الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
من طرف الرسالة الثلاثاء 11 ديسمبر 2018 - 3:20
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الثالث : الأمراض الجزئية
الفن الرابع : أحوال الأذن : وهو مقالة واحدة
● [ فصل في تشريح الأذن ] ●
اعلم أن الأذن عضو خلق للسمع، وجعل له صدف معوج ليحبس جميع الصوت، ويوجب طنينه، وثقب يأخذ في العظم الحجري ملولب معوج، ليكون تعويجه مطولاً لمسافة الهواء إلى داخل مع قصر تحته، الذي لو جعل الثقب نافذاً فيه نفوذاً مستقيماً لقصرت المسافة، وإنما دبر لتطويلِ المسافة إليه لئلا يغافص باطنه الحر والبرد المفرطان، بل يَرِدان عليه متدرجين إليه.َ وثقب الأذن يؤدي إلى جوبة فيها هواء راكد، وسطحها الإنسي مفروش بليف العصب السابع الوارد من الزوج الخامس من أزواج العصب الدماغي، وصلب فضل تصليب لئلا يكون ضعيفاً منفعلاً عن قرع الهواء، وكيفيته. فإذا تأذى الموج الصوتي إلى ما هناك، أدركه السمع. وهذه العصبة في أحوال السمع كالجليدية في أحوال الأبصار. وسائر أعضاء الأذن كسائر ما يطيف بالجليدية من الطبقات، والرطوبات التي خلقت لأجل الجليدية. ولتخدمها، أو تقيها، أو تعينها. والصماخ كالثقبة العنبية. وخلقت الأذن غضروفية، فإنها لو خلقت لحمية أو غشائية، لم تحفظ شكل التقعير والتعريج الذي فيها، ولو خلقت عظمية لتأذت ولآذت في كل صدمة، بل جعلت غضروفية لها مع حفظ الشكل لين انعطاف، وخلقت الأذن في الجانبين، لأن المقدم كان أوفق للبصر كما علمت، فأشغل بالعين، وخلقت تحت قصاص الشعر في الإنسان لئلا تكون تحت ستر الشعر وستر اللباس. وهذا العضو يعرض له أصناف الأمراض، وربما كانت أوجاعها قاتلة، وكثيراً ما يعرض من أمراضها حمياتَ صعبة.
● [ فصل في حفظ صحة الأذن ] ●
يجب أن يعتنى بالأذن، فتوقى الحر والبرد والرياح والأشياء الغريبة المفرطة، لئلا يدخلها شيء من المياه، والحيوانات، وأن ينقى وسخها، ثم يجب أن يدام تقطير دهن اللوز المر فيها، في كل أسبوع مرة، فإنه عجيب. ويجب أن يراعى لئلا يتولّد فيها أورام، وبثور، وقروح.، فإنها مفسدة للأذن. إن خيف أن يحدث بها بثور، استعمل فيها قطور من شياف ماميثا في خلّ. وفي تقطير شياف ماميثا فيها في لك أسبوع مرة أمان من النوازل أن تنزل إليها. ومما يضرّ الأذن وسائر الحواس التخمة والامتلاء، وخصوصاً النوم على الامتلاء.
● [ فصل في آفات السمع ] ●
إن آفات السمع كآفات سائر الأفعال، وذلك لأن آفة كل فعل هو، إما أن يبطل الفعل فيكون نظيره ههنا بطلان السمع، أو ينقص، فيكون نظيره ههنا أن ينقص السمع، فلا يستقصى، ولا يسمع من بعيد، أو يتغير فيكون نظيره ههنا أن يسمع ما ليس، مثل ما يعرض في الأذن من الدوي، والطنين، والصفير. واعلم أن آفة السمع، إما أن تكون أصلية، فيكون صمم، أو طرش، أو وقر ولادي، وإما أن تكون عارضة. ومعنى الصمم غير معنى الطرش، فإن الصمم أن يكون الصماخ قد خلق باطنه أصمّ، ليس فيه التجويف الباطن الذي ذكرناه، الذي هو كالعنبة المشتملة على الهواء الراكد، الذي يسمع الصوت بتموجه. وأما الطرش، والوقر، فهو أن لا تبلغ الآفة عدم الحسّ منها، ولا يبعد أن يكون الوقر كالبطلان العام للصمم، ولا أن يكون هناك تجويف، لكن العصبة ليست تؤدي قوة الحس، والطرش كالنقصان من غير بطلان، أو أنُ يتواطآ على العكس في الدلالة، والطرش كثيراً ما يعرض عقيب القذف، وهو سهل الزوال. وفقدان السمع، منه مولود طبيعي ، علاج له، وكذلك سائر أصناف الوقر والطرش، منه مولود طبيعي أيضاً لا علاج له، ومنه حادث، لكنه إن طال عهده، فهو مزمن، وذلك أيضاً قريب من اليأس أو عسر العلاج. وأما الحادث القريب العهد من الطرش، فقِد يقبل العلاج. وأما أسباب ذلك، فقد يكون من مشاركة عضو، مثل ما يكون من مشاركة الدماغ، أو بعض الأعضاء المجاورة له كما يقع لخد أول نبات الأسنان، وكما يقع عند أوجاع الأسنان، وقد يكون لآفة خاصة في السمع، إما العصبة، وإما الثقبة.
أما الآفة في عصب السمع، فقد تعرض لجميع أسباب الأمراض المتشابهة الإجزاء فيها والآلية وانحلال الفرد. أما الأمراض المتشابهة الأجزاء فيها، فكل واحد من أصناف سوء المزاج المفرد. والمركب أكثره من برد، وقد يكون كل واحد من ذلك تغير مادة، وقد يكون مع مادة سوداوية، أو صفراوية، أو بلغمية من بلغم فج، أو ريحية. وكثيراً ما يحتبس إسهال مراري، فيعقبه صمم، ولا يبعد أن يكون كذلك في إسهالات أخرى وقعت بالطبع، فحبست ومنعت في الوقت. وأما الآلية في العصب، فمثل سدة يوجبها خلط، أو مدة، أو ورم دبيلة، أو ورم حار، أو صلب، أو غشاوة من وسخ، أو ترهل، أو نفخة. وانحلال المفرد منها قد يكون من قرحة أو تأكل. وأما الكائن بسبب المجرى، فأكثره عن سدة بسبب بدني، أو بسبب من خارج، والبدني مثل ثؤلول، أو ورم، أو لحم زائد، أو دود، أو كثرة وسخ، أو خلط غليظ، أو صملاخ، أو جمود مدة من ورم انفجر، أو دود.
وأما الخارجي، فمثل رمل، أو حصاة، أو نواة يدخلها، أو جمود دم سال عن الأذن بعضه وبقي بعضه، وذلك قد يقع بغتة، وقد يعرض قليلاً قليلاً، وقد تعرض آفة للسمع على طريق البحران، وعلى سبيل انتقال المادة في آخر الأمراض الحادة، وعندما يبقى بعد زوال الحمى ثقل الرأس. وقد تكون الآفة التي هي من هذا الباب، إما على سبيل عرض يزول كما يكون عند حركات البحران، وإما على سبيل عارض ثابت، بأن يكون هو من نفس دفع البحران، أعني أن يكون البحران قد دفع المادة إلى ناحية الأذن، فاقرها فيها ليس إنما يخبرها بها على سبيل المجاورة، وكثيراً ما تنذر هذه العرضية بقيء أو رعاف، وكثيراً ما يبطله الإسهال.
العلامات:
أما الكائن بشركة الدماغ، فيدلّ عليه الحال في الحواس الأخرى، ومشاركتها السمع فيه، ومشاركة قوى الحركة أيضاً إياه. وأدل الدلائل عليه مشاركة اللسان، وخصوصاً إذا كان عقيب السرسام، وعقيب اختلاط العقل، وبعد آفات دماغية مزاجية وغيرها مما قيل في باب الدماغ. وأما إذا كان خاصاً بالعصب، فيستدل عليه بسلامة الدماغ والثقبة، وسلامة منافذ السمع، والعهد باستمرار سلامة السمع من قبل، وإن كان السبب دبيلة، أو ورماً حارفاً في نفس العصب، دل عليها الحميات يكون معها نافض وقشعريرة، ويلزمها حمى، واختلاط عقل، وهذيان، وفيه خطر، إلا أن ينفتح، فإن لم يكن الورم في نفس العصبة، لم يجب أن يكون حمى، إلا على حكم حتى يوم، وكان تمدد، ووجع، وثقل، وضربان. وأما الوجع الثقل، فيشترك فيه جميع ما كان من ورم ومادة حيث كان، وإن كان السبب رياحاً، دل عليها دوي، وطنين غير مفارق للثقل، وإن كان قرحة يثور، فيدل عليه حكة مع الوجع.
وأما السدة، فقد تكون كثيراً بلا ثقل، وقد تكون مع ثقل، وإذا لم يكن ثقل وكانت آفة، ولم يكن هناك. سوء مزاج قاهر، فهو من السدة، والتدبير المتقدم قد يدل عليه، فإن كانت السدة من دمل ونحوه، دل عليها الضربان، وإن كانت من دم دل عليها سيلان الدم المتقدم وما كان من سوء مزاج مفرد دل عليه وجع في العمق بلا ثقل ولا تمتد، فإن كان بارداً تأذى بالباردات، واشتد في أبرد آخر النهار، وإن كان حاراً كان بالضد وأحس بالتهاب ولذع، فلا كان هناك مادة، أحس مع ذلك بثقل، وخصوصاً عند السجود. وما كان من يبس، فعلامته أنه يكون بعد السهر، والصوم، ومع ضمور الوجه، والعين، وما كان سببه الدود، دل عليه دوام الدغدغة مع خروج الدود في الأحيان.
المعالجات:
نقول أولاً: أنه يجب أن يكون جميع ما يقطر في الأذن فاتراً، غير بارد، ولا حار. هذا قول كلي، ثم نفضل الأمر فيه، فأما المراري منه فيجب أن يستفرغ فيه المرار بالمسهل، فإنه كثيراً ما يقع فيه إسهال مراري بالطبع، فيزول معه الصمم، كما أنه كثيراً ما يعرض اختلاف مراري فيحبس فيعرض صمم.
وأما إذا كان هناك حرارة فقط، فالمبردات من الأدهان وغيرها، أو تعصر رمانة، ويعاد عصيرها في قشرها مع شيء من خل، وكندر، ودهن ورد، ويطبخ حتى يقوم ويقطر فيها، أو يقطر فيها ماء الخس، أو ماء عنب الثعلب.
وأما الكائن عن برد ومادة باردة، فينفع منه جميع الأدهان الحارة، والمفتق فيها جندبيدستر، وخاصة ثمن البلسان والقسط، أو دهن اللوز المر، وعصارة الأفسنتين، ودهن البابونج مع شحم البقر ومرارة الثور، أو دهن حل مطبوخ فيه شحم الحنظل، أو أصوله. وقد ينقع بول الثيران، إذا ديف فيه المر، وجعل قطوراً أو عصارة قثاء الحمار، وذلك كله بعد استفراغ المادة الباردة، إن كانت محتقنة بما تعرفه من الاستفراغات العامة للبدن والخاصة بناحية الرأس، وبعد استعمال النطولات التي تعرفها لها، وخصوصاً ما يقع فيه ورق الدهمست وحبه.
والرياضة شديدة المنفعة في ذلك، وكذلك الصياح الشديد في الأذن، وأصوات البوقات ونحوها، وربما جعل القمع في الأذن ليصل إليها فيه البخار من المطبوخات المحللة. وينفع من جميع ذلك البخار من المطبوخات المحللة، وينفع من جميع ذلك عصارة الساب مع عسل، أو جندبيدستر، ودهن الشبث، وبول المعز، ومرارة المعز، خصوصاً مع القنة. ومما جرب في ذلك أن يؤخذ من الجندبيدستر وزن ثلاثة دراهم، ومن النطرون وزن درهم ونصف، ومن الخربق درهم ونصف، ويتخذ منه كالأقراص، ويستعمل قطوراً. وفي نسخة من الخربق ثلاثة أرباع درهم، ومن النطرون ثلث درهم، وأيضاً يؤخذ من الكندس والزعفران والجندبيدستر بالسوية جزء جزء، ومن الخربق والبورق من كل واحد أربعة أجزاء، ويذاب بالشراب، ويستعمل أو يؤخذ صبر، وجندبيدستر، وشحم الحنظل، وفربيون بمرارة البقر. وقد جرب ودهن الفجل، ودهن الميوزج، فكان شديد النفع، أو عصارة الأفسنتين، أو طبيخه، أو عصارة الفجل بالملح، وخصوصاً إذا كانت بلة وسدة. وقد جرب ذلك أن يتخذ فتيلة من خردل مدقوق بالتين، وربما زيد فيه النطرون. وتقطير ماء البحر فيها حاراً نافع.
والخربق الأسود والمرارات نافعة، وخصوصاً مرارة العنز بدهن الورد. وقد زعم بعضهم أنه إذا أغلي الأبهل في دهن الحل في مغرفة مقدار ما يسود الأبهل، كان قطوراً نافعاً من الصمم. ومما ينفع دهن الشبث، أو الغار، أو السوسن، أو الناردين بجندبيدستر، أو رغوة الأفسنتين، أو عصير السذاب.
وأما الكائن بسبب اليبس، فالعلاج ملازمة الحمام، والغذاء، والشراب المرطب، وصبّ الدهن المعتدل، والماء الفاتر على الرأس، والسعوط بمثل دهن النيلوفر، والخلاف، وحب القرع، وغيره. وأما الكائن بسبب السدة، فيعالج بما ذكر في باب السدة، وينفع منه عصارة حب الشهدانج، وعصارة الحنظل الرطب منفعة جيدة. وإذا وقع الطرش بغتة، فقد ينتفع فيه بماء طبخ فيه الأفسنتين، أو عصارة الأفسنتين، وخلط به مرارة الثور، أو مرارة الشبوط، أو مرارة السلحفاة، أو مرارة الثور بدهن، أو خربق مع خلّ، أو سلخ الحية مع الخل. وأما الكائن عقيب الصداع، فينفع منه ماء الفجل، ودهن الورد، أو جندبيدستر مع حب الغار بدهن الورد. والكائن عقيب السرسام، يجب أن يبدأ فيه بالاستفراغ بأيارج فيقرا، ثم يقذر فيه جندبيدستر في دهن القسط، أو دهن وحدة، أو دهن اللوز الحلو، أو ماء الفجل، ودهن الورد، أو جندبيدستر مع الغار بدهن الورد. ومن الحبوب المجرّبة لما يكون من ستة، ومن خلط، أو ريح، أن يؤخذ من التربد عشرون درهماً، ومن الحنظل عشرة دراهم، ومن الأنزروت درهمان ونصف، ومن الكثيراء سبعة دراهم، ومن الهليلج عشرة دراهم، يتخذ منه حب شبيار، والشربة منه وزن درهم.
ونقول كالعائدين إلى رأس الكلام، أن جميع ما هو كائن من ثقل السمع، وأوجاعه، ورياحه، ودويّه، وطنينه بسبب مادة باردة وبرد، فمن الأدوية المشتركة لجميع ذلك بعد تنقية الرأس، أن يقطر في الأذن بورق بخلّ وعسل، ومرارة الضأن مع الزيت والشراب، أو مع دهن اللوز المرّ، أو ماء الكرّاث وماء البصل بعسل، أو لبن امرأة. وأدوية مشتركة ذكرت في باب الأوجاع، وقطرتان من قطران غدواً وغشياً، أو خربق أسود وأبيض ببعض الأدهان، وخصوصاً بدهن السوسن، أو ماء الأفسنتين، وماء قشور الفجل، وكذلك دهن طبخ فيه سلخ الحية، أو حب الغار، أو فربيون وجندبيدستر بدهن، أو دهن البلسان، أو النفط، أو يؤخذ من علك الأنباط أوقية، ومن دهن الخيري أوقيتان، ومن دهن اللوز المر نصف أوقية، يغلى الجميع معاً، ويستعمل منه ثلاث قطرات بكرة، وثلاث قطرات عشية، وكذلك عسل لبني بدهن الخيري، وكذلك ماء ورق الحنظل الطري. وعصارة اللوف والهزارجشان شديدة القوة جداً. وأدوية مشتركة ذكرت في باب الأوجاع. وإن عرض مثل هذا للصبيان، انتفعوا بدهن الدادي المطبوخ فيه السذاب والمرزنجوش، أو بزاق من مضغ السعتر بالملح الانحرافي وحده. ومن الكمادات النافعة ما كان بطبيخ البابونج، والشبث، وورق الغار، والمرزنجوش، والحبق اليابس، والعاقر قرحا، تكمد به العين وأسفل الأذن. وكذلك النطولات المذكورة في باب الرأس، تجعل في بلبلة، وتحاذي ، بإذائها الأذن ليدخل منها بخارها. والاستفراغ لأجل الطرش، الأوفق فيه أن يكثر عدده، ويقلّل مقداره كل مرة ليتحفظ القوة ويوافي النضج. وأما الكائن بسبب الأورام، فيعالج الحار منها والبارد بما علمت، ولا حاجة بنا أن نكرّر.
● [ فصل في وجع الأذن ] ●
وجع الأذن، إما أن يكون من سوء مزاج، أو يكون بسبب ورم، أو بثر، أو يكون بسبب تفرق اتصال. فسوء المزاج، إما حار بلا مادة، بل مثل ما يكون بسبب هواء حار وريح حارة، وخصوصاً إذا انتقل إليه عن البرد دفعة، أو اغتسال بماء حار دخل في الأذن، أو ماء من المياه التي تغلب عليها قوة حارة، وإما حار بمادة دموية أو صفراوية، وإما بارد بلا مادة، بل بسبب من الأسباب المضادة للأسباب المذكورة من هواء، أو ريح باردين، وخصوصاً إذا انتقل إليهما عن حرّ فجأة، أو ماء بارد، أو ماء يغلب عليه شيء بارد، وإما بارد بمادة ريحية باردة أو خلطية لحجة. وأما الكائن بسبب أورام أو بثور، فإما أن تكون أوراماً حارة، أو باردة.
وأما الكائن بسبب تفرّق الاتصال، فمثل ريح تمدد، أو قروح وجراحات. ومن جملة أسباب أوجاع الأذن المفرقة للاتصال، ريح يتولّد فيها، أو ماء يدخل فيها، أو حيوان يخلص إلى صماخها، أو دود يتولد فيها، وقد يكون عقيب سقطة، أو ضربة.
وأصعب أوجاع الأذن ما كان عن ورم حار غائص، وذلك يكون مع حمى لازمة، خصوصاً إذا أدى إلى اختلاط العقل. وأما ما كان في الغضاريف الخارجة، فلا يكون هناك شدة وجع ولا شدّة خطر.
وأما المذكور أولاً، فربما قتل بغتة كما تقتل السكتة، وهو أقتل للشاب منه للشيخ، وأسرع قتلاً له، فربما قتل في السابع، وأما أكثر المشايخ، فيتقيح فيهم هذا الورم، ولكن الشبان يقتلهم كثيراً قبل التقيح، فإن قاح وكانت هناك علامات محمودة رجي الخلاص. ووجع الأذن قد يكون مع حكة، وقد يكون بلا حكة، وقد ذكرنا للحكة في الأذن باباً في موضعه.
العلامات:
أما العلامات، فمثل العلامات المذكورة في باب الطرش.
المعالجات:
يجب أن يحفظ القانون في تقطير ما يجب أن يقطر في الأذن، هو أن يكون غير شديد الحرّ والبرد. وأما إن كان السبب امتلاء في البدن، أو في الرأس، فيجب أن تستفرغ ناحية الرأس من جنس ذلك الامتلاء، فإن كان حاراً فالفصد والإستفراغ الذي يكون بمنقّيات الرأس عن المادة الحارة على ما عرفته، فإن كان الخلط خَلَطاً لزجاً لحجاً فبحبوب الشبيار المعروفة والغراغر. وإن كان لحجاً مستكناً في ناحية الأذن، فيجب أن يشتغل من بعد الإسهال أيضاً بالأبخرة المليّنة، والقطورات الملينة، ثم يقصد مرة أخرى بما يستفرغه من العضو.
وإن كان السبب حرارة مفرطة، فيجب أن يبرّد الدماغ بالمطفئات المعروفة المذكورة في باب الدماغ، وإن كان يقطر في الأذن دهن الورد مفتراً، وبياض البيض، فإن كان الوجع شديداً خلط به كافور، وربما كان دهن البنفسج مع الكافور أسكن للوجع من دهن الورد لإرخاء فيه، وأيضاً بقطر في الأذن الشيافات المسكنة لأوجاع العين ببياض البيض ونحوه، فإن لبياض البيض وحده خاصية عجيبة، أو اللبن بماء عنب الثعلب، وماء الكزبرة. وخير اللبن ما حلب من الضرع، فهو نافع جداً. أو يغلى الخراطين في دهن ورد، ويقطر في الأذن أو يطبخ الحلزون، في دهن الورد ويَقطر فيها، أو يطبخ دهن الورد في ثلاثة أمثال خلّ خمر، حتى يذهب الخلّ ويبقى دهن الورد، ويستعمل ذلك قطوراً، فإنه نافع جداً من الحار، ومن الضرباني، وكذلك دهن حب القرع، ودهن النيلوفر، ودهن الخلاف، وأمثال ذلك. وكذلك العصارات التي تشبه عصارة القرع من جرمه، ومن ورقه، وكذلك الضمادات المبرّدة من خارج.
وقد ذكر بعضهم أن ماء اللبلاب جيّد جداً في مثل هذه الحال، وعصارة الشهدانج الرطب، وإذا اشتدّ الضربان والوجع وخيف منه التشنج، لم يكن يدمن المرخيّات، وليس كسمن البقر العتيق مسخناً، وربما كفى الخطب فيه إدخال أنبوبة في الأذن تهندم على قمقمة، فيها ماء حار ليتأدّى البخار إلى الأذن، فربما سكن وأغنى عن غيره، وأغنى عن المخدرات، وخصوصاً إذا كان الماء مطبوخاً فيه ما يرخّي برفق، وكان أيضاً مخلوطاً بشيء مما يخدر. وإذا احتيج إلى مخدر، فأسلمه شياف ماميثا مع شدة من أفيون، يسحق، ويخلط بلبن النساء، ويقطر في الأذن. وإن كان دخول الماء فيه، عولج بما ذكر في بابه.
وإن كان السبب برودة متمكّنة في العمق، أو من خارج، فيجب أن تكون القطورات من الأدهان الحارة مثل دهن السذاب، ودهن الشبث، ودهن السنبل الرومي، ودهن الغار، ودهن الأقحوان، ودهن البلسان، ودهن الخروع، وما أشبه ذلك. أما مثل زيت طبخ فيه ثوم وصفّي، أو زيت مع فلفل وفربيون وجندبيدستر، أو غالية مقدار دانق في مثقال دهن بان، أو دهن آخر من الأدهان الحارة العطرة، وربما شرب صاحب هذا الوجع شراباً صرفاً قوياً، ونام وانتبه وما به قلبة.
وإن كان السبب فيه ريحاً باردة، فينقع منه ما نذكره في باب الدويّ والطنين، وما ذكرناه في باب ما يكون سببه خلطاً لحجاً، وما يكون سببه برداً. ومما يليق بذلك أن يملأ محجمة ماء حاراً، وتلصق حوالي الأذن، وأن يقطر فيها سذاب وحماماً بعسل، أو قيصوم، ومرزنجوش في دهن السوسن، أو جندبيدستر معها بعد أن يطبخ فيه ويصفّى، أو نطرون وخل بدهن الورد، أو عصارة اللوف. وإن احتيج إلى ما هو أقوى، فمثل أوفربيون وجندبيدستر بدهن القسط أو قسط بحري وزراوند. وقد ينفع منه التكميد بالجاروش، واللبد المسخّن.
وإن كان السبب فيه بثوراً، فما نذكره في باب بثور الأذن. وإن كان السبب فيه دوداً، فما نذكره في باب الدود المتولّد في الأذن. وإن كان السبب فيه دخول شيء من ماء أو حصاة، فما نذكر هناك. وإن كان السبب فيه ورماً حاراً غائصاً، وهو مخاطرة لقربه من الدماغ إلى أن يجتمع ويتقيح، فبعد الفصد والاستفراغ يجب أولاً، أن يستعمل المليّنات المبرّدات، وخصوصاً اللبن مرة بعد أخرى إلى اليوم الثالث، وكذلك دهن الورد المطبوخ بالخلّ المذكور في الأوائل، ثم لعاب الحلبة، ولعاب بزر الكتان، ولعاب بزر المر، وفي اللبن وماء اللبلاب مما ينفع في مثل هذا الوقت، وقد جرب فيه السمسم المدقوق، ثم يستعمل دائماً الكمّاد بزيت إلى الحرارة ما هو، ويجب أن يكون الزيت عذباً، ويكون مع ذلك فاتراً، يغمس فيه قطنة ملفوفة في طرف ميل دقيق، وتجعل في الأذن مرة بعد مرّة، ويضمّد من خارج بالملينات المنضجة.
فإن لم يكن شديد القوة إذا كان جاوز الابتداء، فيجب أن يقطر في الأذن شحم الثعلب، أو الورل، أو الباسليقون بدهن الورد، أو بدهن الحناء، أو شحم البطّ، أو شحم الرخمة، أو مرهم من شحوم الدجاج، أو البط، وإذا لم يكن الورم شديد الحرارة، استعمل فيه دواء متخذ من شحم العنز مذاباً مخلوطاً بأجزاء سواء من العسل، والميبختج، والزوفا، كل واحد منها مثل إهال ذلك الشحم، ويجعل في الأذن. ومما هو أقوى من ذلك، وينضج بقوة، مرتك وإسفيذاج، من كل واحد أوقية، كندر غبار الرحا ريتبانج من كل من واحد ثلاث أواق، زيت رطل، شحم الخنزير أو شحم الماعز الطري رطلان، عصارة بزر الكتان مقدار الكفاية، يتخذ منه مرهم. وربما احتيج إلى المخدرات، فلتستعمل على النحو الذي سنذكره، وإذا استحال إلى المدة، فلتستعمل لعاب بزر كتان مع دهن الورد، أو دهن البابونج، وسائر ما نقوله في بابه. وأما إن كان الورم خارج الأذن، فهز قليل الخطر، ويعالج بدقيق الشعير، والضمّاد المتّخذ من دقيق الباقلا جيد جداً، وهو دقيق الباقلا، والبابونج، والبنفسج، ودقيق الشعير، والخطمي، وإكليل الملك، يدقّ، وينخل، ويبلّ بماء فاتر، ودهن بنفسج، وربما اكتفي بعنب الثعلب، ودهن الخلّ، ودقيق الحنطة. وأما البثور التي تكون في الأذن، فربما كفى الشأن فيها طبيخ التين بالحنطة إذا قطّر في الأذن، أو جعل منه فتيلة، وربما سكّن الوجع استعمال الأنبوبة على النحو الذي ذكرناه، وربما كفى في التخدير وتسكين الوجع ما ذكرناه عقيب ذكر الأنبوبة في هذا الفصل. ومن الأدوية المشتركة لأوجاع الأذن، وخصوصاً التي تميل إلى البرد زيت أنفاق أغلي فيه خنافس، أو خراطين، أو الدود الذي يكون تحت الجرار، أو مرارة السمك بزيت أنفاق، أو شحم ورل، أو ثعلب، أو رخمة، أو كركي، أو دهن العقارب، فإنه نافع جداً. أو ماء المرزنجوش الطري، أو سلاقة ورق الغرب، وقشوره، أو سلاقة الخراطين في مطبوخ مرّ صفّى، مذاب فيه شحم البط، وإن كان إلى البرد شديداً، فتطبخ مرارة الثور في دهن الخيري إلى أن يظنّ أن المرارة قد تحلّلت وفنيت، ثم يرفع ذلك، ويستعمل قطوراً، فإنه عجيب. وربما احتيج في معالجات الأوجاع الشديدة في الأذن إلى استعمال المخدرات، وذلك مثل شيء من الفلونيا بلبن، وكذلك أقراص الزعفران، وأقراص الكوكب، أو أفيون وجندبيدستر، وزعفران بلبن امرأة. ويجب أن يؤخر ذلك إلى أن يخاف الغشي، وخصوصاً إذا كانت أخلاطاً باردة، فإن ذلك ضارّ لها جداً. فإن حدث ضرر من استعمال المخدرات، فاستعمل الجندبيدستر بعد ذلك وحده، وقد يتخذ أقراص من جندبيدستر تسحق بالغاً، ثم يلقى عليه الأفيون سحقاً، ثم يتخذ منه أقراص بشراب صرف. وإن كان هناك قرحة مؤلمة جداً، فاستعمل الحضض، والأفيون باللبن، أو يؤخذ عشرون لوزة مقشّرة، وأفيون وبورق، وكندر، من كل واحد درهم ونصف، وستة دراهم زعفران، وقنة، ومرّ من كل واحدة درهم ونصف، يجمع ويسحق بخل ثقيف ويجفف، وعند الحاجة يبلُّ بدهن الورد، ويقطر، فإن كان هناك مدة، فبدل الخل خمر، أو عسل، أو سكنجبين، وغير ذلك من الأدوية حسب ما بيناه.
● [ فصل في الدوي والطنين والصفير ] ●
هذه الحال هي صوت لا يزال الإنسان يسمعه من غير سبب خارج وقياسه إلى السمع قياس الخيالات والظلم التي يبصرها الإنسان من غير سبب من خارج إلى العين، ولما كان الصوت سببه تموّج يعرض في الهواء يتأدّى إلى الحاسة، فيجب أن يكون في هذا العرض الذي نتكلم فيه من الدوي والطنين حركة من الهواء، وإذ ليس ذلك الهواء هواء خارجاً، فهو الهواء الداخل، والهواء الداخل، هو البخار المصبوب في التجاويف، وهذا التموّج، إما أن يكون خفياً لا يكاد يعرى عنه البخار المصبوب في البطون، أو يكون أكثر من ذلك، فإن كان خفياً، ومن الجنس الذي يعسر الخلو عنه، فإذا كان يعرض في بعض الأبدان أن يسمع عن مثله دوي وطنين، ولا يعرض في بعضها، فذلك إما لسبب ذكاء الحس في بعضها دون البعض على قياس ما قلناه في تخيل الخيالات، أو لضعفه، فيفعل عن أدنى تموج كما يصيب الضعيف برد أدنى برد، وحر عن أدنى حر.
وأصناف الضعف هو ما علمته من أصناف سوء المزاج، وإن كان فوق الخفي، وفوق ما يختلف فيه القوي والضعيف، فسببه وجود محرك للبخار ومموج له فوق التحريك والتموج المعتاد، والمموج للبخار، أما ريح متولدة في ناحية الرأس المتحركة فيه، أو نشيش من الصديد الذي ربما تولد فيه، وغليان من القيح في نواحيه، أو حركة من الدود الحادث كثيراً في مجاريه. والسبب السابق لهذه الأسباب، إما اضطراب يغلي أخلاط البدن كله، كما يكون في الحميات، وفي ابتداء نوائب الحميات، وأما امتلاء مفرط في البدن، أو خاصة في الرأس كما يكون عقيب القيء العنيف، وكما يكون عقيب صدمة أو ضربة. وقد يكون ذلك لا سبب اضطراب الحركة، بل بسبب مادة لزجة تتحلل ريحاً يسيراً، فيدوم ذلك، وقد يكون لشدة الخوي، وذلك أيضاً لاضطراب يقع في الرطوبات المبثوثة في البدن الساكنة فيه إذا لم تجد الطبيعة غذاء، فأقيلي عليها تحللها وتحركها، وربما حدث الدوي والطنين عقيب أدوية من شأنها أن تحبس الأخلاط والرياح في نواحي الدماغ. وسبب هذا الدوي، ربما كان في الأذن نفسها، وربما كان لمشاركة المعدة وأعضاء أخرى ترسل هذه الرياح إليها.
العلامات:
أما المواصل الدائم منه، فالسبب فيه متسكن في الرأس، فإن كان يسكن، ثم يهيج بحسب امتلاء، أو خوى، أو حركة، وعند اشتداد حر، أو برد، فهو بمشاركة، ثم هيئة الصوت تدل عليه، فإنه يكون تارة كأنه صوت شيء يغلي إلى فوق، وأكثره بمشاركة البدن أو المعدة، أو كأنه صوت شيء يدور على نفسه، وكحفيف الشجر، فذلك يدل على استكان ريح، فإن كان هناك حمى ووجع أدى إلى قشعريرة دل على اجتماع قيج، وإذا كان تكوينه على سبيل تولد بعد تولد خفي متصل، فهو لخط لزج، وأما الذي لذكاء الحس، فيدل على فقدان أسباب الرياح والامتلاء، وبقاء السمع وهيجانه عند الخوى والجوع.
وأما الكائن عن يبوسة، فيكون عقيب الاستفراغات والحميات، والكائن عن ضعف فتعلمه من الإفراطات الماضية، وربما كان من مزاج حار، فيكون دفعة ومع التهاب، والبارد بالخلاف.
المعالجات:
جميع هؤلاء يجب أن يجتنبوا الشمس، والحمام، والحركة العنيفة، والصياح، والقيء، والامتلاء، وأن يلينوا الطبيعة، أما الكائن بالمشاركة، فيجب أن يقصد فيه فصد العضو الفاعل له، وخصوصاً المعدة، فتنقى، ويقصد الدماغ والأذن فيقويان، أما الدماغ فبمثل دهن الآس، وأما الأذن، فبمثل دهن اللوز ونحوه، وينظر في ذلك إلى المزاج الأول، ويقصد لمعونته على القولين المعلومين، وكذلك الكائن من الامتلاء، فيجب أن ينقى البدن أو الرأس بما يعلم ويلطف التدبير. وأما البحراني فلا يجب أن يحرك، فإنه يزول بزوال الحمى. وأما الكائن لذكاء الحس، فمن الناس من يأمر فيه بالمخدرات، مثل دهن الورد المطبوخ بالخل المذكور أمره مع قليل أفيون، أو الممزوج بدهن البنج، أو الشوكران مسحوقاً بجندبيدستر بدهن. وأصلح ما أمروا به أن يؤخذ حب الصنوبر وجندبيدستر، ويسحقن في خل ويقطر. وأما الكائن عن قيح، فيعالج بعلاج الورم والقيح. وأما الكائن في الناهقين ولمن يبس مزاجه فإن كان السبب يبساً، فالتغذية، والترطيب بالأدهان المعتدلة المائلة إلى البرد، أو الحر بحسب الحاجة.
وإن كان السبب الضعف، فاستعمال ما يعدل المزاج العارض من القطورات المذكورة. وأما إن كان السبب مادة اندفعت إليها في حال السرسام، أو خلطاً لزجاً، فجميع الأشياء المذكورة في باب الوجع والطرش، ومما يخص الذي يعقب السرسام والحميات خاصة، عصارة الأفسنتين بدهن الورد، أو بالخل ودهن السوسن، فإنها معالجة صالحة، أما الذي عن خلط لزج بارد، فيخصه قرص مجرب في هذا الشأن، نسخته: يؤخذ من الخربق الأبيض ثلاثة دراهم، ومن الزعفران خمسة دراهم، ومن النطرون عشرة، يتخذ أقراصاً ويستعمل، ومن الأدوية المشتركة الجامعة المجربة لما كان عن ضعف، أو كان عن سدة، أو خلط، أن يؤخذ من القرنفل ومن بزر الكراث، من كل واحد نصف درهم، ومن المسك دانق، يقطر بماء المرزنجوش، والسذاب، أو بالشراب، وكذلك طبيخ ورق الصنوبر، وطبيخ ورق شمشار، وطبيخ ورق الغار، ويجب أن يجتنب في جميعها العشاء. قال بعض العلماء المتقدمين: أنه لا شيء أنفع للصفير من دواء الفوتنج الموصوف للحفظ، فإنه أنفع ما خلق اللّه تعالى لذلك، وينفع منه قطور متخذ من الزوفا بورق الصنوبر، وحبّ الغار. وليتأمل ما قيل في باب الطرش والوجع من معالجات مشتركة وخصوصاً الباردة حسب ما أنت تعلم ذلك.
● [ للفن الرابع بقية فتابعها ] ●
القانون فى الطب لإبن سينا
الكتاب الثالث: الأمراض الجزئية
منتدى حكماء رحماء الطبى - البوابة