بّسم الله الرّحمن الرّحيم
شرح تشريح القانون لإبن سينا
تأليف : إبن النفيس
الجملة الثانية : تشريح العضل
● [ الفصل الأول ] ●
كلام كُلّي في العصب والعضل والوتر والرّباط
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه لما كانت الحركة الإرادية ... إلى آخر الفصل.
الشرح
غرضه الآن بيان فائدة كل واحد من هذه الأعضاء.
قوله: إذ كانت العظام صلبة، والعصب لطيفاً. يريد باللطيف ها هنا الرقيق الدقيق الصغير الحجم، و كان كذلك لا يحسن اتصاله بالصلب لأن الصلب يلزمه أن يكون ثقيلاً، والثقيل لا يقوي اللطيف على إقلاله، ويريد بهذا أن العظام مع كونها صلبة كبيرة المقدار، إذ لو كانت صغيرة جداً لم يكن إيصال العصب بها ضاراً لكن الصغير وإن كان صلباً فهو خفيف لقلة جرمه.
قوله: ولما كان الجرم الملتئم من العصب والرباط على كل حال رقيقاً إنما كان كذلك لأن هذا الرباط لا يجوز أن يكون غالباً على العصب جداً وإلا كان ثقيلاً وكان العصب فهولا محالة يحمله عند تحريكه فيعود المحذور المذكور.
والعصب لا بد وأن يكون دقيقاً لما ذكره بعد هذا. ويلزم ذلك أن لا يكون المجتمع منهما غليظاً جداً. والأولى أنه كان يقول: والقوة المحركة إنما هي في العصب. فلو لم يحدث العضل لكان العصب إذا حمل حركة العضو احتاج إلى حمل ما معه من الرباط وجذبه إلى جهة مبدئه فيكون ذلك زيادة ثقل على العضو المتحرك فلا بد من حدوث العضل حتى يكون جذب العصب إلى موضعها فتكون المسافة قريبة فيكون في ذلك أمن من انقطاعها الذي أو جبه بعد المسافة وزيادة الثقل حينئذٍ محتملة لأنها حينئذٍ يسيرة جداً بالنسبة إلى الوهن الذي كان يوجبه بعد المسافة. وفائدة حشو العضلة باللحم أن يبقى وضع أليافها محفوظاً وإنما جعل من اللحم لأنه لو جعل من عضو صلب لم يمكن تقلص تلك الليف عند إرادة تحريك العضو. ولو جعل من الشحم ونحوه لكان يزيد تلك الألياف برداً فجعل من اللحم لأنه مع لينه يسخن تسخيناً معتدلاً لبرد العصب والرباط، وإنما جعل في وسط العضلة كالمحور من جوهر العصب ليكون جوهر العصب ليس بكثير الانتعاش فيضعف وإنما جللت العضلة بالغشاء ليكون لها حس من خارج ولا بد وأن يكون الرباط الذي يحدث منه، ومن العصب العضلة رباطاً متصلاً بعظم قريب منها حتى تكون مرتبطة بها فلا يزول عن مكانها عند جذب الوتر ذلك العضو المتحرك.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثاني ] ●
تشريح عضل الجبهة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه من المعلوم أن عضل الوجه ... إلى آخر الفصل.
الشرح
قوله من المعلوم أن عضل الوجه على عدد الأعضاء المتحركة في الوجه يريد أن أنواعها على عدد الأعضاء المتحركة، أعني المتحركة بذاتها بعضل يخصها، وأما ما يتحرك بالغرض كحركة عضو تبعاً لحركة آخر أو بالذات ولكن بشركة عضو آخر، فإنه لا يلزم أن يكون له نوع من العضل على حدة، ولا يلزم أيضاً أن يكون عدد أشخاص العضل على عدد الأعضاء المتحركة بذواتها وبانفرادها إذ قد يكون لعضو واحد عضلتان. وثلاثة تحركه حركة واحدة، وذلك بأن تكون حركته تلك بفعل الكل جملة، أو بفعل بعضها بدلاً من البعض، وإنما يلزم ذلك أن تكون الأنواع على عدد تلك الأعضاء وأعني بهذه الأنواع التي تكون نوعيتها بالإضافة إلى الأنواع المختلفة كقولنا عضل حركة الخد، وعضل حركة الصدر ونحو ذلك.
وإن كان الكل من حيث هو عضل نوعاً واحداً، وإنما كانت عضلة الجبهة رقيقة لِأن العضو المتحرك بها، وهو الجلد خفيف فلا تكون محتاجة إلى كثير من جرم الرباط والعصب، وإنما كانت مستعرضة ليمكن أن تعم جميع أجزاء الجلد لأن هذه العضلة نحرك العضو المتحرك بها بغير وتر بل بذاتها، وإنما كان كذلك لأن تحريكها له لو كان بوتر لكان ذلك الوتر إما أن ينبسط طرفه حتى يلاقي جميع أجزاء الجلد أو لا يكون كذلك. فإن كان الثاني لم يلزم من تحريكها إلا تحريك الجزء الذي يتصل به ذلك الوتر إذ الجلد شديد القبول للتمدد فإذا انجذب منه جزء لم يلزم ذلك انجذاب باقيه. وإن كان الأول لم تكن حاجة إلى ذلك الوتر إذ هذا الاتصال يمكن حصوله من ألياف العضلة من غير حاجة إلى وتر يزيد في ثخنها فيزيد في نتوء الجبهة ويكون ذلك منكراً في الخلق وإنما كانت هذه العضلة غشائية لأنها لرقتها وقلة اللحم فيها تكون كالغشاء. وإنما كانت شديدة المخالطة للجلد لأنها تحتاج أن تكون ملاقية لجميع أجزائه حتى يكون تحريكها لجميع الأجزاء جملةً واحدةً.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثالث ] ●
تشريح عضل المقلة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما العضل المحركة للمقلة ... إلى آخر الفصل.
الشرح
إنما يتم الإبصار كما بيناه في موضعه بأن يصير الثقب العيني مواجهاً للمرئي. وعلى سمته حتى يتأدى شبحه إلى هناك. وهذه المواجهة قد تتحقق بحركة المرئي، وذلك قد لا يتأتى في كل وقت. أو يكون عسراً. وقد يتحقق بحركة الرائي، وهو أسهل وأسهل ذلك أن يكون المتحرك هو المقل نفسها مع بقاء البدن على وضعه. فلذلك ينبغي أن يكون للمقلة تمكن من جميع الحركات التي تتحقق معها مواجهة المرئيات. وهذه الحركة إما أن تكون مستقيمة أو مستديرة. فإن كانت مستقيمة فلا بد وأن تكون إلى جهة لكن الجهات ست: اثنان منها لا يحتاج إليهما وهما: الخلف والقدام. لأن المواجهة تتحقق بدونهما لأنها إنما تتوقف على المسامتة. وهي لا تختلف مع القرب والبعد، فتبقى الجهات التي تحتاج المقلة أن تتحرك بالاستقامة إلى واحدة منها أو إلى أكثر من واحدة أربعاً وهي: الفوق، والأسفل، واليمين، واليسار.
فلذلك حركة المقلة بالاستقامة إما إلى جهة واحدة فتكون إلى إحدى هذه الجهات، وكل واحدة منها إنما تكون بعضلة تحركها إلى تلك الجهة فتحتاج لذلك إلى أربع عضلات أو إلى أكثر من جهة واحدة. ولا يمكن أن يكون ذلك إلى أكثر من جهتين وإلا لزم أن تكون الحركة في حال واحدة إلى جهتين متضادتين ولا شك أن ذلك محال فينبغي أن تكون جهتين فقط. فالمحركة إلى فوق، إما أن تكون مع ذلك إلى اليمين أو إلى الشمال وكذلك المحركة الأسفل فيكون من ذلك أربع حركات ولكن هذه الحركات لا يحتاج فيها إلى عضلات غير تلك الأربع. وذلك لأن الحركة إلى اليمين والفوق تحصل بفعل العضلتين المحركتين إلى هاتين الجهتين.
وكذلك الباقي، فلذلك تتم حركات المقلة المستقيمة كلها بأربع عضلات وأما حركاتها على الاستدارة. فإنما يمكن على وجهين فقط، فلذلك تتم بإحدى عضلتين. فلذلك كانت العضلات المحركة للمقلة ستاً.
وقد قيل إنها خمس، وهو ظاهر الفساد.
وأما العضل التي تدعم العصبة المجوفة من وراء المقلة من الجحوظ المفرط عند التحديق القوي، كما عند تكلف رؤية الأشياء الصغيرة جداً من بعد فقط قيل إنها عضلة واحدة بسيطة. وهو المشهور والحق.
وقيل بل واحدة مركبة من عضلتين. وقيل بل ثلاث عضلات، وقيل إنها ليست واحدة بل اثنتان وقيل ثلاث.
والله أعلم بغيبه.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الرابع ] ●
تشريح عضلات الجفن
والكلام يشتمل فيه على بحثين :
● [ البحث الأول ] ●
السبب في أن الجفن المتحرك هو الأعلى في الإنسان
ونحوه هو الجفن الأعلى
السبب في أن الجفن المتحرك هو الأعلى في الإنسان
ونحوه هو الجفن الأعلى
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الجفن فلما كان ... إلى قوله: ولما كان الجفن الأعلى يحتاج إلى حركتي الارتفاع.
الشرح
كل حيوان فإما أن لا يكون له عين ظاهرة كالخلد. فهذا ظاهر أنه لا يحتاج إلى جفن البتة فضلاً عن حركة الجفن، أو تكون له عين ظاهرة، فإما أن يكون جلده صلباً كما في السمك، فهذا لا يمكن أن يكون له جفن يتحرك، فلا يكون له تغميض، فلا بد وأن تكون عينه صلبة لتكون بعيدة عن قبول الآفات أكثر أو لا يكون جلده صلباً. فإما أن يكون من الطيور أو لا يكون كذلك، فإن كان من الطيور كان الجفن المتحرك منه هو الجفن الأسفل، وهذا إما أن يكون من الجوارح فيكون مع ذلك بعينه غشاء صفاقي يتحرك من تحت الجفن يغطي به الحدقة تارة، ويكشفها أخرى، أو لا يكون من الجوارح فلا يكون له ذلك. فإن كان الحيوان الذي جلده لين ليس من الطيور، فلا بد وأن يكون جفنه المتحرك هو الجفن الأعلى. وذلك لأن المتحرك لو كان هو السافل لكانت العضل المشيل له إلى فوق، إما أن يتصل بطرفيه أو بأحدهما فلا يلزم من رفع ذلك رفع وسط الجفن فلا يتم تغميض العين بل يبقى الموضع الذي الحاجة إلى ستره أشد، وهو موضع الباصر مكشوفاً أو يكون اتصال ذلك العضل بوسط الجفن فيلزم ذلك ستر موضع الباصرة بالوتر النازل دائماً. وذلك مبطل لفائدة العين.
فلذلك كانت حركة الجفن الأسفل في هذا الحيوان مما لا يجوز البتة فوجب أن يكون المتحرك هو الجفن الأعلى.
قوله: لكن عناية الصانع مصروفة إلى تقريب الأفعال من مبادئها، وإلى توجيه الأسباب إلى غاياتها، على أعدل طريق وأقوم منهج إن عني ها هنا بالأقوم ما هو أكثر استقامة فذلك ممنوع فإن التعريج قد يكون أو فق وخصوصاً الأعصاب الدماغية المحركة. فإنها بكونها محركة تحتاج أن تكون صلبة، وكونها دماغية يوجب لها أن تكون لينة فتحتاج إلى تعريج مسلكها لتطول المسافة فتصلب، ولو سلم له ذلك لم يفده لأن المتحرك سواء كان الجفن العالي أو السافل فلا بد من عضل نحو الأسفل يحيط الجفن، وعضل من فوق يرفعه.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الثاني ] ●
العضل المحرك للجفن الأعلى وموضعه
العضل المحرك للجفن الأعلى وموضعه
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ولما كان الجفن الأعلى يحتاج إلى حركتي ... إلى آخر الفصل.
الشرح
إذا جذب طرف الجفن الأعلى إلى أسفل لزم ذلك تغميض العين. ولا كذلك لو جذب طرف الجفن الأسفل إلى فوق. وذلك لأن الثقل الطبيعي الذي للجفن الأعلى يعاون على تلك الحركة، ويمانع منها ثقل الجفن الأسفل.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الخامس ] ●
تشريح عضل الخد
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الخد له حركتان ... إلى آخر الفصل.
الشرح
إن حركة الخد غير مقصودة لذاتها، إذ لا يتبعها فعل من الأفعال الإنسانية، ولكنها تقع إما ضرورية كما في حركته تبعاً لحركة الفك الأسفل وإما للإعانة على حركة عضو آخر كما في حركته بشركة حركة الشفّة. والحاجة إلى تحريك الشفتين هو التمكن من جودة إخراج الحروف والحركات كالضم والفتح والكسر.
ولما كان ذلك يحوج إلى تفنن هذه الحركات بحسب تفنن أنواع الحروف وما يكون منها من الحركات، وجب أن يكون للشفتين حركات متفننة. وكان ينبغي أن يكون لكل واحد منها عضلة لكن كان يعرض من ذلك انتفاخ الخد جداً، فجعل ذلك لعضلة واحدة. ويختلف ما يوجبه من الحركات باختلاف أجزائها، وأعان على ذلك خفة العضو المتحرك وصغره.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السادس ] ●
تشريح عضل الشفة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه أما الشفة فمن عضلها ... إلى آخر الفصل.
الشرح
لما كانت الحركات المذكورة أو لاً للشفة حركات سهلة أمكن أن يكون بعضل مشترك بينها وبين الخد وأن تكون بعضلة واحدة حركات كثيرة. وأما هذه الحركات فلعسرها احتيج أن تكون بعضل خاص، وأن يكون لكل حركة عضلة، وبيان عسرها أن الجسم الواحد إذا اتصل طرفه بجسم آخر كان تحريكه بدون تحريك ذلك الآخر عسراً لا محالة.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل السابع ] ●
تشريح عضل المنخر
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما طرفا الأرنبة فقد ... إلى آخر الفصل.
الشرح
الحاجة إلى تحريك المنخر هو عند إرادة دفع الفضول بالارتعاد والانتفاض، وعند إرادة زيادة في جذب الهواء، ودفعه كما في التنفس، وذلك بالانبساط والانقباض، ولما كان الاحتياج إلى ذلك نادراً لا جرم كانت الحاجة إلى تحريك الشفتين. أكثر ولما لم يكن بد من تصغير عضل أحد هذين النوعين لئلا يزداد نتوء الوجنة كان تصغير عضل الحركة التي يحتاج فيها في أو قات أقل أولى.
وأما وجوب أن تكون هذه العضلات قوية فلأجل صغرها، ولأجل عسر هذه الحركة، لأن العضو المتحرك بها صلب، فلا يكون شديد القبول للتمدد ونحوها مما توجبه الحركات قبولاً سهلاً بسهولة لقبول الشفتين.
والله ولي التوفيق.
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
● [ الفصل الثامن ] ●
تشريح عضل الفك الأسفل
والكلام في هذا يشتمل على أربعة مباحث :
● [ البحث الأول ] ●
السبب في اختصاص الفك الأسفل بالحركة
السبب في اختصاص الفك الأسفل بالحركة
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه قد خص الفك الأسفل ... إلى قوله: ثم حركات الفك الأسفل لم يحتج فيها أن تكون.
الشرح
كل حيوان فإن الفك المتحرك منه هو الفك الأسفل إلا التمساح فإنه إنما يحرك فكه الأعلى.
أما الأول فقد ذكر الشيخ أسباباً: أحدها: أن الفك الأسفل أخف، وتحريك الأخف أحسن لأن ذلك، أسهل. وإنما كان أخف لأن الأعلى احتيج فيه إلى أن يكون ساتراً واقياً لما وراءه من الدماغ. ولأنه تكون فيه أعضاء كريمة فاحتيج أن يكون عظيماً صلباً. ويلزم ذلك أن يكون ثقيلاً ولا كذلك ها هنا.
وثانيها: أن المتحرك لو كان هو الأعلى وهو مشتمل على أعضاء كريمة لينة لكانت الحركة تضر بتلك الأعضاء لما يلزمها من تمديد بعض جرمها وانقباضه. وخصوصاً الأعصاب. وإنما اختصت هذه الأعضاء بالفك الأعلى لأن أفعالها إنما تتم إذا كانت قريبة جداً من الدماغ كما نبينه في موضعه. والفك الأسفل أبعد من الدماغ.
وثالثها: أن المتحرك لو كان هو الفك الأعلى لاحتيج أن يكون مفصله مع الرأس سلساً، ولو كان كذلك لما أمكن أن يكون على سبيل الشأن أو الفراق كما بيناه أو لاً بل لا بد وأن تكون على هيئة الركز. ولو خلق كذلك لتهيأ للانخلاع بسبب ثقله، وكان انخلاعه شديد الإضرار بالأعضاء التي فيه. وها هنا أمران: آخران يوجبان اختصاص الحركة بالفك الأسفل: أحدهما: أنه لو كان المتحرك هو الأعلى والأسفل يكون ساكناً لكان مفصل الأسفل يحتاج أن يكون موثقاً، وإنما يلزم أن يكون كذلك إذا كان شديد الاتصال بعظام الرأس والعنق وإنما يكون كذلك إذ كان عظيماً جداً، ويلزم ذلك أن يكون ثقيلاً، ويلزم ذلك زيادة ثقل الوجه.
وثانيهما: لو كان المتحرك هو الفك الأعلى لكان الفغر إنما يتأتى مع تحريك طرفه إلى قدام الوجه لأنه لم يمكن متمكناً من الارتفاع كثيراً بمنع عظام الرأس له عن ذلك، ولو كان كذلك لاحتاج أن يكون هذا التحريك كثيراً جداً عند إرادة أن يكون الفغر واسعاً. ويلزم ذلك أن ينتو مواضع أو تار العضل المحركة تلك الحركة لأنها إنما تكون آتية إليه من فوق، وعند حركته إلى قدام يخرج طرفه عن سمت مواضع تلك العضل، ويلزم ذلك نتوء مواضع الأوتار، وذلك يلزمه قبح صورة الوجه جداً. ولا كذلك إذا كان المتحرك هو الفك الأسفل.
وأما الثاني وهو اختصاص التمساح بحركة الفك الأعلى فلأنه حيوان غذاؤه بالصيد ويداه خفيتان لا يتمكن من الثبات عليها حالة الصيد كما في الأسد ونحوه، فيحتاج أن يكون نهشه قوياً جداً ليتدارك بذلك ما فاته بضعف اليدين. وإنما يكون قوياً إذا كان العضو لمتحرك بالإرادة متحركاً بالطبع أيضاً. ولو كان المتحرك هو الفك الأسفل لكان الأمر بضد ذلك لأن الفك الأسفل تكون حركته عند العض والنهش الصادرة عن الإرادة مضادة لحركته بالطبع لأن تلك الحركة إلى فوق، وحركته بالطبع إلى أسفل، فلأجل احتياج التمساح إلى قوة العض جعلت أسنانه العالية موضع السافلة كمنشارين، تدخل زوائد كل واحد منهما في حفر الآخر.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الثاني ] ●
عضل إطباق الفم
عضل إطباق الفم
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه ثم حركات الفك الأسفل لم يحتج فيها ... إلى قوله وأما عضل الفغر وإنزال الفك.
الشرح
إنما يحتاج هذا الفك إلى الحركة في أحوال: أحدها: عند الكلام، وذلك يتم بفغر الفم وإطباقه بقدر يصلح لإخراج الحروف.
وثانيها: عند إيراد النفس من الفم إما لسدة في الأنف أو لأن التنفس به لا يكفي وذلك يتم بحركة الفغر.
وثالثها: عند العض والكلام، وذلك يتم بحركة الفغر والإطباق.
ورابعها: عند المضغ وذلك يحوج فيه إلى هاتين الحركتين مع حركة سحق المأكول وهي إنما تتم بإدارة الفك.
أما الاحتياج حينئذٍ إلى الإطباق فظاهر. وأما الاحتياج إلى الفغر فليمكن إدخال اللقمة، وليتسع بها ما بين الأسنان وليمكن الإطباق. فإنه إنما يكون بعد الغفر. فإذا الحركات التي يحتاج إليها هذا الفك لا تزيد على هذه الثلاثة وإنما احتيج أن يكون العضل المطبق عند الصدغين، لأن أو تار هذا العضل يحتاج أن يتصل بأطراف هذا الفك ليتمكن من رفعه. فلو وضعت في غير موضع الصدغ لافتقرت عند هذه الإشالة إلى رفع جلدة الوجنة عند مواضع الأوتار. وذلك لأجل بعد حافة الفك حينئذٍ. ويلزم ذلك قبح صورته، فاحتيج أن يكون عند الصدغين وتكون الأوتار متصلة بهذا الفك عند الزائدة المتقاربة، وذلك الموضع قريب جداً من مقدم الدماغ، وهو شديد الرطوبة، فيكون العصب الآتي إلى ذلك ليناً جداً، وعصب الحركة تحتاج أن يكون صلباً فاحتيج إلى تعريج مسلك هذا العصب لتطول المسافة طولاً يستفيد به صلابة ما، ولكنه على كل حال لا بد وأن يكون إلى لين فيكون مستعداً للتضرر بما يرد من خارج من صدمة أو ضربة، وتضرره مؤد إلى تضرر الدماغ بالمشاركة لشدة قربه منه. فاحتيج إلى ساتر يستر هذه العضلات ليكون في كون المؤدي فخلقت لذلك عظام الزوج. وابتداء تكون أو تارها عند طرف هذه العظام.
واختص الإنسان بصغر هذا النوع من العضل لأن حاجته إلى القتال بالعض قليلة جداً، ومأكله صناعي فلا يكون شديد الصلابة، ولا عسر القطع، وفكه صغير جداً بالنسبة إلى باقي الحيوان وذلك بالقياس إلى بدنه، ولذلك كانت حاجته إلى قوة هذا النوع من العضل أقل مما في باقي الحيوان، ولأجل أن هاتين العضلتين صغيرتان وعسر رفع الشيء الثقيل، وخصوصاً من طرفه خلق لهذه الحركة عضلتان من داخل الفم ينبسطان على المواضع العريضة الغائرة من هذا الفك، وتمتدان شاخصتين إلى الحنك، ويلتحمان بالعظام المقعرة التي هناك التي تطييف بها الزوائد الشبيهة بالأجنحة، ويوجد لهما هناك وتر قوي. ومنشأ هاتين العضلتين متصلان بعضلتي الصدغين فلذلك قيل أنهما جزء من عضلتي الصدغين، وقوم منعوا وجودهما البتة.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الثالث ] ●
عضل فغر الفم
عضل فغر الفم
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما عضل الفغر وإنزال الفك ... إلى قوله وأما عضل المضغ فهما عضلتان.
الشرح
هذه العضلة تكون أو لاً عضلتين دقيقتين مستطيلتين تبتدئان من خلف الأذنين ومن دونهما فإذا بلغتا أعلى مقدم العنق اتحدتا وصارتا عضلة واحدة. ثم يخرج لتلك العضلة وتر فإذا قرب من طرف اللحى عند الذقن انتفش كرة أخرى وصارت منه عضلة والتحمت هناك باللحى وإنما خلقت كذلك لأن جذبها لا بد وأن يكون إما إلى جهة المؤخر ويلزم ذلك أن يتسفل اللحى وإما إلى أسفل وإنما يمكن ذلك أن يكون جذبها إلى أسفل إذا كان ليفها متصلاً بعظام القص لأن مقدم العنق من غضاريف لا تقوى لحركة هذه العضلة، ولو خلقت كذلك لكان ليفها إذا جذب اللحى يلزمه رفع ما فوقه من الجلد مقداراً كبيراً ولا شك أن ذلك موحش للخلقة فلا بد إذاً وأن يكون جذبها إلى خلف. وحينئذ لا بد وأن يكون ليفها متصلاً بما يحاذي طرف هذا الفك من العظام التي خلفه وذلك هو الموضع المذكور. ولا يمكن أن يكون ابتداء ذلك الليف من جانب واحد وإلا كان الفك يميل عند الفغر إلى ذلك الجانب فلا بد وأن يكون من الجانبين فيكون من ذلك عضلتان لأن هذا الليف لا بد وأن يحتشي لحماً وإلا كان يبرد ويضعف ويتغير وضعه وحينئذٍ يصير عضلاً ويجب أن تكون كل واحدة منهما دقيقة لأن المقصود منهما ليس الانتشار والانبساط عرضاً، بل أن يمران إلى الموضع الذي يتحدان فيه فينبغي أن تكون الألياف على خطوط مستقيمة أو قريبة من المستقيمة ويلزم ذلك أن تكونا دقيقتين ويجب أن يتحدا عند الحد المشترك بين العنق الأسفل وإلا كان الوتر الخارج من كل واحدة منها يرفع بعض الجلد إذا تقلص ثم بعد اتحادهما يحتاج أن يخرج الوتر من ذلك المتحد إلى الطرف السافل من هذا الفك. وهو عند الذقن ليكون جذبه إلى أسفل غير مائل إلى جانب وينبغي أن ينتفش عند اتصاله به ليكون اتصاله به في مواضع كثيرة، ويلزم ذلك الانتفاش أن يحتشي المنتفش لحماً فيصير عضلة وكلام جالينوس يشير إلى أن هذه العضلة مع العضلة المتخذة من العضلتين أعني التي في أعلى مقدم العنق كلاهما عضلة واحدة، وطرفاهما لحمي ووسطها وتري ولا مشاحة في العبارة.
قوله: ويتخلص وتراً ليزداد وثاقة ثم ينتفش كرة أخرى.
لا شك أن تكرر الانتفاش تلزمه زيادة في القوة. ولكن الغرض به ها هنا زيادة القوة وإلا كان فعل ذلك في العضلة المطبقة للفم أولى، لأن المصعد للثقيل يحتاج إلى قوة أقوى من المحرك له أسفل وخصوصاً، وتلك العضلة لينة فكانت حاجتها إلى القوة أكثر بل الغرض ما ذكرناه. وهو أن يكون الجذب على حالة لا يلزمها رفع الجلد الذي فوق الوتر عن وضعه.
والله ولي التوفيق.
● [ البحث الرابع ] ●
عضل المضغ
عضل المضغ
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما عضل المضغ فهما عضلتان ... إلى آخر الفصل.
الشرح
هذا الذي ذكره الشيخ هو أحد الآراء المنقولة في هذا الفصل.
وقيل إن في كل جانب عضلتين. وقيل إن في كل جانب ثلاث عضلات.
قال جالينوس: إن عضلتي المضغ تلبسان من خارج على الفك الأسفل في طوله، وتمران معه وتتصلان برأسيهما وترتقيان إلى الوجنة وإلى العظم الذي يقال له الزوج. وهما في الحقيقة من كل واحد من الجانبين اثنتان لا واحدة والواحدة تميل الفك إلى قدام، والأخرى إلى خلف. وهاتان العضلتان تتصلان أيضاً بعضلتي الصدغ من دون العظم الذي يقال له الزوج داخل الزائدة التي تشبه المنقار.
والله ولي التوفيق.
● [ يتم متابعة الجملة الثانية : تشريح العضل ] ●
شرح تشريح القانون لإبن سينا
تأليف : إبن النفيس
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة
شرح تشريح القانون لإبن سينا
تأليف : إبن النفيس
منتدى حُكماء رُحماء الطبى . البوابة