زيارة القبور مستحبة للعظة والاعتبار، وتذكر الموت وأهوال الآخرة وانتفاع الموتى بالدعاء لهم، ففى الحديث (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر آمنة فزوروها فإنها تذكر الآخرة) رواه الترمذى وصححه وأخرجه مسلم وأبو داود والحاكم. وفى حديث آخر أخرجه الحاكم ( فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) وكان عليه الصلاة والسلام يزور قبور شهداء أحد كل حول مرة ، ويسلم عليهم، ويزور قبور أهل بقيع الفرقد بالمدينة مرارا ويسلم عليهم ويدعو لهم، ويقول : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية ) رواه مسلم وأحمد وابن ماجه. وكانت فاطمة تزور قبر عمها حمزة رضى الله عنه وكان ابن عمر لا يمر بقبر إلا وقف عليه وسلم عليه. وفى زاد المعاد كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه ، يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، ويأمر من معه من أصحابه أن يقول السلام عليكم أهل الديار إلخ. وكان يتعاقد الميت بالزيارة إلى قبره والسلام عليه والدعاء له كما يتعاهد إلى صاحبه فى الدار الدنيا. وذهب ابن حزم إلى أن زيارة القبور واجبة ولو فى العمر مرة لورود الأمر بها، والزيارة مأذون فيها للرجال باتفاق، أما النساء فقيل بكراهتها. وذهب الأكثر إلى الجواز إذا أمنت الفتنة، وقال بعض الفقهاء إن كانت زيارتهن للاعتبار والترحم من غير بكاء وكن عجائز جاز، وإن كانت لتجديد الحزن والبكاء والندب كرهت تحريما. ومن آداب الزيارة أن يزورها الإنسان قائما مستدبر القبلة مستقبلا بوجهه الميت، وأن يسلم على أهل القبور، ولا يمسح القبر ولا يمسه فضلا عن أن يقبله، ويدعو عنده قائما بما علم رسول الله أصحابه الدعاء به عند الزيارة، وأن ينصرف عقب ذلك، وقد كان ابن عمر يجئ إلى قبر الرسول فيقول السلام على النبى. السلام على أبى بكر. السلام على أبى وينصرف وكذلك أنس بن مالك. ولا بأس أن يقرأ سورة يس لحديث من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات (بحر) وأن يقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة وآية الكرسى وآخر البقرة من قوله تعالى { آمن الرسول } وسورة يس وتبارك (الملك) والتكاثر والإخلاص ثم يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان أو إليهم ( ابن عابدين ) وفى المغنى ولا بأس بالقراءة عند القبر وقد روى عن أحمد أنه قال إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسى وثلاث مرات { قل هو الله أحد } الإخلاص 1 ، ثم قولوا اللهم إن فضله لأهل المقابر. وفى رواية الإحياء (إذا دخلتم المقابر فاقرءوا الفاتحة والمعوذتين وقل هو الله أحد. واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم ) انتهى - وما روى عن أحمد من قوله. إن القراءة عند القبر بدعة قد رجع عنه كما ذكره ابن قدامة الحنبلى، وأفضل أيام الزيارة يوم الجمعة، وقيل هو ويوم قبله ويوم بعده. وقد ذكر فى زاد المعاد أن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم يوم الجمعة فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ويسلم عليهم. وروى محمد بن واسع أن الموتى يعلمون زوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده، ولا يخفى أن وصول ثواب القراءة إلى الميت لا يتوقف على أن تكون حال الزيارة بل يصل الثواب إليه مطلقا، وقد قال ابن القيم فى كتاب الروح ( وأما قراءة القرآن وإهداؤها إلى الميت تطوعا بغير أجر فهذا يصل إليه كما يصل إليه ثواب الصوم والحج ) فكما أن ثواب الصوم والحج عنه يصل إليه وهما لا يكونان حال الزيارة كذلك يصل إليه ثواب القراءة مطلقا سواء كانت عند القبر أو بعيدة عنه. ويؤيد هذا ما سبق نقله عن كثير من الفقهاء، وقول ابن القيم فى زاد المعاد إن قراءة القرآن للميت عند القبر أو غيره بدعة مكروهة ينافى ما ذكره نفسه فى كتاب الروح. وما ذكره غيره من الفقهاء خلا أبا حنيفة الذى روى عنه القول بكراهة القراءة عند القبر. والذى ينبغى التعويل عليه ما ذكره فى كتاب الروح، وأى فرق بين قراءة القرآن له. والصلاة والصوم والحج والدعاء والاستغفار له وكلها طاعات يرجى من الله أن يجعل ثوابها للميت إذا جعلها الفاعل له، ولا حرج على الله فى عله وفضله. وجملة القول فى الزيارة أنه يجب اتباع هدى النبوة فى آدابها وتجريدها من المآثم حتى تقع فى موقعها الشرعى. اللهم اجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه. وفقهنا فى الدين ولا تحرمنا أجر العاملين. واهدنا الصراط المستقيم. وصل وسلم على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين.
● [ حكم زيارة القبور ] ●
1- زيارة القبور مستحبة للعظمة والاعتبار وتذكر الموت، وهى واجبة عند ابن حزم ولو فى العمر مرة.
2- الزيارة للرجال باتفاق، وهى مكروهة للنساء، إلا إذا أمنت الفتنة وكانت للاعتبار والترحم من غير بكاء.
3- للزيارة آداب. منها عدم الجلوس، وأن يكون الزائر مستدبر القبلة مستقبلا الميت. ومنها السلام على أهل القبور، ولا يمسح ولا يمس ولا يقبل قبرا، وإن يدعو عنده بما أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم ينصرف عقب ذلك.
4- أفضل أيامها يوم الجمعة، وقيل هو ويوم قبله ويوم بعده.
[ د. حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية ]
الجمعة 13 من شوال سنة 1366 هـ
الجمعة 13 من شوال سنة 1366 هـ