الحديث الرابع
الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
- مساهمة رقم 1
الحديث الرابع
عَنْ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ - رضي الله عنه - قالَ : حَدَّثنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهُوَ الصَّادِقُ المَصدوقُ : ( إنَّ أَحَدَكُم يُجْمَعُ خلقُهُ في بَطنِ أُمِّهِ أَربعينَ يَوماً نطفة (1) ، ثمَّ يكونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلكَ ، ثمَّ يكونُ مُضغةً مِثلَ ذلكَ ، ثمَّ يُرسلُ الله إليه المَلَك ، فيَنْفُخُ فيه الرُّوحَ ، ويُؤْمَرُ بأربَعِ كلماتٍ : بِكَتْب رِزقه وعمله وأجَلِه ، وشقيٌّ أو سَعيدٌ ، فوالذي لا إله غيره إنَّ أحدكُم ليَعْمَلُ بعمَلِ أهلِ الجنَّةِ حتَّى ما يكونَ بينَهُ وبَينها إلاَّ ذِراعٌ ، فيَسبِقُ عليهِ الكتابُ فَيعمَلُ بعمَلِ أهل النَّار فيدخُلها ، وإنَّ أحدكم ليَعمَلُ بعملِ أهل النَّارِ حتّى ما يكون بينَهُ وبينها إلاَّ ذِراعٌ ، فيسبِقُ عليه الكِتابُ ، فيعمَلُ بعملِ أهل الجنَّةِ فيدخُلُها )
الشرح
الرسالة- Admin
- عدد المساهمات : 3958
تاريخ التسجيل : 01/01/2014
- مساهمة رقم 2
تابع شرح الحديث الرابع
● [ الصفحة التالية ] ●وقد روي من وجه آخر عن ابن مسعود أنْ لا تصويرَ قبل ثمانين يوماً ، فروى السُّدِّيُّ ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مُرَّةَ الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناسٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قوله - عز وجل - : { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } (1) ، قال : إذا وقعتِ النطفة في الأرحامِ ، طارت في الجسد أربعين يوماً ، ثم تكونُ علقةً أربعين يوماً ، ثم تكونُ مضغةً أربعين يوماً ، فإذا بلغ أن تُخلَّق ، بعث الله ملكاً يصوّرها ، فيأتي الملَكُ بترابٍ بين أصبعيه ، فيخلطه في المضغة ، ثم يعجنه بها ، ثم يصوِّرها(2) كما يؤمر فيقول : أذكرٌ أو أنثى ؟ أشقيٌّ أو سعيد ؟ وما رزقه ؟ وما عمره ، وما أثره ؟ وما مصائبه ؟ فيقول الله تبارك وتعالى ، ويكتب المَلَك ، فإذا مات ذلك الجسدُ ، دُفِنَ حيثُ أخذ ذلك التراب ، خرَّجه ابن جرير الطبري في " تفسيره "(3) ، ولكن السدي مختلف في أمره(4)
-------------------------
(1) آل عمران : 6 .
(2) من قوله : ( فيأتي الملك بتراب ... ) إلى هنا لم ترد في ( ص ) .
(3) التفسير ( 5159 ) ، وطبعة التركي 5/186-187، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ( 3156 ) ، ومن تخليط محققه أنَّه عزاه لمسلم !!
(4) هو إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي كريمة ، وهو مختلف فيه وهو إلى القوة أقرب ، وهناك شخص آخر يقال له : السُّدّي : هو محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمان مولى عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب المعروف بالسدّي الصغير ، قال عنه الإمام أحمد : أدركته وقد كبر فتركته ، وقال البخاري : سكتوا عنه ولا يكتب حديثه البتة ، وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : هو ذاهب الحديث ، متروك الحديث ، لا يكتب حديثه البتة ، وقال النسائي : يروي عن الكلبي ، متروك الحديث ، وقال أبو جعفر الطبري : لا يحتج بحديثه ، وقال ابن عدي : الضعف على رواياته بين .
انظر : التاريخ الكبير 1/233 ( 729 ) ، والضعفاء والمتروكين للبخاري ( 340 ) ، وللنسائي ( 538 ) ، والضعفاء الكبير 4/136 ( 1696 ) ، والجرح والتعديل 8/100 ( 364 )، والكامل 7/512 ، والأنساب 3/28 ، وميزان الاعتدال 4/32-33 ( 8154 )، والكشف الحثيث ( 728 ) ، وتهذيب التهذيب 9/377-378 ( 6573 ) ، وقد ترجمت للثاني ؛ لأنَّ كثيراً من طلبة العلم يخلطون بينهما .
● [ الصفحة التالية ] ●، وكان الإمام أحمد ينكر عليه جمعهُ الأسانيد المتعددة للتفسير الواحد(1) ، كما كان هو وغيرُه يُنكرون على الواقدي جمعه الأسانيدَ المتعددة للحديثِ الواحد .
وقد أخذ طوائف من الفقهاء بظاهر هذه الرواية ، وتأوَّلوا حديثَ ابنِ مسعود المرفوع عليها ، وقالوا : أقلُّ ما يتبيَّن فيه(2) خلق الولد أحد وثمانون يوماً ؛ لأنَّه لا يكون مُضغةً إلاّ في الأربعين الثالثة ، ولا يتخلق قبل أنْ يكون مضغةً(3) .
وقال أصحابُنا وأصحابُ الشافعي بناءً على هذا الأصل: إنَّه لا تنقضي العدَّةُ ، ولا تعتق أم الولد إلا بالمضغة المخلَّقة(4)
-------------------------
(1) هذه من العلل الخفية التي لا يدركها إلاّ الأئمة النقاد، قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" 2/816 : ( إنَّ الرجل إذا جمع بين حديث جماعة ، وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أنَّ لفظهم لم يتفق فلا يقبل هذا الجمع إلاّ من حافظ متقن لحديثه ، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك ، وغيره .
وكان الجمع بين الشيوخ ينكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا ، كما أُنكر على ابن إسحاق وغيره . وقد أنكر شعبة أيضاً على عوف الأعرابي ) .
(2) سقطت من ( ج ) .
(3) انظر : فتح الباري 12/595 .
(4) قال عمر بن الخطاب : إذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وإن كان سقطاً . انظر : المغني لابن قدامة 12/504 .
وقال الحسن : إذا أسقطت أم الولد شيئاً يعلم أنّه حمل عتقت به وصارت أم ولد . انظر : السنن الكبرى للبيهقي 10/348 .
والمخلقة : هي المنتقلة عن اسم النطفة وحدها وصفتها إلى أن خلقها الله - عز وجل - علقة كما في القرآن فهي حينئذٍ ولد مخلق فهي بسقوطه أو ببقاءه أم ولد . انظر : المحلى 10/118، وعند مالك والأوزاعي وغيرهما : المضغة إذا كانت مخلقة أو غير مخلقة تكون الأمة أم ولد ، وقال الشافعي وأبو حنيفة : إن كان قدْ تبين شيء من خلق بني آدم أصبع ، أو عين ، أو غير ذلك فهي أم ولد . انظر : تفسير القرطبي 12/9 .
● [ الصفحة التالية ] ●، وأقلُّ ما يمكن أنْ يتخلق ويتصوَّر في أحد وثمانين يوماً .
وقال أحمد في العلقة : هي دم لا يستبين فيها الخلقُ ، فإن كانت المضغةُ غيرَ مخلقة ، فهل تنقضي بها العدِّة ، وتصيرُ أمُّ الولد بها مستولدةً ؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد(1) ، وإنْ لم يظهر فيها التخطيط ، ولكن كان خفياً لا يعرفه إلا أهل الخبرة مِنَ النِّساء ، فشهِدْن بذلك ، قُبِلَت شهادتُهنَّ ، ولا فرق بين أنْ يكونَ بعد تمام أربعة أشهر أو قبلها عند أكثر العلماء ، ونصَّ على ذلك الإمام أحمد في رواية خلق من أصحابه ، ونقل عنه ابنه صالح في الطفل في الأربعة يتبين خلقه (2).
-------------------------
(1) تنقضي به العدة وتصير به أم ولد على ما نقله حنبل ، ولا تنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد ولا يتعلق به شيء من الأحكام على ما نقل أبو طالب والأثرم . وقال الأثرم لأبي عبد الله : أم الولد إذا أسقطت لا تعتق ؟ فقال : إذا تبين فيه يد أو رجل أو شيء من خلقه فقد عتقت ، وهذا قول الحسن والشافعي ، وروى يوسف بن موسى : أن أبا عبد الله قيل له : ما تقول في الأمة إذا ألقت مضغة أو علقة ؟ قال : تعتق .
انظر : المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 2/213 مسألة ( 157 ) ، والمغني لابن قدامة 12/504 .
(2) في ( ص ) : ( يتبين خلقه في أربعة أشهر ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قال الشعبي : إذا نُكِسَ في الخلق الرابع كان مخلقاً ، انقضت به العدة ، وعتقَتْ به الأمةُ إذا كان لأربعة أشهر(1) ، وكذا نقل عنه حنبل : إذا اسقطت أمُّ الولدِ ، فإنْ كان خِلقة تامة ، عتقَت ، وانقضت به العدةُ إذا دخل في الخلق الرابع في أربعة أشهر ينفخ فيه الروح ، وهذا يخالف رواية الجماعة عنه ، وقد قال أحمد في رواية عنه : إذا تبين خلقُه ، ليس فيه اختلاف أنَّها تعتق بذلك إذا كانت أمةً ، ونقل عنه جماعة أيضاً في العلقة إذا تبيَّن أنَّها ولدٌ أنَّ الأمةَ تُعتق بها ، وهو قولُ النَّخعي ، وحكي قولاً للشافعي ، ومِنْ أصحابِنا من طرَّدَ هذه الرواية عن أحمد في انقضاء العدَّة به أيضاً . وهذا كلُّه مبنيٌّ على أنَّه يمكن التَّخليق في العلقة كما قد يستدلُّ على ذلك بحديث حذيفة بن أسيد المتقدِّم إلاَّ أنْ يقال : حديث حذيفة إنَّما يدلُّ على أنَّه يتخلَّق إذا صار لحماً وعظماً ، وإنَّ ذلك قد يقع في الأربعين الثانية ، لا في حالِ كونِهِ علقةً ، وفي ذلك نظر (2) ، والله أعلم .
وما ذكره الأطباء يدلُّ على أنَّ العلقة تتخلق وتتخطَّط ، وكذلك القوابِل مِنَ النِّسوة يشهدن بذلك ، وحديث مالك بن الحويرث يشهد بالتصوير في حال(3) كون الجنين نطفة أيضاً ، والله تعالى أعلم .
وبقي في حديث ابنِ مسعود أنَّ بعدَ مصيره مضغةً أنَّه يُبعث إليه الملَكُ ، فيكتب الكلمات الأربعَ ، ويَنفُخُ فيه الروحَ ، وذلك كلُّه بعد مئة وعشرين يوماً .
-------------------------
(1) انظر : المغني لابن قدامة 12/405 .
(2) عبارة : ( وفي ذلك نظر ) سقطت من ( ص ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●واختلفت ألفاظُ روايات هذا الحديثِ في ترتيب الكتابة والنفخ ، ففي رواية البخاري في " صحيحه " (1) : ( ويبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلماتٍ ، ثم ينفخ فيه الروح ) ففي هذه الرواية تصريحٌ بتأخُّر نفخ الرُّوح عن الكتابة ، وفي رواية خرّجها البيهقي في كتاب " القدر " (2) : ( ثم يُبعث الملكُ ، فينفخ فيه الروحَ ، ثُمَّ يُؤْمرُ بأربع كلمات ) ، وهذه الرواية تصرِّحُ بتقدم النفخ على الكتابة ، فإما أنْ يكون هذا مِنْ تصرُّف الرُّواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه ، وإمَّا أنْ يكون المرادُ ترتيب الإخبار فقط ، لا ترتيبَ ما أخبر به .
وبكل حالٍ ، فحديثُ ابن مسعود يدلُّ على تأخُّرِ نفخِ الرُّوح في الجنين وكتابة الملك لأمره إلى بعد أربعة أشهر حتّى تتمَّ الأربعون الثالثة . فأمَّا نفخُ الرُّوح ، فقد روي صريحاً عن الصَّحابة أنَّه إنَّما ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهرٍ ، كما دلَّ عليه ظاهرُ حديث ابن مسعود . فروى زيدُ بنُ عليٍّ ، عن أبيه ، عن عليٍّ ، قال : إذا تمَّتِ النُّطفة أربعة أشهر بُعِثَ إليها مَلَكٌ ، فنَفَخَ فيها الروح في الظلمات ، فذلك قولُه تعالى : { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } (3) ، خرَّجه ابن أبي حاتم(4) ، وهو إسناد منقطع(5) .
-------------------------
(1) الصحيح 4/135 ( 3208 ) و4/161 ( 3332 ) و9/165 ( 7454 ) .
(2) وفي " السنن الكبرى " 7/441 و10/266 .
(3) المؤمنون : 14 .
(4) كما في " تفسير ابن كثير " 1292 ، و" الدر المنثور " 5/12 ، والمطبوع من " تفسير ابن أبي حاتم " فيه سقط في هذا الموضع .
(5) انظر : فتح الباري 11/591 ، وعلي بن الحسين لم يسمع من جده على بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج اللالكائي بإسنادِه عن ابنِ عباس ، قال : إذا وقعت النطفةُ في الرَّحم ، مكثت أربعة أشهر وعشراً ، ثم نفخ فيها الروح ، ثم مكثَت أربعينَ ليلةً ، ثم بُعِثَ إليها ملكٌ ، فنقفها في نُقرة القفا ، وكتب شقياً أو سعيداً(1) ، وفي إسناده نظر(2) ، وفيه أنَّ نفخ الروح يتأخر عن الأربعة أشهر بعشرة أيام .
وبنى الإمام أحمد مذهبه المشهور عنه على ظاهر حديث ابن مسعود ، وأنَّ الطفل يُنفخ فيه الرُّوح بعد الأربعة أشهر ، وأنَّه إذا سقط بعد تمام أربعة أشهر ، صُلِّيَ عليه(3) ؛ حيث كان قد نفخ فيه الروح ثم مات . وحكي ذلك أيضاً عن سعيد ابن المسيب(4) وهو أحد أقوال الشافعي وإسحاق(5) ، ونقل غيرُ واحدٍ عن أحمد أنَّه قال : إذا بلغ أربعة أشهر وعشراً(6) ، ففي تلك العشر يُنفخ فيه الروح ، ويُصلَّى عليه . وقال في رواية أبي الحارث عنه : تكون النَّسمةُ نطفةً أربعين ليلةً ، وعلقةً أربعين ليلةً ، ومُضغةً أربعين ليلةً ، ثم تكونُ عظماً ولحماً ، فإذا تمَّ أربعة أشهر وعشراً(7) ، نفخ فيه الروح .
-------------------------
(1) في " أصول الاعتقاد " ( 1060 ) .
(2) فيه محمد بن حميد الرازي ضعيف .
انظر : التاريخ الكبير 1/71 ( 167 ) ، والضعفاء الكبير 4/61 ( 1612 ) ، والمجروحين 2/296 ، وتهذيب الكمال 6/285 ( 5756 ) ، وميزان الاعتدال 3/530 ( 7453 ) ، والتقريب ( 5834 ) .
(3) انظر : المغني لابن قدامة 2/392 .
(4) انظر : فتح الباري 11/591 .
(5) انظر : المغني لابن قدامة 2/392 ، ورؤوس المسائل الخلافية 2/247 مسألة ( 379 ) .
(6) انظر : فتح الباري 11/591 .
(7) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●فظاهر هذه الرواية أنَّه لا ينفخ فيه الرُّوح إلاَّ بعد تمام أربعةِ أشهر وعشر ،
كما رُوي عن ابنِ عباس ، والروايات التي قبل هذه عن أحمد إنَّما تدلُّ على أنَّه يُنفخ
فيه الرُّوح في مدَّة العشر بعد تمام الأربعة ، وهذا هو المعروف عنه ، وكذا قال ابن المسيب لمَّا سُئِلَ عن عِدَّةِ الوفاة حيث جعلت أربعة أشهر وعشراً : ما بال العشر ؟ قالَ : ينفخ فيها الروح .
وأما أهل الطب ، فذكروا أنَّ الجنين إنْ تصوَّر في خمسة وثلاثين يوماً ، تحرَّك في سبعين يوماً، وولد في مئتين وعشرة أيام، وذلك سبعةُ أشهر ، وربَّما تقدَّم أياماً ، وتأخر في التصوير والولادة ، وإذا كان التصوير في خمسة وأربعين يوماً(1) ، تحرَّك في تسعين يوماً ، ووُلد في مئتين وسبعين يوماً ، وذلك تسعةُ أشهرٍ ، والله أعلم .
-------------------------
(1) من قوله : ( تحرك في سبعين يوماً ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما كتابة الملك ، فحديث ابن مسعود يدلُّ على أنَّها تكونُ(1) بعد الأربعة أشهر أيضاً على ما سبق ، وفي " الصحيحين "(2) عن أنس ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( وكَّلَ الله بالرَّحِم مَلَكاً يقول : أي ربِّ نطفة ، أي ربِّ علقة ، أي ربِّ مضغة ، فإذا أراد الله أنْ يقضي خلقاً ، قالَ : يا ربِّ أذكرٌ أم أنثى ؟ أشقيٌّ أم سعيد ؟ فما الرزقُ ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه ) وظاهر هذا يُوافق حديث ابن مسعود ؛ لكن ليس فيه تقدير مدة ، وحديث حذيفة بن أسيد الذي تقدم يدلُّ على أنَّ الكتابة تكون في أوَّل الأربعين الثانية ، وخرجه مسلم(3) أيضاً بلفظٍ آخر من حديث حُذيفة بن أسيد يَبلُغُ به النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يدخلُ المَلَكُ على النطفة بعد ما تستقرُّ في الرَّحمِ بأربعين أو خمسة وأربعين ليلةً(4)، فيقول : يا ربِّ أشقيٌّ أو سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي ربِّ أذكر أو أنثى ؟ فيكتبانِ ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثُمَّ تُطوى الصحفُ ، فلا يزادُ فيها ولا ينقصُ ) .
وفي رواية أخرى لمسلم(5) أيضاً : ( إنَّ النطفة تَقَعُ في الرَّحِم أربعينَ ليلةً ثُمَّ يتسوَّر عليها الملكُ فيقول : يا ربِّ أذكر أم أنثى ؟ ) وذكر الحديثَ . وفي رواية أخرى لمسلم(6) أيضاً : ( لبضع وأربعينَ ليلةً ) .
-------------------------
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) صحيح البخاري 1/87 ( 318 ) و4/162 ( 3333 ) و8/152 ( 6595 ) ، وصحيح مسلم 8/46 ( 2646 ) ( 5 ) .
(3) في " صحيحه " 8/45 ( 2644 ) ( 2 ) .
(4) في ( ص ) : ( يوماً ) .
(5) في " صحيحه " 8/46 ( 2645 ) ( 4 ) .
(6) نفس المصدر السابق .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " مسند الإمام أحمد "(1) من حديث جابر ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا استقرَّتِ النطفةُ في الرَّحم أربعين يوماً ، أو أربعين ليلةً بُعِثَ إليها ملكٌ ، فيقول : يا ربِّ ، شقيٌّ أو سعيد ؟ فيعلم ) .
وقد سبق ما رواه الشَّعبيُّ ، عن علقمة ، عن ابن مسعودٍ من قوله ، وظاهره يدلُّ على أنَّ المَلَكَ يُبعثُ إليه وهو نطفة ، وقد رُوي عن ابن مسعود من وجهين آخرين أنَّه قالَ : ( إنَّ الله - عز وجل - تُعرَضُ عليهِ كلَّ يومٍ(2) أعمالُ بني آدم ، فينظر فيها ثلاثَ ساعاتٍ ، ثمَّ يُؤتى بالأرحام ، فينظر فيها ثلاثَ ساعاتٍ ، وهو قوله: { يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } (3)، وقوله : { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً } (4)، ويُؤْتى بالأرزاق ، فينظر فيها ثلاثَ ساعاتٍ ، وتسبحه الملائكةُ ثلاث ساعاتٍ ، قالَ : فهذا مِنْ شأنِكم وشأنِ ربِّكم(5) ) ولكن ليس(6) في هذا توقيتُ ما يُنظر فيه مِنَ الأرحام بمدَّة .
-------------------------
(1) " المسند " 3/397 ، وإسناده ضعيف لضعف خصيف بن عبد الرحمان الجزري.
(2) عبارة : ( كل يوم ) سقطت من ( ص ) .
(3) آل عمران : 6 .
(4) الشورى : 49 .
(5) أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 8886 ) ، وأبو الشيخ في " العظمة " 2/478 ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/137 ، وإسناده ضعيف .
(6) في ( ص ) : ( وليس ) بإسقاط ( لكن ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وقد رُوي عن جماعة من الصحابة أنَّ الكتابة تكون في الأربعين الثانية ، فخرج اللالكائي(1) بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قالَ : إذا مكثتِ النطفة في رحِم المرأة أربعين ليلةً ، جاءها مَلَكٌ ، فاختلَجَها ، ثُمَّ عرجَ بها إلى الرَّحمان - عز وجل - ، فيقول : اخلُق يا أحسنَ الخالقين ، فيقضي الله فيها ما يشاءُ مِنْ أمره ، ثُمَّ تدفع إلى الملك عندَ ذَلِكَ ، فيقول : يا ربّ أسَقْطٌ أم تام ؟ فيبين له ، ثم يقول : يا ربِّ(2) أناقصُ الأجل أم تام الأجل ؟ فيبين له ، ويقول : يا ربِّ أواحد أم توأم ؟ فيبين له ، فيقول : يا ربّ أذكر أم أنثى(3) ؟ فيبين له ، ثم يقول : يا ربِّ ، أشقيٌّ أم سعيد ؟ فيبين له ، ثم يقول : يا ربِّ اقطع له رزقه ، فيقطع له رزقه مع أجله ، فيهبط بهما جميعاً . فوالذي نفسي بيده لا ينال من الدنيا إلا ما قسم له .
وخرَّج ابن أبي حاتم(4) بإسناده(5) عن أبي ذر ، قال : إنَّ المني يمكثُ في الرَّحم أربعينَ ليلةً ، فيأتيه مَلَكُ النُّفوس ، فيعرج به إلى الجبَّار - عز وجل - ، فيقول : يا ربّ أذكرٌ أم أنثى ؟ فيقضي الله - عز وجل - ما هو قاضٍ ، ثم يقول : يا ربّ ، أشقيٌّ أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاقٍ بين يديه ، ثم تلا أبو ذر من فاتحة سورة التغابن إلى قوله : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } (6) .
-------------------------
(1) في " أصول الاعتقاد " ( 1236 ) ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(2) يا رب ) لم ترد في ( ص ) .
(3) من قوله : ( فيبين له ، ويقول : يارب أواحد ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(4) في " تفسيره " ( 18902 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 26489 ) ، وطبعة التركي 23/6 ، والفريابي في "القدر" ( 123 ) ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(5) لم ترد في ( ص ) .
(6) التغابن : 3 .
● [ الصفحة التالية ] ●وهذا كله يوافق ما في حديث حذيفة بن أسيدٍ . وقد تقدم عن ابن عباس أنَّ كتابة الملَكِ تكونُ بعدَ نفخِ الروح بأربعين ليلة وأنَّ إسناده فيه نظر .
وقد جمع بعضُهم بين هذه الأحاديث والآثار ، وبينَ حديث ابن مسعود ، فأثبت الكتابة مرَّتين ، وقد يقال مع ذلك : إنَّ إحداهما في السماء والأخرى في بطن الأم، والأظهر - والله أعلم - أنَّها مرَّة واحدة ، ولعلَّ ذلك يختلف باختلاف الأجنَّة، فبعضهم يُكتب له ذلك بعد الأربعين الأولى ، وبعضهم بعد الأربعين الثالثة(1) .(2)
وقد يقال : إنَّ لفظة ( ثُمَّ ) في حديث ابن مسعود إنَّما أريد به ترتيب الإخبار ، لا ترتيب المخبر عنه في نفسه(3) ، والله أعلم .
-------------------------
(1) في ( ص ) : ( الثانية ) .
(2) انظر : فتح الباري 11/592 .
(3) انظر : فتح الباري 11/591 .
● [ الصفحة التالية ] ●ومن المتأخرين من رجَّح أنَّ الكتابة تكونُ في أوَّل الأربعين الثانية ، كما دلَّ عليه حديث حذيفة بن أسيد ، وقال : إنَّما أخر ذكرها في حديث ابن مسعود إلى ما بعد ذكر المضغة ، وإنْ ذكرت بلفظ ( ثم ) لئلا ينقطع ذكرُ الأطوار الثلاثة التي يتقلب فيها الجنين وهي كونه : نطفة وعلقة ومضغة ، فإنَّ ذكر هذه الثلاثة على نسق واحد أعجبُ وأحسنُ ، ولذلك أخَّر المعطوف عليها ، وإنْ كان المعطوف(1) متقدماً على بعضها في الترتيب(2) ، واستشهد لذلك بقوله تعالى : { وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ } (3) ، والمراد بالإنسان : آدم - عليه السلام -(4)، ومعلومٌ أنَّ تسويته ، ونفخ الرُّوح فيه، كان قبل(5) جعلِ نسلِهِ من سُلالة من ماء مهين ، لكن لما كان المقصود ذكر قدرة الله - عز وجل - في مبدأ خلق آدم وخلق نسله ، عطف أحدهما على الآخر ، وأخَّر ذكرَ تسوية آدم ونفخ الرُّوح فيه ، وإنْ(6) كان ذلك متوسطاً بين خلق آدم من طين وبين خلق نسله ، والله أعلم .
-------------------------
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) في الترتيب ) سقطت من ( ص ) .
(3) السجدة : 7-9 .
(4) انظر : تفسير الطبري ( 21492 ) و( 21493 ) ، وتفسير البغوي 3/595 .
(5) سقطت من ( ص ) .
(6) من قوله : ( لما كان المقصود ذكر ... ) إلى هنا سقط من ( ص ).
=====================
تابع شرح الحديث الرابع
=======
● [ الصفحة التالية ] ●وقد ورد أنَّ هذه الكتابة تكتب بين عيني الجنين ، ففي " مسند البزار "(1) عن ابن عمر رضي الله عنهما ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا خلَقَ الله النسمةَ ، قال مَلَكُ الأرحام : أي ربِّ أذكرٌ أم أنثى ؟ قالَ : فيقْضِي الله إليه أمره ، ثُمَّ يقول : أي ربِّ أشقيٌّ أم سعيدٌ ؟ فيقضي الله إليه أمره ، ثُمَّ يكتب بَيْنَ عينيه ما هوَ لاقٍ حتَّى النَّكبة يُنكَبُها ) .
وقد رُوي موقوفاً على ابن عمر(2) غير مرفوع ، وحديثُ حذيفةَ بن أسيد المتقدم صريحٌ في أنَّ الملك يكتبُ ذلك في صحيفةٍ ، ولعلَّه يكتب في صحيفة ، ويكتب بين عيني الولد .
وقد روي أنَّه يقترِنُ بهذه الكتابة أنَّه يُخلق مع الجنين ما تضمنته من صفاته القائمة به ، فرُوي عن عائشة، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله إذا أراد أنْ يَخلُق الخلق ، بعث مَلَكاً ، فدخلَ الرَّحِمَ ، فيقول : أي ربِّ ، ماذا ؟ فيقول : غلامٌ أو جاريةٌ أو ما شاء الله أنْ يخلُق في الرحم ، فيقول : أي ربِّ ، أشقيٌّ أم سعيدٌ ؟ فيقول : ما شاء الله ، فيقول : يا رب ما أجلُه ؟ فيقول : كذا وكذا ، فيقول : ما خلقه ؟ ما خلائِقُه ؟ فيقول : كذا وكذا ، فما مِنْ شيءٍ إلا وهو يُخْلَقُ معه في الرحم ) . خرَّجه أبو داود في كتاب " القدر " والبزار في " مسنده " (3) .
-------------------------
(1) في " كشف الأستار " ( 2149 ) ، وسنده قويٌّ ، وأخرجه أبو يعلى ( 5775 ) ، وابن حبان ( 6178 ) .
(2) في ( ص ) : ( وقد روي عن ابن عمر ) .
(3) كشف الأستار ( 2151 ) ، وفي إسناده مقال .
● [ الصفحة التالية ] ●وبكل حال ، فهذه الكتابةُ التي تُكتب للجنين في بطن أمِّه غيرُ كتابة المقادير السابقة لخلق الخلائقِ المذكورة في قوله تعالى : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } (1) ، كما في " صحيح مسلم "(2) عن عبد الله بن عمرو ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله قدَّر مقاديرَ الخلائقِ قبل أن يَخْلُقَ السَّماوات والأرض بخمسين ألف سنة ) . وفي حديث عُبادة ابنِ الصَّامت ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أوَّل ما خَلَق الله القلم فقال له : اكتب ، فجرى بما هو كائنٌ إلى يومِ القيامةِ )(3) .
وقد سبق ذكرُ ما رُوي عن ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - : أنَّ المَلَكَ إذا سأل عن حالِ النُّطفة ، أُمِر أنْ يذهبَ إلى الكتاب السابق ، ويقال له : إنَّكَ تجِدُ فيه قصَّةَ هذه النُّطفة ، وقد تكاثرت النُّصوص بذكرِ الكتابِ السابقِ ، بالسَّعادة والشقاوة ، ففي " الصحيحين "(4)
-------------------------
(1) الحديد : 22 .
(2) " الصحيح " 8/51 ( 2653 ) ( 16 ) .
(3) أخرجه : أحمد 5/317 ، وأبو داود ( 4700 ) ، والترمذي ( 2155 ) و( 3319 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 102 ) و( 103 ) و( 104 ) و(105 ) ، والطبراني في " مسند الشاميين " ( 58 ) و( 59 ) و( 1949 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 5/248 ، والبيهقي 10/204 ، وهو حديث قويٌّ .
(4) صحيح البخاري 6/211 ( 4945 ) و( 4946 ) و( 4947 ) و6/212 ( 4948 ) و( 4949 ) و8/59 ( 6217 ) و8/154 ( 6607 ) و9/195 ( 7552 ) ، وصحيح مسلم 8/46 ( 2647 ) ( 6 ) و8/47 ( 2647 ) ( 7 ) .
وأخرجه : أحمد 1/82 و129 و132 و140 و157 ، وعبد بن حميد ( 84 ) ، وأبو داود ( 2694 ) ، وابن ماجه ( 78 ) ، والترمذي ( 2136 ) و( 3344 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 11687 ) و( 11679 ) وفي " تفسيره " ( 698 ) ( 699 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 29019 ) ، وابن حبان ( 334 ) و( 335 ) والبغوي ( 72 ) . من طرق عن علي بن أبي طالب ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●عن عليِّ بن أبي طالب ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قال : ( ما مِنْ نفسٍ منفوسةٍ إلاَّ وقد كتب الله(1) مكانَها من الجنَّة أو النار ، وإلا قد كتبت شقية أو سعيدة ) ، فقال رجل : يا رسولَ الله ، أفلا نمكُثُ على كتابنا ، وندعُ العمل ؟ فقالَ : ( اعملوا ، فكلٌّ ميسَّر لما خُلِقَ لهُ ، أمَّا أهلُ السَّعادة ، فييسرون لعمل أهل السعادة ، وأما أهلُ الشقاوة ، فييسرون لعمل أهل الشَّقاوة ) ، ثم قرأ: { فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى } (2) .
ففي هذا الحديث أنَّ السعادة والشقاوة قد سبقَ الكتابُ بهما ، وأنَّ ذلك مُقدَّرٌ بحسب الأعمال ، وأنَّ كلاًّ ميسر لما خُلق له من الأعمال التي هي سببٌ للسعادة أو الشقاوة .
وفي " الصحيحين " (3) عن عمرانَ بن حُصينٍ ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، أيُعرَفُ أهلُ الجَنَّةِ مِنْ أهلِ النَّارِ ؟ قالَ : ( نَعَمْ ) ، قالَ : فَلِمَ يعملُ العاملونَ ؟ قال : ( كلٌّ يعملُ لما خُلِقَ له ، أو لما ييسر له ) .
وقد روي هذا المعنى عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ كثيرةٍ ، وحديث ابن مسعود فيه أنَّ السعادة والشقاوة بحسب خواتيم الأعمال .
-------------------------
(1) زاد بعد لفظ الجلالة في ( ص ) : ( لها ) .
(2) الليل : 5 .
(3) صحيح البخاري 8/152 ( 6596 ) ، وصحيح مسلم 8/48 ( 2649 ) ( 9 ) .
وأخرجه : أحمد 4/431 ، وأبو داود ( 4709 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 412 ) ، وابن حبان ( 333 ) من حديث عمران بن حصين ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●وقد قيل : إنَّ قوله في آخر الحديث ( فوالله(1) الَّذي لا إله غيره ، إنَّ أحدَكم ليَعمَلُ بعملِ أهل الجنَّة ) إلى آخر الحديث مُدرَجٌ من كلام ابن مسعود ، كذلك رواه سلمة بنُ كهيلٍ ، عن زيد بنِ وهب ، عن ابن مسعودٍ من قوله(2) ، وقد رُوي هذا المعنى عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ متعددة أيضاً .
وفي " صحيح البخاري "(3) عن سهلِ بنِ سعدٍ ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّما الأعمالُ بالخواتيم ) .
وفي " صحيح ابن حبان " (4) عن عائشة ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّما الأعمالُ بالخواتيم ) .
وفيه أيضاً عن معاوية قال : سمعت النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إنَّما الأعمال بخواتيمها ، كالوعاء ، إذا طابَ أعلاه ، طاب أسفَلُه وإذا خَبُثَ أعلاه ، خَبُثَ
أسفلُه )(5) .
وفي " صحيح مسلم " (6)
-------------------------
(1) لفظ الجلالة لم يرد في ( ص ) .
(2) أخرجه : أحمد 1/414 ، وانظر : فتح الباري 11/592 .
(3) الصحيح 8/128 ( 6493 ) و8/155 ( 6607 ) .
(4) الإحسان ( 340 ) ، وإسناده ضعيف لضعف نعيم بن حماد .
(5) الإحسان ( 339 ) و( 392 ) .
وأخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 596 ) ، وأحمد 4/94 ، وابن ماجه ( 4199 ) ، والطبراني في " الكبير " 19/( 866 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 608 ) ، وأبو نعيم في
" الحلية " 5/162 ، من حديث معاوية ، به ، وسنده جيد .
(6) الصحيح 8/49 ( 2651 ) ( 11 ) .
وأخرجه : أحمد 2/484 ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 218 ) ، وابن حبان ( 6176 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 2469 ) من حديث أبي هريرة ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●عن أبي هريرة ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الرَّجُل ليعمل الزمانَ الطويلَ بعملِ أهلِ الجنَّةِ ، ثم يُختم له عملُه بعمل أهل النار ، وإنَّ الرجلَ ليعملُ الزمانَ الطويلَ بعمل أهل النارِ ، ثم يُختم له عمله بعملِ أهل الجنةِ ) .
وخرَّج الإمام أحمد(1) من حديث أنسٍ ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا عَلَيكُم أنْ لا تَعْجَبوا بأحدٍ حتّى تنظروا بم يُختم له ، فإنَّ العاملَ يعملُ زماناً من عمره ، أو بُرهة من دهره بعملٍ صالحٍ ، لو مات عليه دخل الجنةَ ، ثم يتحوَّلُ ، فيعملُ عملاً سيِّئاً ، وإنَّ العبدَ ليعمل البُرهة من دهره بعملٍ سيِّءٍ ، لو مات عليه دخلَ النارَ، ثم يتحوَّل فيعملُ عملاً صالحاً (2) ) .
وخرَّج أيضاً من حديث عائشة ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ الجنَّة ، وهو مكتوبٌ في الكتابِ من أهل النار ، فإذا كانَ قبل موتِهِ تحوَّل ، فعملَ بعمل أهل النارِ ، فماتَ ، فدخل النارَ ، وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ النارِ ، وإنَّه لمكتوبٌ في الكتاب من أهلِ الجنَّة ، فإذا كان قَبْلَ موته تحوَّل ، فعمل بعمل أهلِ الجنَّة ، فماتَ فدخلها )(3) .
-------------------------
(1) في " مسنده " 3/120 .
وأخرجه : عبد بن حميد ( 4393 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 393 ) و( 394 ) و( 395 ) و( 396 ) ، وأبو يعلى ( 3840 ) ، والضياء المقدسي في " المختارة " ( 1979 ) و( 1980 ) و( 1981 ) وهو حديث صحيح .
(2) زاد بعدها في ( ص ) .
(3) في " مسنده " 6/107 و108 .
... وأخرجه : عبد بن حميد ( 1500 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 252 ) ، وأبو يعلى ( 4668 ) ، وابن حبان ( 346 ) ، والخطيب في "تاريخه " 11/356 ، وهو حديث صحيح .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج أحمد ، والنسائيُّ ، والترمذيُّ(1) من حديثِ عبد الله بنِ عمرٍو قال : خرج علينا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وفي يده كتابانِ، فقال : ( أتدرون ما هذان الكتابان ؟ ) ، فقلنا : لا يا رسول الله ، إلاّ أنْ تُخْبِرنا ، فقالَ للذي في يده اليمنى : ( هذا كتابٌ مِنْ ربِّ العالمين ، فيهِ أسماءُ أهلِ الجنَّةِ ، وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثُمَّ أُجْمِل على آخرهم ، فلا يُزاد فيهم ، ولا يُنقصُ منهم أبداً ) ، ثُمَّ قالَ للذي في شماله : ( هذا كتابٌ من ربِّ العالمين فيهِ أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم ، ثُمَّ أُجْمل على آخرهم ، فلا يُزاد فيهم ولا يُنقصُ منهم أبداً ) ، فقالَ أصحابُه : ففيم العملُ
يا رسولَ الله إنْ كانَ أمراً قد فُرِغَ منه ؟ فقال : ( سَدِّدُوا وقاربوا ، فإنَّ صاحب الجنة يُختم له بعمل أهل الجنة ، وإنَّ عمل أيّ عملٍ ، وإنَّ صاحب النّار يُختم له بعمل أهل النار ، وإنْ عمل أيَّ عملٍ(2) ) ، ثُمَّ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيديه فنبذهما ، ثم قال : ( فَرَغَ ربُّكم مِنَ العباد : فريقٌ في الجنة ، وفريقٌ في السَّعير )(3).
-------------------------
(1) في ( ص ) : ( وخرج الإمام أحمد والترمذي ) .
(2) في ( ص ) : ( ولو عمل كل عمل ) .
(3) أخرجه :أحمد 2/167 ، والترمذي ( 2141 ) و( 2141 ) م ، والنسائي في " الكبرى " ( 11473 ) وفي " التفسير " ، له ( 493 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 23645 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 348 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 5/168 ، وهذا الحديث صححه الترمذي على أن فيه مقالاً من أجل أبي قبيل حيي بن هانىء قال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة 1/853 : ( إنَّه كان يكثر النقل عن الكتب القديمة ) ، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال 2/684 عن هذا الحديث : ( هو حديث منكر جداً ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وقد روي هذا الحديثُ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من وجوهٍ متعددة ، وخرَّجه الطبراني(1) من حديث علي بن أبي طالب ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، وزاد فيه : ( صاحبُ الجنَّةِ مختومٌ له بعمل أهل الجنة ، وصاحبُ النارِ مختومٌ له بعملِ أهلِ النارِ وإنْ عمل أيَّ عمل ، وقد يُسلك بأهلِ السعادةِ طريق أهلِ الشقاء حتّى يقالَ: ما أشبههم بهم، بل هم(2) منهم ، وتُدركهم السعادةُ فتستنقذُهم ، وقد يسلكُ بأهلِ الشقاءِ طريق أهلِ السعادةِ حتّى يقالَ : ما أشبههم بهم بل هم منهم ويُدركهم الشقاء ، مَنْ كتبه الله سعيداً في أمِّ الكتابِ لم يُخرجه منَ الدنيا حتى يستعمِلَه بعملٍ يُسعِدُه قبلَ موتِهِ ولو بفَواقِ ناقة(3) ) ، ثُمَّ قالَ : ( الأعمالُ بخواتيمها ، الأعمالُ بخواتيمها ) . وخرَّجه البزار في "مسنده " (4) بهذا المعنى أيضاً من حديث ابن عمر عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - .
-------------------------
(1) في " الأوسط " ( 5219 ) ، وإسناده ضعيف لضعف حماد بن واقد الصفار ، انظر : مجمع الزوائد 7/216 .
(2) سقطت من ( ص ) .
(3) هو ما بين الحلبتين من الراحة . " النهاية " 3/479 .
(4) " المسند " ( 2156 ) .
وأخرجه : اللالكائي في " أصول الاعتقاد " ( 1088 ) ، وإسناده ضعيف جداً ؛ لشدة ضعف عبد الله بن ميمون القداح ، انظر : مجمع الزوائد 7/212 .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " الصحيحين " (1) عن سهل بن سعد : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - التقى هو والمشركون وفي أصحابه رجلٌ لا يدع شاذَّةً ولا فاذَّةً إلا اتبعها يَضرِبُها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحدٌ كما أجزأ فلانٌ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هو من أهل النار ) ، فقال رجلٌ من القوم : أنا صاحبُه ، فأتَّبعه ، فجُرِحَ الرجل جرحاً شديداً ، فاستعجلَ الموتَ ، فوضعَ نصلَ سيفه على الأرض وذُبَابَه بينَ ثدييه ، ثُمَّ تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجلُ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أشهد أنَّك رسولُ الله ، وقصَّ عليه القصةَ ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ الرجلَ ليعملُ عملَ أهلِ الجنَّةِ فيما يبدو للنَّاس وهو منْ أهلِ النار ، وإنَّ الرجلَ ليعملُ عملَ أهلِ النارِ فيما يبدو للناس ، وهو منْ أهلِ الجنةِ ) زاد البخاري(2) في رواية له : ( إنَّما الأعمالُ بالخواتيم ) .
وقوله : ( فيما يبدو للناس ) إشارةٌ إلى أنَّ باطنَ الأمر يكونُ بخلافِ ذلك ، وإنَّ خاتمة السُّوءِ تكونُ بسبب دسيسةٍ باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس ، إما من جهة عمل سيئ ونحو ذلك ، فتلك الخصلة الخفية توجب سُوءَ الخاتمة عند الموت ، وكذلك قد يعمل الرجلُ عملَ أهل النَّارِ وفي باطنه خصلةٌ خفيةٌ من خصال الخير ، فتغلب عليه تلكَ الخصلةُ في آخر عمره ، فتوجب له حسنَ الخاتمة .
قال عبد العزيز بن أبي روَّاد : حضرت رجلاً عند الموت يُلَقَّنُ لا إله إلا الله ، فقال في آخر ما قال : هو كافرٌ بما تقول ، ومات على ذلك ، قال : فسألتُ عنه ، فإذا هو مدمنُ خمرٍ . فكان عبد العزيز يقول : اتقوا الذنوب ، فإنَّها هي التي أوقعته .
-------------------------
(1) صحيح البخاري 4/44 ( 2898 ) و5/168 ( 4203 ) و5/170 ( 4207 ) ، وصحيح مسلم 1/74 ( 112 ) ( 179 ) و8/49 ( 112 ) ( 12 ) .
(2) في " صحيحه " 8/128 ( 6493 ) و8/155 ( 6607 ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي الجملة : فالخواتيم ميراثُ السوابق ، وكلُّ ذلك سبق في الكتاب السابق ، ومن هنا كان يشتدُّ خوف السَّلف من سُوءِ الخواتيم ، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق .
وقد قيل : إنَّ قلوب الأبرار معلقةٌ بالخواتيم ، يقولون : بماذا يختم لنا ؟ وقلوب المقرَّبين معلقة بالسوابق ، يقولون : ماذا سبق لنا .
وبكى بعضُ الصحابة عند موته ، فسئل عن ذلك ، فقال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إنَّ الله تعالى قبضَ خلقَهُ قبضتين ، فقال : هؤلاء في الجنَّةِ ، وهؤلاء في النار ) ، ولا أدري في أيِّ القبضتين كنت .(1)
قال بعض السَّلف : ما أبكى العيون ما أبكاها الكتاب السابق .
وقال سفيانُ لبعض الصالحين : هل أبكاك قطُّ علمُ الله فيك ؟ فقال له ذلك الرجل : تركتني لا أفرحُ أبداً . وكان سفيان يشتدُّ قلقُهُ من السوابق والخواتم ، فكان يبكي ويقول : أخاف أنْ أكون في أمِّ الكتاب شقياً(2) ، ويبكي ويقول : أخافُ أنْ أسلبَ الإيمانَ عند الموت .
وكان مالك بنُ دينار يقومُ طُولَ ليلهِ قابضاً على لحيته ، ويقول : يا ربِّ ، قد علمتَ ساكنَ الجنة من ساكن النار ، ففي أيِّ الدارين منْزلُ مالك ؟(3)
-------------------------
(1) حديث صحيح أخرجه: أحمد 4/176 و5/68 من طريق سعيد الجريري، عن أبي نضرة، به.
وأخرجه : البزار كما في " كشف الأستار " ( 2142 ) من حديث أبي سعيد الخدري ، به .
وأخرجه : أبو يعلى ( 3422 ) بنحوه من حديث أنس بن مالك ، به .
(2) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 7/51 .
(3) أخرجه : أبو نعيم في " حلية الأولياء " 2/383 .
● [ الصفحة التالية ] ●قال حاتمٌ الأصمُّ : مَنْ خلا قلبُه من ذكر أربعة أخطار(1) ، فهو مغترٌّ ، فلا يأمن الشقاء : الأوَّل : خطرُ يوم(2) الميثاق حين قال : هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي ، فلا يعلم في أيِّ الفريقين كان ، والثاني : حين خلق في ظلمات ثلاث ، فنودي الملك بالسعادة والشَّقاوة ، ولا يدري : أمن الأشقياء هو أم منَ السعداء ؟ والثالث : ذكر هول المطلع ، فلا يدري أيبشر برضا الله أو بسخطه ؟ والرابع : يوم يَصدُرُ الناس أشتاتاً ، ولا يدري ، أيّ الطريقين يُسلك به .
وقال سهل التُّستريُّ : المريدُ يخافُ أنْ يُبتلى بالمعاصي ، والعارف يخافُ أنْ يُبتلى بالكُفر .
ومن هنا كان الصحابة ومَنْ بعدهم منَ السَّلف الصالح يخافون على أنفسهم النفاق ويشتد قلقهم وجزَعُهم منه ، فالمؤمن يخاف على نفسه النفاقَ الأصغرَ ، ويخاف أنْ يغلب ذلك عليه عندَ الخاتمة ، فيخرجه إلى النفاق الأكبر ، كما تقدم أنَّ دسائس السوء الخفية تُوجِبُ سُوءَ الخاتمة ، وقد كان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُكثرُ أنْ يقول في دعائه : ( يا مقلِّب القلوب ثبتْ قلبي على دينكَ ) فقيل له : يا نبيَّ الله آمنا بك وبما جئتَ به ، فهل تخافُ علينا ؟ فقال : ( نعم ، إنَّ القُلوبَ بينَ أصبعين منْ أصابع الله - عز وجل - يُقلِّبها كيف يشاء ) خرّجه الإمام أحمد والترمذي من حديث أنس(3)
-------------------------
(1) في ( ص ) : ( من ذكر الله تعالى فهو متعرض لأربعة أخطار ) .
(2) سقطت من ( ص ) .
(3) أخرجه : أحمد 3/112 و257 ، والترمذي ( 2140 ) .
وأخرجه : البخاري في " الادب المفرد " ( 683 ) ، وابن ماجه ( 3834 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 225 ) ، وأبو يعلى ( 3687 ) و( 3688 ) ، والطبري في " تفسيره " (5229 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 759 ) ، والآجري في " الشريعة " : 317 ، والحاكم 1/526 ، وأبو نعيم في "الحلية " 8/122 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 757 ) ، والبغوي ( 88 ) ، والضياء المقدسي في " المختارة " ( 2222 ) و( 2223 ) و( 2224 ) و( 2225 ) . من حديث أنس بن مالك ، به . والروايات مطولة ومختصرة ، وقال الترمذي : ( حسن ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرج الإمام أحمد(1) والترمذي (2) من حديث أمِّ سلمة : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُكثِرُ في دعائه أنْ يقول : ( اللهُمَّ يا (3) مقلِّبَ القلوب ، ثبت قلبي على دينك ) ، فقلت : يا رسول الله ، أو(4) إنَّ القلوب لتتقلَّبُ ؟ قال : ( نعم ، ما من خلق الله تعالى من بني آدم من بشر إلاّ أنَّ قلبه بين أصبعين مِنْ(5) أصابع الله ، فإنْ شاءَ الله - عز وجل - أقامه ، وإنْ شاء أزاغه ، فنسألُ الله ربَّنا أنْ لا يزيغَ قلوبنا بعد إذ هدانا ، ونسألهُ أنْ يهب لنا من لدُنه رحمةً إنَّه هو الوهَّاب ) ، قالت : قلت : يا رسول الله ، ألا تُعَلِّمني دعوةً أدعو بها لنفسي ؟ قال : ( بلى ، قولي : اللهمّ ربَّ النبيِّ محمد ، اغفر لي ذنبي ، وأذهب غيظ قلبي ، وأجِرْني من مضلاَّتِ الفتن ما أحييتني ) ، وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة .
وخرَّج مسلم(6)
-------------------------
(1) في " مسنده " 6/294 و302 و315 .
وأخرجه : الطيالسي ( 1608 ) ، وعبد بن حميد ( 1534 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 223 ) و( 232 ) ، وأبو يعلى ( 6919 ) ( 6920 ) و( 6986 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 5227 ) و( 5233 ) ، والطبراني في " الكبير " 23/( 772 ) و( 785 ) و( 865 ) وفي " الدعاء " ، له ( 1257 ) و( 1258 ) ، والآجري في " الشريعة " : 316 . من حديث أم سلمة ، به .
(2) والترمذي ) لم يرد في ( ج ) ، والحديث في جامعه برقم ( 3522 ) ، وقال : ( حديث حسن ) على أن في سند الحديث شهر بن حوشب ضعيف .
(3) سقطت من ( ج ) .
(4) في ( ص ) : ( أرى ) .
(5) عبارة ( أصبعين من ) سقطت من ( ص ) .
(6) في " صحيحه " 8/51 ( 2654 ) ( 17 ) .
وأخرجه : أحمد 2/168 و173 ، وعبد بن حميد ( 348 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 222 ) و( 231 ) ، والنسائي في " الكبرى " ( 7739 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 5232 ) ، وابن حبان ( 902 ) ، الآجري في " الشريعة " : 316 من حديث عبد الله بن عمرو ، به .
● [ الصفحة التالية ] ●من حديث عبد الله بن عمرو : سمع رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
( إنَّ قلوبَ بني آدمَ كلَّها بين أصبعين من أصابع الرحمان - عز وجل - كقلبٍ واحدٍ يصَرِّفُه حيث يشاء ) ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهُمَّ يا (1) مُصرِّفَ القلوبِ ، صرِّف قلوبنا على طاعتك ) .
-------------------------
(1) سقطت من ( ج ) .
● [ تم شرح الحديث ] ●
وقد روي من وجه آخر عن ابن مسعود أنْ لا تصويرَ قبل ثمانين يوماً ، فروى السُّدِّيُّ ، عن أبي مالك ، وعن أبي صالح ، عن ابن عباس ، وعن مُرَّةَ الهمداني ، عن ابن مسعود ، وعن ناسٍ من أصحاب النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في قوله - عز وجل - : { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } (1) ، قال : إذا وقعتِ النطفة في الأرحامِ ، طارت في الجسد أربعين يوماً ، ثم تكونُ علقةً أربعين يوماً ، ثم تكونُ مضغةً أربعين يوماً ، فإذا بلغ أن تُخلَّق ، بعث الله ملكاً يصوّرها ، فيأتي الملَكُ بترابٍ بين أصبعيه ، فيخلطه في المضغة ، ثم يعجنه بها ، ثم يصوِّرها(2) كما يؤمر فيقول : أذكرٌ أو أنثى ؟ أشقيٌّ أو سعيد ؟ وما رزقه ؟ وما عمره ، وما أثره ؟ وما مصائبه ؟ فيقول الله تبارك وتعالى ، ويكتب المَلَك ، فإذا مات ذلك الجسدُ ، دُفِنَ حيثُ أخذ ذلك التراب ، خرَّجه ابن جرير الطبري في " تفسيره "(3) ، ولكن السدي مختلف في أمره(4)
-------------------------
(1) آل عمران : 6 .
(2) من قوله : ( فيأتي الملك بتراب ... ) إلى هنا لم ترد في ( ص ) .
(3) التفسير ( 5159 ) ، وطبعة التركي 5/186-187، وكذا أخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ( 3156 ) ، ومن تخليط محققه أنَّه عزاه لمسلم !!
(4) هو إسماعيل بن عبد الرحمان بن أبي كريمة ، وهو مختلف فيه وهو إلى القوة أقرب ، وهناك شخص آخر يقال له : السُّدّي : هو محمد بن مروان بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الرحمان مولى عبد الرحمان بن زيد بن الخطاب المعروف بالسدّي الصغير ، قال عنه الإمام أحمد : أدركته وقد كبر فتركته ، وقال البخاري : سكتوا عنه ولا يكتب حديثه البتة ، وقال ابن أبي حاتم : سمعت أبي يقول : هو ذاهب الحديث ، متروك الحديث ، لا يكتب حديثه البتة ، وقال النسائي : يروي عن الكلبي ، متروك الحديث ، وقال أبو جعفر الطبري : لا يحتج بحديثه ، وقال ابن عدي : الضعف على رواياته بين .
انظر : التاريخ الكبير 1/233 ( 729 ) ، والضعفاء والمتروكين للبخاري ( 340 ) ، وللنسائي ( 538 ) ، والضعفاء الكبير 4/136 ( 1696 ) ، والجرح والتعديل 8/100 ( 364 )، والكامل 7/512 ، والأنساب 3/28 ، وميزان الاعتدال 4/32-33 ( 8154 )، والكشف الحثيث ( 728 ) ، وتهذيب التهذيب 9/377-378 ( 6573 ) ، وقد ترجمت للثاني ؛ لأنَّ كثيراً من طلبة العلم يخلطون بينهما .
● [ الصفحة التالية ] ●، وكان الإمام أحمد ينكر عليه جمعهُ الأسانيد المتعددة للتفسير الواحد(1) ، كما كان هو وغيرُه يُنكرون على الواقدي جمعه الأسانيدَ المتعددة للحديثِ الواحد .
وقد أخذ طوائف من الفقهاء بظاهر هذه الرواية ، وتأوَّلوا حديثَ ابنِ مسعود المرفوع عليها ، وقالوا : أقلُّ ما يتبيَّن فيه(2) خلق الولد أحد وثمانون يوماً ؛ لأنَّه لا يكون مُضغةً إلاّ في الأربعين الثالثة ، ولا يتخلق قبل أنْ يكون مضغةً(3) .
وقال أصحابُنا وأصحابُ الشافعي بناءً على هذا الأصل: إنَّه لا تنقضي العدَّةُ ، ولا تعتق أم الولد إلا بالمضغة المخلَّقة(4)
-------------------------
(1) هذه من العلل الخفية التي لا يدركها إلاّ الأئمة النقاد، قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي" 2/816 : ( إنَّ الرجل إذا جمع بين حديث جماعة ، وساق الحديث سياقة واحدة فالظاهر أنَّ لفظهم لم يتفق فلا يقبل هذا الجمع إلاّ من حافظ متقن لحديثه ، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإفك ، وغيره .
وكان الجمع بين الشيوخ ينكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا ، كما أُنكر على ابن إسحاق وغيره . وقد أنكر شعبة أيضاً على عوف الأعرابي ) .
(2) سقطت من ( ج ) .
(3) انظر : فتح الباري 12/595 .
(4) قال عمر بن الخطاب : إذا ولدت الأمة من سيدها فقد عتقت وإن كان سقطاً . انظر : المغني لابن قدامة 12/504 .
وقال الحسن : إذا أسقطت أم الولد شيئاً يعلم أنّه حمل عتقت به وصارت أم ولد . انظر : السنن الكبرى للبيهقي 10/348 .
والمخلقة : هي المنتقلة عن اسم النطفة وحدها وصفتها إلى أن خلقها الله - عز وجل - علقة كما في القرآن فهي حينئذٍ ولد مخلق فهي بسقوطه أو ببقاءه أم ولد . انظر : المحلى 10/118، وعند مالك والأوزاعي وغيرهما : المضغة إذا كانت مخلقة أو غير مخلقة تكون الأمة أم ولد ، وقال الشافعي وأبو حنيفة : إن كان قدْ تبين شيء من خلق بني آدم أصبع ، أو عين ، أو غير ذلك فهي أم ولد . انظر : تفسير القرطبي 12/9 .
● [ الصفحة التالية ] ●، وأقلُّ ما يمكن أنْ يتخلق ويتصوَّر في أحد وثمانين يوماً .
وقال أحمد في العلقة : هي دم لا يستبين فيها الخلقُ ، فإن كانت المضغةُ غيرَ مخلقة ، فهل تنقضي بها العدِّة ، وتصيرُ أمُّ الولد بها مستولدةً ؟ على قولين ، هما روايتان عن أحمد(1) ، وإنْ لم يظهر فيها التخطيط ، ولكن كان خفياً لا يعرفه إلا أهل الخبرة مِنَ النِّساء ، فشهِدْن بذلك ، قُبِلَت شهادتُهنَّ ، ولا فرق بين أنْ يكونَ بعد تمام أربعة أشهر أو قبلها عند أكثر العلماء ، ونصَّ على ذلك الإمام أحمد في رواية خلق من أصحابه ، ونقل عنه ابنه صالح في الطفل في الأربعة يتبين خلقه (2).
-------------------------
(1) تنقضي به العدة وتصير به أم ولد على ما نقله حنبل ، ولا تنقضي به العدة ولا تصير به أم ولد ولا يتعلق به شيء من الأحكام على ما نقل أبو طالب والأثرم . وقال الأثرم لأبي عبد الله : أم الولد إذا أسقطت لا تعتق ؟ فقال : إذا تبين فيه يد أو رجل أو شيء من خلقه فقد عتقت ، وهذا قول الحسن والشافعي ، وروى يوسف بن موسى : أن أبا عبد الله قيل له : ما تقول في الأمة إذا ألقت مضغة أو علقة ؟ قال : تعتق .
انظر : المسائل الفقهية من كتاب الروايتين والوجهين 2/213 مسألة ( 157 ) ، والمغني لابن قدامة 12/504 .
(2) في ( ص ) : ( يتبين خلقه في أربعة أشهر ) .
● [ الصفحة التالية ] ●قال الشعبي : إذا نُكِسَ في الخلق الرابع كان مخلقاً ، انقضت به العدة ، وعتقَتْ به الأمةُ إذا كان لأربعة أشهر(1) ، وكذا نقل عنه حنبل : إذا اسقطت أمُّ الولدِ ، فإنْ كان خِلقة تامة ، عتقَت ، وانقضت به العدةُ إذا دخل في الخلق الرابع في أربعة أشهر ينفخ فيه الروح ، وهذا يخالف رواية الجماعة عنه ، وقد قال أحمد في رواية عنه : إذا تبين خلقُه ، ليس فيه اختلاف أنَّها تعتق بذلك إذا كانت أمةً ، ونقل عنه جماعة أيضاً في العلقة إذا تبيَّن أنَّها ولدٌ أنَّ الأمةَ تُعتق بها ، وهو قولُ النَّخعي ، وحكي قولاً للشافعي ، ومِنْ أصحابِنا من طرَّدَ هذه الرواية عن أحمد في انقضاء العدَّة به أيضاً . وهذا كلُّه مبنيٌّ على أنَّه يمكن التَّخليق في العلقة كما قد يستدلُّ على ذلك بحديث حذيفة بن أسيد المتقدِّم إلاَّ أنْ يقال : حديث حذيفة إنَّما يدلُّ على أنَّه يتخلَّق إذا صار لحماً وعظماً ، وإنَّ ذلك قد يقع في الأربعين الثانية ، لا في حالِ كونِهِ علقةً ، وفي ذلك نظر (2) ، والله أعلم .
وما ذكره الأطباء يدلُّ على أنَّ العلقة تتخلق وتتخطَّط ، وكذلك القوابِل مِنَ النِّسوة يشهدن بذلك ، وحديث مالك بن الحويرث يشهد بالتصوير في حال(3) كون الجنين نطفة أيضاً ، والله تعالى أعلم .
وبقي في حديث ابنِ مسعود أنَّ بعدَ مصيره مضغةً أنَّه يُبعث إليه الملَكُ ، فيكتب الكلمات الأربعَ ، ويَنفُخُ فيه الروحَ ، وذلك كلُّه بعد مئة وعشرين يوماً .
-------------------------
(1) انظر : المغني لابن قدامة 12/405 .
(2) عبارة : ( وفي ذلك نظر ) سقطت من ( ص ) .
(3) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●واختلفت ألفاظُ روايات هذا الحديثِ في ترتيب الكتابة والنفخ ، ففي رواية البخاري في " صحيحه " (1) : ( ويبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلماتٍ ، ثم ينفخ فيه الروح ) ففي هذه الرواية تصريحٌ بتأخُّر نفخ الرُّوح عن الكتابة ، وفي رواية خرّجها البيهقي في كتاب " القدر " (2) : ( ثم يُبعث الملكُ ، فينفخ فيه الروحَ ، ثُمَّ يُؤْمرُ بأربع كلمات ) ، وهذه الرواية تصرِّحُ بتقدم النفخ على الكتابة ، فإما أنْ يكون هذا مِنْ تصرُّف الرُّواة برواياتهم بالمعنى الذي يفهمونه ، وإمَّا أنْ يكون المرادُ ترتيب الإخبار فقط ، لا ترتيبَ ما أخبر به .
وبكل حالٍ ، فحديثُ ابن مسعود يدلُّ على تأخُّرِ نفخِ الرُّوح في الجنين وكتابة الملك لأمره إلى بعد أربعة أشهر حتّى تتمَّ الأربعون الثالثة . فأمَّا نفخُ الرُّوح ، فقد روي صريحاً عن الصَّحابة أنَّه إنَّما ينفخ فيه الروح بعد أربعة أشهرٍ ، كما دلَّ عليه ظاهرُ حديث ابن مسعود . فروى زيدُ بنُ عليٍّ ، عن أبيه ، عن عليٍّ ، قال : إذا تمَّتِ النُّطفة أربعة أشهر بُعِثَ إليها مَلَكٌ ، فنَفَخَ فيها الروح في الظلمات ، فذلك قولُه تعالى : { ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } (3) ، خرَّجه ابن أبي حاتم(4) ، وهو إسناد منقطع(5) .
-------------------------
(1) الصحيح 4/135 ( 3208 ) و4/161 ( 3332 ) و9/165 ( 7454 ) .
(2) وفي " السنن الكبرى " 7/441 و10/266 .
(3) المؤمنون : 14 .
(4) كما في " تفسير ابن كثير " 1292 ، و" الدر المنثور " 5/12 ، والمطبوع من " تفسير ابن أبي حاتم " فيه سقط في هذا الموضع .
(5) انظر : فتح الباري 11/591 ، وعلي بن الحسين لم يسمع من جده على بن أبي طالب - رضي الله عنه - .
● [ الصفحة التالية ] ●وخرَّج اللالكائي بإسنادِه عن ابنِ عباس ، قال : إذا وقعت النطفةُ في الرَّحم ، مكثت أربعة أشهر وعشراً ، ثم نفخ فيها الروح ، ثم مكثَت أربعينَ ليلةً ، ثم بُعِثَ إليها ملكٌ ، فنقفها في نُقرة القفا ، وكتب شقياً أو سعيداً(1) ، وفي إسناده نظر(2) ، وفيه أنَّ نفخ الروح يتأخر عن الأربعة أشهر بعشرة أيام .
وبنى الإمام أحمد مذهبه المشهور عنه على ظاهر حديث ابن مسعود ، وأنَّ الطفل يُنفخ فيه الرُّوح بعد الأربعة أشهر ، وأنَّه إذا سقط بعد تمام أربعة أشهر ، صُلِّيَ عليه(3) ؛ حيث كان قد نفخ فيه الروح ثم مات . وحكي ذلك أيضاً عن سعيد ابن المسيب(4) وهو أحد أقوال الشافعي وإسحاق(5) ، ونقل غيرُ واحدٍ عن أحمد أنَّه قال : إذا بلغ أربعة أشهر وعشراً(6) ، ففي تلك العشر يُنفخ فيه الروح ، ويُصلَّى عليه . وقال في رواية أبي الحارث عنه : تكون النَّسمةُ نطفةً أربعين ليلةً ، وعلقةً أربعين ليلةً ، ومُضغةً أربعين ليلةً ، ثم تكونُ عظماً ولحماً ، فإذا تمَّ أربعة أشهر وعشراً(7) ، نفخ فيه الروح .
-------------------------
(1) في " أصول الاعتقاد " ( 1060 ) .
(2) فيه محمد بن حميد الرازي ضعيف .
انظر : التاريخ الكبير 1/71 ( 167 ) ، والضعفاء الكبير 4/61 ( 1612 ) ، والمجروحين 2/296 ، وتهذيب الكمال 6/285 ( 5756 ) ، وميزان الاعتدال 3/530 ( 7453 ) ، والتقريب ( 5834 ) .
(3) انظر : المغني لابن قدامة 2/392 .
(4) انظر : فتح الباري 11/591 .
(5) انظر : المغني لابن قدامة 2/392 ، ورؤوس المسائل الخلافية 2/247 مسألة ( 379 ) .
(6) انظر : فتح الباري 11/591 .
(7) سقطت من ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●فظاهر هذه الرواية أنَّه لا ينفخ فيه الرُّوح إلاَّ بعد تمام أربعةِ أشهر وعشر ،
كما رُوي عن ابنِ عباس ، والروايات التي قبل هذه عن أحمد إنَّما تدلُّ على أنَّه يُنفخ
فيه الرُّوح في مدَّة العشر بعد تمام الأربعة ، وهذا هو المعروف عنه ، وكذا قال ابن المسيب لمَّا سُئِلَ عن عِدَّةِ الوفاة حيث جعلت أربعة أشهر وعشراً : ما بال العشر ؟ قالَ : ينفخ فيها الروح .
وأما أهل الطب ، فذكروا أنَّ الجنين إنْ تصوَّر في خمسة وثلاثين يوماً ، تحرَّك في سبعين يوماً، وولد في مئتين وعشرة أيام، وذلك سبعةُ أشهر ، وربَّما تقدَّم أياماً ، وتأخر في التصوير والولادة ، وإذا كان التصوير في خمسة وأربعين يوماً(1) ، تحرَّك في تسعين يوماً ، ووُلد في مئتين وسبعين يوماً ، وذلك تسعةُ أشهرٍ ، والله أعلم .
-------------------------
(1) من قوله : ( تحرك في سبعين يوماً ... ) إلى هنا لم يرد في ( ص ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وأما كتابة الملك ، فحديث ابن مسعود يدلُّ على أنَّها تكونُ(1) بعد الأربعة أشهر أيضاً على ما سبق ، وفي " الصحيحين "(2) عن أنس ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال: ( وكَّلَ الله بالرَّحِم مَلَكاً يقول : أي ربِّ نطفة ، أي ربِّ علقة ، أي ربِّ مضغة ، فإذا أراد الله أنْ يقضي خلقاً ، قالَ : يا ربِّ أذكرٌ أم أنثى ؟ أشقيٌّ أم سعيد ؟ فما الرزقُ ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه ) وظاهر هذا يُوافق حديث ابن مسعود ؛ لكن ليس فيه تقدير مدة ، وحديث حذيفة بن أسيد الذي تقدم يدلُّ على أنَّ الكتابة تكون في أوَّل الأربعين الثانية ، وخرجه مسلم(3) أيضاً بلفظٍ آخر من حديث حُذيفة بن أسيد يَبلُغُ به النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يدخلُ المَلَكُ على النطفة بعد ما تستقرُّ في الرَّحمِ بأربعين أو خمسة وأربعين ليلةً(4)، فيقول : يا ربِّ أشقيٌّ أو سعيد ؟ فيكتبان ، فيقول : أي ربِّ أذكر أو أنثى ؟ فيكتبانِ ، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه ، ثُمَّ تُطوى الصحفُ ، فلا يزادُ فيها ولا ينقصُ ) .
وفي رواية أخرى لمسلم(5) أيضاً : ( إنَّ النطفة تَقَعُ في الرَّحِم أربعينَ ليلةً ثُمَّ يتسوَّر عليها الملكُ فيقول : يا ربِّ أذكر أم أنثى ؟ ) وذكر الحديثَ . وفي رواية أخرى لمسلم(6) أيضاً : ( لبضع وأربعينَ ليلةً ) .
-------------------------
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) صحيح البخاري 1/87 ( 318 ) و4/162 ( 3333 ) و8/152 ( 6595 ) ، وصحيح مسلم 8/46 ( 2646 ) ( 5 ) .
(3) في " صحيحه " 8/45 ( 2644 ) ( 2 ) .
(4) في ( ص ) : ( يوماً ) .
(5) في " صحيحه " 8/46 ( 2645 ) ( 4 ) .
(6) نفس المصدر السابق .
● [ الصفحة التالية ] ●وفي " مسند الإمام أحمد "(1) من حديث جابر ، عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا استقرَّتِ النطفةُ في الرَّحم أربعين يوماً ، أو أربعين ليلةً بُعِثَ إليها ملكٌ ، فيقول : يا ربِّ ، شقيٌّ أو سعيد ؟ فيعلم ) .
وقد سبق ما رواه الشَّعبيُّ ، عن علقمة ، عن ابن مسعودٍ من قوله ، وظاهره يدلُّ على أنَّ المَلَكَ يُبعثُ إليه وهو نطفة ، وقد رُوي عن ابن مسعود من وجهين آخرين أنَّه قالَ : ( إنَّ الله - عز وجل - تُعرَضُ عليهِ كلَّ يومٍ(2) أعمالُ بني آدم ، فينظر فيها ثلاثَ ساعاتٍ ، ثمَّ يُؤتى بالأرحام ، فينظر فيها ثلاثَ ساعاتٍ ، وهو قوله: { يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } (3)، وقوله : { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً } (4)، ويُؤْتى بالأرزاق ، فينظر فيها ثلاثَ ساعاتٍ ، وتسبحه الملائكةُ ثلاث ساعاتٍ ، قالَ : فهذا مِنْ شأنِكم وشأنِ ربِّكم(5) ) ولكن ليس(6) في هذا توقيتُ ما يُنظر فيه مِنَ الأرحام بمدَّة .
-------------------------
(1) " المسند " 3/397 ، وإسناده ضعيف لضعف خصيف بن عبد الرحمان الجزري.
(2) عبارة : ( كل يوم ) سقطت من ( ص ) .
(3) آل عمران : 6 .
(4) الشورى : 49 .
(5) أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 8886 ) ، وأبو الشيخ في " العظمة " 2/478 ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/137 ، وإسناده ضعيف .
(6) في ( ص ) : ( وليس ) بإسقاط ( لكن ) .
● [ الصفحة التالية ] ●وقد رُوي عن جماعة من الصحابة أنَّ الكتابة تكون في الأربعين الثانية ، فخرج اللالكائي(1) بإسناده عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قالَ : إذا مكثتِ النطفة في رحِم المرأة أربعين ليلةً ، جاءها مَلَكٌ ، فاختلَجَها ، ثُمَّ عرجَ بها إلى الرَّحمان - عز وجل - ، فيقول : اخلُق يا أحسنَ الخالقين ، فيقضي الله فيها ما يشاءُ مِنْ أمره ، ثُمَّ تدفع إلى الملك عندَ ذَلِكَ ، فيقول : يا ربّ أسَقْطٌ أم تام ؟ فيبين له ، ثم يقول : يا ربِّ(2) أناقصُ الأجل أم تام الأجل ؟ فيبين له ، ويقول : يا ربِّ أواحد أم توأم ؟ فيبين له ، فيقول : يا ربّ أذكر أم أنثى(3) ؟ فيبين له ، ثم يقول : يا ربِّ ، أشقيٌّ أم سعيد ؟ فيبين له ، ثم يقول : يا ربِّ اقطع له رزقه ، فيقطع له رزقه مع أجله ، فيهبط بهما جميعاً . فوالذي نفسي بيده لا ينال من الدنيا إلا ما قسم له .
وخرَّج ابن أبي حاتم(4) بإسناده(5) عن أبي ذر ، قال : إنَّ المني يمكثُ في الرَّحم أربعينَ ليلةً ، فيأتيه مَلَكُ النُّفوس ، فيعرج به إلى الجبَّار - عز وجل - ، فيقول : يا ربّ أذكرٌ أم أنثى ؟ فيقضي الله - عز وجل - ما هو قاضٍ ، ثم يقول : يا ربّ ، أشقيٌّ أم سعيد ؟ فيكتب ما هو لاقٍ بين يديه ، ثم تلا أبو ذر من فاتحة سورة التغابن إلى قوله : { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ } (6) .
-------------------------
(1) في " أصول الاعتقاد " ( 1236 ) ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(2) يا رب ) لم ترد في ( ص ) .
(3) من قوله : ( فيبين له ، ويقول : يارب أواحد ... ) إلى هنا سقط من ( ص ) .
(4) في " تفسيره " ( 18902 ) .
وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 26489 ) ، وطبعة التركي 23/6 ، والفريابي في "القدر" ( 123 ) ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة .
(5) لم ترد في ( ص ) .
(6) التغابن : 3 .
● [ الصفحة التالية ] ●وهذا كله يوافق ما في حديث حذيفة بن أسيدٍ . وقد تقدم عن ابن عباس أنَّ كتابة الملَكِ تكونُ بعدَ نفخِ الروح بأربعين ليلة وأنَّ إسناده فيه نظر .
وقد جمع بعضُهم بين هذه الأحاديث والآثار ، وبينَ حديث ابن مسعود ، فأثبت الكتابة مرَّتين ، وقد يقال مع ذلك : إنَّ إحداهما في السماء والأخرى في بطن الأم، والأظهر - والله أعلم - أنَّها مرَّة واحدة ، ولعلَّ ذلك يختلف باختلاف الأجنَّة، فبعضهم يُكتب له ذلك بعد الأربعين الأولى ، وبعضهم بعد الأربعين الثالثة(1) .(2)
وقد يقال : إنَّ لفظة ( ثُمَّ ) في حديث ابن مسعود إنَّما أريد به ترتيب الإخبار ، لا ترتيب المخبر عنه في نفسه(3) ، والله أعلم .
-------------------------
(1) في ( ص ) : ( الثانية ) .
(2) انظر : فتح الباري 11/592 .
(3) انظر : فتح الباري 11/591 .
● [ الصفحة التالية ] ●ومن المتأخرين من رجَّح أنَّ الكتابة تكونُ في أوَّل الأربعين الثانية ، كما دلَّ عليه حديث حذيفة بن أسيد ، وقال : إنَّما أخر ذكرها في حديث ابن مسعود إلى ما بعد ذكر المضغة ، وإنْ ذكرت بلفظ ( ثم ) لئلا ينقطع ذكرُ الأطوار الثلاثة التي يتقلب فيها الجنين وهي كونه : نطفة وعلقة ومضغة ، فإنَّ ذكر هذه الثلاثة على نسق واحد أعجبُ وأحسنُ ، ولذلك أخَّر المعطوف عليها ، وإنْ كان المعطوف(1) متقدماً على بعضها في الترتيب(2) ، واستشهد لذلك بقوله تعالى : { وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ } (3) ، والمراد بالإنسان : آدم - عليه السلام -(4)، ومعلومٌ أنَّ تسويته ، ونفخ الرُّوح فيه، كان قبل(5) جعلِ نسلِهِ من سُلالة من ماء مهين ، لكن لما كان المقصود ذكر قدرة الله - عز وجل - في مبدأ خلق آدم وخلق نسله ، عطف أحدهما على الآخر ، وأخَّر ذكرَ تسوية آدم ونفخ الرُّوح فيه ، وإنْ(6) كان ذلك متوسطاً بين خلق آدم من طين وبين خلق نسله ، والله أعلم .
-------------------------
(1) سقطت من ( ص ) .
(2) في الترتيب ) سقطت من ( ص ) .
(3) السجدة : 7-9 .
(4) انظر : تفسير الطبري ( 21492 ) و( 21493 ) ، وتفسير البغوي 3/595 .
(5) سقطت من ( ص ) .
(6) من قوله : ( لما كان المقصود ذكر ... ) إلى هنا سقط من ( ص ).
● [ الصفحة التالية ] ●