من طرف الرسالة الجمعة 13 نوفمبر 2015 - 11:03
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
الأصول في النحو
● [ الضرب الثاني : المنصوب فيه هو المرفوع في المعنى ] ●
هذا الضرب العامل فيه ما كان على لفظ الفعل وتصرف تصرفه وجرى مجراه وليس به فهو خبر ( كان وأخواتها ) ألا ترى أنك إذا قلت : كان عبد الله منطلقاً فالمنطلق هو عبد الله وقد مضى شرح ذلك في الأسماء المرفوعات إذ لم يمكن أن تخلى الأسماء من الأخبار فيها
فقد غنينا عن إعادة لك في هذا الموضوع
● [ الضرب الثالث : الذي العامل فيه حرف جامد غير متصرف ] ●
الحروف التي تعمل مثل عمل الفعل فترفع وتنصب خمسة أحرف وهي : إنَّ ولكن وليت ولعلَّ وكأنَّ
فإنَّ : توكيد الحديث وهي موصلة للقسم لأنك لا تقول : والله زيد منطلق فإنْ أدخلت ( إنَّ ) اتصلت بالقسم فقلت : والله إنَّ زيداً منطلق وإذا خففت فهي كذلك إلا أنَّ لام التوكيد تلزمها عوضاً لما ذهب منها فتقول : إنَّ زيداً لقائم ولا بدّ من ا للام إذا خففت كأنهم جعلوها عوضاً ولئلا تلتبس بالنفي
ولكنَّ : ثقيلة وخفيفة توجب بها عبد نفي ويستدرك بها فهي تحقيق وعطف حال على حال تخالفها
وليت : تمن
ولعل : معناها التوقيع لمرجو أو مخوف
وقال سيبويه : لعل وعسى : طمع وإشفاق
وكأنَّ : معناها التشبيه إنما هي الكاف التي تكون للتشبيه دخلت على ( أن )
وجميع هذه الحروف مبنية على الفتح مشبهة للفعل الواجب ألا ترى أن الفعل الماضي كله مبني على الفتح فهذه الأحرف الخمسة تدخل على المبتدأ والخبر فتنصب ما كان مبتدأ وترفع الخبر فتقول : إن زيداً أخوك ولعل بكراً منطلق ولأنَّ زيداً الأسد فإنّ : تشبه من الأفعال ما قدم مفعوله نحو : ضرب زيداً رجل وأعلمت هذه الأحرف في المبتدأ والخبر كما أعلمت ( كان ) وفرق بين عمليهما : بأن قدم المنصوب بالحروف على المرفوع كأنهم جعلوا ذلك فرقاً بين الحرف والفعل فإن قال قائل : إن ( أنَّ ) إنما عملت في الإسم فقط فنصبته وتركت الخبر على حاله كما كان مع الإبتداء وهو قول الكوفيين
قيل له : الدليل على أنها هي الرافعة للخبر أن الإبتداء قد زال وبه وبالمبتدأ كان يرتفع الخبر فلما زال العامل بطل أن يكون هذا معمولاً فيه ومع ذلك أنا وجدنا كلما عمل في المبتدأ رفعاً أو نصباً علم في خبره ألا ترى إلى ظننت وأخواتها لما عملت في المبتدأ عملت في خبره وكذلك : كان وأخواتها فكما جاز لك في المبتدأ والخبر جاز مع ( أن ) لا فرق بينهما في ذلك إلا أن الذي كان مبتدأ ينتصب بأن وأخواتها
ولا يجوز أن يقدم خبرها ولا أسمها عليها ولا يجوز أيضاً أن تفصل بينهما وبين اسمها بخبرها إلا أن يكون ظرفاً لا يجوز أن تقول : إن منطلق زيداً تريد : إن زيداً منطلق ويجوز أن تقول : إن في الدار زيداً وإن خلفك عمراً لأنهم اتسعوا في الظروف وخصوها بذلك وإنما حسن تقديم الظرف إذا كان خبراً لأنَّ الظرفَ ليسَ مما تعملُ فيه ( إنَّ ) ولكثرتهِ في الإستعمال
وإذا اجتمع في هذه الحروف المعروفة والنكرة فالإختيار أن يكون الإسم المعرفة والخبر النكرة كما كان ذلك في المبتدأ لا فرق بينها في ذلك واللام تدخل على خبر ( إن ) خاصة مؤكدة له ولا تدخل في خبر أخواتها وإذا دخلت لم تغير الكلام عما كان عليه تقول : إنَّ زيداً لقائم وإنَّ زيداً لفيك راغب وإنَّ عمراً لطعامك آكل وإن شئت قلت : إنَّ زيداً فيك لراغب وإنَّ عمراً طعامك لآكل ولكنه لا بدّ من أن يكون خبر ( إنَّ ) بعد اللام لأنه كان موضعها أن تقع موقع ( إن ) لأنها للتأكيد ووصلة للقسم مثل إن فلما أزالتهما ( إن ) عن موضعها وهو المبتدأ أُدخلت على الخبر فما كان بعدها فهي داخلة عليه فإن قدمت الخبر لم يجز أن تدخل اللام فيما بعده لا يصلح أن تقول : إنَّ زيداً لفيك راغب ولا : إنَّ زيداً أكل لطعامك وتدخل هذه اللام على الإسم إذا وقع موقع الخبر
تقول : إنَّ في الدار لزيداً وإنَّ خلفك لعمراً قال الله تعالى : ( وإن لنا للآخرة والأولى )
واعلم : أنهم يقولون : إنه زيد منطلق يريدون أن الأمر زيد منطلق وإنما أظهروا المضمر المجهول في ( إن ظننت ) خاصة ولم يظهروا في ( كان ) لأن المرفوع ينستر في الفعل والمنصوب يظهر ضميره فمن قال : كان زيد منطلق قال : إنه زيد منطلق وإنه أمة الله ذاهبة وإنه قام عمرو والكوفيون يقولون : إنه قام عمرو هذه الهاء عماد ويسمونها المجهول
ويجوز أن تحذف الهاء وأنت تريدها فتقول : إنَّ زيداً منطلق تريد : إنه وإن حذفت الهاء فقبيح أن يلي إن فعل يقبح أن تقول : إن قام زيد وإن يقوم عمرو تريد : إنه فإن فصلت بينها وبين الفعل بظرف جاز ذلك فقلت : إن خلفك قام زيد ويقوم عمرو وإن اليوم خرج أخوك ويخرج عمرو وقال الفراء : اسم إن في المعنى وقال الكسائي : هي معلقة وأصحابنا يجيزون : إن قائماً زيد وإن قائماً الزيدان وإن قائماً الزيدون ينصبون ( قائماً ) بإنَّ ويرفعون ( زيداً ) بقائم على أنه فاعل
ويقولون : الفاعل سد مسد الخبر كما أن ( قائماً ) قام مقام الإسم
وتدخل ( ما ) زائدة على ( إن ) على ضربين : فمرة تكون ملغاة دخولها كخروجها لا تغير إعراباً تقول : إنما زيداً منطلق وتدخل على ( إن ) كافة للعمل فتبنى معها بناء فيبطل شبهها بالفعل فتقول : إنما زيد منطلق ( فإنما ) : ها هنا بمنزلة ( فعل ) ملغى مثل : أشهد لزيد خير منك
قال سيبويه : وأما ليتما زيداً منطلق فإن الإِلغاء فيه حسن وقد كان رؤبة ينشد هذا البيت رفعاً :
( قَالَتْ ألا لَيْتَمَا هَذا الحَمَامَ لَنَا ... إلى حَمَامَتِينَا وَنِصفه فَقَدِ )
قال وأما لعلَّما فهو بمنزلة كأنما قال ابن كراع :
( تَحَلَّلْ وعَالِجْ ذَاتَ نَفْسِكَ وانظُرَنْ ... أبا جُعَلٍ لعلَّما أنْتَ حَالِمُ )
قال الخليل : إنما لا تعمل في ما بعدها كما أن ( أرى ) إذا كانت لغواً لم تعمل ونظير ( إنما ) قول المرار :
( أَعَلاقَةً أمَّ الوَلِيدِ بَعْدَمَا ... أفْنَانُ رأسِكِ كالثَّغَامِ المُخْلِسِ )
جعل ( بعد ) مع ( ما ) بمنزلة حرف واحد وابتدأ ما بعده والفرق بين إن وإنما في المعنى أن إنما تجيء لتحقير الخبر قال سيبويه تقول : إنما سرت حتى أدخلها إذا كنت محتقرًا لسيرك إلى الدخول
و ( أن ) المفتوحة الألف عملها كعمل ( إن ) المكسورة الألف إلا أن الموضع الذي تقع فيه المكسورة خلاف الموضع الذي تقع فيه المفتوحة ونحن نفرد باباً لذكر الفتح والكسر يلي هذا الباب إن شاء الله ( وأن ) المفتوحة مع ما بعدها بمنزلة المصدر تقول : قد علمت أن زيداً منطلق فهو بمنزلة قولك : علمت انطلاق زيد وعرفت أن زيداً قائم كقولك : عرفت قيام زيد
واعلم : أنَّ ( إن وأن ) تخففان فإذا خففتا فلك أن تعملهما ولك أن لا تعملهما أما من لم يعملهما فالحجة له : أنه إنما أعمل لما اشبهت الفعل بأنها على ثلاثة أحرف وأنها مفتوحة
فلما خففت زال الوزن والشبه
والحجة لمن أعمل أن يقول : هما بمنزلة الفعل
فإذا خففتا كانتا بمنزلة فعل محذوف
فالفعل يعمل محذوفاً عمله تاماً وذلك قولك : لم يك زيد منطلقاً فعمل عمله والنون فيه والأقيس في ( أن ) : أن يرفع ما بعدها إذا خففت وكان الخليل يقرأ : ( إن هذا لساحران ) فيؤدي خط المصحف ولا بدّ من إدخال اللام على الخبر إذا خففت إن المكسورة تقول : إنِ الزيدان لمنطلقان وإنْ هذا لمنطلقان كيلا يلتبس ( بإن ) التي تكون نفياً في قولك : إن زيد قائم تريد : ما زيد بقائم وإذا نصب الإسم بعدها لم يحتج إلى اللام لأن النصب دليل فكان سبيويه لا يرى في ( إن ) إذا كانت بمعنى ( ما ) إلا رفع الخبر لأنها حرف نفي دخل على إبتداء وخبر كما تدخل ألف الإستفهام ولا تغير الكلام وذلك مذهب بني تميم
قال أبو العباس وغيره : نجيز نصب الخبر على التشبيه ب ( ليس ) كما فعل ذلك في ما
قال أبو بكر : وهذا هو القول لأنه لا فصل بينهما وبين ( ما ) في المعنى
قال أبو علي الفارسي : القول غير هذا ول ( إنْ ) المخففة أربعة مواضع : ( إن ) التي تكون في الجزاء نحو : إن تأتني آتك
والثاني : أن تكون في معنى ( ما ) نفياً تقول : إن زيد منطلق تريد : ما زيد منطلق
والثالث : أن تدخل زائدة مع ( ما ) فتردها إلى الإبتداء كما تدخل ( ما ) على إن الثقيلة فتمنعها عملها وذلك قولك : ما إن يقوم زيد وما إن زيد منطلق ولا يكون الخبر إلا مرفوعاً قال الشاعر فروة بن مسيك :
( ومَا إنْ طِبُّنا جُبْنٌ وَلكِنْ ... مَنَايَانَا ودَوْلهٌ آخِرينَا )
الرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة فإذا رفعت ما بعدها لزمك أن تدخل اللام على الخبر ولم يجز غير ذلك لما خبرتك به وعلى هذا قوله تعالى : ( إن كل نفس لما عليها حافظ ) وقوله : ( وإن كانوا يقولون ) وإن نصبت بها لم تحتج إلى اللام إلا أن تدخلها توكيداً كما تدخلها في ( إن ) الثقيلة لأن اللبس قد زال
وأما ( أن المخففة ) من المفتوحة الألف إذا خففتها من أن المشددة فالإختيار أن ترفع ما بعدها على أن تضمر فيها الهاء لأن المفتوحة وما بعدها مصدر فلا معنى لها في الإبتداء والمكسورة إنما دخلت على الإبتداء وخبره
وأن الخفيفة تكون في الكلام على أربعة أوجه : فوجه : أن تكون هي والفعل الذي تنصبه مصدراً نحو قولك : أريد أن تقوم : أي : أريد قيامك
والثاني : أن تكون في معنى ( أي ) التي تقع للعبارة والتفسير وذلك قوله تعالى : ( وانطلق الملأ منهم أن امشوا )
ومثله : ( أن اعبدوا الله ربي وربكم )
والثالث : أن تكون فيه زائدة مؤكدة وذلك قولك : لما أن جاز زيد
قمت : والله أن لو فعلت لأكرمتك قال الله تعالى : ( ولما أن جاءت رسلنا )
والرابع : أن تكون مخففة من الثقيلة وذلك قوله تعالى : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) . ولو نصبت بها وهي مخففة لجاز
قال سيبويه : لا تخففها أبداً في الكلام وبعدها الأسماء إلا وأَنتَ تريد الثقيلة تضمر فيها الإسم يعني الهاء قال : ولو لم يريدوا ذلك لنصبوا كما ينصبون إذ اضطروا في الشعر يريدون معنى ( كأن ) ولم يريدوا الإِضمار وذلك قوله :
( كأنَّ وَرِيْدَيهِ رِشَاءُ خُلْبِ ... )
قال : وهذه الكاف إنما هي مضافة إلى ( إن ) فلما اضطر إلى التخفيف ولم يضمر لم يغير ذلك التخفيف أن ينصب بها كما أنك قد تحذف من الفعل فلا يتغير عن عمله نحو : لم يكن صالحاً ولم يك صالحاً ومثل ذلك يعني الأول قول الأعشى :
( في فتيةٍ كسُيُوفِ الهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أنْ هالكٌ كلُّ منْ يَحْفَى ويَنْتَعِلُ )
كأنه قال : إنه هالك وإن شئت رفعت في قول الشاعر : كأن وريداه رشاء خلب
واعلم : أنه قبيح أن يلي ( إن ) المخففة الفعل إذا حذفت الهاء وأنت تريدها كأنهم كرهوا أن يجمعوا على الحرف الحذف وأن يليه ما لم يكن يليه وهو مثقل قبيح أن تقول : قد عرفت أن يقوم زيد : حتى تفصل بين أن والفعل بشيء يكون عوضاً من الإسم نحو : لا وقد والسين
تقول : قد عرفت أن لا يقوم زيد وأن سيقوم زيد وأن قد قام زيد كأنه قال : عرفت أنه لا يقوم زيد وأنه سيقوم زيد وأنه قد قام زيد ونظير ذلك قوله تعالى : ( علم أن سيكون منكم مرضى ) وقوله : ( أفلا يرون أن لا يرجع إليهم قولا )
وأما قولهم : أما أن جزاك الله خيراً فإنهم إنما أجازوه لأنه دعاء ولا يصلون إلى ( قد ) هنا ولا إلى ( السين ) لو قلت : أما أن يغفر الله لك
لجاز لأنه دعاء ولا تصل هنا إلى السين ومع هذا كثر في كلامهم حتى حذفوا فيه : أنه وإنه لا يحذف في غير هذا الموضع
وسمعناهم يقولون : أما أن جزاك الله خيراً شبهوه ( بأنه ) أضمروا فيها كما أضمروا في ( أن ) فلما جازت ( أن ) كانت هذه أجوز
واعلم : أنك إذا عطفت اسماً على أن وما عملت فيه من اسم وخبر فلك أن تنصبه على الإِشراك بينه وبين ما عملت فيه أن ولك أن ترفع تحمله على الإبتداء يعنى موضع أن فتقول : إن زيداً منطلق وعمراً وعمرو لأن معنى : إن زيداً منطلق زيد منطلق قال الله تعالى : ( أن الله بريء من المشركين ورسوله )
ولك أن تحمله على الإسم المضمر في ( منطلق ) وذلك ضعيف إلا أن تأتي ( بهو ) توكيداً للمضمر فتقول : إن زيداً منطلق هو وعمرو وإن شئت حملت الكلام على الأول فقلت : إن زيداً منطلق وعمراً ظريف
ولعل وكأن وليت : ثلاثتهن يجوز فيهن جميع ما جاز في إن إلا أنه لا يرفع بعدهن شيء على الإبتداء وقال سيبويه : ومن ثم اختار الناس : ليت زيداً منطلق وعمراً وضعف عندهم أن يحملوا عمراً على المضمر حتى يقولوا ( هو ) ولم تكن ليت واجبة ولا لعل ولا كأن فقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس في معناه يعني أنك لو قلت : ليت زيداً منطلق وعمرو فرفعت عمرا كما ترفعه إذا قلت إن زيدا منطلق وعمرو فعطف عمرا على الموضع لم يصلح من أجل أن ليت وكأن ولعل لها معان غير معنى ا لإبتداء وإن : إنما تؤكد الخبر والمعنى معنى الإبتداء والخبر ولم تزل الحديث عن وجوبه وما كان عليه
وإذا كان خبر إن فعلاً ماضياً لم يجز أن تدخل عليه اللام التي تدخل على خبرها إذا كان اسماً تقول : إنّ عمراً لقائم وإنّ بكراً لأخوك ولا يجوز أن تقيم ( قام ) مقام ( قائم ) فتقول : إن زيداً لقامَ وأنت تريد هذه اللام لأن هذه اللام لام الإبتداء
تقول : والله لزيد في الدار ولعمرو أخوك فإذا دخلت إن أزيلت إلى الخبر والدليل على ذلك قولهم : قد علمت إنّ زيداً لمنطلق فلولا اللام لانفتحت أن وإنما انكسرت لأن اللام مقدرة بين علمت وإن ألا ترى أنك تقول : قد علمت لزيد منطلق أقحمت اللام بين الفعل والإبتداء لأنها لام الإبتداء فلما أدخلت ( أن ) وهي تدخل على المبتدأ وخبره تأكيداً كدخول اللام للتأكيد لم يجمعوا بين تأكدين وأزالوها إلى الخبر فإن كان الخبر اسماً كالمبتدأ أو مضارعاً للإسم دخلت عليه وإن لم يكن كذلك لم تدخل عليه قال الله تعالى : ( وإن ربك ليحكم بينهم ) أي لحاكم فإن قال قائل : أراني أقول : لأقومن ولتنطلقن فأبدأ باللام وأدخلها على الفعل قيل له : ليست هذه اللام تلك اللام هذه تلحقها النون وتلزمها وليست الأسماء داخلة في هذا الضرب فإذا سمعت : والله لقامَ زيد فهذه اللام هي التي إذا دخلت على المستقبل كان معها النون كما قال امرؤ القيس:
( حَلَفْتُ لَهَا بالله حلفَةَ فَاجِرٍ ... لَنَامُوا فَمَا إن مِنْ حَديثٍ ولا صَالي )
قال : ويقال : إنه أراد : لقد ناموا فلما جاء ( بقد ) قربت الفعل من الحاضر فهذه اللام التي تكون معها النون غير مقدر فيها الإبتداء
تقول : قد علمت أن زيداً ليقومن وأن زيداً لقائم فلا تكسر أن كما تكسرها في قولك : أشهد إن محمداً لرسول الله
واعلم إن بكراً ليعلم ذلك قال سيبويه : إن هذه اللام دخلت على جهة الشذوذ
قال سيبويه : وقد يستقيم في الكلام : إن زيداً ليضرب وليذهب ولم يقع ( ضرب ) والأكثر على ألسنتهم كما خبرتك في اليمين ولا يجوز أن تدخل ( إنَّ ) على ( أنَّ ) كما لا يدخل تأنيث على تأنيث ولا استفهام على استفهام فحرف التأكيد كذلك لا يجوز أن يدخل حرف تأكيد على حرف مثله لا يجوز أن تقول : إن إنكَ منطلق يسرني تريد : إن انطلاقَك يسرني
فإن فصلتَ بينها فقلت : إن عندي أنك منطلق جاز
قال الله عز و جل : ( إن لك أن لا تجوع فيها ولا تعرى وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى ) فإنَّ هي التي فتحت أن وموضع أن في قوله : ( وأنك لا تظمأ فيها ) وما علمت فيه نصب بأن الأولى كما تقول : إن في الدار لزيداً فحسن إذا فرقت بين التأكيدين
ومن قرأ : ( وأنك لا تظمأ ) وجعلهُ مستأنفاً كقولكَ : إن في الدارِ زيداً وعمرو منطلق لأن الكلام إذا تم فلك أن تستأنف ما بعده فإن قال قائل : من أين قلت في قوله تعالى : ( وإن ربك ليحكم ) أن الفعل المضارع وقع موقع ( حاكم ) ولم تقل إن الموضع للفعل وإنما وقع الإسم موقعه بمضارعته له قيل له : لو كان حق اللام أن تدخل على الفعل وما ضارع الفعل لكان دخولها على الماضي أولى لأنه فعل كما أن المضارع فعل
ومع ذلك إنها قد تدخل على الإسم الذي لا يضارع الفعل نحو قولك : إن الله لربنا وإن زيداً لأخوك فليس هنا فعل ولا مضارع لفعل
ولا يجوز أن تُدخل هذه اللام على حرف الجزاء لا تقول : إن زيداً لأن أتاني أكرمته ولا ما أشبه ذلك
ولا تدخل على النفي ولا على الحال ولا على الصفة ولا على التوكيد ولا على الفعل الماضي كما قلنا إلا أن يكون معه ( قد )
ولكنَّ الثقيلة التي تعمل عمل ( إن ) يستدرك بها بعد النفي وبعد الإِيجاب يعني إذا كان بعدها جملة تامة كالذي قبلها نحو قولك : ما جاءني زيدٌ لكن عمراً قد جاء وتكلم عمر لكن بكراً لم يتكلم
ولكن الخفيفة إذا ابتدأت ما بعدها وقعت أيضاً بعد الإِيجاب والنفي للإستدراك
فأما إذا كانت ( لكن ) عاطفة اسماً مفرداً على اسم لم يجز أن تقع إلا بعد نفي لا يجوز أن تقول : جاءني زيد لكن عمرو وأنت تريد عطف عمرو على زيد
[ مسائل من هذا الباب ]
تقول : إن عبد الله الظريف منطلق فإن لم تذكر ( منطلق ) وجعلت الظريف خبراً رفعته فقلت : إن عبد الله الظريف كما كنت تقول : كان زيدٌ الظريف ذاهباً وإذا لم تجيْ بالذاهب قلت : كان زيدٌ الظريف وتقول : إن فيها زيداً قائماً إذا جعلت ( فيها ) الخبر ونصبت ( قائماً ) على الحال
فإن جعلت ( قائماً ) الخبر والظرف ( فيها ) رفعت فقلت : إن فيها زيداً قائم وكذلك إن زيداً فيها قائمٌ وقائماً تقول : إن بك زيداً مأخوذ وإن لك زيداً واقف لا يجوز إلا الرفع لأن ( بك ولكل ) لا يكونان خبراً لزيد فلو قلت : إن زيداً بكَ وإن زيداً لك لم يكن كلاماً تاماً وأنت تريد هذه المعاني فإن أردت بأن زيداً لك أي ملك لك وما اشبه ذلك جاز ومثل ذلك : إن فيك زيداً لراغب ولو قلت : إن فيك زيداً راغباً لم يصلح وإنما تنصب الحال بعد تمام الكلام وتقول : إن اليوم زيداً منطلق لا يجوز إلا الرفع لأن ( اليوم ) لا يكون خبراً لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب ( اليوم ) لا يكون خبراً لزيد وتقول : إن اليوم فيك زيد ذاهب فتنصب ( اليوم ) بإن لأنه ليس هنا بظرف إذ صار في الكلام ما يعود إليه
وتقو ل : إن زيداً لفيها قائماً
وإن شئت ألغيت ( لفيها ) فقلت : إن زيداً لفيها قائم واللام تدخل على الظرف خبراً كان أو ملغى مقدماً على الخبر خاصة ويدلك على ذلك قول الشاعر وهو أبو زبيد :
( إن أمراً خصني عمداً مودته ... على التنائي لعندي غير مكفور )
وإذا قلت : إن زيداً فيها لقائم فليس ( فيها ) إلا الرفع لأن اللام لا بُدَّ من أن يكون خبر إن بعدها على كل حال وكذلك : إن فيها زيداً لقائم وروى الخليل : أن ناساً يقولون : إن بك زيد مأخوذ فقال : هذا علي : إنه بك زيد مأخوذ وشبهه بما يجوز في الشعر نحو قول ابن صريم اليشكري :
( وَيْوَماً تُوافِينَا بِوَجْهٍ مقسَّم ... كَأَنْ طَبْيةٌ تَعْطُو إلى وَارِقِ السلمِ )
وقال آخر :
( وَوَجْه مُشْرِقِ النَّحْرِ ... كأنْ ثَدْياهُ حُقَّانِ )
لأنه لا يحسن ها هنا إلا الإِضمار
وزعم الخليل : أن هذا يشبه قول الفرزدق :
( فَلَوْ كُنْتٌ ضَبِّياً عَرَفْت قَرَابتي ... وَلَكِنَّ زِنجيٌ عَظِيمُ المشافِرِ )
قال سيبويه : والنصب أكثر في كلام العرب كأنه قال : ولكن زنجياً عظيم المشافر لا يعرف قرابتي
ولكنه أضمر هذا
قال : والنصب أجود لأنه لو أراد الإِضمار لخفف ولجعل المضمر مبتدأ كقولك : ما أنت صالحاً ولكن طالح : وتقول : إن مالاً وإن ولداً وإن عدداً أي : إن لهم مالاً والذي أضمرت ( لهم ) وقال الأعشى :
( إنَّ محلاً وإنَّ مرتحلاً ... وإنَّ في السفر إذ مَضَوْا مَهَلاً )
وتقول : إن غيرها إبلا وشاء كأنه قال : إن لنا غيرها إبلا وشاء وإن عندنا غيرها إبلا وشاء فالذي يضمر هذا النحو وما أشبهه ونصبت إبلا وشاء على التمييز والتبيين كإنتصاب الفارس إذا قلت : ما مثله من الناس فارساً ومثل ذلك قول الشاعر :
( يا لَيْتَ أياَّمَ الصِّبَا رواجِعَا ... )
كأنه قال : يا ليت أيام الصبا لنا رواجعا أو أقبلت رواجعاً
وقال الكسائي : أضمر ( كانت ) وتقول : إن قريباً منك زيداً إذا جعلت ( قريباً ) ظرفاً وإن جعلته اسماً قلت : إن قريباً منك زيد فيكون الأول هو الآخر وإذا كان ظرفاً كان غيره
وتقول : إن بعيداً منك زيد والوجه : أن تجعل المعرفة اسم إن فتقول : إن زيداً بعيد منك
قال سيبويه : وإن شئت قلت : إن بعيداً منك زيداً وقلما يكون بعيد منك ظرفاً
وإنما قل هذا لأنك لا تقول إن بعدك زيداً وتقول إن قربك زيداً فالدنوا أشد تمكنا من الظروف من البعد لأن حق الظرف أن يكون محيطاً بالجسم من أقطاره
وزعم يونس : أن العرب تقول : إن بدلك زيداً أي : إن مكانك زيداً وإن جعلت البدل بمنزلة البديل قلت : إن بدلك زيد أي إن بديلك زيد وتقو ل : إن ألفاً في دراهمك بيض إذا جعلت : ( بيضاً ) خبراً فإن وصفت بها ( ألفاً ) قلت : إن ألفاً في دراهمك بيضاً يجوز لك أن تفصل بين الصفة والموصوف وتقول : إن زيداً منطلق وعمراً ظريف فتعطف عمراً على ( إن ) ومثل ذلك قوله تعالى : ( ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر )
وقد رفعه قوم ولم يجعلوا الواو عاطفة على تأويل ( إذ ) كقولك : لو ضربت عبد الله وزيد قائم ما ضرك أي : لو ضربت عبد الله وزيد في هذه الحال فكأنه قال : ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر هذا أمره ما نَفَدِتْ كلمات الله وتقول : إن زيداً منطلق وعمراً فتعطف على زيد وتستغني بخبر الأول إذ كان الثاني في محل مثل حاله قال رؤبة :
( إنَّ الرَّبيعَ الجود والخريفا ... يدا أبي العباس والصيوفا )
أراد : وإن الصيوف يدا أبي العباس فاكتفى بخبر الأول
ولك أن ترفع على الموضع لأن موضع إن الإبتداء فتقول : إن زيدا منطلق وعمرو لأن الموضع للإبتداء وإنما دخلت إن مؤكدة للكلام
وتقول : إن قومك فيها أجمعون
وإن قومك فيها كلهم ففي ( فيها ) اسم مضمر مرفوع كالذي يكون في الفعل إذا قلت : إن قومك ينطلقون أجمعون فإذا قلت : إن زيداً فيها وإن زيداً يقول ذلك ثم قلت : نفسه . فالنصب أحسن
فإذا أردت حمله على المضمر قلت : إن زيداً يقول ذاك هو نفسه فإذا قلت : إن زيداص منطلق لا عمرو فتفسيره كتفسيره مع الواو في النصب والرفع وذلك قولك : إن زيداً منطلق لا عمراً وإن زيداً منطلق لا عمرو ولكن بمنزلة إن وتقول : إن زيدا فيها لا بل عمرو وإن شئت نصبت و ( لا بل ) تجري مجرى الواو ولا تقول : إن زيداً منطلق العاقل اللبيب إذا جعلته صفة لزيد ويجوز أن تقول : إن زيداً منطلق العاقل اللبيب فترفع
قال سيبويه : والرفع على وجهين : على الإسم المضمر في ( منطلق ) كأنه بدل منه كقولك : مررت به زيد يعني أنه يجعله بدلاً من المضمر في منطلق
قال : وإن شاء رفعه على معنى : مررت به زيد إذا كان جواب من هو فتقول : زيد كأنه قيل له من هو فقال : العاقل اللبيب وقد قرأ الناس هذه الآية على وجهين : ( قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب ) وعلامَ الغيوب
وتقول : إن هذا أخاك منطلق فتنصب أخاك على ضربين من التقدير : على عطف البيان وهو كالصفة وعلى البدل فمن قال هذا قال : إن الذي رأيت أخاك ذاهب ولا يكون الأخ صفة ( الذي ) لأن أخاك أخص من الذي
فلا يكون صفة وإنما حق الصفة أن تكون أعم من الموصوف
قال الخليل : إن من أفضلهم كان زيداً على إلغاء ( كان )
قال سيبويه : وسألت الخليل عن قوله : ( ويكأنه لا يفلح الكافرون ) و ( ويكأن الله ) فزعم : أنها وي مفصولة من ( كأن ) والمعنى وقع على أن القوم انتبهوا فتكلموا على قدر علمهم أو نبهوا فقيل لهم : أما يشبه أن يكون ذا عندكم هكذا والله أعلم
قال : وأما المفسرون فقالوا : ( ألم تر أن الله ) وقال زيد بن عمرو بن نفيل
( سألتاني الطَّلاق إذْ رأتَاني ... قَلَّ مالي قَدْ جِتْتُماني بنكر )
( ويَ كأنْ مَنْ يَكُنْ لَه نَشَبٌ يُحبَبْ ... ومَنْ يفتقرْ يَعشْ عيَشَ ضُرِّ )
قال وناس من العرب يغلطون فيقولون : إنهم أجمعون ذاهبون وإنكَ وزيد ذاهبان وذلك : أن معناه معنى الإبتداء فيرى أنه قال هم كما قال زهير :
( بَدَا لي أنِّي لَسْتُ مُدْرِكٌ ما مَضَى ... ولا سَابِقٍ شيئاً إذَا كَانَ جَائِيا )
فأضمر الباء وأعلمها وأما قولهم : ( والصابئون ) فعلى التقديم والتأخير كأنه ابتدأ فقال : والصابئون بعد ما مضى الخبر قال الشاعر :
( وإلاَّ فاعْلَمُوا أنَا وأَنْتُم ... بُغَاة ما بَقيْنَا في شِقَاقِ )
كأنه قال : فاعلموا أنا بغاة ما بقينا وأنتم كذلك
وتقول : إن القائم أبوه منطلقة جاريته نصبت القائم بإن ورفعت الأب بفعله وهو القيام ورفعت ( منطلقةً ) لأنه خبر إن ورفعت الجارية بالإنطلاق لأنه فعلها
ويجوز أن تكون الجارية مرفوعة بالإبتداء وخبرها : ( منطلقة ) والجملة خبر ( إن ) فيكون التقدير : إن القائم أبوه جاريته منطقة إلا أنك قدمت وأخرت ويقول : إن القائم وأخوه قاعد فترفع الأخ بعطفك إياه على المضمر في ( قائم ) والوجه إذا أردت أن تعطفه على المضمر المرفوع أن تؤكد ذلك المضمر فتقول : إن القائم هو وأخوه قاعدٌ
وإنما قلت : ( قاعد ) لأن الأخ لم يدخل في ( إن ) وإنما دخل في صلة القائم فصار بمنزلة قولك : إن الذي قام مع أخيه قاعدٌ ونظير ذلك أن المتروك هو وأخوه مريضين، صحيح ولو أردت أن تدخل الأخ في ( إن ) لقلت : إن المتروك مريضاً وأخاه صحيحان وتقول : إن زيدا كان منطلقاً نصبت زيداً ( بإن ) وجعلت ضميره في ( كان )
وكان وما عملت فيه في موضع خبر ( إن ) وإن شئت رفعت ( منطلقاً ) على وجهين : أحدهما : أن تلغي ( كان ) وقد مضى ذكر ذلك
والوجه الثاني : أن تضمر المفعول به في ( كان ) وهو قبيح وتجعل منطلقاً اسم ( كان ) فكأنك قلت : إن زيداً كأنه منطلق
وقبحه من وجهين : أحدهما : حذف الهاء وهو كقولك : إن زيداً ضرب عمرو تريد : ضربه والوجه الآخر : أنك جعلت منطلقاً هو الإسم ( لكان ) وهو نكرة وجعلت الخبر الضمير وهو معرفة فلو كان : إن زيداً كان أخوك تريد : كأنه أخوك كان أسهل وهو مع ذلك قبيح لحذف الهاء وتقول : إن أفضلهم الضارب أخاً له كان صالحاً فقولك : كان ( صالحاً ) صفة لقولك : ( أخا له ) لأن النكرات توصف بالجمل ولا يجوز أن تقول : إن أفضلهم الضارب أخاه كان صالحاً فتجعل : ( كان صالحاً ) صفة لأخيه وهو معرةف فإن قال قائل : فإنها نكرة مثلها فأجز ذلك على أن تجعله حالاً فذاك قبيحٌ والأخفش يجيزه على قبحه وقد تأولوا على ذلك قول الله تعالى : ( أو جاءوكم حصرت صدورهم ) وتأويل ذلك عند أبي العباس : على الدعاء وأنه من الله تعالى إيجاب عليهم
وقال : القراءة الصحيحة التي جل أهل العلم عليها إنما هي : ( أو جاؤكم حصرة صدروكم )
وقال الأخفش : أقول : إن في الدار جالساً أخواك فانصب ( جالساً ) ( بإن ) وارفع ( الأخوين ) بفعلهما واستغنى بهما عن خبر ( إن ) كما أقول : أذاهب لئأخواكَ فارفع ( أذاهب ) بالإبتداء وأخواك بفعلهما واستغنى عن خبر الإبتداء لأن . خبر الإبتداء إنما جيء به ليتم به الكلام
قال : وكذلك تقول : إن بك واثقاً أخواك وإن شئت ( واثقين أخواك ) فجعلت ( واثقين ) اسم ( إن ) ولا يجوز : أن بك واثقين أخويك فتنصب ( واثقين ) على الحال لأن الحال لا يجوز في هذا لأنك لا تقول : إن بك أخويك وتسكت
وتقول : إن فيها قائماً أخواك وإن شئت قائمين أخويك فتنصب أخويك ( بأن ) وقائمين على الحال وفيها خبر ( إن ) وهو خبر مقدم وإذا ولي ( قائم ) إن ولم يكن بينهما ظرف لم يجز توحيده عند الكوفيين وصار اسماً لا يفصل بينه وبين عمله بخبر إن وذلك قولك : إن قائمين الزيدان وإن قائمين الزيدون
وأجاز الفراء : إن قائماً الزيدان وإن قائماً الزيدون على معنى إن من قام الزيدان . وإن من قام الزيدون
وأجاز البصريون إن قائماً الزيدان والزيدون على ما تقدم ذكره ولا يجيز الكوفيون
إن آكلاً زيد طعامك إذا كان المنصوب بعد زيد وهذا جائز عند البصريين فإن قلت : إن آكلاً طعامك زيدٌ كانت المسألة جائزة في كل قول وكذلك كل منصوب من مصدر أو وقت أو حال أو ظرف فإن قلت : خلفك آكلاً زيد استوى القولان في تأخير الطعام بعد زيد فقلت : إن خلفك آكلاً زيد طعامك ولك أن تؤخر ( آكلاً ) والظروف من الزمان في ذا كالظروف في المكان
والفراء يجيز : إن هذا وزيد قائمان وإن الذي عندك وزيد قائمان وإنك وزيد قائمان إذا كان اسم ( إن ) لا يتبين فيه الإِعراب نحو هذا وما ذكرناه في هذه المسائل وعلى ذلك ينشدون هذا البيت :
( ومَنْ يَكُ أَمْسَى بالمَدينة رَحلُه ... فَإنِّي وَقَيَّارٌ بَهَا لَغَريبُ )
فيرفع ( قياراً ) وينصب وكذلك لو قال : الغريبان فإفراد الفعل وتثتيته في هذا عندهم سواء
والكسائي يجيز الرفع في الإسم الثاني مع الظاهر والمكنى فإن نعت اسم إن أو أكدته أو أبدلت منه فالنصب عندنا لا يجوز غيره وإنما الرفع جاء عندنا على الغلط
وقد قال الفراء : يجوز أن تقول : إنهم أجمعون قومك على الغلط لما كان معناه : هم أجمعون قومك وإنه نفسه يقوم يجوز أن ترفع توكيد ما لا يتبين فيه الإِعراب وهو وأصحابه كثيراً ما يقيسون على الأشياء الشاذة
وقال قوم : إن الإختيار مع الواو التثنية في قولك : إن زيداً وعمراً قائمان ويجوز : قائم مع ثم والفاء التوحيد ويجوز التثنية يجوز : لإن زيداً ثم عمراً قائم وقائمان
وإن زيداً فعمراً قائم وقائمان
ومع ( أو ) ( ولا ) التوحيد لا غير أن الخبر عن أحدهما خاصة دون الآخر
واعلم : أن الهاء التي تسمى المجهولة في قولك : إنه قام بكر وفي كل موضع تستعمل فيه فهي موحدة لا ينسق عليها ولا تكون منها حال منصوبة ولا توكيد ولا تؤنث ولا تثنى ولا تجمع ولا تذكر وما بعدها مبتدأ وخبر أو فعل وفاعل
وقوم يقولون : إنها إذا كانت مع مؤنث أنثت
وذكرت نحو قولك : إنه قائمة جاريتك وإنها قائمة جاريتك
وقالوا إذا قلت : إنه قائم جواريك ذكرت لا غير فإن جئت بما يصلح للمذكر والمؤنث أنثت وذكرت نحو قولك : إنه في الدار جاريتك وإنها في الدار جاريتك
وحُكي عن الفراء أنه قال : لا أُجيز : إنه قام لأن هاء العماد إنما دخلت لشيئين لإسم وخبر وكان يجيز فيما لم يسم فاعله : إنه ضُرِب وقال : لأن الضمة تدل على آخر
والكسائي يجيز : إنه قام قال : والبغداديون إذا وليت أن النكرات أضمروا والهاء ولم تضمر الهاء إلا صفة متقدمة وإن جاؤوا بعدها بأفعال يعنون بالأفعال أسم الفاعل أتبعوها إذا كانت نكرة ورفعوها إذا كانت معرفة كقولهم : إن رجلاً قائماً وإن رجلاً أخوك وإذا أضمروا الخبر لم ينسقوا عليها بالمعرفة فلا يقولون : إن رجلاً وزيداً لأن خبر المعرفة لا يُضمر عندهم ويقولون : كل أداة ناصبة أو جازمة لا تدخل عليها اللام مع ( إن ) فإن كانت الأداة لا تعمل شيئاً دخلت اللام عليها
وقد أجاز الفراء حذف الخبر في : ( إن الرجل ) وإن المرأة وإن الفأرة وإن الذبابة ولا يجيزه إلا بتكرير ( إن )
ويقولون : ( ليت ) تنصب الأسماء والأفعال أي : الأخبار نحو : ليت زيداً قائماً وقال الكسائي : أضمرت : ( كان )
وقالوا : ( لعل ) تكون بمعنى : ( كي ) وبمعنى : خليق وبمعنى : ظننت وقالوا : والدليل على ظننت أن تجيء بالشيئين والدليل على ( عسى ) أن تجيء بأن وقالوا : ( ليت ) قد ذهب بها إلى ( لو ) وأولوها الفعل الماضي وليتني أكثر من ليتي ولعلي أكثر من لعلني وإنني وإني سواءٌ
وذكر سيبويه : لهنك لرجل صدق قال : وهذه كلمة تتكلم بها العرب في حال اليمين وليس كل العرب تتكلم بها في ( إن ) ولكنهم أبدلوا الهاء مكان الألف كقولك : هرقت
ولحقت هذه اللام ( إن ) كما لحقت ( ما ) حين قلت : ( إن زيداً لما لينطلقن فلحقت ) اللام في اليمين والثانية لام ( إن ) وفي : لما لينطلقن اللام الأولى : لام ( لئن ) والثانية : لام اليمين
والدليل على ذلك النون التي معها
وقال : قول العرب في الجواب إنه فهو بمنزلة أجل وإذا وصلت قلت : إنَّ يا فتى
واعلم : أن ( إنَّ واخواتها ) قد يجوز أن تفصل بينها وبين أخبارها بما يدخل لتوكيد الشيء أو لرفعه لأنه بمنزلة الصفة في الفائدة يوضح عن الشيء ويؤكده وذلك قولك : إن زيداً فافهم ما أقول رجل صالح وإن عمراً والله ظالم وإن زيدا هو المسكين مرجوم لأن هذا في الرفع يجري مجرى المدح والذم في النصب وعلى ذلك يتأول قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أولئك لهم جنات عدن ) فأولئك هو الخبر
ومذهب الكوفيين والبغداديين في ( إن ) التي تجاب باللام يقولون : هي بمنزلة ( ما ) وإلا وقد قال الفراء : إنها بمنزلة ( قد ) وتدخل أبداً على آخر الكلام نحو قولك : إن زيداً لقائم تريد : ما زيد إلا قائم وقد قيل : إنه يريد : قد قام زيد وكذلك : إن ضرب زيد لعمراً وإن أكل زيد لطعامك وكان الكسائي يقول : هي مع الأسماء والصفات يعني بالصفات والظروف إن المثقلة خففت ومع الأفعال بمعنى ما وإلا وقال الفراء : كلام العرب أن يولوها الماضي قالوا : وقد حكى : إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه وقد حُكي مع الأسماء وأنشدوا :
فقلت :
( إن القوم الذي أَنَا مِنهم ... لأَهل مَقَامَات وشَاء وجامِلِ )
وكل ما كان من صلة الثاني لم تدخل اللام عليه وكل ما كان من صلة الأول أدخلت اللام عليه نحو قولك : إن ظننت زيداً لفي الدار قائماً فإن كان في الدار من صلة الظن دخل عليها وإن كان من صلة ( قائم ) دخلت اللام على ( قائم ) يعنون أن اللام إنما تدخل على ما هو في الأصل خبر المبتدأ ألا ترى أنه لو خلا الكلام من ( ظننت ) : كان زيد في الدار قائماً فزيد مبتدأ وفي الدار خبره وقائم حال والعامل فيه ( في الدار ) فهو من صلة ( في الدار ) فاستقبحوا أن يدخلوا اللام على ( قائم ) لأنه من صلة الثاني وهو الخبر وقالوا كل أخوات الظن وكان على هذا المذهب وكذلك صلة الثاني في قولك : إن ضربت رجلاً لقائماً لا يدخلون عليها اللام و ( قائماً ) صلة رجل هذا خطأ عندهم وعند غيرهم ولا يجوز : إن زال زيد قائماً لأنه لا يجوز زال زيدٌ لقائماً وتقول : إن كان زيدٌ لقائماً
● [ باب كسر ألف إن وفتحها ] ●
ألف إن تكسر في كل موضع يصلح أن يقع فيه الفعل والإبتداء جميعاً وإن وقعت في موضع لا يصلح أن يقع فيه إلا أحدهما لم يجز لأنها إنما تشبه فعلاً داخلاً على جملة وتلك الجملة مبتدأ وخبر والجملة التي بعد ( إنَّ ) لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف ألا ترى أنك تقول : إن عمراً منطلق فهذا موضع يصلح أن يبتدأ الكلام فيه فتقول : عمرو منطلق ويصلح أن يقع الفعل موقع المتبدأ فتقول : انطلق عمرو وهذه الجملة لا موضع لها من الإِعراب لأنها غير مبنية على شيء
و ( إنَّ ) المكسورة تكون مبتدأة ولا يعمل فيها ما قبلها وهي كلام تام مع ما بعدها وتدخل اللام في خبرها ولا تدخل اللام في خبر ( إن ) إذا كانت ( إن ) محمولة على ما قبلها
واللام إذا وليت الظن والعلم علقت الفعل فلم تعمل نحو قولك : قد علمت إن زيداً لمنطلق وأظن إن زيداً لقائم فهذا إنما يكون في العلم والظن ونحوه
ولا يجوز في غير ذلك من الأفعال لا تقول : وعدتك إنك لخارج إنما تدخل في الموضع الذي تدخل فيه أيهم فتعلق الفعل ألا ترى أنك تقول : قد علمت أيهم في الدار وكل موضع تقع فيه ( إن ) بمعنى اليمين وصلة القسم فهي مكسورة فمن ذلك قولهم إذا أرادوا معنى اليمين : أعطيته ما إن شره خير من جيد ما معك وهؤلاء الذين إن أجبتهم لأشجع من شجعائكم قال الله تعالى : ( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنؤ بالعصبة ) ( فإن ) تدخل صلة ( للذي ) لأن صلة الذي لا موضع لها من الإِعراب بعامل يعمل فيها من فعل ولا حرف جر
فإذا وقعت إن بعد القول حكاية فهي أيضاً مكسورة لأنك تحكي الكلام مبتدأ والحكاية لا تغير الكلام عما كان عليه تقول : قال عمرو : إن زيداً خير منك
قال سيبويه : كان عيسى يقرأ هذا الحرف ( فدعا ربَّه أًنَّي مغلوبٌ ) أراد أن يحكي كما قال ( والذين اتخذوا من دونه من أَولياء ما نَعْبُدهُمْ ) كأنه قال والله أعلم : قالوا : ما نعبدهم فعلى هذا عندي قراءة : ( فدعا ربه أني مغلوب ) أي : دعا ربه فقال : إني مغلوب
وتكسر أيضاً بعد إلا في قولك : ما قدم علينا أمير إلا إنَّهُ مكرم لي لأنه ليس هنا شيءٌ يعمل في ( إن ) ولا يجوز أن تكون عليه . قال : قال سيبويه : ودخول اللام ها هنا يدلك على أنه موضع ابتداء
قال الله تعالى : ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ) فإن زال ما بعد إلا عن الإبتداء وبنيته على شيء فتحت تقول : ما غضبت عليك إلا أنك فاسق كأنك قلت : إلا لأنك فاسق وأما قوله تعالى : ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله )
فإنما حمله على ( منعهم ) أي : ما منعهم إلا أنهم كفروا فموضع : أنهم كفروا رفع أي : ما منعهم لا كفرُهم فلما صار لها موضع فتحت
و ( حتى ) : تبتدأ بعدها الأسماء وهي معلقة لا تعمل في ( إن ) وذلك قولك : قد قاله القوم حتى إن زيداً يقوله : وانطلق الناس حتى إن عمراً لمنطلق
وأحال سيبويه أن تقع المفتوحة ها هنا وكذلك إذا قلت : مررت فإذا إنَّهُ يقول ذاك قال : وسمعت رجلاً من العرب ينشد هذا البيت كما أخبرتك به :
( وكُنْتُ أُرى زيداً كَما قِيلَ سِيداً ... إذَا إنَّهُ عَبْدُ القَفَا واللُّهَازمِ )
وإذا ذكرت ( إن ) بعد واو الوقت كسرت لأنه موضع ابتداء نحو قولك : رأيته شاباً وإنه يومئذ يفخر
● [ ذكر أن المفتوحة ] ●
أن المفتوحة الألف مع ما بعدها بتأويل المصدر وهي تجعل الكلام : شأناً وقصة وحديثاً ألا ترى أنك إذا قلت : علمت أنك منطلق فإنما هو : علمت انطلاقك فكأنك قلت : علمت الحديث ويقول القائل : ما الخبر فيقول المجيب : الخبر أن الأمير قادم
فهي لا تكون مبتدأة ولا بد من أن تكون قد عمل فيها عامل أو تكون مبنية على قبلها لا تريد بها الإبتداء تقول : بلغني أنك منطلق ( فأن ) في موضع اسم مرفوع كأنك قلت : بلغني انطلاقك وتقول : قد عرفت أنك قادم ( فأن ) في موضع اسم منصوب كأنك قلت : عرفت قدومك وتقول : جئتك لأن كريم ( فأن ) في موضع اسم مخفوض كأنك قلت : جئت لكرمك و ( أن ) إذا كانت مكسورة بمنزلة الفعل
وإذا كانت مفتوحة بمنزلة الإسم والفعل لا يعمل في الفعل فلذلك لا يعمل الفعل في ( إن ) المكسورة ويعمل في ( أن ) المفتوحة لما صارت بمعنى المصدر والمصدر اسم
قال سيبويه : يقبح أن تقول : أنك منطلق بلغني أو عرفت
وإنما استقبح ذلك وإن أردت تقديم الفعل لإمتناعهم من الإبتداء بأن المفتوحة لأنها إنما هي بمنزلة ( أَنْ ) الخفيفة التي هي مع الفعل بمعنى المصدر
وما كان بمنزلة الشيء فليس هو ذلك الشيء بعينه فلا يجوز أن يتصرف تصرف ( أن ) الخفيفة الناصبة للفعل في جميع أحوالها
فأما ( أَنْ ) الخفيفة التي تنصب الفعل فإنها يبتدأ بها لأن الفعل صلة لها وقد نابت هي والفعل عن مصدر ذلك الفعل ولا يلي أن الخفيفة الناصبة للفعل إلا الفعل و ( أَنَّ ) الشديدة ليست كذلك لأنه لا يليها إلا الإسم وهي بعد للتأكيد كما إن ( إن ) المكسور للتأكيد تقول : إن يقوم زيد خير لك ولا يجوز : أنْ زيد قائم خير لك قال الله تعالى : ( وأن تصوموا خير لكم ) وتقول : ليت أن زيداً منطلق فأصل هذا الإبتداء والخبر فينوب عن خبر ( ليت ) ولا يجوز : أن يقوم زيد حتى يأتي بخبر وأنت مع ( أن ) تلفظ بالفعل ومع ( أن ) المشددة قد يجوز أن لا تلفظ بالفعل نحو قولك : قد علمت أن زيداً أخوك والمواضع التي تقع فيها أن المفتوحة لا تقع فيها ( إن ) المكسورة فمتى وجدتهما يقعان في موقع واحد فاعلم : أن المعنى والتأويل مختلف
وإذا وقعت أن موقع المصدر الذي تدخل عليه لام الجر فتحتها نحو : جئتك أنك تريد الخير ويقول الرجل للرجل : لم فعلتَ ذلك فيقول : لم أنه ظريف تريد : لأنه
قال سيبويه : سألت الخليل عن قوله : ( وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ) فقال : إنما هو على حذف اللام وقال عز و جل : ( ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه أني لكم نذير مبين ) : إنما أراد : بأني وإذا عطفت ( إن ) على أن وقد عمل في الأولى الفعل ففتحها فتحتِ المعطوفَ أيضاً إلا أن تريد أن تستأنف ما بعد حرف العطف وتأتي بجملة نحو قولك : قد عرفتُ أنه ذاهب ثم إنه معجل فتحت الثانية لأن ( عرفت ) قد عمل فيها وتقول قد عرفتُ أنه منطلق ثم إنني أخبرتك أنه معجل لأنك ابتدأت ( بأني )
وإن جئت بها بعد واو الوقت كسرت كما أخبرتك وتقع بعد ( لو ) مفتوحة فتقول : لو أنك في الدار لجئتك
قال سبيويه : ( فأن ) مبنية على ( لو ) كما كانت مبنية على ( لولا ) تقول : لولا أني منطلق لفعلت ( فأن ) مبنية على ( لولا ) كما تبنى عليها الأسماء وقال في لو كأنك قلت : لو ذاك وهذا تمثيل وإن كانوا لا يبنون على ( لو ) غير أن كما كان ( تسلم ) في قولك بذي تسلم في موضع اسم
قال أبو العباس رحمه الله : إن ( لو ) إنما تجيء على هيئة الجزاء فإذا قلت : لو أكرمتني لزرتك فلا بد من الجواب لأن معناها : إن الزيارة امتنعت لإمتناع الكرامة فلا بد من الجواب لأنه علة الإمتناع و ( إن ) المكسورة لا يجوز أن تقع هنا كما لا يجوز أن تقع بعد حروف الجزاء لأنها إنما أشبهت الفعل في اللفظ والعمل لا في المعنى و ( أن ) المفتوحة مع صلتها مصدر في الحقيقة فوقوعها على ضربين : أحدهما أن المصدر يدل على فعله فيجري منه ويعمل عمله فقد صح معناها في هذا الوجه
فإن قال قائل إذا قلت : لو أنك جئتني لأكرمتك فلِمَ لا تقول : لو مجيئك لأكرمتك قيل له : لأن الفعل الذي قد لفظت به من صلة ( أن ) والمصدر ليس كذلك ألا ترى أنك تقول : ظننت أنك منطلق فتعديه إلى ( أن ) وهي وصلتها اسم واحد لأنه قد صار لها اسم وخبر فدلت بهما على المفعولين
وغيرهما من الأسماء لا بد معه من مفعول ثان
والوجه الآخر أن الأسماء تقع بعد ( لو ) على تقديم الفعل الذي بعدها فقد وليتها على حال وإن كان ذلك من أجل ما بعدها فلذلك وليتها ( أن ) لأنها اسم وامتنعت المكسورة لأنها حرف جاء لمعنى التوكيد والحروف لا تلي ( لو ) فمما وليها من الأسماء قوله تعالى : ( قل لو أنتم تملكون )
وقال جرير :
( لَوْ غَيْرُكُم عَلقَ الزُّبيرُ بِحبْلِه ... أدى الجِوَارَ إلى بني العَوَّامِ )
وفي المثل : لو ذات سوارٍ لطمتني . . وكذلك : لو أنك جئت أي : لو وقع مجيئك لأن المعنى عليه قال سيبويه : سألته يعني الخليل عن قول العرب : ما رأيته مذ أنّ الله خلقني
فقال : إن في موضع اسم كأنك قلت : مذ ذاك فإن كان الفعل أو غيره يصل باللام جاز تقديمه وتأخيره لأنه ليس هو الذي عمل فيه في المعنى وذلك نحو قول تعالى : ( وأن المساجد لله ولا تدعوا مع الله أحدا ) أي : ولأن المساجد وإنما جاز ذلك لأن اللام مقدرة قبل ( أن ) وهي العاملة في ( أن ) لا الفعل وكل موضع تقع فيه ( أن ) تقع فيه ( إنما ) وما ابتدئ بعدها صلة لها كما أن ما ابتدئ بعد الذي صلة له ول تكون هي عاملة فيما بعدها كما لا يكون الذي عاملاً فيما بعده فمن ذلك قوله تعالى : ( قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد )
فلو قلت : يوحي إلي أن إلهكم إله واحد كان حسناً فأما إنما مكسورة فلا تكون اسماً وإنما هي فيما زعم الخليل بمنزلة فعل ملغى مثل : أشهد لزيد خير منك
والموضع الذي لا يجوز أن يكون فيه ( أن ) لا تكون ( إنما ) إلا مبتدأة مكسورة مثل قولك : وجدتك إنما أنت صاحب كل خنيّ لأنك لو قلت : وجدتك أنك صاحب كل خنيِّ لم يجز
( وإنما وأن ) يُصيّران الكلام : شأناً وقصةً وحديثاً ولا يكون الحديث الرجل ولا زيداً ولا ما أشبه ذلك من الأسماء
ويجوز أن تبدل مما قبلها إذا كان ما قبلها حديثاً وقصةً تقول : بلغتني قصتك أنك فاعل وقد بلغني الحديث أنهم منطلقون فقولك : ( أنهم منطلقون ) هو الحديث
وقد تبدل من شيء ليس هو الحديث ولا القصة لإشتمال المعنى عليه نحو قول عز و جل : ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم )
( فأن ) مبدلة من إحدى الطائفتين موضوعة في مكانها كأنك قلت : وإذ يعدكم الله أن إحدى الطائفتين لكم وهذا يَتَّضِح إذا ذكرنا البدل في موضعه إن شاء الله
كتاب : الأصول في النحو
المؤلف : أبي بكر محمد بن سهل بن السراج النحوي البغدادي
منتدى الرسالة الخاتمة - البوابة