من طرف الرسالة الأربعاء 11 أبريل 2018 - 3:06
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر ذى القعدة سنة 1218 }
شهر ذى القعدة استهل بيوم الاثنين فيه أنزلوا حسين قبطان ومن معه من عسكر الارنؤد من القلعة وكانوا نحو الاربعمائة فذهبوا الى بولاق وسكنوا بها بعدما أخرجوا السكان من دورهم بالقهر عنهم ولم يبق بالقلعة من أجناسهم سوى الطبجية المتقيدين بخدمة المصرلية
وفيه ألبس ابراهيم بك كتخداه رضوان خلعة وأشيع انه قلده دفتردارية مصر وذهب الى البرديسي فخلع عليه ايضا وكذلك الألفي وذلك اكراما وتنويها بذكره جزاء فعله ومجيئه بالباشا وتحيله عليه
وفي ليلة الجمعة خامسه وصلت مكاتبات من يحيى بك البرديسي حاكم رشيد يخبر فيها بوصول محمد بك الالفي الكبير الى ثغر رشيد يوم الاربعاء ثالثه وقد طلع على أبي قير وحضر الى ادكو ثم الى رشيد في يوم الاربعاء المذكور وقصده الاقامة برشيد ستة أيام فلما وصلت تلك الاخبارعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة بعد الغروب وكذلك بعد العشاء وفي طلوع النهار من جميع الجهات من الجيزة ومصر القديمة وبيت البرديسي والقلعة وأظهروا البشر والفرح وشرعوا في تشهيل الهدايا والتقادم وأضمروا في نفوسهم السوء له ولجماعته والمتآمرين حسدا لرآسته عليهم وخمولهم بحضوره فهاجت حفائظهم وكتموا حقدهم وتناجوا فيما بينهم وبيتواء امرهم مع كبار العسكر
وأرسل البرديسي كتابا الى مملوكه يحيى بك تابعه حاكم رشيد يأمره فيه بقتل الالفي هناك وركب هو الى النيل وعدى شاهين بك ومحمد بك المنفوخ واسمعيل بك صهر ابراهيم بك وعمر بك الابراهيمي الى بر الجيزة ليلة الاحد ونصبوا خيامهم ليستعدوا الى السفر من آخر الليل صحبه الالفي الصغير وعدى ايضا قبلهم حسين بك الوشاش الالفي ونصب خيامه بحرى منهم
فلما كان في خامس ساعة من الليل أرسلوا الى حسين بك يطلبونه اليهم فحضر مع مماليكه وقد رتبوا جماعة منهم تأتي بخيول ومشاعل من جهة القصر فقالوا له أين الخيول فاننا راكبون في هذا الوقت للملاقاة وها هو اخوك الالفي قد ركب وهو مقبل
فنظر فرأى المشاعل والخيول فلم يشك في صحة ذلك ولم يخطر بباله خيانتهم له فأمر مماليكه أن يذهبوا الى خيولهم ويركبوا ويأتوه بفرسه فأسرعوا الى ذلك وبقى هو وحده ينتظر فرسه فعاجلوه وغدروه وقتلوه بينهم وأرسلوا الى البرديسي بالخبر وكان محمد علي وأحمد بك والارنؤدية عدوا قبلي الجيزة ليلا وكمنوا بمكان ينتظرون الاشارة ويتحققون وقوع الدم بينهم فلما عملوا ذلك حضروا الى القصر وأحاطوا به وكان طبجي الآلفي مخامرا ايضا فعطل فوالي المدافع واستمروا في ترتيب الامراء على القصر الى آخر الليل فحضر الى الالفي من أيقظة واعلمه بقتل حسين بك واحاطتهم بالقصر فأراد الاستعداد للحرب وطلب الطبجي فلم يجده وأعلموه بما فعل بالمدافع فأمر بالتحميل وركب في جماعته الحاضرين وخرج من الباب الغربي وسار مقبلا فركب خلفه الامراء المذكورون وساروا مقدار ملقتين حتى تهبت خيولهم ولم يكن معهم خيول كثيرة لانهم لم يكونوا يظنون خروجه من القصر واشتغل أكثر أتباعهم بالنهب لأنه عندما ركب الألفي وخرج من القصر دخله العسكر والاجناد ونهبوا ما فيه من الاثقال والامتعة والفرش وغيرها وكان كاتبه المعلم غالي ساكنا بالجيزة وكذلك كثير من اتباعه ومقدميه فذهبوا الى دورهم فنهبوها وأخذوا ما عند كاتبه المذكور من الاموال ثم نهبوا دور الجيزة عن آخرها ولم يتركوا بها جليلا ولا حقيرا حتى عروا ثياب النساء وفعلوا بها مثل ما فعلوا بدمياط واصبح الناس بالمدينة يوم الاحد لا يعلمون شيئا من ذلك الا انهم سمعوا الصراخ ببيت حسين بك جهة التبانة وقيل انه قتل ببر الجيزة
فصار الناس في تعجب وحيرة واختلفت روياتهم ولم يفتحوا دكاكينهم ونقلوا أسبابهم منها وظلوا غالب اليوم لم يعلموا سر قتل حسين بك الا من صراخ اهل بيته، وكل ذلك وقع وابراهيم بك جالس في بيته ويسأل ممن يدخل اليه عن الخبر
واحضر محمود جاويش المعين للسفر بالمحمل وصير في الصرة والكتبة واشتغل معهم ذلك اليوم في عدد مال الصرة وحسابها ولوازم ذلك وبعد العصر اشيع المرور بالمحمل فاجتمع الناس للفرجة فمروا به من الجمالية الى قراميدان قبل الغروب وأصبح يوم الاثنين ثامنه ركب ابراهيم بك وامراؤه الى قراميدان وسلم المحمل واجتمع الناس للفرجة على العادة فمروا به من الشارع الاعظم الى العادلية وامامه الكسوة في اناس قليلة وطبل وأشاير وعينوا للذهاب معه أربعمائة مغربي من الحجاج رتبوا لهم جامكية ثلاثين نفرا من عسكر الارنؤد هذا ما كان من هؤلاء وأما ما كان من امر الالفي الكبير فانه لما حضر الى رشيد يوم الاربعاء ثالثه كما تقدم قابله يحيى بك وعمل له شنكا وطعاما وما يليق به وسأله عن مدة اقامته برشيد فقال له اريد الاقامة ستة أيام حتى نستريح ونزل ببيت مصطفى عبد الله التاجر
ولم يكن معه الا خاصة مماليكه وجوخداره تتمة ستة عشر فاستأذنه يحيى بك في ارسال الخبر الى مصر ليأتي الامراء الى ملاقاته فلم يرض بذلك ثم انه لم يقم برشيد الا ليلة واحدة وانزل امتعته في أربع مراكب من الرواحل وانتقل آخر الليل الى بيت البطروشي القنصل وأمر بتنقيل المتاع الى مراكب النيل وأهدى له البطروشي غرابا من صناعة الانكليز مليح الشكل نزل هو به وسار الى مصر وكان قصده الحضور بغتة فعندما يصلهم الخبر يصبحون يجدونه في الجيزة
ويأبى الله الا ما يريد فلم يسعفه الريح وكان تأخيره سببا لنجاته
ولما وصل الخبر بحضوره وعملوا الشنك جهز له الالفي الصغير بعض الاحتياجات وأرسلها في الذهبية والقنجة صحبة الخواجا محمود حسن وخلافه فنزلوا من بولاق وانحدروا بعد الظهر من يوم السبت فاجتمعوا به عند نادر نصف الليل
فلما أصبح الصباح حضر اليه سليمان كاشف البواب وقابله ورجع معه الى منوف العلا فأقام هناك يوم الاحد وبات هناك ودخل الحمام وسار منها بعد طلوع النهار وهم يسحبون المراكب باللبان لمخالفة الريح فلم يزل سائرا الى الظهيرة فلاقاه عدة من عسكر الارنؤد الموجهة اليه في أربعة مراكب في مضيق الترعة فسلم عليهم فردوا عليه السلام فسألهم بعض أتباعه بالتركي وقال لهم اين تريدون فقالوا نريد الالفي فقال لهم ها هو الالفي فسكتوا
ثم تلاغى الملاحون مع بعضهم فأعلموهم الخبر فنقلوه الى الالفي فكذب ذلك وقال هذا شيء لا يكون ولا يصح ان اخواننا يفعلون ذلك معي وأنا سافرت وتغربت سنة لاجل راحتنا ولعلها حادثة بينهم وبين العسكر ثم ان طائفة منهم أدركت الغراب الذى قدمه له البطروشي وكان متأخرا عن المراكب فصعدوا اليه وأخذوا ما فيه من المتاع فأخبروه بذلك ونظر فرآهم يفعلون ذلك فأرسل اليهم بعض من معه من الاتراك ليستخبر عن شأنهم وامرهم ولم ينتظر رجوعه بالجواب ولكنه اخذ بالحزم ونزل في الحال الى القنجة مع المماليك وصحبته الخواجا محمود حسن وامرهم ان يمسكوا المقاذيف ففعلوا ذلك وهو يستحثهم حتى خرجوا من الترعة الى البحر فلاقاهم طائفة اخرى في سفينتين وفيهم سراج باشا تابع البرديسي وكان بعيدا عنهم فاعماهم الله عنه وكأنهم لم يظنوه اياه ولم يزل يجد في السير حتى وصل الى شبرا الشهابية فنظر الى رجل ساع واعلمه انه مرسل من بيت سليمان كاشف البواب يخبر الواقع فعند ذلك تحقق الخبر وطلع الى البر وامر بتغريق القنجة ومشى مع المماليك على اقدامهم وتخلف عنه الخواجا محمود حسن بشبرا فلم يزالوا يجدون السير حتى وصلوا الى ناحية قرنفيل ودخل الى نجع عرب الحويطات والتجأ الى امرأة منهم فاجارته ولبت دعوته وركبته فرسا واصحبت معه شخصين هجانين وركب معهما وصار الى قرب الخانكة ليلا والمماليك معه مشاة فقابلهم جماعة من عرب بلى وكبيرهم يقال له سعد ابراهيم فاحتاطوا به فاشتغل المماليك بحربهم فتركهم وسار مع الهجانة الى ناحية الجبل ومضى فسمع الاجناد القريبون منهم وفيهم البرديسي صوت البنادق بين العرب والمماليك فأسرعوا اليهم وسألوهم عن سيدهم فقالوا انه كان معنا وفارقنا الساعة فأمر البرديسي من معه من المماليك والاجناد أن يسرعوا خلفه ويتفرقوا في الطرق وكل من ادركه فليقتله في الحال فذهبوا خلفه فلم يعثر به احد منهم وخرم عليه سعد ابراهيم بجماعة قليلة من طريق يعرفها فرمى لهم ما معه من الذهب والجوهر والكرك الذى على ظهره فاشتغلوا به وتركهم وسار وغاب امره
وفي حال جلوسه عند العرب مر عليهم طائفة من الاجناد سائرين لانهم لما فعلوا فعلتهم في الجيزة لم يبق لهم شغل الا هو واخذوا في الاحتياط عليه ما امكن فأرسلوا عسكرا في المراكب وانبثت طوائفهم في الجهات البحرية شرقا وغربا فذهبت طائفة منهم الى الشرقية وطائفة الى القليوبية وكذلك المنوفية والغربية والبحيرة وسلكوا طريق الجبل الموصلة الى قبلي وذهب حسين بك ورستم بك الى صالح بك الالفي الذى بالشرقية وذهب شاهين بك الى سليمان كاشف البواب من البر الغربي ليقطع عليه الطريق وذهب علي بك ايوب ومحمد علي على جهة القليوبية ليلحقه بمنوف فلما وصل الى دجوة تعوق بسبب قلة المعادى فلما وصل الى منوف فوجدوه عدى الى الجهة الاخرى فأخذوا متروكاته التي تركها وهي بعض خيول وجمال وخمسين زلعة سمن مسلي وعملوا على أهل البلد أربعة آلاف ريال قبضوها منهم ورجعوا وكان عندما بلغه الخبر الاجمالي لم يكذب المخبر وذلك بعد مفارقة الالفي له بنحو ثلاث ساعات فعدى في الحال الى الجهة الغربية بأثقاله وعساكره فوجد أمامه شاهين بك فارسل يطلب منه أمانا فأجابه الى ذلك وارسل الى مصر من يأتي بالامان واطمأن شاهين ليلا فلما اصبح شاهين بك وجده قد ارتحل فرجع بخفي حنين وعدى الى القليوبية فبلغه خبر الالفي وما وقع له مع العرب فطلبهم فأخبروه انه غاب عنهم في الجبل من الطريق الفلاني فقبض عليهم واحضرهم صحبته مشنوقين في عمائمهم ووجد المماليك فقبض عليهم وأرسلهم الى البرديسي
واما مراكبه فأنه عندما نزل الى القنجة وفارقها ادركها العسكر الذين قابلوه في المراكب ونهبوا ما فيها وكان بها شيء كثير من الاموال وظرائف الانكليز والامتعة والجوخ والاسلحة والجواهر
فانه لما وصل الى القرالي اكرمه اكراما كثيرا وأهدى اليه تحفا غريبة وكذلك أكابرهم وأعطاه جملة كبيرة من المال على سبيل الامانة يرسل له بها غلالا وأشياء من مصر واشترى هو لنفسه أشياء بأربعة آلاف كيس يدفعها الى القنصل بمصر وأرسل له بها القرالي بوليصة وأهدى له صورة نفسه من جوهر ونظارات وآلات وغير ذلك
وأما الالفي الصغير فانه ذهب الى جهة قبلي وفرد الفرد والكلف على البلاد ومن عصى عليه أو تواني في دفع المطلوب نهبهم وحرقهم
وأما صالح بك الالفي فانه لما وصل اليه الخبر وقدوم الموجهين اليه ركب في الحال من زنكلون وترك حملته واثقاله فلم يدركوه ايضا
وفي يوم الثلاثاء احضروا مماليك الالفي الكبير وجوخداره الى بيت البرديسي وارسل ابراهيم بك والبرديسي مكاتبات الى الامراء بقبلي وهم سليمان بك الخازندار حاكم جرجا وعثمان بك حسن بقنا ومحمد بك المعروف بالغربية الابراهيمي يوصونهم ويحذرونهم من التفريط في الالفي الصغير والكبير ان وردا عليهما
واما شاهين بك فانه عدى الى الشرقية واجتهد في التفتيش ثم رجع في يوم الثلاثاء المذكور وامامه العرب المتهمون بانهم يعرفون طريقه وأنهم أدركوه فأعطاهم جوهرا كثيرا وتركوه وأحضروا صحبتهم حقا من خشب وجدوه مرميا في بعض الطرق فأحضر البرديسي مماليك الالفي وأراهم ذلك الحق فقالوا نعم كان مع استاذنا وفي داخله جوهر ثمين وارسلوا عدة من المماليك والهجانة الى الطريق التي ذكرها العرب وأحضر البرديسي ابن شديد وسأله فأخبره انه لم يكن حاضرا في نجعة وان أمه أو خالته هي التي اعطته الفرس والهجانة فوبخه ولامه فقال له هذه عادة العرب من قديم الزمان يجيرون طنيبهم ولا يخفرون ذمتهم
فحبسه أياما ثم اطلقه وقيل انه مر عليه علي بك أيوب ومحمد علي ومن معهم من العسكر وهو في خيش العرب وهو يراهم وأعماهم الله عن تفتيش النجع وعن السؤال أيضا
وفي ذلك اليوم خرج عثمان بك يوسف وحسين بك الوالي وأحمد أغا شويكار الى جهة الشرقية ومرزوق بك الى القليوبية يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في تشهيل تجريدة الى الالفي الصغير وأميرها شاهين بك وصحبته محمد بك المنفوخ وعمر بك وابراهيم كاشف
وفي يوم الجمعة ثاني عشره سافرت قافلة الحاج بالمحمل الى السويس
وفي يوم السبت حضر علي بك ايوب ومحمد علي من سرحتهما على غير طائل
وفيه سافر قنصل الانكليز من مصر بسبب هذه الحادثة فانه لما وقع ذلك اجتمع بابراهيم بك والبرديسي وتكلم معهما ولامهما على هذه الفعلة وكلمهما كلاما كثيرا منه انه قال لهما هذا الذى فعلتماه لاجل نهب مال القرالي ومطلوب مني اربعة آلاف كيس وهي البوليصة الموجهة على الالفي وغير ذلك فلاطفاه وأراد منعه من السفر فقال لا يمكن اني أقيم ببلدة هذا شأنها وطريقتنا لانقيم الا في البلدة المستقيمة الحال ثم نزل مغضبا وسافر وأراد ايضا قنصل الفرنسيس السفر فمنعاه
وفي يوم السبت طلب العسكر جماكيهم من الامراء وشددوا في الطلب واستقلوا الامراء في أعينهم وتكلموا مع محمد علي وأحمد بك وصادق أغا كلاما كثيرا فسمعوا في الكلام مع الامراء المصرلية فوعدوهم الى يوم الثلاثاء ومات بقطر المحاسب كاتب البرديسي يوم الاحد فلما كان يوم الثلاثاء اجتمع العسكر ببيت محمد علي وحصل بعض قلقة فحولهم على القبط بمائتي الف ريال منها خمسون على غالي كاتب الالفي وثلاثون على تركة بقطر المحاسب والمائة والعشرون موزعة عليهم فسكن الاضطراب قليلا
وفي يوم الثلاثاء المذكور رجع مرزوق بك من القليوبية
وفي يوم الاربعاء سابع عشره توفي ابراهيم افندى الروزنامجي
وفيه حصل رجات وقلقات بسبب العسكر وجماكيهم وأرادوا أخذ القلعة فلم يتمكنوا من ذلك وقفل الناس دكاكينهم وقتلوا رجلا نصرانيا عند حارة الروم وخطفوا بعض النساء وامتعة وغير ذلك وركب محمد علي ونادى بالامان
وفي يوم السبت عشرينه حضر سليمان كاشف البواب بالامان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد أفرجوا عن كشاف الالفي المحبوسين
وفيه حضر عثمان بك يوسف من ناحية الشرقية واستمر هناك حسين بك الوالي ورستم بك وذهب المنفوخ واسمعيل بك الى ناحية شرق اطفيح لانه اشيع ان الالفي ذهب عند عرب المعازة فقبضوا على جماعة منهم وحبسوهم وأرسلوا مائة هجان الى جميع النواحي واعطوهم دراهم يفتشون على الالفي
وفيه شرعوا في عمل فردة على أهل البلد وتصدى لذلك المحروقي وشرعوا في كتب قوائم لذلك ووزعوها على العقار والاملاك اجرة سنة يقوم بدفع نصفها المستأجر والنصف الثاني بدفعه صاحب الملك
وفي يوم الاربعاء رابع عشرينه شرح كتاب الفردة والمهندسون ومع كل جماعة شخص من الاجناد وطافوا بالاخطاط يكتبون قوائم الاملاك ويصقعون الاجر فنزل بالناس مالا يوصف من الكدر مع ما هم فيم من الغلاء ووقف الحال وذلك خلاف ما قرروه على قرى الارياف فلما كان في عصر ذلك اليوم نطق افواه الناس بقولهم الفردة بطالة وباتوا على ذلك وهم ما بين مصدق ومكذب
وفي يوم الخميس خامس عشرينه اشيع ابطال الفردة مع سعي الكتبة والمهندسين في التصقيع والكتابة وذهبوا الى نواحي باب الشعرية ودخلوا درب مصطفى فضج الفقراء والعامة والنساء وخرجوا طوائف يصرخون وبأيديهم دفوف يضربون عليها ويندبن وينعين ويقلن كلاما على الامراء مثل قولهن ايش تأخذ من تفليسي با برديسي وصبغن أيديهن بالنيلة وغير ذلك فاقتدى بهن خلافهن وخرجوا ايضا ومعهم طبول وبيارق وأغلقوا الدكاكين وحضر الجمع الكثير الى الجامع الازهر وذهبوا الى المشايخ فركبوا معهم الامراء ورجعوا ينادون بأبطالهم
وسر الناس بذلك وسكن اضطرابهم وفي وقت قيام العامة كان كثير من العسكر منتشرين في الاسواق فداخلهم الخوف وصاروا يقولون لهم نحن معكم سواسو انتم رعية ونحن عسكر ولم نرض بهذه الفردة وعلوفاتنا على الميرى ليست عليكم أنتم اناس فقراء فلم يتعرض لهم أحد
وحضر كتخدا محمد علي مرسلا من جهته الى الجامع الازهر وقال مثل ذلك ونادى به في الاسواق ففرح الناس وانحرفت طباعهم عن الامراء ومالوا الى العسكر وكانت هذه الفعلة من جملة الدسائس الشيطانية
فان محمد علي لما حرش العساكر على محمد بك باشا خسروا وأزال دولته وأوقع به ما تقدم ذكره بمعونة طاهر باشا والارنؤد ثم بالاتراك عليه حتى أوقع به أيضا وظهر أمر أحمد باشا وعرف انه ان تم له الامر ونما أمر الاتراك لا يبقون عليه فعاجله وأزاله بمعونة الامراء المصرلية واستقر معهم حتى أوقع باشتراكهم قتل الدفتردار والكتخدا ثم محاربة محمد باشا بدمياط حتى أخذوه أسيرا ثم التحيل على علي باشا الطرابلسي حتى أوقعوه في فخهم وقتلوه ونهبوه
كل ذلك وهو يظهر المصافاة والمصادقة للمصريين وخصوصا البرديسي فانه تآخى معه وجرح كل منهما نفسه ولحس من دم الآخر واغتر به البرديسي وراج سوقه عليه وصدقه وتعضد به واصطفاه دون خشداشينه وتحصن بعساكره واقامهم حوله في الابراج وفعل بمعونتهم ما فعله بالالفي واتباعه وشردهم وقص جناحه بيده وشتت البواقي وفرقهم بالنواحي في طلبهم فعند ذلك استقلوهم في أعينهم وزالت هيبتهم من قلوبهم وعملوا خيانتهم وسفهوا رأيهم واستضعفوا جانبهم وشمخوا عليهم وفتحوا باب الشر بطلب العلوفة مع الاحجام خوفا من قيام أهل البلد معهم ولعلمهم بميلهم الباطني اليهم فاضطروهم الى عمل هذه الفردة ونسب فعلها للبرديسي فثارت العامة وحصل ما حصل
وعند ذلك تبرأ محمد علي والعسكر من ذلك وساعدوهم في رفعها عنهم فمالت قلوبهم اليهم ونسوا قبائحهم وابتهلوا الى الله في إزالة الامراء وكرهوهم وجهروا بالدعاء عليهم وتحقق العسكر منهم ذلك وانحرف الامراء على الرعية باطنا بل اظهر البرديسي الغيظ والانحراف من أهل مصر وخرج من بيته مغضبا الى جهة مصر القديمة وهو يلعن أهل مصر ويقول لا بد من تقريرها عليهم ثلاث سنوات وأفعل بهم وأفعل حيث لم يمتثلوا لاوامرنا ثم اخذوا يدبرون على العسكر وارسلوا الى جماعتهم المتفرقين في الجهات القبلية والبحرية يطلبونهم للحضور فأرسلوا الى حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية واسمعيل بك صهر ابراهيم بك ومحمد بك المنفوخ ليأتيا من شرق اطفيح والفريقان كانوا لرصد الالفي وانتظاره وارسلوا الى سليمان بك حاكم الصعيد بالحضور من اسيوط بمن حوله من الكشاف والامراء والى يحيى بك حاكم رشيد واحمد بك حاكم دمياط واصعدوا محمد باشا المحبوس الى القلعة وعلم الانؤدية منهم ذلك فبادروا واجتمعوا بالازبكية في يوم الاحد ثامن عشرينه فارتاع الناس واغلقوا الحوانيت والدروب وذهب جمع من العسكر الى ابراهيم بك واحتاطوا بمهمات بيته بالداودية وكذلك ببيت البرديسي بالناصرية وتفرقوا على بيوت باقي الامراء والكشاف والاجناد
وكان ذلك وقت العصر والبرديسي عنده عدة كبيرة من العسكر المختصين به ينفق عليهم ويدر عليهم الارزاق والجماكي والعلوفات ومنهم الطبجية وغيرهم وعمر قلعة الفرنسيس التي فوق تل العقارب بالناصرية وجددها بعد تخريبها ووسعها وانشأ بها اماكن وشحنها بآلات الحرب والذخيرة والجبخانة وقيد بها طبجية وعساكر من الآرنؤدية وذلك خلاف المتقيدين بالابراج والبوابات التي انشأها قبالة بيته بالناصرية جهة قناطر السباع والجهة الاخرى كما سبق ذكر ذلك
فلما علم بوصول العساكر حول دائرته وكان جالسا صحبة عثمان بك يوسف فقام وقال له كن أنت في مكاني هنا حتى اخرج وارتب الامر وارجع اليك وتركه وركب الى خارج فضربوا عليه بالرصاص
فخرج على وجهه بخاصته وهجنه ولوازمه الخفيفة وذهب الى ناحية مصر القديمة وذلك في وقت الغروب وكان العسكر نقبوا نقبا من الجنينة التي خلف داره ودخلوا منه وحصلوا بالدار فوجدوه قد خرج بمن معه من المماليك والاجناد فقاتلوا من وجدوه واوقعوا النهب في الدار وانضم اليهم اجناسهم المتقيدون بالدار وقبضوا على عثمان بك يوسف ومماليكه وشلحوهم ثيابهم وسحبوهم بينهم عرايا مكشوفي الرؤس وتسلمهم طائفة منهم على تلك الصورة وذهبوا بهم الى جهة الصليبة فأودعوهم بدار هناك
وفي سابع ساعة من الليل ارسل محمد علي جماعة من العسكر ومعهم فرمان وصل من أحمد باشا خورشيد حاكم الاسكندرية بولايته على مصر فذهبوا به الى القاضي واطلعوه عليه وامروه أن يجمع المشايخ في الصباح ويقرأه عليهم ليحيط علم الناس بذلك فلما أصبح أرسل اليهم فقالوا لا تصح الجمعية في مثل هذا اليوم مع قيام الفتنة فأرسله اليهم واطلعوا عليه وأشيع بين الناس
واما ابراهيم بك فأنه استمر مقيما ببيته بالداودية وامر مماليكه واتباعه ان يجلسوا برؤس الطرق الموصلة اليه فجلس منهم جماعة وفيهم عمر بك تابعه بسبيل الدهيشة المقابل لباب زويله وكذلك ناحية تحت الربع والقربية وجهة سويقة لاجين والداودية وصار العسكر يضربون عليهم وهم كذلك ودخل عليهم الليل فلم يزالوا على ذلك الى الصباح واضمحل حالهم وقتل الكثير من المماليك والاجناد ووصل اليهم خبر خروج البرديسي فعند ذلك طلبوا الفرار والنجاة بارواحهم
وعلم ابراهيم بك بخروج البرديسي وأنه ان استمر على حاله أخذ فركب في جماعته في ثاني ساعة من النهار وخرجوا على وجوههم والرصاص يأخذهم من كل ناحية فلم يزل سائرا حتى خرج الى الرميلة وهدم في طريقه أربعة متاريس وأصيب بعض مماليك وخيول وخدامين واصيب رضوان كتخداه وطلعت روحه عند الرميلة فأنزلوه عند باب العزب وأخذوا ما معه من جيوبه ثم شالوه الى داره ودفنوه وقبضوا على عمر بك تابع الاشقر الابراهيمي من سبيل الدهيشة هو ومماليكه
وأما الذين بالقلعة من الامراء فأنهم اصبحوا يضربون بالمدافع والقنابر على بيوت الارنؤد بالازبكية الى الضحوة الكبرى فلما تحققوا خروج ابراهيم بك والبرديسي ومن أمكنه الهروب لم يسعهم الا انهم ابطلوا الرمي وتهيؤا للفرار ونزلوا من باب الجبل ولحقوا بابراهيم بك وعند نزولهم ارادوا اخذ محمد باشا وعلي باشا القبطان وابراهيم باشا فقام عليهم عسكر المغاربة ومنعوهم من اخذهم ونهب المغاربةالضربخانة وما فيها من الذهب والفضة والسبائك حتى العدد والمطارق وتسلم العسكر القلعة من غير مانع ولم تثبت المصرلية للحرب نصف يوم في القلعة ولم ينفع اهتمامهم بها طول السنة من التعمير والاستعداد وما شحنوه بها من الذخيرة والجبخانة وآلات الحرب وملؤا ما بها من الصهاريج بالماء الحلوه وقام أحمد بك الكلارجي وعبد الرحمن بك الابراهيمي وسليم اغا مستحفظان من وقت مجيئهم الى مصر متقيدين ومرتبطين بها ليلا ونهارا لا ينزلون الى بيوتهم الا ليلة في الجمعة بالنوبة اذا نزل احدهم اقام الآخران وطلع محمد علي اليها ونزل وبجانبه محمد باشا خسرو ورفقاؤه امامهم المنادى ينادى بالامان حكم ما رسم محمد باشا ومحمد علي واشيع في الناس رجوع محمد باشا الى ولاية مصر فبادر المحروقي الى المشايخ فركبوا الى بيت محمد علي يهنون الباشا بالسلامة والولاية وقدم له المحروقي هدية واقام على ذلك بقية يوم الاثنين ويوم الثلاثاء فكان مدة حبسه ثمانية اشهر كاملة فأنه حضر الى مصر بعد كسرته بدمياط في آخر ربيع الاول وهو اخر يوم منه واطلق في آخر يوم من ذي القعدة وخرج الامراء على اسوا حال من مصر ولم يأخذوا شيئا مما جمعوه وكنزوه من المال وغيره الا ما كان في جيوبهم او كان منهم خارج البلد مثل سليم كاشف ابي دياب فأنه كان مقيما بقصر العيني او الغائبين منهم جهة قبلي وبحرى
واما من كان داخل البلد فأنه لم يخلص له سوى ما كان في جيبه فقط ونهب العسكر اموالهم وبيوتهم وذخائرهم وامتعتهم وفرشهم وسبوا حريمهم وسراريهم وجواريهم وسحبوهن بينهم من شعورهن وتسلطوا على بعض بيوت الاعيان من الناس المجاورين لهم ومن لهم بهم ادنى نسبة او شبهة بل وبعض الرعية الا من تدراكه الله برحمته او التجأ الى بعض منهم او صالح على بيته بدراهم يدفعها لمن التجأ اليه منهم ووقع في تلك الليلة واليومين بعدها مالا يوصف من تلك الامور وخربوا اكثر البيوت واخذوا اخشابها ونهبوا ما كان بحواصلهم من الغلال والسمن والادهان وكان شيئا كثيرا وصاروا يبيعونه على من يشتريه من الناس ولولا اشتغالهم بذلك لما نجا من الامراء المصرلية الذين كانوا بالبلدة أحد
ولو رجع الامراء عليهم وهم مشتغلون بالنهب لتمكنوا منهم ولكن غلب عليهم الخوف والحرص على الحياة والجبن وخابت فيهم الظنون وذهبت نفختهم في الفارغ وجازاهم الله ببغيهم وظلمهم وغرورهم وخصوصا ما فعلوه مع علي باشا من الحيل حتى وقع في أيديهم ثم رذلوه وأهانوه وقتلوا عسكره ونهبوا أمواله ثم طردوه وقتلوه فأنه وان كان خبيثا لم يعمل معهم ما يستحق ذلك كله وأعظم منه ما فعلوه مع أخيهم الالفي الكبير بعد ما سافر لحاجتهم وراحتهم وصالح عليهم ورتب لهم ما فيه راحتهم وراحة الدولة معهم بواسطة الانكليز وغاب في البحر المحيط سنة وقاسى هول الاسفار والفراتين في البحار فجازوه بالتشريد والتشتيت والنهب وقتل اتباعه وحبسهم وبلصهم واتخذوهم أعداء واخصاما من غير جرم ولا سابقة عداوة معهم الا الحسد والحقد وحذرا من رآسته عليهم وكانت هذه الفعلة سببا لنفور قلوب العسكر منهم واعتقادهم خيانتهم وقلتهم في اعينهم فان الالفي واتباعه كانوا يرون في انفسهم ان الشخص منهم يدوس برجله الجماعة من في غفلتهم ومشتغلون بما هم من مغارم الفلاحين وطلب الكلف فلما أرسلوا لهم بالحضور لم يسهل بهم ترك ذلك ولم يستعجلوا الحركة حتى يستوفوا مطلوباتهم من القرى الى ان حصل بهم ما نزل ولم يقع لهم منذ ظهورهم أشنع من هذه الحادثة وخصوصا كونها على يد هؤلاء
وكانوا يرون في أنفسهم ان الشخص منهم يدرس برجله الجماعة من العسكر وأحسنوا ظنهم فيهم واعتقدوا انهم صاروا أتباعهم وجندهم مع انهم كانوا قادرين على ازالتهم من الاقليم وخصوصا عندما خرجوا من المدينة لملاقاة علي باشا واخرجوا جميع العسكر وحازوهم الى جهة البحر وحصنوا ابواب البلد بمن يثقون به من اجنادهم ورسموا لهم رسوما امتثلوها فلو ارسلوا لهم بعد ايقاعهم بعلي باشا اقل اتباعهم وامروهم بالرحلة لما وسعتهم المخالفة حتى ظن كثير ممن له ادنى فطنه حصول ذلك فكان الامر بخلاف ذلك ودخلوا بعد ذلك وهم بصحبتهم ضاحكين من غفلة القوم ومستبشرين برجوعهم ودخولهم الى المدينة ثانيا وعند ذلك تحقق لذوى الفطن سوء رأيهم وعدم فلاحهم وزادوا في الطنبور نغمة بما صنعوه مع الالفي وكان العسكر يهابون جانبه ويخافون اتباعه ويخشونهم وخصوصا لما سمعوا بوصوله على الهيئة المجهولة لهم داخلهم من ذلك امر عظيم استمر في اخلاطهم يوما وليلة الى ان اجلاه البرديسي ومن معه يشؤم رأيهم وفساد تدبيرهم وفرقوا جمعهم في النواحي حرصا على قتل الالفي واتباعه فعند ذلك زالت هيبتهم من قلوب العسكر واوقعوا بهم ما اوقعوا ولا يحيق المكر السيء الا باهله
{ أحداث شهر ذى الحجة سنة 1218 }
شهر ذى الحجة الحرام استهل بيوم الثلاثاء
فيه قلدوا علي أغا الشعراوى واليا على مصر
وفيه نهبوا بيت محمد أغا المحتسب وقبضوا عليه وحبسوه
وفي ليلة الاربعاء انزلوا محمد باشا خسروا وابراهيم باشا الى بولاق وسفروهما الى بحرى ومعهما جماعة من العسكر وكانت ولايته هذه الولاية الكذابة شبيهة بولاية احمد باشا الذى تولى بعد قتل طاهر باشا يوما ونصفا وكان قد اعتقد في نفسه رجوعه لولاية مصر حتى انه لما نزل من القلعة الى بيت محمد علي نظر الى بيته من الشباك مهدوما منخربا فطلب في ذلك الوقت المهندسين وامرهم بالبناء وذلك من وساوسه يقال ان السبب في سفره اخوة طاهر باشا فأنهم داخلهم غيظ شديد ورأى محمد علي نفرتهم وانقباضهم من ذلك وعلم انه لا يستقيم حاله معهم وربما تولد بذلك شر فعجل بسفره وذهابه
ومن الاتفاقيات العجيبة أيضا ان طاهر باشا لما غدر بمحمد باشا اقام بعده اثنين وعشرين يوما وكذلك لما غدر المصرلية بالالفي لم يقيموا بعد ذلك الامثل ذلك
وفيه صعد عابدى بك اخو طاهر باشا بالقلعة واقام بها
وفي ليلة الخميس ثالثة اطلقوا عثمان بك يوسف وسافر الى جماعته جهة قبلي يقال انه افتدى نفسه منهم بمال واطلقوه ومعه خمسة مماليك واعطوه خمسة جمال واربعة هجن وخيلا
وفيه افرجوا عن محمد آغا المحتسب وابقوه في الحسبة على مصلحة عملوها عليه وقام بدفعها وركب وشق في المدينة وعمل تسعيرة ونادى بها في الشوارع والاسواق واما الامراء فأنهم باتوا اول ليلة جهة البساتين وفي ثاني يوم ذهبوا الى حلوان وحضر اليهم حسين بك الوالي ورستم بك من الشرقية ومروا من تحت القلعة وانفصلوا من العسكر الذين كانوا معهم في الطرية وتركوا لهم الحملة ووصل اليهم أيضا يحيى بك من ناحية رشيد وأحمد بك من دمياط وذهبوا اليهم ووصل يحيى بك من ناحية الجيزة ونهبوا البلاد وأكلوا الزروعات واستمروا على ذلك وانتشروا الى ان صارت اوائلهم بزاوية المصلوب وأواخرهم بالجيزة
وفيه كتبوا مكاتبات من نساء الامراء المصرلية بأنهم لا يتعرضون لاحد من العساكر الكائنة بقبلي وان قتل منهم أحد اقتصوا من حريمهم واولادهم بمصر
وفي يوم الجمعة حضر محمد بك المبدول بأمان ودخل الى مصر
وفي يوم الاحد سادسه اصعدوا عمر بك وبقية الكشاف وبعض الاجناد المصرية الى القلعة
وفيه عدى كثير من العسكر الى بر الجيزة ووقع بينهم وبين العرب بعض مناوشات وقتل أناس كثيرة من الفريقين
وفي سابعه ظهر محمد بك الالفي الكبير من اختفائه وكان متواريه بشرقية بلبيس برأس الوادى عند شخص من العربان يسمى عشيبة فأقام عنده مدة هذه الايام وخلص اليه صالح تابعه بما معه من المال وكان البرديسي استدل على مكانه واحضر اناسا من العرب وجعل لهم مالا كثيرا عليه واخذوا في التحيل عليه فحصلت هذه الحوادث وجوزى البرديسي بنيته وخرج من مصر كما ذكر وكانوا في تلك المدة يشيعون عليه اشاعات مرة بموته ومرة بالقبض عليه وغير ذلك فلما حصل ما حصل وانجلت الطرق من المراصدين اطمأن حينئذ وركب في عدة من الهجانة وصحبته صالح بك وتابعه ومروا من خلف الجبل وذهب الى شرق اطفيح ونزل عند عرب المعازة وتواتر الخبر بذلك
وفي تاسعه وصل احمد باشا خورشيد الى منوف فتقيد السيد أحمد المحروقي وجرجس الجوهرى بتصليح بيت ابراهيم بك بالداودية وفرشه
وفي ليلة الاثنين رابع عشره وصل الباشا الى ثغر بولاق فضربوا شنكا ومدافع وخرج العساكر في صبحها والوجاقلية وركب ودخل من باب النصر وأمامه كبار العساكر بزينتهم ولم يلبس الشعار القديم بل ركب بالتخفيفة وعليه قبوط مجرور وخلفه النوبة التركية ودخل الى الدار التي أعدت له بالداودية وقدموا له التقادم وعملوا بها تلك الليلة شنكا وسواريخ
وفي يوم الثلاثاء خامس عشره مر الوالي وامامه المنادى وبيده فرمان من الباشا ينادى به على الرعية بالامن والامان والبيع والشراء
وفي منتصفه حضر عبد الرحمن بك الابراهيمي وكان في بشبيش بناحية بحرى فطلب امانا وحضر الى مصر
وفي يوم الجمعة تحول الباشا من الداودية الى الازبكية وسكن ببيت البكرى حيث كان حريم محمد باشا فركب قبل الظهر في موكب وذهب الى المشهد الحسيني وصلى الجمعة هناك ورجع الى الازبكية
وفيه فتحوا طلب مال الميرى من السنة القابلة لضرورة النفقة فاغتم الملتزمون لذلك لضيق الحال وتعطل الاسباب وعدم الامن وتوالى طلب الفرد من البلاد فلو فضل للملتزم شيء لا يصل اليه الا بغاية المشقة وركوب الضرر لوثوب الخلائق من العربان والفلاحين والاجناد والعساكر على بعضهم البعض من جميع النواحي القبلية والبحرية ثم ان الوجاقلية وبعض المشايخ راجعوا في ذلك فانحط الامر بعد ذلك على طلب نصف مال الميرى من سنة تسعة عشر وبواقي سنة سبعة عشر وثمانية عشر وكذلك باقي الحلوان الذى تأخر على المفلسين وكتبوا التنابيه بذلك وقالوا من لم يقدر على الدفع فليعرض تقسيطه على المزاد هذا والاجناد والعرب محيطة ببر الجيزة والعسكر من داخل الاسوار لا يجسرون على الخروج اليهم وحجزوا المراكب الواردة بالغلال وغيرها حتى لم يبق بالسواحل شيء من تلك الغلة أبدا ووصل سعر الادرب القمح ان وجد خمسة عشر ريالا
وفي يوم الاحد عشرينه وصل العسكر الذين كانوا صحبة سليمان بك حاكم الصعيد فدخلوا الى البلدة وأزعجوا كثيرا من الناس وسكنوا البيوت بمصر القديمة بعد ما أخرجوهم منها واخذوا فرشهم ومتاعهم وكذلك فعلوا ببولاق ومصر عندما حضر الذين كانوا ببحرى
وفيه قلدوا الحسبة لشخص عثمانلي من طرف الباشا وعزلوا محمد اغا المحتسب وكذلك عزلوا على آغا الشعراوى وقلدوا الزعامة لشخص آخر من اتباع الباشا وقلدوا اخر آغات مستحفظان
وفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرينه خرجت عساكر كثيرة وعدت الى البر الغربي ووقعت في صبحها حروب بينهم وبين المصرلية والعربان وكذلك في ثاني يوم دخلت عساكر جرحى كثيرة وعملوا لهم متاريس عند ترسة والمعتمدية وتترسوا بها والمصرلية والعربان يرمحون من خارج وهم لا يخرجون البهم من المتاريس واستمروا على ذلك الى يوم الاحد سابع عشرينه
وفي ذلك اليوم ضربوا مدافع ورجع محمد علي والكثير من العساكر واشيع ترفع المصرلية الى فوق ووقع بين العربان اختلاف واشاعوا نصرتهم على المصرلية وانهم قتلوا منهم أمراء وكشافا ومماليك وغير ذلك
وفي ذلك اليوم شنقوا شخصا بباب زويلة وآخر بالحبانية وهما من الفلاحين ولم يكن لهما ذنب قيل انه وجد معهما بارود اشترياه لمنع الصائلين عليهم من العرب فقالوا انكم تأخذونه الى المحاربين وكان شيئا قليلا
وفيه نزل جماعة من العسكر جهة قبة الغورى ومعهم نحو ثلاثين نفرا بجمالهم فقرطوا القمح المزروع وكان قد بدا صلاحه فطارت عقول الفلاحين واجتمعوا وتكاثروا عليهم وقبضوا على ثلاثة اشخاص منهم وهرب الباقون فدخلوا بهم المدينة ومعهم الاحمال وصحبتهم طبل وأطفال ونساء وذهبوا تحت بيت الباشا فأمر بقتل شخص منهم لانه شامي وليس بارنؤدى ولا انكشارى فقتلوه بالازبكية فوجدوا على وسطه ستمائة بندقي ذهب وثلثمائة محبوب ذهب والله اعلم وانقضت السنة وما حصل بها من الحوادث
{ من مات فيها ممن له ذكر }
وأما من مات فيها ممن له ذكر
فمات الفقيه العلامة والتحرير الفهامة الشيخ احمد اللحام اليونسي المعروف بالعريشي الحنفي حضر من بلدته خان يونس في سنة ثمان وسبعين ومائة وألف وحضر أشياخ الوقت وأكب على حضور الدروس وأخذ البيلي والشيخ محمد الجناجي والصبان والفرماوى وغيرهم وتفقه على الشيخ عبد الرحمن ولازمه وبه تخرج وحضر على شيخ الوالد في الدر المختار من أول كتاب البيوع الى كتاب الاجارة بقراءته وذلك سنة اثنتين وثمانين ومائة والف ولم يزل ملازما للشيخ عبد الرحمن ملازمة كلية وسافر صحبته الى اسلامبول في سنة تسعين لبعض المقتضيات وقرأ هناك الشفاء والحكم بقراءة المترجم وعاد صحبته الى مصر ولم يزل ملازما له حتى حصل للعريشي ما حصل ودنت وفاته فأوصى اليه بجميع كتبه واستقر عوضه في مشيخة روانق الشوام وقرأ الدروس في محله وكان فصيحا من المعقولات والمنقولات وقصدته الناس في الافتاء واعتمدوا اجوبته وتداخل في القضايا والدعاوى واشتهر ذكره واشترى دارا واسعة بسوق الزلط بحارة المقس خارج باب الشعرية وتجمل بالملابس وركب البغال وصار له اتباع وخدم وهرعت الناس والعامة والخاصة في دعاويهم وقضاياهم وشكاويهم اليه وتقلد نيابة القضاء لبعض قضاة العساكر اشهرا ولما حضرت الفرنساوية الى مصر وهرب القاضي الرومي بصحبة كتخدا الباشا كما تقدم تعين المترجم للقضاء بالمحكمة الكبيرة والبسه كلهبر سارى عسكر الفرنساوية خلعة مثمنة وركب يصحبه قائمقام في موكب الى المحكمة وفوضوا اليه امر النواب بالاقاليم ولما قتل كلهبر انحرف عليه الفرنساوية لكون القاتل ظهر من رواق الشوام وعزلوه ثم تبينت براءته من ذلك الى ان رتبوا الديوان في آخر مدتهم ورسم عبد الله جاك منو باختيار قاض بالقرعة فلم تقم الا على المترجم فتولاه ايضا وخلعوا عليه وركب مثل الاول الى المحكمة واستمر بها الى أن حضرت العثمانيون وقاضيهم فانفصل عن ذلك ولازم بيته مع مخالطة فصل الخصومات والحكومات والافتاء ثم قصد الحج في هذه السنة فخرج مع الركب وتمرض في حال رجوعه وتوفي ودفن بنبط رحمه الله
ومات الشيخ الامام العمدة الفقيه الصالح المحقق الشيخ علي المعروف بالخياط الشافعي حضر أشياخ الوقت وتفقه على الشيخ عيسى البراوى ولازم دروسه وبه تخرج واشتهر بالعلم والصلاح واقرأ الدروس الفقهية والمعقولية وانتفع به الطلبة وانقطع للعلم والافادة ولما وردت ولاية جدة لمحمد باشا توسون طلب انسانا معروفا بالعلم والصلاح فذكر له الشيخ المترجم فدعاه اليه واكرمه واساه واحبه وأخذه صحبته الى الحجاز وتوفي هناك رحمه الله
ومات الرئيس المبجل المهذب محمد افندي باش جاجرت الروزنامة وأصله تربية محمد افندى كاتب كبير الينكجرية وتمهر في صنعة الكتابة وقوانين الروزنامة وكان لطيف الطبع سليم الصدر محبوبا للناس
مشهور بالذوق وحسن الاخلاق مهذبا في نفسه متواضعا يسعى في حوائج اخوانه وقضاء مصالحهم المتعلقة بدفاترهم قانعا بحاله مترفها في مآكله وملبسه واقتنى كتبا نفيسة ومصاحف وتجتمع ببيته الاحباب ويدير عليهم سلاف انسه المستطاب مع الحشمة والوقار وعدم الملل والغفار ولما اختلفت الاحوال وترادفت الفتن ضاق صدره من ذلك واستوحش من مصر وأحوالها فقصد الهجرة بأهله وعياله الى الحرمين وعزم على الاقامة هناك فلما حصل هناك رأى فيها الاختلاف والخلل كذلك بسبب ظلم الشريف غالب وأتباعه واغارة الوهابيين على الحرمين وفتن العربان فلم يستحسن الاقامة هناك واشتاق لوطنه فعزم على العودة الى مصر فمرض بالطريق وتوفي ودفن بالينبع رحمه الله
ومات الامير حسين بك الذى عرف بالوشاش وهو من مماليك محمد بك الالفي وكان يعرف اولا بكاشف الشرقية لانه كان تولى كشوفيتها وكان صعب المراس شديد الباس قوى الجنان قلبه مع نحافة جسمه أعظم من جبل لبنان لا يهاب كثرة الجنود وتخشى سطوته الاسود ولما أجمعوا على خيانة الالفي واتباعه قال لهم ابراهيم بك الكبير على ما بلغنا لا يتم مرامكم بدون البداءة بالمترجم فان امكنكم ذلك والا فلا تفعلوا شيئا فلم يزالوا يدبرون عليه ويتملقونه له ويظهرون له خلاف ما يبطنون حتى تمكنوا من غدره على الصورة المتقدمة وسبب تلقبه بالوشاش انه كان طلع لملاقاة الحجاج بمنزلة الوش في سنة ورود الفرنساوية فلما لاقى الحجاج وامير الحاج صالح بك رجع صحبتهم الى الشام وحصل منه بعد ذلك المواقف الهائلة مع الفرنساوية مع أستاذه ومنفردا في الجهات القبلية والشامية ولما انجلت الحوادث وارتحلت الفرنساوية من الديار المصرية واستقرت المصريون بعد حوادث العثمانية تأمر المترجم في ستة عشر صنجقا المتأمرين وظهر شأنه واشتهر فيما بينهم ونفذت اوامره فيهم ونغص عليهم وناكدهم وعاندهم وأغار على ما بأيديهم حتى ثقلت وطأته عليهم فلم يزالوا يحتالون عليه حتى أوقعوه في حبال صيدهم وهو لا يخطر بباله خيانتهم وغدروه بينهم كما ذكر
ومات الامير رضوان كتخدا ابراهيم بك وهو أغنى مماليكه رباه واعتقه وجعله جوخداره وكان يعرف اولا برضوان الجوخدار واستمر في الجوخدارية مدة طويلة ولما رجع مع أستاذه في أواخر سنة خمس ومائتين وألف بعد موت اسمعيل بك وأتباعه الى مصر ارخى لحيته وتقلد كتخدائية استاذه وتزوج ببعض سراريه وسكن دار عبدى بك بناحية سويقة العزى ثم انتقل منها الى دار مكة على بركة الفيل تجاه بيت شكر فره وعمرها وصارت له وجاهة بين الامراء والاعيان وباشر فصل الخصومات والدعاوى وازدحم الناس ببيته واشتهر ذكره وعظم شأنه وقصدته ارباب الحاجات وأخذ الرشوات والجعالات وكان يقرأ ويكتب ويناقش ويحاجج ويعاشر الفقهاء ويباحثهم ويميل بطبعه اليهم ويحب مجالستهم ولا يمل منهم وعنده حلم وسعة صدر وتؤدة وتأن في الامور واذا مهر له الحق لا يعدل عنه وعنده دهقنة ومداهنة وقوة خرم ولما حضر علي باشا الطرابلسي على الصورة المتقدمة كان المترجم والمتعين في الارسال اليه فلم يزل يتحيل عليه حتى انخدع له وادخل رأسه الجراب وصدق تمويهاته وحضر به الى مصر وأوردوه بعد الموارد وحاز بذلك منقبة بين اقرانه ونوه بعد بشأنه وخلعوا عليه الخلع وعرضوا عليه الامارة فأباها واستمر على حالته معدودا في ارباب الرياسة وتأتي الامراء الى داره ولم يزل حتى ثارت العسكر على من بالبلدة من الامراء وحصروا ابراهيم بك ببيته في ثاني يوم هاربا والمترجم خلفه والرصاص يأخذهم من كل ناحية فأصيب في دماغه فمال عن جواده واستند على الخدم وذلك جهة الدرب الاحمر فلم يزل في غشوته حتى خرجت روحه بالرميلة فأنزلوه عند باب العزب واحتاط به المتقيدون بالباب واخذوا ما في جيوبه ثم احضروا له تابوتا وحملوه فيه الى داره فغسلوه وكفنوه ودفنوه بالقرافة سامحه الله فانه كان من خيار جنسه لولا طمع فيه ولقد بلوته سفرا وحضرا يافعا وكهلا فلم ار ما يشينه في دينه غفوفا طاهر الذيل وقورا محتشما فصيح اللسان حسن الرأى قليل الفضول جيد النظر
ومات العمدة الشريف السيد ابراهيم افندى الروزنامجي وهو ابن اخي السيد محمد الكماحي الروزنامجي المتوفي سنة سبع ومائتين والف واصلهم روميون الجنس وكان في الاصل جربجيا ثم عمل كاتب كشيدة وكان يسكن دارا صغيرة بجوار دار عمه واستمر على ذلك خامل الذكر فلما توفي عمه السيد محمد انتبذ عثمان افندى العباسي المنفصل عن الروزنامة سابقا يريد العود اليها عن شوق وتطلع لها وظنه شغور المنصب عن المتأهل اليه سواه فلم تساعده الاقدار لشدة مراسه وسأل ابراهيم بك عن شخص من اهل بيت المتوفي فذكر له السيد ابراهيم المرقوم وخموله وعدم تحمله لاعباء ذلك المنصب فقال لا بد من ذلك قطعا لطمع المتطلعين والتزم بمراعاته ومساعدته وطلبه ونقله من حضيض الخمول الى اوج السعادة والقبول فتقلد ذلك وساس الامور بالرفق والسير الحسن واشترى دارا عظيمة بدرب الاغوات وسكنها واستمر على ذلك الى ان ورد الفرنساوية الى مصر فخرج من خرج هاربا الى الشام ثم رجع مع من رجع ولم يزل حتى تمرض وتوفي في يوم الاربعاء سادس عشر القعدة من السنة رحمه الله تعالى
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة