من طرف الرسالة الأربعاء 29 أبريل 2020 - 9:43
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الأول
● [ كتاب الجنائز ] ●
[ باب غسل الميت ]
إغماض الميت سنة وغسله واجب مثل مواراته والصلاة عليه ويحمل ذلك من قام به.
والسنة في غسله: أن يغسل وترا ثلاثا أو خمسا أو سبعا ولا يزاد على السبع إلا أن يحتاج إلى ذلك ولا ينقص عن ثلاث في الاستحباب والغسلة الواحدة تجزئ.
يبدأ الغاسل بغسل يديه ثم ينظفه من الأذى ثم يوضئه كوضوء الصلاة ثم يغسل رأسه يحثي عليه ثلاث حثيات ثم يفيض عليه الماء ويقلبه ظهرا لبطن ويستر عورته ولا يفضي بيده إليها إلا وعليها خرقة أو من فوق الثوب ويستحب أن تبدل الخرقة لكل غسلة ويعصر بطنه عصرا رفيقا إن احتاج إلى ذلك فإن كان مجدورا أو ذا جراح أو قروح أخذ عفوه والأولى من الغسلات بالماء والسدر والخطمي والأشنان أو ما أشبه ذلك بعد أن يغسل ما تحته من النجاسات يغسل كما ذكرنا ثم بعد ذلك يغسل بالماء القراح إن شاء باردا وإن شاء سخنا ثم يغسل الثالثة بمثل ذلك ويجعل فيها كافورا إن أمكن وأقل ما يجزئ من غسله أن يغسل كما يغسل الحي من الجنابة وليس نفي ذلك حد وإن لم يوجد للميت ماء يمم.
ولا بأس أن يحنط الميت بالمسك والعنبر ويجعل الحنوط في مفارقه ومفاصله وداخل كفنه ولا يجعل على ظاهره وإنما يقصد بذلك مواضع سجوده وتغسل المرأة زوجها ويغسلها غسلت أسماء بنت عميس أبا بكر وغسل علي فاطمة فإن طلقها طلاقا باتا لم تغسله ولم يغسلها دامت في عدتها أم لا.
واختلف قول مالك في الرجعية فروي عنه أنه يغسل كل واحد منهما صاحبه إذا مات في العدة وروي عنه أنه لا يغسلها وهو أحب إلي ولا بأس أن يغسل الرجل أمته وتغسل أم الولد سيدها وإن اضطرت المرأة والرجل إلى غسل ذوي المحارم غسل كل واحد منهما محرمه من وراء ثوب ولم يطلع على عورته ويغسل الرجل الطفلة الصغيرة بنت ثلاث سنين أو أربع وتغسل المرأة الصبي في هذه السن فإذا لم يكن مع المرأة نساء ولا ذو محرم يممها الرجال إلى الكوعين وإذا لم يكن مع الرجل رجال ولا ذو محرم من النساء يممه النساء إلى المرفقين
● [ باب الكفن ] ●
ويكفن الرجل في ثلاث أثواب فإن لم يكن معها قميص فحسن وكذلك إن لم يكن معها عمامة وإن قمص وعمم فلا بأس وتكفن المرأة في خمسة أثواب ويستحب الوتر في الكفن وإن كفن في ثوب واحد أجزأ ويكون من الكفن عند رأس الميت أكثر مما عند رجليه وأحب الأثواب إلينا البياض ولا يكفن في خز ولا في وشي ولا حرير إلا أن لا يوجد غيره وأقل ما يجزأ من الكفن إن لم يوجد غيره ما يوارى به ما بين سرته إلى ركبتيه ولا بأس بالمسك والكافور في الحنوط وتجمر أكفان الميت ولا تتبع جنازته بمجمر ولا شيء من النار والكفن وجميع مؤنة الميت من رأس ماله يقدم على الدين إلا أن يكون رهنا إذا كان وسطا لا سرف فيه وإن أوصى أن يكفن فيما فيه سرف كانت الزيادة في ثلثه ولا يكفن في ثوب نجس إلا أن لا يوجد غيره ولا يمكن إزالة النجاسة عنه ويكفن في الوسط من الثياب ملبوسا أو جديدا وكل ما جاز أن يلبسه الحي ويصلي فيه جاز أن يكفن فيه الميت
● [ باب من أولى بالصلاة على الميت ] ●
أولى الناس بالصلاة على الميت الوالي إذا كان عدلا والقاضي وسائر الأمراء إذا كانوا عدولا وأصحاب الصلوات ولو حضر الخليفة لم يجز أن يتقدمه أحد وقد قدم الحسين على جنازة أخيه الحسن سعيد بن العاص وهو أمير المدينة فقال له تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك ثم الأولياء الأقرب فالأقرب والأقعد فالأقعد إذا كانوا متقاربين في الأمانة والعلم والديانة.
ومن أهل العلم من يقول: الولي أحق من الوالي وهو قول الشافعي وغيره والأول قول مالك وأصحابه والابن عند مالك أولى بالصلاة على الميت من أبيه والأخ وابن الأخ عنده أولى من الجد ثم ترتيب الولاية في ذلك كترتيبها في المواريث وغير مالك يجعل الأب والجد أولى الناس بذلك وأولياء المرأة أولى بالصلاة عليها من زوجها وزوجها أولى بغسلها وإدخالها في قبرها ولو أوصى إلى أحد أن يصلي عليه كان الموصى إليه أولى من غيره إذا كان له حال في الخير والعلم
● [ باب الصلاة على الميت ] ●
الصلاة على كل مسلم إذا مات واجبه على من حضره وعلم به من المسلمين وإن قام بها منهم أقل جماعة سقط وجوبها عن غيرهم ولم يحرج متخلفهم عنها وفاز فاعل ذلك بأجرها وهكذا كالجهاد لا يستوي القاعد عنه والقائم به.
ويصلى على الجنازة في كل وقت إلا مع طلوع الشمس ومع غروبها ولا تجوز الصلاة على الجنازة إلا على طهر والتكبير على الجنازة أربع تكبيرات يثني بعد الاولى على الله ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو له بعد الثانية والثالثة ويكبر الرابعة ويسلم تسليمة واحدة خفيفة يسمع بها نفسه كتسلينه من الصلاة المكتوبة لا يجهر به إذا صلى وحده وكذلك سلام الإمام على الجنازة وسلام من خلفه يسمع من يليه وإن كان سلام من خلفه أعلى فليلا فلا بأس.
وقد قيل: لو كان سلام من خلفه أخفى قليلا فلا بأس أيضا.
ومن وجد الإمام في الدعاء قد كبر فيكبر تكبيرة الإحرام ويعتد بها من الأربع ثم يكبر تكبيرة.
وقد روي عن مالك أنه لا يكبر حتى يكبر بتكبير الإمام وأصحابه وسائر العلماء على هذين القولين أيضا.
ومن فاته بعض التكبير قضى نسقا متتابعا إلا أن يترك الميت ولا يرفع فيأتي بما بقي عليه من الدعاء والتكبير وليس في الصلاة على الجنازة قراءة عند مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة وغيرهم.
وقال جماعة من كبراء أهل المدينة: يقرأ بعد التكبيرة الأولى بأم القرآن الثانية يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو للميت بعد الثالثة وهذا مشهود عن العلماء المدنيين من الصحابة والتابعين.
وليس في الدعاء للميت شيء مؤقت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجتهدوا لأخيكم في الدعاء".
والاجتهاد: إخلاص النية له لا الإكثار من غير اعتبار لأن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه ولا ساه وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم ودعا أصحابه ولم يكن دعاؤه ولا دعاؤهم شيئا واحدا كل يدعو بما حضره وتسير له فمن ذلك: "اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه واغسله من ذنوبه كما يغسل الثوب. اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه. اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا. اللهم ارفع درجته في عليين واخلفه في ذريته بخير يا أرحم الراحمين" وحسن أن يقول: اللهم إنه عبدك كان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنت أعلم به خرج من الدنيا إليك ونزل أفقر ما كان إلى رحمتك اللهم بغناك عنه وفقره إليك فارحمه واغفر له وتجاوز عن سيئاته وبلغه بفضلك ورحمتك الأمن حتى تبعثه إلى جنتك اللهم قه فتنة القبر وعذاب النار اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.
والدعاء كثير ويكره التطويل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أم الناس فليخفف" وهذا عام في كل إمام فإن اجتمع جنائز في وقت واحد فجائز أن يصلى على جميعهن في وقت صلاة واحدة ويجعل الرجل مما يلي الإمام والمرأة أمام الرجل مما يلي القبلة وإذا اجتمع جنائز رجال ونساء وصبيان قدم الرجال مما يلي الإمام ثم الصبيان ثم النساء، ولا يصلي على من قتله الكفار في معركة الحرب ولا يغسل ويدفن في ثيابه إذا مات في معركة فإن حمل حيا ثم مرض ومات غسل وصلي عليه إلا أن يكون قد انفذت مقاتله في المعركة.
واختلف في غسل من ثبت أنه أجنب منهم فقيل يغسل ذلك خاصة من بين الشهداء وقيل: لا يغسل على عموم السنة فيهم إذ ليس عليهم عبادة ويصلى على سائر الشهداء كالمطعون والمبطون ومن ذكر معهما ويغسلون كسائر الأموات ولا يصلى على من لم يستهل صارخا وتعلم حياته وكره مالك أن يصلي على الطفل وأن تحرك وعطس حتى يستهل صارخا وكأنه جعل حركته بعد وضعه كحركته في بطن أمه ما لم يستهل صارخا.
وخالفه ابن وهب فقال: إن علمت حياته صلى عليه وعلى هذا أكثر العلماء وجمهور الفقهاء إلا أن الأكثر من الفقهاء يورثونه ولا يورثون منه حتى يستهل صارخا وإن كان للطفل أب مسلم صلى عليه ودفن مع المسلمين.
وقد قيل: إن أسلم أحد أبويه صلى عليه والأول أشهر عن مالك ولا يصلي على الصبي يسبي وحده إلا أن يعقل الإسلام ويجيب إليه.
وقد روى المدنيون عن مالك أنه إذا لم يكن معه أبواه أو أحدهما واشتراه مسلم فهو على دينه ومن سبي مع أبويه فحكمه حكمهما وكذلك إن سبي مع أحدهما.
وقد روي عن مالك وطائفة من أهل المدينة: انه إذا ولد في ملك مسلم فهو مسلم وإن كان معه أبواه.
ولا يصلى على العضو ولكن يصلى على أكثر الجسد ولو صلى أحد على الرأس أو العضو لم يحرج وكان حسنا فإن صلى على عضو ثم وجد عضو آخر منه لم يصل عليه واجزأتهم الصلاة على الأول.
ومن أهل المدينة من يرى الصلاة على كل عضو لأن الحرمة في ذلك واحدة ومنهم من يقول: إذا صلى على الرأس لم يصل عل سائر الأعضاء وكلها أقاويل حسان من فعل بواحد منها لم يحرج ويصلى على كل مسلم مجرم وغير مجرم والقاتل نفسه وغيره في ذلك سواء.
لا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة فهي السنة في موتى المسلمين وليس قتل المسلم لنفسه ولا ما ارتكبه من الكبائر بمانع من إقامة إحياء السنة في الموتى لأنها سنة واجبة على الكافة وقيام من قام بها يسقطها عن غيره ويتأخر الإمام عن الصلاة على من أقام عليه حد القتل ويتأخر الفاضل المقتدى به عن الصلاة على الداعين إلى بدعتهم وعن المجاهرين بالكبائر المستخفين بها وكره مالك أن يصلي الإمام على من قتله في حد من الحدود وقال: يصلي عليه أهله والمسلمون وذلك والله أعلم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يصل بنفسه على ماعز الأسلمي وغيره ممن أقام عليهم الحد وقد قال في الغال "صلوا على صاحبكم" ولا يصلي أهل العلم والفضل على أهل البدع ولا على من ارتكب الكبائر واشتهر بها ويصلي عليهم غيرهم
● [ باب جامع في الجنائز ] ●
المحرم إذا مات وغير المحرم سواء في غسله وكفنه عند مالك وأكثر أهل المدينة يخمر رأسه ووجهه ويجعل في حنوطه من الطيب مثل ما يجعل في غيره إذا كان متولي ذلك غير محرم ولو اضطر قوم إلى أن يدفنوا جماعة في حفرة واحدة أو قبر واحد جاز لك ويقدم إلى القبلة أقرؤهم وأفضلهم وأفقههم ويجعل الرجل أمام المرأة إلى القبلة في القبر كما يتقدمها إذا صلى بها وليس على من رأى جنازة أن يقوم إليها ومن شيع جنازة فلا ينصرف حتى يصلي عليها ولا يتصرف من صلى عليها حتى يأذن أهلها إلا أن يطول ذلك ويضر به جلوسه فيما يخشى فواته من معاني دينه ودنياه.
ومن صلى على ميت في المسجد لم يحرج وأحب إلينا أن يصلي عليه خارج المسجد ويجعل الميت في قبره على جنبه الأيمن مستقبل القبلة فإن لم يمكن جعل على ظهره مستقبلا [القبلة] والمشي أمام الجنازة أفضل إن شاء الله وهو الأفضل عند أكثر أهل المدينة ولا حد في حمل السرير يحمل كيف تسير ويدخل الميت في قبره أولياؤه وأهل الصلاح وليس لمن يدخله قبره ولا لمن يحمل نعشه حد.
ويستحب التعزية لأهل الميت وإرسال الطعام إليهم ليلة دفنه ولا بأس بزيارة القبور للرجال ويكره ذلك للنساء وارجو أن يكون أمر المتجالسة في ذلك خفيفا ولا تحل النياحة وأجرة النائحة وكسبها حرام.
وإذا هلك ذمي بين ظهراني المسلمين وليس له من أهل دينه من يدفنه واراه المسلمون بغير صلاة منهم عليه ولا غسل.
ويكره مالك البكاء على الميت إلا ما كان من حزن القلب ودمع العين وقد رخص فيه ما لم يمت إذا كان قد احتضر فإذا قضى فلا تبكين باكية وجائز تسطيح القبور وتسنيمها ولا تجصص ولا يبنى عليها.
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي
تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي
منتدى ميراث الرسول - البوابة