الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
من طرف الرسالة الثلاثاء 28 أبريل 2020 - 10:34
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الفقه الإسلامي
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي . المجلد الأول
● [ كتاب الصلاة ] ●
[ باب مواقيت الصلاة ]
أول وقت الظهر حين تزول الشمس عن كبد السماء وعلامة الزوال في الأرض رجوع الظل وطوله بعد تناهي قصره عند انتصاف النهار فمن كان وحده استحب له أن يصلي في أول الوقت ويستحب لمساجد الجماعات تأخيرها حتى يتمكن وقتها بمضي ربع القائم من الظل وكذلك يستحب لمساجد الجماعات تأخير العصر والعشاء قليلا لاجتماع الناس.
وأوائل الأوقات للمنفردين أفضل في كل صلاة.
ثم لا يزال وقت الظهر قائما إلى أن الأوقات للمنفردين أفضل في كل صلاة ثم لا يزال وقت الظهر قائما إلى أن يصير طل كل شيء مثله وإذا كان ذلك خرج وقت الظهر ودخل وقت العصر ولا فصل بينهما ثم لا يزال وقت العصر ممدودا إلى أن يصير ظل كل شيء مثليه وإنما المثل والمثلان في الزائد على المقدار الذي تزول عليه الشمس وذلك الوقت المختار ومن فاته ذلك فقد فاته وقت الاختيار وما دامت الشمس بيضاء نقية فهو وقت للعصر مختار أيضا عندنا واختلف فيمن أدرك ركعة من العصر قبل غروب الشمس وهو مقيم لا عذر له فقيل: هو عاص بتأخيره صلاة العصر إلى ذلك الوقت وقيل: ليس بعاص ولكنه ترك الوقت المختار.
وأما المغرب فلا وقت لها إلا وقت واحد عند غيبوبة الشمس ودخول الليل هذا هو المشهور من مذهب مالك واصحابه وجمهور أهل المدينة في وقت المغرب في الحضر.
ولمالك في وقتها قول ثان: إنه من صلاها قبل مغيب الشفق فقد صلاها في وقتها في الحضر والسفر والأول عنه أشهر وعليه العمل وللرجل إذا حضر عشاؤه أو وجد البول أو الغائط وقد حضرت الصلاة او أقيمت أن يبدأ بالعشاء وبالخلاء قبل الصلاة والفضل المرغوب فيه تعجيل المغرب والتقليس بالصبح وتعجيل المغرب أوكد.
ووقت صلاة العشاء مغيب الشفق وهي الحمرة التي تكون في المغرب بعد غروب الشمس ثم لا يزال وقتها المختار به ممدودا إلى ثلث الليل وقيل إلى نصف الليل والأول قول مالك ومن صلاها قبل الفجر فقد صلاه في وقتها عند مالك وإن كره له ذلك ويكره النوم قبلها والحديث بعدها إلا لدارس علم أو فاعل خير.
وأول وقت صلاة الصبح: إذا طلع الفجر المعترض في أفق المشرق وهو أول بياض النهار ثم لا يزال وقتها ممدودا قائما حتى يسفر فإذا أسفر فقد فات وقت الاختيار ولا [يجوز أن يؤخرها] من لا عذر له حتى تطلع الشمس قبل إتيانه بركعة منها وقال مالك: الصلاة الوسطى صلاة الصبح لأن وقت صلاة الصبح صغير ولم يفت للنبي عليه السلام من الصلوات غير صلاة الصبح فإنه صلاه بعد طلوع الشمس فهذه أوقات الرفاهية.
وأما من كان مضطرا أو معذورا مثل الصبي يحتلم والكافر يسلم والحئض تطهر والمغمى عليه يفيق فإن كل واحد من هؤلاء إن أدرك قبل المغرب مقدار ركعة صلى العصر.
وإن أدرك قبل الغروب مقدار خمس ركعات صلى الظهر والعصر وكذلك: إن أدركوا قبل الفجر أربع ركعات صلوا المغرب والعشاء وإن كان أقل من ذلك صلوا العشاء.
وراعى مالك للحائض فراغها من غسلها إذا لم يكن معها تفريط ثم أدركت ركعة على حسب ماوصفنا وغيره لا يجعل عليها في الغسل حدا ويسقط ذلك عنها كالجنب والصبح لا تشترك مع غيرها في حضر ولا سفر ولا حال والجمع ين المغرب والعشاء ليلة المطر رخصة وتوسعة وصلاة كل واحدة لوقتها أحب إلي لمن لم يكن مسافرا إلا في مسجد النبي عليه السلام وهذه رواية اهل المدينة عن مالك رواها زياد أيضا عنه ولكن تحصيل مذهبه عند أكثر أصحابه إباحة الجمع بين الصلاتين في المطر في كل بلد بالمدينة وغيرها، وقد قيل: لا يجمع بالمدينة ولا بغيرها إلا في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
والطين والظلمة إذا اجتمعنا عند مالك كالمطر يجمع لذلك بين الصاتين وحكم الجمع في المطر تؤخر الأولى وتقدم الثانية ويصليان في وسط الوقت بأذانين وإقامتين أو بأذان واحد وإقامتين كل ذلك قد روي عن مالك ومن لم يدرك الأولى لم يصل الثانية إلا في وقتها على اختلاف من قول مالك في ذلك.
وكذلك اختلف قوله في وقت انصرافهم فقيل: ينصرفون عند مغيب الشفق ، وقيل: ينصرفون وعليهم أسفار، واختار ابن القاسم لمن أدرك العشاء مع الجماعة وكان قد صلى المغرب في بيته أن يصليها معهم ولو لم يدرك العشاء معهم لم يصل العشاء حتى يغيب الشفق ولا يجمع بين الظهر والعصر في مطر عند مالك وأصحابه وجائز الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما للمسافر جد به السير أو لم يجد وقد قيل: لا يجمع إلا من جد به السير يؤخر الأولى ويقدم الثانية وإلى هذا ذهب ابن القاسم والقول الأول أصح لإجماعهم على مثل ذلك في الصلاتين بعرفة والمزدلفة وذلك سفر.
ولحديث معاذ بن جبل في جمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة تبوك نازلا غير سافر قال ابن شهاب: سألت:
سالم بن عبد الله هل يجمع بين الصلاتين في السفر ؟
فقال لي: ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة ويجمع المريض أيضا ويجمع من به سلس البول في شدة البرد إذا أضر به الوضوء بالماء البارد.
● [ باب الأوقات التي تكره فيها ] ●
باب الأوقات التي تكره فيها عندنا النافل من الصلوات دون المكتوبات
أما المكتوبات وهي المفترضات من الصلوات فمن نام عنها أو نسيها صلاها في كل وقت على ما نذكره في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله وقد بينا الحجة على المخالف في ذلك في كتاب التمهيد والحمد لله والصلاة على الجنائز يأتي ذكرها وحكمها في كتاب الجنائز إن شاء الله.
وأما الصلوات المسنونات وسائر النوافل والتطوع فلا يصلي شيء من ذلك عند طلوع الشمس ولا عند غروبها وجائز عند مالك الصلاة عند استوائها في يوم الجمعةوغيره ولا يتنفل أحد بصلاة بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس ولا بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس وليس في الليل وقت يكره فيه الصلاة ولا صلاة نافلة بعد الفجر إلا ركعتي الفجر ومن دخل المسجد بعد صلاة العصر وقد صلاها أو بعد الصبح وقد صلاها فلا يركع الركعتين تحية المسجد قبل غروب الشمس ولا قبل طلوعها وإن دخل المسجد وقد فاته فيه العصر أو الصبح جاز له إذا كان في الوقت سعة أن يركع قبل أن يصلي المكتوبة فإن صلاها فلا يتنفل بعدها ومن أتى المسجد وقد ركع ركعني الفجر في بيته فإن شاء رحع الركعتين تحية المسجد وإن شاء جلس كل ذلك مباح له وقد قيل: لا يركعهما وكلاهما صحيح عن مالك والأول أولى واحفظ إن شاء الله ولا يركع أحد عنده يوم الجمعة إذا دخل المسجد والإمام يخطب وكل وقت يكره فيه التطوع فلا يركع عند مالك فيه ركعتا الطواف ولا يسجد به سجدة التلاوة ومن طاف بعد العصر أو الصبح أخر عند مالك الركوع حتى تطلع الشمس أو تغرب ثم ركعهما قبل صلاة المغرب إن شاء أو بعدها ولا يتنفل قبلها.
وأما سجود التلاوة فلا يسجدها ذلك الوقت ولا شيء عليه وقد قيل: إنه إذا خرج الوقت المنهى عن الصلاة فيه عاد لتلاوة السجدة وسجد لها وفي باب صلاة الكسوف وغيره شيء من معاني الباب
● [ باب الأذان والإقامة ] ●
الأذان سنة مؤكدة وليس بفريضة وهو على أهل المصر وحيث الأمراء والخطباء والجماعات أوكد منه على غيرهم من المسافرين وأهل العذر ولا أذان إلا للمكتوبات ولا يؤذن لنافلة ولا لصلاة مسنونة ولا لصلاة مكتوبة فائتة تقضى في غير وقتها ولكن يقام لها ولا يؤذن لصلاة قبل دخول وقتها إلا الصبح وحدها ولا يؤذن لها إلا بعد ثلثي الليل إلى طلوع الفجر وإن إذن لها قبل ذلك أعاد.
وقد قيل: سدس الليل، واستحب أن يكون من المؤذنين من يقع أذانه لها مع الفجر أو بعده فإن لم يكن فلا بأس أن يؤذن لها قبل الفجر والاختيار أن يؤذن لها مؤذن آخر مع الصباح وأن أذن قبل دخول الوقت لغيرها لزمه إعادة الأذان.
والأذان: سبع عشرة كلمة: الله أكبر مرتين أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين ثم يرجع فيزيد في صوته فيقول أشهد ألا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين حي على الصلاة مرتين حي على الفلاح مرتين الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ويزيد في أذان الصبح خاصة بعد قوله حي على الفلاح مرتين: الصلاة خير من النوم مرتين.
والإقامة: عشر كلمات وهي الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح وقد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والإقامة كلها فرادى إلا قوله الله أكبر في أول الإقامة وفي آخرها فإنه مرتين مرتين وآخر الأذان وآخر الإقامة لا إله إلا الله والإقامة أوكد من الأذان ويجزئ الأذان على غير طهارة ولا يقيم أحد إلا طاهرا ولا بأس بالأذان للمسافر راكبا ولا يقيم إلا بالأرض فإن أقام راكبا ثم نزل للصلاة كره له ذلك وأجزأته صلاته وبئس ما فعل وجائز أذان رجل وإقامة غيرة وإن أقام المؤذن فذلك خير ولا يؤذن في كل مسجد ولكل صلاة إلا عالم بالأوقات.
وليس على النساء أذان ولا إقامة وإن أقامت المرأة فلا تجهر ومن وجد الناس قد فرغوا من الصلاة أقام ولم يؤذن ومن سها عن الإقامة فلا شيء عليه ومن تركها عامدا لم تفسد صلاته وقد أساء في ترك سنة مؤكدة من سنن صلاته وليستغفر الله.
● [ باب استقبال القبلة ] ●
ولا تجوز صلاة فريضة إلى غير القبلة إلا أن يكون في شدة الخوف والمقاتلة ومن لم يستقبل القبلة وهو عالم بها قادر عليها بطلت صلاته وحكم استقبال القبلة على وجهين:
أحدهما: أن يراها ويعاينها فيلزمه استقبالها وإصابتها وقصد جهتها بجميع بدنه.
والآخر: أن تكون الكعبة بحيث لا يراها فيلزمه التوجه نحوها وتلقاؤها بالدلائل، وهي: الشمس والقمر والنجوم والرياح وكل ما يمكن به معرفة جهتها ومن غابت عنه وصلى غير مجتهد إلى غير ناحيتها وهو ممن يمكنه الاجتهاد فلا صلاة له فإذا صلى مجتهدا مستدلا ثم انكشف له بعد الفراغ من صلاته أنه صلى إلى غير القبلة أعاد الصلاة إن كان في وقتها وليس ذلك بواجب عليه لأنه قد أدى فرضه على ما أمر به ولهذا لم ير مالك عليه الإعادة إذا لم يبن له خطأ إلا بعد خروج الوقت والكمال يستدرك في الوقت استدلالا بالنسبة فيمن صلى وحده ثم أدرك تلك الصلاة في وقتها في جماعة أنه يعيدها معهم حاشا المغرب عند مالك وليس له أن يعيدها في جماعة بعد خروج وقتها وإنما يعيد في الوقت استحبابا من استدبر القبلة مجتهدا أو شرق أو غرب جدا مجتهدا.
وأما من تيامن أو تياسر قليلا مجتهدا فلا إعادة عليه في وقت ولا غيره.
وللمسافر أن يتنقل راكعا حيثما توجهت به راحلته وجائز له عند مالك أن يفتح صلاته على الدابة إلى غير القبلة كما له ذلك بعد الافتتاح.
ويكره أن تصلى المكتوبة في الكعبة وفي الحجر ويستحب لمت فعل ذلك الإعادة في الوقت ولا بأس بالنافلة فيها وأما الصلاة على ظهرها فقد اختلف فيها والقياس أن يعيد من فعل ذلك لأنه لم يستقبل شيئا منها ولا يتنفل في السفينة إلى غير القبلة
● [ باب إحرام الصلاة ] ●
ولا صلاة عندنا إلا بإحرام، ولا يكون أحد داخلا في الصلاة إلا بتكبيرة ينوي بها افتتاح الصلاة مع التكبير ، والاختيار عندي ان تتقدم النية التكبير بلا فصل ،وتحصيل مذهب مالك أن المصلي إذا قام إلى صلاته أو قصد المسجد لها ،فهو على نيته، وإن غابت عنه إلى أن يصرفها إلى غير ذلك والتكبير: الله أكبر، لا يجزئه غير هذا اللفظ ومن سها وهو منفرد في صلاته عن تكبيرة الإحرام كبر حين يذكرها وابتدأ الصلاة تلك الساعة فإن نسي الإمام تكبيرة الإحرام حتى صلى بطلت صلاته وصلاة من خلفه وأعاد وأعاد من خلفه ، وإن كانوا أحرموا فإن ذكر وهو في الصلاة قطع وقطعوا ، وأعلمهم بما نزل به واستأنف إقغمة الصلاة ، ولو لم يقطع ولكنه استأنف التكبير جهرا ،وكبروا بعده أجزأهم لأنه لم يكن في صلاة ومن أحرم قبل إمامه فهو كمن لم يحرم ولا يكبر المأموم حتى يفرغ الإمام من التكبير فإن كبر قبله أعاد التكبير بعده ولم يقطع بسلام ولا كلام وإن كبر المأموم للركوع وكان قد سها عن تكبيرة الإحرام مضى على صلاته مع إمامه في المشهور من مذهب مالك استحبابا ثم أعاد الصلاة إيجابا واحتياطا والقياس أن يبتدئ الإحرام فيصلي ما أدرك ويقضي ما فات ولأصحاب مالك اختلاف في المأموم ينسى تكبيرة الإحرام ثم يذكرها وقد صلى مع إمامه بعض صلاته وفي إجماعهم على أن المنفرد والإمام لا صلاة لواحد منهما إلا بإحرام ما يقضي على صواب ما اختلفوا فيه في المأموم والصحيح الذي يصحبه القياس والنظر والأثر هو الأصل.
● [ باب القراءة ] ●
لابد من قراءة فاتحة الكتاب للإمام والمنفرد في كل ركعة من الفريضة والنافلة لا يجزئ عنها غيرها ولا يقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم لا سرا ولا جهرا وهو المشهور عن مالك وتحصيل مذهبه عند أصحابه.
وقد ذكر إسماعيل عن أبي ثابت عن ابن نافع عن مالك قال: وإن جهر في الفريضة ببسم الله الرحمن الرحيم فلا حرج ومن أهل المدينة من يقول لا بد فيها من بسم الله الرحمن الرحيم منهم ابن عمر وابن شهاب ومن قرأ عند مالك وأصحابه بسم الله الرحمن الرحيم في النوافل وعرض القرآن فلا بأس.
وروي عن مالك أنه قال: من لم يقرأ بفاتحة الكتاب في ركعتين من صلاته فسدت صلاته.
وروي عنه وعن جماعة من أهل المدينة: إن من لم يقرأها في كل ركعة فسدت صلاته إلا أن يكون مأموما وهو الصحيح من القول في ذلك عندنا.
ولهذا لا نرى لمن سها عن قراءتها في ركعة إلا أن يلغيها ويأتي بركعة بدلا منها كمن أسقط سجدة سواء ، وهو الاختيار لابن القاسم من أقوال فيها.
وأما المأموم فالإمام يحمل عنه القراءة لإجماعهم على أنه إذا أدركه راكعا أنه يكبر ويركع ولا يقرأ شيئا ولا ينبغي لأحد أن يدع القراءة خلف إمامه في صلاة السر الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخرتين من العشاء فإن فعل فقد أساء ولا شيء عليه عند مالك وأصحابه وأما إذا جهر الإمام فلا قراءة بفاتحة الكتاب ولا بغيرها قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} ، وقال رسول الله عليه وسلم: "ما لي أنازع القرآن" وقال في الإمام: "فإذا قرأ فأنصتوا" .
وما زاد على قراءة الفاتحة سنة ولا يقرأ في الأخرتين من صلاة الأربع إلا بالحمد وحدها وكذلك الثالثة من المغرب.
وأما سائر ركعات الصلوات فيقرأ فيها الحمد وسورة ولا حج في ذلك وإذا نسي الإمام قراءة أم القرآن في صلاته فلا صلاة له ولا لمن خلفه وإن كانوا قد قرأوا وهو بمنزلة من لم يكبر للاحرام وكبر من خلفه ولا يصح ماروي عن عمر في ذلك بل قد صح أنه أعاد الصلاة التي لم يقرأ فيها وقد ذكرنا ذلك عنه من وجوه في موضعه من التمهيد ومن قرأ في ركعة بأم القرآن وحدها فهي تامة لا خراج فيها ولا نقصان أول كانت الركعة أو آخر والسنة أن يقرأ معها سورة في الأوليين من كلا صلاة وفي كلتا الركعتين من صلاة الصبح وأي سورة قرأ معها أجزأ عنه وللعلماء في استحباب القراءة في الصلوات ليس منها شيء بلازم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوقف على شيء من ذلك وكل من اختار في ذلك شيئا فعلى حسب ما روي والروايات في ذلك مختلفة جدا كلها تدل على التخيير من غير توقيت وقد بينا ذلك في كتاب التمهيد وبالله التوفيق
● [ باب الركوع والسجود ] ●
ولا يجزئ ركوع ولا سجود ولا وقوف بعد الركوع ولا جلوس بين السجدتين حتى يعتدل راكعا ووافقا وساجدا وجالسا وهذا هو الصحيح في الأثر وعليه جمهور العلماء وأهل النظر وهي روايةابن وهب وأبي مصعب عن مالك ويسجد على جبهته وأنفه ويجزئه أن يسجد على جبهته دون أنفه ولا يجزئه إذا لم يسجد على جبهته ويقبض يديه على ركبتيه في ركوعه وذلك سنة الركوع ويكبر الراكع والساجد والرافع في حال عمله حين يهوي راكعا وساجدا وحين ينهض من سجوده وركوعه ويستحب له مالك وأصحابه إذا قام من اثنتين أن لا يكبر حتى يعتدل قائما ويكره السجود على كور العمامة وإن كانت طاقة أو طاقتين مثل الثياب التي تستر الركب والقدمين فلا بأس وينبغي أن يباشر بيديه الأرض أو ما يسجد عليه فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه وعمل البدن كله فرض في الصلاة إلا رفع اليدين والجلسة الوسطى بدليل السنة في ذلك
● [ باب التشهد والجلوس ] ●
الجلوس للتشهد: أن يفضي بوركه الأيسر إلى الأرض وينصب قدمه اليمنى على صدرها ويجعل باطن الإبهام على الأرض لا ظاهره ويجعل قدمه اليسرى تحت ساقه اليمنى ويضع كفيه على فخذيه ويقبض أصابع يده اليمنى إلا التي تلي الإبهام فإنه يرسلها ويشير بها إن شاء ويضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى مبسوطة وجلسة المرأة في الصلاة كجلوس الرجل سواء وكذلك فعلها كله في صلاتها لا تخالفه إلا في اللباس وكلتا الجلستين في الصلاة سواء للرجال والنساء والانصراف بين السجدتين على نحو ذلك.
والتشهد أن يقول: "التحيات لله الزاكيات لله الطيبات الصلوات لله السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا له إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله" . هذا تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو أحب إلينا وإن تشهد أحد بتشهد ابن مسعود أو بتشهد ابن عباس أو غيرهما مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد فلا حرج ولو سها حتى سلم لم يكن عليه عند مالك شيء وقد قيل يسجد سجدتي السهو.
وقال أبو مصعب وحده من بين أصحاب مالك: يعيد من لم يتشهد، وأما السلام ففرض واجب، ومن تعمد تركه فسدت صلاته ومن سها عنه عندنا حتى طال أمره أو احدث كان عليه إعادة الصلاة ومن ذكره بالقرب رجع وسلم وسجد لسهوه.
والسلام أن يقول: السلام عليكم مرة واحدة لا يجزئه إلا هذا اللفظ ولا يخرج من الصلاة بغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تحريم الصلاة التكبير وتحليلها التسليم" ويلزمه أن ينوي بسلامه الخروج من صلاته والتحليل منها والإمام والمنفرد يسلمان واحدة وسنة السلام أن يشير إلى يمينه بآخره قليلا ويحذفه ولا يطوله ويستحب للمأموم إن كان أحد عن يساره أن يرد عليه مثل سلامه وكذلك يفعل إمامه فإن قصر عن ذلك فلا حرج والاختيار للمأموم أن يسلم اثنتين ينوي بالأولى التحليل والخروج من صلاته وبالثانية الرد على الإمام وإن كان عن يساره من سلم عليه في الرد بها عليه وينبغي لكل مسلم أن لا يترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع تشهده في آخر صلاته وقبل سلامه فإن ذلك مرغوب فيه ومندوب إليه وأحرى أن يستجاب له دعاؤه.
فإن لم يفعل لم تفسد عليه صلاته وقد أساء ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في التشهد الأول خفف حتى كأنه على الرضف
● [ باب هيئة الصلاة بكمالها ] ●
كمال الصلاة بعد إسباغ الوضوء واستقبال القبلة التكبير مع النية ورفع اليدين - مع التكبير - حذو المنكبين ووضع اليمنى منهما على اليسرى أو إرسالهما كل ذلك سنة في الصلاة ثم القراءة بأم القرآن فإذا فرغ منها قال: آمين سرا أو أسمع نفسه ولو جهر بها لم يخرج.
وقد اختلف في قول الإمام آمين فالمدنيون يروون عنه ذلك ، والمصريون يأبونه عنه ، ولم يختلفوا في المأموم والمنفرد أنهما يقولانها ويقرأ في الصبح وفي الأوليين من غيرها بأم القرآن وسورة معها ويجهر فيما يجهر فيه إن كان ليلا.
وكذلك صلاة الصبح والجمعة والإسرار فيما يسر فيه من صلاة النهار ولا تستفح المكتوبة بشيء من الذكر غير تكبيرة الإحرام والقراءة بآخرها ثم يركع فإن رفع يديه فحسن وإلا فلا حرج فإذا اعتدل راكعا سبح الله وعظمه ولا حد في ذلك عند مالك وغيره يقول: أقل الكمال ثلاث تسبيحات وقد روى ذلك أبو مصعب عن مالك والتسبيح أن يقول: سبحان ربي العظيم في الركوع وسبحان ربي الأعلى في السجود وإن عظم الله بغير ذلك فلا بأس ثم يرفع رأسه فيعتدل قائما ويقول مع رفع رأسه سمع الله لمن حمده وقد قيل: لا يقولها حتى يستوي قائما والأول هو المذهب الصحيح.
فإن كان منفردا قال مع ذلك: ربنا لك الحمد أو ربنا ولك الحمد كيف شاء وإدخال الواو هنا أصح من جهة الأثر وإليه ذهب مالك في اختياره وإن شاء رفع يديه وإن شاء لم يرفع وإن كان مأموما لم يقل سمع الله لمن حمده وقال ربنا ولك الحمد.
ويقنت في صلاة الصبح الإمام والمأموم.
والمنفرد إن شاء قبل الركوع وإن شاء بعده كل ذلك واسع والأشهر عن مالك القنوت قبل الركوع وهو تحصيل مذهبه.
والقنوت بالصورتين عند مالك: اللهم إنا نستعينك واللهم وإياك نعبد وإن قنت بغيرهما فلا حرج ولا بأس برفع الصوت في القنوت.
ومن لم يقنت فلا شيء عليه. ثم ينحط للسجود بالتكبير فإن وقع منه إلى الأض ركبتاه ثم يداه ثم وجهه فحسن وإلا فلا حرج في الرتبة في ذلك ولا حرج فيه عندنا ويقول سبحان ربي الأعلى وإن شاء دعا فهو موضع الدعاء وأقل الكمال ثلاث تسبيحات أو قدرها من الدعاء وليس لأكثره حد إلا أن من كان إماما لم يطول على الناس ولم يرفع رأسه بالتكبيرة حتى يستوي قاعدا على رجله اليسرى وينصب اليمنى ثم ينحط بالتكبير إلى السجدة الثانية كالأولى ثم يقوم إلى ركعته الثانية فيفعل فيها وفي سجودها كما فعل في الركعة الأولى فإذا رفع رأسه من السجدة جلس كالجلوس بين السجدتين وتشهد ثم قام إلى الأخيرتين مكبرا حتى ينهض قائما ويستحب مالك أن لا يكبر حتى يستوي قائما فيسر فيهما بالقراءة على كل حال ولا يزيد فيهما على فاتحة الكتاب في كل واحدة منهما فإن زاد لم يحرم عليه ولم تفسد صلاته ثم يتشهد في آخر صلاته وجلوسه في ذلك مثل جلوسه في التشهد الأول فإن استقبل بأصابع رجليه القبلة في الصلاة فنصب اليمنى وخفض اليسرى فلا بأس بذلك أيضا ويدعوا بعد تشهده إن شاء بما شاء مما يصلح من أمور الدين والدنيا ولا يطيل إن كان إماما ثم يسلم على ما تقدم في الباب قبل هذا ولا بأس بالدعاء في كل أحوال الصلاة قائما وساجدا وجالسا بين السجدتين ويكره الدعاء في الركوع كما تكره فيه القراءة فإن دعا راكعا فلا حرج ولو سمى أحدا يدعو له أو يدعو عليه لم يضره
● [ باب أقل ما يجزئ من عمل الصلاة ] ●
وأقل ما يجزئ من عمل الصلاة التكبير للأحرام مع النية للصلاة بعينها والقراءة بعد التكبير بفاتحة الكتاب ثم يركع حتى يطمئن راكعا ثم يرفع رأسه حتى يعتدل قائما ويسجد حتى يطمئن ساجدا ثم يقعد حتى يطمئن قاعدا ثم يسجد أخرى كذلك ويتم صلاته كلها على هذا ويسلم تسليمة واحدة وقد أدى فرضه إلا أن ابن القاسم يرى جملة تكبير الركوع والسجود واجبا ويرخص من ذلك في التكبيرة والتكبيرتين وقد بينا علة هذا القول في كتاب التمهيد ولا فرض عندنا في الصلاة إلا النية وتكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن في كل ركعة والقيام والركوع والسجود على ما وصفنا والجلسة الأخيرة والتسليم ورتبة السجود بعد الركوع ولا تنعقد ركعة إلا بسجدتيها جميعا
● [ باب سترة المصلي ] ●
السترة في الصلاة سنة ، وقيل: سنة في كل موضع لا يؤمن فيه المرور بين يدي المصلي وأما الصحراء والسطوح وحيث يؤمن المرور فلا بأس بالصلاة فيها من غير سترة. وأقل السترة ذراع في غلظ رمح وكل من يؤمن عبثه ولعبه والفتنة به والشغل من ذاته من بهيمة أو إنسان فلا يضر صلاة من جعله سترته إذا سلم من آفاته.
وينبغي أن يدنو المصلي من ستريه ولا يبعد عنها ولا يقطع صلاة المصلي شيء مما يمر بين يديه ولا يقطع الصلاة إلا ما يفسدها من الحدث وشبهه ولا يجوز لأحد أن يمر بين يدي المصلي إلا أن يكون خلف إمام فإن كان خلف إمام لم يضره ذلك لأن الرخصة في ذلك وردت والكراهية شديدة في المار بين يدي المصلي وفاعل ذلك عامدا آثم ومن أكثر من ذلك واستخف به كانت فيه جرحة ويلزم المصلي دفع المار بين يديه وبين سترته إذا كان إماما أو منفردا وليس عليه أن يمشي شيئا إليه وإنما يدفعه إذا مر بين يديه فإن سبقه لم يرده وليس عليه أن يبلغ في مرافعته إلى عمل تفسد به صلاته.
ومن لا يجوز أن يمر بين يديه لم يجز له أن يتناول من يديه شيئا ويكره الصلاة إلى النيام والحلق لما يخشى منهم من الحدث والغلط
● [ باب الإمامة ] ●
الائتمام بكل إمام بالغ مسلم حر أو عبد على استقامة جائز إن لم يكن يلحن في أم القرآن لحنا يحيل المعنى.
ولا يجوز الائتمام بامرأة ولا خنثى مشكل ولا كافر ولا مجنون ولا أمي ولا يكون واحد من هؤلاء إماما بحال من الأحوال إلا الأمي بمثله ولا يؤم أمي ذا قراءة ولا يؤم سكران سكران.
وينبغي أن يختار الإمام الراتب فيكون فقيها عالما بأحكام الصلاة محسنا بالقرآن سالما من البدع والكبائر ورب المنزل أولى بالإمامة فيه إن كان يحسن الصلاة من الفقيه وغيره. ولا يتقدمه في منزله أحد إلا بإذنه ولا يؤم العبد في الجمعة والعبد عند مالك وأكثر أصحابه لا يكون عندهم إماما راتبا ومن أهل المدينة جماعة يجيزون ذلك وتسقط عن المأموم مع إمامة قراءة أم القرآن إذا أدركه راكعا فركع قبل أن يرفع الإمام رأسه ويسقط عنه قول سمع الله لمن حمده، ويحمل الإمام عن المأموم السهو كله وكل ما كان في الصلاة مسنونا والقراءة في الصلاة كلها في الجهر ساقطة عنه وفي صلاة السر تستحب له وليست عند مالك بواجبة عليه وغيره يوجب فاتحة الكتاب عليه في ذلك والإمام يؤتم به في كل حالاته ما لم يكن ساهيا أو مفسدا لصلاته.
وإنما نجعل الإمام ليؤتم به ولا يضر المأموم انتقاض هيئة صلاته ورتبة جلوسها وقيامها لأنه مأمور باتباع إمامه ولا بأس بإمامة الأعمى والأعرج والأشل والأقطع والخصي إذا كان كل واحد منهم عالما بالصلاة.
وقد قيل: غير هذا في الخصي والأشل والعبد على جهة الاستحباب والاختيار والصواب ما ذكرت لك لأن الآفة في الإمامة آفة الدين والقراءة لا عاهة الأبدان إلا ما ذكرنا من الاستحسان وإلا لكن إذا أقام حروف أم القرآن أجزأت الصلاة خلفه وجائز إمامة المسافر للحضريين والحضري للمسافرين والأفضل عند مالك إذا اجتمع حضريون ومسافرون أن يكون إمامهم من المسافرين فإذا سلم الإمام المسافر أتم من خلفه من اهل الإقامة فرادى صلاة مقيم فإن كان الإمام من المقيمين كره ذلك وأجزأ ويلزم كل من ائتم من المسافرين بمقيم أن يتم صلاته.
وقيل: يعيد بعد ذلك في الوقت وليس بشيء وإنما يلزمه إتمامها عند مالك إذا أدرك مع الإمام الحضري ركعة منها فإن لم يدرك ركعة صلى صلاة مسافر ومن أم واحدا فالسنة أن يقوم عن يمينه فإن أم اثنين قاما خلفه ولا يجوز أن يتقدم أحد أمامه فإن فعل كره له ذلك ولا إعادة عند مالك عليه وقد روي عن مالك أنه إن صلى بين يدي إمامه من غير ضرورة أعاد والأول تحصيل مذهبه وقد أجمع العلماء على أن الجماعة لا يجوز لها أن يكون إمامها خلفها متعمدا وكل من رأى إمامه أو سمعه وعرف خفضه ورفعه وكان خلفه جاز أن يأتم به في غير الجمعة اتصلت الصفوف به أو لم تتصل إذا ركع بركوعه وسجد بسجوده ولم يختلط شيء من ذلك عليه وسواء كان بينهما نهر أو طريق أو لم يكن ولا يجوز عند مالك أن يكون الإمام في علو إلا أن يكون معه بعض المأمومين ويكون سائرهم أسفل ومن صلى خلف الصف وحده فلا إعادة عليه.
وينبغي للإمام أن لا يكبر حتى تعتدل الصفوف وتستوي ولو تكلم بين الإقامة والإحرام بيسير الكلام لم يضر ذلك إن شاء الله.
ويستحب لإمام الجماعة والعشيرة إذا سلم من صلاته أن يقوم من مجلسه وإن صلى بأهله أو بغيرهم في بيته أو في رحله فإن شاء قام وهو أحب إلينا وإن شاء قعد وقد روي عن مالك أنه لا يثبت في مقامه في بيته صلى أو في المسجد إذا سلم من صلاته بجماعة وكان إمامهم.
ومن صلى بالناس جنبا أو على غير وضوء وهو ساه لم يضر القوم ذلك وصلاتهم ماضية لأنهم لم يكلفوا علم ما غاب عنهم من أمره فإن تعمد ذلك أفسد عليهم عند مالك وأكثر أصحابه ويعيد هو صلاته على كل حال.
ومن أهل المدينة من لا يرى عليهم شيئا في نسيانه ولا في عمده لأنهم لم يكلفوا علم ما غاب عنهم من أمره وإذا اختلفت نية الإمام والمأموم في فرضين أو في فرض ونافلة فالصلاة عند مالك صلاة الإمام ويعيد المأموم صلاته إلا أن تكون نافلة أو صلاة سنة ولا يجوز عند مالك لأحد أن يصلي فرضا يخالف فيه فرض إمامه خلفه ولا أن يصلي الفرض خلف متنقل ولا خلف من لا تجب الصلاة عليه لصغره وجائز صلاة النافلة خلف من لم يحتلم إذا كان يعقل حدود الصلاة ويتحفظ من الأنجاس.
وجائز للمتنفل أن يأتم بمن يصلي الفرض وإذا اجتمع متوضئ ومتيمم تقدم المتوضئ وإن تقدم المتيمم كره ذلك وأجزأ ولا يؤم أغلف حتى يختتن إلا من كان مثله فإن أحسن الصلاة والقراءة وتقدم في صلاة كرهت إمامته وأجزأت.
والذي لا يرقأ جرحه أو سلس بوله فلا يؤم الأصحاء ولا يؤم أعرابي حضريا إلا أن يكون مثله أو فوقه في معرفة حدود الصلاة.
وإذا مرض الإمام فلم يطق القيام صلى بهم غيره وإن كانوا في العذر سواء صلى جالسا وصلوا خلفه جلوسا ولا يؤم القيام أحد جالسا في الأشهر من مذهب مالك.
وروي عنه في قوم أصحاء صلوا قياما خلف إمام مريض قاعدا انهم يعيدون صلاتهم في الوقت وروي عنه أنه إن صلى الإمام لمرض بقوم أصحاء فقاموا خلفه جاز ذلك إذا كان أحدهم يتقدمهم مقتديا بالقاعد واقفا ويأتمون هم وقوفا بذلك القائم كما صنع أبو بكر والناس مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا صحيح لأن كلا يؤدي فرضه على قدر طاقته وقال بهذا جماعة من أهل المدينة وغيرهم وهو الصحيح إن شاء الله لأنها آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد أوضحنا ذلك في كتاب التمهيد والحمد لله. ومن أحدث في صلاته عامدا أفسد على من خلفه عند مالك فإن سبقه الحدث بطلت صلاته وحده ويستحب له أن يستخلف من يتم بهم فإن لم يفعل رجع وقدموا رجلا منهم فأتم بهم فأن لم يفعلوا وصلوا أفذاذا أجزأتهم صلاتهم إلا في الجمعة وحدها فإنهم إن صلوا فرادى بعد انصراف إمامهم لم تجزهم صلاتهم وسواء كان خروجه بعد أن صلى ركعة أو قبل ذلك هذا هو المعروف عن مالك وبه قال ابن القاسم.
وقد قيل: إنهم إن صلوا معه في الجمعة ركعة تامة ثم أحدث في الثانية وأتموا فرادى أجزأتهم وهو قول أشهب
● [ باب حكم المأموم تفوته بعض صلاة إمامه ] ●
كل من فاته شيء من صلاته مع الإمام فإنه يبني في ركوعه وسجوده ويقضي في قراءته ومن أدرك فهو آخر صلاته ويقضي أولها كما صنع إمامه.
وقيل إن ما أدرك فهو أو لصلاته لكنه لا يفعل فيما يقضي إلا ما فعل إمامه وكلا القولين صحيح عن أئمة أهل المدينة وعن مالك وأصحابه رحمهم الله.
وقد كان القياس على قول من قال: إن ما أدرك فهو أول صلاته أن يكون بانيا في قراءته فلا يقرأ من فاتته ركعتان من الظهر فيما يقضي إلا أم القرآن وحدها ولكنهم لا يقولون ذلك وقد قاله بعض المتأخرين من الفقهاء الحجازيين منهم عبد الملك بن عبد العزيز بن أبي سلمة.
وقد ذكرنا معاني القولين ووجوهما والحجة لكل واحد منهما في كتاب الاستذكار وفي كتاب التمهيد عند قوله صلى الله عليه وسلم: "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" وروي "ما فاتكم فاقضوا" فإذا أدرك الرجل ركعة من صلاة الظهر أو العصر أو العشاء ثم سلم إمامه قام بغير تكبير وكذلك كل من أدرك ركعة واحدة من كل صلاة أو فاتته ركعة واحدة من كل صلاة قام بغير تكبير إلا المغرب في فوات الركعة فإنه إذا سلم إمامه إن شاء قام بتكبير وإن شاء لم يكبر وإن كبر فلا حرج ثم يقرأ بأم القرآن وسورة ويسر في الظهر والعصر ويجهر في العشاء ويركع ويسجد ويجلس لأنها له ثانية فإذا تشهد قام فقرأ بأم القرآن وسورة لأنها ثانية في قضاءه وثالثة في بنائه ويسر في الظهر والعصر ويجهر في العشاء فإذا سجد قام إلى رابعة فقرأ بأم القرآن وحدها سرا وهذا يبين لك ما ذكرنا من القضاء في القراءة والبناء في الركوع والسجود.
وإذا أدرك ركعة من المغرب قام إذا سلم الإمام بغير تكبير وإن كبر فلا حرج وقرأ بأم القرآن وسورة جهرا ثم ركع وسجد وجلس وتشهد لأنها له ثانية ثم يقوم فيقرأ بأم القرآن وسورة جهرا لأنها ثانية مما يقضي ويركع ويسجد ويجلس ويتشهد ويسلم لأنها آخر صلاته وصلاة المغرب لمن فاته منها ركعة ولمن أدرك منها ركعة جلوس كلها وذلك سنتها ومن فاتته ركعة من الصلوات من صلاة الصبح وغيرها في ذلك سواء قضاها بأم القرآن وسورة على ما صنع فيها إمامه سرا وجهرا وقام إليها بغير تكبير وإن كبر فلا حرج ومن فاتته ركعتان قام بتكبير إلا المغرب فإنه من فاته منها ركعتان قام بغير تكبير على ما قدمت لك ذكره ولو كبر لم يخرج وكذلك لو لم يقم بغير تكبير من أدرك ركعتين من الظهر والعصر والعشاء لم يخرج أيضا والأولى أن يقوم بتكبيرها هنا وعلى المأموم إذا فاته بعض الصلاة أن يحرم قائما بتكبير ينوي به الدخول في صلاته ثم يصير مع الإمام في حاله من الركوع أو القيام أو الجلوس فإن وجده جالسا في آخر صلاته كان مخيرا في الدخول معه وأحب إلي أن يدخل معه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أدركتم فصلوا" ولا يجوز لأحد أن يتبع إمامه فيما يعلم أنه زيادة في صلاته وحسبه إن لم ينصرف الإمام إلى إذكاره بالتسبيح جلس حتى يفرغ وسلم بسلامه وهو أولى عند مالك من خروجه على إمامته فيسلم لنفسه وذلك مالم تكن زيادة فاحشة يطول انتظارها هذا إذا تيقن المأموم خلافه فأن شكوا لزمهم اتباعه وان أيقنوا بنى كل واحد على يقين الماموم خلافه فإن شكول لزمهم اتباعه وان أيقنوا بنى كل واحد على يقين نفسه.
وقد قيل: إذا كان الجمع كثيرا ولم يختلفوا لزم الإمام الرجوع إليهم ومن أتبع إمامه عامدا فيما يعلم خطأه بطلت صلاته ومن وجد الإمام جالسا في آخر صلاته فدخل بتكبير سقطت عنه الإقامة إذا سلم إمامه وبنى على تكبيرته التي نوى بها الدخول في صلاته فإن لم يدخل بتكبير فليستأنف الإقامة إذا سلم الإمام
● [ باب إعادة الصلاة في جماعة لمن صلى وحده ] ●
باب إعادة الصلاة في جماعة لمن صلى وحده وإعادة الجماعة في المسجد
من صلى في جماعة فلا يعيد في جماعة إلا في المسجد الحرام أو مسجد النبي عليه السلام لأن العلة - والله أعلم - في إعادة المنفرد إدراك ما فاته من فضل الجماعة وسنتها والمصلي في جماعةقد أدرك ذلك كله فلا معنى لإعادته وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تعاد صلاة في يوم واحد مرتين" معناه عندنا لمن صلى في جماعة ان لا يعيد في جماعة أخرى لأن ذلك لو جاز في واحدة لجاز في أكثر إلى ما لا نهاية له وإنما أمر المنفرد بالإعادة في جماعة لانفرادة فاستحال أن تقاس الجماعة عليه وجمهور الفقهاء على مثل قول مالك في ذلك.
ومن صلى وحده ثم وجد جماعة تصلي تلك الصلاة بعينها في وقتها فحسن له أن يدخل فيصليها معهم ولو كان في مسجد أو غيره فأقيمت تلك الصلاة التي صلاها منفردا لم يخرج حتى يصليها معهم وهذا في كل صلاة إلا المغرب وحدها ومن أهل المدينة من رأى أن تعاد المغرب وغيرها.
والأول: عندنا عليه العمل ، لأن النافلة لاتكون وترا في غير الوتر وإنما تكون مثنى مثنى ولا قول لمن قال من أصحابنا وغيرهم: يعيد المغرب ويشفعها بركعة ولا لمن قال: يعيدها ثانية فتكون ستة.
ولأصحابنا في هذا المعنى قولان:
أحدهما: أن إحدى الصلاتين فريضة والأخرى نافلة بغير تعيين.
والثاني: أن الثانية نافلة وكل ذلك مروي عن مالك.
وكذلك اختلفوا فيمن أعاد صلاته التي صلاها وحده مع إمام ثم ذكر أن الأولى من صلاته كانت على غير وضوء على قولين، وروايتين:
إحداهما: أن الثانية تجزئه لفرضه. والأخرى: أنها لا تجزئه وعليه الإعادة. وهذا عندي إذا كان في حين صلاته مع الجماعة معتقدا أنه قد أدى فرضه فيها ثم بان له أنها كانت على غير وضوء وأما إذا دخل مع الجماعة لأداء فرضه وسنة الجماعة فلا شيء عليه في فساد الأولى ولو كانت الثانية التي مع الجماعة على غير وضوء وكانت الأولى التي صلى وحده على وضوء أجزأته الأولى وهو القياس لما قد أوضحنا في كتاب الاستذكار وفي التمهيد وقد أجمع أصحبنا على أن من صلى وحده لا يكون إماما في تلك الصلاة لغيره وفي هذا ما يوضح لك إن شاء الله تعالى أنها نافلة عندهم.
ومن صلى وحده وأدرك الناس جلوسا في تلك الصلاة أنه لا يدخل معهم حتى يعلم أن ذلك ليس آخر صلاتهم صلى بذلك الإحرام ركعتين نافلة له ولا فرق بين إمام المسجد إذا صلى وحده وغيره ممن ليس بإمام لأن الإعادة إنما وردت السنة بها لما فات المنفرد من فضل الجماعة وعلى عمومها في كل منفرد وقد روي في الإمام خاصة أنه يعيد والصواب ما ذكرت لك.
ويكره أهل العلم: أن تصلي جماعة بعد جماعة في مسجد واحد إذا كان لذلك المسجد إمام راتب.
وقد اختلف في إمام المسجد إذا صلى وحده ثم أتى قوم بعده فقيل: يجمعون وقيل: لا يجمعون وقد قيل إن المؤذن الراتب حكمه في ذلك حكم الإمام الراتب وليس بشيء وإنما معنى قول مالك في ذلك أن يكون المؤذن هو الإمام الراتب والله أعلم.
ولم يختلفوا أن جماعة لو تقدمت فصلت ثم جاء الإمام الراتب بعدهم في جماعة أن له أن يصلى بهم جماعة
● [ لكتاب الصلاة بقية ] ●
الكافي في فقه أهل المدينة
الفقه المالكي
تأليف: أبو عمر يوسف بن عبد الله القرطبي
منتدى ميراث الرسول - البوابة