من طرف الرسالة الأربعاء 16 يناير 2019 - 4:16
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة الحديث الشريف
جامع العلوم والحكم
● [ الحديث الثامن والثلاثون ] ●
عَنْ أَبِي هُريرة - رضي الله عنه - قالَ : قَالَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله تَعالَى قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيّاً ، فَقَدْ آذنتُهُ بالحربِ ، وما تَقَرَّب إليَّ عَبْدِي بشيءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افترضتُ عَليهِ ، ولا يَزالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ ، فإذا أَحْبَبْتُهُ ، كُنتُ سَمعَهُ الّذي يَسمَعُ بهِ ، وبَصَرَهُ الّذي يُبْصِرُ بهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبطُشُ بها ، ورِجْلَهُ الّتي يَمشي بِها ، ولَئِنْ سأَلنِي لأُعطِيَنَّهُ ، ولَئِنْ استَعاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ).
رواهُ البخاريُّ(1) .
الشرح
هذا الحديثُ تفرَّد بإخراجه البخاري من دون بقية أصحاب الكتب ، خرَّجه عن محمد بن عثمان بن كرامة ، حدَّثنا خالدُ بن مَخلدٍ ، حدثنا سليمانُ بن بلال ، حدثني شريكُ بن عبد الله بن أبي نَمِر ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فذكر الحديث بطوله ، وزاد في آخره : ( وما ترددتُ عن شيءٍ أنا فاعِلُه ترددي عن نفس المؤمن يكره الموتَ وأنا أكره مساءته ) .
وهو من غرائب " الصحيح " ، تفرّد به ابنُ كرامة عن خالدٍ ، وليس هو في " مسند أحمد " ، مع أنَّ خالدَ بن مخلد القطواني تكلَّم فيه أحمدُ وغيره ، وقالوا : له مناكير (2) ، وعطاء الذي في إسنادِه قيل : إنَّه ابنُ أبي رباح ، وقيل : إنَّه ابن يسار ، وإنَّه وقع في بعض نسخ " الصحيح " منسوباً كذلك .
__________
(1) في " صحيحه " 8/131 ( 6502 ) .
وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 1/4 - 5 ، والبيهقي 3/346 و10/219 وفي " الزهد " ، له ( 690 ) ، والبغوي في " شرح السنة " ( 1248 ) .
(2) انظر : الجرح والتعديل 3/349 ( 3892 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد رُوي هذا الحديثُ من وجوهٍ أُخر لا تخلو كلُّها عن مقالٍ ، فرواه عبدُ الواحد بن ميمون أبو حمزة مولى عروةَ بن الزُّبير عن عروة ، عن عائشة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( من آذى لي ولياً ، فقد استحلَّ محاربتي ، وما تقرَّب إليَّ
عبدي بمثلِ أداء فرائضي ، وإنَّ عبدي ليتقرَّب إليَّ بالنوافل حتّى أُحبَّهُ ، فإذا أحببتُه ، كنت عينه التي يُبصر بها ، ويده التي يبطشُ بها ، ورِجلَه التي يمشي بها ، وفؤادهُ الذي يعقل به ، ولسانَه الذي يتكلم به ، إن دعاني أجبتُه ، وإن سألني أعطيته ، وما ترددت عن شيءٍ أنا فاعلُه تردُّدي عن موته ، وذلك أنَّه يكرهُ الموتَ وأنا أكره مساءته ) . خرَّجه ابنُ أبي الدنيا (1) وغيره ، وخرّجه الإمام أحمد (2) بمعناه .
__________
(1) في " الأولياء " ( 45 ) عن عائشة ، به .
(2) في " مسنده " 6/256، وإسناد الحديث ضعيف جداً ؛ لشدة ضعف عبد الواحد مولى عروة ، وهو ابن ميمون أبو حمزة قال عنه الإمام البخاري : ( منكر الحديث ).
● [ الصفحة التالية ] ●
وذكر ابنُ عديٍّ (1) أنه تفرَّد به عبدُ الواحد هذا عن عروة ، وعبد الواحد هذا قال فيه البخاري (2) : منكرُ الحديثِ ، ولكن خرّجه الطبراني (3) : حدثنا هارونُ بنُ كامل ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا إبراهيم بن سويد المدني ، حدثني أبو حَزْرَة يعقوب بن مجاهد ، أخبرني عُروة ، عن عائشة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فذكره . وهذا إسناده جيد ، ورجاله كلهم ثقات مخرّج لهم في " الصحيح " سوى شيخِ الطبراني ، فإنَّه لا يحضُرني الآن معرفةُ حاله ، ولعلَّ الراوي قال : حدثنا أبو حمزة ، يعني : عبد الواحد بن ميمون (4) ، فخُيّلَ للسامع أنَّه قال : أبو حَزْرَةَ ، ثم سماه من عنده بناء على وهمه ، والله أعلم .
وخرّج الطبراني (5) وغيرُه من رواية عثمان بن أبي العاتكة ، عن عليِّ بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( يقولُ الله - عز وجل - : من أهان لي ولياً ، فقد بارزني بالمحاربة ، ابنَ آدم ، إنَّك لن تُدركَ ما عندي إلاّ بأداءِ ما افترضتُ عليك ، ولا يزالُ عبدي يتحبَّبُ إليَّ بالنوافل حتّى أُحِبَّه ، فأكونَ قلبَه الذي يعقِلُ به ، ولسانَه الذي ينطِقُ به ، وبصرَه الذي يُبصِرُ به ، فإذا دعاني أجبتُه ، وإذا سألني أعطيته ، وإذا استنصرني نصرتُه ، وأحبُّ عبادة عبدي إليَّ النَّصيحة ) . عثمان وعليُّ ابن يزيد ضعيفان . قال أبو حاتم الرازي في هذا الحديث : هو منكر جداً (6).
__________
(1) في " الكامل " 6/524 .
(2) في " التاريخ الكبير " 5/335 ( 7774 ) .
(3) في " الأوسط " ( 9352 ) .
(4) انظر : التاريخ الكبير 5/335 ( 7774 ) ، والجرح والتعديل 6/30 ( 9374 ).
(5) في " الكبير " ( 7880 ) .
(6) في " العلل " 2/399 عقيب ( 1872 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وقد رُوي من حديث عليٍّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بإسناد ضعيف ، خرّجه الإسماعيلي في " مسند علي " (1) .
ورُوي من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف ، خرّجه الطبراني (2) ، وفيه زيادة في لفظه ، ورويناه من وجه آخر عن ابنِ عباس وهو ضعيف أيضاً .
وخرّجه الطبراني وغيرُه (3)
__________
(1) انظر : فتح الباري لابن حجر 11/415 .
(2) في " الكبير " ( 12719 ) من حديث عبد الله بن عباس ، به .
وأورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10/270 عن عبد الله بن عباس ، به .
(3) أخرجه : ابن الجوزي في " العلل المتناهية " 1/27 و44 عن أنس بن مالك ، به .
وانظر : الإتحافات السنية في الأحاديث القُدسية ( 93 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
من حديث الحسن بن يحيى الخشني ، عن صدقة بن عبد الله الدمشقي ، عن هشام الكِناني ، عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، عن جبريل ، عن ربِّه تعالى قال : ( من أَهانَ لي ولياً ، فقد بارزني بالمحاربة ، وما تَردَّدتُ عن شيءٍ أنا فاعلُه ما ترددتُ في قبضِ نفس عبدي المؤمن ، يكره الموتَ ، وأكره مساءته ، ولابُدَّ له منه ، وإنَّ من عبادي المؤمنين من يُريد باباً من العبادة ، فأكفه عنه لا يدخله عُجْبٌ ، فيفسدَه ذلك ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزالُ عبدي يتنفَّل إليَّ حتى أُحبه ، ومن أحببته ، كنتُ له سمعاً وبصراً ويداً ومؤيداً ، دعاني ، فأجبته ، وسألني ، فأعطيته ، ونصح لي فنصحتُ له ، وإنَّ من عبادي من لا يُصلح إيمانه إلا الغنى ، ولو أفقرتُه ، لأفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي من لا يُصلح إيمانه إلا الفقر ، وإن بسطتُ له ، أفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي من لا يُصلح إيمانه إلا الصحة ، ولو أسقمته ، لأفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم ، ولو أصححته ، لأفسده ذلك ، إنِّي أدبر عبادي بعلمي بما في قلوبهم ، إنِّي عليم خبير ) . والخشني وصدقة ضعيفان ، وهشام لا يُعرف ، وسئل ابنُ معين عن هشام هذا : من هو ؟ قالَ : لا أحد ، يعني : أنَّه لا يُعتبر به . وقد خرَّج البزار (1) بعضَ الحديث من طريق صدقة ، عن عبد الكريم الجزري ، عن أنس (2) .
__________
(1) لم أعثر على هذا الحديث عند البزار في " مسنده " ولا في " كشف الأستار " .
(2) أخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 613 ) ، والطبعة العلمية ( 609 ) قال الطبراني : ( لم يرو هذا الحديث عن عبد الكريم إلاّ صدقة ، تفرد به عمر ) . وعمر بن سعيد أبو حفص الدمشقي الذي تفرد به ضعيف ، فالحديث ضعيف ، وانظر : مجمع الزوائد 10/270 ، وفتح الباري 11/349 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وخرَّج الطبراني من حديث الأوزاعي عن عبدة بن أبي لبابة ، حدثني زِرُّ بنُ حُبيش ، سمعتُ حذيفة يقول : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الله تعالى أوحى إليَّ : يا أخا المرسلين ، ويا أخا المنذرين أنذر قومك أنْ لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد عندهم مظلِمَة ، فإني ألعنه ما دام قائماً بين يديَّ يُصلِّي حتى يَرُدَّ تلك الظُّلامة إلى أهلها ، فأكونَ سمعه الذي يسمع به ، وأكونَ بصره الذي يبصر به ، ويكون من أوليائي وأصفيائي ، ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة ) (1) وهذا إسناد جيد وهو غريب جداً (2) .
ولنرجع إلى شرح حديث أبي هريرة الذي خرَّجه البخاريُّ ، وقد قيل : إنّه أشرف حديثٍ رُوي في ذكر الأولياء (3) .
قوله - عز وجل - : ( من عادى لي ولياً ، فقد آذنتُه بالحرب ) يعني : فقد أعلمتُه بأنِّي محاربٌ له ، حيث كان محارباً لي بمعاداة أوليائي (4) ، ولهذا جاء في حديث عائشة (5) : ( فقد استحل محاربتي ) وفي حديث أبي أُمامة (6) وغيره : ( فقد بارزني بالمحاربة ) ، وخرج ابن ماجه (7)
__________
(1) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 6/116 من طريق الطبراني ، وقال : ( غريب من حديث الأوزاعي ، عن عبدة ) ، وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري 11/349 : ( سنده حسن غريب ) .
(2) انظر : حلية الأولياء 6/116 ، وفتح الباري لابن حجر 11/415 .
(3) انظر : مجموعة الفتاوى 18/76 .
(4) انظر : فتح الباري لابن حجر 11/416 .
(5) سبق تخريجه .
(6) سبق تخريجه .
(7) برقم ( 3989 ) .
وأخرجه : الطبراني في " الكبير " 20/( 321 ) ، والحاكم 4/328 ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/5 عن معاذ بن جبل ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
بإسناد ضعيف(1) عن معاذ بن جبلٍ ، سمع النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول: ( إنَّ يسيرَ الرياءِ شِركٌ ، وإنَّ من عادى لله ولياً ، فقد بارز الله بالمحاربة ، وإنَّ الله تعالى يحبُّ الأبرارَ الأتقياءَ الأخفياءَ ، الذين إذا غابوا لم يُفتقدوا ، وإنْ حضروا ، لم يُدْعَوا ، ولم يُعرَفوا ، قلوبهم مصابيح الهدى ، يخرجُون مِنْ كل غبراءَ مظلمةٍ ) .
فأولياءُ الله تجبُ موالاتُهم ، وتَحرُمُ معاداتُهم ، كما أنَّ أعداءهُ تجبُ معاداتُهم ، وتحرم موالاتُهم ، قال تعالى : { لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ } (2) ، وقال : { إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } (3) ، ووصف أحبَّاءهُ الذين يُحبهم ويُحبونه بأنَّهم أذلَّةٌ على المؤمنين ، أعزَّةٌ على الكافرين ، وروى الإمام أحمد في كتاب " الزهد " (4) بإسناده عن وهب ابن منبِّهٍ ، قال : إنَّ الله تعالى قال لموسى - عليه السلام - حين كلمه : اعلم أنَّ مَنْ أهان لي وليّاً ، أو أخافه ، فقد بارزني بالمحاربة ، وبادأني ، وعرَّض نفسه ودعاني إليها ، وأنا أسرعُ شيءٍ إلى نُصرة أوليائي ، أفيظنُّ الذي يُحاربني أنْ يقومَ لي ؟ أو يظنُّ الذي يعازّني أنْ يعجزني ؟ أم يظنُّ الذي يبارزني أنْ يسبقني أو يفوتني ؟ وكيف وأنا الثَّائرُ لهم في الدنيا والآخرة ، فلا أَكِلُ نصرتهم إلى غيري .
__________
(1) بل ضعيف جداً ؛ فإنَّ في إسناده عيسى بن عبد الرحمان بن فروة متروك .
(2) الممتحنة : 1 .
(3) المائدة : 55 - 56 .
(4) برقم ( 342 ) عن وهب بن منبه ، به ، وهو جزء من حديث طويل .
● [ الصفحة التالية ] ●
واعلم أنَّ جميعَ المعاصي محاربة لله - عز وجل - ، قال الحسن : ابنَ آدم هل لك بمحاربة الله من طاقةٍ ؟ فإنَّ مَنْ عصى الله ، فقد حاربه ، لكن كلَّما كانَ الذَّنبُ أقبحَ ، كانت المحاربة لله أشد ولهذا سمّى الله تعالى أَكَلةَ الرِّبا ، وقُطَّاع الطَّريق محاربينَ لله تعالى ورسوله ؛ لعظيم ظلمهم لعباده ، وسعيهم بالفساد في بلاده ، وكذلك معاداةُ أوليائه ، فإنَّه تعالى يتولَّى نُصرةَ أوليائه ، ويُحبهم ويؤيِّدُهم ، فمن عاداهم ، فقد عادى الله وحاربه ، وفي الحديث عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( اللهَ اللهَ في أصحابي ، لا تتَّخذوهُم غرضاً ، فمن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يُوشِكُ أن يأخُذَهُ ) خرَّجه الترمذي (1) وغيره .
وقوله : ( وما تقرَّب إليَّ عبدي بمثل أداءِ ما افترضتُ عليه ، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافل حتّى أحبَّه ) (2) : لمَّا ذكر أنَّ معاداة أوليائه محاربةٌ له ، ذكر بعد ذلك وصفَ أوليائه الذين تحرُم معاداتُهُم ، وتجب موالاتُهم ، فذكر ما يتقرَّب به إليه ، وأصلُ الولاية : القربُ ، وأصلُ العداوة : البعدُ ، فأولياء الله هُمُ الذين يتقرَّبون إليه بما يقرِّبهم منه ، وأعداؤه الذين أبعدهم عنه بأعمالهم المقتضية لطردهم وإبعادهم منه ، فقسم أولياءه المقربين إلى قسمين :
__________
(1) في " جامعه " ( 3862 ) .
وأخرجه : أحمد 4/87 و5/54 – 55 و57 وفي " فضائل الصحابة " ، له ( 3 ) ، وعبد الله ابن أحمد في زوائده على " الفضائل " ( 2 ) و( 4 ) ، وابن حبان ( 7256 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 8/287 ، والبغوي في " شرح السنة " ( 3860 ) من حديث عبد الله بن مغفل ، به ، وهو حديث ضعيف ، وقد استغربه الترمذي .
(2) سبق تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
أحدهما : من تقرَّب إليه بأداء الفرائض ، ويشمل ذلك فعل الواجبات ، وتركَ المحرَّمات ؛ لأنَّ ذلك كُلَّه من فرائضِ اللهِ التي افترضها على عباده .
والثاني : من تقرَّب إليه بعدَ الفرائضِ بالنوافل ، فظهر بذلك أنَّه لا طريق يُوصِلُ إلى التقرُّب إلى الله تعالى ، وولايته ، ومحبته سوى طاعته التي شرعها على لسان رسوله ، فمنِ ادَّعى ولايةَ الله ، والتقرُّب إليه ، ومحبَّته بغير هذه الطريق ، تبيَّن أنَّه كاذبٌ في دعواه ، كما كان المشركون يتقرَّبُون إلى الله تعالى بعبادة من يعبدونَه مِنْ دُونِه ، كما حكى الله عنهم أنَّهم قالوا : { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى } (1) ، وكما حكى عن اليهود والنَّصارى أنَّهم قالوا : { نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } (2) مع إصرارهم على تكذيبِ رُسله ، وارتكاب نواهيه ، وترك فرائضه .
فلذلك ذكرَ في هذا الحديث أنَّ أولياء الله على درجتين :
أحدهما : المتقرِّبُون إليه بأداءِ الفرائض ، وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين ، وأداء الفرائض أفضلُ الأعمال كما قال عمرُ بنُ الخطاب - رضي الله عنه - : أفضلُ الأعمال أداءُ ما افترضَ اللهُ ، والوَرَعُ عمّا حرَّم الله ، وصِدقُ النيّة فيما عند الله - عز وجل - . وقال عمرُ بنُ عبد العزيز في خطبته : أفضلُ العبادة أداءُ الفرائض ، واجتنابُ المحارم (3) ، وذلك لأنَّ الله - عز وجل - إنَّما افترض على عباده هذه الفرائض لِيُقربهم منه ، ويُوجِبَ لهم رضوانه ورحمته .
__________
(1) الزمر : 3 .
(2) المائدة : 18 .
(3) أخرجه : عبد الله في زوائده على " الزهد " ( 1711 ) ، والدينوري في " المجالسة " ( 2586 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وأعظمُ فرائضِ البدن التي تُقرِّب إليه : الصلاةُ ، كما قال تعالى : { وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } (1) ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( أقربُ ما يكونُ العبدُ من ربه وهو ساجدٌ ) (2) ، وقال : ( إذا كان أحدُكم يُصلي ، فإنَّما يُناجي ربَّه ، أو ربُّه بينَه وبينَ القبلة ) (3) . وقال : ( إنَّ اللهَ يَنصِبُ وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت ) (4).
ومن الفرائض المقرّبة إلى الله تعالى : عدلُ الرَّاعي في رعيَّته ، سواءٌ كانت رعيَّتُه عامّةً كالحاكم ، أو خاصةً كعدلِ آحاد النَّاس في أهله وولده ، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ( كُلُّكم راعٍ وكُلُكم مسؤولٌ عن رعيَّته ) (5) .
وفي " صحيح مسلم " (6) عن عبد الله بن عمرٍو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ المُقسطين عند الله على منابِرَ من نُورٍ على يمين الرحمان - وكلتا يديه يمين - الذين يَعدِلُون في حكمهم وأهليهم وما ولُوا ) .
__________
(1) العلق : 19 .
(2) أخرجه : مسلم 2/49 ( 482 ) ( 215 ) ، وأبو داود ( 875 ) ، والنسائي 2/226 من حديث أبي هريرة ، به .
(3) أخرجه : البخاري 1/112 ( 405 ) من حديث أنس بن مالك .
(4) أخرجه : الترمذي ( 2863 ) ، وابن حبان ( 6233 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3427 ) و( 3428 ) و( 3430 ) وفي "مسند الشاميين" ، له ( 2870 ) عن الحارث الأشعري ، به .
وهو جزء من حديث طويل ، قال فيه الترمذي : ( حسن صحيح غريب ) .
(5) أخرجه : البخاري 2/6 ( 893 ) ، ومسلم 6/7 ( 1829 ) ( 20 ) من حديث عبد الله بن عمر ، به .
(6) 6/7 ( 1827 ) ( 18 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " الترمذي " (1) عن أبي سعيد ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ أحبَّ العبادِ إلى الله يَومَ القيامةِ وأدناهم إليه مجلساً إمامٌ عادلٌ ) .
الدرجة الثانية : درجةُ السابقين المقرَّبين ، وهُمُ الذين تقرَّبوا إلى الله بعدَ الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات ، والانكفافِ عن دقائقِ المكروهات بالوَرعِ ، وذلك يُوجبُ للعبدِ محبَّة اللهِ ، كما قال : ( ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافِلِ حتّى أُحبَّه ) (2) ، فمن أحبه الله ، رزقه محبَّته وطاعته والاشتغالَ بذكره وخدمته ، فأوجبَ له ذلك القرب منه ، والزُّلفى لديه ، والحظْوة عنده ، كما قال الله تعالى : { مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (3) ، ففي هذه الآية إشارةٌ إلى أنَّ مَنْ أعرض عن حبنا ، وتولى عن قربنا ، لم نبال ، واستبدلنا به من هو أولى بهذه المنحة منه وأحقُّ ، فمن أعرضَ عنِ الله ، فما له مِنَ الله بَدَلٌ ، ولله منه أبدال .
ما لي شُغل سِواه ما لي شُغلُ . ما يَصرِفُ عن هواه قلبي عذلُ
ما أصنعُ إنْ جفا وخابَ الأملُ . مِنِّي بدل ومنه ما لي بدلُ
__________
(1) في " جامعه " ( 1329 ) ، وهو حديث ضعيف في إسناده عطية بن سعد العوفي ضعيف عند المحدّثين ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) ، وهو من تساهله رحمه الله .
(2) سبق تخريجه .
(3) المائدة : 54 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي بعض الآثار يقول الله - عز وجل - : ( ابنَ آدم ، اطلبني تجدني ، فإنْ وجدتني ، وجدتَ كُلَّ شيء ، وإنْ فُتُّك ، فاتك كُلُّ شيءٍ ، وأنا أحَبُّ إليك من كلِّ شيءٍ ) (1) .
كان ذو النون يردّد هذه الأبيات بالليل كثيراً :
اطلبوا لأنفسكم . مثل ما وَجَدْتُ أنا
قد وجدت لي سكَناً . ليس في هواه عَنَا
إنْ بَعَدْتُ قرَّبَنِي . أو قَرُبْتُ مِنه دَنا (2)
من فاته الله ، فلو حصلت له الجنةُ بحذافيرها ، لكان مغبوناً
فكيف إذا لم يحصل له إلاَّ نزرٌ يسيرٌ حقيرٌ من دارٍ كلها لا تَعدِلُ جَناحَ بعوضةٍ:
مَنْ فَاتَهُ أَنْ يَراكَ يَوماً . فَكُلُّ أوقاتِهِ فَواتُ
وحَيثُما كنتُ من بِلادٍ . فَلِي إلى وَجْهِكَ التِفَاتُ
__________
(1) انظر : تفسير ابن كثير : 1768 وصدّره بقوله : ( وقد ورد في بعض الكتب الإلهية ) ثم ساقه مطولاً .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 9/344 .
● [ الصفحة التالية ] ●
ثم ذكر أوصاف الذين يُحبهم الله ويُحبُّونه ، فقال : { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } (1) ، يعني أنَّهم يعامِلون المؤمنين بالذِّلَّة واللِّين وخفض الجناح ، { أَعزَّة على الكافرين } (2) ، يعني أنَّهم يعاملون الكافرين بالعزَّة والشدَّة عليهم ، والإغلاظ لهم ، فلما أحبُّوا الله ، أحبُّوا أولياءه الذين يُحبونه ، فعاملوهُم بالمحبَّة ، والرَّأفة ، والرحمة ، وأبغضوا أعداءه الذين يُعادونه ، فعاملُوهم بالشِّدَّة والغِلظة ، كما قال تعالى : { أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ } (3) { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } (4) ، فإنَّ من تمام المحبة مجاهدةَ أعداءِ المحبوب ، وأيضاً ، فالجهادُ في سبيل الله دعاء للمعرضين عن الله إلى الرجوع إليه بالسَّيفِ والسِّنان بعد دعائهم إليه بالحجَّةِ والبرهانِ ، فالمحبُّ لله يحبُّ اجتلابَ الخلق كلِّهم إلى بابه ؛ فمن لم يُجبِ الدعوةَ باللين والرِّفق ، احتاج إلى الدعوة بالشدّة والعنف : ( عجب ربّك من قومٍ يُقادون إلى الجنّة بالسَّلاسل ) (5) .
{ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ } (6) ؛ لا همَّ للمحبِّ غيرُ ما يُرضي حبيبه ، رضي من رضي ، وسَخِطَ من سخط ، من خاف الملامة في هوى من يُحبُّه ، فليس بصادقٍ في المحبَّةِ :
وقف الهوي بي حيثُ أنتِ فَلَيسَ لي . مُتَأَخَّرٌ عنه ولا مُتقدَّمُ
أَجِدُ الملامَةَ في هَواكِ لَذيذةً . حُباً لِذكرك فليلُمْني اللُّوَّمُ (7)
__________
(1) المائدة : 54 .
(2) المائدة : 54 .
(3) الفتح : 29 .
(4) المائدة : 54 .
(5) أخرجه : أحمد 2/302 و406 ، والبخاري 4/73 ( 3010 ) ، وأبو داود ( 2677 ) ، وابن حبان ( 134 ) من حديث أبي هريرة ، مرفوعاً .
(6) المائدة : 54 .
(7) انظر : الشعر والشعراء لأبي الشيص : 834 .
● [ الصفحة التالية ] ●
قوله : { ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } (1) ، يعني درجة الذين يُحبهم ويُحبونه بأوصافهم المذكورة ، { وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } (2) : واسعُ العطاءِ ، عليمٌ بمن يستحقُّ الفضل ، فيمنحه ، ومن لا يستحقُّه ، فيمنعه .
ويروى أنَّ داود - عليه السلام - كان يقول : اللهمَّ اجعلني من أحبابك ، فإنَّك إذا أحببتَ عبداً، غفرتَ ذنبَه، وإنْ كان عظيماً، وقبِلْتَ عمله ، وإنْ كان يسيراً ، وكان داود - عليه السلام - يقول في دعائه : اللهمَّ إنِّي أسأَلُكَ حبَّكَ وحبَّ من يُحبُّك وحبَّ العمل الذي يُبلغني حُبَّك، اللهمَّ اجعلْ حُبَّكَ أحبَّ إليَّ من نفسي وأهلي ومن الماء البارد(3).
وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( أتاني ربي - عز وجل - - يعني : في المنام - فقال لي : يا محمد قُل : اللهمَّ إني أسألك حبَّك ، وحُبَّ من يُحبُّك ، والعمل الذي يُبلِّغُني حُبَّك ) (4) .
__________
(1) المائدة : 54 .
(2) المائدة : 54 .
(3) أخرجه : الترمذي ( 3490 ) ، والحاكم 2/433 من حديث أبي الدرداء مرفوعاً ، به ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) ، وهو من تساهله ؛ فالحديث ضعيف لجهالة أحد رواته .
وأخرجه : أحمد في " الزهد " ( 374 ) بنحوه عن أبي عبد الله الجدلي موقوفاً ، به.
(4) أخرجه : أحمد 5/243 ، والترمذي ( 3235 ) وفي " العلل " ، له ( 397 ) ، وابن خزيمة في "التوحيد" : 218 – 219 ، والطبراني في "الكبير" 20/( 216 ) عن معاذ بن جبل ، به .
وهو جزء من حديث طويل ، قال الترمذي : ( هذا حديث حسن صحيح . سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث : فقال : هذا حديث حسن صحيح ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
وكان من دعائه - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم ارزقني حبَّك وحبَّ من ينفعني حبُّه عندكَ ، اللهمَّ ما رزقتني مما أحِبُّ فاجعله قوَّةً لي فيما تُحِبُّ ، اللهمَّ ما زَويتَ عني مما أحبُّ فاجعله فراغاً لي فيما تُحِبُّ ) (1) .
ورُوي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كان يدعو : ( اللهمَّ اجعل حُبَّك أحبَّ الأشياءِ إليَّ ، وخشيتَك أخوف الأشياء عندي ، واقطع عنِّي حاجاتِ الدُّنيا بالشَّوق إلى لقائك ، وإذا أقررتَ أعيُنَ أهل الدُّنيا من دنياهم ، فأقرِرْ عيني من عبادتك ) (2) .
فأهلُ هذه الدرجة مِنَ المقرَّبين ليس لهم همٌّ إلاَّ فيما يُقرِّبُهم ممن يُحبهم ويحبونه ، قال بعضُ السلف : العمل على المخافة قد يُغيِّرُه الرجاءُ ، والعملُ على المحبة لا يَدخله الفتورُ ، ومن كلامِ بعضهم : إذا سئم البطَّالون من بطالتهم ، فلن يسأم محبُّوكَ من مناجاتك وذكرك(3) .
__________
(1) أخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 430 ) ، والترمذي ( 3491 ) ، وابن الأثير في " أسد الغابة " 3/416 من حديث عبد الله بن يزيد الخطمي الأنصاري ، به مرفوعاً ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/282 من طريق أبي بكر بن أبي مريم ، عن الهيثم بن مالك الطائي ، مرسلاً ، وهو ضعيف لضعف أبي بكر بن أبي مريم ولإرساله.
(3) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
قال فرقد السَّبَخي : قرأتُ في بعض الكتب : من أحبَّ الله ، لم يكن عنده شيءٌ آثَرَ من هواه ، ومن أحبَّ الدُّنيا ، لم يكن عنده شيءٌ آثر من هوى نفسه ، والمحب لله تعالى أميرٌ مؤمَّر على الأمراء زمرته أول الزمر يومَ القيامة ، ومجلسه أقربُ المجالس فيما هنالك ، والمحبة منتهى القربة والاجتهاد ، ولنْ يسأم المحبُّون من طول اجتهادهم لله - عز وجل - يُحبُّونه ويحبُّون ذكرَه ويحببونه إلى خلقه يمشون بين عباده بالنصائح ، ويخافون عليهم من أعمالهم يوم تبدو الفضائحُ ، أولئك أولياءُ الله وأحباؤه ، وأهلُ صفوته ، أولئك الذين لا راحةَ لهم دُونَ لقائه .
وقال فتح الموصليُّ : المحبُّ لا يجد مع حبِّ الله - عز وجل - للدنيا لَذَّةً ، ولا يغفل عن ذكر الله طرفة عينٍ .
وقال محمدُ بن النضر الحارثي : ما يكادُ يملُّ القربةَ إلى الله تعالى محبٌّ لله - عز وجل - ، وما يكاد يسأمُ من ذلك .
وقال بعضهم : المحبُّ لله طائرُ القلب ، كثيرُ الذكر ، متسبب إلى رضوانه بكل سبيلٍ يقدر عليها من الوسائل والنوافل دَوباً دَوباً ، وَشوقاً شوقاً ، وأنشد بعضهم :
وكُنْ لِرَّبك ذا حُبٍّ لِتَخْدمه . إنَّ المحبين للأحبابِ خُدَّامُ
وأنشد آخر :
ما للمُحِبِّ سوى إرادةِ حُبِّه . إنَّ المحبَّ بكلِّ برٍّ يَضرَعُ
ومن أعظم ما يُتقرَّب به العبد إلى الله تعالى مِنَ النَّوافل : كثرة تلاوة القرآن ، وسماعهُ بتفكُّر وتدبُّرٍ وتفهُّمٍ ، قال خباب بن الأرت لرجل : تقرَّب إلى الله ما استطعتَ ، واعلم أنَّك لن تتقرب إليه بشيءٍ هو أحبُّ إليه من كلامه (1) .
وفي " الترمذي " (2)
__________
(1) أخرجه : الحاكم 2/441 عن خَبّاب بن الأرت ، به .
(2) في جامعه ( 2911 ) ، وهو حديث ضعيف وطرقه الأخرى كلها ضعيفة .
وأخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 7657 ) عن أبي أُمامة ، به . مرفوعاً .
وأخرجه : الترمذي ( 2912 ) من طريق زيد بن أرطأة عن جُبير بن نُفير مرسلاً .
وأخرجه : الحاكم 1/555 عن أبي ذَر الغفاري ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
عن أبي أُمامة مرفوعاً : ( ما تقرَّب العبادُ إلى الله بمثل ما خرجَ منه ) يعني القرآن ، لا شيءَ عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم ، فهو لذَّةُ قلوبهم ، وغايةُ مطلوبهم . قال عثمان : لو طَهُرَتْ قلوبُكم ما شبعتُم من كلام ربكم (1) . وقال ابنُ مسعود : من أحبَّ القرآن فهو يُحب الله ورسوله (2) .
قال بعضُ العارفين لمريدٍ : أتحفظُ القرآن ؟ قال : لا ، فقال : واغوثاه بالله ! مريد لا يحفظ القرآن فبم يتنعم ؟ فبم يترنم ؟ فبم يُناجي ربه - عز وجل - ؟
كان بعضُهُم يُكثِرُ تلاوة القرآن ، ثم اشتغل عنه بغيره ، فرأى في المنام قائلاً يقول له:
إن كُنتَ تَزعُمُ حُبِّي . فَلِمَ جَفوتَ كِتابي
أما تأمَّلتَ ما فيـ . ـهِ مِنْ لَطيفِ عِتابي
ومن ذلك : كثرةُ ذكر الله الذي يتواطأ عليه القلبُ واللسان . وفي " مسند البزار " (3) عن معاذٍ ، قال : قلت : يا رسول الله ، أخبرني بأفضل الأعمال وأقربها إلى الله تعالى ؟ قال : ( أنْ تموت ولسانُك رَطْبٌ من ذكر الله تعالى ) .
__________
(1) أخرجه : عبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ( 680 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 7/300 بإسناد منقطع .
(2) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 8657 ) ، وانظر : مجمع الزوائد 7/165 .
(3) برقم ( 3059 ) كما في " كشف الأستار " ، وانظر : مجمع الوزائد 10/74 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي الحديث الصحيح عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( يقول الله - عز وجل - : أنا عندَ ظنِّ عبدي بي ، وأنا معه حين يذكُرني ، فإن ذكرني في نفسه ، ذكرتُه في نفسي ، وإنْ ذكرني في ملإ ، ذكرته في ملإٍ خيرٍ منهم ) (1) . وفي حديث آخر : ( أنا مع عبدي ما ذكرني وتحرَّكت بي شفتاه ) (2) . وقال - عز وجل - : { فاذْكُرُوني أذكُركُم } (3) .
ولما سمع النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الذين يرفعون أصواتهم بالتَّكبير والتَّهليل وهُمْ معه في سفر ، قال لهم : ( إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً ، إنَّكم تدعون سميعاً قريباً ، وهو معكم ) (4) . وفي رواية : ( وهو أقرب إليكم مِنْ أعناقِ رواحِلكم ) (5).
__________
(1) أخرجه : أحمد 2/251 ، والبخاري 9/177 ( 7505 ) ، ومسلم 8/62 ( 2675 ) ( 2 ) من حديث أبي هريرة ، به .
(2) أخرجه: أحمد 2/540 ، وابن ماجه ( 3792 ) ، وابن حبان ( 815 ) ، والبغوي ( 1242 ) من حديث أبي هريرة ، به ، وهو حديث صحيح .
(3) البقرة : 152 .
(4) أخرجه : البخاري 4/69 ( 2992 ) ، ومسلم 8/73 ( 2704 ) ( 44 ) من حديث أبي موسى الأشعري ، به .
(5) أخرجه : مسلم 8/74 ( 2704 ) ( 46 ) ، وأبو داود ( 1526 ) ، والترمذي ( 3374 ) من حديث أبي موسى الأشعري ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومن ذلك : محبةُ أولياء الله وأحبائه فيه ، ومعاداة أعدائه فيه ، وفي " سنن أبي داود " (1) عن عمر - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ من عباد الله لأُناساً ما هُم بأنبياء ولا شُهداءَ ، يغبطُهم الأنبياءُ والشُّهداءُ بمكانهم من الله - عز وجل - ) ، قالوا : يا رسول الله ، مَنْ هم ؟ قال : ( هُمْ قومٌ تحابُّوا بروحِ الله على غيرِ أرحامٍ بينهم ، ولا أموالٍ يتعاطَوْنَها ، فوالله ، إنَّ وُجُوهَهم لنورٌ ، وإنَّهم لعلى نور ، لا يخافون إذا خافَ النَّاسُ ، ولا يَحزَنُون إذا حزن الناس ) ، ثم تلا هذه الآية : { أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } (2) . ويروى نحوه من حديث أبي مالك الأشعري عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وفي حديثه : ( يَغبِطُهم النَّبيُّون بقربهم ومقعدهم منَ اللهِ - عز وجل - ) (3) .
وفي " المسند " (4) عن عمرو بن الجموح ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لا يجدُ العبدُ صريحَ الإيمان حتّى يُحبَّ لله ويُبغِضَ لله ، فإذا أحبَّ لله ، وأبغض لله ، فقد استحقَّ الولايةَ من الله ، إنَّ أوليائي من عبادي وأحبَّائي مِنْ خلقي الَّذين يُذكَرون بذكري ، وأُذْكَرُ بذكرهم ) .
وسُئل المرتعش : بم تُنال المحبة ؟ قال : بموالاة أولياء الله ، ومعاداة أعدائه (5) ، وأصله الموافقة .
__________
(1) برقم ( 3527 ) ، وفي إسناده انقطاع إلا أنَّ للحديث شواهد .
(2) يونس : 62 .
(3) أخرجه : أحمد 5/343 ، وإسناده ضعيف لضعف شهر بن حوشب .
(4) مسند الإمام أحمد 3/430 ، وهو ضعيف لضعف رشدين بن سعد ولانقطاعه ، وانظر : مجمع الزوائد 1/89 .
(5) أخرجه : أبو عبد الرحمان السلمي في " طبقات الصوفية " : 351 .
● [ الصفحة التالية ] ●
وفي " الزهد " (1) للإمام أحمد عن عطاء بن يسار ، قال : قال موسى - عليه السلام - : يا ربِّ ، مَنْ هُمْ أهلُك الذين تُظلُّهم في ظلِّ عرشك ؟ قالَ : يا موسى ، هُمُ البريئة أيديهم ، الطَّاهرةُ قلوبهم ، الَّذين يتحابُّون بجلالي ، الذين إذا ذكرت ذكروا بي ، وإذا ذكروا ذكرت بذكرهم ، الذين يُسبغون الوضوء في المكاره ، ويُنيبون إلي ذكري كما تُنيب النُّسور إلى وكورها ، ويكْلَفُون بحُبِّي كما يَكلَفُ الصبيُّ بالنّاس ، ويغضبون لمحارمي إذا استُحِلَّت ، كما يغضبُ النَّمِرُ إذا حَرِبَ .
قوله : ( فإذا أحببتُه ، كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يُبصرُ به ، ويدَه التي يبطش بها ، ورجلَه التي يمشي بها ) (2) ، وفي بعض الروايات : ( وقلبَه الذي يعقل به ، ولسانه الذي ينطق به ) (3) .
المراد بهذا الكلام : أنَّ منِ اجتهدَ بالتقرُّب إلى الله بالفرائضِ ، ثمَّ بالنوافل ، قَرَّبه إليه ، ورقَّاه من درجة الإيمان إلى درجة الإحسان ، فيصيرُ يَعبُدُ الله على الحضورِ والمراقبة كأنه يراه ، فيمتلئُ قلبُه بمعرفة الله تعالى ، ومحبَّته ، وعظمته ، وخوفه ، ومهابته ، وإجلاله ، والأُنس به ، والشَّوقِ إليه ، حتّى يصيرَ هذا الذي في قلبه من المعرفة مشاهداً له بعين البصيرة كما قيل:
ساكنٌ في القلب يَعْمُرُه . لَسْتُ أنساهُ فأَذكُرُه
غَابَ عَنْ سمعي وعن بصري . فسُوَيدا القلب تُبصِرُه
قال الفضيلُ بن عياض : إن الله يقول : ( كذَب من ادَّعى محبَّتي ، ونام عنِّي ، أليس كل محبٍّ يُحبّ خلوة حبيبه ؟ ها أنا مطَّلعٌ على أحبابي وقد مثَّلوني بين أعينهم ، وخاطبوني على المشاهدة ، وكلَّموني بحضورٍ ، غداً أُقِرُّ أعينهم في جناني ) (4) .
__________
(1) برقم ( 389 ) .
(2) سبق تخريجه .
(3) سبق تخريجه .
(4) أخرجه : الدينوري في "المجالسة" ( 132 ) ، وعبد الحق الأشبيلي في " التهجد " ( 1046 ) و( 1047 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●
ولا يزالُ هذا الذي في قلوب المحبين المقرَّبين يقوى حتّى تمتلئ قلوبُهم به ، فلا يبقي في قلوبهم غيرُه ، ولا تستطيع جوارحُهُم أنْ تنبعثَ إلا بموافقة ما في قلوبهم ، ومن كان حالُه هذا ، قيل فيه : ما بقي في قلبه إلا الله ، والمراد معرفته ومحبته وذكره ، وفي هذا المعنى الأثر الإسرائيلي المشهور : ( يقول الله : ما وسعني سمائي ولا أرضي ، ولكن وسعني قلبُ عبدي المؤمن ) (1) . وقال بعضُ العارفين : احذروه ، فإنَّه غيورٌ لا يُحبُ أنْ يرى في قلبِ عبده غيرَه ، وفي هذا يقول بعضهم:
ليس للنَّاسِ موضِعٌ في فؤادي . زاد فيه هواك حتَّى امتلا
وقال آخر :
قَدْ صِيغَ قلبي على مقدار حبِّهمُ . فما لِحبٍّ سواهم فيه مُتَّسعُ
__________
(1) ذكره : الزركشي في " التذكرة في الأحاديث المشتهرة " : 135 ، والسخاوي في " المقاصد الحسنة " ( 990 ) ، والملا علي القاري في " الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة " ( 657 ) و( 810 ) و( 1021 ) ، والعجلوني في " كشف الخفاء " ( 2256 ) .
وانظر : أسنى المطالب ( 1290 ) ، وقد أجاد ابن رجب - رحمه الله – حينما نسبه إلى الإسرائيليات ؛ فهذا مما ورد عن أهل الكتاب كما نص عليه شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " 18/122 ، والسيوطي في " الدرر المنتثرة " : 362 ، ويخطئ بعض الناس فينسب هذا حديثاً نبوياً ، وهو لا أصل له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
● [ الصفحة التالية ] ●
وإلى هذا المعنى أشار النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في خطبته لما قدم المدينة فقال : ( أحبوا الله من كلِّ قلوبكم ) كما ذكره ابن إسحاق في " سيرته " (1) فمتى امتلأ القلبُ بعظمةِ الله تعالى ، محا ذلك مِنَ القلب كلَّ ما سواه ، ولم يبقَ للعبد شيءٌ من نفسه وهواه ، ولا إرادة إلاَّ لما يريدهُ منه مولاه ، فحينئذٍ لا ينطِقُ العبدُ إلاّ بذكره ، ولا يتحرَّك إلا بأمره ، فإنْ نطقَ ، نطق بالله ، وإنْ سمِعَ ، سمع به ، وإنْ نظرَ ، نظر به ، وإنْ بطشَ ، بطش به ، فهذا هو المرادُ بقوله : ( كنت سمعه الذي يسمعُ به ، وبصره الذي يُبصرُ به ، ويده التي يبطش بها ، ورجلَه التي يمشي بها ) (2) ، ومن أشار إلى غير هذا ، فإنَّما يُشير إلى الإلحاد مِنَ الحلول ، أو الاتِّحاد ، والله ورسولُه بريئان منه .
ومن هنا كان بعضُ السَّلف كسليمان التيمي يرون أنّه لا يحسن أن يعصي الله . ووصَّتِ امرأةٌ مِنَ السَّلف أولادها ، فقالت لهم : تعوَّدُوا حبَّ الله وطاعته ، فإنَّ المتَّقين ألِفُوا الطّاعة ، فاستوحشت جوارحُهُم من غيرها ، فإنْ عرض لهمُ الملعونُ بمعصيةٍ ، مرَّت المعصيةُ بهم محتشمةً ، فهم لها منكرون .
__________
(1) السِّيرة النَّبوية لابن هشام 2/106 ( وهي تهذيب لسيرة ابن إسحاق ) ، ومن طريقه البيهقي في " دلائل النبوة " 2/525 وسنده مرسل ، وانظر : السيرة النبوية عرض وقائع وتحليل أحداث 1/504 .
(2) سبق تخريجه .
● [ الصفحة التالية ] ●
ومن هذا المعنى قولُ عليٍّ : إنْ كُنَّا لنرى أنَّ شيطان عمر ليهابُه أن يأمُرَه بالخطيئة (1) ، وقد أشرنا فيما سبق إلى أنَّ هذا مِنْ أسرار التوحيد الخاصة ، فإنَّ معنى لا إله إلا الله : أنَّه لا يؤلَّه غيرُه حباً ، ورجاءً ، وخوفاً ، وطاعةً ، فإذا تحقَّق القلبُ بالتَّوحيد التَّامِّ ، لم يبق فيه محبةٌ لغير ما يُحبُّه الله ، ولا كراهة لغير ما يكرهه الله ، ومن كان كذلك ، لم تنبعثْ جوارحُهُ إلاّ بطاعة الله ، وإنَّما تنشأ الذُّنوب من محبَّة ما يكرهه الله ، أو كراهة ما يُحبه الله ، وذلك ينشأ من تقديم هوى النَّفس على محبَّة الله وخشيته ، وذلك يقدحُ في كمال التَّوحيد الواجبِ ، فيقعُ العبدُ بسببِ ذلك في التَّفريط في بعض الواجبات ، أو ارتكابِ بعضِ المحظوراتِ ، فأمَّا من تحقَّق قلبُه بتوحيدِ الله ، فلا يبقى له همٌّ إلا في الله وفيما يُرضيه به ، وقد ورد في الحديث مرفوعاً : ( من أصبح وَهمُّه غيرُ الله ، فليس من الله ) (2) ، وخرَّجه الإمام أحمد من حديث أبيِّ بن كعب موقوفاً قال : مَن أصبح وأكبر همِّه غيرُ الله فليس من الله . قال بعض العارفين : من أخبرك أنَّ وليه له همٌّ في غيره ، فلا تُصدِّقه .
كان داود الطائي يُنادي بالليل : همُّك عَطَّل عليَّ الهمومَ ، وحالف بيني وبين السُّهاد ، وشوقي إلى النَّظر إليك أوثق مني اللذات ، وحالَ بيني وبين الشهوات ، فأنا في سجنك أيها الكريم مطلوب (3) ، وفي هذا يقول بعضهم :
قالوا تشاغَلَ عنَّا واصطفى بدلاً . منَّا وذلك فعلُ الخائن السالي
وكيف أشغلُ قلبي عن محبتكم . بغير ذِكركُم يا كُلَّ أشغالي
__________
(1) ذكره : ابن الجوزي في " مناقب عمر " : 225 عن الشعبي ، عن علي ، به مطولاً .
(2) أخرجه : الحاكم 4/320 عن عبد الله بن مسعود ، به .
وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/48 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 1585 ) و( 10586 ) ، وطبعة الرشد ( 10101 ) و( 10102 ) عن أنس بن مالك ، به ، وهو حديث ضعيف لا يصح .
(3) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 7/356 – 357 .