الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
من طرف الرسالة الأربعاء 10 فبراير 2021 - 7:21
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
القواعد النورانية الفقهية
لأحمد بن تيمية
● [ القاعدة الرابعة ] ●
● [ فصل ] ●
القاعدة الرابعة أن الشرط المتقدم على العقد بمنزلة المقارن له في ظاهر مذهب فقهاء الحديث أحمد و غيره و مذهب أهل المدينة مالك و غيره وهو قول في مذهب الشافعي نص عليه في صداق السر و العلانية و نقلوه إلى شرط التحليل المتقدم و غيره و إن كان المشهور من مذهبه و مذهب أبي حنيفة أن المتقدم لا يؤثر بل يكون كالوعد المطلق عندهم يستحب الوفاء به وهو قول في مذهب أحمد قد يختاره في بعض المواضع طائفة من أصحابه كاختيار بعضهم أن التحليل المشروط قبل العقد لا يؤثر إلا أن ينويه الزوج وقت العقد وقول طائفة
كثيرة بما نقلوه عن أحمد من أن الشرط المتقدم على العقد في الصداق لا يؤثر و إنما يؤثر تسميته في العقد ومن أصحاب أحمد طائفة كالقاضي أبي يعلى يفرقون بين الشرط المتقدم الرافع لمقصود العقد و المقيد له فإن كان رافعا كالمواطأة على كون العقد تلجئة أو تحليلا أبطله و إن كان مقيدا له كاشتراط كون المهر أقل من المسمى لم يؤثر فيه لكن المشهور في نصوص أحمد و أصوله وما عليه قدماء أصحابه كقول أهل المدينة أن الشرط المتقدم كالشرط المقارن فإذا اتفقا على شيء و عقد العقد بعد ذلك فهو مصروف إلى المعروف بينهما مما اتفقا عليه كما ينصرف الدرهم و الدينار في العقود إلى المعروف بينهما وكما أن جميع العقود و إنما تنصرف إلى ما يتعارفه المتعاقدان
● [ القاعدة الخامسة في الأيمان و النذور ] ●
القاعدة الخامسة في الأيمان و النذور
قال الله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم } وقال تعالى { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم لا يؤاخذكم } وقال تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم } و قال تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين وكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك }
وفيها قواعد عظيمة لكن تحتاج إلى تقديم مقدمات نافعة جدا في هذا الباب و غيره
المقدمة الأولى أن اليمين تشتمل على جملتين جملة مقسم بها و جملة مقسم عليها و مسائل الأيمان إما في حكم المحلوف به و إما في حكم المحلوف عليه
فأما المحلوف به فالأيمان التي يحلف بها المسلمون مما قد يلزم بها حكم ستة أنواع ليس لها سابع
أحدها اليمين بالله و ما في معناها مما فيه التزام كفر على تقدير الحنث كقوله هو يهودي أو نصراني إن فعل كذا على ما فيه من الخلاف بين الفقهاء
الثاني اليمين بالنذر الذي يسمى نذر اللجاج و الغضب كقوله علي الحج لا أفعل كذا أو إن فعلت كذا فعلي الحج أو مالي صدقة إن فعلت كذا و نحو ذلك
الثالث اليمين بالطلاق
الرابع اليمين بالعتاق
الخامس اليمين بالحرام كقوله الحل علي حرام لا أفعل كذا
السادس الظهار كقوله أنت علي كظهر أمي إن فعلت كذا
فهذا مجموع ما يحلف به المسلمون مما فيه حكم
فأما الحلف بالمخلوقين كالحلف بالكعبة أو قبر الشيخ أو بنعمة السلطان أو بالسيف أو بحياة أحد من المخلوقات فما أعلم بين العلماء خلافا أن هذه اليمين مكروهة منهي عنها و أن الحلف بها لا يوجب حنثا ولا كفارة وهل الحلف بها محرم أو مكروه كراهة تنزيه فيه قولان في مذهب أحمد و غيره أصحهما أنه محرم ولهذا قال أصحابنا كالقاضي أبي يعلى وغيره أنه إذا قال أيمان المسلمين تلزمني إن فعلت كذا لزمه اليمين بالله والنذر والطلاق والعتاق والظهار ولم يذكر الحرام لأن يمين الحرام ظهار عند أحمد وأصحابه فلما كان موجبها واحد عندهم دخل الحرام في الظهار ولم يدخلوا النذر في اليمين بالله وإن جاز أن يكفر يمينه بالنذر لأن موجب الحلف بالنذر المسمى بنذر اللجاج والغضب عند الحنث هو التخيير بين التكفير وبين فعل المنذور وموجب اليمين بالله هو التكفير فقط فلما اختلف موجهما جعلوهما يمينين
نعم إذا قالوا بالرواية الأخرى عن أحمد وهو أن الحلف بالنذر موجبه الكفارة فقط دخلت اليمين بالنذر في اليمين بالله
و أما اختلافهم و اختلاف غيرهم من العلماء في أن مثل هذا الكلام هل ينعقد به اليمين أو لا ينعقد فسأذكره إن شاء الله تعالى و إنما غرضي هنا حصر الأيمان التي يحلف بها المسلمون
و أما أيمان البيعة فقالوا أول من أحدثها الحجاج بن يوسف الثقفي و كانت السنة أن الناس يبايعون الخلفاء كما بايع الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم يعقدون البيعة كما يعقدون عقد البيع و النكاح و نحوهما إما أن يذكروا الشروط التي يبايعون عليها ثم يقولون بايعناك على ذلك كما بايعت الأنصار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة فلما أحدث الحجاج ما أحدث من الفسق كان من جملته أن حلف الناس على بيعتهم لعبد الملك بن مروان بالطلاق و العتاق و اليمين بالله صدقة المال فهذه الأيمان الأربعة هي كانت أيمان البيعة القديمة المبتدعة ثم أحدث المستخلفون عن الأمراء و الملوك و غيرهم أيمانا كثيرة أكثر من ذلك وقد تختلف فيها عاداتهم ومن أحدث ذلك فعليه إثم ما ترتب على هذه الأيمان من الشر
المقدمة الثانية أن تخرج اليمين عن هاتين الصيغتين فالأول كقوله والله لا أفعل كذا أو الطلاق يلزمني لا أفعل كذا أو الحل علي حرام لا أفعل كذا أو علي الحج لا أفعل كذا و الثاني كقوله إن فعلت كذا فأنا يهودي أو نصراني أو بريء من الإسلام أو إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو إن فعلت كذا فعلي الحج أو فما لي صدقة و لهذا عقد الفقهاء لمسائل الأيمان بابين أحدهما باب تعليق الطلاق بالشروط فيذكرون فيه الحلف بصيغة الجزاء كإن و إذا و متى أشبه ذلك و إن دخل فيه صيغة القسم ضمنا و تبعا و الباب الثاني باب جامع الأيمان مما يشترك فيه اليمين بالله و الطلاق و العتاق و غير ذلك فيذكرون فيه الحلف بصيغة القسم و إن دخلت صيغة الجزاء ضمنا و تبعا
و مسائل أحد البابين مختلطة بمسائل الباب الآخر لاتفاقهما في المعنى كثيرا أو غالبا و لذلك كان طائفة من الفقهاء كأبي الخطاب و غيره لما ذكروا في كتاب الطلاق باب تعليق الطلاق بالشروط أردفوه بباب جامع الأيمان و طائفة أخرى كالخرقى و القاضي أبي يعلى و غيرهما إنما ذكروا باب جامع الأيمان في كتاب الأيمان لأنه به أمس و نظير هذا الباب حد القذف منهم من يذكره عند باب اللعان لاتصال أحدهما بالآخر و منهم من يؤخره إلى كتاب الحدود لأنه به أخص
و إذا تبين أن لليمين صيغتين صيغة القسم و صيغة الجزاء فالمقدم صيغة القسم مؤخر في صيغة الجزاء و المؤخر في صيغة الجزاء مقدم في صيغة القسم و الشرط المنفي في صيغة الجزاء مثبت في صيغة القسم فإنه إذا قال الطلاق يلزمني لا أفعل كذا فقد حلف بالطلاق أن لا يفعل فالطلاق مقدم و الفعل مؤخر منفي ولو حلف بصيغة الجزاء لقال إن فعلت كذا فامرأتي طالق فكان تقدم الفعل مثبتا و تأخر الطلاق منفيا كما أنه في القسم قدم الحكم وأخر الفعل و بهذه القاعدة تنحل مسائل كثيرة من مسائل الأيمان
فأما صيغة الجزاء فهي جملة فعلية في الأصل فإن أدوات الشرط لا يتصل بها في الأصل إلا الفعل و أما صيغة القسم فتكون فعلية كقوله أحلف بالله أو تالله أو و الله و نحو ذلك و تكون اسمية كقوله لعمر الله لأفعلن و الحل علي حرام لأفعلن
ثم هذا التقسيم ليس من خصائص الأيمان التي بين العبد و بين الله بل غير ذلك من العقود التي تكون بين الآدميين تارة تكون بصيغة التعليق الذي هو الشرط و الجزاء كقوله في الجعالة من رد عبدي الآبق فله كذا وقوله في السبق من سبق فله كذا و تارة بصيغة الجزم و التحقيق إما صيغة خبر كقوله بعت و زوجت و إما صيغة طلب كقول بعني و اخلعني
المقدمة الثالثة و بها يظهر مسائل الأيمان و نحوها أن صيغة التعليق التي تسمى صيغة الشرط و صيغة المجازاة تنقسم إلى ستة أنواع لأن الحالف إما أن يكون مقصوده وجود الشرط فقط أو وجود الجزاء فقط أو وجودهما و إما أن لا يقصد وجود واحد منهما بل يكون مقصوده عدم الشرط فقط أو عدم الجزاء فقط أو عدمهما فالأول بمنزلة كثير من صور الخلع و الكتابة و نذر التبرر و الجعالة و نحوها فإن الرجل إذا قال لامرأته إن أعطيتني ألفا فأنت طالق أو فقد خلعتك أو قال لعبده إن أديت ألفا فأنت حر أو قال إن رددت عبدي الآبق فلك ألف درهم أو قال إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فعلي عتق كذا أو الصدقة بكذا فالمعلق قد لا يكون مقصوده إلا أخذ المال و رد العبد و سلامة النفس و المال و إنما التزم الجزاء على سبيل العوض كالبائع الذي إنما مقصوده أخذ الثمن و التزم أداء المبيع على سبيل العوض
فهذا الضرب هو شبيه بالمعاوضة في البيع و الإجارة و كذلك إذا كان قد جعل الطلاق عقوبة لها مثل أن يقول إذا ضربت أمتي فأنت طالق أو إن خرجت من الدار فأنت طالق فإنه في الخلع عوضها بالتطليق عن المال لأنها تريد الطلاق وهنا عوضها عن بعضيتها بالطلاق
و أما الثاني فمثل أن يقول لامرأته إذا طهرت فأنت طالق أو يقول لعبده إذا مت فأنت حر أو إذا جاء رأس الحول فأنت حر أو فمالي صدقة و نحو ذلك من التعليق الذي هو توقيت محض فهذا الضرب هو بمنزلة المنجز في أن كل واحد منهما قصد الطلاق و العتاق و إنما أخره إلى الوقت المعين بمنزلة تأجيل الدين و بمنزلة من يؤخر التطليق من وقت إلى وقت لغرض له في التأخير لا لعوض ولا لحلف على طلب أو خبر و لهذا قال الفقهاء من أصحابنا و غيرهم إذا حلف أنه لا يحلف بالطلاق مثل أن يقول والله لا أحلف بطلاقك أو إن حلفت بطلاقك فعبدي حر أو فأنت طالق وأنه إذا قال إن دخلت أو إن لم تدخلي و نحو ذلك مما فيه معنى الحض أو المنع فهو حالف ولو كان تعليقا محضا كقوله إذا طلعت الشمس فأنت طالق أو أنت طالق إن طلعت الشمس فاختلفوا فيه قال أصحاب الشافعي ليس بحالف وقال أصحاب أبي حنيفة و القاضي في الجامع هو حالف
و أما الثالث وهو أن يكون مقصوده وجودهما فمثل الذي قد آذته المرأة حتى أحب طلاقها و استرجاع الفدية منها فيقول إن أبرأتيني من صداقك أو من نفقتك فأنت طالق وهو يريد كلا منهما
و أما الرابع وهو أن يكون مقصوده عدم الشرط لكنه إذا وجد لم يكره الجزاء بل يحبه أو لا يحبه ولا يكرهه فمثل أن يقول لامرأته إن زنيت فأنت طالق أو إن ضربت أمي فأنت طالق و نحو ذلك من التعليق الذي يقصد فيه عدم الشرط و يقصد وجود الجزاء عند وجوده بحيث إذا زنت أو إذا ضربت أمه يجب أن يفارقها لأنها لا تصلح له فهذا فيه معنى اليمين و فيه معنى التوقيت فإنه منعها من الفعل و قصد إيقاع الطلاق عنده كما قصد إيقاعه عند أخذ العوض منها أو عند طهرها أو عند طلوع الهلال
وأما الخامس وهو أن يكون مقصوده عدم الجزاء و تعلقه بالشرط لئلا يوجد و ليس له غرض في عدم الشرط فهذا قليل كمن يقول إن أصبت مائة رمية أعطيتك كذا
و أما السادس وهو أن يكون مقصودهما عدم الشرط و الجزاء و إنما تعلق الجزاء بالشرط ليمتنع وجودهما فهو مثل نذر اللجاج و الغضب و مثل الحلف بالطلاق و العتاق على حض أو منع أو تصديق أو تكذيب مثل أن يقال له تصدق على فلان أو أصلح بين فلان و فلان أو حج في هذه السنة فيقول إن تصدقت عليه فعليه صيام كذا أو فامرأته طالق أو فعبيده أحرار أو يقول إن لم أفعل كذا و كذا فعلي نذر كذا أو امرأتي طالق أو عبدي حر أو يحلف على غيره ممن يقصد منعه كعبده و نسيبه و صديقه ممن يحضه على طاعته فيقول له إن فعلت أو إن لم تفعلي فعلي كذا أو فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار و نحو ذلك
فهذا نذر اللجاج و الغضب و ما أشبهه من الحلف بالطلاق و العتاق يخالف في المعنى نذر التبرر و التقرب و ما أشبهه من الخلع و الكتابة فإن الذي يقول إن سلمني الله أو سلم مالي من كذا أو إن أعطاني الله كذا فعلي أن أتصدق أو أصوم أو أحج قصده حصول الشرط الذي هو الغنيمة أو السلامة و قصد أن يشكر الله على ذلك بما نذره و كذلك المخالع و المكاتب قصده حصول العوض و بذل الطلاق و العتاق عوضا عن ذلك
و أما النذر في اللجاج و الغضب فكما إذا قيل له افعل كذا فامتنع من فعله ثم قال إن فعلته فعلي الحج أو الصيام فهنا مقصوده أن لا يكون الشرط ثم إنه لقوة امتناعه ألزم نفسه إن فعله بهذه الأمور الثقيلة عليه ليكون لزومها له إذا فعل مانعا له من الفعل و كذلك إذا قال إن فعلته فامرأتي طالق أو فعبيدي أحرار إنما مقصوده الامتناع و التزم بتقدير الفعل ما هو شديد عليه من فراق أهله و ذهاب ماله ليس غرض هذا أن يتقرب إلى الله بعتق أو صدقة ولا أن يفارق امرأته و لهذا سمى العلماء هذا نذر اللجاج و الغضب مأخوذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة ( والله لا يلج أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي الكفارة التي فرض الله عليه )
فصورة هذا النذر صورة نذر التبرر في اللفظ و معناه شديد المباينة لمعناه ومن هذا نشأت الشبهة التي سنذكرها في هذا الباب إن شاء الله تعالى على طائفة من العلماء و بهذا يتبين فقه الصحابة الذين نظروا إلى معاني الألفاظ لا إلى صورها
إذا تبينت هذه الأنواع الداخلة في قسم التعليق فقد علمت أن بعضها معناه معنى اليمين بصيغة القسم و بعضها ليس معناه معنى اليمين بصيغة القسم فمتى كان الشرط المقصود حضا على فعل أو منعا منه أو تصديقا لخبر أو تكذيبا كان الشرط مقصود العدم هو و جزاؤه كنذر اللجاج والغضب و الحلف بالطلاق على وجه اللجاج و الغضب
القاعدة الأولى أن الحالف بالله سبحانه قد بين الله حكمه بالكتاب و السنة و الإجماع
أما الكتاب فقال تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم } و قال { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } و قال { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون }
وأما السنة ففي الصحيحين عن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له ( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها و إن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها و إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فائت الذي هو خير و كفر عن يمينك )
فبين له النبي صلى الله عليه وسلم حكم الأمانة الذي هو الإمارة و حكم العهد الذي هو اليمين و كانوا في أول الإسلام لا مخرج لهم من اليمين قبل أن تشرع الكفارة و لهذا قالت عائشة كان أبو بكر لا يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين و ذلك لأن اليمين بالله عقد بالله فيجب الوفاء به كما يجب في سائر العقود و أشد لأن قوله أحلف بالله و أقسم بالله و أولي الله و نحو ذلك في معنى قوله أعقد بالله لهذا عدي بحرف الإلصاق الذي يستعمل في الربط و العقد فينعقد المحلوف عليه بالله كما تنعقد إحدى اليدين بالأخرى في المعاقدة و لهذا سماه الله سبحانه عقدا في قوله { ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان } فإذا كان قد عقدها بالله فإن الحنث فيها نقض لعهد الله و ميثاقه لولا ما فرضه الله من التحلة و لهذا سمي حلها حنثا و الحنث هو الإثم في الأصل فالحنث فيها سبب للإثم لولا الكفارة الماحية و إنما الكفارة منعته أن يوجب إثما
و نظير الرخصة في كفارة اليمين بعد عقدها الرخصة أيضا في كفارة الظهار بعد أن كان الظهار في الجاهلية و أول الإسلام طلاقا و كذلك الإيلاء كان عندهم طلاقا فإن هذا جار على قاعدة وجوب الوفاء بمقتضى اليمين فإن الإيلاء إذا أوجب الوفاء بمقتضاه من ترك الوطء صار الوطء محرما و تحريم الوطء تحريما مطلقا مستلزم لزوال الملك الذي هو الطلاق و كذلك الظهار إذا أوجب التحريم فالتحريم مستلزم لزوال الملك فإن الزوجة لا تكون محرمة على الإطلاق و لهذا قال سبحانه وتعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم }
والتحلة مصدر حللت الشيء تحليلا و تحلة كما يقال كرمته تكريما و تكرمة وهذا المصدر يسمى به المحلل نفسه الذي هو الكفارة فإن أريد المصدر فالمعنى فرض الله لكم تحليل اليمين وهو حلها الذي هو خلاف العقد أو الحل و لهذا استدل من استدل من أصحابنا و غيرهم كأبي بكر بن عبد العزيز بهذه الآية على التكفير قبل الحنث لأن التحلة لا تكون بعد الحنث فإنه بالحنث تنحل اليمين و إنما تكون التحلة إذا أخرجت قبل الحنث لتتحلل اليمين و إنما هي بعد الحنث كفارة لأنها كفرت ما في الحنث من سبب الإثم لنقض عهد الله
فإذا تبين أن ما اقتضته اليمين من وجوب الوفاء بها رفعه الله عن هذه الأمة بالكفارة التي جعلها بدلا من الوفاء في جملة ما رفعه عنها من الأخبار التي نبه عليها بقوله تعالى { ويضع عنهم إصرهم } فالأفعال ثلاثة إما طاعة و إما معصية و إما مباح فإذا حلف ليفعلنه مباحا أو ليتركنه فهنا الكفارة مشروعة بالإجماع و كذلك إذا كان المحلوف عليه فعل مكروه أو ترك مستحب وهو المذكور في قوله تعالى { ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس والله سميع عليم }
وأما إن كان المحلوف عليه ترك واجب أو فعل محرم فهنا لا يجوز الوفاء به بالاتفاق بل يجب التكفير عند عامة العلماء
و أما قبل أن تشرع الكفارة فكان الحالف على مثل هذا لا يحل له الوفاء بيمينه ولا كفارة له ترفع عنه مقتضى الحنث بل يكون عاصيا معصية لا كفارة فيها سواء وفى أم لم يف كما لو نذر معصية عند من لم يجعل في نذره كفارة و إن كان المحلوف عليه فعل طاعة غير واجبة
● [ فصل ] ●
فأما الحالف بالنذر الذي هو نذر اللجاج والغضب مثل أن يقول إذا فعلت
كذلك فعلى الحج أو فمالي صدقة أو فعلى صيام يريد بذلك أن يمنع نفسه عن الفعل أو أن يقول إن لم أفعل كذل فعلى الحج ونحوه فمذهب أهل العلم من أهل مكة والمدينة والبصرة والكوفة أنه يجزيه كفارة يمين وهو قول فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وغيرهم وهذا هو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة وهو الرواية المتأخرة عنه
ثم اختلف هؤلاء فأكثرهم قالوا هو مخير بين الوفاء بما نذره وبين كفارة يمين وهذا قول الشافعي والمشهور عن أحمد ومنهم من قال بل عليه الكفارة عينا كما يلزمه ذلك في اليمين بالله وهو الرواية الأخرى عن أحمد وقول بعض أصحاب الشافعي وقال مالك وأبو حنيفة في الرواية الأخرى وطائفة بل يجب الوفاء بهذا النذر
وقد ذكروا أن الشافعي سئل عن هذه المسألة بمصر فأفتى فيها بالكفارة فقال له السائل يا أبا عبد الله هذا قولك فقال قول من هو خير منى عطاء ابن أبي رباح وذكروا أن عبد الرحمن بن القاسم حث ابنه في هذه اليمين فأفتاه بكفارة يمين بقول الليث بن سعد وقال إن عدت أفتيك بقول مالك وهو الوفاء به ولهذا يفرع أصحاب مالك مسائل هذه اليمين على عمومات الوفاء بالنذر كقوله صلى الله عليه وسلم من نذر أن يطيع الله فليطعه لأنه حكم جائز معلق بشرط فوجب عند ثبوت شرطه كسائر الأحكام والأول هو الصحيح والدليل عليه مع ما سنذكره إن شاء الله من دلالة الكتاب والسنة ما اعتمده الإمام أحمد وغيره
قال أبو بكر الأثرم في مسائله سألت أبا عبد الله عن رجل قال ماله في رتاج الكعبة قال كفارة يمين واحتج بحديث عائشة قال وسمعت أبا عبد الله يسأل عن الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله أو الصدقة بالملك أو نحو هذه اليمين فقال إذا حنث فكفارة يمين إلا أنى لا أحمله على الحنث ما لم يحنث قال له لا يفعل قيل لأبي عبد الله فإذا حنث كفر قال نعم قيل له أليس كفارة يمين قال نعم قال وسمعت أبا عبد الله يقول في حديث ليلى بنت العجماء حين حلفت بكذا وكذا كل مملوك لها حر فأفتيت بكفارة يمين فاحتج بحديث ابن عمر وابن عباس حين أفتيا فيمن حلف بعتق جاريته وأيمان فقال أما الجارية فعتق قال الأثرم حدثنا الفضل بن دكين حدثنا حسن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء عن عائشة قالت من قال مالي في رتاج الكعبة وكل مالي فهو هدى وكل مالي في المساكين فليكفر عن يمينه
وقال حدثنا عارم بن الفضل حدثنا معتمر بن سلميان قال قال أبي حدثنا بكر بن عبد الله أخبرني أبو رافع قال قالت مولاتى ليلى بنت العجماء كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدى هى يهودية وهي نصرانية إن لم تطلق امرأتك أو تفرق بينك وبين امرأتك قال فأتيت زينب بنت أم سلمة وكانت إذا ذكرت امرأة بالمدينة فقيهة ذكرت زينب قال فأتيتها فجاءت معي إليها فقالت في البيت هاروت وماروت قالت يا زينب جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك لها محرر وكل مال لها هدى وهى يهودية وهى نصرانية فقالت يهودية ونصرانية خلى بين الرجل وامرأته فأتيت حفصة أم المؤمنين فأرسلت إليها فأتتها فقالت يا أم المؤمنين جعلني الله فداك إنها قالت كل مملوك محرر وكل مال لها هدى وهى يهودية وهى نصرانية فقالت يهودية ونصرانية خلى بين الرجل وبين امرأته قال فأتيت عبد الله بن عمر فجاء معي إليها فقام على الباب فسلم فقالت بأبي أنت وبأبي أبوك فقال أمن حجارة أنت أم من حديد أنت أم من أى شئ أنت أفتتك زينب وأفتتك أم المؤمنين فلم تقبلي فتياهما قالت يا أبا عبد الرحمن جعلني الله فداءك إنها قالت كل مملوك لها حر وكل مال لها هدى وهى يهودية وهى نصرانية فقال يهودية ونصرانية كفري عن يمينك وخلى بين الرجل وبين امرأته قال الأثرم حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا عمران عن قتادة عن زرارة ابن أوفى أن امرأة سألت ابن عباس أن امرأة جعلت بردها عليها هديا إن لبسته فقال ابن عباس أفي غضب أم في رضى قالت في غضب قال إن الله تعالى لا يتقرب إليه بالغضب لتكفر عن يمينها وقال حدثني ابن الطباع حدثنا أبو بكر بن عياش عن العلاء بن المسيب عن يعلى بن نعمان عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما سئل عن الرجل جعل ماله في المساكين فقال أمسك عليك مالك وأنفقه على عيالك واقض به دينك وكفر عن يمينك وروى الأثرم عن أحمد قال حدثنا عبد الرزاق أنبأنا ابن جريج قال سئل عطاء عن رجل قال على ألف بدنه قال يمين وعن رجل قال على ألف حجة قال يمين وعن رجل قال مالي هدى قال يمين وعن رجل قال مالي في المساكين قال يمين وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن الحسن وجابر بن زيد في الرجل يقول إن لم أفعل كذا وكذا فأنا محرم بحجة قالا ليس الإحرام إلا على من نوى الحج يمين يكفرها وقال أحمد حدثنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال يمين يكفرها وقال حرب الكرمانى حدثنا المسيب بن واضح حدثنا يوسف بن السفر عن الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح قال سألت ابن عباس عن الرجل يحلف بالمشي إلى بيت الله الحرام قال إنما المشي على من نواه فأما من حلف في الغضب فعليه كفارة يمين
وأيضا فإن الاعتبار في الكلام بمعنى الكلام لا بلفظه وهذا الحالف ليس مقصوده قربة الله وإنما مقصوده الحض على فعل أو المنع منه وهذا معنى اليمين فإن الحالف يقصد الحض على فعل شئ أو المنع منه ثم إذا علق ذلك الفعل بالله تعالى أجزأته الكفارة فلأن تجزيه إذا علق به وجوب عبادة أو تحريم مباح بطريق الأولى لأنه إذا علقه بالله ثم حنث كان موجب حنثه أنه قد هتك أيمانه بالله حيث لم يف بعهده وإذا علق به وجوب فعل أو تحريمه فإنما يكون موجب حنثه ترك واجب أو فعل محرم ومعلوم أن الحنث الذي موجبه خلل في التوحيد أعظم مما موجبه معصية من المعاصي فإذا كان الله قد شرع الكفارة لإصلاح ما اقتضي الحنث فساده في التوحيد ونحو ذلك وجبره فلأن يشرع لإصلاح ما اقتضى الحنث فساده في الطاعة أولى وأحرى
وأيضا فإنا نقول إن موجب صيغة القسم مثل موجب صيغة التعليق والنذر نوع من اليمين وكل نذر فهو يمين فقول الناذر لله على أن أفعل بمنزلة قوله أحلف بالله لأفعلن موجب هذين القولين التزام الفعل معلقا بالله
والدليل على هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم النذر حلفة فقوله إن فعلت كذا فعلى الحج لله بمنزلة قوله إن فعلت كذا فوالله لأحجن
وطرد هذا انه اذا حلف ليفعلن برا لزمه فعله ولم يكن له ان يكفر فإن حلفه ليفعلنه نذر لفعله
وكذلك طرد هذا أنه إذا نذر ليفعلن معصية أو مباحا فقد حلف على فعلها بمنزلة ما لو قال والله لأفعلن كذا ولو حلف بالله ليفعلن معصية أو مباحا لزمته كفارة يمين وكذلك لو قال على لله أن أفعل كذا
ومن الفقهاء من أصحابنا وغيرهم من يفرق بين البابين
● [ فصل ] ●
فأما اليمين بالطلاق أو العتاق في اللجاج و الغضب فمثل أن يقصد بها حضا أو منعا أو تصديقا أو تكذيبا مثل قوله الطلاق يلزمني لأفعلن كذا أو لا فعلت كذا أو إن فعلت كذا فعبيدي أحرار أو إن لم أفعله فعبيدي أحرار فمن قال من الفقهاء المتقدمين إن نذر اللجاج و الغضب يجب فيه الوفاء فإنه يقول هنا يقع الطلاق و العتاق أيضا و أما الجمهور الذين قالوا في نذر اللجاج والغضب تجزيه الكفارة فاختلفوا هنا مع أنه لم يبلغني عن الصحابة في الحلف بالطلاق كلام و إنما بلغنا الكلام فيها عن التابعين ومن بعدهم لأن اليمين به محدثة لم تكن تعرف في عصرهم و لكن بلغنا عن الصحابة الكلام في الحلف بالعتق كما سنذكره إن شاء الله
فاختلف التابعون ومن بعدهم في اليمين بالطلاق و العتاق فمنهم من فرق بينه و بين اليمين بالنذر وقالوا إنه يقع الطلاق و العتاق بالحنث ولا تجزيه الكفارة بخلاف اليمين بالنذر هذا رواية عوف عن الحسن وهو قول الشافعي و أحمد في الصريح المنصوص عنه و إسحاق بن راهويه وأبي عبيد وغيرهم
فروى حرب الكرماني عن معتمر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال كل يمين و إن عظمت ولو حلف بالحج و العمرة و إن جعل ماله في المساكين ما لم يكن طلاق امرأة في ملكه يوم حلف أو عتق غلام في ملكه يوم حلف فإنما هي يمين وقال إسماعيل بن سعيد الشالنجي سألت أحمد بن حنبل عن الرجل يقول لابنه إن كلمتك فامرأتي طالق و عبدي حر فقال لا يقوم هذا مقام اليمين و يلزمه ذلك في الغضب و الرضا و قال سليمان بن داود يلزمه الحنث في الطلاق و العتاق وبه قال أبو خيثمة قال إسماعيل حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرزاق عن معمر بن إسماعيل بن أمية عن عثمان بن حاضر الحميري أن امرأة حلفت بمالها في سبيل الله أو في المساكين و جاريتها حرة إن لم تفعل كذا و كذا فسألت ابن عمر و ابن عباس فقالا أما الجارية فتعتق و أما قولها في المال فإنها تزكي المال قال أبو إسحاق إبراهيمم الجوزجاني الطلاق و العتق لا يحلان في هذا محل الأيمان ولو كان المجزئ فيها مجزئا في الأيمان لوقع على الحالف بها إذا حنث كفارة وهذا مما لا يختلف الناس فيه أن لا كفارة فيها
قلت أخبر أبو إسحاق بما بلغه من العلم في ذلك فإن أكثر مفتي الناس في ذلك الزمان من أهل المدينة و أهل العراق أصحاب أبي حنيفة و مالك كانوا لا يفتون في نذر اللجاج و الغضب إلا بوجوب الوفاء لا بالكفارة و إن كان أكثر التابعين مذهبهم فيها الكفارة حتى إن الشافعي لما أفتى بمصر بجواز الكفارة كان غريبا بين أصحابه المالكية وقال له السائل يا أبا عبد الله هذا قولك فقال قول من هو خير مني قول عطاء بن أبي رباح فلما أفتى فقهاء الحديث كالشافعي و أحمد و إسحاق و أبي عبيد و سليمان بن داود و ابن أبي شيبة و علي المديني و نحوهم في الحلف بالنذر بالكفارة و فرق من فرق بين ذلك و بين الطلاق و العتاق لما سنذكره صار الذي يعرف قول هؤلاء و قول أولئك لا يعلم خلافا في الطلاق و العتاق و إلا فسنذكر الخلاف في ذلك إن شاء الله تعالى عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد اعتذر أحمد عما ذكرناه عن الصحابة في كفارة العتق بعذرين
أحدهما انفراد سليمان التيمي بذلك
و الثاني معارضته بما رواه عن ابن عمر و ابن عباس أن العتق يقع من غير تكفير وما وجدت أحدا من العلماء المشاهير بلغه في هذه المسألة من العلم المأثور عن الصحابة ما بلغ أحمد فقال المروزي قال أبو عبد الله إذا قال كل مملوك له حر فيعتق عليه إذا حنث لأن الطلاق و العتق ليس فيهما كفارة و قال ليس يقول كل مملوك لها حر في حديث ليلى بنت العجماء حديث أبي رافع أنها سألت ابن عمر و حفصة و زينب و ذكرت العتق فأمروها بالكفارة إلا التيمي و أما حميد و غيره فلم يذكروا العتق قال سألت أبا عبد الله عن حديث أبي رافع قصة حلف مولاته ليفارقن امرأته و أنها سألت ابن عمر و حفصة فأمروها بكفارة يمين قلت فيها شيء قال نعم أذهب إلى أن فيه كفارة يمين قال أبو عبد الله ليس يقول فيه كل مملوك إلا التيمي قلت فإذا حلف بعتق مملوكه فحنث قال يعتق كذا يروي عن ابن عمر و ابن عباس أنهما قالا الجارية تعتق ثم قال ما سمعناه إلا من عبد الرزاق عن معمر قلت فإبش إسناده قال معمر عن إسماعيل عن عثمان بن حاضر عن ابن عمر و ابن عباس وقال إسماعيل ابن أمية و أيوب ابن موسى وهما مكيان و قد فرقا بين الحلف بالطلاق و العتق و الحلف بالنذر لأنهما لا يكفران و اتبع ما بلغه في ذلك عن ابن عمر و حفصة و زينب مع انفراد التيمي بهذه الزيادة وقال صالح ابن أحمد قال أبي و إذا قال جاريتي حرة إن لم أصنع كذا و كذا قال قال ابن عمر و ابن عباس تعتق و إذا قال كل مالي في المساكين لم يدخل فيه جاريته فإن هذا لا يشبه هذا ألا ترى أن عمر فرق بينهما العتق و الطلاق لا يكفران و أصحاب أبي حنيفة يقولون إذا قال الرجل مالي في المساكين إنه يتصدق به على المساكين و إذا قال مالي على فلان صدقة و فرقوا بين قوله إن فعلت كذا فمالي صدقة أو فعلي الحج و بين قوله فامرأته طالق أو فعبدي حر بأنه هناك وجب القول وجوب الصدقة والحج لا وجود الصدقة والحج
فإذا اقتضى الشرط وجوب ذلك كانت الكفارة بدلا عن هذا الواجب كما تكون بدلا عن غيره من الواجبات كما كانت في أول الإسلام بدلا عن الصوم الواجب و الإطعام بدلا عن الصوم عن العاجز عنه و كما تكون بدلا عن الصوم الواجب في ذمة الميت فإن الواجب إذا كان في الذمة أمكن أن يخير بأدائه و أداء غيره
و أما العتق و الطلاق فإن موجب الكلام وجودهما فإذا وجد الشرط وجد العتق و الطلاق و إذا وقعا لم يرتفعا بعد وقوعهما لأنهما لا يقبلان الفسخ بخلاف ما لو قال إن فعلت كذا فلله علي أن أعتق فإنه هنا لم يعلق العتق و إنما علق وجوبه بالشرط فيخير بين فعل هذا الإعتاق الذي أوجبه على نفسه و بين الكفارة التي هي بدلا عنه ولهذا لو قال إذا مت فعبدي حر عتق بموته من غير حاجة إلى الإعتاق ولم يكن له فسخ هذا التدبير عند الجمهور إلا قولا للشافعي و رواية أحمد وفي بيعه الخلاف المشهور ولو وصى بعتقه فقال إذا مت فأعتقوه كان له الرجوع في ذلك كسائر الوصايا وكان بيعه هنا و إن لم يجز كبيع المدبر
ذكر أبو عبد الله إبراهيم بن محمد بن عرفة في تاريخه أن المهدي لما رأى ما أجمع عليه رأي أهل بيته من العهد عزم على خلع عيسى و دعاهم إلى البيعة لموسى فامتنع عيسى من الخلع و زعم أن عليه أيمانا تخرجه من أملاكه و تطلق نساءه فأحضر له المهدي ابن علاثة و مسلم ابن خالد الزنجي وجماعة من الفقهاء
فأفتوه بما يخرجه عن يمينه و اعتاض مما يلزمه في يمينه بما ذكره ولم يزل به إلى أن خلع نفسه و بويع للمهدي و لموسى الهادي بعده
وأما أبو ثور فقال في العتق المعلق على وجه اليمين يجزئه كفارة يمين كنذر اللجاج والغضب لأجل ما تقدم من حديث ليلى بنت العجماء التي أفتاها عبد الله بن عمر و حفصة أم المؤمنين و زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بكفارة يمين في قولها إن لم أفرق بينك و بين امرأتك فكل مملوك لي محرر وهذه القصة هي مما اعتمده الفقهاء المستدلون في مسألة نذر اللجاج والغضب لكن توقف أحمد و أبو عبيد عن العتق فيها لما ذكرته من الفرق و عارض أحمد ذلك و أما الطلاق فلم يبلغ أبا ثور فيه أثر فتوقف عنه مع أن القياس عنده مساواته للعتق لكن خاف أن يكون مخالفا للإجماع
والصواب أن الخلاف في الجميع في الطلاق وغيره كما سنذكره ولو لم ينقل في الطلاق نفسه خلاف معين لكان فتيا من أفتى من الصحابة في الحلف بالعتاق بكفارة يمين من باب التنبيه على الحلف بالطلاق فإنه إذا كان نذر العتق الذي هو قربة لما خرج مخرج اليمين أجزأت فيه الكفارة فالحلف بالطلاق الذي ليس بقربة إما أن تجزئ فيه الكفارة ولا يجب فيه شيء على قول من يقول نذر غير الطاعة لا شيء فيه و يكون قوله إن فعلت كذا فأنت طالق بمنزلة قوله فعلي أن أطلقك كما كان عند أولئك الصحابة ومن وافقهم قوله فعبيدي أحرار بمنزلة قوله فعلي أن أعتقهم
على أني إلى الساعة لم يبلغني عن أحد من الصحابة كلام في الحلف بالطلاق وذاك والله أعلم لأن الحلف بالطلاق لم يكن قد حدث في زمانهم وإنما ابتدعه الناس في زمن التابعين ومن بعدهم فاختلف فيه التابعون ومن بعدهم.
● [ يتم متابعة القاعدة الخامسة ] ●
رحلات إبن بطوطة
الجزء الأول
منتدى توتة وحدوتة - البوابة