من طرف الرسالة الأربعاء 27 يونيو 2018 - 9:32
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
من طاعون 1228 وحتى ختام الجزء الأول
{ احداث شهر جمادي الثانية سنة 1231 }
واستهل شهر جمادي الثانية
في منتصفه ورد الخبر بموت مصطفى بك دالي باشا بناحية الاسكندرية وهو قريب الباشا واخو زوجته
{ أحداث شهر رجب سنة 1231 }
واستهل شهر رجب الاصم بيوم الثلاثاء
في ثالثه يوم الخميس قبل الغروب حصل في الناس انزعاج ولغط ونقل اصحاب الحوانيت بضائعهم منها مثل سوق الغورية ومرجوش وخان الحمزاوي وخان الخليلي وغيرهم ولم يظهر لذلك سبب من الاسباب واصبح الناس مبهوتين ولغطوا بموت الباشا وحضر اغات الينكجرية واغات التبديل الى الغورية واقاما بطول النهار وهما يامران الناس بالسكون وفتح الدكاكين وكذلك علي اغا الوالي بباب زويلة واصبح يوم السبت فركب الباشا وخرج الى قبة العزب وعمل رماحة وملعبا ورجع الى شبرا وحضر كتخدا بك الى سوق الغورية وجلس بالمدفن وامر بضرب شيخ الغورية فبطحوه على الارض في وسط السوق وهو مرشوش بالماء وضربه الاتراك بعصيهم ثم رفعوه الى داره ثم امر الكتخدا بكتابة اصحاب الدكاكين الذين نقلوا متاعهم فشرعوا في ذلك وهرب الكثير منهم وحبسهم في داه ثم ركب الكتخدا ومر في طريقه على خان الحمزاوي وطلب البواب فلما مثل بين يديه امر بضربه كذلك وضرب ايضا شيخ مرجوش واما طائفة خان الخليلي ونصارى الحمزاوي فلم يتعرض لهم
{ أحداث شهر شعبان سنة 1231 }
واستهل شهر شعبان بيوم الخميس
فيه من الحوادث ان بعض العيارين من السراق تعدوا على قهوة الباشا بشبرا وسرقوا جميع ما بالنصبة من الاواني والبكارج والفناجين والظروف فأحضر الباشا بعض ارباب الدرك بتلك الناحية والزمه بإحضار السراق والمسروق ولايقبل له عذرا في التأخير ولو يصالح على نفسه بخزينة او اكثر من المال ولايكون غير ذلك ابدا والا نكل به نكالا عظيما وهو المأخوذ بذلك فترجى في طلب المهلة فأمهله اياما وحضر بخمسة اشخاص واحضروا المسروق بتمامه لم ينقص منه شئ وامر بالسراق فخوزقوهم في نواحي متفرقين بعد ان قرروهم على امثالهم وعرفوا عن اماكنهم وجمع منهم زيادة على الخمسين وشنق الجميع في نواح متفرقة بالاقاليم مثل القليوبية والغربية والمنوفية
وفي منتصفه يوم الجمعة الموافق لرابع مسرى القبطي اوفي النيل اذرعة وفتح سد الخليج يوم السبت
وفيه وقع من النوادر ان امرأة ولدت مولودا برأسين واربعة ايدي وله وجهان متقابلان والوجهان بكتفيهما مفروقان من حد الرأس وقيل لحد الصدر والبطن واحدة وثلاثة ارجل واحدى الارجل لها عشرة اصابع فيقال انه اقام يوما وليلة حيا ومات وشاهده خلق كثير وطلعوا به الى القلعة وراه كتخدا بك وكل من كان حاضرا بديوانه فسبحان الله الخلاق العظيم
{ أحداث شهر رمضان سنة 1231 }
واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة سنة 1231
حصل فيه من النوادر ان في تاسع عشره علق شخص عسكري غلاما من اولاد البلد وصار يتبعه في الطرقات الى ان صادفه ليلة بالقرب من جامع الماس بالشارع فقبض عليه واراد الفعل به في الطريق فخدعه الغلام وقال له ان كان لابد فادخل بنا في مكان لايرانا فيه احد من الناص فدخل معه درب حلب المعروف الان بدرب الحمام خير بك حديد وهناك دور الامراء التي صارت خرائب فحل العسكري سراويله فقال له الغلام ارني بتاعك فلعله يكون عظيما لا اتحمله جميعه وقبض عليه وكان بيده موسى مخفيه في يده الاخرى فقطع ذكره بتلك الموسى سريعا وسقط العسكري مغشيا عليه وتركه الغلام وذهب في طريقه وحضر رفقاء ذلك العسكري وحملوه واحضروا له سليما الجرائحي فقطع ما بقي من مذاكيره واخذ في معالجته ومداواته ولم يمت العسكري
{ أحداث شهر شوال سنة 1231 }
واستهل شهر شوال بيوم السبت
وكان حقه يوم الاحد وذلك ان اواخر رمضان حضر جماعة من دمنهور البحيرة واخبروا عن اهل دمنهور انهم صاموا يوم الخميس فطلب الباشا حضور من رأى الهلال تلك الليلة فحضر اثنان من العسكر وشهدا برؤيته ليلة الخميس فأثبتوا بذلك هلال رمضان ويكون تمامه يوم الجمعة واخبر جماعة ايضا انهم راوا هلال شوال ليلة السبت وكان قوسه في حساب قواعد الاهلة تلك الليلة قليلا جدا ولم ير في ثاني ليلة منه الا بعسر وانما اشتبه على الرائين لان المريخ كان مقارنا للزهرة في برج الشمس من خلفها وبينهما وبين الشمس رؤيا بعدها في شعاع الشمس شبه الهلال فظن الراؤن انه الهلال فلينتبه لذلك فإن ذلك من الدقائق التي تخفي على أهل الفطانة فضلا عن غيرهم من العوام الذين يسارعون الى افساد العبادات حسبه بالظنون الكاذبة لاجل ان يقال شهد فلان ونحو ذلك
وفي اواخره قلد الباشا شخصا من اقاربه يسمى شريف اغا على دواوين المبتدعات وضم اليه جماعة من الكتبة ايضا المسلمين والاقباط وجعلوا ديوانهم ببيت ابي الشوارب وعمروه عمارة عظيمة وواظبوا الجلوس فيه كل يوم التحرير والمبتدعات ودفاتر المكوس
{ أحداث شهر ذي القعدة سنة 1231 }
واستهل شهر ذي القعدة
فيه انهدم جنب من السواقي التي انشأها الباشا بشبرا على حين غفلة وقد قوي عليها النيل فتهدمت وتكسرت اخشابها وسقط معها اشخاص كانوا حولها فنجا منهم من نجا وغرق منهم من غرق وكان الباشا بصر شبرا مقيما به وهو يرى ذلك وانقضت السنة واخبار بعض حوادثها واستمرار ما تجدد فيها من المبتدعات التي لا حصر لها
ومنها الحجر على المزارع التي يزرعها الفلاحون في الاراضي التي يدفعون خراجها من الكتاب والسمسم والعصفر والنيلة والقطن والقرطم واذا بدا صلاحه لايبيعون منه شيئا كعادتهم وانما يشتريه الباشا بالثمن الذي يفرضه ويقدره على يد امناء النواحي والكشاف ويحملونه الى المحل الذي يؤمرون بحمله اليه ويعطى لهم الثمن او يحسب لهم من اصل المال فان احتاجوا الشئ من ذلك اشتروه بالثمن الزائد المفروض وكذلك القمح والفول والشعير لايبيعون منه شيئا لغير طرف الباشا بالثمن المفروض والكيل الوافي
ومنها الامر لكشاف الاقاليم بالمناداة العامة بالمنع لمن يأخذ او يأكل من الفول الاخضر والحمص والحلبة وان المعينين في الخدم والمباشرين وكشاف النواحي لايأخذون شيئا من الفلاحين كعادتهم من غير ثمن فمن عثر عليه بأخذ شئ ولو رغيفا او تبنا او من رجيع البهائم حصل له مزيد الضرر ولو كان من الاعاظم وكذلك الامر بتكميم افواه المواشي التي تسرح للمرعى حوالي الجسور والغيطان
ومنها ان نصرانيا من الارمن التزم بقلم الأبراز التي تأتي من بلاد الصعيد مثل الحبة السوداء والشمر والانيسون والكمون والكراويا ونحو ذلك
بقدر كبير من الاكياس ويتولى هو شراءها دون غيره ويبيعها بالثمن الذي يفرضه ومقدار ما التزم بدفعه من الاكياس للخزينة على ما بلغنا خمسمائة كيس وكانت في ايام الامراء المصريين عشرة اكياس لاغير فلما تولى على وكالة دار السعادة صالح بك المحمدي زادها عشرة اكياس وكانت وكالة الابزار والقطن وقفا لمصطفى اغا دار السعادة سابقا على خيرات الحرمين وخلافهما فلما كانت هذه الدولة تولاها شخص على مائتي كيس وعند ذلك سعر الابزار اضعاف الثمن الاصلي ومن داخل الابزار الثمر الابريمي والسلطاني والخوص والمقاطف والسلب والليف وبلغ سعر المقفطف الذي يسع الكيلة من البر خمسة وعشرين نصفا وكان يباع بنصف او نصفين ان كان جيدا وفي الجملة بأقل من ذلك
ومنها ان كرابيت معلم ديوان الكمرك ببولاق التزم بمشيخة الحمامية واحدث عليها وعلى توابعها حوادث وعلى النساء البلانات في كل جمعة قدرا من الدراهم وجعل لنفسه يوما في كل جمعة يأخذ ايراده من كل حمام
ومنها ما حصل في هذه السنة من شحة الصابون وعدم وجوده بالاسواق ومع السراحين وهو شئ لايستغنى عنه الغني ولا الفقير وذلك ان تجارة بوكالة الصابون زادوا في ثمنه محتجين بما عليهم من المغارم والرواتب لاهل الربح فيأمر الكتخدا فيه بأمر وبسعر بثمن فيدعون الخسران وعدم الربح وتكرر الحال فيه المرة بعد المرة ويشتكون من قلة المجلوب الى ان سعر رطله بستة وثلاثين نصفا فلم يرتضوا ذلك وبالغوا في التشكي فطلب قوائمهم وعمل حسابهم وزادهم خسمة انصاف في كل رطل وحلف ان لا يزيد على ذلك وهم مصممون على دعوى الخسران فأرسل من اتباعه شخصا تركيا لباشرة البيع وعدم الزيادة فيأتي الى الخان في كل يوم يباشر البيع على من يشترى بذلك الثمن لاربابه ويمكث مقدار ساعتين من النهار ويغلق الحواصل ويرفع البيع لثاني يوم وفي ظرف هاتين الساعتين تزدحم العسكر على الشراء ولايتمكن خلافهم من اهل البلد من اخذ شئ وتخرج العسكر فيبيعون من الذي اشتروه على الناس بزيادة فاحشة فيأخذ الرطل بقرش ويبيعه على غيره بقرشين ورفع التشكي الى كتخدا فامر ببيعه عند باب زويلة في السبلين المواجه احدهما للباب والسبيل الذي انشأته الست نفيسة المرادية عند الخان تجاه الجامع المؤدي ليسهل على العامة تحصيله وشراؤه فلم يزداد الحال الا عسرا وذلك ان البائع يجلس داخل السبيل ويغلق عليه بابه ويتناول من خروق الشبابيك من المشتري الثمن ويناوله الصابون فازدحمت طوائف العساكر على الشراء ويتعلقون بأيديهم وارجلهم على شبابيك السبيلين والعامة اسفلهم لايتمكنون من اخذ شئ ويمنعون من يزاحمهم فيكون على السبيلين ضجة وصياح من الفريقين فلا يسع ابن البلد الفقير المضطر الا ان يشترى من العسكري بما احب والا رجع الى منزله من غير شئ واستمر الحال على هذا المنوال اياما وفي بعض الاحاجيين يكثر من وجود الصابون بين ايدي الباعة بوسط السوق ولاتجد عليه مزاحمة وامام البائع كوم عظيم وهو ينتظر من يشتري وذلك في غالب الاسواق مثل الغورية والاشرفية وباب زويلة والبندقانيين والجهات الخارجة ثم يصبحون فلا يوجد منه شئ ويرجع الازدحام على السبيلين كالاول
ومنها ان الباشا اطلق المناداة في البلدة وندب جماعة من المهندسين والمباشرين للكشف على الدور والمساكن فان وجدوا به او ببعضه خلالا امروا صاحبه بهدمه وتعميرة فان كان يعجز عن ذلك فيؤمر بالخروج منها واخلائها ويعاد بناؤها على طرف الميري وتصير من حقوق الدولة وسبب هذه النكتة انه بلغ الباشا سقوط دار بعض الجهات ومات تحت ردمها ثلاثة اشخاص من سكانها فأمر بالمناداة وارسل المهندسين والامر بما ذكر فنزل بأهالي البلد من الكرب امر عظيم مع ماهم فيه من الافلاس وقطع الايراد وغلوا الاسعار على ان من كان له نوع مقدرة على الهدم والبناء لايوجد من ادواته شيئا بحسب التحجير الواقع على ارباب الاشغال واستعمال الجميع في عمائر الباشا واكابر الدولة حتى ان الانسان اذا احتاج لبناء كانون لايجد من يبنيه ولايقدر على تحصيل صانع اوفاعل او اخذ شئ من رماد الحمام الا بفرمان ومن حصل شيئا من ذلك على طريق السرقة في غفلة وعثر عليه نكلوا به وبرئيس الحمام وحمير الباشا وهي ازيد من الفي حمار تنقل بالمزابل والسرقانيات طول النهار ما يوجد بالحمامات من الرماد وتنقل ايضا الطوب والدبش والاتربة وانقاض البيوت المنهدمة لمحل العمائر بالقلعة وغيرها فترى الاسواق والعطف مزدحمة بقطارات الحمير الذاهبة والراجعة واذا هدم انسان داره التي امروه بهدمها وصل اليه في الحال قطار من الحمير لاخذ الطوب الذي يتساقط الا ان يكون من اهل القدرة على منعهم وربما كان هذه الاوامر حيلة على اخذ الانقاض واما الاتربة فتبقى بحالها حتى في طرق المارة للعجز عن نقلها فترى غالب الطرق والنواحي مردومه بالاتربة واما الهدم ونقل الانقاض من البيوت الكبار والدور الواسعة التي كانت مساكن الامراء المصريين بكل ناحية وخصوصا بركة الفيل وجهة الحبانية فهو مستمر حتى بقيت خرابا ودعائم قائمة وكيمان هائلة واختلطت بها الطرق واصبحت موحشة ولا مارى بها حتى لليوم بعد ان كانت مراتع غزلان فكنت كلما رأيتها اتذكر قول القائل
هذي منازل اقوام عهدتهم ● في خفض عيش نعيم ما له خطر
صاحت بهم نوب الايام فارتحلوا ● الى القبور فلا عين ولا اثر
وكذلك بولاق كانت منتزه الرفاق فإنه تسلط عليها سليمان اغا السلحدار واسمعيل باشا في الهدم واخذ انقاض الابنية ببر انبابه والجزيزة الوسطى بين انبابة وبولاق فأن سليمان آنما أنشأ ستانا كبير بين إبنابة وسوره وبنى به قصراوسواقي واخذ يهدم ابنية بولاق من الوكائل والدور وينقل احجارها وانقاضها في المراكب ليلا ونهارا الى البر الاخر واسماعيل باشا كذلك انشا بستانا وقصرا بالجزيرة وشرع ايضا في اتساع سرايته ومحل سكنه ببولاق واخذ الدور والمساكن والوكائل من حد الشون القديم الى اخر وكالة الابزار العظيمة طولا فيهدمون الدور وغيرها من غير مانع ولا شافع وينقلون الانقاض الى محل البناء وكذلك ولي خوجة شرع في بناء قصر بالروضة ببستان فهو الاخر يهدم مايهدمه من مصر القديمة وينقل انقاضه لبنائه وهلك قبل اتمامه واما نصارى الارمن وما ادراك ما الارمن الذين هم اخصاء الدولة الان فانهم انشؤا دورا وقصورا وبساتين بمصر القديمة لكنهم فهم يهدمون ايضا وينقلون لابنيتهم ما شاؤا ولا حرج عمليهم وانما الحرج والمنع والحجر والهدم على المسلمين من اهل البلدة فقط
ومنها ان الباشا امر ببناء مساكن للعسكر الذين اخرجهم من مصر بالاقاليم يسمونها القشلات بكل جهة من اقاليم الارياف لسكن العساكر المقيمين بالنواحي لتضررهم من الاقامة الطويلة بالخيام في الحر والبرد واحتياج الخيام في كل حين الى تجديد وترقيع وكثير خدمة وهي جمع قشلة بكسر القاف وسكون الشين وهي في اللغة التركية المكان الشتوي لان الشتاء في لغتهم يسمى قش بكسر القاف وسكون الشين فكتب مراسيم الى النواحي بسائر القرى بالامر لهم بعمل الطوب اللبن ثم حرقه وحملة الى محل البناء وفرضوا على كل بلد وقرية فرضا وعددا معينا فيفرض على القرية مثلا خمسمائة الف لبنة واكثر بحسب كبر القرية وصغرها فيجمع كاشف الناحية مشايخ القرى ثم يفرض على كل شيخ قدرا وعددا من اللبن عشرين الفا او ثلاثين الفا او اكثر او اقل ويلزم بضربها وحرقها ورفعها واجلهم مدة ثلاثين يوما وفرضوا على كل قرية ايضا مقادير من افلاق النخل ومقادير من الجريد ثم فرضوا عليهم ايضا شخاصا من الرجال لمحل الاشغال والعمائر يستعملونهم في فعالة نقل ادوات العمارة في النواحي حتى الاسكندرية وخلافها ولهم اجرة اعمالهم في كل يوم لكل شخص سبعة انصاف فضة لاغير ولمن يعلم اللبن اجرة ايضا والثمن الافلاق والجريد قدر معلوم لكنه قليل
ومنها انه توجه الامر لكشاف النواحي عند انكشاف الماء عن الاراضي بأن يتقدموا الى الفلاحين بأن من كان زارعا في العام الماضي فداني كنان اوحمص او سمسم او قطن فليزرع في هذه السنة اربعة افدنة ضعف ما تقدم لان المزارعين عزموا على عدم زراعة هذه الاشياء لما حصل لهم من اخذ ثمرات متاعهم وزراعاتهم التي دفعوا خراجها الزائد بدون القيمة التي كانوا يبيعون بها مع قلة الخراج الذي كانوا يماطلون فيه الملتزمين السابقين مع التظلم والتشكي فيزرع الزارع ما يزرعه من هذه الاشياء من التقاوي المتروكة في مخزنه ثم يبيع الفدان من الكتان الاخضر في غيطه ان كان مستعجلا بالثمن الكثير والا ابقاه الى تمام صلاحه فيجمعه ويدقه ويبيع ما يبيعه من البزر خاصة بأغلى ثمن ثم يتمم خدمته من التعطين والنشر والتمحير الى ان يصفى وينظف من ادرانه وخشوناته وينصلح للغزل والنسج فيباع حينئذ بالاوقية والرطل وكذا القطن والنيلة والعصفر فلما وقع عليهم التحجير وحرموا من المكاسب التي كانوا يتوسعون بها في معايشهم باقتناء المواشي والحلي للنساء قالوا ما عدنا نزرع هذه الاشياء وظنوا ان يتركوا على هواهم ونسوا مكر اوليائهم فنزل عليهم الامر والالزام بزرع الضعف فضجوا وترجوا واستشفعوا ورضوا بمقدار العام الماضي فمنهم من سومح ومنهم من لم يسامح وهو ذو المقدرة وبعد اتمامه وكمال صلحه يؤخذ بالثمن المفروض على طرف الميري ويباع لمن يشتري من اربابه او خلافهم بالثمن المقدر وربح زيادته لطرف حضرة الباشا مع التضييق والحجر البليغ والفحص عن الاختلاس فمن عثروا عليه باختلاس شئ ولو قليلا عوقب عقابا شديدا ليرتدع خلافه والكتبة والموظفون لتحرير كل صنف ووزنه وضبطه في تنقلات اطواره وعند تسليم الصناع ونتج من ذلك واثمر عزة الاشياء وغلو الاسعار على الناس منها ان المقطع القماش الذي كان ثمنه ثلاثين نصفا بلغ سعره عشرة قروش مع عزة وجدانه بالاسواق المعدة لبيعه مثل سوق مرجوش وخلافه خلا الطوافين به والثوب البطانة الذي كان ثمنه قرشين بلغ ثمنه سبعة قروش وادركناه في الازمان السابقة ويباع بعشرين نصفا وبلغ ثمن الثوب من البفتة المحلاوي اربعة عشر قرشا وكان يباع فيما ادركنا بدكان التاجر بستين نصفا وقس على ذلك وبسبب التحجير على النيلة غلا صبغ ثياب الفقراء حتى بلغ صبغ الذراع الواحد نصف قرش والله يلطف بحال خلقه ومادام توزون له امرأة مطاعة فالميل في الجمر
ومنها استمر التحجير على الارز ومزارعه على مثل هذا النسق بحيث ان الزراعين له التعبانين فيه لايمكنون من اخذ حبة منه فيؤخذ باجمعه لطرف الباشا بما قدره من الثمن ثم يخدم ويضرب ويبيض في المداوير والمدقات والمناشر بأجرة العمال على طرفه ثم يباع بالثمن المفروض واتفق ان شخصا من ابناء البلد يسمى حسين جلبي عجوة ابتكر بفكره صورة دائرة وهي التي يدقون بها الارز وعمل لها مثالا من الصفيح تدور بأسهل طريقة بحيث ان الالة المعتادة اذا كانت تدور بأربعة اثوار فيدير هذه ثوران وقدم ذلك المثال الى الباشا فأعجبه وانعم عليه بدراهم وامره بالمسير الى دمياط ويبني بها دائرة ويهندسها برأيه ومعرفته واعطاه مرسوما بما يحتاجه من الاخشاب والحديد والمصرف ففعل وصح قوله ثم فعل اخرى برشيد وراج امره بسبب ذلك
ومنها ان الباشا لما رأى هذه النكتة من حسين شلبي هذه قال ان في اولاد مصر نجابة وقابلية للمعارف فأمر ببناء مكتب بحوش السراية ويرتب فيه جملة من اولاد البلد ومماليك الباشا وجعل معلمهم حسن افندي المعروف بالدرويش الموصلي يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات والارتفاعات واستخراج المجهولات مع مشاركة شخص رومي يقال له روح الدين افندي بل واشخاص من الافرنج واحضر لهم الات هندسية متنوعه من اشغال الانكليز يأخذون بها الابعاد والارتفاعات والمساحة ورتب له شهريات وكساوي في السنة واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب وسموه مهندس خانة في كل يوم من الصباح الى بعد الظهيرة ثم ينزلون الى بيوتهم ويخرجون في بعض الايام الى الخلاء لتعليم مساحات الاراضي وقياساتها بالاقصاب وهو الغرض المقصود للباشا
ومنها استمرار الانشاء في السفن الكبار والصغار لنقل الغلال من قبلي وبحري لناحية الاسكندرية لتباع على الافرنج من سائر اصناف الحبوب فيشحنون السفن من سواحل البلاد القبلية وتأتي الى ساحل بولاق ومصر القديمة فيصبونها كيمانا هائلة عظيمة صاعدة في الهواء فتصل المراكب البحرية لنقلها فتصبح ولا يبقى شئ منها ويأتي غيرها وتعود كما كانت بالامس ومثل ذلك ساحل رشيد واما الحبوب البحرية فإنها لاتاتي الى هذه السواحل بل تذهب من سواحلها الى حيث هي برشيد ثم الى الاسكندرية ولما بطل البغاز جمعوا الحمير الكثيرة والجمال ينقلون عليها على طريق البر بالاجرة القليلة فكانت تموت من قلة العلف ومشقة الطريق وتوسق بها السفن الواصلة بالطلب الى بلاد الافرنج بالثمن عن كل اردب من البر ستة الاف فضة واما الفول والشعير والحلبة والذرة وغيرها من الحبوب والادهان فأسعارها مختلفة ويعوض بالبضائع والنقود من الفرانسة معبأة في صناديق صغيرة تحمل الثلاثة منها على بعير الى الخزينة وهي مصفحة بالحديد يمرون بها قطارات الى القلعة وعند قلة الغلال ومضى وقت الحصاد يتقدم الى كشاف النواحي القبلية البحرية بفرض مقادير من الغلال على البلدان والقرى فيلزمون مشايخ البلدان بما تقرر على كل بلد من القمح والفول والذرة ليجمعوه ويحصلوه من الفلاحين وهم ايضا يعملون بفلاحي بلادهم ما يعملون بجورهم واغراضهم ويأخذون الاقوات المدخرة للعيال وذلك بالثمن عن كل اردب من البر ثمانية ريالات يعطى له نصفها ويبقى له النصف الثاني ليحسب له من اصل المال الذي سيطالب به العام القابل
ومنها ان الباشا سنح له ان ينشئ بالمحل المعروف برأس الوادي بشرقية بلبيس سواقي وعمارات ومزارع واشجار توت وزيتون فذهب هناك وكشف عن اراضيه فوجدها متسعة وخالية من المزارع وهي اراضي رمال واودية فوكل اناسا لاصلاحها وتمهيدها وان يحفروا بها جملة من السواقي تزيد عن الالف ساقية ويبنوا ابنية ومساكن ويزرعوا اشجار التوت لتربية دود القز واشجارا كثيرة من الزيتون لعمل الصابون وشرعوا في العمل والحفر والبناء وفي انشاء توابيت خشب للسواقي تصنع ببيت الحبجي بالتبانة وتحمل على الجمال الى رأس الوادي شيئا بعد شئ وامر ايضا ببناء جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية وان يعمل مصبنة لصناعة الصابون وطبخه مثل الذي يصنع ببلاد الشام وتوكل بذلك السيد احمد بن يوسف فخر الدين وعمل به احواضا كبيرة للزيت والقلي
ومن المتجددات ايضا محل بخطة تحت الربع يعمل به وتسبك اوان ودسوت من النحاس في غاية الكبر والعظم
ومنها شغل البارود وصناعته بالمكان والصناع المعدة لذلك بجزيرة الروضة بالقرب من المقياس بعد ان يستخرجوه من كيمان السباخ في احواض مبنية ومخفقة ثم يكررونه بالطبخ حتى يكون ملحه غاية في البياض والحدة كالذي يجلب من بلاد الانكليز والمتقيد كبيرا على صناعة شخص افرنكي ولهم معاليم تصرف في كل شهر ومكان ايضا بالقلعة عند باب الينكرجية لسبك المدافع وعملها وقياساتها وهندستها والبنبات وارتفاعها ومقاديرها وسمي ذلك المكان الطبخانة وعليه رئيس وكتبة وصناع وله شهريات
ومنها شدة رغبة الباشا في تحصيل الاموال وزيادة من ذلك من أي طريق بعد استيلائه على البلاد والاقطاعات والرزق الاحباسية وابطال الفراغ والبيع والشراء والمحلول عن الموتى من ذلك والعلوفات وغلال الانبار ونحو ذلك فكل من مات عن حصته او رزقته او مرتب الحل بموته ما كان على اسمه وضبطه واضيف الى ديوانه ولو له اولادا وكان هو كتبه باسم اولاده وماتت اولاده قبله انحل عنه واصبح هو واولاده من غير شئ فإن عرض حاله على الباشا امر بالكشف عن ايراده فان وجدوا بالدفاتر جهة او وظيفة اخرى قيل له هذه تكفيك وان لم يوجد في حوزه خلافها امر له بشئ يستغله من اقلام المكوس اما قرش او نصف قرش في كل يوم او نحو ذلك هذا مع التفاته ورغبته في انواع النجارات والشركات وانشاء السفن ببحر الروم والقلزم واقام له وكلاء بسائر الاساكل حتى ببلاد فرانسة والانكليز ومالطة وازمير وتونس والنابلطان والونديك والبنادقة واليمن والهند واعطى اناسا جملا عظيمة من اموال يسافرون بها ويجلبون البضائع وجعل لهم الثلث في الربح في نظير سفرهم وخدمتهم فمن ذلك انه اعطى للرئيس حسن المحروقي خمسمائة الف فرانسة يسافر بها الى الهند ويشتري البضائع الهندية ويأتي بها الى مصر ولشخص نصراني ايضا ستمائة الف فرانسة وكذلك لمن يذهب الى بيروت وبلاد الشام لمشترى القز والحرير وغير ذلك وعمل بمصر اماكن ومصانع لنسج القطاني التي يتخذها الناس في ملابسهم من القطن والحرير وكذلك الجنفس والصندل واحتكر ذلك بأجمعه وابطل دواليب الصناع لذلك ومعلميهم واقامهم يشتغلون وينسجون في المناسج التي احدثها بالاجرة وابطل مكاسبهم ايضا وطرائقهم التي كانوا عليها فياخذ من ذلك ما يحتاجه في اليكات والكساوي وما زاد يرميه على التجار وهم يبيعونه على الناس باغلى ثمن وبلغ ثمن الدرهم من الحرير خمسة وعشرين نصفا بعد ان كان يباع بنصفين
ومنها انه ابطل ديوان المنجرة وهي عبارة عما يؤخذ من المعاشات وهي المراكب التي تغدو وتروح لموارد الارياف مثل شيبين الكوم وسمنود والبلاد البحرية وعليها ضرائب وفرائض للملتزم بذلك وهو شخص يسمى عليا الجزار وسبب ذلك ان معظم المراكب التي تصعد ببحر النيل وتنحدر ومن انشاء الباشا ولم يبق لغيره الا القليل جدا والعمل والانشاء بالترسخانة مستمر على الدوام والرؤساء والملاحون يخدمون فيها بالاجرة وعمارة خللها واحبالها وجميع احتياجاتها على طرف الترسخانة ولذلك مباشرون وكتاب وامناء يكتبون ويقيدون الصادر والوارد وهذه الترسخانة بساحل بولاق بها الاخشاب الكثيرة والمتنوعة ويصلح للعمائر والمراكب ويأتي اليها المجلوب من البلاد الرومية والشامية فاذا ورد شئ من انواع الاخشاب سمحو للخشابة بشئ يسير منها بالثمن الزائد ورفع الباقي الى الترسخانة وجميع الاخشاب الواردة والاحطاب جميعها في متاجر الباشا وليس لتجارها الا ماكان من داخل متاجره وهو القليل
ومن النوادر انه وصل من بلاد الانكليز سواقي بالات الحديد تدور بالماء فلم يستقم لها دوران على بحر النيل
ومنها انه انشا جسرا ممتدا من ناحية قنطرة الليمون على يمنه السالك الى طريق بولاق متصلا الى شبرا على خط مستقيم وزرعوا بحافتيه اشجار التوت وعلى هذا النسق جسور بطرق الارياف والاقاليم
ومنها ان اللحم قل وجوده من اول شهر رجب الى غاية السنة وغلا سعره مع رداءته وهزاله حتى بيع الرطل بعشرين نصفا وازيد واقل مع مافيه من العظام واجزاء السقط والشغت وسبب ذلك رواتب الدولة واخذها بالثمن القليل فيستعوض الجزارون خسارتهم من الناس وكان البعض من العسكر يشتري الاغنام ويذبحها ويبيعها بالثمن الغالي وينقص الوزن ولايقدر ابن البلد على مراجعته
ومنها ان ابراهيم اغا الذي كان كتخدا ابراهيم باشا قلده الباشا كشوفية المنوفية فمن افاعيله انه يطلب مشايخ البلدة او القرية فيسأل الشخص منهم على من شيخه فيقول استاذ البلدة فيقول له في أي وقت فيقول سنة كذا فيقول وما الذي قدمته له في شياختك ويهدده او يحبسه على الانكار او يخبر من بادئ الامر ويقول اعطيته كذا وكذا اما دارهم او اغناما فيأمر الكاتب بتقييده وتحريره وضبطه على الملتزم وسطر بذلك دفترا وارسله الى الديوان ليخصم على الملتزمين من فائظهم المحرر لهم بالديوان فيتفق ان المحرر عليه يزيد على القدر المطلوب له فيطالب بالباقي او يخصم عليه من السنة القابلة
ومنها التحجير على القصب الفارسي فلا يتمكن احد من شراء شئ منه ولو قصبة واحدة الا بمرسوم من كتخدا بك فمن احتاج منه في عمارة او شباك او لدوارت الحرير او اقصاب الدخان اخذ فرمانا بقدر احتياجه واحتاج الى وسائط ومعالجات واحتجاجات حتى يظفر بمطلوبه
ومنها وهي من محاسن الافعال ان الباشا اعمل همته في اعادة السد الاعظم الممتد الموصل الى الاسكندرية وقد كان اتسع امره وتخرب من مدة سنين وزحف منه ماء البحر المالح واتلف اراضي كثيرة وخربت منه قرى ومزارع وتعطلت بسببه الطرق والمسالك وعجزت الدول في امره ولم يزل يتزايد في التهور وزحف المياه المالحة على الاراضي حتى وصلت الى خليج الاشرفية التي يمتلئ منها صهاريج الثغر فكانوا يجسرون عليه بالاتربة والطين فلما اعتنى الباشا بتعمير الاسكندرية وتشييد اركانها وابراجها وتحصينها ولم تزل بها العمارات اعتنى ايضا بأمر الجسر وارسل اليه المباشرين والقومة والرجال والفعلة والنجارين والبنائين والمسامير والات الحديد والاحجار والمؤن والاخشاب العظيمة والسهوم والبراطيم حتى تممه وكان له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الازمان فلو وفقه الله لشئ من العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة لكان اعجوبة زمانه وفريد اوانه واما امر المعاملة فلم يزل حاله في التزايد حتى وصل صرف الريال الفرانسة الى تسعة قروش وهو اربعة امثال الريال المتعارف ولما بطل ضرب القروش من العام الماضي ضربوا بدلها انصاف قروش وارباعها واثمانها وتصرف بالفرط والانصاف العددية لاوجود لها بأيدي الناس الا ما قل جدا فإذا اراد انسان منها دفع في ابدالها عشرة قروش عنها اربعمائة نصف فضة زيادة على المبدل ان كان ذهبا او فرانسة او قروشا ووصل صرف البندقي الى ثمانمائة نصف والمجر ثمانية عشر قرشا والمحبوب المصري الى اربعمائة والاسلامبولي الى اربعمائة وثمانين كل ذلك اسماء لا مسميات لانعدام الانصاف مع انه يضرب منها المقادير والقناطير يأخذها التجار الشاميون والروميون بالفرط ثم يرسلونها متاجرة بدلا عن البضائع لان الريال في تلك البلاد صرفه ثلثمائة نصف فقط فيكون فيه من الربح ستون نصفا في كل ريال ولما علم الباشا ذلك جعل يرسل لوكلائه بالشام في كل شهر الف كيس من الفضة العددية ويأتيه بدلها فرانسة فيضيف عليها ثلاثة امثالها نحاسا ويضربها فضة عددية فيربح فيها ربحا بدون حاء عظيما وهكذا من هذا الباب فقط
ومن حوادث السنة الافاقية واقعة الانكليز مع اهل الجزائر وهو ان لاهل الجزائر صولة واستعداد وغزوات في البحر ويغزون مراكب الافرنج ويغتنمون منها غنائم ويأخذون منهم اسرى وتحت ايديهم من اسارى الانكليز وغيرهم شئ كثير ومينتهم حصينة يدور بها سور خارج في البحر كنصف الدائرة في غاية الضخامة والمتانة ذو ابراج مشحونة بالمدافع والقنابر والمرابطين والمحاربين ومراكبهم من داخله فوصل اليهم بعض مراكب الانكليز ومعهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا اسارهم بمال فاعطوهم ما يزيد عن الالف اسير ودفعوا عن كل رأس اسير مائة وخمسين فرانسا ورجعوا من حيث اتوا وبعد مدة وصل منهم بعض سفائن الى خارج المينا رافعين اعلام السلم والصلح فعبروا داخل المينا من غير ممانع ونزل منهم انفار في فلوكة وبيدهم مرسوم بطلب باقي الاسرى فامتنع حاكمهم من ذللك وترددوا في المخاطبات وفي اثناء ذلك وصلت عدة مراكب من مراكبهم وشلنبات وهي المراكب الصغار المعدة للحرب وعبروا مع مساعدة الريح الى المينا واثاروا الحرب والضراب بطرائقهم المستحدثه فأحرقوا مراكب اهل الجزائر مع المضاربة ايضا من اهل المدينة مع تأخر استعدادهم وسرعة استعداد الخصم ومدافع الابراج الداخلة لا تصيب الشلنبات الصغيرة المتسفلة وهم لايخطؤن ثم هم في شدة الغارة والحرب اذا قيل للحاكم بأن عساكره الاتراك تركوا المحاربة واشتغلوا بنهب البلدة واحراق الدور فقط في يده واحتار في امره ما بين قتال العدو الواصل او قتال عسكره ومنعهم وكفهم عن النهب والاحراق والفساد وهذا شأنهم فلم يسعه الا خفض الاعلام وطلب الامان من الانكليز فعند ذلك ابطلوا الحرب وكفوا عن الضراب وترددوا في الصلح على شرائطهم التي منها تسليم بواقي الاسرى واسترداد المال الذي سلموه في الفداء السابق حالا من غير مهلة فكان ذلك وتسلموا الاسرى وفيهم من كان صغيرا واسلم وقرا القرآن واتفقوا على المتاركة والمهلة زمنا مقداره ستة اشهر ورجعوا الى بلادهم بالظفر والاسرى والامر لله وحده ثم ان الجزائرلية اجتهدوا في تعمير ما تهدم وتخرب من السور والابراج والجامع في الحرب وكذلك ما اخربه عساكرهم الذين هم اعدى من الاعداء واضر ما يكون على الاسلام واهله وصارت الاخبار بذلك في الافاق وامدهم سلطان المغرب مولاي سليمان وبعث اليهم مراكب عوضا عن الذي تلف من مراكبهم فأرسل اليهم معمرين وادوات ولوازم عمارات وكذلك حاكم تونس وغيرها ومن السلطان العثماني ايضا ولم يتفق فيما نعلم لاهل الجزائر مثل هذه الحادثة الهائلة ولا اشنع منها وكانت هذه الواقعة غرة شهر شوال من السنة وهو يوم عيد الفطر وكان عيدا عليهم في غاية الشناعة ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة