منتديات الرسالة الخاتمة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم, أنت لم تقم بتسجيل الدخول بعد!
يشرفنا أن تقوم
بالدخول
أو
التسجيل
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى
منتدى ميراث الرسول
منتدى حكماء رحماء الطبى
منتدى غذاؤك دواؤك
منتدى دليل الثقافة الغذائية
منتدى بنات بنوتات
منتدى قوت القلوب
منتدى نافذة ثقافية
منتدى دنيا الكراكيب
منتدى صبايا مصرية
منتدى همسات الحموات
منتدى الف توتة و حدوتة
منتديات الرسالة الخاتمة
مكتبة السيرة والقصص والتاريخ
السيرة النبوية المُطهرة
المُجلد ألأول
من حَرْبٌ دَاحِسً إلى قَالَ ذُو الرّمّةِ
الرسالة
الرسالة
Admin
عدد المساهمات
:
3958
تاريخ التسجيل
:
01/01/2014
مساهمة رقم 1
من حَرْبٌ دَاحِسً إلى قَالَ ذُو الرّمّةِ
من طرف الرسالة الأربعاء 1 أكتوبر 2014 - 8:04
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
السيرة النبوية المطهرة
السيرة النبوية لابن هشام
المُجلد ألأول
من حَرْبٌ دَاحِسً
إلى قَالَ ذُو الرّمّةِ
[ حَرْبٌ دَاحِسً ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُهُ أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ
فَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحَوِيّ : أَنّ دَاحِسًا فَرَسٌ كَانَ لِقَيْسِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ قُطَيْعَةَ بْنِ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ؛ أَجْرَاهُ مَعَ فَرَسٍ لِحُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُؤَيّةَ بْنِ لَوْذَانِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ فَزَارَةَ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، يُقَال لَهَا : الْغَبْرَاءُ . فَدَسّ حُذَيْفَةُ قَوْمًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوا وَجْهَ دَاحِسٍ إنْ رَأَوْهُ قَدْ جَاءَ سَابِقًا ، فَجَاءَ دَاحِسٌ سَابِقًا فَضَرَبُوا وَجْهَهُ وَجَاءَتْ الْغَبْرَاءُ . فَلَمّا جَاءَ فَارِسُ دَاحِسٍ أَخْبَرَ قَيْسًا الْخَبَرَ ، فَوَثَبَ أَخُوهُ مَالِكُ بْنُ زُهَيْرٍ فَلَطَمَ وَجْهَ الْغَبْرَاءِ فَقَامَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ فَلَطَمَ مَالِكًا . ثُمّ إنّ أَبَا الْجُنَيْدِبِ الْعَبْسِيّ لَقِيَ عَوْفَ بْنَ حُذَيْفَةَ فَقَتَلَهُ ثُمّ لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ مَالِكًا فَقَتَلَهُ فَقَالَ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ أَخُو حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ : [ ص 287 ]
قَتَلْنَا بِعَوْفٍ مَالِكًا وَهُوَ ثَأْرُنَا ... فَإِنْ تَطْلُبُوا مِنّا سِوَى الْحَقّ تَنْدَمُوا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ الرّبِيعُ بْنُ زِيَادٍ الْعَبْسِيّ :
أَفَبَعْدَ مَقْتَلِ مَالِكِ بْنِ زُهَيْرٍ ... تَرْجُو النّسَاءُ عَوَاقِبَ الْأَطْهَارِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ عَبْسٍ وَفَزَارَةَ فَقُتِلَ حُذَيْفَةُ بْنُ بَدْرٍ وَأَخُوهُ حَمَلُ بْنُ بَدْرٍ ، فَقَالَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ جَذِيمَةَ يَرْثِي حُذَيْفَةَ وَجَزِعَ عَلَيْهِ
كَمْ فَارِسٍ يُدْعَى وَلَيْسَ بِفَارِسٍ ... وَعَلَى الْهَبَاءَةِ فَارِسٌ ذُو مَصْدَقِ
فَابْكُوا حُذَيْفَةَ لَنْ تُرَثّوا مِثْلَهُ ... حَتّى تَبِيدَ قَبَائِلٌ لَمْ تُخْلَقْ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ قَيْسُ ( بْنُ ) زُهَيْرٍ :
عَلَى أَنّ الْفَتَى حَمَلَ بْنَ بَدْرٍ ... بَغَى وَالظّلْمُ مَرْتَعُهُ وَخِيمُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ زُهَيْرٍ أَخُو قَيْسِ بْنِ زُهَيْرٍ :
تَرَكْتُ عَلَى الْهَبَاءَةِ غَيْرَ فَخْرٍ ... حُذَيْفَةُ عِنْدَهُ قَصْدُ الْعَوَالِي
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَرْسَلَ قَيْسٌ دَاحِسًا وَالْغَبْرَاءَ وَأَرْسَلَ حُذَيْفَةُ الْخَطّارَ وَالْحَنْفَاءَ وَالْأَوّلُ أَصَحّ الْحَدِيثَيْنِ . وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ مَنَعَنِي مِنْ اسْتِقْصَائِهِ قَطْعُهُ حَدِيثَ سِيرَةِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ حَرْبُ حَاطِبٍ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَمّا قَوْلُهُ " حَرْبُ حَاطِبٍ " . فَيَعْنِي حَاطِبَ بْنَ الْحَارِثِ [ ص 288 ] قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، كَانَ قَتَلَ يَهُودِيّا جَارًا لِلْخَزْرَجِ فَخَرَجَ إلَيْهِ يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَر بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ - وَهُوَ الّذِي يُقَال لَهُ ابْنُ فُسْحُمٍ وَفُسْحُمٌ أُمّهُ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جَسْرٍ - لَيْلًا فِي نَفَرٍ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ فَقَتَلُوهُ فَوَقَعَتْ الْحَرْبُ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ فَاقْتَتَلُوا قِتَالًا شَدِيدًا ، فَكَانَ الظّفَرُ لِلْخَزْرَجِ عَلَى الْأَوْسِ ، وَقُتِلَ يَوْمئِذٍ سُوَيْدُ بْنُ صَامِتِ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ حَوْطِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ حَلِيفُ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ . فَلَمّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ خَرَجَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ مَعَهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ ، فَوَجَدَ الْحَارِثَ بْنَ سُوَيْدٍ غِرّةً مِنْ الْمُجَذّرِ فَقَتَلَهُ بِأَبِيهِ . وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . ثُمّ كَانَتْ بَيْنَهُمْ حُرُوبٌ مَنَعَنِي مِنْ ذِكْرِهَا وَاسْتِقْصَاءِ هَذَا الْحَدِيثِ مَا ذَكَرْت فِي ( حَدِيثِ ) حَرْبِ دَاحِسٍ .
[ شِعْرُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيّةَ فِي صَدّ قَوْمِهِ عَنْ عَدَاوَةِ النّبِيّ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَكِيمُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السّلَمِيّ حَلِيفُ بَنِي أُمَيّةَ وَقَدْ أَسْلَمَ ، يُوَرّعُ قَوْمَهُ عَمّا أَجَمَعُوا عَلَيْهِ مِنْ عَدَاوَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ فِيهِمْ شَرِيفًا مُطَاعًا : [ ص 289 ]
هَلْ قَائِلٌ قَوْلًا هُوَ الْحَقّ قَاعِدٌ ... عَلَيْهِ وَهَلْ غَضْبَانُ لِلرّشْدِ سَامِعُ
وَهَلْ سَيّدٌ تَرْجُو الْعَشِيرَةُ نَفْعَهُ ... لِأَقْصَى الْمَوَالِي وَالْأَقَارِبِ جَامِعُ
تَبَرّأْتُ إلّا وَجْهَ مَنْ يَمْلِكُ الصّبَا ... وَأَهْجُرُكُمْ مَا دَامَ مُدْلٍ وَنَازِعُ
وَأُسْلِمُ وَجْهِي لِلْإِلَهِ وَمَنْطِقِي ... وَلَوْ رَاعَنِي مِنْ الصّدِيقِ رَوَائِعُ
[ ذِكْرُ ما لُقَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْمِهِ ]
[ سُفَهَاءُ قُرَيْشٍ وَرَمْيُهُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّحْرِ وَالْجُنُونِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ قُرَيْشًا اشْتَدّ أَمْرُهُمْ لِلشّقَاءِ الّذِي أَصَابَهُمْ فِي عَدَاوَةِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ أَسْلَمَ مَعَهُ مِنْهُمْ فَأَغْرَوْا بِرَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ سُفَهَاءَهُمْ فَكَذّبُوهُ وَآذَوْهُ وَرَمَوْهُ بِالشّعْرِ وَالسّحْرِ وَالْكِهَانَةِ وَالْجُنُونِ وَرَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُظْهِرٌ لِأَمْرِ اللّهِ لَا يَسْتَخْفِي بِهِ مُبَادٍ لَهُمْ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ وَاعْتِزَالِ أَوْثَانِهِمْ وَفِرَاقِهِ إيّاهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ .
[ حَدِيثُ ابْنِ الْعَاصِ عَنْ أَكْثَرِ مَا رَأَى قُرَيْشًا نَالَتْهُ مِنْ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ قُلْت لَهُ مَا أَكْثَرَ مَا رَأَيْتَ قُرَيْشًا أَصَابُوا مِنْ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا كَانُوا يُظْهِرُونَ مِنْ عَدَاوَتِهِ ؟ قَالَ حَضَرْتُهُمْ وَقَدْ اجْتَمَعَ أَشْرَافُهُمْ يَوْمًا فِي الْحِجْرِ ، فَذَكَرُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : مَا رَأَيْنَا مِثْلَ مَا صَبَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِ هَذَا الرّجُلِ قَطّ ، سَفّهَ أَحْلَامَنَا ، وَشَتَمَ آبَاءَنَا ، وَعَابَ دِينَنَا ، وَفَرّقَ جَمَاعَتَنَا ، وَسَبّ آلِهَتَنَا ، لَقَدْ صَبَرْنَا مِنْهُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ أَوْ كَمَا قَالُوا : فَبَيْنَا هُمْ فِي ذَلِكَ إذْ طَلَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَقْبَلَ يَمْشِي حَتّى اسْتَلَمَ الرّكْنَ ثُمّ مَرّ بِهِمْ طَائِفًا بِالْبَيْتِ فَلَمّا مَرّ بِهِمْ غَمَزُوهُ [ ص 290 ] قَالَ فَعَرَفْت ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ثُمّ مَضَى ، فَلَمّا مَرّ بِهِمْ الثّانِيَةَ غَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا ، فَعَرَفْتُ ذَلِكَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ مَرّ بِهِمْ الثّالِثَةَ فَغَمَزُوهُ بِمِثْلِهَا ، فَوَقَفَ ثُمّ قَالَ أَتَسْمَعُونَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَمَا وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ جِئْتُكُمْ بِالذّبْحِ . قَالَ فَأَخَذَتْ الْقَوْمَ كَلِمَتُهُ حَتّى مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إلّا كَأَنّمَا عَلَى رَأْسِهِ طَائِرٌ وَاقِعٌ حَتّى إنّ أَشَدّهُمْ فِيهِ وَصَاةً قَبْلَ ذَلِكَ لَيَرْفَؤُهُ بِأَحْسَنِ مَا يَجِدُ مِنْ الْقَوْلِ حَتّى إنّهُ لِيَقُولَ انْصَرِفْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ فَوَاَللّهِ مَا كُنْتَ جَهُولًا . قَالَ فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ الْغَدُ اجْتَمَعُوا فِي الْحِجْرِ وَأَنَا مَعَهُمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ ذَكَرْتُمْ مَا بَلَغَ مِنْكُمْ وَمَا بَلَغَكُمْ عَنْهُ حَتّى إذَا بَادَاكُمْ بِمَا تَكْرَهُونَ تَرَكْتُمُوهُ . فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ طَلَعَ ( عَلَيْهِمْ ) رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَوَثَبُوا إلَيْهِ وَثْبَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَأَحَاطُوا بِهِ يَقُولُونَ أَنْت الّذِي تَقُولُ كَذَا وَكَذَا ، لِمَا كَانَ يَقُولُ مِنْ عَيْبِ آلِهَتِهِمْ وَدِينِهِمْ فَيَقُولُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَعَمْ أَنَا الّذِي أَقُولُ ذَلِكَ . قَالَ فَلَقَدْ رَأَيْت رَجُلًا مِنْهُمْ أَخَذَ بِمِجْمَعِ رِدَائِهِ . قَالَ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللّه عَنْهُ دُونَهُ وَهُوَ يَبْكِي وَيَقُولُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبّي اللّهُ ؟ ثُمّ انْصَرَفُوا عَنْهُ فَإِنّ ذَلِكَ لَأَشَدّ مَا رَأَيْت قُرَيْشًا نَالُوا مِنْهُ قَطّ .
[ بَعْضُ مَا نَالَ أَبَا بَكْرٍ فِي سَبِيلِ الرّسُولِ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَحَدّثَنِي بَعْضُ آلِ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ ، أَنّهَا قَالَتْ ( لَقَدْ ) رَجَعَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ وَقَدْ صَدَعُوا فَرْقَ رَأْسِهِ مِمّا جَبَذُوهُ بِلِحْيَتِهِ وَكَانَ رَجُلًا كَثِيرَ الشّعْرِ . [ ص 291 ]
[ أَشَدّ مَا أُوذِيَ بِهِ الرّسُولُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ أَشَدّ مَا لَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ أَنّهُ خَرَجَ يَوْمًا فَلَمْ يَلْقَهُ أَحَدٌ مِنْ النّاس إلّا كَذّبَهُ وَآذَاهُ لَا حُرّ وَلَا عَبْدٌ فَرَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى مَنْزِلِهِ فَتَدَثّرَ مِنْ شِدّةِ مَا أَصَابَهُ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ { يَا أَيّهَا الْمُدّثّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ }
[ إسْلَامُ حَمْزَةَ رَضى اللّهُ عنه]
[ أَذَاةُ أَبِي جَهْلٍ لِلرّسُولِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَوُقُوفُ حَمْزَةَ عَلَى ذَلِكَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ أَسْلَمَ ، كَانَ وَاعِيَةً أَنّ أَبَا جَهْلٍ مَرّ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الصّفَا ، فَآذَاهُ وَشَتَمَهُ وَنَالَ مِنْهُ بَعْضَ مَا يَكْرَهُ مِنْ الْعَيْبِ لِدِينِهِ وَالتّضْعِيفِ لِأَمْرِهِ فَلَمْ يُكَلّمْهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَوْلَاةٌ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ [ ص 292 ] فَعَمَدَ إلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَجَلَسَ مَعَهُمْ . فَلَمْ يَلْبَثْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ رَضِيَ اللّه عَنْهُ أَنْ أَقْبَلَ مُتَوَشّحًا قَوْسَهُ رَاجِعًا مِنْ قَنْصٍ لَهُ وَكَانَ صَاحِبَ قَنْصٍ يَرْمِيهِ وَيَخْرُجُ لَهُ وَكَانَ إذَا رَجَعَ مِنْ قَنْصِهِ لَمْ يَصِلْ إلَى أَهْلِهِ حَتّى يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ وَكَانَ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَمُرّ عَلَى نَادٍ مِنْ قُرَيْشٍ إلّا وَقَفَ وَسَلّمَ وَتَحَدّثَ مَعَهُمْ وَكَانَ أَعَزّ فَتًى فِي قُرَيْشٍ ، وَأَشَدّ شَكِيمَةً . فَلَمّا مَرّ بِالْمَوْلَاةِ وَقَدْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَيْتِهِ قَالَتْ لَهُ يَا أَبَا عُمَارَةَ لَوْ رَأَيْتَ مَا لَقِيَ ابْنُ أَخِيك مُحَمّدٌ آنِفًا مِنْ أَبِي الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ وَجَدَهُ هَاهُنَا جَالِسًا فَآذَاهُ وَسَبّهُ وَبَلَغَ مِنْهُ مَا يَكْرَهُ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلّمْهُ مُحَمّدٌ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
[ إيقَاعُ حَمْزَةَ بِأَبِي جَهْلٍ وَإِسْلَامُهُ ]
فَاحْتَمَلَ حَمْزَةَ الْغَضَبُ لَمّا أَرَادَ اللّهُ بِهِ مِنْ كَرَامَتِهِ فَخَرَجَ يَسْعَى وَلَمْ يَقِفْ عَلَى أَحَدٍ ، مُعِدّا لِأَبِي جَهْلٍ إذَا لَقِيَهُ أَنْ يُوقِعَ بِهِ فَلَمّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ نَظَرَ إلَيْهِ جَالِسًا فِي الْقَوْمِ فَأَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتّى إذَا قَامَ عَلَى رَأْسِهِ رَفَعَ الْقَوْسَ فَضَرَبَهُ بِهَا فَشَجّهُ شَجّةً مُنْكَرَةً ثُمّ قَالَ أَتَشْتِمُهُ وَأَنَا عَلَى دِينِهِ أَقُولُ مَا يَقُولُ ؟ فَرُدّ ذَلِكَ عَلَيّ إنْ اسْتَطَعْت . فَقَامَتْ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ إلَى حَمْزَةَ لِيَنْصُرُوا أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ دَعُوا أَبَا عُمَارَةَ فَإِنّي وَاَللّهِ قَدْ سَبَبْتُ ابْنَ أَخِيهِ سَبّا قَبِيحًا ، وَتَمّ حَمْزَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ عَلَى إسْلَامِهِ وَعَلَى مَا تَابَعَ عَلَيْهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قَوْلِهِ . فَلَمّا أَسْلَمَ حَمْزَةُ عَرَفَتْ قُرَيْشٌ أَنّ رَسُولَ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ عَزّ وَامْتَنَعَ وَأَنّ حَمْزَةَ سَيَمْنَعُهُ فَكَفّوا عَنْ بَعْضِ مَا كَانُوا يَنَالُونَ مِنْهُ .
[ قَوْلُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ فِي أَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
[ مَا دَارَ بَيْنَ عُتْبَةَ وَبَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
[ ص 293 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، قَالَ حُدّثْت أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ سَيّدًا ، قَالَ يَوْمًا وَهُوَ جَالِسٌ فِي نَادِي قُرَيْشٍ ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحْدَهُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَلَا أَقُومُ إلَى مُحَمّدٍ فَأُكَلّمَهُ وَأَعْرِضَ عَلَيْهِ أُمُورًا لَعَلّهُ يَقْبَلُ بَعْضَهَا فَنُعْطِيهِ أَيّهَا شَاءَ وَيَكُفّ عَنّا ؟ وَذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَ حَمْزَةُ وَرَأَوْا أَصْحَابَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَزِيدُونَ وَيَكْثُرُونَ فَقَالُوا : بَلَى يَا أَبَا الْوَلِيدِ قُمْ إلَيْهِ فَكَلّمْهُ فَقَامَ إلَيْهِ عُتْبَةُ حَتّى جَلَسَ إلَى رَسُولِ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، إنّك مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتَ مِنْ السّطَةِ فِي الْعَشِيرَةِ وَالْمَكَانِ فِي النّسَبِ وَإِنّك قَدْ أَتَيْت قَوْمَك بِأَمْرِ عَظِيمٍ فَرّقْت بِهِ جَمَاعَتَهُمْ وَسَفّهْت بِهِ أَحْلَامَهُمْ وَعِبْت بِهِ آلِهَتَهُمْ وَدِينَهُمْ وَكَفّرْت بِهِ مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِهِمْ فَاسْمَعْ مِنّي أَعْرِضْ عَلَيْك أُمُورًا تَنْظُرُ فِيهَا لَعَلّك تَقْبَلُ مِنْهَا بَعْضَهَا . قَالَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُلْ يَا أَبَا الْوَلِيدِ أَسْمَعْ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، إنْ كُنْت إنّمَا تُرِيدُ بِمَا جِئْتَ بِهِ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَالًا جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ شَرَفًا سَوّدْنَاك عَلَيْنَا ، حَتّى لَا نَقْطَعَ أَمْرًا دُونَك ، وَإِنْ كُنْت تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا ؛ وَإِنْ كَانَ هَذَا الّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ لَا تَسْتَطِيعُ رَدّهُ عَنْ نَفْسِك ، طَلَبْنَا لَك الطّبّ ، وَبَذَلْنَا فِيهِ [ ص 294 ] غَلَبَ التّابِعُ عَلَى الرّجُلِ حَتّى يُدَاوَى مِنْهُ أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ . حَتّى إذَا فَرَغَ عُتْبَةُ وَرَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَمِعُ مِنْهُ قَالَ أَقَدْ فَرَغْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاسْمَعْ مِنّي ؛ قَالَ أَفْعَلُ فَقَالَ بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ { حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ كِتَابٌ فُصّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنّةٍ مِمّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ } ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهَا يَقْرَؤُهَا عَلَيْهِ . فَلَمّا سَمِعَهَا مِنْهُ عُتْبَةُ أَنْصَتَ لَهَا ، وَأَلْقَى يَدَيْهِ خَلْفَ ظَهْرِهِ مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ ثُمّ انْتَهَى رَسُولُ اللّه صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى السّجْدَةِ مِنْهَا ، فَسَجَدَ ثُمّ قَالَ قَدْ سَمِعْتَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ مَا سَمِعْتَ فَأَنْت وَذَاكَ
[ مَا أَشَارَ بِهِ عُتْبَةُ عَلَى أَصْحَابِهِ ]
فَقَامَ عُتْبَةُ إلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ نَحْلِفُ بِاَللّهِ لَقَدْ جَاءَكُمْ أَبُو الْوَلِيدِ بِغَيْرِ الْوَجْهِ الّذِي ذَهَبَ بِهِ . فَلَمّا جَلَسَ إلَيْهِمْ قَالُوا : مَا وَرَاءَك يَا أَبَا الْوَلِيدِ ؟ قَالَ وَرَائِي أَنّي قَدْ سَمِعْتُ قَوْلًا وَاَللّهِ مَا سَمِعْت مِثْلَهُ قَطّ ، وَاَللّهِ مَا هُوَ بِالشّعْرِ وَلَا بِالسّحْرِ وَلَا بِالْكِهَانَةِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَطِيعُونِي وَاجْعَلُوهَا بِي ، وَخَلّوا بَيْنَ هَذَا الرّجُلِ وَبَيْنَ مَا هُوَ فِيهِ فَاعْتَزِلُوهُ فَوَاَللّهِ لَيَكُونَنّ لِقَوْلِهِ الّذِي سَمِعْتُ مِنْهُ نَبَأٌ عَظِيمٌ فَإِنْ تُصِبْهُ الْعَرَبُ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُ بِغَيْرِكُمْ وَإِنْ يَظْهَرْ عَلَى الْعَرَبِ فَمُلْكُهُ مُلْكُكُمْ وَعِزّهُ عِزّكُمْ وَكُنْتُمْ أَسْعَدَ النّاسِ بِهِ قَالُوا : سَحَرَك وَاَللّهِ يَا أَبَا الْوَلِيدِ بِلِسَانِهِ قَالَ هَذَا رَأْيِي فِيهِ فَاصْنَعُوا مَا بَدَا لَكُمْ .
[ مَا دَارَ بَيْنَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَيْنَ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ وَتَفْسِيرٌ لِسُورَةِ الْكَهْف ]
[ اسْتِمْرَارُ قُرَيْشٍ عَلَى تَعْذِيبِ مَنْ أَسْلَمَ ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ الْإِسْلَامَ جَعَلَ يَفْشُو بِمَكّةَ فِي قَبَائِل قُرَيْشٍ فِي الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَقُرَيْشٌ تَحْبِسُ مَنْ قَدَرَتْ عَلَى حَبْسِهِ وَتَفْتِنُ مَنْ اسْتَطَاعَتْ [ ص 295 ] قُرَيْشٍ مِنْ كُلّ قَبِيلَةٍ كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، وَعَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - قَالَ
[ حَدِيثُ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ مَعَ الرّسُولِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - ]
اجْتَمَعَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْب ٍ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ ( بْنِ كَلَدَةَ ) ، أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَالْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ، وَزَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ ، وَالْعَاصِ بْنُ وَائِلٍ وَنَبِيهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ السّهْمِيّانِ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، أَوْ مَنْ اجْتَمَعَ مِنْهُمْ . قَالَ اجْتَمِعُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشّمْسِ عِنْدَ ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ، ثُمّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ ابْعَثُوا إلَى مُحَمّدٍ فَكَلّمُوهُ وَخَاصِمُوهُ حَتّى تُعْذِرُوا فِيهِ فَبَعَثُوا إلَيْهِ إنّ أَشْرَافَ قَوْمِك قَدْ اجْتَمَعُوا لَك لِيُكَلّمُوك ، فَأْتِهِمْ فَجَاءَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - سَرِيعًا ، وَهُوَ يَظُنّ أَنْ قَدْ بَدَا لَهُمْ فِيمَا كَلّمَهُمْ فِيهِ بَدَاءٌ وَكَانَ عَلَيْهِمْ حَرِيصًا يُحِبّ رُشْدَهُمْ وَيَعِزّ عَلَيْهِ عَنَتُهُمْ حَتّى جَلَسَ إلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إنّا قَدْ بَعَثْنَا إلَيْك لِنُكَلّمَك ، وَإِنّا وَاَللّهِ مَا نَعْلَمُ رَجُلًا مِنْ الْعَرَبِ أَدْخَلَ عَلَى قَوْمِهِ مِثْلَ مَا أَدْخَلْتَ عَلَى قَوْمِك ، لَقَدْ شَتَمْتَ الْآبَاءَ وَعِبْتَ الدّينَ وَشَتَمْت الْآلِهَةَ وَسَفّهْت الْأَحْلَامَ وَفَرّقْت الْجَمَاعَةَ فَمَا بَقِيَ أَمْرٌ قَبِيحٌ إلّا قَدْ جِئْتَهُ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَك - أَوْ كَمَا قَالُوا لَهُ - فَإِنْ كُنْتَ إنّمَا جِئْتَ بِهَذَا الْحَدِيثِ تَطْلُبُ بِهِ مَالًا جَمَعْنَا لَك مِنْ أَمْوَالِنَا حَتّى تَكُونَ أَكْثَرَنَا مَالًا ، وَإِنْ كُنْتَ إنّمَا تَطْلُبُ بِهِ الشّرَفَ فِينَا ، فَنَحْنُ نُسَوّدُك عَلَيْنَا ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ بِهِ مُلْكًا مَلّكْنَاك عَلَيْنَا ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الّذِي يَأْتِيك رِئْيًا تَرَاهُ قَدْ غَلَبَ عَلَيْك - وَكَانُوا يُسَمّونَ التّابِعَ مِنْ الْجِنّ رِئْيًا - فَرُبّمَا كَانَ ذَلِكَ بَذَلْنَا لَك أَمْوَالَنَا فِي طَلَبِ الطّبّ لَك حَتّى نُبْرِئَك مِنْهُ أَوْ نُعْذِرَ فِيك . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّه - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : [ ص 296 ] مَا بِي مَا تَقُولُونَ مَا جِئْتُ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ وَلَا الشّرَفَ فِيكُمْ وَلَا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ وَلَكِنّ اللّهَ بَعَثَنِي إلَيْكُمْ رَسُولًا ، وَأَنْزَلَ عَلَيّ كِتَابًا ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، فَبَلّغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبّي ، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنّ تَرُدّوهُ عَلَيّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللّهِ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أَوْ كَمَا قَالَ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالُوا : يَا مُحَمّدُ فَإِنْ كُنْت غَيْرَ قَابِلٍ مِنّا شَيْئًا مِمّا عَرَضْنَاهُ عَلَيْك فَإِنّك قَدْ عَلِمْتَ أَنّهُ لَيْسَ مِنْ النّاسِ أَحَدٌ أَضْيَقَ بَلَدًا ، وَلَا أَقَلّ مَاءً وَلَا أَشَدّ عَيْشًا مِنّا ، فَسَلْ لَنَا رَبّك الّذِي بَعَثَك بِمَا بَعَثَك بِهِ فَلْيُسَيّرْ عَنّا هَذِهِ الْجِبَالَ الّتِي قَدْ ضَيّقَتْ عَلَيْنَا ، وَلْيَبْسُطْ لَنَا بِلَادَنَا ، وَلْيُفَجّرْ لَنَا فِيهَا أَنَهَارًا كَأَنْهَارِ الشّامِ وَالْعِرَاقِ ، وَلْيَبْعَثْ لَنَا مَنْ مَضَى مِنْ آبَائِنَا ، وَلْيَكُنْ فِيمَنْ يُبْعَثُ لَنَا مِنْهُمْ قُصَيّ بْنُ كِلَابٍ ، فَإِنّهُ كَانَ شَيْخَ صِدْقٍ فَنَسْأَلَهُمْ عَمّا تَقُولُ أَحَقّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ فَإِنْ صَدّقُوك وَصَنَعْتَ مَا سَأَلْنَاك صَدّقْنَاك ، وَعَرَفْنَا بِهِ مَنْزِلَتَك مِنْ اللّهِ وَأَنّهُ بَعَثَك رَسُولًا كَمَا تَقُول . فَقَالَ لَهُمْ - صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - : مَا بِهَذَا بُعِثْتُ إلَيْكُمْ إنّمَا جِئْتُكُمْ مِنْ اللّهِ بِمَا بَعَثَنِي بِهِ وَقَدْ بَلّغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْت بِهِ إلَيْكُمْ فَإِنْ تَقْبَلُوهُ فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ تَرُدّوهُ عَلَيّ أَصْبِرُ لِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى ، حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قَالُوا : فَإِذَا لَمْ تَفْعَلْ هَذَا لَنَا ، [ ص 297 ] رَبّك أَنْ يَبْعَثَ مَعَك مَلَكًا يُصَدّقُك بِمَا تَقُولُ وَيُرَاجِعُنَا عَنْك وَسَلْهُ فَلْيَجْعَلْ لَك جَنَانًا وَقُصُورًا وَكُنُوزًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِضّةٍ يُغْنِيك بِهَا عَمّا نَرَاك تَبْتَغِي ، فَإِنّك تَقُومُ بِالْأَسْوَاقِ كَمَا نَقُومُ وَتَلْتَمِسُ الْمَعَاشَ كَمَا نَلْتَمِسُهُ حَتّى نَعْرِفَ فَضْلَك وَمَنْزِلَتَك مِنْ رَبّك إنْ كُنْت رَسُولًا كَمَا تَزْعُمُ . فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - : مَا أَنَا بِفَاعِلِ وَمَا أَنَا بِاَلّذِي يَسْأَلُ رَبّهُ هَذَا ، وَمَا بُعِثْت إلَيْكُمْ بِهَذَا ، وَلَكِنّ اللّهَ بَعَثَنِي بَشِيرًا وَنَذِيرًا - أَوْ كَمَا قَالَ - فَإِنْ تَقْبَلُوا مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظّكُمْ فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَإِنْ تَرُدّوهُ عَلَيّ أَصْبِرْ لِأَمْرِ اللّهِ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ قَالُوا : فَأَسْقِطْ السّمَاءَ عَلَيْنَا كِسَفًا كَمَا زَعَمْتَ أَنّ رَبّك إنْ شَاءَ فَعَلَ فَإِنّا لَا نُؤْمِنُ لَك إلّا أَنْ تَفْعَلَ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - : ذَلِكَ إلَى اللّهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِكُمْ فَعَلَ قَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَفَمَا عَلِمَ رَبّك أَنّا سَنَجْلِسُ مَعَك وَنَسْأَلُك عَمّا سَأَلْنَاك عَنْهُ وَنَطْلُبُ مِنْك مَا نَطْلُبُ فَيَتَقَدّمَ إلَيْك فَيُعَلّمَك مَا تُرَاجِعُنَا بِهِ وَيُخْبِرُك مَا هُوَ صَانِعٌ فِي ذَلِكَ بِنَا ، إذْ لَمْ نَقْبَلْ مِنْك مَا جِئْتنَا بِهِ إنّهُ قَدْ بَلَغْنَا أَنّك إنّمَا يُعَلّمُك هَذَا رَجُلٌ بِالْيَمَامَةِ يُقَال لَهُ الرّحْمَنُ وَإِنّا وَاَللّهِ لَا نُؤْمِنُ بِالرّحْمَنِ أَبَدًا ، فَقَدْ أَعْذَرْنَا إلَيْك يَا مُحَمّدُ وَإِنّا وَاَللّهِ لَا نَتْرُكُك وَمَا بَلَغْتَ مِنّا حَتّى نُهْلِكَك ، أَوْ تُهْلِكَنَا . وَقَالَ قَائِلُهُمْ نَحْنُ نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَهِيَ بَنَاتُ اللّهِ . وَقَالَ قَائِلُهُمْ لَنْ نُؤْمِنَ لَك حَتّى تَأْتِيَنَا بِاَللّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا . [ ص 298 ]
[حَدِيثُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي أُمَيّةَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ -]
فَلَمّا قَالُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - قَامَ عَنْهُمْ وَقَامَ مَعَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ - وَهُوَ ابْنُ عَمّتِهِ فَهُوَ لِعَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - فَقَالَ لَهُ يَا مُحَمّدُ . عَرَضَ عَلَيْك قَوْمُك مَا عَرَضُوا فَلَمْ تَقْبَلْهُ مِنْهُمْ ثُمّ سَأَلُوك لِأَنْفُسِهِمْ أُمُورًا لِيَعْرِفُوا بِهَا مَنْزِلَتَك مِنْ اللّهِ كَمَا تَقُول ، وَيُصَدّقُوك وَيَتّبِعُوك فَلَمْ تَفْعَلْ ثُمّ سَأَلُوك أَنْ تَأْخُذَ لِنَفْسِك مَا يَعْرِفُونَ بِهِ فَضْلَك عَلَيْهِمْ وَمَنْزِلَتَك مِنْ اللّهِ فَلَمْ تَفْعَلْ ثُمّ سَأَلُوك أَنْ تُعَجّلَ لَهُمْ بَعْضَ مَا تُخَوّفُهُمْ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ فَلَمْ تَفْعَلْ - أَوْ كَمَا قَالَ لَهُ - فَوَاَللّهِ لَا أُومِنُ بِك أَبَدًا حَتّى تَتّخِذَ إلَى السّمَاءِ سُلّمًا ، ثُمّ تَرْقَى فِيهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إلَيْكَ حَتّى تَأْتِيَهَا ، ثُمّ تَأْتِي مَعَك أَرْبَعَةٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ يَشْهَدُونَ لَك أَنّك كَمَا تَقُول ، وَاَيْمُ اللّهِ لَوْ فَعَلْتَ ذَلِكَ مَا ظَنَنْتُ أَنّي أُصَدّقُك ، ثُمّ انْصَرَفَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - . وَانْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - إلَى أَهْلِهِ حَزِينًا آسِفًا لِمَا فَاتَهُ مِمّا كَانَ يَطْمَعُ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ حِينَ دَعَوْهُ وَلِمَا رَأَى مِنْ مُبَاعَدَتِهِمْ إيّاهُ .
[ مَا تَوَعّدَ بِهِ أَبُو جَهْلٍ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - ]
فَلَمّا قَامَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - قَالَ أَبُو جَهْلٍ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّ مُحَمّدًا قَدْ أَبَى إلّا مَا تَرَوْنَ مِنْ عَيْبِ دِينِنَا ، وَشَتْمِ آبَائِنَا ، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِنَا ، وَشَتْمِ آلْهِتَتَا ، وَإِنّي أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَجْلِسَنّ لَهُ غَدًا بِحَجَرٍ مَا أُطِيقُ حَمْلَهُ - أَوْ كَمَا قَالَ - فَإِذَا سَجَدَ فِي صَلَاتِهِ فَضَخْتُ بِهِ رَأْسَهُ فَأَسْلِمُونِي عِنْدَ ذَلِكَ أَوْ امْنَعُونِي ، فَلْيَصْنَعْ بَعْدَ ذَلِكَ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ مَا بَدَا لَهُمْ قَالُوا : وَاَللّهِ لَا نُسْلِمُك لِشَيْءِ أَبَدًا ، فَامْضِ لِمَا تُرِيدُ .
[ مَا حَدَثَ لِأَبِي جَهْلٍ حِينَ هَمّ بِإِلْقَاءِ الْحَجَرِ عَلَى الرّسُولِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - ]
فَلَمّا أَصْبَحَ أَبُو جَهْلٍ أَخَذَ حَجَرًا كَمَا وَصَفَ ثُمّ جَلَسَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - يَنْتَظِرُهُ وَغَدَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - كَمَا كَانَ يَغْدُو . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - بِمَكّةَ وَقِبْلَتُهُ إلَى الشّامِ ، فَكَانَ إذَا صَلّى صَلّى بَيْنَ [ ص 299 ] الرّكْنِ الْيَمَانِيّ وَالْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ، وَجَعَلَ الْكَعْبَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشّامِ ، فَقَامَ رَسُولُ اللّه - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - يُصَلّي وَقَدْ غَدَتْ قُرَيْشٌ فَجَلَسُوا فِي أَنْدِيَتِهِمْ يَنْتَظِرُونَ مَا أَبُو جَهْلٍ فَاعِلٌ فَلَمّا سَجَدَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - احْتَمَلَ أَبُو جَهْلٍ الْحَجَرَ ، ثُمّ أَقْبَلَ نَحْوَهُ حَتّى إذَا دَنَا مِنْهُ رَجَعَ مُنْهَزِمًا مُنْتَقِعًا لَوْنُهُ مَرْعُوبًا قَدْ يَبِسَتْ يَدَاهُ عَلَى حَجَرِهِ حَتّى قَذَفَ الْحَجَرَ مِنْ يَدِهِ . وَقَامَتْ إلَيْهِ رِجَالُ قُرَيْشٍ ، فَقَالُوا لَهُ مَا لَك يَا أَبَا الْحَكَمِ ؟ قَالَ قُمْتُ إلَيْهِ لِأَفْعَلَ بِهِ مَا قُلْتُ لَكُمْ الْبَارِحَةَ فَلَمّا دَنَوْتُ مِنْهُ عَرَضَ لِي دُونَهُ فَحْلٌ مِنْ الْإِبِلِ لَا وَاَللّهِ مَا رَأَيْت مِثْلَ هَامَتهِ وَلَا مِثْلَ قَصَرَتِهِ وَلَا أَنْيَابِهِ لِفَحْلٍ قَطّ ، فَهَمّ بِي أَنْ يَأْكُلَنِي . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذُكِرَ لِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّم - قَالَ ذَلِكَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - لَوْ دَنَا لَأَخَذَه .
[ نَصِيحَةُ النّضْرِ لِقُرَيْشِ بِالتّدَبّرِ فِيمَا جَاءَ بِهِ الرّسُولُ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
فَلَمّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ أَبُو جَهْلٍ قَامَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْش ٍ ، إنّهُ وَاَللّهِ قَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ مَا أَتَيْتُمْ لَهُ بِحِيلَةِ بَعْدُ قَدْ كَانَ مُحَمّدٌ فِيكُمْ غُلَامًا حَدَثًا أَرْضَاكُمْ فِيكُمْ وَأَصْدَقَكُمْ حَدِيثًا ، وَأَعْظَمَكُمْ أَمَانَةً حَتّى إذَا رَأَيْتُمْ فِي صُدْغَيْهِ الشّيْبَ وَجَاءَكُمْ بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ قُلْتُمْ [ ص 300 ] وَسْوَسَتِهِ وَلَا تَخْلِيطِهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، فَانْظُرُوا فِي شَأْنِكُمْ فَإِنّهُ وَاَللّهِ لَقَدْ نَزَلَ بِكُمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ .
[ مَا كَانَ يُؤْذِي بِهِ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
وَكَانَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ، وَيَنْصِبُ لَهُ الْعَدَاوَةَ وَكَانَ قَدْ قَدِمَ الْحِيرَةَ ، وَتَعَلّمَ بِهَا أَحَادِيثَ مُلُوكِ الْفُرْسِ ، وَأَحَادِيثَ رُسْتُمَ واسبنديار . فَكَانَ إذَا جَلَسَ رَسُولُ اللّه - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مَجْلِسًا فَذَكّرَ فِيهِ بِاَللّهِ وَحَذّرَ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنْ الْأُمَمِ مِنْ نِقْمَةِ اللّهِ خَلَفَهُ فِي مَجْلِسِهِ إذَا قَامَ ثُمّ قَالَ أَنَا وَاَللّهِ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنْهُ فَهَلُمّ إلَيّ فَأَنَا أُحَدّثُكُمْ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِهِ ثُمّ يُحَدّثُهُمْ عَنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَرُسْتُمَ واسبنديار ، ثُمّ يَقُولُ بِمَاذَا مُحَمّدٌ أَحْسَنُ حَدِيثًا مِنّي ؟ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيمَا بَلَغَنِي : سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ ابْنُ عَبّاسٍ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي : نَزَلَ فِيهِ ثَمَانِ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُ اللّه - عَزّ وَجَلّ - : { إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوّلِينَ } . وَكُلّ مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ الْأَسَاطِيرِ مِنْ الْقُرْآنِ .
[ أَرْسَلَتْ قُرَيْشٌ النّضْرَ وَابْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلَى أَحْبَارِ يَهُودَ يَسْأَلَانِهِمْ عَنْ مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ]
فَلَمّا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بَعَثُوهُ وَبَعَثُوا مَعَهُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ إلَى أَحْبَارِ يَهُودَ بِالْمَدِينَةِ وَقَالُوا لَهُمَا : سَلَاهُمْ عَنْ مُحَمّدٍ وَصِفَا لَهُمْ صِفَتَهُ وَأَخْبِرَاهُمْ بِقَوْلِهِ فَإِنّهُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ الْأُوَلِ وَعِنْدَهُمْ عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ عِلْمِ [ ص 301 ] الْأَنْبِيَاءِ فَخَرَجَا حَتّى قَدِمَا الْمَدِينَةَ ، فَسَأَلَا أَحْبَارَ يَهُودَ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَوَصَفَا لَهُمْ أَمْرَهُ وَأَخْبَرَاهُمْ بِبَعْضِ قَوْلِهِ وَقَالَا لَهُمْ إنّكُمْ أَهْلُ التّوْرَاةِ ، وَقَدْ جِئْنَاكُمْ لِتُخْبِرُونَا عَنْ صَاحِبِنَا هَذَا . فَقَالَتْ لَهُمَا أَحْبَارُ يَهُودَ سَلُوهُ عَنْ ثَلَاثٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِنّ فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ بِهِنّ فَهُوَ نَبِيّ مُرْسَلٌ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ . سَلُوهُ عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ مَا كَانَ أَمْرُهُمْ فَإِنّهُ قَدْ كَانَ لَهُمْ حَدِيثٌ عَجَبٌ وَسَلُوهُ عَنْ رَجُلٍ طَوّافٍ قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا مَا كَانَ نَبَؤُهُ وَسَلُوهُ عَنْ الرّوحِ مَا هِيَ ؟ فَإِذَا أَخْبَرَكُمْ بِذَلِك فَاتّبِعُوهُ فَإِنّهُ نَبِيّ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ رَجُلٌ مُتَقَوّلٌ فَاصْنَعُوا فِي أَمْرِهِ مَا بَدَا لَكُمْ . فَأَقْبَلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ حَتّى قَدِمَا مَكّةَ عَلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَا : يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، قَدْ جِئْنَاكُمْ بِفَصْلِ مَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مُحَمّدٍ قَدْ أَخْبَرَنَا أَحْبَارُ يَهُودَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ أَمَرُونَا بِهَا ، فَإِنْ أَخْبَرَكُمْ عَنْهَا فَهُوَ نَبِيّ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَالرّجُلُ مُتَقَوّلٌ فَرَوْا فِيهِ رَأْيَكُمْ .
[ سُؤَالُ قُرَيْشٍ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ أَسْئِلَةٍ وَإِجَابَتُهُ لَهُمْ ]
فَجَاءُوا رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا عَنْ فِتْيَةٍ ذَهَبُوا فِي الدّهْرِ الْأَوّلِ قَدْ كَانَتْ لَهُمْ قِصّةٌ عَجَبٌ وَعَنْ رَجُلٍ كَانَ طَوّافًا قَدْ بَلَغَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ؛ وَأَخْبِرْنَا عَنْ الرّوحِ مَا هِيَ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : أُخْبِرُكُمْ بِمَا سَأَلْتُمْ عَنْهُ غَدًا وَلَمْ يَسْتَثْنِ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ . فَمَكَثَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا يَذْكُرُونَ - خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً لَا يُحْدِثُ اللّهُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَحْيًا ، وَلَا يَأْتِيهِ جِبْرِيلُ حَتّى أَرْجَفَ أَهْلُ مَكّةَ ، وَقَالُوا : وَعَدَنَا مُحَمّدٌ غَدًا ، وَالْيَوْمَ خَمْسَ عَشْرَةَ لَيْلَةً قَدْ أَصْبَحْنَا مِنْهَا لَا يُخْبِرُنَا بِشَيْءِ مِمّا سَأَلْنَاهُ عَنْهُ وَحَتّى أَحْزَنَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مُكْثُ الْوَحْيِ [ ص 302 ] وَشَقّ عَلَيْهِ مَا يَتَكَلّمُ بِهِ أَهْلُ مَكّةَ : ثُمّ جَاءَهُ جِبْرِيلُ مِنْ اللّهِ - عَزّ وَجَلّ - بِسُورَةِ أَصْحَابِ الْكَهْفِ ، فِيهَا مُعَاتَبَتُهُ إيّاهُ عَلَى حُزْنِهِ عَلَيْهِمْ وَخَبَرُ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الْفِتْيَةَ وَالرّجُلِ الطّوّافِ وَالرّوحِ .
[ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي قُرَيْشٍ حِينَ سَأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَغَابَ عَنْهُ الْوَحْيُ مُدّةً ]
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذُكِرَ لِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ لِجِبْرِيلَ حِين جَاءَهُ لَقَدْ احْتَبَسْتَ عَنّي يَا جِبْرِيلُ حَتّى سُؤْتُ ظَنّا فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ { وَمَا نَتَنَزّلُ إِلّا بِأَمْرِ رَبّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبّكَ نَسِيّا } فَافْتَتَحَ السّورَةَ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى - بِحَمْدِهِ وَذِكْرِ نُبُوّةِ رَسُولِهِ لِمَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ { الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ } يَعْنِي مُحَمّدًا - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إنّك رَسُولٌ مِنّي : أَيْ تَحْقِيقٌ " لِمَا سَأَلُوهُ عَنْهُ مِنْ نُبُوّتِك . { وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا قَيّمًا } أَيْ مُعْتَدِلًا ، لَا اخْتِلَافَ فِيهِ . { لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ } أَيْ عَاجِلَ عُقُوبَتِهِ فِي الدّنْيَا . وَعَذَابًا أَلِيمًا فِي الْآخِرَةِ أَيْ مِنْ عِنْدِ رَبّك الّذِي بَعَثَ رَسُولًا . { وَيُبَشّرَ الْمُؤْمِنِينَ الّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحَاتِ أَنّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا } أَيْ دَارُ الْخُلْدِ . لَا يَمُوتُونَ فِيهَا الّذِينَ صَدّقُوك بِمَا جِئْت بِهِ مِمّا كَذّبَك بِهِ غَيْرُهُمْ وَعَمِلُوا بِمَا أَمَرْتهمْ بِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ . { وَيُنْذِرَ الّذِينَ قَالُوا اتّخَذَ اللّهُ وَلَدًا } يَعْنِي قُرَيْشًا فِي قَوْلِهِمْ إنّا نَعْبُدُ الْمَلَائِكَةَ وَهِيَ بَنَاتُ اللّهِ . { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ } الّذِينَ أَعْظَمُوا فِرَاقَهُمْ وَعَيْبَ دِينِهِمْ . { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ } أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللّهِ . { إِنْ يَقُولُونَ إِلّا كَذِبًا فَلَعَلّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ } يَا مُحَمّدُ عَلَى آثَارِهِمْ إنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا : أَيْ لِحُزْنِهِ عَلَيْهِمْ حِين فَاتَهُ مَا كَانَ يَرْجُو مِنْهُمْ أَيْ لَا تَفْعَلْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَاخِعٌ نَفْسَك ، أَيْ مُهْلِكٌ نَفْسَك ، فِيمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ .
[ قَالَ ذُو الرّمّةِ ]
أَلَا أَيّهَذَا الْبَاخِعُ الْوَجْدُ نَفْسَهُ ... لِشَيْءٍ نَحَتْهُ عَنْ يَدَيْهِ الْمَقَادِرُ
وَجَمْعُهُ بَاخِعُونَ وَبَخَعَةٌ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ : قَدْ بَخَعْتُ [ ص 303 ] نُصْحِي وَنَفْسِي ، أَيْ جَهَدْت لَهُ . { إِنّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أَيْ أَيّهُمْ أَتْبَعُ لِأَمْرِي ، وَأَعْمَلُ بِطَاعَتِي . { وَإِنّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا } أَيْ الْأَرْضِ وَإِنّ مَا عَلَيْهَا لَفَانٍ وَزَائِلٌ وَإِنّ الْمَرْجِعَ إلَيّ فَأَجْزِي كُلّا بِعَمَلِهِ فَلَا تَأْسَ وَلَا يَحْزُنْك مَا تَسْمَع وَتَرَى فِيهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّعِيدُ : الْأَرْضُ وَجَمْعُهُ صُعُدٌ . قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ ظَبْيًا صَغِيرًا : كَأَنّهُ بِالضّحَى تَرْمِي الصّعِيدَ بِهِ دَبّابَةٌ فِي عِظَامِ الرّأْسِ خُرْطُومُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالصّعِيدُ ( أَيْضًا ) : الطّرِيقُ . وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ إيّاكُمْ وَالْقُعُودَ عَلَى الصّعَدَاتِ يُرِيدُ الطّرُقَ . وَالْجُرُزُ الْأَرْضُ الّتِي لَا تُنْبِتُ شَيْئًا ، وَجَمْعُهَا : أَجْرَازٌ . وَيُقَالُ سَنَةٌ جُرُزٌ وَسُنُونَ أَجْرَازٌ وَهِيَ الّتِي لَا يَكُون فِيهَا مَطَرٌ وَتَكُونُ فِيهَا جُدُوبَةٌ وَيُبْسٌ وَشِدّةٌ . قَالَ ذُو الرّمّةِ يَصِفُ إبِلًا : طَوَى النّحْرُ وَالْأَجْرَازُ مَا فِي بُطُونِهَا فَمَا بَقِيَتْ إلّا الضّلُوعُ الْجَرَاشِعُ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
كتاب : السيرة النبوية لابن هشام
المؤلف : أبو محمد عبد الملك بن هشام البصري
منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة
أعجبني
لم يعجبني
مواضيع مماثلة
مواضيع مماثلة
»
باب مَنْ قَالَ: إِنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْعَمَلُ