بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الثانى
● [ كتاب أدب القاضي ] ●
لم يختلف العلماء بالمدينة وغيرها فيما علمت أنه لا ينبغي أن يتولى القضاء إلا الموثوق به في دينه وصلاحه وفهمه وعلمه وشرطوا أن يكون عالما بالسنة والآثار وأحكام القرآن ووجوه الفقه واختلاف العلماء وقد قال مالك رحمه الله حتى يكون عالما بما مضى من اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة التابعين بالمدينة وقال عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة وغيره لا يكون صاحب رأي ليس له علم بالسنة والآثار ولا صاحب حديث ليس له علم بالفقه قال ولا ينبغي أن يفتي وينصب نفسه للفتوى إلا من كان هكذا إلا أن يفتي رجل رجلا بشيء قد سمعه ولا يجوز أن يلي القضاء أصم ولا أعمى وينبغي أن يكون ذا يقظة وتفطن لأمور الناس وشرورهم صلبا يلي الحق غير خائف للوم لائم مستشيرا فيما يشكل عليه لذوي العلم والدين مستثبتا غير عجل ويعلم مع هذا أنه قد ابتلى بأمر عظيم فليدم الاحتراس من الناس ويتحفظ من بطانته وأهله وخاصته وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان" دليل على أنه لا يقضي في حال تضيق فيها نفسه وينشغل باله وينقسم قلبه ولا يقضي حاقنا ولا جائعا ولا شابعا وينبغي له أن يجتنب في مجلسه الضحك جهرة ويظهر من نفسه ما يخيف به الظالم ويأمن المظلوم ويعدل بين الخصمين في مجلسهما وفي النظر إليهما وفي الاستماع منهما ولا ينبغي له أن يرفع صوته على أحدهما في غير ريبة أكثر من خصمه ولا يطلق وجهه إلى أحدهما ولا ينبغي للقاضي أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه ولا يقبل هدية إلا ممن كان بهديها إليه قبل ولايته ومن أهله وقرابته فإن خاصم أحدهما عنده لم يقبل منه شيئا يهديه إليه مدة خصومته عنده ولا يبيع ولا يشتري في مجلس القضاء ولو تناول له ذلك في غير مجلسه غيره لكان أولى ولا يشاور أحدا في مجلسه ولا يظهر أصحابه على مسائله ويبحث عن أحوال الشهود بنفسه ولا ينبغي له أن يطيل الجلوس لئلا يقطعه ذلك من استيفاء حجج الخصوم ويقضي القاضي في كل الأيام إلا أنه يستحب له أن لا يقضي في يوم الفطر والأضحى وأيام منى لأنها أيام أكل وشرب إلا أن يشرع أحد في سفر يؤذي بذلك صاحب دينه فيمنع من ذلك ويمنع من استطالة احد الخصمين على صاحبه ويحفظ الحاكم لسانه عن أذى العامة فإنما يحكم فيما شجر بينهم وهو فيما بعد واحد منهم ولا يعجل الخصوم عن حججهم بالتخويف الا من استرابه وخشي تلصصه عليه واذا تقدم اليه الخصمان واجلسهما بين يديه سألهما مالكا وايكما الطالب فيبدأ به فإذا استوفى حجته قال للمطلوب هات حجتك ولا بأس أن يقوم بحجة من ضعف منهما عن تمام ما ابتدأ به من كلامه ولا يقضي حتى يقول لمن يقضى عليه هل بقيت لك حجة ثم يوجه القضاء عليه بعد الاستقصاء في ذلك وفي التأجيل ولا ينبغي له أن يلقن شاهدا وليدعه حتى يؤدي ما عنده إلا أن يراه عاجزا عن الابانه عن نفسه وإذا بان لدد احد الخصمين نهاه وتقدم اليه فإن لم ينته أدبه والهجر في تأديب مثله اولى وإذا كثر اذى بعض الخصوم للحاكم للتظلم منه والتناول له فله أن يؤدبه على ذلك والصفح أفضل إلا أن يكون في أدبه زجر لغيره وينبغي للقاضي أن يتخير كاتبا من أهل العفاف والصلاح والفهم جائز الشهادة ثم يعقده حيث يرى ما يكتب وما يصنع وقال مالك ولا أرى أن يستكتب ذميا لأن الكاتب قد يستشار ولا يستشار كافر في امر المسلمين ويكتب لخصومه وما يكون بينهما من الشهادة والإقرار والإنكار في صحيفة ثم يطويها ويختم عليها بخاتمه ويكتب عليها هذه خصومة فلان ويؤرخ المقالات بالأيام والشهور وإن قبل شهادة على رجل بغير محضره فلا بأس إذا كان مشهور العين لا يشتبه بمثله من أهل عصره وأحب إلي أن لا يكون ذلك إلا بمحضره إلا فيما لا يحتاج فيه إلى عينه فإذا حضر المشهود عليه قرأ عليه ما يشهد به الشهود وأنسخه أسماءهم وأنسابهم ليتعرفهم في شهادتهم عليه إن أراد ردها والدفع فيها وفي أحوالهم أن كان عنده ما يجرحهم به ويبطل شهادتهم عليه ولو شهد رجلان على حاكم بقضية وهو ينكرها جازت شهادتهما على ذلك ومن ادعى عند القاضي أنه قضى له بشيء وهو لا يذكر ذلك وسأله إحضار بينة تشهد له بما ذكر فعن مالك وأصحابه في ذلك روايتان إحداهما أنه يسمع من البينة والأخرى أنه لا يلتفت إليها وقول من قال لا يجيبه إلى ذلك ولا يسمع من البينة أولى عندي لأنها تشهد عنده على أنه كان منه ما لم يعلمه من نفسه ومن قال إنه يسمع من بينته ولا يلتفت إلى نسيانه اجراه مجرى الأخبار والله أعلم والمسجد أعدل المجالس له لأنه لا يحجب فيه ولو قعد في المسجد وقتا وفي داره وقتا لتصل إليه الحائض والذمي كان حسنا ويجعل للنساء يوما يفردهن بالحكم فيه دون الرجال ويكون أعوانه عليهن صالحوا خصيان والشيوخ ولو كان في يوم النساء عجائز صالحات يثبتنه في بعض ما يريد من النساء كان حسنا ولا يقدم رجلا جاء قبله رجل ولو قدم الغرباء والمسافرين لما يراه كان حسنا وعليه التثبت في أحكامه وترك العجلة في انفاذ قضائه إذا أشكل عليه شيء أو استرابه ويضرب الأجل ليتمكن الخصم من حجته والدفع عن نفسه ولا يحل له أن يبطل من قد بان أمره وصحت قصته فربما فاجأه الموت ظالما له والأحكام إنما تكون بين المدعي والمدعى عليه حيث المدعى عليه والحاكم إلا أن يلقى المدعي المدعى عليه بمصر من الأمصار فإنما يخاصمه حيث لقيه وقال أصبغ وغيره ليس للحاكم أن يحكم إلا فيما فوض إليه السلطان الأكبر فإن فعل لم يجز حكمه فيه وهو إذ ذاك كمن حكم بغير تسجيل له على الحكم وكذلك قال ابن الماجشون ومظرف ويحيى بن يحيى وابن عبد الحكم وغيرهم وهو المعمول به وليس له أن يستخلف وهو حاضر ولا مريض إلا أن يجعل ذلك إليه الإمام وله إذا أراد سفرا أن يستخلف فيما بعد من أعماله من يجمع له أهل الفضل على ثقته ولا أحب أن يصير إليه تعديل بينة ولا إنفاذ حكم حتى يراجعه فيه ليتولى النظر فيه بنفسه فخطأه وجوره أقل خوفا عليه من جور أتباعه لأنه قد يتوب في نفسه ويرد المظالم ولا يمكن ذلك فيما جهل من أعوانه وأتباعه وهو شريكهم في دار العاجلة وعظيم الإثم في الآجلة وقد أجمع العلماء أنه ليس له أن يولي أحدا بعد موته ولا يوصي بذلك ولا بعد عزله ويجوز للقاضي العمل بما يرد عليه من كتاب قاضي إليه إذا شهدت على كتابه بينة شاهدان فصاعدا وسواء أتوا به مختوما أو منشورا إذا شهدوا على ما فيه من القضيه على ما اشهدهم به من حكمه وقد قيل انه تقبل الشهاده على الشهاده على خطه دون لفظه ولو كانوا جماعة وكان الكتاب بيد احدهم جازت شهادتهم اذا عرفوا ختمه ولم يرتابوا في شيء منه وليس موت القاضي الكاتب ولا المكتوب اليه بضائر في كتاب القضية المكتوب بها وحسب المكتوب اليه بشهادة من أورد الكتاب عليه لا بالميت المخاطب له ولو كان المكتوب اليه هو الميت كان من قام مقامه واستخلف مكانه يعمل من ذلك بما كان الميت يعمل ولا ينبغي لقاضي أن يتعقب أحكام غيره من القضاة قبله الا ان يكون معروفا جوره فيجوز تعقب ظاهر أحكامه وباطنها لانه قد يحسن ظاهرها واما احكام العدل فلا يعرض لها ولو كان ذلك لم ينفذ لاحد قضاء ولا يسجل مخلف القاضي ما ثبت عنده فإن فعل لم يجز تسجيله الا أن يجيزه القاضي الذي استخلفه فإن كان في سجل القاضي أن يستخلفه كان تسجيل مخلفه كتسجيله وكان حكمه حينئذ كحكم قاضيين استقضاهما الامام واذا علم الحاكم على كتاب ودفعه الى صاحبه ثم رده صاحبه اليه جاز أن يحكم بما فيه إن عرف خاتمه وعلامته وليتحفظ ها هنا مما حدث في الناس من الشر والحيل ولا يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في حد ولا في حق من الحقوق ولا في شيء قد كان شهد عليه مع غيره ويحكم بشهادة غيره في ذلك مع يمين الطالب ان كان مالا والا رفع ذلك الى الامام وكان شاهدا بما عنده مع الشاهد الاخر ولو اطلع على حد من حدود الله لم يقمه بما رآه حتى يشهد عنده فيه من يقام الحد به عدول يشهدون على إقرار المقر عنده أو على ما سمعوا من المقالات والدعاوى فيحكم بشهادتهم ولا يحكم بعلمه هذا تحصيل مذهب مالك وقد بينا الحجة في هذا المعنى في كتاب التمهيد وقالت طائفة من أهل المدينه منهم عبد الملك وأبوه عبد العزيز بن ابي سلمة ما أقر به المقر عند القاضي في مجلس حكمه أنفذ الحكم به قالوا له ذلك كما له عند الجميع أن يقضي في عدالة الشهود بعلمه ويكف عن الحكم بما علم من باطن الجرحة ولا يلتفت الى ما شهد به عنده من العداله الظاهره واذا حكم الحاكم بحكم ثم انكر أنه حكم به وشهد شاهدان عليه بحكمه قبلت شهادتهما وثبت الحكم ولم يبطل بإنكاره واذا ذكر الحاكم أنه حكم بأمر من الامور وأنكر ذلك المحكوم عليه لم يقبل قول الحاكم الا ببينة تشهد على حكمه واذا اعترف القاضي بقضية جور تعمدها في مال اتلفه على أحد ضمنه وإن كان في دم افيد منه وللحاكم أن يحبس من وجب عليه الحبس والحبس واجب في الحقوق كلها ما كان منها على معاوضة مال أو غير مال ولا حبس على معسر ومن ثبتت عسرته وجبت نظرته وليس للحبس حد محدود وينبغي للحاكم أن ينظر في امر المحبوسين ولا يهمل أمرهم فمن يعلم منه لدد تمادى في حبسه ومن علم إعساره أطلقه وأنظره ولا يجوز له أن يقضي لأبيه ولا لابنه ولا لمن لا تجوز شهادته له والذي ينبغي له أن يقضي به ولا أن يتعداه ما في كتاب الله عز وجل فإن لم يجد ففي ما أحكمته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجد ففي ما أحكمته سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن لم يجد فيها نظر فيما جاء عن اصحابه رضي الله عنهم فإن كانوا قد اختلفوا تخير من اقاويلهم أحسنها وأشبهها بالكتاب والسنة وكذلك يفعل بأقاويل العلماء بعدهم وليس له أن يخالفهم ويبتدع شيئا من رأيه فإن لم يجد اجتهد رأيه واستخارالله وأنعم النظر فإن أشكل عليه الامر شاور من يثق بفقهه ودينه من اهل العلم ثم نظر الى احسن اقاويلهم وأشبهها بالحق فقضى به فإن رأى خلاف رأيهم أحسن وأشبه بالحق عنده قضى به ولا يبطل من قضاء نفسه الا ما يبطل من قضاء غيره قبله وذلك ما خالف الكتاب والسنه او الاجماع فإن لم يكن ذلك أمضاه وقضى في المستأنف بما يراه بعد الا ان يكون قضى بتقليد بعض الفقهاء ثم رأى الصواب في غيره من اقاويل العلماء فإن بان له ذلك نقض قضاءه بالتقليد وقضى بما يراه مجتهدا بعد وهذا وما كان مثله إنما ينقضه من قضاء نفسه لا من قضاء من قبله واما قضاء غيره فعلى ما قدمنا ذكره وقال ابن القاسم للقاضي ان يفسخ أقضيته التي يرى غيرها ما لم يعزل فإن عزل ثم ولي لم يكن له فسخ شيء مما كان قضى به الا ما يكون له من فسخ قضاء غيره وإن شهد عنده شهود على رجل فلم يعرفهم واعترف المشهود عليهم بعدالتهم قضى بهم عليه وانفذ قضاءه اذا لم يكذبهم ولا يقضي بهم على غيره الا ان يعرف عدالتهم ولا ينبغي له ان يعنت الشهود فإنه ربما أبهت الشاهد وخلط عليه واذا اتهم القاضي الشهود جاز له ان يفرقهم في الشهادة ولا يرد من أقضيه وولات المياه والمناهل إلا ما كان جورا وخطأ بينا وكذلك اذا حكم الرجلان بينهما رجلا فسمع من بينهما وحكم بينهما لزمهما ولم يرد من حكمه الا ما كان خطأ بينا وسواء كان ذلك موافقا لحكم حاكم بلدهم او مخالفا له وليس كذلك اذا رضيا بشهادة رجل بينهما لأن لكل واحد منهما أن ينزع عن ذلك إن اتهمه في شهادته قال مالك واذا تظلم من قاض بعد عزله وادعى عليه الجور في قضائه لم ينبغ لمن بعده أن ينظر في ذلك الا ان يؤتي بكتاب فيه جور بين فينظر فيه وينقضه وليس عليه كشف أحكام من قبله ولا التعقب عليه وقال محمد بن مسلمه يمضي حكم الحاكم قبله ما لم يخالف كتابا او سنة او تأويلا مجتمعا عليه منهما وقال عبدالملك مثله وزاد أقضي بخلاف السنة المشهوره وان كان بعض الاختلاف نقض قضاؤه مثل القضاء لذوي الارحام بالميراث والشفعه للجار وشهادة أهل الذمة ولم يفعل ذلك غير عبد الملك قبل والله اعلم
● ● ● [ كتاب العتق ] ● ● ●
باب من يجوز عتقه
باب من يجوز عتقه
باب من يجوز عتقه وينفذ في ذلك فعله ومن لايجوز ذلك منه ويرد خصلة فيه
لايجوز عتق المكره ولا طلاقه ولا عتق السفيه المولى عليه ولا غير البالغ إلا لأمهات أولادهم وأما السكران فيقع عتقه وطلاقه وتجوز وصية المولى عليه بالعتق بعد وفاته و لا تجوز عتاقة في حياته ولا يجوز عتق المديان وعليه من الدين ما يستغرق ملكه الا بإذن أرباب غرمائه فإن أعتق بغير اذنهم كانوا بالخيار في إجازة عتقه ورده فإن ردوا عتقه وثاب له مال والعبد في يده قضى دينه ونفذ عتق العبد كذلك لو باعه الحاكم في الدين فلم يقتسم الغرماء ماله حتى طرأ له مال فإنه يقضي دينه من ذلك وينفذ عتق العبد ويرد البيع ولا ينبغي لمن رد الغرماء عتق إمائه أن يطأهن لما يجوز من حدوث مال له يوجب عتقهن ومن لم يجز الغرماء ما اعتقه من العبيد ومات فميراثه لسيده وليس لورثته الاحرار منه شيء ولو اعتق عبيده وهو موسر ثم افلس لم يرد عتقه وكذلك لو اعتقهم وهو مفلس ثم أيسر لم يرد عتقه ومن اعتق عبدا لا مال له غيره وعليه دين لا يحيط بقيمته بيع منه بقدر دينه وأعتق ما فضل عن دينه ولا يجوز للمرأة ذات الزوج عتق عبد يجاوز ثلثها إلا بإذن زوجها وعتقها لعبدها لا مال لها غيره مردود كله ثلثه وجميعه هذا الاشهر في المذهب وقد روي عن مالك وقالت طائفة من اصحابه إنه ينفذ من ذلك الثلث ومن أهل المدينه من يقول إن فعلها جائز في مالها كله اذا كانت صحيحه كالرجل سواء ولا اعتراض لزوجها فيما لا يملكه من مالها لانه لايحل له شيء منه الا عن طيب نفس منها ولا تجوز عتاقة العبد بغير اذن سيده فإن فعل فسيده بالخيار في إجازة عتقه ورده فإن أجاز ذلك كان له الولاء دون العبد وأن لم يعلم السيد بعتقه حتى اعتق العبد كان الولاء للعبد دون السيد ومن وهب عبدا لولده الصغير ثم أعتقه لم ينفذ عتقه فيه الا ان يكون موسرا فيعطى الولد قيمة العبد وينفذ العتق وإلا فلا وقد قيل إن ذلك رجوع منه فيما وهب من العبد وليس عليه شيء وهذا في الموضع الذي يجوز له الرجوع في هبته ومن اعتق عبدا اشتراه شراء فاسدا مضى عتقه ورجع البائع بقيمته وكذلك عند مالك لو ابتاع العبد نفسه بيعا فاسدا نفذ عتقه وعليه قيمة رقبته ومن أعتق ذا بطن أمته خرج حرا حين تلده إن بيعت في دينه قبل ذلك حاملا نفذ بيعها ورق الولد وإن ولد قبل البيع كان حرا ومن وهب أمته لرجل وما في بطنها لآخر فأعتقها الذي وهبت له كان عتقها موقوفا حتى تضع حملها ولو وهب حملها ثم أعتقها هو عتقت وتبعها حملها في الحرية وبطلت الهبة لانها لم تقبض حتى فات العتق
● [ باب عتق الشريك وتبعيض العتق ] ●
من كان له نصيب من عبد بينه وبين آخر فاعتق نصيبه منه نظر فإن كان المعتق معسرا نفذ عتق ما أعتق منه وليس عليه غير ذلك وبقي نصيب صاحبه رقيقا كثيرا كان أو قليلا ولا سعاية على العبد الذي لم يعتق حصته منه ويخدم نفسه بقدر ماله في نفسه من العتق وتكون مؤنته في ذلك على نفسه ويخدم من له الرق بقدر ماله من الرق وتكون مؤنته في ذلك عليه وإن مات العبد عن مال كان ماله لمن بقي له فيه من الرق ولو كان جزءا من مائة جزء ولا شيء في ذلك لمعتقه ولا لولد حر لو كان له وحكم المعتق بعضه في طلاقه وحدوده شهادته حكم العبد ولو قتل كانت قيمته لسيده وإن جنيت عليه جناية فالإرش كله لسيده وقد قيل ان الارش بينه وبين سيده على قدر حريته ورقه وكلاهما قول مالك وليس لسيده أن ينزع ماله ولا ان يجبره على النكاح وإن كان للمعتق من المال ما يسع قيمة سائرة قوم عليه قيمة عدل ثم يعتق سائره بالقيمة وإنما يعتق عند مالك بالحكم ومن أهل المدينه من يعتقه كله على الموسر ساعة أعتق نصيبه منه ويضمن نصيب شريكه وقد روي ذلك عن مالك أيضا ولكن الأول تحصيل مذهبه وعليه أكثر اصحابه ولو مات العبد فالمشهور من مذهب مالك قبل التقويم مات عبدا ولم يلزم المعتق منه حصة شيء لشريكه وكان ميراثه أجمع للذي لم يعتق حصته منه دون المعتق ولو مات المعتق لم يلزم ثلثه شيء لأن المال قد انتقل الى ورثته ولو كانت أمة فلم يقوم عليه فيما بقي فيها من الرق حتى اتت بولد قوم عليه نصيب من شركه فيها مع الولد ولو شاء شريك المعتق قبل التقويم أن يعتق حصته منه كان ذلك له اذا كان عتقه ناجزا وكان الولاء بينهما على قدر حصصهما وليس له ان كان شريكه موسرا أن يعتق حصته منه الى اجل ولاأن يكاتبه في ذلك ولا يدبره ولو كان معسرا جاز ذلك كله ولو جهل أن القيمة تجب على المعتق الاول اذا كان موسرا حتى باع الشريك حصته فالبيع مردود ولو اعتق احد الشريكين نصيبه من العبد عتقا بتلا وهو معدم ثم اعتق شريكه نصيبه منه الى اجل نفذ عتق كل واحد منها على حاله الاول والثاني الى اجله فلو كان موسرا والمسأله بحالها قيل للمعتق الثاني الى اجل أما ان شئت عتق نصيبك معجلا وتكونان شريكين في الولاء على قدر حصصكما وإلا قوم نصيبك فيه على شريكك فاستتم عتقه عليه وكان له الولاء كله ولو أعتق الاول نصيبه الى أجل واعتق الثاني نصيبه معجلا نفذ فعلهما وكان للأول من الخدمه بقدر حصته الى الاجل الذي أعتقه اليه فإن مات العبد قبل الاجل كان له ماله دون صاحبه واذا اعتق أحد الشركاء في عبد نصيبه منه الى أجل قوم عليه نصب شريكه وكان كله عليه معتقا الى ذلك الأجل يخدمه وحده دون غيره ومن أوصى بعتق حصته من عبد بينه وبين غيره وأوصى بعتقه بعض عبده لم يعتق منه غير ذلك لأن عتقه وجب بموته وإن أعتق حصته وهو معسر ثم أيسر بعد ذلك لم يقوم عليه وإن كان موسرا يوم العتق ثم اعسر ثم أيسر قوم عليه ليساره يوم العتق وإن كان موسرا ببعض قيمة نصيب شريكه قوم عليه بقدر ذلك وعتق من العبد ذلك المقدار دون سائره ويترك الذي لزمه تقويم العبد من متاعه مالا بد له منه وليس للشريك الثاني أن يعتق نصيبه الى اجل ولا أن يدبره ولا أن يكاتبه اذا كان شريكه موسرا ويقوم عليه على كل حال إلا أن يعتق حصته بتلا وإن كان عبد بين ثلاثة رجال أو أكثر فأعتق احدهم نصيبه وهو موسر قوم عليه نصيب شركائه واستتم عليه عتقه وإن كان معسرا بقي نصيب صاحبه أو أصحابه رقيقا فإن أعتق احدهما وهو موسر نصيبه بعد عتق المعسر لم يقوموا عليه لصاحبه لأنه زاد خيرا ولو أعتق اثنان منهم نصيبهما في كلمة معا قوم الباقي عليهما نصفين وسواء تساوت انصباؤهما او تباينت وقد قيل إنه يقوم عليهما بقدر حصصهما وكلاهما قول مالك وإن كان احدهما في هذه المسأله معسرا ضمن الموسر منهما جميع نصيب المتمسك بالرق عند مالك ولا تباعة له على شريكه المعسر وإن أيسر يوما ما وعند عبدالملك بن عبد العزيز لا يضمن إلا قدر نصيبه ولو أعتق أحد الشريكين وهو معسر حصته ثم أعتق شريكه نصف حصته لم يكمل عليه عتق نصيبه وقال ابن القاسم في عبد بين رجلين أعتق احدهما نصيبه ثم أعتق الآخر نصف نصيبه وأراد أن يقوم على شريكه النصف الذي بقي له فيه الرق ان ذلك لايجوز ويعتق عليه باقي نصيبه قال فإن فات الثاني قبل ذلك وجب أن يقوم ما بقي له فيه على المعتق الأول وقال غيره هو عتيق في ماله إن كان موسرا لا في مال الأول لأنه ليس له أن يبعض حرية ما يملك فإن أعتق أحدهما نصيبه في مرضه فإن كان له مال مأمون مثل العقار والنخل ونحوهما ما كان عتقه كله نافذا وإن لم يكن له مال مأمون قوم عليه نصيب صاحبه في ثلثه كما لو أعتق بعض عبده وهوصحيح لزمه عتقه كله موسرا أو معسرا في رأس ماله ولو كان مريضا أكمل عتقه عليه وفي هذا قيل ليس لله شريك ومن اوصى بعتق عبده وكانت له اموال مأمونه وقع عتقه في الثلث عقب موت الموصي في الوقت الذي يقع ملك الورثه فإن لم تكن أموال مأمونه لم يقع عتقه في الثلث إلا وقت القسمة ومن أوصى بعتق بعض عبده لم يعتق منه إلا ما أوصى بعتقه وقد قيل يكمل عتقه في ثلثه ومن اعتق شخصا له في عبد وهو معدم والعبد عنه غائب يوم العتق ثم أيسر بعد العتق وقوم العبد فطلب استتمام عتقه قضى له بذلك وقوم على المعتق بما بقي فيه من الرق وعتق عند مالك بطلب استتمام عتقه فلا شيء له ولا تبعه لشركاء المعتق فيه اذا كان يوم أعتق معدما وكان العبد حاضرا هذا قول مالك واصحابه
● [ باب العتق في المرض والوصية بالعتق ] ●
وكيفية القرعة
وكيفية القرعة