي، وأصافي وأصادي، ولو ملكت غير ذلك لبذلته، ولو علمت وراء ما أنا عليه مكاناً لبلغته.
    وكتب آخر: ما أعلمني أن في سعة صدرك، وفضل رأيك، وعلو قدرك، ويمن تبيرك، وشدة تحصيلك، وما مكن الله لك من سلطانك ما أغنى عن مسألتي عما أراه في أمري، فوالله ما حلت لك عن عهد، ولا من موالاة إلى عداوة، ولا عن وفاة إلى غدر، ولا عن شكر إلى كفر، ولا قصرت فيما ظننت إنه يقضي عني الحق بما بلغته الطاقة والوسع، فإن تكن الدنيا بلغتني ما لا يجدي معه سعي، فذلك على الزمان لا علي:
    ما كلف الله نفساً فوق طاقتها ... ولا تجود يد إلا بما تجد
    فوالله ما كنت بذميم العهد لك في شدة ولا رخاء، ولا في حال سراء ولا ضراء، على قدر ما تبلغه طاقتي وتناله يدي، وليس من قصر به القدر بملوم على تصير، ولا من نصح بالنية إذا أعجزه الفعل بمعدود في أهل الغش.
    كاتب: وإن الذي " يعلم السر وأخفى " ليعلم أني لم أحل لك عن عهد، ولا رجعت لك عن ود، ولا انطويت لك على غل، في وقت رخاء، ولا شدة، ولا نعمة، ولا محنة، ولا خلفتك بقبيح في نفس، ولا مال، ولا عرض من الأعراض، اللهم إلا أن تكون تعتد علي بعتاب أجريته بيني وبينك في بعض ما يعاتب الصديق صديقه، وما ظننت أن ذلك يخرج عن طريق المودة، ولا يوجب العداوة والجفوة، لأنه أمر سلكت فيه سبيل نصيحة لم أمل فيه إلى غش لك ولا خيانة، وربما احتملت للناصح الكلمة المرة، ولم تخرجه عن حد الأمانة والثقة، وإن كان مخطئاً في المشورة، لأنه قد اجتهد عند نفسه ولم يرد سوءاً ولا غائلة.
    كاتب: وقد هيأ الله لك دولة لست تغبي فيها عن الإحسان إلى المحسن جزاء له، والتغمد للمسيء احتجاجاً عند الله، وطلباً للفضل الذي لا يذم اخذ به، فإن مدد الأعمار، فضلاً عن الدول، قصيرة، وأيام العز، وإن طالت يسيرة، وإن اعتقدت فيها المنن اتبعتها أيام الشكر، وهي أحسن منها عاقبة وأحمد مغبة، وشراء الصديق صعب عسير، وبيعه سهل ممكن، وحيث وجهت المعروف فهو عائد بثناء جميل، أو ثواب جزيل، وقليل البر يستبعد لك الحر، ويستر الهوان بصرف وجوه الأمال:
    ومن يسأل الأيام نأي صديقه ... وصرف الليالي يعط ما كان يسأل

    ضفحة رقم [ 7 ] من كتاب الصداقة والصديق Fasel10

    كتاب : الصداقة والصديق
    المؤلف : أبو حيان التوحيدي
    منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة
    ضفحة رقم [ 7 ] من كتاب الصداقة والصديق E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر 2024 - 14:59