من طرف الرسالة الأربعاء 28 مايو 2014 - 14:24
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من فتاوى دار الإفتاء لمدة مائة عام
الباب: من احكام المقابر والجنائز وتكفين الموتى ونقلهم
رقم الفتوى: ( 600 )
الموضوع:
زيارة القبور.
المفتى:
فضيلة الشيخ محمد بخيت.27 ذى الحجة 1337 هجرية
المبادئ :
1 - زيارة القبور فى ذاتها مندوبة للرجال والنساء للعظة والاعتبار والترحم ولكنها مكروهة للشابات من النساء.
2 - يكره المبيت على القبور من الرجال والنساء أيام المواسم والأعياد والأكل والشرب إلخ، كما يكره النياح وقضاء الحاجة عند القبر، كما يكره وطؤه والجلوس والصلاة عليه.
3 - اختلاط الرجال بالنساء فى المقابر وما يحدث عندها من مفاسد ومنكرات لا يؤدى إلى ترك الزيارة لأن القربات لا تترك بالمنكرات وعلى الإنسان فعلها وإزالة البدع إن أمكنه ذلك.
4 - يجب منع المنكرات على اختلاف أنواعها فى المقابر وغيرها، أما شرب الخمر وارتكاب جريمة الزنا فى المقابر فهذا حرام ومنكر شنيع واجب منعه فى المقابر وغيرها بالإجماع.
سُئل :
هل يجوز للأمة أن تبيت على القبور أيام المواسم والأعياد وغير ذلك من النساء والرجال والأطفال والعائلات بأجمعها، ويأكلون ويشربون ويصنعون المنكرات على اختلاف أنواعها، ويصنعون المراحيض فى القبور ويتبولون وأغلبهم يشربون الخمر ويرتكبون جريمة الزنا ولا يخافون اللّه فهل هذا حرام أو حلال.
أجاب :
نفيد أن زيارة القبور فى ذاتها مندوبة للرجال والنساء لقوله عليه الصلاة والسلام (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها) وأما قوله عليه الصلاة والسلام (لعن اللّه زائرات القبور) فهو إما منسوخ لحديث كنت نهيتكم أو محمول على ما إذا كانت زيارتهن للقبور لتجديد الحزن والبكاء والندب على ما جرت به عادتهن، وأما إن كانت زيارتهن للاعتبار والعظة والترحم من غير بكاء والتبرك بزيارة الصالحين فلا بأس بها من النساء إذا كن عجائز، ويكره إذا كن شواب لحضور الجماعة فى المساجد، قال ابن عابدين وهو توفيق حسن. وأما المبيت على القبور أيام المواسم والأعياد من الرجال والنساء والأطفال والأكل والشرب فهو مكروه قال فى الفتح ويكره الجلوس على القبر ووطؤه. وحينئذ فما يصنعه من دفن حول أقاربه خلق من وطء تلك القبور إلى أن يصل قبر قريبه مكروه. ويكره النوم عند القبر وقضاء الحاجة بل أولى. وكل ما لم يعهد من السنة، والمعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما. وفى الأحكام عن الخلاصة وغيرها لو وجد طريقا إن وقع فى قلبه أنه محدث لا يمشى عليه وإلا فلا بأس. وفى خزانة الفتاوى عن أبى حنيفة لا يوطأ القبر إلا لضرورة ومن أرض بعيد ولا يقعد وإن فعل يكره. وقال بعضهم لا بأس بأن يطأ القبور وهو يقرأ أو يسبح ويدعو لهم. وقال فى الحلية ويكره الصلاة عليه (أى القبر) وإليه لورود النهى عن ذلك. ثم ذكر عن الإمام الطحاوى أنه حمل ما ورد من النهى عن الجلوس على القبر على الجلوس لقضاء الحاجة، وأنه لا يكره الجلوس لغيره جمعا بين الآثار، وأنه قال إن ذلك قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد، ثم نازعه بما صرح به فى النوادر والتحفة والبدائع والمحيط وغيره من أن أبا حنيفة كره وطء القبر والقعود أو النوم أو قضاء الحاجة عليه لأنه ثبت النهى عن وطئه والمشى عليه وتمامه فيها. وقيد فى نور الإيضاح كراهة القعود على القبر بما إذا كان لغير قراءة قلت وتقدم أنه إذا بلى الميت وصار ترابا يجوز زرعه والبناء عليه، ومقتضاه جواز المشى فوقه ثم رأيت العينى فى شرحه على صحيح البخارى ذكر كلام الطحاوى المار ثم قال فعلى هذا ما ذكره أصحابنا فى كتبهم من أن وطء القبور حرام وكذا النوم عليها ليس كما ينبغى فإن الطحاوى هو أعلم الناس بمذاهب العلماء ولا سيما بمذهب أبى حنيفة. قلت لكن قد علمت أن الواقعة فى كلامهم التعبير بلفظ الكراهة لا بلفظ الحرمة، وحينئذ فقد يوفق بأن ما عزاه الإمام الطحاوى إلى أئمتنا الثلاثة من حمل النهى على الجلوس لقضاء الحاجة يراد به نهى التحريم، وما ذكره غيره من كراهة الوطء والقعود الخ يراد به كراهة التنزيه فى غير قضاء الحاجة وغاية ما فيه إطلاق الكراهة على ما يشمل المعنيين هذا كثير فى كلامهم، ومنه قولهم مكروهات الصلاة وتنتفى الكراهة مطلقا إذا كان الجلوس للقراءة كما يأتى واللّه سبحانه أعلم انتهى - من رد المحتار بصحيفة 945 جزء أول طبعة أميرية سنة 1286، ونقل مثل هذا الخلاف فى الهندية بصحيفة 351 جزء خامس، وزاد نقلا عن ابن مسعود رضى اللّه عنه لأن أطأ على جمر أحب إلى من أن أطأ على قبر، وعن علاء الدين الترجمانى أنه قال يأثم بوطء القبور لأن سقف القبر حق الميت، وعن شمس الأئمة الحلوانى
أن بعض العلماء رخص المشى على القبور انتهى - ونقول إن العلماء قد اختلفوا فى هذه المسألة كما ترى، والأحوط كراهة وطء القبور لما تقدم عن الفتح من أن كل ما لم يعهد من السنة مكروه، وأن المعهود منها ليس إلا زيارتها والدعاء عندها قائما، وقد بين ذلك فى الهندية فقال وإذا أراد زيارة القبور يستحب له أن يصلى فى بيته ركعتين يقرأ فى كل ركعة الفاتحة وآية الكرسى مرة واحدة والاخلاص ثلاث مرات ويجعل ثوابها للميت يبعث اللّه تعالى إلى الميت فى قبره نورا، ويكتب للمصلى ثوابا كثيرا ثم لا يشتغل بما لا يعنيه فى الطريق، فإذا بلغ المقبرة يخلع نعليه ثم يقف مستدبرا القبلة مستقبلا لوجه الميت ويقول السلام عليكم يا أهل القبور يغفر اللّه لنا ولكم أنتم لنا سلف ونحن بالأثر. كذا فى الغرائب. وإذا أراد الدعاء يقوم يستقبل القبلة كذا فى خزانة الفتاوى. وإن كان شهيدا يقول سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، وإذا كانت قبور المسلمين مختلطة بقبور الكفار يقول السلام على من اتبع الهدى، ثم يقرأ سورة الفاتحة وآية الكرسى، ثم يقرأ سورة إذا زلزلت وألهاكم التكاثر كذا فى الغرائب. من الهندية بصحيفة 350 جزء خامس. فهذه هى كيفية الزيارة الشرعية للرجال والنساء. وأما اختلاط الرجال بالنساء فقد قال ابن حجر فى فتاويه ولا تترك (أى الزيارة) لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك لأن القربات لا تترك لمثل ذلك. بل على الإنسان فعلها وإنكار البدع بل وإزالتها إن أمكن. قلت ويؤيده ما مر من عدم ترك اتباع الجنازة وإن كان معها النساء والنائحات انتهى - من رد المحتار بصحيفة 942 جزء أول. ومن ذلك يعلم أن الواجب منع المنكرات على اختلاف أنواعها مطلقا فى المقابر وفى غيرها. كما أن الواجب منع اتخاذ المراحيض فى القبور والتبول فى المقابر، وأما شرب الخمر وارتكاب جريمة الزنى فهذا حرام ومنكر شنيع، ويجب منع كل ذلك فى المقابر وفى غيرها بإجماع المسلمين واللّه تعالى أعلم.