منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المقالة الثالثة [ ما تبقى من الفصل الثانى ]

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    المقالة الثالثة [ ما تبقى من الفصل الثانى ] Empty المقالة الثالثة [ ما تبقى من الفصل الثانى ]

    مُساهمة من طرف الرسالة السبت 26 أبريل 2014 - 23:32

    المقالة الثالثة [ ما تبقى من الفصل الثانى ] Manaze10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة العلمية
    المناظر لابن الهيثم
    المقالة الثالثة
    أغلاط البصر فيما يدركه على استقامة وعللها
    المقالة الثالثة [ ما تبقى من الفصل الثانى ] 1410
    ● [ ما تبقى من الفصل الثانى ] ●
    تقديم ما يجب تقديمه لتبيين الكلام في أغلاط البصر

    فلنخرج في شكل ا ب ج د للبرهان خطوط ب ح و ب ي و ب ق، فيكون خط ح ب أعظم من خط ب ط. وخط ح ك مساو لخط ك ط، فزاوية ط ب ك أعظم من زاوية ك ب ح.
    وزاوية ط ب ك مساوية لزاوية ح ا ك، فزاوية ح ا ك اعظم من زاوية ح ب ك، فبعد خط ا ح عن سهم ا ك أعظم من بعد خط ب ح عن سهم ب ك، غلا أن الاختلاف الذي بين البعدين يسير لأن الاختلاف الذي بين زاويتي ح ا ك وزاوية ح ب ك يسير.
    والشخص الذي يكون عند نقطة ح يرى أبداً بالبصرين جميعاً واحداً إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك، وخطا ا ح و ب ح ما مسامتان للشعاعين الخارجين إلى الشخص الذي يكون عند نقطة ح إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك، وكذلك حال الشخص الذي عند نقطة ي تكون الشعاعات الخارجة إليه مسامتة لخطي ا ي وخط ب ي وهو يرى واحداً، وزاويتا ي ا ك و ي ب ك ليس بينهما اختلاف متفاوت أيضاً، لأن زاوية ح ب ي ليس لها قدر محسوس إذا كانت نقطة ي قريبة جداً من نقطة ح.
    فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي وضعه من السهمين وضع واحد في الجهة، وبعد الشعاعات الخارجة إليه من البصرين ليس بينهما اختلاف متفاوت، فإن ذلك المبصر يرى بالبصرين جميعاً واحداً.
    فأما زاويتا ق ا ك و ق ب ك فمختلفتان اختلافاً متفاوتاً، والشخص الذي يكون عند نقطة ق يرى اثنين إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص الذي عند نقطة ك.
    فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي يختلف وضع الشعاعات الخارجة إليه من البصرين في البعد عن السهمين اختلافاً متفاوتاً، فإنه يرى اثنين، وإن كان وضعه بالقياس إلى السهمين وضعاً واحداً في الجهة.
    وأما خط ه ك ز فإن وضعه من سهمي البصرين وضع مختلف في الجهة. وذلك أن الشعاعات الخارجة إلى قسم م ك من البصر الأيمن تكون متياسرة عن سهم ا ك، والشعاعات الخارجة إلى هذا القسم من البصر الأيسر تكون متيامنة عن سهم ب ك، وقسم ك ز منه تكون الشعاعات الخارجة إليه من البصر الأيمن متيامنة عن سهم ا ك، والشعاعات الخارجة إليه من البصر الأيسر متياسرة عن سهم ب ك، فالشعاعات التي تخرج إليه مختلفة الوضع في الجهة. وكل نقطة من هذا الخط فإن الشعاعين الخارجين إليها من البصرين يكون بعدهما عن السهمين بعداً متساوياً. وهذا الخط وجميع ما عليه سوى الشخص المتوسط يرى أبداً اثنين، إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص المتوسط.
    فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي وضعه بالقياس إلى السهمين وضع مختلف في الجهة يرى أبداً اثنين وإن تساوت أبعاد الشعاعات الخارجة إليه من البصرين عن السهمين. وذلك أن كل شعاعين يخرجان من البصرين إلى نقطة منه يكونان في جهتين مختلفتين، فتحصل صورتا كل نقطة منه في نقطتين من تجويف العصبة المشتركة عن جنبتي المركز.
    وكذلك أيضاً حال كل واحد من القطرين: تكون الشعاعات الخارجة إلى كل واحد منهما من البصر الذي يليه من وسط البصر وقريبة من السهم ومن تحت السهم ومن فوقه. والشعاعات الخارجة إليه من البصر الآخر تكون مائلة عن السهم الآخر. أما التي تخرج من البصر الأيمن إلى القطر الأيسر فتكون متياسرة عن السهم. وأما التي تخرج من البصر الأيسر إلى القطر الأيمن فتكون متيامنة عن السهم. وكل واحد من هذين القطرين وكلما يكون عليهما من المبصرات يرى اثنين ما سوى الشخص المتوسط إذا كان السهمان متلاقيين على الشخص المتوسط.
    فيتبين من هذه الحال أن المبصر الذي يكون بالقياس إلى أحد البصرين مقابلاً لوسطه وبالقياس إلى البصر الآخر مائلاً عن الوسط، فإنه يرى اثنين. وذلك لأن صورة النقطة التي تحصل في وسط أحد البصرين تصير إلى المركز، وصورة النقطة التي تكون مائلة عن وسط البصر الآخر تصير في نقطة غير المركز ومائلة عن المركز بحسب ميل النقطة من سطح البصر.
    فيتبين من جميع الاعتبار الذي وصفنا والشرح الذي شرحنا بياناً واضحاً أن المبصر الذي يلتقي عليه السمان يرى أبداً واحداً، وأن المبصرات أيضاً التي تلتقي عليها الشعاعات المتشابهة الوضع في الجهة وليس بينهما في البعد عن السهم اختلاف متفاوت فإن كل واحد منها يرى أيضاً واحداً، وأن المبصر الذي تلتقي عليه الشعاعات المتشابهة الوضع في الجهة ومختلفة الوضع في العبد عن السهمين اختلافاً متفاوتاً فإنه يرى اثنين، وأن المبصر الذي يدرك بشعاعات مختلفة الوضع في الجهة فإنه يرى اثنين وإن تساوت أبعاد الشعاعات الخارجة إليها عن السهمين، وأن جميع ذلك كذلك ما دام السهمان متلاقيين على مبصر واحد.
    وجميع المبصرات المألوفة تكون مقابلة للبصرين جميعاً والبصران جميعاً ينظران إلى كل واحد منهما، فسهما البصرين أبداً يلتقيان عليها، والشعاعات الباقية التي تلتقي على كل نقطة منها وضعها في الجهة وضعاً متشابهاً، ولا يكون بينها في البعد عن السهمين اختلاف متفاوت، فلذلك يرى كل واحد من المبصرات المألوفة بالبصرين جميعاً واحداً. وليسمن المبصرات المألوفة بالبصرين جميعاً واحداً. وليس يرى واحد من المبصرات اثنين إلا نادراً، لأنه ليس يرى واحداً من المبصرات اثنين إلا إذا كان وضعه من البصرين وضعاً مختلفاً اختلافاً متفاوتاً إما في الجهة وإما في البعد وإما في الجهة والبعد معاً، وليس يختلف وضع المبصر الواحد عند البصرين اختلافاً متفاوتاً إلا في النادر.
    فقد تبينت العلة التي من أجلها يرى كل واحد من المبصرات المألوفة بالبصرين جميعاً واحداً بالقياس والاعتبار جميعاً.
    وأيضاً فإن المعتبر إذا رفع الشخص الذي في وسط اللوح، ونظر إلى نقطة التقاطع التي في وسط اللوح، وتأمل في الحال الخطوط التي في اللوح، فإنه يجد القطرين أربعة، ويجد مع ذلك اثنين من الأربعة متقاربين واثنين متباعدين، وجميعها مع ذلك متقاطعة على النقطة المتوسطة التي هي نقطة تقاطع القطرين التي على السهم المشترك، ويجد كل واحد من المتباعدين تباعده عن الوسط أكثر من تباعده الحقيقي. ثم إذا ستر المعتبر أحد البصرين فإنه يرى القطرين اثنين، ويرى البعد الذي بينهما أوسع من مقداره الحقيقي على انخراطه الذي أوسع موضع منه هو عرض اللوح، ويظهر أن القطر المتباعد عن الوسط هو القطر الذي يلي البصر المستتر.
    فيتبين من ذلك أن القطرين الذين يريان متقاربين إذا كان الإبصار بالبصرين معاً هما اللذان يرى كل واحد منهما بالبصر الذي يليه، وإن القطرين المتباعدين هما اللذان يرى كل واحد منهما بالبصر المائل عنه. فأما تقارب الاثنين من الأربعة، فلأن السهمين إذا كانا ملتقيين على الشخص المتوسط، فإن كل واحد من القطرين يدركه البصر الذي يليه بشعاعات قريبة جداً من السهم، فتصير صورتاهما من أجل ذلك في تجويف العصبة المشتركة قريبتين جداً من المركز، وتكون نقطة التقاطع منهما على نفس المركز، وكذلك يريان متقاربين وقريبين من الوسط. وتباعد الاثنين من الأربعة لأن كل واحد من القطرين يدرك أيضاً بالبصر الآخر المائل عنه، فهو يدركه بشعاعات بعيدة عن السهم، ويدرك أحدهما بشعاعات متيامنة عن السهم ويدرك الآخر بشعاعات متياسرة عن السهم الآخر، فتحصل صورتاهما من أجل ذلك في تجويف العصبة المشتركة متباعدتين، لأنهما تحصلان في جهتين متضادتين بالقياس إلى المركز ومع ذلك بعيدين عن المركز. فلذلك يوجد للقطرين صورتان متقاربتين وصورتان متباعدتين. فأما لم يدرك تباعد كل واحد من المتباعدين عن الوسط أكثر من تباعده الحقيقي، فإن ذلك البعد الذي بين القطرين يدركه كل واحد من البصرين أعظم من مقداره الحقيقي. ويظهر ذلك إذا ستر المعتبر أحد البصرين ونظر ببصر واحد. فأما لم إذا ستر المعتبر أحد البصرين ونظر ببصر واحد وجد البعد الذي بين القطرين أوسع من مقداره الحقيقي فذلك لأن البعد الذي بين القطرين قريب جداً من البصر، وكلما كان قريباً جداً من البصر فإنه يرى أعظم من مقداره الحقيقي. فأما علة ذلك فإنها تتبين من بعد في موضعها عند كلامنا في أغلاط البصر.
    فمن اعتبار أحوال القطرين الذين في اللوح والأشخاص التي تثبت عليهما على غير الوسط يظهر أن كل مبصر يكون على السهم المشترك ويدركه البصر بسهم الشعاع فإنه يدركه في موضعه، كان إدراكه ببصر واحد وبسهم واحد من سهمي البصرين أو كان إدراكه ببصرين وبالسهمين معاً.ويتبين أن كل مبصر يدرك ببصر واحد وبسهم الشعاع ولا يكون ذلك المبصر على السهم المشترك، فإنه يدركه في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعها الحقيقي. وتلزم هذه الحال أيضاً فيما يدرك بالشعاعات الباقية غير السهم، لأنه إذا كان البصر يدرك المبصر على ما هو عليه، وتحصل صورته في تجويف العصبة المشتركة في موضع واحد ومتصلاً بعضها ببعض بحسب اتصال المبصر، وكانت النقطة من المبصر التي على سهم الشعاع إذا لم تكن على السهم المشترك ترى في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعها الحقيقي، فإن النقط الباقية أيضاً ترى في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعها الحقيقي، لأنها متصلة بالجزء الذي عند طرف السهم.
    وإن التقى سهما البصرين على مبصر خارج عن السهم المشترك فإنه يلزم في هذه الحال أيضاً، أعني أنه يرى في موضع أقرب إلى السهم المشترك من موضعه الحقيقي. إلا أن هذا الوضع قل ما يتفق. فإنه إذا التقى سهما البصرين على البصر، فإنه في أكثر الأحوال يكون السهم المشترك ماراً بذلك المبصر، وليس يلتقي سهما البصرين على المبصر وهو خارج عن السهم المشترك إلا بتكلف أو بعائق يضطر البصر إلى التكلف. وليس تظهر هذه الحال في المبصرات المألوفة لأنه إذا عرض هذا المعنى في مبصر من المبصرات المألوفة فإنه يلزم في جميع ما يتصل بذلك المبصر من المبصرات، فليس يتغير بهذه الحال وضع المبصرات بعضها عن بعض: فإذا لم يتغير وضع ذلك المبصر مما يجاوره من المبصرات فليس يظهر تغير موضعه. فهذا المعنى إذا عرض في المبصرات المألوفة فليس يظهر للعلة التي ذكرناها. فإذا اعتبر بالطريق الذي قدمناه يبين من الاعتبار أن ذلك لازم في جميع المبصرات التي يلتقي عليها سهما البصرين وتكون خارجة عن السهم المشترك.
    وأيضاً فإنه ينبغي للمعتبر أن يعتمد قرطاساً فيقطع منه ثلث جزازات صغار متساويات، وليثبت في إحداهن كلمة كيف ما اتفقت ولتكن كتابة بينة، وليثبت في كل واحدة من الجزازتين الباقيتين مثل تلك الكلمة وعلى مقدارها وهيئتها. وليثبت المعتبر الشخص في وسط اللوح على مثل ما تقدم، ويثبت أيضاً أحد الشخصين الآخرين على نقطة ح . ويلصق إحدى الجزازتين االباقيتين بالشخص الذي على نقطة ح، وليتحر أن يكون وضعها مثل وضع الجزازة الأولى. ويقدم اللوح إلى بصره على مثل ما تقدم، ويحدق إلى الجزازة التي على الشخص الأوسط ويتأملها. فإنه يدرك الكلمة المكتوبة عليها إدراكاً محققاً، ويدرك مع ذلك في تلك الحال الجزازة الأخرى ويدرك الكلمة التي فيها إلا أنه لا يجدها في البيان كبيان الكلمة النظيرة لها التي في الجزازة المتوسطة، بل يجد الكلمة التي في الجزازة المتوسطة أبين وأشد تحققاً مع تشابهها في الشكل والهيئة والمقدار.
    ثم في هذه الحال ينبغي للمعتبر أن يأخذ الجزازة الثالثة باليد التي تلي نقطة ح ويقيمها في سمت الجزازتين اللتين على اللوح وعلى استقامة امتداد الخط المعترض الذي في سطح اللوح في الحس، ولتكن بعيدة عن اللوح.والسمت الذي على الصفة نسميه سمت المواجهة. وليتحر المعتبر أن يكون وضع الجزازة الثالثة ووضع الكلمة التي فيها في حال نصب الجزازة الثالثة ووضع الكلمة التي فيها في حال نصب الجزازة شبيهاً بوضع الجزازتين اللتين على اللوح. وليثبت البصرين على الجزازة المتوسطة ويحدق إليها. فإنه يدرك الجزازة الثالثة في هذه الحال إذا لم تكن بعيدة جداً عن اللوح. إلا انه يدرك صورة الكلمة التي فيها مشتبهة غير مفهومة، ولا يجدها بينة كما يجد صورة الكلمة النظيرة لها في وسط اللوح، ولا كما يجد صورة الكلمة التي عند نقطة ح ما دام البصران محدقين إلى الجزازة التي في وسط اللوح.
    ثم فليرفع المعتبر الشخص الذي عند نقطة ح والجزازة التي عليه ويقدم الجزازة التي في يده إلى أن يلصقها إلى جانب الجزازة الملتصقة بالشخص المتوسط، ويتحرى أن تكون الجزازة قائمة على الخط المعترض، ويحدق كما كان إلى الجزازة المتوسطة. فإنه يدرك الكلمتين جميعاً اللتين في الجزازتين إدراكاً بيناً محققاً ولا يكون بين صورتي الكلمتين في البيان والتحقق تفاوت محسوس.
    ثم يحرك المعتبر الجزازة التي بيده تحريكاً رفيقاً على الخط المعترض في اللوح ويتحرى أن تكون نصبتها على ما كانت عليه، ويعتمد التحديق إلى الجزازة المتوسطة وينعم تأمل الجزازتين في هذه الحال. فإنه يجد الجزازة المتحركة كلما بعدت عن الوسط تناقص بيان الكلمة التي فيها. فإذا صارت عند نقطة ح فإنه يجد صورة الكلمة التي فيها مفهومة، إلا انها ليست في البيان كما كانت عند التصاقها بالجزازة المتوسطة.
    ثم يحرك المعتبر الجزازة أيضاً ويخرجها عن اللوح ويبعدها عنه قليلاً قليلاً على سمت الخط المعترض وينعم التأمل مع التحديق إلى الجزازة الوسطى. فإنه يجد الجزازة المتحركة كلما بعدت عن الوسط تناقص بيان الكلمة التي فيها حتى تصير بحيث لا يفهم صورتها ولا يتحققها. ثم إذا حركها بعد ذلك وجدها كلما بعدت ازدادت صورة الكلمة التي فيها اشتباهاً وخفاءً.
    وأيضاً فليستر المعتبر الذي يلي نقطة ط ويثبت اللوح على حاله ويحدق بالبصر الواحد الذي يلي نقطة ح إلى الجزازة المتوسطة. وليلصق الجزازة الأخرى إلى جانب الجزازة المتوسطة كما فعل في الأول. فإنه يجد الكلمة التي في الجزازة المتوسطة بينة ومحققة، ويجد الكلمة التي في الجزازة الأخرى أيضاً بينة ليس بينها وبين الجزازة المتوسطة في البيان تفوت محسوس. ثم يحرك الجزازة الثانية على مثل ما تقدم ويعتمد التحديق إلى الجزازة المتوسطة وينعم بالتأمل. فإنه يجد الكلمة التي في الجزازة الثانية عند الحركة ينقص بيانها. فإذا وصلت إلى النقطة ح كان بين بيانها في هذه الحال وبين بيانها عند كونها ملتصقة بالوسطى تفاوت محسوس. ثم يحرك هذه الجزازة ويخرجها عن اللوح كمثل الفعل الأول وينعم التأمل مع التحديق إلى الجزازة الوسطى. فإنه يجد الجزازة المتحركة كلما بعدت عن الوسط ازدادت خفاءً.
    فيظهر من هذا الاعتبار أن أبين المبصرات المواجهة للبصر التي تدرك بالبصرين معاً هو الذي يكون عند ملتقى السهمين، وأن ما قرب من ملتقى السهمين يكون أبين مما بعد، فإن المبصر البعيد عن ملتقى السهمين تكون صورته مشتبهة غير محققة، وإن أدرك بالبصرين جميعاً. ويظهر أيضاً من هذا الاعتبار أن أبين المبصرات المواجهة التي تدرك ببصر واحد هو الذي يرى بسهم الشعاع، وأن ما قرب منه يكون أبين مما بعد، فإن المبصر البعيد عن سهم الشعاع تكون صورته مشتبهة غير محققة. ويظهر من هذا الاعتبار أيضاً أن البصر ليس يدرك المبصر الفسيح الأقطار إدراكاً محققاً إلا إذا حرك سهم الشعاع على جميع أقطاره وعلى جميع أجزائه كان الإبصار ببصرين أو كان الإبصار ببصر واحد، وأن البصر إذا كان ثابتاً في مقابلة المبصر الفسيح الأقطار فليس يدرك جميعه إدراكاً محققاً، وإنما يدرك منه ما كان على السهم وقريباً منه إدراكاً محققاً ويدرك بقية أجزائه وما بعد عن السهم إدراكاً غير محقق وإن كان المبصر مواجهاً، كان الإبصار ببصرين أو كان ببصر واحد.
    وأيضاً فإنه ينبغي للمعتبر أن يعتمد قرطاساً قدره أربع أصابع في مثلها، فيثبت فيه أسطر الخط دقيقاً، وليكن الخط مفهوماً. ثم يرفع المعتبر الشخص الذي على اللوح ويقدم اللوح إلى بصره على مثل ما كان ثم يقيم القرطاس على الخط المعترض الذي في وسط اللوح، ويحدق بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس ويتأمله. فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس بينة مفهومة ويتمكن من قراءتها. إلا أنه يجد ما كان من الكتابة في وسط القرطاس أبين مما هو في أطرافه، إذا كان البصر محدقاً إلى وسط القرطاس ولم يتحرك على جميع أقطاره.
    ثم فليميل القرطاس حتى يتقاطع به الخط المعترض على النقطة التي في وسط اللوح التي هي نقطة التقاطع، وليكن ميل القرطاس على الخط المعترض ميلاً يسيراً، ولينظر بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس. فإنه يجدها لما كان القرطاس مواجهاً.
    ثم ينبغي للمعتبر أن يميل القرطاس ميلاً زائداً على الميل الأول ويكون وسط حاشيته على نقطة التقاطع، ويحدق أيضاً بالبصرين جميعاً إلى وسطه. فإنه يجد الكتابة أضعف من بيانها الأول. ثم يزيد في ميل القرطاس قليلاً قليلاً ويكون وسط حاشيته على نقطة التقاطع، ويتأمله في جميع ميله مرة بعد مرة. فإنه يجد الكتابة تشتبه عليه عند ميل القرطاس. وكلما ازداد القرطاس ميلاً ازدادت الكتابة اشتباهاً إلى أن يقرب القرطاس من الخط الممتد في وسط طول اللوح، فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس مشتبهة اشتباهاً شديداً حتى لا يتمكن من قراءتها ولا من فهمها ولا يتحقق صورتها.
    ثم ينبغي للمعتبر آن يعيد القرطاس إلى الوضع الأول، ويقيمه على الخط المعترض، ويستر أحد البصرين وينظر إلى القرطاس ببصر واحد، فإنه يجد الكتابة بينة مفهومة ويتمكن من قراءتها وفهمها. ثم يميل القرطاس على الصفة الأولى وينظر إليه بالبصر الواحد، فإنه يجد الكتابة أضعف بياناً مما كانت عليه عند المواجهة. ثم يزيد في ميل القرطاس قليلاً قليلاً ويتأمله مرة بعد مرة. فإنه يجده كلما ازداد ميلاً ازداد بيان الكلمة ضعفاً إلى أن يقرب القرطاس من القطر الذي يلي البصر الناظر إليه. وليتأمل في هذه الحال بالبصر الواحد، فإنه يجد الكتابة مشتبهة اشتباهاً شديداً ولا يتمكن من قراءتها ولا من فهمها.
    فيتبين من هذا الاعتبار أن أبين المبصرات التي تكون على سهم الشعاع هو المواجه للبصر، وأن ما قرب وضعه من المواجهة يكون أبين مما بعد عن المواجهة، وأن المائل على سهم الشعاع ميلاً متفاوتاً تكون صورته مشتبهة غير مفهومة، كان الإبصار بالبصرين معاً أو كان الإبصار ببصر واحد.
    ثم ينبغي للمعتبر أن يرد الشخص الذي كان على اللوح ويثبته في وسط اللوح ويلصقه على نقطة التقاطع على مثل ما كان في الاعتبار الأول. ثم يقيم القرطاس على أحد قسمي الخط المعترض على سمت المواجهة ويحدق بالبصرين معاً إلى الشخص المتوسط. فإنه في هذه الحال يدرك القرطاس ويدرك الكتابة التي فيه، إلا أنه يجد ما يلي الشخص المتوسط من الكتابة بيناً وما بعد عنه مشتبهاً خفياً، ويجد ما قرب إلى الشخص المتوسط مفهوماً ويتمكن من قراءته مع تحديقه إلى الشخص المتوسط، ويجد ما بعد عن الشخص المتوسط من الكتابة ملتبساً لا يتمكن من قراءته ولا من فهمه، ويجد كل ما كان أبعد عن الشخص كان أشد التباساً.
    وأيضاً فإنه ينبغي للمعتبر أن يميل القرطاس في هذه الحال ويقاطع به الخط المعترض على نقطة من إحدى قسميه، ويجعل ميله عن الخط المعترض ميلاً يسيراً، ويحدق بالنظر إلى الشخص المتوسط. فإنه يجد الكتابة التي القرطاس في هذه الحال أضعف بياناً مما كانت عليه عند المواجهة. ثم فليزد في ميل القرطاس ويحدق إلى الشخص المتوسط. فإنه يجد الكتابة مشتبهة غير مفهومة ولا بينة.
    ثم ينبغي للمعتبر أن يستر أحد البصرين وينظر بالبصر الواحد، ويعيد القرطاس إلى وضعه الأول، ويقيمه على قسم الخط المعترض الذي يلي البصر الذي ينظر به. ويحدق بالبصر الواحد إلى الشخص المتوسط. فإنه يدرك أيضاً الكتابة التي في القرطاس، ويجد ما قرب منها من الشخص أبين مما بعد، ويجد ما بعد عن الشخص من الكتابة مشتبهاً غير مفهوم.
    ثم فليملل المعتبر القرطاس ويقاطع به الخط المعترض على نقطة من القسم الذي كان قائماَ عليه، وينظر إلى الشخص المتوسط بالبصر الواحد الذي كان ينظر به، فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس مشتبهة غير مفهومة وأشد اشتباهاً منها لما كان القرطاس في سمت المواجهة. ثم فليزد في ميلها قليلاً قليلاً، فإنه يجد كل ما ازداد القرطاس ميلاً ازدادت الكتابة اشتباهاً والتباساً.
    فيظهر من هذا الاعتبار أن المبصر الذي على سمت المواجهة يكون أبين من المبصر المائل وإن لم يكن المبصر على سم الشعاع وكان خارجاً عن السهم، وأن المبصر إذا كان شديد الميل كانت صورته مشتبهة وإن لم يكن على سهم الشعاع كان الإبصار بالبصرين معاً أو كان الإبصار ببصر واحد.
    وأيضاً فينبغي للمعتبر أن يرفع الشخص من اللوح، ويقيم القرطاس على طرف اللوح، ويطابق بنهايته نهاية عرض اللوح الذي هو خط ج د ، ويحدق بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس. فإنه يجد الكتابة بينة مفهومة.
    ثم فليملل القرطاس ويقاطع به عرض اللوح على نقطة ز التي في وسط عرض اللوح، ويحدق بالبصرين جميعاً إلى وسط القرطاس. فإنه يجد الكتابة أضعف بياناً مما كانت عليه. ثم فليزد في ميل القرطاس قليلاً قليلاً، فإنه يجد الكتابة يزداد بيانها ضعفاً. فإذا تفاوت ميل القرطاس، فإنه يجد الكتابة مشتبهة اشتباهاً شديداً على مثل الحال التي كان يجدها عليها عند اعتبارها في وسط اللوح. وكذلك إذا اعتبره في هذا الموضع ببصر واحد.
    ثم ينبغي للمعتبر أن يقيم الشخص على نقطة ز ويقيم القرطاس على أحد قسمي العرض وعند طرف اللوح مثل ما فعله في وسط اللوح، ويحدق إلى الشخص المتوسط ويتأمل القرطاس ويعتبره. ثم يقاطع به العرض أيضاً ويعتبره. فإنه يجد الحال على مثل ما كان وجدها في وسط اللوح إذا اعتبرها بالبصرين معاً وبالبصر الواحد أيضاً.
    وينبغي للمعتبر أن يعتبر أيضاً الجزازات الصغار التي تقدم وصفها عند طرف اللوح كما اعتبرها في وسطه. فإنه يجد الحال على مثل ما كان وجدها في الوسط، أعني انه يجد الكلمة التي في الجزازة المتوسطة أبين من الكلمة التي في الجزازة المتطرفة البعيدة عن الوسط. وكل ما ازدادت الجزازة المتطرفة بعداً عن الوسط ازدادت الكلمة التي فيها اشتباهاً، إلا انه يجد البعد عن الوسط الذي تشتبه عنده الكلمة المتطرفة إذا كان الاعتبار عند طرف اللوح يكون بحسب البعد عن الوسط الذي تشتبه عنده الكلمة المتطرفة إذا كان الاعتبار في وسط اللوح لأنه يكون بحسب بعد الشعاع المتطرف عن السهم. فتكون نسبة البعد الذي تلتبس عنده الصورة المتطرفة عن الصورة المتوسطة إلى بعد الصورة المتوسطة عن البصر نسبة واحدة في الاعتبار عند وسط اللوح وفي الاعتبار عند طرفه.
    وكذلك أيضاً إن رفع المعتبر اللوح، ووضع القرطاس الذي فيه الكتابة على بعد أكثر من طول اللوح وبحيث يتمكن من قراءة ما فيه، وجعله مواجهاً للبصر، وتأمله وقرأ ما فيه من الكتابة، ثم ميله وهو في موضعه ميل اًيسيراً، فإنه يجده أضعف بياناً. ثم إذا زاد في ميله قليلاً قليلاً فإنه يجده كلما ازداد ميلاً ازداد بيانه ضعفاً. ثم إذا ميله ميلاً شديداً حتى يصير وضعه قريباً من وضع الشعاع الذي يمتد إلى وسطه، فإنه يجد الكتابة التي في القرطاس مشتبهة اشتباهاً شديداً حتى لا يتمكن من قراءتها ولا يفهمها. ويجد الأمر كذلك إن كان الاعتبار بالبصرين معاً وإن كان الاعتبار ببصر واحد.
    وكذلك أيضاً إذا أثبت إحدى الجزازات الصغار في موضع مقابل للبصر أبعد من طول اللوح وجعلها مواجهة للبصر وحدق إليها بالبصرين جميعاً، وجعل الجزازة الأخرى مائلة عن تلك الجزازة إلى جهة اليمين أو جهة الشمال ونصبها على سمت المواجهة، فإنه يجدها أضعف بياناً.
    ثم إن تقدم إلى محرك يحرك الجزازة الثانية ويبعدها قليلاً قليلاً عن الجزازة التي يحدق إليها، فإنه يجد الكلمة التي في الجزازة المتطرفة كلما تباعدت عن الجزازة الثانية ازدادت صورة الكلمة التي فيها اشتباهاً إلى أن تخفى صورة الكلمة فلا يفهمها. وكذلك إذا اعتبر هاتين الجزازتين ببصر واحد فإنه يجد الحال كذلك.
    فيتبين من جميع هذه الاعتبارات أن أبين المبصرات من جميع الأبعاد هو الذي يكون على سهم الشعاع، وأن ما قرب من السهم يكون أبين مما بعد، وان المبصر البعيد عن السهم بعداً متفاوتاً يكون مشتبه الصورة ولا يتحقق البصر صورته كان الإبصار ببصر واحد أو كان بالبصرين جميعاً، وأن المبصر أيضاً المواجه للبصر يكون من جميع الأبعاد أبين من المبصر المائل، وانه كلما قرب وضع المبصر من المواجهة كان أبين مما بعد عنها، وأن المبصر المائل على خطوط الشعاع ميلاً متفاوتاً تكون صورته مشتبهة اشتباهاً شديداً ولا يتحققها البصر، كان الإبصار ببصر واحد أو كان بالبصرين جميعاً، كان المبصر على السهم أو كان خارجاً عن السهم.
    فأما لم صار المائل المسرف الميل مشتبه الصورة مع اعتدال بعده ومع إدراك عظمه على ما هو عليه، ولم صار المواجه أبين من المائل، فإن ذلك لأن المائل المسرف الميل تحصل صورته في سطح البصر مجتمعة من أجل ميله. لأنه إذا كان المبصر مسرف الميل كانت الزاوية التي يوترها عند مركز البصر صغيرة، وكان الجزء من البصر الذي تحصل فيه صورة ذلك المبصر أصغر بكثير من الجزء من البصر الذي تحصل فيه صورته إذا كان مواجهاً للبصر، وتكون أجزاؤه الصغار توتر عند البصر زوايا غير محسوسة من أجل فرط ميلها، لأن الجزء الصغير إذا كان في غاية الميل انطبق الخطان اللذان يخرجان من مركز البصر إلى طرفيه وصارا بمنزلة الخط الواحد ولم يدرك الحاس الزاوية التي فيما بينهما ولا الجزء الذي يفصلانه من سطح البصر.
    فالمبصر المسرف الميل تكون صورته التي تحصل في البصر مجتمعة اجتماعاً متفاوتاً، وتكون أجزاءه الصغار غير محسوسة، فلذلك تكون صورته مشتبهة. فإذا كان في المبصر الذي بهذه الصفة معان لطيفة لم يدركها البصر لخفاء أجزائها الصغار ولاجتماع الصورة. والمبصر المواجه بخلاف هذه الحال، لأن المبصر المواجه تكون صورته التي تحصل في البصر مرتبة على ما هي عليه في سطح المبصر، وتكون أجزاؤه الصغار التي يمكن أن يدركها البصر بينة. وإذا كانت الأجزاء الصغار من المبصر بينة وحصلت أجزاؤه مرتبة في سطح البصر كترتيبها الذي هي عليه في سطح المبصر، كانت صورته بينة غير مشتبهة.
    وبالجملة فإن المعاني اللطيفة والأجزاء اللطيفة وترتيب أجزاء المبصر ليس يدركها البصر إدراكاً محققاً إلا إذا انتقشت الصورة في سطح العضو الحاس وحصل كل جزء منها في جزء محسوس من سطح العضو الحاس. وإذا كان البصر مائلاً ميلاً متفاوتاً فليس تنتقش صورته في البصر وليس تحصل صورة كل جزء من أجزائه الصغار في جزء محسوس من البصر. وليس تنتقش صورة المبصر في سطح العضو الحاس وتحصل صورة كل جزء من أجزائه في جزء محسوس من البصر إلا إذا كان المبصر مواجهاً أو كان ميله يسيراً، وكان بعده مع ذلك من الأبعاد المعتدلة بالقياس إلى المعاني التي في ذلك المبصر.
    فأما إدراك عظم المبصر المائل المسرف الميل على ما هو عليه إذا كان على بعد معتدل مع تفوت ميله، فإن ذلك ليس يدركه البصر من صورته نفسها التي تحصل في البصر فقط بل من قياس خارج عن الصورة، وهو من إدراكه لاختلاف بعدي طرفيه مع إدراكه لمقدار الصورة. فإذا أدرك البصر اختلاف بعدي طرفي المبصر المائل المسرف الميل، وأدرك تفاوت اختلافهما، تخيلت القوة المميزة وضع ذلك المبصر، وأدركت مقداره بحسب اختلاف بعدي طرفيه وبحسب مقدار الجزء الذي تحصل فيه الصورة ومقدار الزاوية التي يوترها ذلك الجزء عند مركز البصر، لا من الصورة نفسها فقط. والقوة المميزة إذا أدركت اختلاف بعدي طرفي المبصر المائل المسرف الميل، وأدركت ميله أحست باجتماع الصورة، فهي تدرك مقداره إذا أحست مقدار ميله لا بحسب مقدار الصورة بل بحسب وضعه. والأجزاء الصغار والمعاني اللطيفة التي تكون في المبصر ليس يمكن أن تدرك بقياس إذا لم يحس البصر بتلك الأجزاء ولا بتلك المعاني.
    فاشتباه صورة المبصر المائل المسرف الميل إنما هو اجتماع صورته في البصر وخفاء أجزائه الصغار. وبيان صورة المبصر الواحد إذا كان على بعد معتدل إنما هو لانتقاش الصورة في البصر على ما هي عليه وإحساس البصر بأجزائه الصغار.
    فقد تبينت العلة التي من أجلها صارت صورة المبصر المائل المسرف الميل مشتبهة وصورة المبصر المواجه بينة.
    وإذا قد تبينت جميع هذه المعاني فلنشرع الآن في الكلام على أغلاط البصر ونبين عللها ونقسم أنواعها.

    المقالة الثالثة [ ما تبقى من الفصل الثانى ] Fasel10

    كتاب : المناظر ● تأليف : ابن الهيثم
    منتدى نافذة ثقافية . البوابة
    المقالة الثالثة [ ما تبقى من الفصل الثانى ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 28 نوفمبر 2024 - 1:18