من طرف الرسالة الجمعة 23 مايو 2014 - 4:23
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الرحلة الزكية للأراضى الحجازية
الحجر الأسود ومقام إبراهيم والحجر
● [ الحجر الأسود ] ●
وأما الحجر الأسود فارتفاعه عن الأرض ستة أشبار ، فالطويل من الناس يتطامن لتقبيله، والصغير يتطاول إليه. وهو ملصق في الركن الذي إلى جهة المشرق، وسعته ثلثا شبر، وطوله شبر وعقد، ولا يعلم قدر ما دخل منه في الركن وفيه أربع قطع ملصقة ويقال: إن القرمطي لعنه الله كسره وقيل: إن الذي كسره سواه، ضربه بدبوس فكسره، وتبادر الناس إلى قتله ، وقتل بسببه جماعة من المغاربة. وجوانب الحجر مشدودة بصفيحة من فضة، يلوح بياضها على سواد الحجر الكريم، فتنجلي منه العيون حسناً باهراً، ولتقبيله لذة يتنعم بها الفم، ويود لاثمه أن لا يفارق لثمه، خاصية مودعة فيه، وعناية ربانية به وكفى قول النبي صلى الله عليه وسلم إنه يمين الله في أرضه ، نفعنا الله باستلامه ومصافحته، وأوفد عليه كل شيق إليه. وفي القطعة الصحيحة من الحجر الأسود، مما يلي جانبه الموالي ليمين مستلمه، نقطة بيضاء صغيرة مشرقة، كأنها خال في تلك الصحيفة البهية وترى الناس إذا طافوا بها يتساقط بعضهم على بعض ازدحاماً على تقبيله فقلما يتمكن أحد من ذلك إلا بعد المزاحمة الشديدة، وكذلك يصنعون عند دخول الحرم، ومن عند الحجر الأسود ابتداء الطواف وهو أول الأركان التي يلقاها الطائف، فإذا استلمه تقهقر عنه قليلاً وجعل الكعبة الشريفة عن يساره، ومضى في طوافه، ثم يلقى بعده الركن العراقي، وهو إلى جهة الشمال، ثم يلقى الركن الشامي، وهو إلى جهة الغرب، ثم يلقى الركن اليماني، وهو إلى جهة الجنوب، ثم يعود إلى الحجر الأسود، وهو إلى جهة الشرق.
● [ المقام الكريم ] ●
إعلم أن بين باب الكعبة شرفها الله وبين الركن العراقي موضعاً طوله اثنا عشر شبراً وعرضه نحو النصف من ذلك، وارتفاعه نحو شبرين وهو موضع المقام في مدة إبراهيم عليه السلام ثم صرفه النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموضع الذي هو الآن مصلى، وبقي ذلك الموضع شبه الحوض، وإليه ينصب ماء البيت الحرام إذ غسل، وهو موضع مبارك يزدحم الناس للصلاة فيه. وموضع المقام الشريف يقابل ما بين الركن العراقي والباب الشريف، وهو إلى الباب أميل، وعليه قبة تحتها اشباك حديد، متجافٍ عن المقام الشريف قدر ما تصل أصابع الإنسان إذا أدخل يده من ذلك الشباك إلى الصندوق، والشباك مقفل ومن ورائه موضع محوز قد جعل مصلى لركعتي الطواف. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد أتى البيت فطاف به سبعاً، ثم أتى المقام فقرأ: ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) وركع خلفه ركعتين وخلف المقام مصلى إمام الشافعية في الحطيم الذي هنالك.
● [ الحجر والمطاف ] ●
دور جدار الحجر تسع وعشرون خطوة، وهي أربعة وتسعون شبراً من داخل الدائرة، وهو بالرخام البديع المجزع المحكم الإلصاق، وارتفاعه خمسة أشبار ونصف شبر، وسعته أربعة أشبار ونصف شبر. وداخل الحجر بلاط واسع مفروش بالرخام المنظم المعجز الصنعة البديع الإتقان. وبين جدار الكعبة الشريفة الذي تحت الميزاب وبين ما يقابله من جدار الحجر على خط استواء أربعون شبراً، وللحجر مدخلان أحدهما بينه وبين الركن العراقي، وسعته ستة أذرع، وهذا الموضع هو الذي تركته قريش من البيت حين بنته، كما جاءت الآثار الصحاح، والمدخل الآخر عند الركن الشامي، وسعته أيضاً ستة أذرع وبين المدخلين ثمانية وأبعون شبراً وموضع الطواف مفروش بالحجارة السود محكمة الإلصاق، وقد اتسعت عن البيت بمقدار تسع خطاً إلا في الجهة التي تقابل المقام الشريف، فإنها امتدت إليه حتى أحاطت به وسائر الحرم مع البلاطات مفروش برمل أبيض وطواف النساء في آخر الحجارة المفروشة.
مقتبسة من كتاب رحلة أبن بطوطة
منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة