الحديث الثامن عشر
الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
- مساهمة رقم 1
الحديث الثامن عشر
عَنْ أَبي ذَرٍّ ومعاذِ بن جَبَلٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - : أنَّ رَسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( اتَّقِ الله حَيثُمَا كُنْتَ ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الحَسَنَةَ تَمحُهَا ، وخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ).
الشرح
الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
- مساهمة رقم 2
تابع شرح الحديث الثامن عشر
● [ الصفحة التالية ] ●وقد أخبر الله في كتابه أنَّ من تاب من ذنبه ، فإنَّه يُغفر له ذنبه أو يتاب عليه في مواضع كثيرةٍ ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ } (1) ، وقوله : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (2) ، وقوله : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } (3) ، وقوله : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } (4) ، وقوله : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً } (5) ، وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ } (6) . الآيتين .
قال عبدُ الرازق : أخبرنا جعفرُ بنُ سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : بلغني أنَّ إبليسَ حين نزلت هذه الآية { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } ، بكى(7)
__________
(1) النساء : 17 .
(2) النحل : 119 .
(3) الفرقان : 70 .
(4) طه : 82 .
(5) مريم : 60 .
(6) آل عمران : 135 .
(7) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 6229 ) .
وانظر : الدر المنثور 2/137 .
● [ الصفحة التالية ] ●. ويُروى عن ابن مسعودٍ قال : هذه الآية(1) خيرٌ لأهل الذنوب من الدنيا وما فيها(2) . وقال ابنُ سيرين : أعطانا الله هذه الآية مكان ما جعل لبني إسرائيل في كفارات ذنوبهم .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : قال رجلٌ : يا رسولَ الله لو كانت(3) كفاراتُنا ككفاراتِ بني إسرائيل ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ( اللهمَّ لا نبغيها - ثلاثاً - ما أعطاكم الله خيرٌ مما أعطى بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة ، وجدها مكتوبةً على بابه وكفارَتها ، فإنْ كفَّرها كانت خزياً في الدنيا ، وإنْ لم يكفِّرها كانت له خزياً في الآخرة ، فما أعطاكم الله خيرٌ مما أعطى بني إسرائيل قال : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً } (4) (5) .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (6)، قال : هو سعةُ الإسلامِ ، وما جعل الله لأمة محمد من التوبة والكفارة(7) .
وظاهر هذه النصوص تدلُّ على أنَّ من تاب إلى الله توبةً نصوحاً ، واجتمعت شروطُ التوبة في حقه، فإنَّه يُقطع بقبولِ الله توبته ، كما يُقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاماً صحيحاً ، وهذا قولُ الجمهور ، وكلامُ ابن عبدِ البرِّ يدلُّ على أنَّه إجماع(8) .
__________
(1) لم ترد في ( ص ) .
(2) أخرجه : ابن المنذر كما في " الدر المنثور " 2/137 .
(3) من قوله : ( في كفارات ذنوبهم ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(4) النساء : 110 .
(5) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 1477 ) .
(6) الحج : 78 .
(7) انظر : تفسير ابن أبي حاتم 8/2506 ( 14034 ) .
(8) انظر : التمهيد 6/340 ( ط دار إحياء التراث العربي ) .
● [ الصفحة التالية ] ●ومِنَ الناسِ مَنْ قال : لا يقطع بقبول التوبة ، بل يُرجى ، وصاحبُها تحت المشيئة وإنْ تاب(1) ، واستدلوا بقوله : { إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } (2) فجعل الذنوبَ كُلَّها تحت مشيئته ، وربما استدلَّ بمثل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } (3) ، وبقوله : { فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ } (4) ، وقوله : { وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (5) ، وقوله : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } (6) .
والظاهر أنَّ هذا في حقِّ التائبِ ؛ لأنَّ الاعترافَ يقتضي الندم ، وفي حديث عائشة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تابَ تاب الله عليه )(7) ، والصحيح قولُ الأكثرين .
__________
(1) انظر : المفهم 5/269 . والمحرر الوجيز 4/33 .
(2) النساء : 48 .
(3) التحريم : 8 .
(4) القصص : 67 .
(5) النور : 31 .
(6) التوبة : 102 ، وهذه الآية لم ترد في ( ص ) .
(7) أخرجه : عبد الرزاق ( 9748 ) ، وأحمد 6/196 ، والبخاري 3/227 ( 2661 ) و5/152 ( 4141 )، و6/127 ( 4750 ) ، ومسلم 8/112-116 ( 2770 ) ( 56 ) ، وابن حبان ( 4212 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 7028 ) من طرق عن عائشة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●وهذه الآيات لا تدلُّ على عدم القطع ، فإنَّ الكريمَ إذا أطمع ، لم يقطع من رجائه المطمع ، ومِنْ هنا قال ابنُ عباس : إنَّ ( عسى ) من الله واجبة(1) ، نقله عنه عليُّ بن أبي طلحة . وقد ورد جزاءُ الإيمان والعمل الصالح بلفظ: ( عسى ) أيضاً ، ولم يدلَّ ذلك على أنَّه غيرُ مقطوع به ، كما في قوله: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } (2) .
وأما قوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (3) ، فإنَّ التائب ممن شاء أنْ يغفرَ له ، كما أخبر بذلك في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه .
وقد يُراد بالحسنة في قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( أتبع السَّيِّئة الحسنة ) ما هو أعمُّ من التوبة ، كما في قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (4) ، وقد رُوي من حديث معاذ أنَّ الرجل الذي نزلت بسببه هذه الآية أمره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يتوضَّأ ويُصلِّي(5) .
__________
(1) انظر : تفسير ابن أبي حاتم 6/1766 . وتفسير القرطبي 8/91 .
(2) التوبة : 18 .
(3) النساء : 48 .
(4) هود : 114 .
(5) أخرجه : أحمد 5/244 ، والترمذي ( 3113 ) ، وقال : ( هذا حديث ليس إسناده متصل ، عبد الرحمان بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ ) .
... والنسائي في " الكبرى " ( 7287 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 14376 ) ، والطبراني في " الكبير " 20/ ( 277 ) ، ( 278 ) ، والدارقطني 1/134 ، والحاكم 1/135 .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج الإمامُ أحمدُ(1) ، وأبو داود(2) ، والترمذي(3) ، والنسائي(4) ، وابنُ ماجه(5) من حديث أبي بكر الصدِّيق - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَا مِنْ رَجُلٍ يُذنِبُ ذنباً ، ثمَّ يقومُ فيتطهَّر ، ثمَّ يُصلِّي ، ثمَّ يستغفر الله إلاَّ غَفَرَ الله له ) ثم قرأ هذه الآية : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } (6).
وفي " الصحيحين " (7) عن عثمانَ : أنَّه توضأ ، ثم قال : رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال : ( مَنْ توضَّأ نحو وضوئي هذا ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه ) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (8) عن أبي الدرداء قال : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( مَنْ توضَّأ فأحسنَ الوضوءَ ، ثمَّ قام فصلَّى ركعتين أو أربعاً يُحسِنُ فيهما الركوعَ والخشوعَ ، ثمَّ استغفرَ الله غُفِرَ له ) .
__________
(1) في " مسنده " 1/2 و10 .
(2) في " سننه " ( 1521 ) .
(3) الترمذي ) لم ترد في ( ص ) والحديث في " الجامع الكبير " ( 406 ) و( 3006 ) ، وقال : ( حديث علي حديث حسن ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، من حديث عثمان بن المغيرة ) .
(4) في " عمل اليوم والليلة " ( 414 ) و( 417 ) .
(5) في " سننه " ( 1395 ) .
(6) آل عمران : 135 .
(7) صحيح البخاري 1/51 ( 159 ) و( 164 )، وصحيح مسلم 1/141 ( 227 ) و( 228 ) و( 229 ) .
(8) المسند 6/443 و450 ، وإسناده ضعيف لجهالة ميمون أبي محمد المرائي .
وفي " الصحيحين " (1) عن أنس قال : كُنتُ عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء رجل ، فقال : يا رسولَ الله إني أصبتُ حداً ، فأقمه عليَّ ، قال : ولم يسأله عنه ، فحضرتِ
● [ الصفحة التالية ] ●الصلاةُ فصلى مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فلما قضى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ قام إليه الرجلُ فقال : يا رسول الله إنِّي أصبت حداً ، فأقم فيَّ كتاب الله ، قال : ( أليس قد صلَّيت معنا ؟ ) قال : نعم ، قال : ( فإنَّ الله قد غَفَرَ لك ذنبك - أو قال : - حدَّك ) ، وخرَّجه مسلم(2) بمعناه من حديث أبي أمامة ، وخرَّجه ابنُ جرير الطبري(3) من وجه آخر عن أبي أُمامة ، وفي حديثه قال : ( فإنَّك مِنْ خطيئتك كما ولدتك أمُّك فلا تَعُدْ ) ، وأنزل الله : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (4) .
وفي " الصحيحين " (5) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أرأيتُم لو أنَّ نهراً ببابِ أحدكم يَغْتَسِلُ فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ هل يبقى من درنه شيء ؟ ) قالوا : لا يبقى من درنه شيء ، قال : ( فذلك مَثَلُ الصَّلواتِ الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا ) .
وفي " صحيح(6) مسلم " (7) عن عثمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من تَوضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ ، خرجت خطاياه من جسده حتى تَخرجَ من تحت أظفاره ) .
__________
(1) صحيح البخاري 8/206 ( 6823 ) ، وصحيح مسلم 8/102 ( 2764 ) .
(2) في " صحيحه " 8/102 ( 2765 ) .
(3) في " تفسيره " ( 14378 ) .
(4) هود : 114 .
(5) صحيح البخاري 1/140 ( 528 ) ، وصحيح مسلم 2/130-131 ( 667 ) ( 283 ) .
(6) في ( ص ) : ( وفي الصحيح ) .
(7) صحيح مسلم 1/148 ( 245 ) ( 33 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وفيه(1) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال(2) : ( ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدَّرجات ؟ ) قالوا : بلى يا رسولَ الله ، قالَ : ( إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ ، وكَثرةُ الخُطا إلى المساجد ، وانتظارُ الصَّلاة بعد الصَّلاة ، فذلكُم الرباطُ ، فذلكُمُ الرباط ) .
وفي " الصحيحين " (3) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ صَامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ، ومَنْ قَام لَيلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه(4) ) .
وفيهما(5) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ حَجَّ هذا البيتَ ، فلم يَرفُثْ ، ولم يَفسُقْ ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ ) .
وفي " صحيح مسلم " (6) عن عمرو بن العاص ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الإسلام يَهدِمُ ما كان قبله ، وإنَّ الهِجرةَ تَهدِمُ ما كان قبلها ، وإنَّ الحجَّ يَهدِمُ ما كانَ قبله ) .
__________
(1) صحيح مسلم 1/150 ( 251 ) ( 41 ) .
(2) من قوله : ( من توضأ فأحسن ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(3) صحيح البخاري 3/33 ( 1901 ) و3/58 ( 2008 ) و( 2009 ) و3/59 ( 2014 ) ، وصحيح مسلم 2/176 ( 759 ) ( 173 ) ( 174 ) .
(4) من قوله : ( ومن قام ليلة القدر ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(5) صحيح البخاري 3/14 ( 1819 ) و( 1820 ) ، وصحيح مسلم 4/106 ( 1350 ) ( 438 ) .
(6) الصحيح 1/77 ( 121 ) ( 192 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وفيه (1) من حديث أبي قتادة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال في صوم عاشوراء : ( أحتسبُ على الله أنْ يُكفِّر السنة التي قبله ) ، وقال في صوم يوم عرفة : ( أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّر السنة التي قبله والتي بعده ) .
وخرَّج الإمامُ أحمد من حديث عُقبة بن عامر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَثَلُ الذي يعمل السيئاتِ ، ثم يعمل الحسناتِ ، كمثل رجلٍ كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ، ثم عَمِلَ حسنة فانفكت حلقة ، ثم عَمِلَ حسنة أخرى ، فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض )(2) .
ومما يُكفِّرُ الخطايا ذكرُ الله - عز وجل - ، وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن قول : ( لا إله إلاَّ الله ) أمِنَ الحسنات هي ؟ قالَ : ( هي أحسن الحسنات ) .
وفي " الصحيحين " (3) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من قال : سبحان اللهِ وبحمده في يومه مئة مرة ، حُطَّتْ خطاياه وإنْ كانت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ ) .
__________
(1) صحيح مسلم 3/166 ( 1162 ) ( 196 ) .
(2) أخرجه : أحمد 4/145. وأخرجه أيضاً : نعيم بن حماد في " زياداته على كتاب الزهد "
لعبد الله بن المبارك ( 170 ) ، والطبراني في " الكبير " 17/( 783 ) و( 784 ) ، والبغوي ( 4149 ) ، وهو حديث قويٌّ .
(3) صحيح البخاري 8/107 ( 6405 ) ، وصحيح مسلم 8/68 ( 2692 ) ( 29 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وفيهما(1) عنه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ قالَ : لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ له ، له الملكُ ، وله الحمدُ يُحيي ويُميت وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ في يوم مئة مرَّة ، كانت له عِدْل عشرِ رقابٍ ، وكتبت له مئةُ حسنةٍ ، ومُحيت عنه مئةُ سيئة ، وكانت له حِرزاً من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسيَ ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضَلَ مما جاء به إلا أحدٌ عمل أفضلَ مِنْ ذلك ) .
وفي " المسند " وكتاب ابن ماجه عن أمِّ هانئ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا إله إلا الله لا تترك ذنباً ، ولا يسبقها عمل )(2) .
وخرَّج الترمذيُّ(3) عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه مرَّ بشجرةٍ يابسة الورق ، فضربها بعصاه ، فتناثر الوَرَقُ ، فقال : ( إنَّ الحمدَ للهِ ، وسبحان الله ، ولا إله إلاَّ الله ، والله أكبر لتساقط من ذنوبِ العبد كما يتساقط ورقُ هذه الشجرة ) .
وخرَّجه الإمام أحمد(4) بإسنادٍ صحيح عن أنسٍ : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ سبحانَ اللهِ ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر تَنفُضُ الخطايا كما تنفُضُ الشَّجرةُ ورقَها ) .
__________
(1) صحيح البخاري 4/153 ( 3293 ) ، و8/106 ( 6403 ) ، وصحيح مسلم 8/68 ( 2191 ) ( 28 ) .
(2) أخرجه : أحمد 6/425 ، وابن ماجه ( 3797 ) ، وإسناده ضعيف لضعف أبي معشر : نجيح ابن عبد الرحمان السندي ولجهالة صالح مولى وجزة ، وسند ابن ماجه ضعيف أيضاً لضعف زكريا بن منظور ومحمد بن عقبة مجهول الحال .
(3) في " الجامع الكبير " ( 3533 ) ، وقال : ( هذا حديث غريب ، ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس إلا أنه قد رآه ونظر إليه ) .
وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 5/55 ، والذهبي في " سير أعلام النبلاء " 6/240 .
(4) في " مسنده " 3/152 .
وأخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " ( 634 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 1688 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●والأحاديث في هذا كثيرة جداً يطولُ الكتاب بذكرها .
وسئل الحسن عن رجل لا يتحاشى عن معصية إلا أنَّ لسانه لا يفتر من ذكر الله ، قال : إنَّ ذلك لَعَوْنٌ حَسَنٌ .
وسُئِلَ الإمام أحمد عن رجلٍ اكتسب مالاً من شبهةٍ : صلاتُه وتسبيحُهُ يَحُطُّ عنه شيئاً من ذلك ؟ فقالَ : إنْ صلَّى وسبَّح يريد به ذَلِكَ ، فأرجو ، قالَ الله تعالى : { خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } (1) .
وقال مالكُ بنُ دينارٍ : البكاءُ على الخطيئة يحطُّ الخطايا كما تحطُّ الريحُ الورقَ اليابسَ .
وقال عطاء : من جلس مجلساً من مجالس الذِّكر ، كَفَّر به عشرة مجالس من مجالس الباطل(2) .
وقال شويس العدوي(3) - وكان من قدماء التابعين - إنَّ صاحبَ اليمين أمير - أو قال : أمين - على صاحب الشمال ، فإذا عَمِلَ ابنُ آدم سيئة ، فأراد صاحبُ الشمال أنْ يكتبها ، قال له صاحبُ اليمين : لا تَعْجَلْ لعلَّه يعمل حسنة ، فإنْ عَمِلَ حسنةً ، ألقى واحدةً بواحدة ، وكتبت له تسع حسنات ، فيقول الشَّيطانُ : يا وَيلَه من يدرك تضعيف ابن آدم(4) .
وخرَّج الطبراني(5)
__________
(1) التوبة : 102 .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/313 .
(3) هو شويس بن حياش العدوي ، أبو الرقاد البصري . انظر : تهذيب الكمال 3/412 ( 2768 ) .
(4) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/255 .
(5) في " الكبير " ( 3451 ) . وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش ضعيف ، وحدّث عن أبيه ولم يسمع منه ، قال أبو حاتم : ( لم يسمع من أبيه شيئاً ) .
انظر : الجرح والتعديل 7/258 ( 1078 ) ، وتهذيب الكمال 6/241 ( 5656 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●بإسنادٍ فيه نظر عن أبي مالك الأشعري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا نام ابنُ آدمَ ، قال الملك للشيطان : أعطني صحيفَتك ، فيعطيه إيَّاها ، فما وجد في صحيفته من حسنةٍ ، محى بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان ، وكتبهنَّ حسناتٍ ، فإذا أراد أنْ ينامَ أحدُكم ، فليكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرة ويحمد أربعاً وثلاثين تحميدة ، ويسبح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، فتلك مئة ) وهذا غريبٌ منكر .
وروى وكيع(1) : حدَّثنا الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : قال عبدُ الله ، يعني : ابنَ مسعود : وددتُ أني صُولحت على أنْ أعمل كُلَّ يوم(2) تسع خطيئات وحسنة(3). وهذا إشارة منه إلى أنَّ الحسنة يُمحى بها التسع خطيئات ، ويَفضُلُ له ضعفٌ واحدٌ من ثواب الحسنة ، فيكتفي به ، والله أعلم .
وقد اختلفَ الناسُ في مسألتين :
إحداهما : هل تُكفِّرُ الأعمالُ الصالحةُ الكبائرَ والصغائرَ أم لا تكفر سوى الصغائر ؟ فمنهم من قال : لا تُكفر سوى الصغائر(4) ، وقد رُوي هذا عن عطاء وغيره من السَّلف في الوضوء أنَّه يُكفر الصغائر ، وقال سلمان الفارسيُّ في الوضوء : إنَّه يكفر الجراحات الصِّغار ، والمشي إلى المسجد يُكفر أكبرَ من ذلك ، والصلاة تكفر أكبرَ من ذلك . خرَّجه محمد بن نصر المروزي(5) .
__________
(1) هو وكيع بن الجراح بن مليح أبو سفيان الرؤاسي الكوفي ، توفي سنة ( 197 ه ) .
انظر : تهذيب الكمال 7/461 ( 7290 ) ، وسير أعلام النبلاء 9/140 .
(2) عبارة : ( كل يوم ) سقطت من ( ص ) .
(3) أخرجه : وكيع بن الجراح في " الزهد " ( 277 ) ، وابن أبي شيبة ( 34543 ) .
(4) عبارة : ( فمنهم من قال : لا تكفر سوى الصغائر ) سقطت من ( ص ) .
(5) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 99 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما الكبائر ، فلابدَّ لها من التوبة ؛ لأنَّ الله أمر العباد بالتوبة ، وجعل من لم يتب ظالماً، واتفقت الأمةُ على أنَّ التوبة فرض ، والفرائضُ لا تُؤدى إلا بنيةٍ وقصدٍ ، ولو كانت الكبائرُ تقع مكفرةً بالوضوء والصلاة ، وأداء بقية أركان الإسلام ، لم يُحْتَجْ إلى التوبة ، وهذا باطلٌ بالإجماع .
وأيضا فلو كُفِّرَت الكبائرُ بفعل الفرائض لم يبق لأحدٍ ذنبٌ يدخل به النار إذا أتى بالفرائض ، وهذا يشبه قولَ المرجئة وهو باطل ، هذا ما ذكره ابن عبد البرِّ في كتابه " التمهيد " (1) وحكى إجماع المسلمين على ذلك ، واستدلَّ عليه بأحاديث :
منها : قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الصَّلواتُ الخمسُ ، والجمعَةُ إلى الجُمُعَةِ ، ورمضانُ إلى رمضان مُكفِّراتٌ لما بَينَهُنَّ ما اجتُنِبت الكبائرُ ) وهو مخرَّج في " الصحيحين " (2) من حديث أبي هريرة ، وهذا يدلُّ على أنَّ الكبائرَ لا تكفرها هذه الفرائضُ .
وقد حكى ابنُ عطية في " تفسيره " في معنى هذا الحديث قولين : أحدُهما - وحكاه عن جمهور أهل السُّنة - : أنَّ اجتنابَ الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر ، فإنْ لم تُجتنب ، لم تُكفر هذه الفرائض شيئاً بالكلية .
__________
(1) انظر : التمهيد 2/181 ( طبعة دار إحياء التراث العربي ) .
(2) أخرجه : مسلم 1/143 ( 233 ) ( 14 ) – ( 16 ) ، ولم يخرجه البخاري .
وأخرجه : الطيالسي ( 2470 ) ، وأحمد 2/229 و359 و400 و414 و484 ، وابن ماجه ( 1086 ) ، والترمذي ( 214 ) ، وابن خزيمة ( 314 ) و( 1814 ) ، وأبو عوانة 2/20 ، والحاكم 1/119-120 ، و4/259 ، والبيهقي في " الكبرى " 2/466-467 و10/187 ، والبغوي ( 345 ) من طرق عن أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●والثاني : أنَّها تُكفر الصغائر مطلقاً ، ولا تُكفر الكبائر وإنْ وجدت ، لكن بشرط التوبة من الصغائر ، وعدمِ الإصرار عليها ، ورجَّحَ هذا القول ، وحكاه عن الحذاق(1) .
وقوله : بشرط التوبة من الصغائر ، وعدمِ الإصرار عليها ، مرادُه أنَّه إذا أصرَّ عليها ، صارت كبيرةً ، فلم تكفرها الأعمالُ . والقولُ الأوَّلُ الذي حكاه غريب ، مع أنَّه قد حُكِيَ عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا مثلُه .
وفي " صحيح مسلم " (2) عن عثمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَا مِن امرئ مسلمٍ تحضُرُه صلاةٌ مكتوبة ، فيُحسِنُ وضوءها وخُشوعَها ورُكوعها إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤْتِ كبيرةً ، وذلك الدهر كُلَّه ) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (3) عن سلمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يتطهَّرُ الرجلُ -يعني: يوم الجمعة- فيحسن طهوره، ثم يأتي الجمعة فَيُنْصِتَ حتى يقضيَ الإمامُ صلاته ، إلا كان كفَّارة ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت الكبائر المقتلة ) .
__________
(1) انظر : التمهيد 2/181 ( طبعة دار إحياء التراث العربي ) ، وتفسير ابن عطية 4/33 .
(2) الصحيح 1/141 ( 228 ) ( 7 ) .
(3) المسند 5/439 و440 .
وأخرجه : النسائي ( 1665 ) و( 1725 ) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1/368 والطبراني في " الكبير " ( 6089 ) و( 6090 ) ، والخطيب في " موضح أوهام الجمع والتفريق " 1/164 ، وهو حديث قويٌّ .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج النسائي ، وابنُ حبان(1) ، والحاكمُ من حديث أبي سعيدٍ وأبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( والَّذي نفسي بيده ما مِنْ عبدٍ يُصلِّي الصلواتِ الخمس ، ويصومُ رمضان ، ويُخرج الزكاة ، ويجتنب الكبائر السبعَ ، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنَّة ، ثم قيل له : ادخل بسلام ) (2) . وخرَّج الإمامُ أحمد والنَّسائي من حديث أبي أيوب ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معناه أيضاً(3) . وخرَّج الحاكم(4) معناه من حديث عبيد بن عمير ، عن أبيه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
ويُروى من حديث ابن عمر مرفوعاً : ( يقولُ الله - عز وجل - : ابنَ آدمَ اذكُرني من أوَّلِ النهار ساعةً ومن آخرِ النهار ساعةً ، أَغْفِر لك ما بَينَ ذلك ، إلا الكبائر ، أو تتوب منها )(5) .
وقال ابن مسعود: الصلواتُ الخمس كفَّاراتٌ لما بينهن ما اجتنبت الكبائر(6).
وقال سلمان : حافظوا على هذه الصلوات الخمس ، فإنَّهنَّ كفَّارات لهذه الجراح ما لم تُصب المقتلة(7) .
__________
(1) تحرف في ( ص ) إلى : ( ابن ماجه ) .
(2) أخرجه : النسائي 5/8 ، وابن حبان ( 1748 ) ، والحاكم 1/200 و2/240 ، وإسناده ضعيف لجهالة صهيب مولى العتواري فقد تفرد بالرواية عنه نعيم المجمر .
(3) أخرجه : أحمد 5/413 ، والنسائي 7/88 .
وأخرجه : ابن حبان ( 3247 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3885 ) و( 3886 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 1144 ) من طرق عن أبي أيوب ، به.
(4) في " المستدرك " 1/59 و4/259 عن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، به .
(5) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/213 من حديث الحسن ، عن أبي هريرة . والحسن لم يسمع من أبي هريرة .
(6) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 206 ) .
(7) أخرجه : عبد الرزاق ( 148 ) و( 4737 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 6051 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قال ابنُ عمر لرجل : أتخاف النارَ أنْ تدخلها ، وتحبُّ الجنَّةَ أنْ تدخلها ؟ قال : نعم ، قال : برَّ أمَّك فوالله لَئِنْ ألنتَ لها الكلام وأطعمتها الطَّعام ، لتدخلن الجنَّة ما اجتنبت الموجبات(1) . وقال قتادة : إنَّما وعد الله المغفرةَ لمن اجتنب الكبائر(2) ، وذكر لنا أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( اجتنبوا الكبائرَ وسدِّدوا وأبشروا )(3) .
وذهب قومٌ من أهل الحديث وغيرهم إلى أنَّ هذه الأعمالَ تُكفِّرُ الكبائرَ ، ومنهم : ابن حزم الظاهري ، وإيَّاه عنى ابنُ عبد البرّ في كتاب " التمهيد " بالردِّ عليه وقال : قد كنتُ أرغبُ بنفسي عن الكلام في هذا الباب ، لولا قولُ ذلك القائل ، وخشيتُ أنْ يغترَّ به جاهلٌ ، فينهمِكَ في الموبقاتِ ، اتِّكالاً على أنَّها تكفِّرُها الصلواتُ دونَ الندم والاستغفار والتوبة ، والله نسألُه العصمة والتوفيقَ(4) .
__________
(1) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 19705 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " 1/17 ، والطبري في " تفسيره " 5/39 . والروايات مطولة والمختصرة ، متباينة اللفظ متفقة المعنى .
(2) من قوله : ( وقال قتادة ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(3) أخرجه : أحمد 3/394 ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(4) انظر : التمهيد 2/183 ( طبعة دار إحياء التراث العربي ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قلتُ : وقد وقع مثلُ هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه ، ووقع مثلُه في كلام ابن المنذر في قيام ليلة القدر ، قال : يُرجى لمن قامها أنْ يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها . فإنْ كان مرادهم أنَّ مَنْ أتى بفرائض الإسلام وهو مُصرٌّ على الكبائر تغفر له الكبائرُ قطعاً ، فهذا باطلٌ قطعاً ، يُعْلَمُ بالضرورة من الدِّين بطلانه ، وقد سبق قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ أساءَ في الإسلام أُخِذَ بالأوَّلِ والآخر )(1) يعني : بعمله في الجاهلية والإسلام ، وهذا أظهرُ من أنْ يحتاجَ إلى بيانٍ ، وإنْ أرادَ هذا القائلُ أنَّ من ترك الإصرارَ على الكبائرِ ، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندمٍ على ما سلف منه ، كُفِّرَت ذنوبه كلُّها بذلك ، واستدلَّ بظاهر قوله: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً } (2) . وقال : السيئات(3) تشملُ الكبائرَ والصغائر ، فكما أنَّ الصغائرَ تُكفَّرُ باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نيَّةٍ ، فكذلك الكبائرُ ، وقد يستدلُّ لذلك بأنَّ الله وعد المؤمنين والمتقين بالمغفرة وبتكفير السَّيِّئات ، وهذا مذكورٌ في غير موضع من القرآن ، وقد صار هذا من المتَّقين ، فإنَّه فعل الفرائضَ ، واجتنبَ الكبائرَ ، واجتنابُ الكبائر
__________
(1) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 19686 ) ، والحميدي ( 108 ) ، وأحمد 1/379 و380 و409 و429 و431 و434 و462 ، والدارمي 1/2 ، والبخاري 9/17 ( 6921 ) ، ومسلم 1/76 ( 120 ) ( 189 ) ( 190 ) ، وابن ماجه ( 4242 ) ، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " 1/211 ، وابن حبان ( 396 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 7/125 ، والبيهقي 9/123 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 23 ) ، والبغوي ( 28 ) من حديث عبد الله بن مسعود .
(2) النساء : 31 .
(3) عبارة : ( وقال : السيئات ) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●لا يحتاجُ إلى نيَّةٍ وقصدٍ ، فهذا القولُ يمكن أنْ يُقال في الجملة .
والصَّحيح قول الجمهور : إنَّ الكبائر لا تُكفَّرُ بدون التوبة ؛ لأنَّ التوبة فرضٌ على العباد ، وقد قال - عز وجل - : { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (1) . وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود التوبة بالندم(2) ، ومنهم من فسَّرها بالعزم على أنْ لا يعود(3) ، وقد روي ذلك مرفوعاً من وجه فيه ضعفٌ(4) ، لكن لا يعلم مخالفٌ من الصحابة في هذا ، وكذلك التابعون ومَنْ بعدهم ، كعمر بن عبد العزيز ، والحسن وغيرهما .
__________
(1) الحجرات : 11 .
(2) انظر : زيادات نعيم بن حماد على كتاب " الزهد لعبد الله بن المبارك " ( 168 ) و( 169 ) ، وتفسير القرطبي 18/198 .
(3) منهم : عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهم - .
انظر : تفسير الطبري ( 26697 ) و( 26698 ) و( 26699 ) .
(4) روي الحديث عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً : ( التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه ) .
... أخرجه : أحمد 1/446 ، وفي إسناده علي بن عاصم ، وهو ضعيف . انظر : التاريخ الكبير 6/118 ( 2435 ) ، وإبراهيم الهجري ضعيف أيضاً .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 7036 ) ، وفي إسناده بكر بن خنيس . قال ابن معين : ( ليس بشيء ) ، وقال أبو زرعة : ( ذاهب الحديث ) . انظر : تهذيب الكمال 1/371 ( 731 ) ، وتهذيب التهذيب 1/440 ، وكذا في إسناده إبراهيم الهجري الضعيف .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما النصوص الكثيرة المتضمنة مغفرة الذنوب ، وتكفير السيئات للمتقين ، كقوله تعالى : { إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } (1) ، وقوله تعالى : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } (2) ، وقوله : { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } (3)، فإنَّه لم يُبين في هذه الآيات خصال التقوى ، ولا العمل الصالح ، ومن جملة ذلك : التوبة النصوح ، فمَنْ لم يتب ، فهو ظالم ، غيرُ متّقٍ .
وقد بين في سورة آل عمران خصالَ التقوى التي يغفر لأهلها ويدخلهم الجنَّة ، فذكر منها الاستغفار ، وعدم الإصرار ، فلم يضمن تكفيرَ السيئات ومغفرة الذنوب إلاَّ لمن كان على هذه الصفة ، و الله أعلم .
ومما يُستدلُّ به على أنَّ الكبائر لا تُكَفَّرُ بدونِ التوبة منها ، أو العقوبة عليها حديثُ عُبَادةَ بنِ الصامت ، قال : كنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( بايعوني على أنْ لا تُشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولاتزنوا ) ، وقرأ عليهم الآية ( فمن وفى منكم ، فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ، فعُوقِبَ به ، فهو كفَّارَةٌ له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ، فستره الله عليه ، فهو إلى الله ، إنْ شاء عذَّبه ، وإنْ شاء غفر له ) خرَّجاه في " الصحيحين " (4)
__________
(1) الأنفال : 29 .
(2) التغابن : 9 .
(3) الطلاق : 5 .
(4) صحيح البخاري 1/11 ( 18 ) و5/70 ( 3892 ) و6/187 ( 4894 ) و8/198 ( 6784 ) و9/99 ( 7213 ) و9/169 ( 7468 ) ، وصحيح مسلم 5/126 ( 1709 ) ( 41 ) .
وأخرجه : الحميدي ( 387 ) ، وأحمد 5/314 و320 ، والترمذي ( 1439 ) والنسائي 7/148 و161-162 و8/108 ، والحاكم 2/318 ، والدارقطني 3/214-215 ، وأبو نعيم في " الحلية " 5/126 ، والبيهقي 8/328 ، والبغوي ( 29 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●، وفي روايةٍ لمسلم : ( من أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته ) (1) . وهذا يدلُّ على أنَّ الحدود كفارات . قال الشافعيُّ : لم أسمع في هذا البابِ - أنَّ الحد يكونُ كفَّارةً لأهله - شيئاً أحسنَ مِنْ حديث عُبادةَ ابن الصامت(2) .
وقوله : ( فعوقب به ) يعمُّ العقوبات الشرعية ، وهي الحدود المقدَّرةُ أو غير المقدَّرة ، كالتعزيزات ، ويشمل العقوبات القدرية ، كالمصائب والأسقام والآلام ، فإنَّه صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( لا يصيبُ المسلمَ نصبٌ ولا وَصَبٌ(3) ولا هَمٌّ ولا حزن حتَّى الشَّوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها خطاياه )(4) . ورُوي عن عليٍّ أنَّ الحدَّ كفَّارةٌ لمن أقيم عليه(5) ، وذكر ابنُ جرير الطبري في هذه المسألة اختلافاً بين الناس ، ورجَّحَ أنَّ إقامة الحدِّ بمجرَّده كفارة ، ووهَّن القول بخلاف ذلك جداً(6) .
__________
(1) أخرجه : مسلم 5/126 ( 1709 ) ( 43 ) .
(2) ذكره الترمذي في " الجامع الكبير " عقب ( 1439 ) .
(3) عبارة : ( ولا وصب ) سقطت من ( ص ) .
(4) أخرجه : أحمد 2/335 ، والبخاري 7/148 ( 5642 ) ، وفي " الأدب المفرد " ، له ( 492 ) ، وابن حبان ( 2905 ) ، والبيهقي 3/373 ، والبغوي ( 1421 ) من طرق عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما ، به .
(5) أخرجه : البيهقي في " السنن الكبرى " 8/329 ، عن علي ، موقوفاً .
وأخرجه مرفوعاً : أحمد 1/99 و159 ، والترمذي ( 2626 ) ، وابن ماجه ( 2604 ) ، والحاكم 1/7 و2/445 و4/262 ، والدارقطني 3/215 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 503 ) ، والبيهقي 8/328 ، والبغوي ( 4182 ) من طرق عن أبي جحيفة ، عن علي ، به مرفوعاً ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) وذكر الدارقطني في " علله " 3/128-129 س ( 316 ) ثم قال : ( رفعه صحيح ) .
(6) ذكره : الطبري في " تفسيره " عقب ( 9296 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قلت : وقد رُوي عن سعيد بن المسيب وصفوانَ بنِ سليم أنَّ إقامة الحدِّ ليس بكفَّارة ، ولابدَّ معه من التَّوبة ، ورجَّحه طائفة من المتأخِّرين ، منهم : البغويُّ(1) ، وأبو عبد الله بن تيمية في " تفسيريهما " ، وهو قولُ ابنِ حزم الظاهري(2) ، والأوّل قولُ مجاهد وزيد بن أسلم والثوري وأحمد .
وأما حديث أبي هريرة المرفوع : ( لا أدري : الحدودُ طهارةٌ لأهلها أم لا ؟ ) فقد خرَّجه الحاكم وغيره(3) ، وأعلَّه البخاري ، وقال : لا يثبت ، وإنَّما هوَ من مراسيل الزهريِّ ، وهي ضعيفةٌ ، وغلط عبد الرزاق فوصله ، قالَ : وقد صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الحدود كفارة(4) .
ومما يستدلُّ به من قال : الحدّ ليس بكفارة قولُه تعالى في المحاربين : { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } (5) وظاهره أنَّه تجتمع لهم عقوبة الدنيا والآخرة . ويُجابُ عنه بأنَّه ذكر عقوبتهم في الدنيا وعقوبتهم في الآخرة(6) ، ولا يلزم اجتماعهما ، وأما استثناء ( من تاب ) فإنَّما استثناه من عقوبة الدنيا خاصة ، فإنَّ عقوبة الآخرة تسقط بالتوبةِ قبل القُدرة وبعدها .
__________
(1) انظر : تفسير البغوي 2/50 .
(2) انظر : المحلى 13/9 .
(3) أخرجه : الحاكم 1/36 و2/14 و450 ، والبيهقي 8/329 من حديث أبي هريرة ، به .
(4) انظر : التاريخ الكبير 1/154 ( 455 ) ، وتفصيل ذلك في كتابي " الجامع في العلل " .
(5) المائدة : 33-34 .
(6) في ( ص ) : ( في الدنيا وفي الآخرة ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ومن أصابَ شيئاً مِنْ ذلك ، فستره الله عليه ، فهو إلى الله إنْ شاء عذَّبه ، وإنْ شاء غفر له )(1) صريحٌ في أنَّ هذه الكبائر من لقي الله بها كانت جتحتَ مشيئتِهِ ، وهذا يدلُّ على أنَّ إقامةَ الفرائضِ لا تكفِّرها ولا تمحوها ، فإنَّ عموم المسلمين يُحافظون على الفرائض ، لاسيما مَنْ بايعهُم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وخرج مِنْ ذلك مَنْ لقي الله وقد تاب منها بالنُّصوص الدَّالَّةِ من الكتاب والسنة(2) على أنَّ من تابَ إلى الله ، تاب الله عليه ، وغفر له ، فبقى مَنْ لم يتُبْ داخلاً تحت المشيئة .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأيضاً ، فيدلُّ على أنَّ الكبائرَ لا تكفِّرُها الأعمالُ : إنَّ الله لم يجعلْ للكبائر في الدُّنيا كفَّارةً واجبةً ، وإنَّما جعلَ الكفارةَ للصغائر ككفَّارةِ وطءِ المُظاهِرِ ، ووطءِ المرأة في الحيض على حديث ابن عباس الذي ذهب إليه الإمامُ أحمد وغيرُه(1) ، وكفارة من ترك شيئاً من واجبات الحج ، أو ارتكاب بعضَ محظوراته ، وهي أربعةُ أجناس : هديٌ ، وعِتقٌ ، وصدقةٌ ، وصيامٌ ، ولهذا لا تجب الكفارة في قتل العمدِ عندَ جمهور العلماءِ(2) ، ولا في اليمين الغموس أيضاً عند أكثرهم ، وإنَّما يؤمرُ القاتلُ بعتق رقبة استحباباً ، كما في حديث واثلة بن الأسقع : أنَّهم جاؤوا إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في صاحبٍ لهم قد أوجب ، فقال : ( اعتِقُوا عنه رقبةً يعتقه الله بها مِن النار ) (3) . ومعنى أوجب : عَمِلَ عملاً يجب له به النارُ ، ويقال : إنَّه كان قتل قتيلاً . وفي " صحيح مسلم "(4) عن ابنِ عمر : أنَّه ضربَ عبداً له ، فأعتقه وقال : ليس لي فيه مِنَ الأجر مثل هذا - وأخذ عوداً من الأرض - إني سمعت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( مَنْ لَطَمَ مملوكَه ، أو ضربه ، فإنَّ كفَّارتَه أنْ يَعتِقَهُ ) .
__________
(1) انظر : المغني لابن قدامة 1/384 ، والواضح 1/156 .
(2) انظر : الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2/843 ، والمغني والشرح الكبير 10/38 ( 7054 ) .
(3) أخرجه : أحمد 3/490-491 و4/107 ، وأبو داود ( 3964 ) ، وابن حبان ( 4307 ) ، والطبراني في " الكبير " 22/( 218 ) و( 219 ) و( 220 ) و( 221 ) و( 222 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 37 ) - ( 42 ) ، والحاكم 2/212 ، والبيهقي 8/132-133 ، والبغوي ( 2417 ) ، وإسناده ضعيف لجهالة الغريف الديلمي .
(4) أخرجه : مسلم 5/89 ( 1657 ) ( 29 ) ( 30 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●فإنْ قيل : فالمجامِعُ في رمضان يُؤمَرُ بالكفَّارةِ ، والفطرُ في رمضان مِنَ الكبائرِ ، قيل : ليست الكفارة للفطر ، ولهذا لا يجب عندَ الأكثرين على كلِّ مفطر في رمضان عمداً ، وإنَّما هي لِهَتْكِ حُرمةِ نهار(1) رمضان بالجماع ، ولهذا لو كان مفطراً فطراً لا يجوزُ له في نهار رمضان ، ثمَّ جامع ، للزمته الكفارةُ عند الإمام أحمد لما ذكرنا(2) .
وممَّا يدلُّ على أنَّ تكفيرَ الواجبات مختصٌّ بالصَّغائر ما خرَّجه البخاري عن حُذيفة ، قال : بَيْنا نحن جلوسٌ عند عمرَ ، إذ قال : أيُّكم يحفظُ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة ؟ قال : قلتُ : ( فتنةُ الرجل في أهله وماله وولده وجارِه يُكَفِّرُها الصلاةُ والصدقةُ والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر ) قال : ليس عن هذا أسألك . وخرَّجه مسلم بمعناه ، وظاهر هذا السياق يقتضي رفعَه ، وفي رواية للبخاري أنَّ حذيفة قال : سمعتُه يقول : ( فتنة الرجل ) فذكره ، وهذا كالصريح في رفعه ، وفي روايةٍ لمسلم أنَّ هذا من كلام عمر(3) .
__________
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) انظر : الفتاوى لابن تيمية 25/139 – 140 ، والمفصل في أحكام المرأة 2/59 – 60 .
(3) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20752 ) ، والطيالسي ( 408 ) ، والحميدي ( 447 ) ، وأحمد 5/401-402 و450 ، والبخاري 1/140 ( 525 ) و2/141 ( 1435 ) و3/31-32 ( 1895 ) و4/238 ( 3586 ) و9/68 ( 7096 )، ومسلم 1/88 ( 144 ) ( 231 )، وابن ماجه ( 3955 )، والترمذي ( 2258 )، وابن حبان ( 5966 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/270-271 ، والبيهقي في " دلائل النبوة " 3/386 ، والبغوي ( 4218 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للذي قال له : أصبتُ حدَّاً ، فأقمه عليَّ ، فتركه حتى صلى ، ثم قال له : ( إنَّ الله غفر لك حَدَّك )(1) ، فليس صريحاً في أنَّ المراد به شيءٌ مِنَ الكبائر ؛ لأنَّ حدود الله محارمه كما قال تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه } (2) وقوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } (3) ، وقوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ } الآية إلى قوله : { وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } (4) .
وفي حديث النواس بن سمعان(5) ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ضرب مثل الإسلام بالصراط المستقيم الذي على جنبتيه سُوران ، قال : ( والسورانِ حُدودُ الله ) . وقد سبق ذكره بتمامه .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) الطلاق : 1 .
(3) البقرة : 229 .
(4) النساء : 13-14 .
(5) في ( ص ) : ( العرباض بن سارية ) ولعله سبق قلم من الناسخ .
● [ الصفحة التالية ] ●فكلُّ من أصاب شيئاً من محارم الله، فقد أصابَ حدودَه ، وركبها ، وتعدَّاها . وعلى تقدير أنْ يكونَ الحدُّ الذي أصابه كبيرةً ، فهذا الرجل جاء نادماً تائباً ، وأسلم نفسه إلى إقامةِ الحدِّ عليه ، والنَّدمُ توبة ، والتوبةُ تُكفِّرُ الكبائرَ بغير تردُّدٍ ، وقد رُوي ما يُستدلُّ به على أنَّ الكبائر تكفرُ ببعض الأعمال الصالحة ، فخرَّجَ الإمامُ أحمد والترمذيُّ من حديث ابن عمر : أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسولَ الله ، إني أصبتُ ذنباً عظيماً ، فهل لي من توبة ؟ قالَ : ( هل لك مِنْ أمٍّ ؟ ) قالَ : لا ، قالَ : ( فهل لك من خالةٍ ؟ ) قال : نعم ، قال : ( فبِرَّها ) ، وخرَّجه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم ، وقال : على شرط الشيخين(1) ، لكن خرَّجه الترمذي من وجهٍ آخر مرسلاً ، وذكر أنَّ المرسلَ أصحُّ من الموصول(2) ، وكذا قال عليُّ بنُ المديني والدارقطني (3) .
وروي عن عمرَ أنَّ رجلاً قال له : قتلتُ نفساً ، قال : أمُّك حية ؟ قال : لا ، قال : فأبوك ؟ قال : نعم ، قال : فبِرَّه وأحسن إليه ، ثم قال عمر : لو كانت أمُّه حيَّةً فبرَّها ، وأحسن إليها ، رجوتُ أنْ لا تطعَمه النارُ أبداً . وعن ابن عباس معناه أيضاً(4) .
__________
(1) أخرجه : أحمد 2/14 ، والترمذي ( 1904 م1 ) ، وابن حبان ( 435 ) ، والحاكم 4/155 .
(2) أخرجه : الترمذي ( 1904 م2 ) ، وقال : ( وهذا أصحُّ من حديث أبي معاوية ) .
(3) بيان ذلك كله في كتابي " الجامع في العلل " يسر الله إتمامه وطبعه .
(4) أخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " ( 4 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وكذلك المرأة التي عَمِلَت بالسحر بدُومَة الجندلِ ، وقدمت المدينةَ تسألُ عن توبتها ، فوجدت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد توفي ، فقال لها أصحابُه : لو كان أبواك حَيَّيْنِ أو أحدهما كانا يكفيانك . خرَّجه الحاكم وقال : فيه إجماعُ الصحابة حِدْثَان وفاةِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أنَّ برَّ الأبوين يكفيانها(1) . وقال مكحول والإمام أحمد : بِرُّ الوالدين كفارةٌ للكبائر . وروي عن بعض السَّلف في حمل الجنائز أنَّه يَحطُّ الكبائر ، وروي مرفوعاً من وجوهٍ لا تَصِحُّ .
وقد صحَّ من رواية أبي بُردة أنَّ أبا موسى لما حضرته الوفاةُ قال : يا بَنِيَّ ، اذكروا صاحبَ الرَّغيف : كان رجلٌ يتعبَّدُ في صومعةٍ أُراه سبعينَ سنة ، فشبَّه الشيطانُ في عينه امرأةً ، فكان معها سبعةَ أيامٍ وسبعَ ليالٍ ، ثم كُشِفَ عن الرجل غطاؤه، فخرج تائباً، ثمَّ ذكر أنَّه باتَ بين مساكين ، فتُصُدِّقَ عليهم برغيف رغيف ، فأعطوه رغيفاً ، ففقده صاحبُه الذي كان يُعطاه ، فلمَّا علم بذلك ، أعطاه الرغيفَ وأصبح ميتاً ، فوُزِنَتِ السَّبعونَ سنة بالسَّبع ليال ، فرجحت الليالي ، ووُزِنَ الرَّغيفُ بالسَّبع اللَّيال ، فرجح الرغيف(2) .
وروى ابنُ المبارك بإسناده في كتاب " البر والصلة " عن ابن مسعود ، قال : عبَدَ اللهَ رجلٌ سبعين سنةً ، ثم أصابَ فاحشةً ، فأحبطَ الله عملَه ، ثم أصابته زَمَانةٌ وأُقْعِدَ ، فرأى رجلاً يتصدَّقُ على مساكين ، فجاء إليه ، فأخذ منه رغيفاً ، فتصدَّقَ به على مسكينٍ ، فغفرَ الله له ، وردَّ عليه عملَ سبعين سنة .
__________
(1) أخرجه : الحاكم 4/155-156 .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 1/263 .
● [ الصفحة التالية ] ●وهذه كلُّها لا دِلالةَ فيها على تكفير الكبائر بمجرَّد العمل ؛ لأنَّ كلَّ من ذكر فيها كان نادماً تائباً من ذنبه ، وإنَّما كان سؤاله عن عملٍ صالح يتقرَّب به إلى الله بعد التوبة حتّى يمحوَ به أثَرَ الذنب بالكلية ، فإنَّ الله(1) شرط في قبول التوبة ومغفرةِ الذنوب بها العملَ الصالح ، كقوله : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } (2) ، وقوله : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } (3) ، وقوله : { فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ } (4) ، وفي هذا متعلَّقٌ لمن يقول : إنَّ التائب بعد التوبة في المشيئة ، وكان هذا حال كثير مِنَ الخائفين مِنَ السَّلف . وقال بعضهم لرجلٍ : هل أذنبت ذنباً ؟ قال : نعم ، قال : فعلمتَ أنَّ الله كتبه عليك ؟ قال : نعم ، قال : فاعمل حتّى تعلمَ أنَّ الله قد محاه . ومنه قولُ ابن مسعود : إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه في أصل جبل يخاف أنْ يقع عليه ، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبَه كذُبابٍ طار على أنفه ، فقال به هكذا . خرَّجه البخاري(5) .
__________
(1) عبارة : ( فإن الله ) لم ترد في ( ص ) .
(2) مريم : 60 .
(3) طه : 82 .
(4) القصص : 67 .
(5) أخرجه : البخاري 8/83-84 ( 6308 ) . = = ... وأخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 68 ) و( 69 ) ، وأحمد 1/383 ، والترمذي
( 2497 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 4/129 ، والبيهقي في 10/188-189 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 7104 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وكانوا يتَّهمُون أعمالهم وتوباتهم ، ويخافون أنْ لا يكونَ قد قُبِلَ منهم ذلك ، فكان ذلك يُوجِبُ لهم شدَّةَ الخوف ، وكثرةَ الاجتهاد في الأعمال الصالحة .
قال الحسن: أدركتُ أقواماً لو أنفق أحدهم ملءَ الأرض ما أمِنَ لِعظم الذنب في نفسه(1). وقال ابنُ عون : لا تَثِقْ بكثرة العمل ، فإنَّك لا تدري أيُقبل منك أم لا ، ولا تأمن ذنوبك ، فإنَّك لا تدري كُفِّرَتْ عنك أم لا ، إنَّ عملك مُغَيَّبٌ عنك كله .
والأظهر - والله أعلم - في هذه المسألة - أعني : مسألة تكفير الكبائر بالأعمال - أنَّه إنْ أُريدَ أنَّ الكبائر تُمحى بمجرَّد الإتيان بالفرائضِ ، وتقع الكبائر مكفرة بذلك كما تُكفَّرُ الصَّغائر باجتناب الكبائر ، فهذا باطلٌ .
وإنْ أريدَ أنَّه قد يُوازن يومَ القيامة بين الكبائر وبينَ بعض الأعمال ، فتُمحى الكبيرة بما يُقابلها من العمل ، ويَسقُطُ العمل ، فلا يبقى له ثوابٌ ، فهذا قد يقع .
وقد تقدَّم عن ابنِ عمرَ أنَّه لمَّا أعتق مملوكَه الذي ضربه ، قال : ليس لي فيه مِنَ الأجر شيءٌ ، حيث كان كفارةً لذنبه ، ولم يكن ذنبُه مِنَ الكبائر ، فكيف بما كان من الأعمال مكفراً للكبائر ؟
__________
(1) أخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 160 ) .
وقد أخبر الله في كتابه أنَّ من تاب من ذنبه ، فإنَّه يُغفر له ذنبه أو يتاب عليه في مواضع كثيرةٍ ، كقوله تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ } (1) ، وقوله : { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (2) ، وقوله : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ } (3) ، وقوله : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى } (4) ، وقوله : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً } (5) ، وقوله : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ } (6) . الآيتين .
قال عبدُ الرازق : أخبرنا جعفرُ بنُ سليمان ، عن ثابت ، عن أنس قال : بلغني أنَّ إبليسَ حين نزلت هذه الآية { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } ، بكى(7)
__________
(1) النساء : 17 .
(2) النحل : 119 .
(3) الفرقان : 70 .
(4) طه : 82 .
(5) مريم : 60 .
(6) آل عمران : 135 .
(7) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 6229 ) .
وانظر : الدر المنثور 2/137 .
● [ الصفحة التالية ] ●. ويُروى عن ابن مسعودٍ قال : هذه الآية(1) خيرٌ لأهل الذنوب من الدنيا وما فيها(2) . وقال ابنُ سيرين : أعطانا الله هذه الآية مكان ما جعل لبني إسرائيل في كفارات ذنوبهم .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية قال : قال رجلٌ : يا رسولَ الله لو كانت(3) كفاراتُنا ككفاراتِ بني إسرائيل ، فقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ( اللهمَّ لا نبغيها - ثلاثاً - ما أعطاكم الله خيرٌ مما أعطى بني إسرائيل ، كانت بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم الخطيئة ، وجدها مكتوبةً على بابه وكفارَتها ، فإنْ كفَّرها كانت خزياً في الدنيا ، وإنْ لم يكفِّرها كانت له خزياً في الآخرة ، فما أعطاكم الله خيرٌ مما أعطى بني إسرائيل قال : { وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً } (4) (5) .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (6)، قال : هو سعةُ الإسلامِ ، وما جعل الله لأمة محمد من التوبة والكفارة(7) .
وظاهر هذه النصوص تدلُّ على أنَّ من تاب إلى الله توبةً نصوحاً ، واجتمعت شروطُ التوبة في حقه، فإنَّه يُقطع بقبولِ الله توبته ، كما يُقطع بقبول إسلام الكافر إذا أسلم إسلاماً صحيحاً ، وهذا قولُ الجمهور ، وكلامُ ابن عبدِ البرِّ يدلُّ على أنَّه إجماع(8) .
__________
(1) لم ترد في ( ص ) .
(2) أخرجه : ابن المنذر كما في " الدر المنثور " 2/137 .
(3) من قوله : ( في كفارات ذنوبهم ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(4) النساء : 110 .
(5) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 1477 ) .
(6) الحج : 78 .
(7) انظر : تفسير ابن أبي حاتم 8/2506 ( 14034 ) .
(8) انظر : التمهيد 6/340 ( ط دار إحياء التراث العربي ) .
● [ الصفحة التالية ] ●ومِنَ الناسِ مَنْ قال : لا يقطع بقبول التوبة ، بل يُرجى ، وصاحبُها تحت المشيئة وإنْ تاب(1) ، واستدلوا بقوله : { إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء } (2) فجعل الذنوبَ كُلَّها تحت مشيئته ، وربما استدلَّ بمثل قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ } (3) ، وبقوله : { فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ } (4) ، وقوله : { وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (5) ، وقوله : { وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } (6) .
والظاهر أنَّ هذا في حقِّ التائبِ ؛ لأنَّ الاعترافَ يقتضي الندم ، وفي حديث عائشة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ العبد إذا اعترف بذنبه ، ثم تابَ تاب الله عليه )(7) ، والصحيح قولُ الأكثرين .
__________
(1) انظر : المفهم 5/269 . والمحرر الوجيز 4/33 .
(2) النساء : 48 .
(3) التحريم : 8 .
(4) القصص : 67 .
(5) النور : 31 .
(6) التوبة : 102 ، وهذه الآية لم ترد في ( ص ) .
(7) أخرجه : عبد الرزاق ( 9748 ) ، وأحمد 6/196 ، والبخاري 3/227 ( 2661 ) و5/152 ( 4141 )، و6/127 ( 4750 ) ، ومسلم 8/112-116 ( 2770 ) ( 56 ) ، وابن حبان ( 4212 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 7028 ) من طرق عن عائشة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●وهذه الآيات لا تدلُّ على عدم القطع ، فإنَّ الكريمَ إذا أطمع ، لم يقطع من رجائه المطمع ، ومِنْ هنا قال ابنُ عباس : إنَّ ( عسى ) من الله واجبة(1) ، نقله عنه عليُّ بن أبي طلحة . وقد ورد جزاءُ الإيمان والعمل الصالح بلفظ: ( عسى ) أيضاً ، ولم يدلَّ ذلك على أنَّه غيرُ مقطوع به ، كما في قوله: { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } (2) .
وأما قوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ } (3) ، فإنَّ التائب ممن شاء أنْ يغفرَ له ، كما أخبر بذلك في مواضعَ كثيرةٍ من كتابه .
وقد يُراد بالحسنة في قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( أتبع السَّيِّئة الحسنة ) ما هو أعمُّ من التوبة ، كما في قوله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (4) ، وقد رُوي من حديث معاذ أنَّ الرجل الذي نزلت بسببه هذه الآية أمره النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يتوضَّأ ويُصلِّي(5) .
__________
(1) انظر : تفسير ابن أبي حاتم 6/1766 . وتفسير القرطبي 8/91 .
(2) التوبة : 18 .
(3) النساء : 48 .
(4) هود : 114 .
(5) أخرجه : أحمد 5/244 ، والترمذي ( 3113 ) ، وقال : ( هذا حديث ليس إسناده متصل ، عبد الرحمان بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ ) .
... والنسائي في " الكبرى " ( 7287 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 14376 ) ، والطبراني في " الكبير " 20/ ( 277 ) ، ( 278 ) ، والدارقطني 1/134 ، والحاكم 1/135 .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج الإمامُ أحمدُ(1) ، وأبو داود(2) ، والترمذي(3) ، والنسائي(4) ، وابنُ ماجه(5) من حديث أبي بكر الصدِّيق - رضي الله عنه - ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَا مِنْ رَجُلٍ يُذنِبُ ذنباً ، ثمَّ يقومُ فيتطهَّر ، ثمَّ يُصلِّي ، ثمَّ يستغفر الله إلاَّ غَفَرَ الله له ) ثم قرأ هذه الآية : { وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ } (6).
وفي " الصحيحين " (7) عن عثمانَ : أنَّه توضأ ، ثم قال : رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال : ( مَنْ توضَّأ نحو وضوئي هذا ثم صلَّى ركعتين لا يُحدِّثُ فيهما نفسَه ، غُفِرَ له ما تقدَّمَ من ذنبه ) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (8) عن أبي الدرداء قال : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( مَنْ توضَّأ فأحسنَ الوضوءَ ، ثمَّ قام فصلَّى ركعتين أو أربعاً يُحسِنُ فيهما الركوعَ والخشوعَ ، ثمَّ استغفرَ الله غُفِرَ له ) .
__________
(1) في " مسنده " 1/2 و10 .
(2) في " سننه " ( 1521 ) .
(3) الترمذي ) لم ترد في ( ص ) والحديث في " الجامع الكبير " ( 406 ) و( 3006 ) ، وقال : ( حديث علي حديث حسن ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، من حديث عثمان بن المغيرة ) .
(4) في " عمل اليوم والليلة " ( 414 ) و( 417 ) .
(5) في " سننه " ( 1395 ) .
(6) آل عمران : 135 .
(7) صحيح البخاري 1/51 ( 159 ) و( 164 )، وصحيح مسلم 1/141 ( 227 ) و( 228 ) و( 229 ) .
(8) المسند 6/443 و450 ، وإسناده ضعيف لجهالة ميمون أبي محمد المرائي .
وفي " الصحيحين " (1) عن أنس قال : كُنتُ عندَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء رجل ، فقال : يا رسولَ الله إني أصبتُ حداً ، فأقمه عليَّ ، قال : ولم يسأله عنه ، فحضرتِ
● [ الصفحة التالية ] ●الصلاةُ فصلى مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فلما قضى النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ قام إليه الرجلُ فقال : يا رسول الله إنِّي أصبت حداً ، فأقم فيَّ كتاب الله ، قال : ( أليس قد صلَّيت معنا ؟ ) قال : نعم ، قال : ( فإنَّ الله قد غَفَرَ لك ذنبك - أو قال : - حدَّك ) ، وخرَّجه مسلم(2) بمعناه من حديث أبي أمامة ، وخرَّجه ابنُ جرير الطبري(3) من وجه آخر عن أبي أُمامة ، وفي حديثه قال : ( فإنَّك مِنْ خطيئتك كما ولدتك أمُّك فلا تَعُدْ ) ، وأنزل الله : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } (4) .
وفي " الصحيحين " (5) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أرأيتُم لو أنَّ نهراً ببابِ أحدكم يَغْتَسِلُ فيه كلَّ يومٍ خمسَ مرَّاتٍ هل يبقى من درنه شيء ؟ ) قالوا : لا يبقى من درنه شيء ، قال : ( فذلك مَثَلُ الصَّلواتِ الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا ) .
وفي " صحيح(6) مسلم " (7) عن عثمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من تَوضَّأَ فأحسنَ الوضوءَ ، خرجت خطاياه من جسده حتى تَخرجَ من تحت أظفاره ) .
__________
(1) صحيح البخاري 8/206 ( 6823 ) ، وصحيح مسلم 8/102 ( 2764 ) .
(2) في " صحيحه " 8/102 ( 2765 ) .
(3) في " تفسيره " ( 14378 ) .
(4) هود : 114 .
(5) صحيح البخاري 1/140 ( 528 ) ، وصحيح مسلم 2/130-131 ( 667 ) ( 283 ) .
(6) في ( ص ) : ( وفي الصحيح ) .
(7) صحيح مسلم 1/148 ( 245 ) ( 33 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وفيه(1) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال(2) : ( ألا أدلّكم على ما يمحو الله به الخطايا ، ويرفع به الدَّرجات ؟ ) قالوا : بلى يا رسولَ الله ، قالَ : ( إسباغُ الوضوءِ على المكارهِ ، وكَثرةُ الخُطا إلى المساجد ، وانتظارُ الصَّلاة بعد الصَّلاة ، فذلكُم الرباطُ ، فذلكُمُ الرباط ) .
وفي " الصحيحين " (3) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ صَامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً ، غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه ، ومَنْ قَام لَيلةَ القدرِ إيماناً واحتساباً ، غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبه(4) ) .
وفيهما(5) عن أبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ حَجَّ هذا البيتَ ، فلم يَرفُثْ ، ولم يَفسُقْ ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمُّهُ ) .
وفي " صحيح مسلم " (6) عن عمرو بن العاص ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الإسلام يَهدِمُ ما كان قبله ، وإنَّ الهِجرةَ تَهدِمُ ما كان قبلها ، وإنَّ الحجَّ يَهدِمُ ما كانَ قبله ) .
__________
(1) صحيح مسلم 1/150 ( 251 ) ( 41 ) .
(2) من قوله : ( من توضأ فأحسن ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(3) صحيح البخاري 3/33 ( 1901 ) و3/58 ( 2008 ) و( 2009 ) و3/59 ( 2014 ) ، وصحيح مسلم 2/176 ( 759 ) ( 173 ) ( 174 ) .
(4) من قوله : ( ومن قام ليلة القدر ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(5) صحيح البخاري 3/14 ( 1819 ) و( 1820 ) ، وصحيح مسلم 4/106 ( 1350 ) ( 438 ) .
(6) الصحيح 1/77 ( 121 ) ( 192 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وفيه (1) من حديث أبي قتادة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال في صوم عاشوراء : ( أحتسبُ على الله أنْ يُكفِّر السنة التي قبله ) ، وقال في صوم يوم عرفة : ( أحتسِبُ على اللهِ أنْ يُكفِّر السنة التي قبله والتي بعده ) .
وخرَّج الإمامُ أحمد من حديث عُقبة بن عامر ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَثَلُ الذي يعمل السيئاتِ ، ثم يعمل الحسناتِ ، كمثل رجلٍ كانت عليه درع ضيقة قد خنقته ، ثم عَمِلَ حسنة فانفكت حلقة ، ثم عَمِلَ حسنة أخرى ، فانفكت أخرى حتى يخرج إلى الأرض )(2) .
ومما يُكفِّرُ الخطايا ذكرُ الله - عز وجل - ، وقد ذكرنا فيما تقدَّم أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن قول : ( لا إله إلاَّ الله ) أمِنَ الحسنات هي ؟ قالَ : ( هي أحسن الحسنات ) .
وفي " الصحيحين " (3) عن أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من قال : سبحان اللهِ وبحمده في يومه مئة مرة ، حُطَّتْ خطاياه وإنْ كانت مِثلَ زَبَدِ البَحرِ ) .
__________
(1) صحيح مسلم 3/166 ( 1162 ) ( 196 ) .
(2) أخرجه : أحمد 4/145. وأخرجه أيضاً : نعيم بن حماد في " زياداته على كتاب الزهد "
لعبد الله بن المبارك ( 170 ) ، والطبراني في " الكبير " 17/( 783 ) و( 784 ) ، والبغوي ( 4149 ) ، وهو حديث قويٌّ .
(3) صحيح البخاري 8/107 ( 6405 ) ، وصحيح مسلم 8/68 ( 2692 ) ( 29 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وفيهما(1) عنه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَنْ قالَ : لا إله إلا الله وحده لا شَريكَ له ، له الملكُ ، وله الحمدُ يُحيي ويُميت وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ في يوم مئة مرَّة ، كانت له عِدْل عشرِ رقابٍ ، وكتبت له مئةُ حسنةٍ ، ومُحيت عنه مئةُ سيئة ، وكانت له حِرزاً من الشيطان يومَه ذلك حتى يُمسيَ ، ولم يأتِ أحدٌ بأفضَلَ مما جاء به إلا أحدٌ عمل أفضلَ مِنْ ذلك ) .
وفي " المسند " وكتاب ابن ماجه عن أمِّ هانئ ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا إله إلا الله لا تترك ذنباً ، ولا يسبقها عمل )(2) .
وخرَّج الترمذيُّ(3) عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه مرَّ بشجرةٍ يابسة الورق ، فضربها بعصاه ، فتناثر الوَرَقُ ، فقال : ( إنَّ الحمدَ للهِ ، وسبحان الله ، ولا إله إلاَّ الله ، والله أكبر لتساقط من ذنوبِ العبد كما يتساقط ورقُ هذه الشجرة ) .
وخرَّجه الإمام أحمد(4) بإسنادٍ صحيح عن أنسٍ : أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ سبحانَ اللهِ ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر تَنفُضُ الخطايا كما تنفُضُ الشَّجرةُ ورقَها ) .
__________
(1) صحيح البخاري 4/153 ( 3293 ) ، و8/106 ( 6403 ) ، وصحيح مسلم 8/68 ( 2191 ) ( 28 ) .
(2) أخرجه : أحمد 6/425 ، وابن ماجه ( 3797 ) ، وإسناده ضعيف لضعف أبي معشر : نجيح ابن عبد الرحمان السندي ولجهالة صالح مولى وجزة ، وسند ابن ماجه ضعيف أيضاً لضعف زكريا بن منظور ومحمد بن عقبة مجهول الحال .
(3) في " الجامع الكبير " ( 3533 ) ، وقال : ( هذا حديث غريب ، ولا نعرف للأعمش سماعاً من أنس إلا أنه قد رآه ونظر إليه ) .
وأخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 5/55 ، والذهبي في " سير أعلام النبلاء " 6/240 .
(4) في " مسنده " 3/152 .
وأخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " ( 634 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 1688 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●والأحاديث في هذا كثيرة جداً يطولُ الكتاب بذكرها .
وسئل الحسن عن رجل لا يتحاشى عن معصية إلا أنَّ لسانه لا يفتر من ذكر الله ، قال : إنَّ ذلك لَعَوْنٌ حَسَنٌ .
وسُئِلَ الإمام أحمد عن رجلٍ اكتسب مالاً من شبهةٍ : صلاتُه وتسبيحُهُ يَحُطُّ عنه شيئاً من ذلك ؟ فقالَ : إنْ صلَّى وسبَّح يريد به ذَلِكَ ، فأرجو ، قالَ الله تعالى : { خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } (1) .
وقال مالكُ بنُ دينارٍ : البكاءُ على الخطيئة يحطُّ الخطايا كما تحطُّ الريحُ الورقَ اليابسَ .
وقال عطاء : من جلس مجلساً من مجالس الذِّكر ، كَفَّر به عشرة مجالس من مجالس الباطل(2) .
وقال شويس العدوي(3) - وكان من قدماء التابعين - إنَّ صاحبَ اليمين أمير - أو قال : أمين - على صاحب الشمال ، فإذا عَمِلَ ابنُ آدم سيئة ، فأراد صاحبُ الشمال أنْ يكتبها ، قال له صاحبُ اليمين : لا تَعْجَلْ لعلَّه يعمل حسنة ، فإنْ عَمِلَ حسنةً ، ألقى واحدةً بواحدة ، وكتبت له تسع حسنات ، فيقول الشَّيطانُ : يا وَيلَه من يدرك تضعيف ابن آدم(4) .
وخرَّج الطبراني(5)
__________
(1) التوبة : 102 .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/313 .
(3) هو شويس بن حياش العدوي ، أبو الرقاد البصري . انظر : تهذيب الكمال 3/412 ( 2768 ) .
(4) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 3/255 .
(5) في " الكبير " ( 3451 ) . وفي إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش ضعيف ، وحدّث عن أبيه ولم يسمع منه ، قال أبو حاتم : ( لم يسمع من أبيه شيئاً ) .
انظر : الجرح والتعديل 7/258 ( 1078 ) ، وتهذيب الكمال 6/241 ( 5656 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●بإسنادٍ فيه نظر عن أبي مالك الأشعري ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا نام ابنُ آدمَ ، قال الملك للشيطان : أعطني صحيفَتك ، فيعطيه إيَّاها ، فما وجد في صحيفته من حسنةٍ ، محى بها عشر سيئات من صحيفة الشيطان ، وكتبهنَّ حسناتٍ ، فإذا أراد أنْ ينامَ أحدُكم ، فليكبر ثلاثاً وثلاثين تكبيرة ويحمد أربعاً وثلاثين تحميدة ، ويسبح ثلاثاً وثلاثين تسبيحة ، فتلك مئة ) وهذا غريبٌ منكر .
وروى وكيع(1) : حدَّثنا الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، قال : قال عبدُ الله ، يعني : ابنَ مسعود : وددتُ أني صُولحت على أنْ أعمل كُلَّ يوم(2) تسع خطيئات وحسنة(3). وهذا إشارة منه إلى أنَّ الحسنة يُمحى بها التسع خطيئات ، ويَفضُلُ له ضعفٌ واحدٌ من ثواب الحسنة ، فيكتفي به ، والله أعلم .
وقد اختلفَ الناسُ في مسألتين :
إحداهما : هل تُكفِّرُ الأعمالُ الصالحةُ الكبائرَ والصغائرَ أم لا تكفر سوى الصغائر ؟ فمنهم من قال : لا تُكفر سوى الصغائر(4) ، وقد رُوي هذا عن عطاء وغيره من السَّلف في الوضوء أنَّه يُكفر الصغائر ، وقال سلمان الفارسيُّ في الوضوء : إنَّه يكفر الجراحات الصِّغار ، والمشي إلى المسجد يُكفر أكبرَ من ذلك ، والصلاة تكفر أكبرَ من ذلك . خرَّجه محمد بن نصر المروزي(5) .
__________
(1) هو وكيع بن الجراح بن مليح أبو سفيان الرؤاسي الكوفي ، توفي سنة ( 197 ه ) .
انظر : تهذيب الكمال 7/461 ( 7290 ) ، وسير أعلام النبلاء 9/140 .
(2) عبارة : ( كل يوم ) سقطت من ( ص ) .
(3) أخرجه : وكيع بن الجراح في " الزهد " ( 277 ) ، وابن أبي شيبة ( 34543 ) .
(4) عبارة : ( فمنهم من قال : لا تكفر سوى الصغائر ) سقطت من ( ص ) .
(5) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 99 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما الكبائر ، فلابدَّ لها من التوبة ؛ لأنَّ الله أمر العباد بالتوبة ، وجعل من لم يتب ظالماً، واتفقت الأمةُ على أنَّ التوبة فرض ، والفرائضُ لا تُؤدى إلا بنيةٍ وقصدٍ ، ولو كانت الكبائرُ تقع مكفرةً بالوضوء والصلاة ، وأداء بقية أركان الإسلام ، لم يُحْتَجْ إلى التوبة ، وهذا باطلٌ بالإجماع .
وأيضا فلو كُفِّرَت الكبائرُ بفعل الفرائض لم يبق لأحدٍ ذنبٌ يدخل به النار إذا أتى بالفرائض ، وهذا يشبه قولَ المرجئة وهو باطل ، هذا ما ذكره ابن عبد البرِّ في كتابه " التمهيد " (1) وحكى إجماع المسلمين على ذلك ، واستدلَّ عليه بأحاديث :
منها : قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الصَّلواتُ الخمسُ ، والجمعَةُ إلى الجُمُعَةِ ، ورمضانُ إلى رمضان مُكفِّراتٌ لما بَينَهُنَّ ما اجتُنِبت الكبائرُ ) وهو مخرَّج في " الصحيحين " (2) من حديث أبي هريرة ، وهذا يدلُّ على أنَّ الكبائرَ لا تكفرها هذه الفرائضُ .
وقد حكى ابنُ عطية في " تفسيره " في معنى هذا الحديث قولين : أحدُهما - وحكاه عن جمهور أهل السُّنة - : أنَّ اجتنابَ الكبائر شرط لتكفير هذه الفرائض للصغائر ، فإنْ لم تُجتنب ، لم تُكفر هذه الفرائض شيئاً بالكلية .
__________
(1) انظر : التمهيد 2/181 ( طبعة دار إحياء التراث العربي ) .
(2) أخرجه : مسلم 1/143 ( 233 ) ( 14 ) – ( 16 ) ، ولم يخرجه البخاري .
وأخرجه : الطيالسي ( 2470 ) ، وأحمد 2/229 و359 و400 و414 و484 ، وابن ماجه ( 1086 ) ، والترمذي ( 214 ) ، وابن خزيمة ( 314 ) و( 1814 ) ، وأبو عوانة 2/20 ، والحاكم 1/119-120 ، و4/259 ، والبيهقي في " الكبرى " 2/466-467 و10/187 ، والبغوي ( 345 ) من طرق عن أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●والثاني : أنَّها تُكفر الصغائر مطلقاً ، ولا تُكفر الكبائر وإنْ وجدت ، لكن بشرط التوبة من الصغائر ، وعدمِ الإصرار عليها ، ورجَّحَ هذا القول ، وحكاه عن الحذاق(1) .
وقوله : بشرط التوبة من الصغائر ، وعدمِ الإصرار عليها ، مرادُه أنَّه إذا أصرَّ عليها ، صارت كبيرةً ، فلم تكفرها الأعمالُ . والقولُ الأوَّلُ الذي حكاه غريب ، مع أنَّه قد حُكِيَ عن أبي بكر عبد العزيز بن جعفر من أصحابنا مثلُه .
وفي " صحيح مسلم " (2) عن عثمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( مَا مِن امرئ مسلمٍ تحضُرُه صلاةٌ مكتوبة ، فيُحسِنُ وضوءها وخُشوعَها ورُكوعها إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم يُؤْتِ كبيرةً ، وذلك الدهر كُلَّه ) .
وفي " مسند الإمام أحمد " (3) عن سلمان ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يتطهَّرُ الرجلُ -يعني: يوم الجمعة- فيحسن طهوره، ثم يأتي الجمعة فَيُنْصِتَ حتى يقضيَ الإمامُ صلاته ، إلا كان كفَّارة ما بينه وبين الجمعة المقبلة ما اجتنبت الكبائر المقتلة ) .
__________
(1) انظر : التمهيد 2/181 ( طبعة دار إحياء التراث العربي ) ، وتفسير ابن عطية 4/33 .
(2) الصحيح 1/141 ( 228 ) ( 7 ) .
(3) المسند 5/439 و440 .
وأخرجه : النسائي ( 1665 ) و( 1725 ) ، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1/368 والطبراني في " الكبير " ( 6089 ) و( 6090 ) ، والخطيب في " موضح أوهام الجمع والتفريق " 1/164 ، وهو حديث قويٌّ .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج النسائي ، وابنُ حبان(1) ، والحاكمُ من حديث أبي سعيدٍ وأبي هُريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( والَّذي نفسي بيده ما مِنْ عبدٍ يُصلِّي الصلواتِ الخمس ، ويصومُ رمضان ، ويُخرج الزكاة ، ويجتنب الكبائر السبعَ ، إلا فُتِحَتْ له أبوابُ الجنَّة ، ثم قيل له : ادخل بسلام ) (2) . وخرَّج الإمامُ أحمد والنَّسائي من حديث أبي أيوب ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معناه أيضاً(3) . وخرَّج الحاكم(4) معناه من حديث عبيد بن عمير ، عن أبيه ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
ويُروى من حديث ابن عمر مرفوعاً : ( يقولُ الله - عز وجل - : ابنَ آدمَ اذكُرني من أوَّلِ النهار ساعةً ومن آخرِ النهار ساعةً ، أَغْفِر لك ما بَينَ ذلك ، إلا الكبائر ، أو تتوب منها )(5) .
وقال ابن مسعود: الصلواتُ الخمس كفَّاراتٌ لما بينهن ما اجتنبت الكبائر(6).
وقال سلمان : حافظوا على هذه الصلوات الخمس ، فإنَّهنَّ كفَّارات لهذه الجراح ما لم تُصب المقتلة(7) .
__________
(1) تحرف في ( ص ) إلى : ( ابن ماجه ) .
(2) أخرجه : النسائي 5/8 ، وابن حبان ( 1748 ) ، والحاكم 1/200 و2/240 ، وإسناده ضعيف لجهالة صهيب مولى العتواري فقد تفرد بالرواية عنه نعيم المجمر .
(3) أخرجه : أحمد 5/413 ، والنسائي 7/88 .
وأخرجه : ابن حبان ( 3247 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 3885 ) و( 3886 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 1144 ) من طرق عن أبي أيوب ، به.
(4) في " المستدرك " 1/59 و4/259 عن عبيد بن عمير ، عن أبيه ، به .
(5) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 8/213 من حديث الحسن ، عن أبي هريرة . والحسن لم يسمع من أبي هريرة .
(6) أخرجه : المروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 206 ) .
(7) أخرجه : عبد الرزاق ( 148 ) و( 4737 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 6051 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قال ابنُ عمر لرجل : أتخاف النارَ أنْ تدخلها ، وتحبُّ الجنَّةَ أنْ تدخلها ؟ قال : نعم ، قال : برَّ أمَّك فوالله لَئِنْ ألنتَ لها الكلام وأطعمتها الطَّعام ، لتدخلن الجنَّة ما اجتنبت الموجبات(1) . وقال قتادة : إنَّما وعد الله المغفرةَ لمن اجتنب الكبائر(2) ، وذكر لنا أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( اجتنبوا الكبائرَ وسدِّدوا وأبشروا )(3) .
وذهب قومٌ من أهل الحديث وغيرهم إلى أنَّ هذه الأعمالَ تُكفِّرُ الكبائرَ ، ومنهم : ابن حزم الظاهري ، وإيَّاه عنى ابنُ عبد البرّ في كتاب " التمهيد " بالردِّ عليه وقال : قد كنتُ أرغبُ بنفسي عن الكلام في هذا الباب ، لولا قولُ ذلك القائل ، وخشيتُ أنْ يغترَّ به جاهلٌ ، فينهمِكَ في الموبقاتِ ، اتِّكالاً على أنَّها تكفِّرُها الصلواتُ دونَ الندم والاستغفار والتوبة ، والله نسألُه العصمة والتوفيقَ(4) .
__________
(1) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 19705 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " 1/17 ، والطبري في " تفسيره " 5/39 . والروايات مطولة والمختصرة ، متباينة اللفظ متفقة المعنى .
(2) من قوله : ( وقال قتادة ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(3) أخرجه : أحمد 3/394 ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(4) انظر : التمهيد 2/183 ( طبعة دار إحياء التراث العربي ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قلتُ : وقد وقع مثلُ هذا في كلام طائفة من أهل الحديث في الوضوء ونحوه ، ووقع مثلُه في كلام ابن المنذر في قيام ليلة القدر ، قال : يُرجى لمن قامها أنْ يغفر له جميع ذنوبه صغيرها وكبيرها . فإنْ كان مرادهم أنَّ مَنْ أتى بفرائض الإسلام وهو مُصرٌّ على الكبائر تغفر له الكبائرُ قطعاً ، فهذا باطلٌ قطعاً ، يُعْلَمُ بالضرورة من الدِّين بطلانه ، وقد سبق قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ أساءَ في الإسلام أُخِذَ بالأوَّلِ والآخر )(1) يعني : بعمله في الجاهلية والإسلام ، وهذا أظهرُ من أنْ يحتاجَ إلى بيانٍ ، وإنْ أرادَ هذا القائلُ أنَّ من ترك الإصرارَ على الكبائرِ ، وحافظ على الفرائض من غير توبة ولا ندمٍ على ما سلف منه ، كُفِّرَت ذنوبه كلُّها بذلك ، واستدلَّ بظاهر قوله: { إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً } (2) . وقال : السيئات(3) تشملُ الكبائرَ والصغائر ، فكما أنَّ الصغائرَ تُكفَّرُ باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نيَّةٍ ، فكذلك الكبائرُ ، وقد يستدلُّ لذلك بأنَّ الله وعد المؤمنين والمتقين بالمغفرة وبتكفير السَّيِّئات ، وهذا مذكورٌ في غير موضع من القرآن ، وقد صار هذا من المتَّقين ، فإنَّه فعل الفرائضَ ، واجتنبَ الكبائرَ ، واجتنابُ الكبائر
__________
(1) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 19686 ) ، والحميدي ( 108 ) ، وأحمد 1/379 و380 و409 و429 و431 و434 و462 ، والدارمي 1/2 ، والبخاري 9/17 ( 6921 ) ، ومسلم 1/76 ( 120 ) ( 189 ) ( 190 ) ، وابن ماجه ( 4242 ) ، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " 1/211 ، وابن حبان ( 396 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 7/125 ، والبيهقي 9/123 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 23 ) ، والبغوي ( 28 ) من حديث عبد الله بن مسعود .
(2) النساء : 31 .
(3) عبارة : ( وقال : السيئات ) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●لا يحتاجُ إلى نيَّةٍ وقصدٍ ، فهذا القولُ يمكن أنْ يُقال في الجملة .
والصَّحيح قول الجمهور : إنَّ الكبائر لا تُكفَّرُ بدون التوبة ؛ لأنَّ التوبة فرضٌ على العباد ، وقد قال - عز وجل - : { وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } (1) . وقد فسرت الصحابة كعمر وعلي وابن مسعود التوبة بالندم(2) ، ومنهم من فسَّرها بالعزم على أنْ لا يعود(3) ، وقد روي ذلك مرفوعاً من وجه فيه ضعفٌ(4) ، لكن لا يعلم مخالفٌ من الصحابة في هذا ، وكذلك التابعون ومَنْ بعدهم ، كعمر بن عبد العزيز ، والحسن وغيرهما .
__________
(1) الحجرات : 11 .
(2) انظر : زيادات نعيم بن حماد على كتاب " الزهد لعبد الله بن المبارك " ( 168 ) و( 169 ) ، وتفسير القرطبي 18/198 .
(3) منهم : عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهم - .
انظر : تفسير الطبري ( 26697 ) و( 26698 ) و( 26699 ) .
(4) روي الحديث عن عبد الله بن مسعود مرفوعاً : ( التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود فيه ) .
... أخرجه : أحمد 1/446 ، وفي إسناده علي بن عاصم ، وهو ضعيف . انظر : التاريخ الكبير 6/118 ( 2435 ) ، وإبراهيم الهجري ضعيف أيضاً .
وأخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 7036 ) ، وفي إسناده بكر بن خنيس . قال ابن معين : ( ليس بشيء ) ، وقال أبو زرعة : ( ذاهب الحديث ) . انظر : تهذيب الكمال 1/371 ( 731 ) ، وتهذيب التهذيب 1/440 ، وكذا في إسناده إبراهيم الهجري الضعيف .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما النصوص الكثيرة المتضمنة مغفرة الذنوب ، وتكفير السيئات للمتقين ، كقوله تعالى : { إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ } (1) ، وقوله تعالى : { وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ } (2) ، وقوله : { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً } (3)، فإنَّه لم يُبين في هذه الآيات خصال التقوى ، ولا العمل الصالح ، ومن جملة ذلك : التوبة النصوح ، فمَنْ لم يتب ، فهو ظالم ، غيرُ متّقٍ .
وقد بين في سورة آل عمران خصالَ التقوى التي يغفر لأهلها ويدخلهم الجنَّة ، فذكر منها الاستغفار ، وعدم الإصرار ، فلم يضمن تكفيرَ السيئات ومغفرة الذنوب إلاَّ لمن كان على هذه الصفة ، و الله أعلم .
ومما يُستدلُّ به على أنَّ الكبائر لا تُكَفَّرُ بدونِ التوبة منها ، أو العقوبة عليها حديثُ عُبَادةَ بنِ الصامت ، قال : كنَّا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( بايعوني على أنْ لا تُشركوا بالله شيئاً ، ولا تسرقوا ، ولاتزنوا ) ، وقرأ عليهم الآية ( فمن وفى منكم ، فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ، فعُوقِبَ به ، فهو كفَّارَةٌ له ، ومن أصاب من ذلك شيئاً ، فستره الله عليه ، فهو إلى الله ، إنْ شاء عذَّبه ، وإنْ شاء غفر له ) خرَّجاه في " الصحيحين " (4)
__________
(1) الأنفال : 29 .
(2) التغابن : 9 .
(3) الطلاق : 5 .
(4) صحيح البخاري 1/11 ( 18 ) و5/70 ( 3892 ) و6/187 ( 4894 ) و8/198 ( 6784 ) و9/99 ( 7213 ) و9/169 ( 7468 ) ، وصحيح مسلم 5/126 ( 1709 ) ( 41 ) .
وأخرجه : الحميدي ( 387 ) ، وأحمد 5/314 و320 ، والترمذي ( 1439 ) والنسائي 7/148 و161-162 و8/108 ، والحاكم 2/318 ، والدارقطني 3/214-215 ، وأبو نعيم في " الحلية " 5/126 ، والبيهقي 8/328 ، والبغوي ( 29 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●، وفي روايةٍ لمسلم : ( من أتى منكم حداً فأقيم عليه فهو كفارته ) (1) . وهذا يدلُّ على أنَّ الحدود كفارات . قال الشافعيُّ : لم أسمع في هذا البابِ - أنَّ الحد يكونُ كفَّارةً لأهله - شيئاً أحسنَ مِنْ حديث عُبادةَ ابن الصامت(2) .
وقوله : ( فعوقب به ) يعمُّ العقوبات الشرعية ، وهي الحدود المقدَّرةُ أو غير المقدَّرة ، كالتعزيزات ، ويشمل العقوبات القدرية ، كالمصائب والأسقام والآلام ، فإنَّه صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( لا يصيبُ المسلمَ نصبٌ ولا وَصَبٌ(3) ولا هَمٌّ ولا حزن حتَّى الشَّوكة يُشاكها إلا كفَّر الله بها خطاياه )(4) . ورُوي عن عليٍّ أنَّ الحدَّ كفَّارةٌ لمن أقيم عليه(5) ، وذكر ابنُ جرير الطبري في هذه المسألة اختلافاً بين الناس ، ورجَّحَ أنَّ إقامة الحدِّ بمجرَّده كفارة ، ووهَّن القول بخلاف ذلك جداً(6) .
__________
(1) أخرجه : مسلم 5/126 ( 1709 ) ( 43 ) .
(2) ذكره الترمذي في " الجامع الكبير " عقب ( 1439 ) .
(3) عبارة : ( ولا وصب ) سقطت من ( ص ) .
(4) أخرجه : أحمد 2/335 ، والبخاري 7/148 ( 5642 ) ، وفي " الأدب المفرد " ، له ( 492 ) ، وابن حبان ( 2905 ) ، والبيهقي 3/373 ، والبغوي ( 1421 ) من طرق عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما ، به .
(5) أخرجه : البيهقي في " السنن الكبرى " 8/329 ، عن علي ، موقوفاً .
وأخرجه مرفوعاً : أحمد 1/99 و159 ، والترمذي ( 2626 ) ، وابن ماجه ( 2604 ) ، والحاكم 1/7 و2/445 و4/262 ، والدارقطني 3/215 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 503 ) ، والبيهقي 8/328 ، والبغوي ( 4182 ) من طرق عن أبي جحيفة ، عن علي ، به مرفوعاً ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) وذكر الدارقطني في " علله " 3/128-129 س ( 316 ) ثم قال : ( رفعه صحيح ) .
(6) ذكره : الطبري في " تفسيره " عقب ( 9296 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قلت : وقد رُوي عن سعيد بن المسيب وصفوانَ بنِ سليم أنَّ إقامة الحدِّ ليس بكفَّارة ، ولابدَّ معه من التَّوبة ، ورجَّحه طائفة من المتأخِّرين ، منهم : البغويُّ(1) ، وأبو عبد الله بن تيمية في " تفسيريهما " ، وهو قولُ ابنِ حزم الظاهري(2) ، والأوّل قولُ مجاهد وزيد بن أسلم والثوري وأحمد .
وأما حديث أبي هريرة المرفوع : ( لا أدري : الحدودُ طهارةٌ لأهلها أم لا ؟ ) فقد خرَّجه الحاكم وغيره(3) ، وأعلَّه البخاري ، وقال : لا يثبت ، وإنَّما هوَ من مراسيل الزهريِّ ، وهي ضعيفةٌ ، وغلط عبد الرزاق فوصله ، قالَ : وقد صحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الحدود كفارة(4) .
ومما يستدلُّ به من قال : الحدّ ليس بكفارة قولُه تعالى في المحاربين : { ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } (5) وظاهره أنَّه تجتمع لهم عقوبة الدنيا والآخرة . ويُجابُ عنه بأنَّه ذكر عقوبتهم في الدنيا وعقوبتهم في الآخرة(6) ، ولا يلزم اجتماعهما ، وأما استثناء ( من تاب ) فإنَّما استثناه من عقوبة الدنيا خاصة ، فإنَّ عقوبة الآخرة تسقط بالتوبةِ قبل القُدرة وبعدها .
__________
(1) انظر : تفسير البغوي 2/50 .
(2) انظر : المحلى 13/9 .
(3) أخرجه : الحاكم 1/36 و2/14 و450 ، والبيهقي 8/329 من حديث أبي هريرة ، به .
(4) انظر : التاريخ الكبير 1/154 ( 455 ) ، وتفصيل ذلك في كتابي " الجامع في العلل " .
(5) المائدة : 33-34 .
(6) في ( ص ) : ( في الدنيا وفي الآخرة ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ومن أصابَ شيئاً مِنْ ذلك ، فستره الله عليه ، فهو إلى الله إنْ شاء عذَّبه ، وإنْ شاء غفر له )(1) صريحٌ في أنَّ هذه الكبائر من لقي الله بها كانت جتحتَ مشيئتِهِ ، وهذا يدلُّ على أنَّ إقامةَ الفرائضِ لا تكفِّرها ولا تمحوها ، فإنَّ عموم المسلمين يُحافظون على الفرائض ، لاسيما مَنْ بايعهُم النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وخرج مِنْ ذلك مَنْ لقي الله وقد تاب منها بالنُّصوص الدَّالَّةِ من الكتاب والسنة(2) على أنَّ من تابَ إلى الله ، تاب الله عليه ، وغفر له ، فبقى مَنْ لم يتُبْ داخلاً تحت المشيئة .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأيضاً ، فيدلُّ على أنَّ الكبائرَ لا تكفِّرُها الأعمالُ : إنَّ الله لم يجعلْ للكبائر في الدُّنيا كفَّارةً واجبةً ، وإنَّما جعلَ الكفارةَ للصغائر ككفَّارةِ وطءِ المُظاهِرِ ، ووطءِ المرأة في الحيض على حديث ابن عباس الذي ذهب إليه الإمامُ أحمد وغيرُه(1) ، وكفارة من ترك شيئاً من واجبات الحج ، أو ارتكاب بعضَ محظوراته ، وهي أربعةُ أجناس : هديٌ ، وعِتقٌ ، وصدقةٌ ، وصيامٌ ، ولهذا لا تجب الكفارة في قتل العمدِ عندَ جمهور العلماءِ(2) ، ولا في اليمين الغموس أيضاً عند أكثرهم ، وإنَّما يؤمرُ القاتلُ بعتق رقبة استحباباً ، كما في حديث واثلة بن الأسقع : أنَّهم جاؤوا إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في صاحبٍ لهم قد أوجب ، فقال : ( اعتِقُوا عنه رقبةً يعتقه الله بها مِن النار ) (3) . ومعنى أوجب : عَمِلَ عملاً يجب له به النارُ ، ويقال : إنَّه كان قتل قتيلاً . وفي " صحيح مسلم "(4) عن ابنِ عمر : أنَّه ضربَ عبداً له ، فأعتقه وقال : ليس لي فيه مِنَ الأجر مثل هذا - وأخذ عوداً من الأرض - إني سمعت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( مَنْ لَطَمَ مملوكَه ، أو ضربه ، فإنَّ كفَّارتَه أنْ يَعتِقَهُ ) .
__________
(1) انظر : المغني لابن قدامة 1/384 ، والواضح 1/156 .
(2) انظر : الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2/843 ، والمغني والشرح الكبير 10/38 ( 7054 ) .
(3) أخرجه : أحمد 3/490-491 و4/107 ، وأبو داود ( 3964 ) ، وابن حبان ( 4307 ) ، والطبراني في " الكبير " 22/( 218 ) و( 219 ) و( 220 ) و( 221 ) و( 222 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 37 ) - ( 42 ) ، والحاكم 2/212 ، والبيهقي 8/132-133 ، والبغوي ( 2417 ) ، وإسناده ضعيف لجهالة الغريف الديلمي .
(4) أخرجه : مسلم 5/89 ( 1657 ) ( 29 ) ( 30 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●فإنْ قيل : فالمجامِعُ في رمضان يُؤمَرُ بالكفَّارةِ ، والفطرُ في رمضان مِنَ الكبائرِ ، قيل : ليست الكفارة للفطر ، ولهذا لا يجب عندَ الأكثرين على كلِّ مفطر في رمضان عمداً ، وإنَّما هي لِهَتْكِ حُرمةِ نهار(1) رمضان بالجماع ، ولهذا لو كان مفطراً فطراً لا يجوزُ له في نهار رمضان ، ثمَّ جامع ، للزمته الكفارةُ عند الإمام أحمد لما ذكرنا(2) .
وممَّا يدلُّ على أنَّ تكفيرَ الواجبات مختصٌّ بالصَّغائر ما خرَّجه البخاري عن حُذيفة ، قال : بَيْنا نحن جلوسٌ عند عمرَ ، إذ قال : أيُّكم يحفظُ قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الفتنة ؟ قال : قلتُ : ( فتنةُ الرجل في أهله وماله وولده وجارِه يُكَفِّرُها الصلاةُ والصدقةُ والأمرُ بالمعروفِ والنهيُ عن المنكر ) قال : ليس عن هذا أسألك . وخرَّجه مسلم بمعناه ، وظاهر هذا السياق يقتضي رفعَه ، وفي رواية للبخاري أنَّ حذيفة قال : سمعتُه يقول : ( فتنة الرجل ) فذكره ، وهذا كالصريح في رفعه ، وفي روايةٍ لمسلم أنَّ هذا من كلام عمر(3) .
__________
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) انظر : الفتاوى لابن تيمية 25/139 – 140 ، والمفصل في أحكام المرأة 2/59 – 60 .
(3) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20752 ) ، والطيالسي ( 408 ) ، والحميدي ( 447 ) ، وأحمد 5/401-402 و450 ، والبخاري 1/140 ( 525 ) و2/141 ( 1435 ) و3/31-32 ( 1895 ) و4/238 ( 3586 ) و9/68 ( 7096 )، ومسلم 1/88 ( 144 ) ( 231 )، وابن ماجه ( 3955 )، والترمذي ( 2258 )، وابن حبان ( 5966 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/270-271 ، والبيهقي في " دلائل النبوة " 3/386 ، والبغوي ( 4218 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما قولُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - للذي قال له : أصبتُ حدَّاً ، فأقمه عليَّ ، فتركه حتى صلى ، ثم قال له : ( إنَّ الله غفر لك حَدَّك )(1) ، فليس صريحاً في أنَّ المراد به شيءٌ مِنَ الكبائر ؛ لأنَّ حدود الله محارمه كما قال تعالى : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه } (2) وقوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا } (3) ، وقوله : { تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ } الآية إلى قوله : { وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ } (4) .
وفي حديث النواس بن سمعان(5) ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في ضرب مثل الإسلام بالصراط المستقيم الذي على جنبتيه سُوران ، قال : ( والسورانِ حُدودُ الله ) . وقد سبق ذكره بتمامه .
__________
(1) سبق تخريجه .
(2) الطلاق : 1 .
(3) البقرة : 229 .
(4) النساء : 13-14 .
(5) في ( ص ) : ( العرباض بن سارية ) ولعله سبق قلم من الناسخ .
● [ الصفحة التالية ] ●فكلُّ من أصاب شيئاً من محارم الله، فقد أصابَ حدودَه ، وركبها ، وتعدَّاها . وعلى تقدير أنْ يكونَ الحدُّ الذي أصابه كبيرةً ، فهذا الرجل جاء نادماً تائباً ، وأسلم نفسه إلى إقامةِ الحدِّ عليه ، والنَّدمُ توبة ، والتوبةُ تُكفِّرُ الكبائرَ بغير تردُّدٍ ، وقد رُوي ما يُستدلُّ به على أنَّ الكبائر تكفرُ ببعض الأعمال الصالحة ، فخرَّجَ الإمامُ أحمد والترمذيُّ من حديث ابن عمر : أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسولَ الله ، إني أصبتُ ذنباً عظيماً ، فهل لي من توبة ؟ قالَ : ( هل لك مِنْ أمٍّ ؟ ) قالَ : لا ، قالَ : ( فهل لك من خالةٍ ؟ ) قال : نعم ، قال : ( فبِرَّها ) ، وخرَّجه ابن حبان في " صحيحه " والحاكم ، وقال : على شرط الشيخين(1) ، لكن خرَّجه الترمذي من وجهٍ آخر مرسلاً ، وذكر أنَّ المرسلَ أصحُّ من الموصول(2) ، وكذا قال عليُّ بنُ المديني والدارقطني (3) .
وروي عن عمرَ أنَّ رجلاً قال له : قتلتُ نفساً ، قال : أمُّك حية ؟ قال : لا ، قال : فأبوك ؟ قال : نعم ، قال : فبِرَّه وأحسن إليه ، ثم قال عمر : لو كانت أمُّه حيَّةً فبرَّها ، وأحسن إليها ، رجوتُ أنْ لا تطعَمه النارُ أبداً . وعن ابن عباس معناه أيضاً(4) .
__________
(1) أخرجه : أحمد 2/14 ، والترمذي ( 1904 م1 ) ، وابن حبان ( 435 ) ، والحاكم 4/155 .
(2) أخرجه : الترمذي ( 1904 م2 ) ، وقال : ( وهذا أصحُّ من حديث أبي معاوية ) .
(3) بيان ذلك كله في كتابي " الجامع في العلل " يسر الله إتمامه وطبعه .
(4) أخرجه : البخاري في " الأدب المفرد " ( 4 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وكذلك المرأة التي عَمِلَت بالسحر بدُومَة الجندلِ ، وقدمت المدينةَ تسألُ عن توبتها ، فوجدت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قد توفي ، فقال لها أصحابُه : لو كان أبواك حَيَّيْنِ أو أحدهما كانا يكفيانك . خرَّجه الحاكم وقال : فيه إجماعُ الصحابة حِدْثَان وفاةِ الرسول - صلى الله عليه وسلم - على أنَّ برَّ الأبوين يكفيانها(1) . وقال مكحول والإمام أحمد : بِرُّ الوالدين كفارةٌ للكبائر . وروي عن بعض السَّلف في حمل الجنائز أنَّه يَحطُّ الكبائر ، وروي مرفوعاً من وجوهٍ لا تَصِحُّ .
وقد صحَّ من رواية أبي بُردة أنَّ أبا موسى لما حضرته الوفاةُ قال : يا بَنِيَّ ، اذكروا صاحبَ الرَّغيف : كان رجلٌ يتعبَّدُ في صومعةٍ أُراه سبعينَ سنة ، فشبَّه الشيطانُ في عينه امرأةً ، فكان معها سبعةَ أيامٍ وسبعَ ليالٍ ، ثم كُشِفَ عن الرجل غطاؤه، فخرج تائباً، ثمَّ ذكر أنَّه باتَ بين مساكين ، فتُصُدِّقَ عليهم برغيف رغيف ، فأعطوه رغيفاً ، ففقده صاحبُه الذي كان يُعطاه ، فلمَّا علم بذلك ، أعطاه الرغيفَ وأصبح ميتاً ، فوُزِنَتِ السَّبعونَ سنة بالسَّبع ليال ، فرجحت الليالي ، ووُزِنَ الرَّغيفُ بالسَّبع اللَّيال ، فرجح الرغيف(2) .
وروى ابنُ المبارك بإسناده في كتاب " البر والصلة " عن ابن مسعود ، قال : عبَدَ اللهَ رجلٌ سبعين سنةً ، ثم أصابَ فاحشةً ، فأحبطَ الله عملَه ، ثم أصابته زَمَانةٌ وأُقْعِدَ ، فرأى رجلاً يتصدَّقُ على مساكين ، فجاء إليه ، فأخذ منه رغيفاً ، فتصدَّقَ به على مسكينٍ ، فغفرَ الله له ، وردَّ عليه عملَ سبعين سنة .
__________
(1) أخرجه : الحاكم 4/155-156 .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 1/263 .
● [ الصفحة التالية ] ●وهذه كلُّها لا دِلالةَ فيها على تكفير الكبائر بمجرَّد العمل ؛ لأنَّ كلَّ من ذكر فيها كان نادماً تائباً من ذنبه ، وإنَّما كان سؤاله عن عملٍ صالح يتقرَّب به إلى الله بعد التوبة حتّى يمحوَ به أثَرَ الذنب بالكلية ، فإنَّ الله(1) شرط في قبول التوبة ومغفرةِ الذنوب بها العملَ الصالح ، كقوله : { إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } (2) ، وقوله : { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً } (3) ، وقوله : { فَأَمَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ } (4) ، وفي هذا متعلَّقٌ لمن يقول : إنَّ التائب بعد التوبة في المشيئة ، وكان هذا حال كثير مِنَ الخائفين مِنَ السَّلف . وقال بعضهم لرجلٍ : هل أذنبت ذنباً ؟ قال : نعم ، قال : فعلمتَ أنَّ الله كتبه عليك ؟ قال : نعم ، قال : فاعمل حتّى تعلمَ أنَّ الله قد محاه . ومنه قولُ ابن مسعود : إنَّ المؤمن يرى ذنوبه كأنَّه في أصل جبل يخاف أنْ يقع عليه ، وإنَّ الفاجر يرى ذنوبَه كذُبابٍ طار على أنفه ، فقال به هكذا . خرَّجه البخاري(5) .
__________
(1) عبارة : ( فإن الله ) لم ترد في ( ص ) .
(2) مريم : 60 .
(3) طه : 82 .
(4) القصص : 67 .
(5) أخرجه : البخاري 8/83-84 ( 6308 ) . = = ... وأخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 68 ) و( 69 ) ، وأحمد 1/383 ، والترمذي
( 2497 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 4/129 ، والبيهقي في 10/188-189 وفي " شعب الإيمان " ، له ( 7104 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وكانوا يتَّهمُون أعمالهم وتوباتهم ، ويخافون أنْ لا يكونَ قد قُبِلَ منهم ذلك ، فكان ذلك يُوجِبُ لهم شدَّةَ الخوف ، وكثرةَ الاجتهاد في الأعمال الصالحة .
قال الحسن: أدركتُ أقواماً لو أنفق أحدهم ملءَ الأرض ما أمِنَ لِعظم الذنب في نفسه(1). وقال ابنُ عون : لا تَثِقْ بكثرة العمل ، فإنَّك لا تدري أيُقبل منك أم لا ، ولا تأمن ذنوبك ، فإنَّك لا تدري كُفِّرَتْ عنك أم لا ، إنَّ عملك مُغَيَّبٌ عنك كله .
والأظهر - والله أعلم - في هذه المسألة - أعني : مسألة تكفير الكبائر بالأعمال - أنَّه إنْ أُريدَ أنَّ الكبائر تُمحى بمجرَّد الإتيان بالفرائضِ ، وتقع الكبائر مكفرة بذلك كما تُكفَّرُ الصَّغائر باجتناب الكبائر ، فهذا باطلٌ .
وإنْ أريدَ أنَّه قد يُوازن يومَ القيامة بين الكبائر وبينَ بعض الأعمال ، فتُمحى الكبيرة بما يُقابلها من العمل ، ويَسقُطُ العمل ، فلا يبقى له ثوابٌ ، فهذا قد يقع .
وقد تقدَّم عن ابنِ عمرَ أنَّه لمَّا أعتق مملوكَه الذي ضربه ، قال : ليس لي فيه مِنَ الأجر شيءٌ ، حيث كان كفارةً لذنبه ، ولم يكن ذنبُه مِنَ الكبائر ، فكيف بما كان من الأعمال مكفراً للكبائر ؟
__________
(1) أخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 160 ) .
الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
- مساهمة رقم 3