من طرف الرسالة الخميس 26 أبريل 2018 - 10:05
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ تابع أحداث شهر صفر سنة 1222}
وفي يوم الأحد سابع عشره وصل ياسين بك الى ناحية طراوحضر ابوه الى مصر ودخل كثير من اتباعه الى المدينة وهم لابسون زي المماليك المصرية
وفيه دفنوا رؤوس القتلى من الانكليز وكانوا قطعوا اذانهم ودبغوها وملحوها ليرسلوها الى اسلامبول
وفيه ارسل الباشا فسيالا كبيرا من الإنكليز الى الإسكندرية بدلا عن ابن اخي عمر بك وقد كان المذكور سافر الى الإسكندرية قبل الحادثة ليذهب الى بلاده بما معه من الأموال فعوقه الإنكليز فأرسلوا هذا الفسيال ليرسلوا بدله ابن اخي عمر بك
وفي يوم الاثنين ثامن عشره وصلت خيام ياسين بك وحملاته ونصبوا وطاقة جهة شبرا ومينة السيرج
وفي سادس عشرينه وصل ياسين بك المذكور وصحبته سليمان أغا صالح وكيل دار السعادة سابقا وهو الذي كان باسلامبول وحضر بصحبته القبودان في الحادثة السابقة وتأخر عنه واستمر مع الألفي ثم مع امرائه بعد موته وكان الباشا قد ارسل له يستدعيه بأمان فأجاب الى الحضور بشرط أن يجري عليه الباشا مرتبة بالضربخانه وقدر ذلك ألف درهم في كل يوم فأجابه الى ذلك وحضر صحبته ياسين بك وقابلا الباشا وخلع عليهما خلعتي سمور ونزلا وركبا ولعبا مع اجنادهما بوسط البركة بالرماح وظهر من حسن رماحة سليمان أغا ما اعجب الباشا ومن حوله من الأتراك بل اصابوه باعينهم لأنه بعد انقضاء ذلك سار مع ياسين بك الى ناحية بولاق يترامحون ويتلاعبون فأخرج طبنجته بيده اليمنى والرمح في يده اليسرى وكان زنادها مرفوعا فانطلقت رصاصاتها وخرقت كفة اليسار القابض به على سرع الجواد ونفدت من الجهة الأخرى فرجع الى داره بجراحته واذن له برد حملته وذهب ياسين بك الى بولاق فبات بها في دار حسن الطويل بساحل النيل
وفيه سافر المتسفر بآذان قتلى الإنكليز وقد وضعوها في صندوق وسافر بها على طريق الشام وصحبته أيضا شخصان من اسرى فسيالات الإنكليز وكتبوا عرضا بصورة الحال من انشاء السيد اسمعيل الخشاب وبالغوافية
وفيه حضر اسمعيل كاشف الطوبجي من ناحية بحرى ليقضي بعض الأغراض ثم يعود
وفي يوم الخميس ثامن عشرينه سافر عمر بك تابع عثمان بك الأشقر وعلي كاشف بن احمد كتخدا الى ناحية القليوبية لأجل القبض على ايوب فوده بسبب رجل يسمى زغلول ينسب اليه بأنه يقطع الطريق على المسافرين في البحر وكلما مرت بناحية مركب حاربها ونهب ما فيها من الضائع التجار واموالهم او انهم يفتدون انفسهم منه بما يرضيه من المال فكثر تشكي الناس منه فيرسلون الى ايوب فودة كبير الناحية فيتبرا منه فلما زاد الحال عينوا من ذكر للقبض عليه وقتله فبلغه الخبر فهرب من بلده ابناس فلما وصلوا الى محله فلم يجدوه فأحاطوا بموجوداته وغلاله وبهائمة وماله من المواشي والودائع بالبلاد فلما جرى ذلك حضر الى السيد عمر وصالح على نفسه بثلثمائة كيس ورجع الحال الى حاله وذلك خلاف ما اخذه المعينون من الكلف والمغارم من البلاد التي مروا عليها واقاموا فيها واحتجوا عليها
و فيه حضر الكثير من اهل رشيد بحريمهم واولادهم ورحلوا عنها الى مصر
و فيه حضر كتخدا القاضي من عند الامراء القبالي واخبر انهم محتاجون الى مراكب لحمل الغلال الميرية والذخيرة فهيأ الباشا عدة مراكب وارسلها اليهم ومع هذه الصورة واظهار المصالحة والمسالمة يمنعون ويحجزون من يذهب اليهم من دورهم بثياب ومتاع وكذلك يمنعون المتسببين والباعة الذين يذ 4 هبون بالمتاجر والأمتعة التي يبيعونها عليهم واذا وقعوا بشخص او غمزوا عليه عند الحاكم او صادفه بعض العيون المترقبة عليه قبضوا عليه ونهبوا ما معه وعاقبوه وحبسوه بل ونهبوا داره وغرموه ولا يغفر ذنبه ولا تقال عثرته ويتبرا منه كل من يعرفه وكذلك نبهوا على القلقات الذين يسمونهم الضوابط المتقيدين بابواب المدينة مثل باب النصر وباب الفتوح والبرقية والباب الحديد بمنع النساء عن الخروج خوفا من خروج النساء القبالي وذهابهن الى ازواجهن واتفق انهم قبضوا على شخص في هذه الأيام يريد السفر الى ناحية قبلي ومعه تليس ففتحوه فوجدوا بداخله مراكيب ونعالات مصرية ومغربية التي تسمى بالبلغ فقبضوا عليه واتهموه انه يريد الذهاب بذلك الى الامراء واتباعهم فنهبوا منه ذلك وغيره وقبضوا عليه وحبسوه واستمر محبوسا وكذلك اتفق أن الوالي ذهب الى جهة القرافة وقبض على اشخاص من التربية الذين يدفنون الموتى واتهمهم بان بعض اتباع الأمراء القبالي يخرجون اليهم بالامتعة لاسيادهم ويخفونها عندهم بداخل القبور حتى يرسلوها الى اسيادهم في الغفلات وضربهم وهجم على دورهم فلم يجد بها شيئا واجتمع عليه خدام الأضرحة واهل القرافة وشنعوا عليه وكادوا يقتلونه فهرب منهم وحضروا في صبحها عند السيد عمر والمشايخ يشكون من الوالي وما فعله مع الحفارين ونحو ذلك فاعجب لهذا التناقض
وفيه وصل مكتوب من كبير الانكليز الذي بالإسكندرية مضمونه طلب اسماء الأسرى الإنكليز والوصية بهم واكرامهم كما هم يفعلون بالأسرى من العسكر فانهم لما دخلوا الى الأسكندرية اكرموا من كان بها منهم واذنوا لهم بالسفر بمتاعهم واحوالهم الى حيث شاؤا وكذلك من اخذوه اسيرا في حرابة رشيد
{ أحداث شهر ربيع الأول سنة 1222 }
واستهل شهر ربيع الأول بيوم السبت
فيه كتبوا لكبير الإنكليز جوابا عن رسالته
وفي يوم السبت خامس عشره حضر علي كاشف الكبير الألفي بكلام من طرف شاهين بك الألفي يعتذر عن التأخير الى هذا الوقت وانهم على صلحهم واتفاقهم الأول وحضورهم الى ناحية الجيزة وبات تلك الليلة في بيته بمصر ثم اقام ثلاثة ايام ورجع الى مرسله وصحبته سليمان أغا الوكيل
وفيه حضر عابدين بك اخو حسن باشا من ناحية بحري وحضر ايضا في اثره احمد أغا لاظ وغيره من ناحية بحري وذلك انهم ذهبوا خلف الإنكليز الى قرب معدية البحيرة فخرج عليهم طائفة الإنكليز من البر والبحر وضربوا عليهم مدافع ونيرانا كثيرة فولوا راجعين وحضروا الى مصر
وفيه حضر أيضا الفسيال الكبير الإنكليزي الذي كان ارسل بدلا عن ابن اخي عمر بك وقيل انه ابن اخي صالح قوش فلما وصل اليهم اجابوا بأن المذكور سافر مع من سافر الى الروم بمتاعهم واموالهم قبل الواقعة حيث لم يكن المطلوب موجودا فلا وجه لإبقاء الإنكليزي المذكور فردوه بعد أن رفعوا منزلته ورتبته عندهم فلما رجع الى مصر خلى سبيله الباشا ولم يحبسه مع الأسرى بل اطلق له الأذن أيضا في الرجوع الى الإسكندرية او الى بلاده متى احب واختار
وفي منتصفه استوحش الباشا من ياسين بك وضاق خناقه منه وذلك انه لما حضر الى مصر وخلع عليه الباشا ودفع اليه ما كان وعده به من الأكياس وقدم له تقادم وانعامات على انه يسافر الى الاسكندرية لمحاربة الإنكليز وطلب مطالب كثيرة له ولأتباعه واخذ لهم الكساوى والسراويلات واخذ جميع ما كان عند جبجي باشا من الأقمشة والخيام والجبخانة والاحتياجات من القرب وروايا الماء ولوازم العسكر في سفر البر والافازة والمحاصرة الى غير ذلك وقلد اباه كشوفية الشرقية وخرج هو بعرضيه وخيامه الى ناحية الحلي ببولاق فانضم اليه الكثير من العسكر والدلاتية وغيرهم وصار كل من ذهب اليه يكتبه في جملة عسكره فاجتمع عليه كل عاص وازعر ومخالف وعاق وصرح بالخلاف وتطلعت نفسه للرياسة وكلما ارسل اليه الباشا يرده وينهاه عن فعله يعرض عن ذلك وداخله الغرور وانتشرت اوباشه يعبثون في النواحي وبث اكابر جنده في القرى والبلدان وعينهم لجمع الأموال والمغارم الخارجة عن المعقول ومن خالفهم نهبوا قريته واحرقوها واخذوا اهلها اسرى فعند ذلك اخذا الباشا في التدبير عليه واستمال العسكر المنضمين اليه وحل عرى رباطاته فلما كان في ليلة الأربعاء تاسع عشره امر العساكر الأرنؤد بالاجتماع والخروج الى ناحية بولاق فخرجوا بأجمعهم الى نواحي السبتية والخندق واحالوا بينه وبين بولاق ومصر
وفي ليلة السبت ركب الباشا بجنوده وخرج الى تلك الناحية وحصن ابواب المدينة بالعساكر وايقن الناس بوقوع الحرب بين الفريقين وارسل الباشا الى ياسين يقول له أن تستمر على الطاعة وتطرد عنك هذه اللموم وتكون من جملة كبار العسكر والا تذهب الى بلادك والا فأنا واصل اليك ومحاربك فعند ذلك داخله الخوف وانحلت عزائم جيوشه وتفرق الكثير منهم فلما كان بعد الغروب طلب الركوب ولم يعلم عسكره اين يريد فركب الجميع وهم ثلاثة طوابير واشتبهت عليهم الطرق في ظلام الليل فسار هو بفريق منهم الى ناحية الجبل على طريق حلق الجرة وفرقة سارت الى ناحية بركة الحاج والثالثة ذهبت على طريق القليوبية وفيهم ابوه فلما علم الباشا بركوبهم ركب خلفهم وذهب خلف الطائفة التي توجهت الى ناحية البركة حصة فلما علموا انفرادهم عن اميرهم رجعوا متفرقين في النواحي ورجع الباشا الى داره ولم يزل ياسين بك في سيره حتى نزل بمن معه في التبين واستقر بها واما ابوه فإنه التجأ الى شيخ قليوب الشواربي فاخذ له امانا واحضر في ثاني يوم الى الباشا فألبسه فروة وامره أن يلحق بابنه فنزل الى بولاق ونزل في مركب مسافرا
وفي يوم الاثنين رابع عشرينه عين الباشا عسكرا ورؤساء عساكر وخيالة واصحب معهم شديدا وجملة من عرب الحويطات للحوق بياسين بك ومحاربته ولما نزل ياسين بك بناحية التبين نهب قرى الناحية بأسرها مثل التبين وحلوان وطرا والمعصرة والبساتين وفعلوا بها افاعيلهم الشنيعة من السلب والنهب واخذ النساء ونهب الأجران والغلال والأتبان والمواشي واخذ الكلف الشاقة ومن عجز عن شيء من مطلوابتها احرقوه بالنار
وفي يوم الخميس رجع العسكر والعربان الذين كانوا ذهبوا لمحاربة ياسين بك وذلك انهم لما قربوا من وطاقهم ارتحل الى صول والبرنيل فولوا راجعين وتمموا في ذهابهم وايابهم تدمير القرى
وفيه ورد قاصد قابجي من اسلامبول وعلى يده مرسوم بالبشارة بولاية السيد علي باشا قبودان الدونتمة وتاريخه نحو ثلاثة اشهر فضربوا لقدومه المدافع من القلعة
وفي يوم السبت عشرينه رجع سليمان أغا من قبلي الى مصر واخبر بقرب قدوم الأمراء المصريين وان شاهين بك وصل الى زارية المصلوب وابراهيم بك جهة قمن العروس وانهم يستدعون اليهم مصطفى أغا الوكيل وعلي كاشف الصابونجي
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1222 }
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الإثنين
فيه سافر مصطفى أغا والصابونجي الى جهة قبلي وصحبتهما كتخدا القاضي
وفي سادسه وصل شخص ططري وعلى يده مرسوم فعمل الباشا ديوانا وقرأ المرسوم بحضرة الجمع مضمونه أن العرضى الهمايوني الموجه لحرب الموسكوب خرج من اسلامبول وذهب الى ناحية ادرنه وان العساكر سارت لمحاربة الأعداء ويذكرون فيه أن بشائر النصر حاصلة وقد وصل رؤوس قتلى واسرى كثيرة وانه بلغ الدولة ورود نحو الأربع عشرة قطعة من المراكب الى ثغر الإسكندرية وان الكائنين بالثغر تراخوا في حربهم حتى طلعوا الى الثغر فمن اللازم الإهتمام وخروج العساكر لحروبهم ودفعهم وطردهم على الثغر وقد ارسلنا البيورلديات الى سليمان باشا والي صيدا والى يوسف باشا والي الشام بتوجيهه العساكر الى مصر للمساعدة وان لزم الحال لحضور المذكورين لتمام المساعدة على دفع العدو الى اخر ما نمقوه وسطروه ومحل القصد من ورود هذه البيورلديات والفرمانات والاغوات والقبيجات انما هو جر المنفعة لهم بما ياخذونه من خدمهم وحق طريقهم من الدراهم والتقادم والهدايا فإن القادم منهم اذا ورد استعدوا لقدومه فإن كان ذا قدر ومنزلة اعدوا له منزلا يليق به ونظموه بالفرش والأدوات اللازمة وخصوصا اذا كان حضر في امر مهم او لتقرير المتولي على السنة الجديدة او بصحبته خلع الرضا وهدايا فإنه يقابل بالإعزاز الكبير ويشاع خبره قبل وروده الى الإسكندرية وتأتي المبشرون بورود من الططر قبل خروجه من دار السلطنة بنحو من شهر او شهرين وياخذون خدمتهم وبشارتهم بالاكياس واذا وصل هو ادخلوه في موكب جليل وعملوا له ديوانا ومدافع وشنكا وانزل في المنزل المعد له واقبلت عليه التقادم والهدايا من المتولي واعيان دولته ورتب له الرواتب والمصاريف لماكله هو واتباعه لمطبخه وشراب حانته ايام مكثه شهرا او شهورا ثم يعطى من الاكياس قدرا عظيما وذلك خلاف هدايا الترحيلة من قدور الشربات المتنوعة والسكر المكرر وانواع الطيب كالعود والعنبر والأقمشة الهندية والمقصبات لنفسه ورجال دولته وان كان دون ذلك انزلوه بمنزل بعض الأعيان بأتباعه وخدمه ومتاعه في اعز مجلس و يقوم رب المنزل بمصروفهم ولوازمهم وكلفهم وما تستدعيه شهوات انفسهم ويرون أن لهم المنة عليه بنزولهم عنده ولا يرون له فضلا بل ذلك واجب عليه وفرض يلزمه القيام به مع التآمر عليه وعلى اتباعه ويمكث على ذلك شهورا حتى ياخذ خدمته ويقبض اكياسه وبعد ذلك كله يلزم صاحب المنزل أن يقدم له هدية ليخرج من عنده شاكرا ومثنيا عليه عند مخدومه واهل دولته قضية يحار العقل والنقل في تصورها
وفي يوم الأحد سابعه وصلت القافلة والحجاج من ناحية القلزم على مرسى السويس وحضر فيها اغوات الحرم والقاضي الذي توجه لقضاء المدينة وهو المعروف بسعد بك وكذلك خدام الحرم المكي وقد طردهم الوهابي جميعا واما القاضي المنفصل فنزل في مركب ولم يظهر خبره وقاضي مكة توجه بصحبة الشاميين واخبر الواصلون انهم منعوا من زيارة المدينة وان الوهابي اخذ كل ما كان في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر وحضر أيضا الذي كان اميرا على ركب الحجاج وصحبته مكاتبه من مسعود الوهابي ومكتوب من شريف مكة واخبروا انه امر بحرق المحمل واضطربت اخبار الإخباريين عن الوهابي بحسب الأغراض ومكاتبة الوهابي بمعنى الكلام السابق في نحو الكراسة وذكر فيها ما ينسبونه الناس اليه من الأقوال المخالفة لقواعد الشرع ويتبرأ عنها
و فيه ورد الخبر بإن ابراهيم بك وصل الى بني سويف وان شاهين بك ذهب الى الفيوم لاختلاف وقع بينهم وان امين بك واحمد بك الألفيين ذهبا الى ناحية الإسكندرية للإنكليز
وفيه كمل تحرير دفاتر الفرضة والمظالم التي ابتدعوها في العام الماضي على القراريط واقطاعات الأراضي وكذلك اخذ نصف فائظ الملتزمين وعينوا المعينين لتحصيله من المزارعين وذلك خلاف ما فرضوه على البنادر من الأكياس الكثيرة المقادير
وفي ذلك اليوم ارسل الأغا والي الشرطة اتباعهما لأرباب الصنائع والحرف والبوابين بالوكائل والخانات يامرونهم بالحضور من الغد الى بيت القاضي فانزعجوا من ذلك ولم يعلموا لأي شيء هذا الطلب وهذه الجمعية وباتوا متفكرين ومتوهمين فلما اصبح يوم الإثنين واجتمع الناس ابرزوا لهم مرسوما قرئ عليهم بسبب زيادة صرف المعاملة وذلك أن الريال الفرانسة وصلت مصارفته الى مائتين وعشرة من الأنصاف العددية والمحبوب الى مائتين وعشرين واكثر والمشخص البندقي وصل الى اربعمائة واربعين فضة ونحو ذلك فلما قرأوا عليهم المرسوم وامروهم بعدم الزيادة وان يكون صرف الفرانسة بمائتين فقط والمحبوب بمائتين وعشرين فضة والبندقي بأربعمائة وعشرين فلما سمعوا ذلك قالوا نحن ليس لنا علاقة بذلك هذا امر منوط بالصيارف وانفض المجلس
وفيه وصلت مكاتبة من ابراهيم بك ومن الرسل مضمونها الاخبار بقدومهم وارسل ابراهيم بك يستدعي اليه ابنه الصغير وولد ابنته المسمى نور الدين ويطلب بعض لوازم وامتعة
وفي يوم السبت ثالث عشره سافر اولاد ابراهيم بك والمطلوبات التي ارسل بطلبها وصحبتهم فراشون وباعة ومتسببون وغير ذلك
وفي يوم الإثنين ورد سلحدار موسى باشا وعلى يده مرسوم بالعربي واخر بالتركي مضمونهما جواب رسالة ارسلت الى سليمان باشا بعكا بخبر حادثة الإنكليز ملخصها انه ورد علينا جواب من سليمان باشا يخبر فيه بوصول طائفة الإنكليز الى ثغر سكندرية ودخولهم اليها بمخامرة اهلها ثم زحفهم الى رشيد وقد حاربتهم اهل البلاد والعساكر وقتلوا الكثير منهم واسروا منهم كذلك ونؤكد على محمد باشا والعلماء واكابر مصر بالاستعداد والمحافظة وتحصين الثغور مثل السويس والقصير ومحاربة الكفار واخراجهم وابعادهم عن الثغر وقد وجهنا لكل من سليمان باشا وجنج يوسف باشا بتوجيه ما تريدون من العساكر للمساعدة ونحو ذلك
وفيه احضروا اربعة رؤوس من الانكليز وخمسة اشخاص احياء فمروا بهم من وسط المدينة وذكروا أن كاشف دمنهور حارب ناحية الاسكندرية فقتل منهم واسر هؤلاء وقيل انهم كانوا يسيرون لبعض اشغالهم نواحي الريف فبلغ الكاشف خبرهم فاحاط بهم وفعل بهم ما فعل وارسلهم الى مصر وهم ليسوا من المعتبرين وكأنهم مالطية وقيل انهم سألوهم فقالوا نحن متسببون طلعنا ناحية أبي قير وتهنا عن الطريق فصادفونا ونحن تسعة لاغير فاخذونا وقتلوا منا من قتلوه وابقونا
وفيه وصلت مكاتبة من ابراهيم بك وأرسل الباشا اليهم جوابا صحبة انسان يسمى شريف أغا
وفي يوم الثلاثاء ثالث عشرينه وردت اخبار من ناحية الشام بأنه وقع اسلامبول فتنة بين الينكجرية والنظام الجديد وكانت الغلبة للينكجرية وعزلوا السلطان سليم وولوا السلطان مصطفى ابن عمه وهو ابن السلطان عبدالحميد بن احمد وخطب له ببلاد الشام
وفي يوم الخميس وصل ططري من طريق البر بتحقق ذلك الخبر وخطب الخطباء للسلطان مصطفى على منابر مصر وبلاد مصر وبولاق وذلك يوم الجمعه سادس عشرينه
وفي اواخره احدثوا طلب مال الأطيان المسموح الذي لمشايخ البلاد وحرروا به دفترا وشرعوا في تحصيله وهي حادثة لم يسبق مثلها اضرت بمشايخ البلاد وضيقت عليهم معايشهم ومضايفهم
وفيه كتبوا اوراقا للبلاد والأقاليم بالبشارة بتولية السلطان الجديد وعينوا بها المعينين وعليها حق الطرق مبالغ لها صورة وكل ذلك من التحيل على سلب اموال الناس
وفيه كتبوا مراسلة الى الأمراء القبليين بالصلح وارسلوا بها ثلاثة من الفقهاء وهم الشيخ سليمان الفيومي والشيخ ابراهيم السجيني والسيد محمد الدواخلي وذلك انه لما رجع شريف أغا الذي كان توجه اليهم بمراسلتهم ارسلوا يطلبون الشيخ الشرقاوي والشيخ الأمير والسيد عمر النقيب لإجراء الصلح على ايديهم فأرسلوا الثلاثة المذكورين بدلا عنهم
وفي هذه الأيام كثر خروج العساكر والدلاة وهم يعدون الى البر الغربي وعدى الباشا بحر النيل الى برانبابة واقام هناك اياما
{ أحداث شهر جمادي الأول سنة 1222 }
واستهل شهر جمادي الأول
فيه شرع الباشا في تعمير القلاع التى كانت انشأتها الفرنساوية خارج بولاق وعمل متاريس بناحية منية عقبة وغيرها ووزع على الجيارة جيرا كثيرا ووسق عدة مراكب وارسلها الى ناحية رشيد ليعمروا هناك سورا على البلد وابراجا وجمعوا البنائين والفعلة والنجارين وانزلوهم في المراكب قهرا
وفي منتصفه وصل الى مصر نحو الخمسمائة من الدلاتية اتوا من ناحية الشام ودخلوا الى المدينة
وفيه طلب الباشا من التجار نحو الألفي كيس على سبيل السلفة فوزعت على الأعيان وتجار البن واهل وكالة الصابون ووكالة التفاح ووكالة القرب وخلافها وحجزوا البضائع واجلسوا العساكر على الحواصل والوكائل يمنعون من يخرج من حاصله او مخزنه شيئا الا بقصد الدفع من اصل المطلوب منهم ثم اردفوا ذلك بمطلوبات من افراد الناس المساتير فيكون الإنسان جالسا في بيته فما يشعر الا والمعينون واصلون اليه وبيدهم بصلة الطلب اما خمسة اكياس او عشرة او اقل او اكثر فاما أن يدفعها ولا قبضوا عليه وسحبوه الى السجن فيحبس ويعاقب حتى يتمم المطلوب منه فنزل بالناس امر عظيم وكرب جسيم
وفي الناس من كان تاجرا ووقف حاله بتوالي الفتن والمغرم وانقطاع الأسباب والأسفار وافلس وصار يتعيش بالكد والقرض وبيع متاعه واساس داره وعقاره واسمه باق في دفاتر التجار فما يشعر إلا والطلب لاحقة بنحو ما تقدم لكونه كان معروفا في التجار فيؤخذ ويحبس ويستغيث فلا يغاث ولا يجد شافعا ولا راحما وهذا الشيء خلاف الفرض المتوالية على البلاد والقرى في خصوص هذه الحادثة وكذلك على البنادر مقادير لها صورة وما يتبعها من حق طرق المعينين والمباشرين وتوالي مرور العساكر آناء الليل واطراف النهار بطلب الكلف واللوازم واشياء يكل القلم عن تسطيرها ويستحي الانسان من ذكرها ولا يمكن الوقوف على بعض جزئياتها حتى خربت القرى وافتقر اهلها وجلوا عنها فكان يجتمع اهل عدة من القرى في قرية واحدة بعيدة عنهم ثم يلحقها وبالهم فتخرب كذلك واما غالب بلاد السواحل فانها خربت وهرب اهلها وهدموا دورها ومساجدها واخذوا اخشابها ومن جملة افاعيلهم الشنيعة التي لم يطرق الأسماع نظيرها انهم قرروا فرضة من فرض المغارم على البلاد فكتبوا اوراقا وسموها بشارة الفرضة يتولاها بعض من يكون متطلعا لمنصب او منفعة ثم يرتب له خدما واعوانا ثم يسافر الى الاقليم المعين له وذلك قبل منصب الأصل وفي مقدمته يبعث اعوانه الى البلاد يبشرونهم بذلك ثم يقبضون مارسم لهم في الورقة من حق الطريق بحسب ما ادى اليه اجتهاده قليلا او كثيرا وهذه لم يسمع بما يقاربها في ملة ولا ظلم ولا جور وسمعت من بعض من له خبرة بذلك أن المغارم التى قررت على القرى بلغت سبعين ألف كيس وذلك خلاف المصادرات الخارجة
وفي اواخره قوى عزم الباشا على السفر لناحية الاسكندرية وامر باحضار اللوازم والخيام وما يحتاج اليه الحال من روايا الماء والقرب وباقي الأدوات
{ أحداث شهر جمادي الثانية سنة 1222 }
واستهل شهر جمادي الثانية بيوم الخميس
وفي ثانيه وهو يوم الجمعة ركب الباشا الى بولاق وعدى الى ناحية برانبابة ونصبوا وطاقه هناك وخرجت طوائف العسكر الى ناحية بولاق وساحل البحر وطفقوا يأخذون ما يجدونه من البغال والحمير والجمال واستمروا على الدخول والخروج والذهاب والمجيء والرجوع والتعدية اياما وهم على ذلك النسق من خطف البهائم وامتنعت السقاؤن عن نقل الماء من البحر حتى شح الماء وغلا سعره وعطشت الناس وامتنع حمل البضائع
وفي ثالثه طلبوا أيضا خيول الطواحين لجر المدافع والعربات حتى تعطلت الطواحين عن طحن الدقيق ولما ذهبوا بها الى العرضي اختاروا منها جيادها واعطوا اربابها عن كل فرس خمسين قرشا وردوا البواقي لاصحابها
وفيه طلبوا أيضا دراهم من طائفة القبانية والحطابة وباعة السمك القديد المعروف بالفسيخ فكان القدر المطلوب من طائفة القبانية مائة وخمسين كيسا فأغلقوا حوانيتهم وهربوا والتجؤا الى الجامع الأزهر وكذلك الحطابة وغيرهم منهم من هرب ومنهم من إلتجأ الى السيد عمر واستمر كذلك ثلاثة ايام وركب السيد عمر وعدى الى الباشا وتشفع في الطوائف المذكورة فرفعوا عنهم غرامتهم وكتبوا لهم امانا بذلك
وفي خامسه حضر قابجي من طرف الإنكليز وصحبته اشخاص فأنزلهم الباشا في خيمة بمخيمه بإنبابة فرقدوا بها ليأخدوا لهم راحة وناموا فلما استيقظوا فلم يجدوا ثيابهم وسطا عليها السراق فشلحوهم فأرسلوا الى حارة الفرنساوية فأتوا لهم بثياب وقفوات لبسوها
وفي يوم السبت مع ليلة الأحد حادي عشره عمل الفرنساوية عيدا ومولدا بحارتهم وأولمو بينهم ولائم واوقدوا قناديل كثيرة تلك الليلة وحراقات نفوط وسواريخ وشنكا حصة من الليل وهو عبارة عن مولد بونابارته السنوي
وفي الثلاثاء ثالث عشره طلب الباشا حسين افندي الروزنامجي فعدى اليه ببر انبابه فخلع الدفتردارية وحضر الى داره الجديد وهو بيت الهياتم بالقرب من قنطرة درب الجماميز وذهب اليه الناس يهنوئه وانفصل احمد افندي عاصم عن الدفتردارية
وفي يوم الخميس خامس عشره عمل الباشا شنكا بالبر الغربي بين المغرب والعشاء ولما اصبح امر بالإرتحال وتمهل حتى تكامل ارتحال العساكر فركب قريب الزوال الى المنصورة
وفي يوم الجمعة سادس عشره الموافق السادس مسرى القبطي اوفي النيل اذرعه وذلك بعد أن حصل في الناس ضجر وقلق بسبب تأخر الوفاء عدة ايام حتى رفعوا الغلال من العرصات وزادت اثمانها فلما حصل الوفاء اطمأن الناس وتراجعت اليهم انفسهم واظهروا الغلال في العرصات والرقع وركب كتحدا بك في صبح يوم السبت وكذلك القاضي وطوسون ابن الباشا والسيد عمر النقيب وكسر السد بحضرتهم وجرى الماء في الخليج
وفيه وصل قابجي الى ثغر الاسكندرية وحضر بد ذلك الى ثغر بولاق من طريق البر الى قبرص و تحرى الوصول إلى دمياطثم حضر إلى بولاق وقابل الباشا في طريقه ووصل على يد مسكة ضرب المعاملة الجديدة بالضربخانة باسم السلطان الجديد وكذلك الأمر بالخطبة والدعاء والأخبار برفع النظام الجديد وابطاله من اسلامبول ورجوع الوجاقات على قانونها الأول القديم ووصل في نيف وخمسين يوما فاجتمعوا في صبحها يوم الأحد بباب الباشا واحضروا الأغا بموكب ودخل من باب النصر وقريء الفرمان بحضرة الجمع وضربوا شنكا ومدافع من ابراج القلعة ثلاثة ايام في الأوقات الخمسة
ومن الحوادث انه ظهر في هذه الأيام رجل بناحية بنها العسل يدعى بالشيخ سليمان فأقام مدة في عشة بالغيظ واعتقد الناس الولاية والسلوك والجذب فاجتمع اليه الكثير من اهل القرى واكثرهم الأحداث ونصبوا له خيمةو كثر جمعه واقبلت عليه اهالي القرى بالنذور والهدايا وصار يكتب الى النواحي اوراقا يستدعي منهم القمح والدقيق ويرسلها مع المريدين يقول فيها الذي نعلم به اهل القرية الفلانية حال وصول الورقة اليكم تدفعون لحاملها خمسة ارداب قمح او اقل او اكثر برسم طعام الفقراء وكراء طريق المعين ثلاثون رغيفا نحو ذلك فلا يتأخرون عن ارسال المطلوب في الحال وصار الذين حوله ينادون في تلك النواحي بقولهم لا ظلم اليوم ولا تعطوا الظلمة شيئا من المظالم التي يطلبونها منكم ومن اتاكم فاقتلوه فكان كل من ورد من العسكر المعينين الى تلك النواحي يطلب الكلف او الفرض التي يفرضونها فزعوا عليه وطردوه وان عاند قتلوه فثقل امره على الكشاف والعسكر وصار له عدة خيام واخصاص واجتمع لديه من المردان نحو المائة وستين امرد وغالبهم اولاد مشايخ البلاد وكان اذا بلغه أن بالبلد الفلانية غلاما وسيم الصورة ارسل يطلبه فيحضرونه اليه في الحال ولو كان ابن عظيم البلدة حتى صاروا يأتون اليه من غير طلب ولا يخفى حال الإقليم المصري في التقليد في كل شيء وهذا من جنس المردان وكذلك ذوو اللحى هم كثيرون أيضا وعمل للمردان عقودا من الخرز الملون في اعناقهم ولبعضهم اقراطا في آذانهم ثم أن شيخا من فقهاء الأزهر من اهالي بنها يقال له الشيخ عبدالله البنهاوي ادعى دعوى بطين مستأجرة من اراضي بنها كان لأسلافه وان الملتزمين بالقرية استولوا على ذلك الطين من غير حق لهم فيه بل باغراء بعض مشايخ القرية والمذكور به رعونة ولم يحسن سبك الجعالات والبراطيل للوسايط وارباب الأحكام واتباعهم ويظن في نفسه انه يقضي قضيته يقال المصنف اكراما لعلمه ودرسه فتخاصم مع الملتزمين ومشايخ بلده وانعقدت بسببه مجالس ولم يحصل منها شيء سوى التشنيع عليه من المشايخ الأزهرية والسيد عمر النقيب ثم كتب له عرضحال ورفع امره الى كتخدا بك والباشا فأمر الباشا بعقد مجلس بسببه بحضرة السيد عمر والمشايخ وقالوا للباشا انه غير محق وطردوه فسافر الى بلده وسافر الباشا أيضا الى جهة البحيرة والإسكندرية فذهب الشيخ عبدالله المذكور الى الشيخ سليمان المذكور واغراه على الحضور الى مصر وانه متى وصل اجتمع عليه المشايخ واهل البلدة وقابلوه ويكون على يده الفتح والفتوح وحركته خساف العقول المحيطون به والمجتمعون حوله على المجيء الى مصر ويكون له شأن لأن ولايته اشتهرت بالمدينة ولهم فيه اعتقاد عظيم وحب جسيم ومن اوصاف ذلك الشيخ انه لا يتكلم الا بالذكر او الكلام النزر الذي لا بد منه ويتكلم في اكثر اوقاته بالإشارة ثم انه اذاع شياطينه وحضر برجاله وغلمانه و معه طبول وكاسات على طريق مشايخ اهل العصر والاوان الذين يحسبون انهم يحسنون صنعا ودخلوا الى المدينة على حين غفلة وبأيديهم فراقل يفرقعون بها فرقعة متتابعة وصياح وجلبة ومن خلفهم الغلمان والبدايات وشيخهم في وسطهم فما زالوا في سيرهم حتى دخلوا المشهد الحسيني وجلسوا بالمسجد يذكرون ودخل منهم طائفة الى بيت السيد عمر مكرم النقيب وهم يفرقعون بما في ايديهم من الفرقلات فأقاموا بالمسجد الى العصر ثم دعاهم انسان من الأجناد يقال له اسمعيل كاشف أبو مناخير له في الشيخ المذكور اعتقاد فذهبوا معه الى داره بعطفة عبدالله بك فعشاهم وباتوا عنده الى الصباح ولما طلع النهار ركب الشيخ بغلة ذلك الجندي وذهب بطائفته الى ضريح الامام الشافعي فجلس بالمسجد أيضا مع اتباعه يذكرون وبلغ خبره كتخدا بك وامثاله فكتب تذكرة وارسلها الى السيد عمر النقيب بطلب الشيخ المذكور ليتبركوا به واكد في الطلب وقصده أن يفتك به لقهرهم منه وعلم السيد عمر ما يراد به فارسل يقول له أن كتب من اهل الكرامة فأظهر سرك وكرامتك والا فاذهب وتغيب وكان صالح أغا قوج لما بلغه خبره ركب في عسكره وذهب الى مقام الشافعي واراد القبض عليه فخوفه الحاضرون وقالوا له لا ينبغي لك التعرض له في ذلك المكان فإذا خرج فدونك واياه فانتظره بقصر شويكار فتباطأ الشيخ الى قريب العصر واشاروا عليه بالخروج من الباب القبلي وتفرق عنه الكثير من المجتمعين عليه فذهب الى مقام الليث بن سعد ثم سار من ناحية الجبل وذهب بداياته وغلمانه الى دار اسمعيل كاشف التى باتوا بها ولما سار الى ناحية الصحراء لحقه الحاج سعودي الحناوي واقتفى اثره وبلغه رسالة السيد عمر ورجع الى السيد عمر فوجد كتخدا بك ورجب أغا حضرا الى السيد عمر يسألانه عنه ولم يكتفوا بالطلب الأول فأخبرهما انه ذهب ولم تلحقه المراسيل فاغتاظوا وقالوا نرسل الى كاشف القليوبية بالقبض عليه اينما كان وانصرفوا ذاهبين وقصدت العساكر بيت اسمعيل كاشف أبو مناخير فقبضوا على الغلمان واخذوهم الى دورهم ولم ينج منهم الا من كان بعيدا وهرب وتغيب وتفرق اتباعه ذوو اللحى واما الشيخ فسار من طريق الصحراء حتى وصل إلى بهتيم وذهب الى نوب فعرف بمأنه الشيخ عبدالله زقزوق البنهاوي الذي كان اغراه على الحضور الى مصر ولما سقط في يده تبرأ عنه وذهب الى كتخدا بك وطلب له امانا واخبره انه متخف بضريح الإمام الشافعي فأعطاه امانا وذهب اليه واحضره من نوب فلما حضر عند الكتخدا قال له ارخ لحيتك واترك ما انت عليه واقم في بلدك واعطيك طينا تزرعه ولا تتعرض لأحد ولا احد يتعرض لك والشيخ ساكت لا يتكلم وصحبته اربعة انفار من تلاميذه هم الذين يخاطبون الكتخدا ويكلمونه ثم امر اشخاصا من العسكر فأخذوه وذهبوا به الى بولاق وانزلوه في مركب وانحدروا به ثم غابوا حصة وانقلبوا راجعين ثم بعد ذلك تبين انهم قتلوه والقوه في البحر الا واحدا من الأربعة القى بنفسه في البحر وسبح في الماء وطلع الى البر وهرب وانفض امره
وفيه ارسل الباشا وهو بالرحمانية يطلب شيخ دسوق فحضر اليه طائفة من العسكر فلما اتوا اليه امتنع وقال ما يريد الباشا مني اخبروني بطلبه وانا ادفعه أن كان غرامة او كلفة فقالوا لا ندري وانما امرنا بإحضارك فشاغلهم بالطعام والقهوة ووزع بمائمه وحريمه والذي يخاف عليه وفي الوقت وصلت مراكب وبها عساكر وطلعوا الى البر فركب شيخ البلد خيوله وخيالته واستعد لحربهم وحاربهم وابلى معهم وقتل منهم عدة كبيرة ثم ولى هاربا فدخل العسكر إلى البلد ونهبوها وأخذوا ما وجدوا في دور اهلها وعبروا مقام السيد الدسوقي وذبحوا من وجدوه من المجاورين وفيهم من طلبة العلم العواجز
وفيه ركب كتخدا بك ومر على بيت الداودية وبه طائفة من الدلاة فرأى شخصا منهم يرجم دجاجة بحجر ليرميها من سطح دار اخرى فانتهره واراد ضربه فقامت عليه رفقاؤه الدالاتية وفزعوا عليه فولى هاربا منهم فعدوا خلفه ولم يزل رامحا هو واتباعه حتى وصل الى ناحية الأزبكية
{ أحداث شهر رجب سنة 1222 }
واستهل شهر رجب بيوم الجمعة
في رابعه وردت مكاتبات من الباشا بوقوع الصلح بينه وبين الإنكليز واتفقوا على خروجهم من الاسكندرية وخلوها ونزولهم منها اوأرسل يطلب الاسرى من الإنكليز
وفي عاشره ورد قابجي ويسمى نجيب افندي فوصل الى بولاق يوم الاثنين حادى عشره وكان وروده من ناحية دمياط فلما علم أن الباشا بناحية البحيرة ذهب اليه وقابله بدمنهور وبصحبته لخصوص الباشا قفطان وسيف وشلنج وخلع لكبار العسكر مثل حسن باشا وطاهر باشا وعابدين بك وعمر بك وصالح قوج فنزل ببيت محمد الطويل التتنجي ببولاق
وفيه نزلوا بالأسرى من الإنكليز الى المراكب ليسافروا الى الإسكندرية
وفي يوم الأربعاء ثالث عشره وصل المبشر بنزول الإنكليز من ثغر الإسكندرية الى المراكب ودخل اليها كتخدا بك ونزل بدار الشيخ المسيري واستمر الباشا مقيما عند السد
وفي يوم السبت سادس عشره ركب القابجي من بولاق بالموكب وشق من وسط المدينة وذهب الى بيت الباشا وضربوا لقدومه مدافع من القلعة
وفي يوم الأربعاء سابع عشرينه ولد لمحمد علي باشا مولود من حظيته وحضر المبشرون بنزول الإنكليز من الإسكندرية ودخول الباشا بها فعملوا شنكا وضربوا مدافع من القلعة ثلاثة ايام في الأوقات الخمسة آخرها السبت
وفي يوم الخميس والجمعة والسبت وصلت عساكر كثيرة ودخلوا المدينة وطلبوا سكنى البيوت وازعجوا الناس واخرجوهم من اوطانهم وضجت الخلائق وحضر الكثير الى السيد عمر والمشايخ فكتبوا عرضا في شأن ذلك وارسلوه الى كتخدا بك فأظهر الإهتمام واحضر طائفة من كبار العسكر وكلمهم في ذلك وقال لهم كل من كان ساكنا قبل الخروج الى العرضى في دار فليرجع اليها ويسكنها ولا تعارضوا الناس في مساكنهم فلم يفد كلامه في ذلك شيئا لأن البيوت التى كانوا بها اخربوها وحرقوا اخشابها وتركوها كيمانا وذلك دأبهم
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة