بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
رقم الفتوى: ( 685 )
الموضوع: تفشى حمى التيفوس.
المفتى: فضيلة الشيخ محمد بخيت. 27 شعبان 1337 هجرية
المبادئ :
1 - كل من الحمى التيفوسية والحمى الراجعة تنتقل من شخص إلى آخر بواسطة القمل وغيره، وللوقاية منها لا بد من الاهتمام بالنظافة مطلقا دورا ومساكن وأماكن عبادة وأمكنة تجمعات وملابس وأجساد.
2- لا عدوى مؤثرة بطبيعتها، وإنما قد يجعل الله بمشيئته وإرادته مخالطة صحيح الجسم لمن به مرض معد سببا لإصابته بهذا المرض.
3- يجب تجنيب الأصحاء عن أصحاب الأمراض الوبائية محافظة على الأصحاء من ذوى العاهات.
سُئل :
من إدارة عموم الصحة أن الحمى التيفوسية أخذت تتفشى وتنتشر فى مصر منذ بضع سنوات حتى بلغ عدد إصاباتها فى خلال السنوات الخمس الماضية بحسب البلاغات التى وردت عنها مائة ألف وتسعمائة إصابة والغالب أن العدد الحقيقى هو أكثر من هذا الإحصاء المبنى على البلاغات الرسمية وفى العام الماضى حصلت إصابات عديدة بالحمى الراجعة. وقد علم من التجارب أن كلا من الحمى التيفوسية والحمى الراجعة تنتقل من شخص إلى آخر بوسائط منها القمل، وتريد إدارة عموم الصحة أن تنشر بيانا لإبادة القمل وطرقا للوقاية من هذين المرضين. وحيث إنهما من الأمراض الوبائية التى جرت العادة بانتشار العدوى منها أردت أن أبين حكم الدين وما يلزم شرعا بإزاء الوقاية من كل مرض يعدى.
أجاب :
إن ديننا الحنيف ربط الأسباب بمسبباتها، وناط النتائج بمقدماتها وليس فى الوجود أعز من الصحة والعافية، ولا أدل على ذلك من قول النبى صلى الله عليه وسلم - لذلكم الأعرابى الذى جاءه ليعلم ما يسأل الله عنه بعد الصلوات الخمس (سل الله العافية) وقوله فى حديث آخر (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس. الصحة والفراغ) فعلى المفتقر إلى الصحة أن يسعى وراءها بكل ما أوتيه من قوة وعلم، وعلى المتمتع بها أن يحتفظ بها كل الاحتفاظ، وأن يباعد بنفسه عن الأمراض المعدية عملا بقول الله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195 ، وشر المهلكات أمراض تتفشى وحميات تنتشر وتفتك بالنفوس فتكا ذريعا بإهمالنا تعاليم الدين الصحيحة إرشاداته النافعة فى كل ما يتعلق بالنظافة والاحتياطات الصحية وها هى كتب الدين مفعمة بما لو أخذنا ببعضه لكانت حالتنا الصحية اليوم غير ما ترى أخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد الثقفى عن أبيه قال كان فى وفد ثقيف رجل مجذوم يريد مبايعة الرسول - صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله ، أنا قد بايعناك فارجع وقال النبى - صلى الله عليه وسلم تعليما وإرشادا (اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد) وقال - صلى الله عليه وسلم - (كلم المجذوم وبينك وبينه قدر رمح أو رمحين) وقال عليه الصلاة والسلام(فر من المجذوم كما تفر من الأسد) وقال عليه السلام (لا يورد ممرض على مصح وإن الجرب الرطب قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها وآوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذى يسيل منه) وقال صلى الله عليه وسلم فى الطاعون ( من سمع به بأرض فلا يقدم عليه) وقد عمل بقوله عليه السلام ثانى الخلفاء الراشدين سيدنا عمر ابن الخطاب - رضى الله تعالى عنه - عند ما خرج إلى الشام وكان معه جمع عظيم من المهاجرين والأنصار حتى إذا ما قرب منها أخبره أمراء الأجناد أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فنادى عمر فى الناس إنى مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح أفرادا من قدر الله فقال له عمر رضى الله تعالى عنه - لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت لو كانت لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله بعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف - رضى الله تعالى عنه- وكان متغيبا فى بعض حاجته فقال إن عندى فى هذا علما. سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (إذا سمعتم به) الوباء (بأرض فلا تقدموا عليه) فحمد الله عمر وانصرف. ومثل هذا قال العلماء فى المجذومين وأمثالهم من أصحاب العاهات المعدية. إنهم يمنعون من المساجد ويتخذ لهم مكان منفرد عن الأصحاء الذين يجب عليهم أن يفروا من ملاقاتهم ومخالطتهم لئلا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة التى نهى الله عنها، وكذلك قال جمهور العلماء يثبت الخيار للزوجين فى فسخ النكاح إذا كان بأحدهما جذام. وما أكثر ما جاء فى كتب السنة من الحث على النظافة التى هى من الإيمان. ومن أهم أنواعها نظافة المساكن والدور وأماكن العبادة والمجتمعات، وكذلك نظافة الملابس والأجساد وتمشيط الشعر وتسريح اللحية وقتل الحشرات والهوام كالقمل والبراغيث والبق والذباب وغير ذلك مما ثبت أخيرا أنه من أكبر العوامل على انتشار الأمراض وتفشى الحميات تفشيا مريعا فى طول البلاد وعرضها حتى بلغ عدد الإصابات إلى تلك الكثرة التى جاءت فى مكاتبة إدارة عموم الصحة. هذا ولا يتقرب إلى ذهن العامة مخالفة ما قلناه إلى ما جاء فى الحديث الآخر (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) فإن أصح ما قيل فيه ما حمله عليه الإمام البيهقى وابن الصلاح وكثير غيرهم من جلة العلماء والمخرجين لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن هذا الحديث إنما سيق للرد على الجاهلية الذين كانوا يعتقدون أن الأسباب تؤثر بطبيعتها فى المسببات وأن الله لا يؤثر فيها - فرد عليهم النبى - صلى الله عليه وسلم - بألا عدوى مؤثرة بطبيعتها. وإنما قد يجعل الله بمشيئته وإرادته مخالطة صحيح الجسم لمن به مرض معد سببا لإصابته بهذا المرض، ولهذا كان الأمر باجتناب الأصحاء عن أصحاب الأمراض الوبائية إنما هو للمحافظة على الصحيح من ذوى العاهة، فلا تنافى بين هذا الحديث وبين ما قدمنا. لأن هذا إنما كان للرد على عقيدتهم من أن التأثير للطبيعة وباطل ما كانوا يعتقدون. فواجب المسلمين أن يبذلوا جهدهم ويشدوا عزيمتهم. ويتعاونوا جميعا على محاربة هذه الأمراض المهلكة بكل الوسائل التى يرشدهم إليها الموثوق بهم. فقد جعل الله لكل شىء سببا ولكل داء دواء والله سبحانه وتعالى كفيل أن يعينهم ويصلح أحوالنا وأحوالهم.
لا يوجد حالياً أي تعليق