منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    خلفاء الدولة العباسية [ 1 ]

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    خلفاء الدولة العباسية [ 1 ] Empty خلفاء الدولة العباسية [ 1 ]

    مُساهمة من طرف الرسالة الخميس 12 نوفمبر 2015 - 7:33

    خلفاء الدولة العباسية [ 1 ] Taregh10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة السيرة والتاريخ
    تاريخ الخلفاء للسيوطيي
    خلفاء الدولة العباسية [ 1 ]
    خلفاء الدولة العباسية [ 1 ] 1410
    ● [ السفاح ] ●
    132 هـ ـ 136 هـ

    السفاح : أول خلفاء بني العباس أبو العباس بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم
    ولد سنة ثمان و مائة ـ و قيل : سنة أربع ـ بالحميمة من ناحية البلقاء و نشأ بها و بويع بالكوفة و أمه ريطة الحارثية
    حدث عن أخيه إبراهيم بن محمد الإمام
    و روى عنه عمه عيسى بن علي و كان أصغر من أخيه المنصور
    أخرج أحمد في مسنده [ عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان و ظهور من الفتن يقال له السفاح فيكون إعطاؤه المال حثيا ]
    و قال عبيد الله العيشي : قال أبي سمعت الأشياخ يقولون : و الله لقد أفضت الخلافة إلى بني العباس و ما في الأرض أحد أكثر قارئا للقرآن و لا أفضل عابدا و لا ناسكا منهم
    قال ابن جرير الطبري : كان بدء أمر بني العباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أعلم العباس عمه أن الخلافة تؤول إلى ولده فلم يزل ولده يتوقعون ذلك
    و عن رشدين بن كريب أن أبا هاشم عبد الله بن محمد ابن الحنيفة خرج إلى الشام فلقي محمد بن علي بن عبد الله بن عباس فقال : يا ابن عم إن عندي علما أريد أن أنبذه إليك فلا تطلعن عليه أحدا إن هذا الأمر الذي ترتجيه الناس فيكم قال : قد علمته فلا يسمعنه منك أحد
    و روى المدائني عن جماعة أن الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس قال : لنا ثلاثة أوقات : موت يزيد بن معاوية و رأس المائة و فتق بإفريقية فعند ذلك تدعو لنا دعاة ثم تقبل أنصارنا من المشرق حتى ترد خيولهم المغرب فلما قتل يزيد بن أبي مسلم بإفريقية و نقضت البربر بعث محمد الإمام رجلا إلى خراسان و أمره أن يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه و سلم و لا يسمي أحدا ثم وجه أبا مسلم الخراساني و غيره و كتب إلى النقباء فقبلوا كتبه ثم لم ينشب أن مات محمد فعهد إلى ابنه إبراهيم فبلغ خبره مروان فسجنه ثم قتله فعهد إلى أخيه عبد الله و هو السفاح فاجتمع إليه شيعتهم و بويع بالخلافة بالكوفة في ثالث ربيع الأول سنة اثنتين و ثلاثين و مائة و صلى بالناس الجمعة و قال في الخطبة : الحمد لله الذي اصطفى الإسلام لنفسه فكرمه و شرفه و عظمه و اختاره لنا و أيده بنا و جعلنا أهله و كهفه و حصنه و القوام به و الذابين عنه ثم ذكر قرابتهم في آيات القرآن إلى أن قال : فلما قبض الله نبيه قام بالأمر أصحابه إلى أن وثب بنو حرب و مروان فجاروا و استأثروا فأملى الله لهم حينا حتى آسفوه فانتقم منهم بأيدينا ورد علينا حقنا ليمن بنا على الذين استضعفوا في الأرض و ختم بنا كما افتتح بنا و ما توفيقنا أهل البيت إلا بالله يا أهل الكوفة أنتم محل محبتنا و منزل مودتنا لم تفتروا عن ذلك و لم يثنكم عنه تحامل أهل الجور فأنتم أسعد الناس بنا و أكرمهم علينا و قد زدت في أعطياتكم مائة مائة فاستعدوا فأنا السفاح المبيح و الثائر المبير
    و كان عيسى بن علي إذا ذكر خروجهم من الحميمة يريدون الكوفة يقول : إن أربعة عشر رجلا خرجوا من دارهم يطلبون ما طلبنا لعظيمة هممهم شديدة قلوبهم
    و لما بلغ مروان مبايعة السفاح خرج لقتاله فانكسر كما تقدم ثم قتل و قتل في مبايعة السفاح من بني أمية و جندهم ما لا يحصى من الخلائق و توطدت له الممالك إلى أقصى المغرب
    قال الذهبي : بدولته تفرقت الجماعة و خرج عن الطاعة ما بين تاهرت و طبنة إلى بلاد السودان و جميع مملكة الأندلس و خرج بهذه البلاد من تغلب عليها و استمر ذلك
    مات السفاح بالجدري في ذي الحجة سنة ستة و ثلاثين و مائة و كان قد عهد إلى أخيه أبي جعفر و كان في سنة أربع و ثلاثين قد انتقل إلى الأنبار و صيرها دار الخلافة
    و من أخبار السفاح : قال الصولي : من كلامه : إذا عظمت القدرة قلت الشهوة و قل تبرع إلا معه حق مضاع
    و قال : إن من أدنياء الناس و وضعائهم من عد البخل حزما و الحلم ذلا
    و قال : إذا كان الحلم مفسدة كان العفو معجزة و الصبر حسن إلا على ما أوقع الدين و أوهن السلطان و الأناة محمودة إلا عند إمكان الفرصة
    قال الصولي : و كان السفاح أسخى الناس ما وعد عدة فأخرها عن وقتها و لا قام من مجلسه حتى يقضيها
    و قال له عبد الله بن حسن مرة : سمعت بألف درهم و ما رأيتها قط فأمره بها فأحضرت و أمر بحملها معه إلى منزله
    قال : و كان نقش خاتمه [ الله ثقة عبد الله و به يؤمن ] و قل ما يروى له من الشعر
    و قال سعيد بن مسلم الباهلي : دخل عبد الله بن حسن على السفاح مرة و المجلس غاص ببني هاشم و الشيعة و وجوه الناس و معه مصحف فقال : يا أمير المؤمنين أعطنا حقنا الذي جعله الله لنا في هذا المصحف قال له : إن عليا جدك كان خيرا مني و أعدل ولي هذا الأمر أفأعطى جديك الحسن و الحسين ـ و كانا خيرا منك ـ شيئا ؟ و كان الواجب أن أعطيك مثله فإن كنت فعلت فقد أنصفتك و إن كنت زدتك فما هذا جزائي منك فانصرف و لم يحر جوابا و عجب الناس من جواب السفاح
    قال المؤرخون : في دواة بني العباس افترقت كلمة الإسلام و سقط اسم العرب من الديوان وأدخل الأتراك في الديوان و استولت الديلم ثم الأتراك و صارت لهم دولة عظيمة و انقسمت ممالك الأرض عدة أقسام و صار بكل قطر قائم يأخذ الناس بالعسف و يملكهم بالقهر
    قالوا : و كان السفاح سريعا إلى سفك الدماء فأتبعه في ذلك عماله بالمشرق و المغرب و كان مع ذلك جوادا بالمال
    مات في أيامه من الأعلام : زيد بن أسلم و عبد الله بن أبي بكر بن حزم و ربيعة الرأي فقيه أهل المدينة و عبد الملك بن عمير و يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي و عبد الحميد الكاتب المشهور قتل ببوصير مع مروان و منصور بن المعتمر و همام بن منبه
    ● [ أبو جعفر المنصور ] ●
    136 هـ ـ 158 هـ
    المنصور أبو جعفر : عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس و أمه سلامة البربرية أم ولد ولد سنة خمس و تسعين و أدرك جده و لم يرو عنه
    و روى عن أبيه و عن عطاء بن يسار و عنه ولده المهدي و بويع بالخلافة بعهد من أخيه و كان فحل بني العباس هيبة و شجاعة و حزما و رأيا و جبروتا جماعا للمال تاركا اللهو و اللعب كامل العقل جيد المشاركة في العلم و الأدب فقيه النفس قتل خلقا كثيرا حتى استقام ملكه و هو الذي ضرب أبا حنيفة رحمه الله على القضاء ثم سجنه فمات بعد أيام و قيل : إنه قتله بالسم لكونه أفتى بالخروج عليه و كان فصيحا بليغا مفوها خليقا للإمارة و كان غاية في الحرص و البخل فلقب [ أبا الدوانيق ] لمحاسبته العمال و الصناع على الدوانيق و الحبات
    أخرج الخطيب [ عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : منا السفاح و منا المنصور و منا المهدي ]
    قال الذهبي : منكر منقطع
    و أخرج الخطيب و ابن عساكر و غيرهما من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : [ منا السفاح و منا المنصور و منا المهدي ]
    قال الذهبي : إسناده صالح
    و أخرج ابن عساكر من طريق إسحاق بن أبي إسرائيل [ عن محمد بن جابر عن الأعمش عن أبي الوداك عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهم ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : منا القائم و منا المنصور و منا السفاح و منا المهدي فأما القائم فتأتيه الخلافة و لم يهرق فيها محجمة من دم و أما المنصور فلا ترد له راية و أما السفاح فهو يسفح المال و الدم و أما المهدي فيملؤها عدلا كما ملئت ظلما ]
    و عن المنصور قال : رأيت كأني في الحرم و كأن رسول الله صلى الله عليه و سلم في الكعبة و بابها مفتوح فنادى مناد : أين عبد الله ؟ فقام أخي أبو العباس حتى صار على الدرجة فأدخل فما لبث أن خرج و معه قناة عليها لواء أسود قدر أربعة أذرع ثم نودي : أين عبد الله ؟ فقمت على الدرجة فأصعدت و إذا رسول الله صلى الله عليه و سلم و أبو بكر و عمر و بلال فعقد لي و أوصاني بأمته و عمني بعمامة فكان كورها ثلاثة و عشرين و قال : خذها إليك أبا الخلفاء إلى يوم القيامة
    تولى المنصور الخلافة في أول سنة سبع و ثلاثين و مائة فأول ما فعل أن قتل أبا مسلم الخراساني صاحب دعوتهم و ممهد مملكتهم
    و في سنة ثمان و ثلاثين و مائة كان دخول عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي إلى الأندلس و استولى عليها و امتدت أيامه و بقيت الأندلس في يد أولاده إلى بعد الأربعمائة و كان عبد الرحمن هذا من أهل العلم و العدل و أمه بربرية
    قال أبو المظفر الأبيوردي : فكانوا يقولون : ملك الدنيا ابنا بربريتين : المنصور و عبد الرحمن بن معاوية
    و في سنة أربعين شرع في بناء مدينة بغداد
    و في سنة إحدى و أربعين كان ظهور الراوندية القائلين بالتناسخ فقتلهم المنصور و فيها فتحت طبرستان
    قال الذهبي : في سنة ثلاث و أربعين شرع علماء الإسلام في هذا العصر في تدوين الحديث و الفقه و التفسير فصنف ابن جريج بمكة و مالك الموطأ بالمدينة و الأوزاعي بالشام و ابن أبي عروبة و حماد بن سلمة و غيرهما بالبصرة و معمر باليمن و سفيان الثوري بالكوفة و صنف ابن إسحاق المغازي و صنف أبو حنيفة رحمه الله الفقه و الرأي ثم بعد يسير صنف هشيم و الليث و ابن لهيعة ثم ابن المبارك و أبو يوسف و ابن وهب و كثر تدوين العلم و تبويبه و دونت كتب العربية و اللغة و التاريخ و أيام الناس و قبل هذا العصر كان الأئمة يتكلمون من حفظهم أو يروون العلم من صحف صحيحة غير مرتبة
    و في سنة خمس و أربعين كان خروج الأخوين محمد و إبراهيم ابني عبد الله بن حسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب فظفر بهما المنصور فقتلهما و جماعة كثيرة من آل البيت فإنا لله و إنا إليه راجعون
    و كان المنصور أول من أوقع الفتنة بين العباسين و العلويين و كانوا قبل شيئا واحدا و آذى المنصور خلقا من العلماء ممن خرج معهما أو أمر بالخروج قتلا و ضربا و غير ذلك : منهم أبو حنيفة و عبد الحميد بن جعفر و ابن عجلان و ممن أفتى بجواز الخروج مع محمد على المنصور مالك بن أنس رحمه الله و قيل له : إن في أعناقنا بيعة للمنصور فقال : إنما بايعتكم مكرهين و ليس على مكره يمين
    و في سنة ست و أربعين كانت غزوة قبرس
    و في سنة سبع و أربعين خلع المنصور عمه عيسى بن موسى من ولاية العهد و كان السفاح عهد إليه من بعد المنصور و كان عيسى هو الذي حارب له الأخوين فظفر بهما فكافأه بأن خلعه مكرها و عهد إلى ولده المهدي
    و في سنة ثمان و أربعين توطدت الممالك كلها للمنصور و عظمت هيبته في النفوس و دانت له الأمصار و لم يبق خارجا عنه سوى جزيرة الأندلس فقط فإنها غلب عليها عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني لكنه لم يتلقب بأمير المؤمنين بل الأمير فقط و كذلك بنوه
    و في سنة تسع و أربعين فرغ من بناء بغداد
    و في سنة خمسين خرجت الجيوش الخراسانية عن الطاعة مع الأمير استاذ سيس و استولى على أكثر مدن خراسان و عظم الخطب و استفحل الشر و اشتد على المنصور الأمر و بلغ ضريبة الجيش الخراساني ثلاثمائة ألف مقاتل ما بين فارس و راجل فعمل معهم أجشم المروزي مصافا فقتل أجشم و استبيح عسكره فتجهز لحربهم خازم بن خزيمة في جيش عرمرم يسد الفضاء فالتقى الجمعان و صبر الفريقان و كانت وقعة مشهورة يقال : قتل فيها سبعون ألفا و انهزم أستاذ سيس فالتجأ إلى جبل و أمر الأمير خازم في العام الآتي بالأسرى فضربت أعناقهم و كانوا أربعة عشر ألفا ثم حاصروا أستاذ سيس مدة ثم سلم نفسه فقيده و أطلقوا أجناده و كان عددهم ثلاثين ألفا انتهى
    و في سنة إحدى و خمسين بنى الرصافة و شيدها
    و في سنة ثلاث و خمسين ألزم المنصور رعيته بلبس القلانس الطوال فكانوا يعملونها بالقصب و الورق و يلبسونها السوداء فقال أبو دلامة :
    وكنا نرجي من إمام زيادة . فزاد الإمام المصطفى في القلانس
    تراها على هام الرجال كأنها . دنان يهود جللت بالبرانس
    و في سنة ثمان و خمسين أمر المنصور نائب مكة بحبس سفيان الثوري و عباد بن كثير فحبسا و تخوف الناس أن يقتلهما المنصور إذا ورد الحج فلم يوصله الله مكة سالما بل قدم مريضا و مات و كفاهما الله شره و كانت وفاته بالبطن في ذي الحجة و دفن بين الحجون و بين بئر ميمون و قال سلم الخاسر :
    قفل الحجيج و خلفوا ابن محمد . رهنا بمكة في الضريح الملحد
    شهدوا المناسك كلها و إمامهم . تحت الصفائح محرما لم يشهد
    و من أخبار المنصور أخرج ابن عساكر بسنده أن أبا جعفر المنصور كان يرحل في طلب العلم قبل الخلافة فبينا هو يدخل منزلا من المنازل قبض عليه صاحب الرصد فقال : زن درهمين قبل أن تدخل قال : خل عني فإني رجل من بني هاشم قال : زن درهمين فقال : خل عني فإني من بني عم رسول الله صلى الله عليه و سلم قال زن درهمين قال : خل عني فإني رجل قارىء لكتاب الله قال : زن درهمين قال : خل عني فإني رجل عالم بالفقه و الفرائض قال : زن درهمين فلما أعياه أمره وزن الدرهمين فرجع و لزم جمع المال و التدنق فيه حتى لقب بأبي الدوانيق
    و أخرج عن الربيع بن يونس الحاجب قال : سمعت المنصور يقول : الخلفاء أربعة : أبو بكر و عمر و عثمان و علي و الملوك أربعة : معاوية و عبد الملك و هشام و أنا
    و أخرج عن مالك بن أنس قال : دخلت على أبي جعفر المنصور فقال : من أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم ؟ قلت : أبو بكر و عمر قال أصبت و ذلك رأي أمير المؤمنين
    و أخرج عن إسماعيل الفهري قال : سمعت المنصور في يوم عرفة على منبر عرفة يقول في خطبته :
    أيها الناس : إنما أنا سلطان الله في أرضه أسوسكم بتوفيقه و رشده و خازنه على فيئه أقسمه بإرادته و أعطيه بإذنه و قد جعلني الله عليه قفلا : إذا شاء أن يفتحني فتحني لإعطائكم و إذا شاء أن يقفلني عليه أقفلني فارغبوا إلى الله أيها الناس و سلوه في هذا البيت الشريف الذي وهب لكم فيه من فضله ما أعلكم في كتابه إذ يقول : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } أن يوفقني للصواب و يسددني للرشاد و يلهمني الرأفة بكم و الإحسان إليكم و يفتحني لإعطائكم و قسم أرزاقكم بالعدل فإنه سميع مجيب و أخرجه الصولي و زاد في أوله أن سبب هذه الخطبة أن الناس بخلوه و زاد في آخره : فقال بعض الناس : أحال أمير المؤمنين بالمنع على ربه
    و أخرج عن الأصمعي و غيره أن المنصور صعد المنبر فقال :
    الحمد لله أحمده و أستعينه و أومن به و أتوكل عليه و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فقام : إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أذكر من أنت في ذكره فقال : مرحبا مرحبا لقد ذكرت جليلا و خوفت عظيما و أعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم و الموعظة منا بدت و من عندنا خرجت و أنت يا قائلها فأحلف بالله ما أردت بها و إنما أردت أن يقال : قام فقال فعوقب فصبر فاهون بها من قائلها و اهتبلها من الله ويلك ! إني قد غفرتها و إياكم معشر الناس و أمثالها و أشهد أن محمدا عبده و رسوله فعاد إلى خطبته فكأنما يقرؤها من قرطاس
    و أخرج من طرق أن المنصور قال لابنه المهدي : يا أبا عبد الله الخليفة لا يصلحه إلا التقوى و السلطان لا يصلحه إلا الطاعة و الرعية لا يصلحها إلا العدل و أولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة و أنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه
    و قال : لا تبر من أمرا حتى تفكر فيه فإن فكرة العاقل مرآته تريه قبيحة و حسنه
    و قال : أي بني استدم النعمة بالشكر و المقدرة بالعفو و الطاعة بالتألف و النصر بالتواضع و الرحمة للناس
    و أخرج [ عن مبارك بن فضالة قال : كنا عند المنصور فدعا برجل و دعا بالسيف فقال المبارك : يا أمير المؤمنين سمعت الحسين يقول : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان يوم القيامة قام مناد من عند الله ينادي ليقم الذين أجرهم على الله فلا يقوم إلا من عفا ] فقال المنصور : خلوا سبيله
    و أخرج عن الأصمعي قال : أتى المنصور برجل يعاقبه فقال : يا أمير المؤمنين الانتقام عدل و التجاوز فضل و نحن نعيذ أمير المؤمنين بالله أن يرضى لنفسه بأوكس النصيبين دون أن يبلغ أرفع الدرجتين فعفا عنه
    و أخرج عن الأصمعي قال : لقي المنصور أعرابيا بالشام فقال أحمد الله يا أعرابي الذي رفع عنكم الطاعون بولايتنا أهل البيت قال : إن الله لا يجمع علينا حشفا و سوء كيل ولايتكم و الطاعون
    و أخرج عن محمد بن منصور البغدادي قال : قام بعض الزهاد بين يدي المنصور فقال : إن الله أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها و اذكر ليلة تبيت في القبر لم تبت قبلها ليلة و اذكر ليلة تمخض عن يوم لا ليلة بعده فأفحم المنصور و أمر له بمال فقال : لو احتجت إلى مالك ما وعظتك
    و أخرج عن عبد السلام بن حرب أن المنصور بعث إلى عمرو بن عبيد فجاءه فأمر له بمال فأبى أن يقبله فقال المنصور : و الله لتقبلنه فقال : و الله لا أقبله فقال له المهدي : قد حلف أمير المؤمنين فقال : أمير المؤمنين أقوى على كفارة اليمين من عمك فقال له المنصور : سل حاجتك ؟ قال : أسألك أن لا تدعوني حتى آتيك و لا تعطني حتى أسألك فقال : علمت أني جعلت هذا ولي عهدي فقال يأتيه الأمر يوم يأتيه و أنت مشغول
    و أخرج عن عبد الله بن صالح قال : كتب المنصور إلى سوار بن عبد الله قاضي البصرة : انظر التي تخاصم فيها فلان القائد و فلان التاجر فادفعها إلى القائد فكتب إليه سوار : إن البينة قد قامت عندي أنها للتاجر فلست أخرجها من يده إلا ببينة فكتب إليه المنصور : و الله الذي لا إله إلا هو لتدفعنها إلى القائد فكتب إليه سوار : و الله الذي لا إله إلا هو لا أخرجتها من يد التاجر إلا بحق فلما جاءه الكتاب قال : ملأتها و الله عدلا و صار قضاتي تردني إلى الحق
    و أخرج من وجه آخر أن المنصور وشي إليه بسوار فاستقدمه فعطس المنصور فلم يشمته سوار فقال ما يمنعك من التشميت ؟ قال : لأنك لم تحمد الله فقال قد حمدت الله في نفسي قال شمتك في نفسي قال : ارجع إلى عملك فإنك إذا لم تحابني لم تحاب غيري
    و أخرج عن نمير المدني قال : قدم المنصور المدينة و محمد بن عمران الطلحي على قضائه و أنا كاتبه فاستعدى الجمالون على المنصور في شيء فأمرني أن أكتب إليه بالحضور و إنصافهم فاستعفيت فلم يعفني فكتبت الكتاب ثم ختمته و قال : و الله لا يمضي به غيرك فمضيت به إلى الربيع فدخل عليه ثم خرج فقال للناس إن أمير المؤمنين يقول لكم : إني قد دعيت إلى مجلس الحكم فلا يقومن معي أحد ثم جاء هو و الربيع فلم يقم له القاضي بل حل رداءه و اختبى به ثم دعا بالخصوم فادعوا فقضى لهم على الخليفة فلما فرغ قال له المنصور : جزاك الله عن دينك أحسن الجزاء قد أمرت لك بعشرة آلاف دينار
    و أخرج عن محمد بن حفص العجلي قال : ولد لأبي دلامة ابنة فغدا على المنصور فأخبره و أنشد :
    لو كان يقعد فوق الشمس من كرم . قوم لقيل : اقعدوا يا آل عباس
    ثم ارتقوا في شعاع الشمس كلكم . إلى السماء فأنتم أكرم الناس
    ثم أخرج أبو دلامة خريطة فقال المنصور : ما هذه ؟ قال أجعل فيها ما تأمر لي به فقال : املؤوها له دراهم فوسعت ألفي درهم
    و أخرج عن محمد بن سلام الجمحي قال : قيل للمنصور هل من بقي من لذات الدنيا شيء لم تنله ؟ قال : بقيت خصلة أن أقعد في مصطبة و حولي أصحاب الحديث يقول المستملي : من ذكرت رحمك الله فغدا عليه الندماء و أبناء الوزراء بالمحابر و الدفاتر فقال لستم بهم إنما هم الدنسة ثيابهم المشققة أرجلهم الطويلة شعورهم برد الآفاق و نقلة الحديث
    و أخرج عن عبد الصمد بن علي أنه قال للمنصور : لقد هجمت بالعقوبة حتى كأنك لم تسمع بالعفو قال : لأن بني مروان لم تبل رممهم و آل أبي طالب لم تغمد سيوفهم و نحن بين قوم قد رأونا أمس سوقة و اليوم خلفاء فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو و استعمال العقوبة
    و أخرج عن يونس بن حبيب قال : كتب زياد بن عبد الله الحارثي إلى المنصور يسأله الزيادة في عطائه و أرزاقه و أبلغ في كتابه فوقع المنصور في القصة : إن الغنى و البلاغة إذا اجتمعتا في رجل أبطرتاه و أمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك فاكتف بالبلاغة
    و أخرج عن محمد بن سلام قال : رأت جارية المنصور قميصه مرقوعا فقالت : خليفة و قميصه مرقوع فقال : ويحك ! أما سمعت قول ابن هرمة :
    قد يدرك الشرف الفتى و رادؤه . خلق و جيب قميصه مرقوع
    و قال العسكري في الأوائل : كان المنصور في ولد العباس كعبد الملك في بني أمية في بخله رأى بعضهم عليه قميصا مرقوعا فقال : سبحان من ابتلى أبا جعفر بالفقر في ملكه ! و حدا به سلم الحادي فطرب حتى كاد يسقط من الراحلة فأجازه بنصف درهم فقال : لقد حدوت بهشام فأجازني بعشرة آلاف فقال : ما كان له أن يعطيك ذلك من بيت المال يا ربيع و كل به من يقبضها منه فما زالوا به حتى تركه على أن يحدو به ذهابا و إيابا بغير شيء
    و في كتاب الأوائل للعسكري : كان ابن هرمة شديد الرغبة في الخمر فدخل على المنصور فأنشده :
    له لحظات من خفا في سريرة . إذا كرها فيها عقاب و نائل
    فأم الذي أمنت آمنة الردى . و أم الذي حاولت بالثكل ثاكل
    فأعجب به المنصور و قال : ما حاجتك ؟ قال : تكتب إلى عاملك بالمدينة أن لا يحدني إذا وجدني سكران فقال : لا أعطل حدا من حدود الله قال : تحتال لي فكتب إلى عامله : من أتاك بابن هرمة سكران فاجلده مائة و اجلد ابن هرمة ثمانين
    فكان العون إذا مر به و هو سكران يقول : من يشتري مائة بثمانين ؟ و يتركه و يمضي قال : و أعطاه المنصور في هذه المرة عشرة آلاف درهم و قال له : يا إبراهيم احتفظ بها فليس لك عندنا مثلها فقال : إني ألقاك على الصراط بها بختمة الجهبذ
    و من شعر المنصور و شعره قليل :
    إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة . فإن فساد الرأي أن تترددا
    ولا تهمل العداء يوما بقدرة . و بادرهم أن يملكوا مثلها غدا
    و قال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي : كنت أطلب العلم مع أبي جعفر المنصور قبل الخلافة فأدخلني منزله فقدم إلي طعاما لا لحم فيه ثم قال : يا جارية عندك حلواء ؟ قالت : لا قال : و لا التمر ؟ قالت : لا فاستلقى و قرأ { عسى ربكم أن يهلك عدوكم } الآية فلما ولي الخلافة وفدت إليه فقال : كيف سلطاني من سلطان بني أمية ؟ قلت : ما رأيت في سلطانهم من الجور شيئا إلا رأيته في سلطانك فقال : إنا لا نجد الأعوان قلت : قال عمر بن عبد العزيز : إن السلطان بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها فإن كان برا أتوه ببرهم و إن كان فاجرا أتوه بفجورهم فأطرق
    و من كلام المنصور : الملوك تحتمل كل شيء إلا ثلاثة خلال : إفشاء السر و التعرض للحرم و القدح في الملك أسنده الصولي
    و قال : إذا مد عدوك إليك يده فاقطعها إن أمكنك و إلا فقبلها أسنده أيضا
    و أخرج الصولي عن يعقوب بن جعفر قال : مما يؤثر من ذكاء المنصور انه دخل المدينة فقال للربيع : اطلب لي رجلا يعرفني دور الناس فجاءه رجل فجعل يعرفه الدور إلا انه لا يبتدئ به حتى يسأله المنصور فلما فارقه أمر له بألف درهم فطالب الرجل الربيع بها فقال : ما قال لي شيئا و سيركب فذكره فركب مرة أخرى فجعل يعرفه و لا يرى موضعا للكلام فلما أراد أن يفارقه قال الرجل مبتدئا : وهذه يا أمير المؤمنين دار عاتكة التي يقول فيها الأحوص :
    يا بيت عاتكة الذي أتعزل . حذر العدى و بك الفؤاد موكل
    فأنكر المنصور ابتداءه فأمر القصيدة على قلبه فإذا فيها :
    وأراك تفعل ما تقول و بعضهم . مذق اللسان يقول ما لا يفعل
    فضحك و قال : و يلك يا ربيع، أعطه ألف درهم
    و أسند الصولي عن إسحاق الموصلي قال : لم يكن المنصور يظهر لندمائه بشرب ولا غناء بل يجلس و بينه و بين الندماء ستارة و بينهم و بينها عشرون ذراعا و بينهما و بينه كذلك و أول من ظهر للندماء من خلفاء بني العباس المهدي
    و أخرج الصولي عن يعقوب بن جعفر قال : قال المنصور لقثم بن العباس بن عبد الله بن العباس و كان عامله على اليمامة و البحرين : ما القثم ؟ و من أي شيء أخذ ؟ فقال : لا أدري فقال : اسمك اسم هاشمي لا تعرفه أنت و الله جاهل قال : فإن رأى أمير المؤمنين أن يفيدنيه قال : القثم الذي ينزل بعد الأكل و يقثم الأشياء : يأخذها و يثلمها
    روي أن المنصور ألح عليه ذباب فطلب مقاتل بن سليمان فسأله لم خلق الله الذباب ؟ قال : ليذل به الجبارين و قال محمد بن علي الخراساني : المنصور أول خليفة قرب المنجمين و عمل بأحكام النجوم و أول خليفة ترجمت له الكتب السريانية و الأعجمية بالعربية ككتاب كليلة ودمنة و إقليدس و هو أول من استعمل مواليه على الأعمال و قدمهم على العرب و كثر ذلك بعده حتى زالت رئاسة العرب و قيادتها و هو أول من أوقع الفرقة بين ولد العباس و ولد علي و كان قبل ذلك أمرهم واحدا
    أحاديث من رواية المنصور
    قال الصولي : كان المنصور أعلم الناس بالحديث و الأنساب مشهورا بطلبه
    قال ابن عساكر في تاريخ دمشق : حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي حدثنا أبو محمد الجوهري حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن الشخير حدثنا أحمد بن إسحاق أبو بكر الملحمي حدثنا أبو عقيل أنس بن سلم الأنطرطوشي حدثني محمد بن إبراهيم السلمي عن المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم [ كان يتختم في يمينه ]
    و قال الصولي : [ حدثنا محمد بن زكريا اللؤلؤي حدثنا جهنم بن السباق الرياحي حدثني بشر بن المفضل سمعت الرشيد يقول : سمعت المهدي يقول : سمعت المنصور يقول : حدثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا و من تأخر عنها هلك ]
    و قال الصولي : [ حدثنا محمد بن موسى حدثنا سليمان بن أبي شيخ حدثنا أبو سفيان الحميري سمعت المهدي يقول : حدثني أبي عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إذا أمرنا أميرا و فرضنا له فرضا فما أصاب من شيء فهو غلول ]
    و قال الصولي : [ حدثنا جبلة بن محمد حدثنا أبي عن يحيى بن حمزة الحضرمي عن أبيه قال : ولاني المهدي القضاء فقال : اصلب في الحكم فإن أبي حدثني عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : يقول الله : و عزتي و جلالي لأنتقمن من الظالم في عاجله و آجله و لأنتقمن ممن رأى مظلوما يقدر أن ينصره فلم يفعل ] و قال الصولي : [ حدثنا محمد بن العباس ابن الفرج حدثني أبي عن الأصعمي حدثني جعفر بن سليمان عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : كل سبب و نسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي و نسبي ] و قال الصولي : حدثنا أبو إسحاق محمد بن هرون بن عيسى حدثنا الحسن بن عبيد الله الحصيبي حدثنا إبراهيم بن سعيد حدثني المأمون عن الرشيد عن المهدي عن المنصور عن أبيه عن جده عن ابن عباس قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : لا تسافروا في محاق الشهر و لا إذا كان القمر في العقرب
    مات في أيام المنصور من الأعلام : ابن المقفع و سهيل بن أبي صالح و العلاء بن عبد الرحمن و خالد بن يزيد المصري الفقيه و داود بن أبي هند و أبو حازم سلمة بن دينار الأعرج و عطاء بن أبي مسلم الخراساني و يونس بن عبيد و سليمان الأحول و موسى بن عقبة صاحب المغازي و عمرو بن عبيد المعتزلي و يحيى بن سعيد الأنصاري و الكلبي و أبو إسحاق و جعفر بن محمد الصادق و الأعمش و شبل بن عباد مقرئ مكة و محمد بن عجلان المعدني الفقيه و محمد ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى و ابن جريج و أبو حنيفة و حجاج بن أرطأة و حماد الراوية و رؤبة الشاعر و الجريري و سليمان التميمي و عاصم الأحول و ابن شبرمة الضبي و مقاتل بن حبان و مقاتل بن سليمان و هاشم بن عروة و أبو عمرو بن العلاء و أشعب الطماع و حمزة بن حبيب الزيات و الأوزاعي و خلائق آخرون
    ● [ المهدي ] ●
    158هـ ـ 169هـ
    المهدي : أبو عبد الله محمد بن المنصور ولد بأيذج سنة سبع و عشرين و مائة و قيل : سنة ست و عشرين و أمه أم موسى بنت منصور الحميرية
    و كان جوادا ممدحا مليح الشكل محببا إلى الرعية حسن الاعتقاد تتبع الزنادقة و أفنى منهم خلقا كثيرا و هو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة و الملحدين روى الحديث عن أبيه و عن مبارك بن فضالة حدث عنه يحيى بن حمزة و جعفر بن سليمان الضبعي و محمد بن عبد الله الرقاشي و أبو سفيان سعيد بن يحيى الحميري قال الذهبي : و ما علمت قيل فيه جرحا و لا تعديلا
    و أخرج ابن عدي من حديث عثمان مرفوعا [ المهدي من ولد العباس عمي ] تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم و كان يضع الحديث و أورد الذهبي هنا حديث ابن مسعود مرفوعا : [ المهدي يواطىء اسمه اسمي و اسم أبيه اسم أبي ] أخرجه أبو داود و الترمذي و صححه
    و لما شب المهدي أمره أبوه على طبرستان و ما والاها و تأدب و جالس العلماء و تميز ثم إن أباه عهد إليه فلما مات بويع بالخلافة و وصل الخبر إليه ببغداد فخطب الناس فقال : إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب و أمر فأطاع و اغرورقت عيناه فقال : قد بكى رسول الله صلى الله عليه و سلم عند فراق الأحبة و لقد فارقت عظيما و قلدت جسيما فعند الله أحتسب أمير المؤمنين و به أستعين على خلافة المسلمين أيها الناس أسروا مثل ما تعلنون من طاعتنا نهبكم العافية و تحمدوا العاقبة و اخفضوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم و طوى الإصر عنكم و أهال عليكم السلامة من حيث رآه الله مقدما ذلك و الله لأفنين عمري بين عقوبتكم و الإحسان إليكم
    قال نفطويه : لما حصلت الخزائن في يد المهدي أخذ في رد المظالم فأخرج أكثر الذخائر ففرقها و بر أهله و مواليه
    و قال غيره : أول من هنأ المهدي بالخلافة و عزاه بأبيه أبو دلامة فقال :
    عيناي واحدة ترى مسرورة . بأميرها جذلى و أخرى تذرف
    تبكي و تضحك تارة و يسوءها . ما أنكرت و يسرها ما تعرف
    فيسوءها موت الخليفة محرما . و يسرها أن قام هذا الأرأف
    ما إن رأيت كما رأيت و لا أرى . شعرا أسرحه و آخر ينتف
    هلك الخليفة يا لدين محمد . وأتاكم من بعده من يخلف
    أهدى لهذا الله فضل خلافة . ولذاك جنات النعيم تزخرف
    و في سنة تسع و خمسين بايع المهدي بولاية العهد لموسى الهادي ثم من بعده لهارون الرشيد ولديه
    و في سنة ستين فتحت أربد من الهند عنوة و فيها حج المهدي فأنهى إليه حجبة الكعبة أنهم يخافون هدمها لكثرة ما عليها من الأستار فأمر بها فجردت و اقتصر على كسوة المهدي و حمل إلى المهدي الثلج إلى مكة قال الذهبي : لم يتهيأ ذلك لملك قط
    و في سنة إحدى و ستين أمر المهدي بعمارة طريق مكة و بنى بها قصورا و عمل البرك و أمر بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام و قصر المنابر و صيرها على مقدار منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم
    و في سنة ثلاث و ستين و ما بعدها كثرت الفتوح بالروم
    و في سنة ست و ستين تحول المهدي إلى قصره المسمى بعيساباذ و أمر فأقيم له البريد من المدينة النبوية و من اليمن و مكة إلى الحضرة بغالا و إبلا
    قال الذهبي : و هو أول من عمل البريد من الحجاز إلى العراق
    و فيها و فيما بعدها جد المهدي في تتبع الزنادقة و إبادتهم و البحث عنهم في الأفاق و القتل على التهمة
    و في سنة سبع و ستين أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام و أدخل في ذلك دورا كثيرة
    و في سنة تسع و ستين مات المهدي : ساق خلف صيد فاقتحم الصيد خربة و تبعه الفرس فدق ظهره في بابها فمات لوقته و ذلك لثمان بقين من المحرم و قيل : إنه مات مسموما و قال سلم الخاسر يرثيه :
    وباكية على المهدي عبرى . كأن بها و ما جنت جنونا
    وقد خمشت محاسنها و أبدت . غدائرها و أظهرت القرونا
    لئن بلي الخليفة بعد عز . لقد أبقى مساعي ما بلينا
    سلام الله عدة كل يوم . على المهدي حين ثوى رهينا
    تركنا الدين و الدنيا جميعا . بحيث ثوى أمير المؤمنينا
    و من أخبار المهدي : قال الصولي : لما عقد المهدي العهد لولده موسى قال مروان بن أبي حفصة :
    عقدت لموسى بالرصافة بيعة . شد الإله بها عرى الإسلام
    موسى الذي عرفت قريش فضله . و لها فضيلتها على الأقوام
    بمحمد بعد النبي محمد . حي الحلال و مات كل حرام
    مهدي أمته الذي أمست به . للذل آمنة و للآعلام
    موسى ولي عهد الخلافة بعده . جفت بذاك مواقع الأقلام
    و قال آخر :
    يا بن الخليفة إن أمة أحمد . تاقت إليك بطاعة أهواؤها
    ولتملأن الأرض عدلا كالذي . كانت تحدث أمة علماؤها
    حتى تمنى لو ترى أمواتها . من عدل حكمك ما ترى أحياؤها
    فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها . و غدا عليك إزارها و رداؤها
    وأسند الصولي أن امرأة اعترضت المهدي فقالت : يا عصبة رسول الله صلى الله عليه و سلم انظر في حاجتي فقال المهدي : ما سمعتها من أحد قط ! اقضوا حاجتها و أعطوها عشرة آلاف درهم
    و قال قريش الختلي : رفع صالح بن عبد القدوس البصري إلى المهدي في الزندقة فأراد قتله فقال : أتوب إلى الله و أنشده لنفسه :
    ما يبلغ الأعداء من جاهل . مما يبلغ الجاهل من نفسه
    والشيخ لا يترك أخلاقه . حتى يوارى في ثرى رمسه
    فصرفه فلما قرب من الخروج رده فقال : ألم تقل و الشيخ لا يترك أخلاقه ؟ قال : بلى قال : فكذلك أنت لا تدع أخلاقك حتى تموت ثم أمر بقتله
    و قال زهير : قدم على المهدي بعشرة محدثين : منهم فرج بن فضالة و غياث بن إبراهيم ـ و كان المهدي يحب الحمام ـ فلما أدخل غياث قيل له : حدث أمير المؤمنين فحدثه عن فلان عن أبي هريرة مرفوعا [ لا سبق إلا في حافر أو نصل ] و زاد فيه [ أو جناح ] فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم فلما قام قال : أشهد أن قفاك قفا كذاب و إنما استجلبت ذلك ثم أمر بالحمام فذبحت
    و روي أن شريكا دخل على المهدي فقال له : لابد من ثلاث : إما أن تلي القضاء أو تؤدب ولدي و تحدثهم أو تأكل عندي أكلة ؟ ففكر ساعة ثم قال : الأكلة أخف علي فأمر المهدي بعمل ألوان من المخ المعقود بالسكر و غير ذلك فأكل فقال الطباخ : لا يفلح بعدها قال فحدثهم بعد ذلك و علمهم العلم و ولي القضاء لهم
    و أخرج البغوي في الجعديات عن حمدان الأصبهاني قال : كنت عند شريك فأتاه ابن المهدي فاستند و سأل عن حديث فلم يلتفت شريك ثم أعاد فعاد فقال : كأنك تستخف بأولاد الخلفاء قال : لا و لكن العلم أزيد عند أهله من أن يضيعوه فجثا على ركبتيه ثم سأله فقال شريك : هكذا يطلب العلم و من شعر المهدي ما أنشده الصولي :
    ما يكف الناس عنا ... ما يمل الناس منا
    إنما همتهم أن ... ينبشوا ما قد دفنا
    لو سكنا بطن أرض ... فلكانوا حيث كنا
    وهم إن كاشفونا ... في الهوى يوما مجنا
    و أسند الصولي عن محمد بن عمارة قال : كان المهدي جارية شغف بها و هي كذلك إلا أنها تتحاماه كثيرا فدس إليها من عرف ما في نفسها فقالت : أخاف أن يملني و يدعني فأموت فقال المهدي في ذلك :
    ظفرت بالقلب مني ... غادة مثل الهلال
    كلما صح لها ود ... ي جاءت باعتلال
    لا لحب الهجر مني ... و التنائي عن وصال
    بل لإبقاء على ح ... بي لها خوف الملال
    و له نديمة عمر بن بزيع :
    رب تمم لي نعمي ... بأبي حفص نديمي
    إنما لذة عيشي ... في غناء و كروم
    وجوار عطرات ... و سماع و نعيم
    قلت : شعر المهدي أرق و ألطف من شعر أبيه و أولاده بكثير
    و أسند الصولي عن ابن كريمة قال : دخل المهدي إلى حجرة جارية على غفلة فوجدها و قد نزعت ثيابها و أرادت لبس غيرها فلما رأته غطت بيدها فقصرت كفها عنه فضحك و قال :
    نظرت في القصر عيني ... نظرة وافق حيني
    ثم خرج فرأى بشارا فأخبره و قال : أجز فقال بشار:
    سترته إذا رأتني ... دونه بالراحتين
    فبدا لي منه فضل ... تحت طي العكنتين
    وأسند عن إسحاق الموصلي قال : كان المهدي في أول أمره يحتجب عن الندماء تشبها بالمنصور نحوا من سنة ثم ظهر لهم فأشير عليه أن يحتجب فقال إنما اللذة مع مشاهدتهم
    و أسند عن مهدي بن سابق قال : صاح رجل بالمهدي و هو في موكبه :
    قل للخليفة : حاتم لك خائن . فخف الإله و أعفنا من حاتم
    إن العفيف إذا استعان بخائن . كان العفيف شريكه في المأثم
    فقال المهدي : يعزل كل عامل لنا يدعى حاتما
    و أسند أبي عبيدة قال : كان المهدي يصلي بنا الصلوات الخمس في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها فأقيمت الصلاة يوما فقال أعرابي : ليست طهر و قد رغبت في الصلاة خلفك فأمر هؤلاء بانتظاري فقال : انتظروه و دخل المحراب فوقف إلى أن قيل : قد جاء الرجل فكبر فعجب الناس من سماحة أخلاقه
    و أسند عن إبراهيم بن نافع أن قوما من أهل البصرة تنازعوا إليه في نهر من أنهار البصرة فقال : إن الأرض لله في أيدينا للمسلمين فما لم يقع له ابتياع منها يعود ثمنه على كافتهم و في مصلحتهم فلا سبيل لأحد عليه فقال القوم : هذا النهر لنا بحكم رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه قال : [ من أحيا أرضا ميتة فهي له ] و هذه موات فوثب المهدي عند ذكر النبي صلى الله عليه و سلم حتى ألصق خده بالتراب و قال : سمعت لما قال وأطعت ثم عاد و قال : بقي أن تكون هذه الأرض مواتا حتى لا أعرض فيها و كيف تكون مواتا و الماء محيط بها من جوانبها ؟ فإن أقاموا البينة على هذا سلمت
    و أسند عن الأصمعي قال : سمعت المهدي على منبر البصرة يقول : إن الله أمركم بأمر بدأفيه بنفسه و ثنى بملائكته فقال : { إن الله وملائكته يصلون على النبي } آثره بها من بين الرسل إذا خصكم بها من بين الأمم
    قلت : و هو أول من قال ذلك في الخطبة و قد استسنها الخطباء إلى اليوم
    و لما مات قال أبو العتاهية و قد علقت المسوح على قباب حرمه :
    رحن في الموشى و أصبحن . عليهن المسوح
    كل نطاح من الدهر . له يوم نطوح
    لست بالباقي و لو عم . رت ما عمر نوح
    نح على نفسك يا مس . كين إن كنت تنوح
    ● ذكر أحاديث من رواية المهدي
    قال الصولي : حدثني أحمد بن محمد بن صالح التمار حدثنا يحيى بن محمد القريشي حدثنا أحمد بن هشام حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مسلم المدائني ـ و هو ثقة صدوق ـ قال : سمعت المهدي يخطب فقال : حدثنا شعبة [ عن علي بن زيد بن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم خطبة من العصر إلى مغيربان الشمس حفظها من حفظها و نسيها من نسيها فقال : ألا إن الدنيا حلوة خضرة ] الحديث بطوله
    و قال الصولي : حدثنا إسحاق بن إبراهيم القزاز حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد حدثني أبو يعقوب بن حفص الخطابي سمعت المهدي يقول : حدثني أبي عن أبيه [ عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أن وفدا من العجم قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ و قد أحفوا لحاهم و أعفوا شواربهم ـ فقال النبي صلى الله عليه و سلم : خالفوهم أعفوا لحاكم و أحفوا شواربكم ] و إخفاء الشارب أخذ ما سقط على الشفة منه و وضع المهدي يده على أعلى شفته
    و قال : منصور بن مزاحم و محمد بن يحيى بن حمزة عن يحيى بن حمزة قال : صلى بنا المهدي المغرب فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقلت : يا أمير المؤمنين ما هذا ؟
    قال حدثني أبي عن أبيه عن ابن إسحاق أن النبي صلى الله عليه و سلم جهر ببسم الله الرحمن الرحيم فقلت للمهدي : نأثره عنك ؟ قال : نعم
    قال الذهبي : هذا إسناد متصل لكن ما علمت أحدا احتج بالمهدي و لا بأبيه في الأحكام تفرد به محمد بن الوليد مولى بن هاشم و قال ابن عدي : كان يضع الحديث
    قلت : لم ينفرد به بل وجدت له متابعا
    مات في أيام المهدي من الأعلام : شعبة و ابن أبي ذئب و سفيان الثوري و إبراهيم بن أدهم الزاهد و داود الطائي الزاهد و بشار بن برد أول شعراء المحدثين و حماد بن سلمة و إبراهيم بن طهمان و الخليل بن أحمد صاحب العروض
    ● [ الهادي ] ●
    169 هـ ـ 170 هـ
    الهادي : أبو محمد موسى بن المهدي بن المنصور و أمه أم ولد بربرية اسمها الخيزران ولد بالري سنة سبع و أربعين و مائة و بويع بالخلافة بعد أبيه بعهد منه
    قال الخطيب : و لم يل الخلافة قبله أحد في سنة فأقام فيها سنة و أشهرا و كان أبوه أوصاه يقتل الزنادقة فجد في أمرهم و قتل منهم خلقا كثيرا و كان يسمى موسى أطبق لأن شفته العليا كانت تقلص فكان أبوه وكل به في صغره خادما كلما رآه مفتوح الفم قال : موسى أطبق فيفيق على نفسه و يضم شفتيه فشهر بذلك
    قال الذهبي : و كان يتناول المسكر و يلعب و يركب حمارا فارها و لا يقيم أبهة الخلافة و كان مع ذلك فصيحا قادرا على الكلام أديبا تعلوه هيبة و له سطوة و شهامة
    و قال غيره : كان جبارا و هو أول من مشت الرجال بين يديه بالسيوف المرهفة و الأعمدة و القسي الموترة فاتبعه عماله به في ذلك و كثر السلاح في عصره
    مات في ربيع الأخر سنة سبعين و مائة و اختلف في سبب موته فقيل : إنه دفع نديما له من جرف على أصول قصب قد قطع فتعلق النديم به فوقع فدخلت قصبة في منخره فماتا جميعا و قيل : أصابته قرحة في جوفه و قيل : سمته أمه خيزران لما عزم على قتل الرشيد ليعهد إلى ولده و قيل : كانت أمه حاكمة مستبدة بالأمور الكبار و كانت المواكب تغدو إلى بابها فزجرهم عن ذلك و كلهما بكلام وقح و قال : لئن وقف ببابك أمير لأضربن عنقه ! أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو سبحة ؟ فقامت ما تعقل من الغضب فقيل : إنه بعث إليها بطعام مسموم فأطعمت منه كلبا فانتثر فعملت على قتله لما وعك بأن غموا وجهه ببساط جلسوا على جوانبه و خلف سبعة بنين
    و من شعر الهادي في أخيه هارون لما امتنع من خلع نفسه :
    نصحت لهارون فرد نصحتي . و كل امرئ لا يقبل النصح نادم
    وأدعوه للأمر المؤلف بيننا . فيبعد عنه و هو في ذاك ظالم
    ولولا انتظاري منه يوما إلى غد . لعاد إلى ما قلته و هو راغم
    و من أخبار الهادي : أخرج الخطيب عن الفضل قال : غضب الهادي على رجل فكلم فيه فرضي فذهب يعتذر فقال له الهادي : إن الرضا قد كفاك مؤنة الاعتذار
    و أخرج عن عبد الله بن مصعب قال : دخل مروان بن أبي حفصة على الهادي فأنشده مديحا له حتى إذا بلغ قوله :
    تشابه يوما بأسه و نواله . فما أحد يدري لأيهما الفضل
    فقال له الهادي : أيما أحب إليك ثلاثون ألف معجلة أو مائة ألف تدور في الديوان ؟ قال : تعجل الثلاثون ألفا و تدور المائة ألفا قال : بل تعجلان لك جميعا فحمل له ذلك
    و قال الصولي : لا تعرف امرأة ولدت خليفتين إلا الخيزران أم الهادي و الرشيد و ولادة بنت العباس العبسية زوج عبد الملك بن مروان ولدت الوليد و سليمان و شاهفرند بنت فيروز بن يزدجرد بن كسرى ولدت للوليد بن عبد الملك يزيد الناقص و إبراهيم و وليا الخلافة قلت : يزاد على ذلك باي خاتون سرية المتوكل الأخير ولدت العباس و حمزة و وليا لاخلافة و كزل سريته أيضا ولدت داود و سليمان و ولياها
    ثم قال الصولي : لا يعرف خليفة ركب البريد إلا الهادي من جرجان إلى بغداد
    قال : و كان نقش خاتمه [ الله ثقة موسى وبه يؤمن ]
    قال الصولي : و لسلم الخاسر في الهادي بمدحه :
    موسى المطر . غيث بكر
    ثم انهمر . ألوى المرر
    كم اعتسر . و كم قدر
    ثم غفر . عدل السير
    باقي الأثر . خير و شر
    نفع و ضر . خير البشر
    فرع مضر . بدر بدر
    لمن نظر . هو الوزر
    لمن حضر و المف . تخر لمن غبر
    قال : و هذا على جزء جزء مستفعلن مستفعلن و هو أول من عمله و لم نسمع من قبله شعرا على جزء جزء
    و أسند الصولي عن سعيد بن سلم قال : إني لأرجو أن يغفر الله للهادي بشيء رأيته منه : حضرته يوما و أبو الخطاب السعدي ينشده قصيدة في مدحه إلى أن قال :
    يا خير من عقدت كفاه حجزته . و خير من قلدته أمرها مضر
    فقال له الهادي : إلا من ويلك ؟ قال سعيد : و لم يكن استثنى في شعره فقلت : يا أمير المؤمنين إنما يعني من أهل هذا الزمان ففكر الشاعر فقال :
    إلا النبي رسول الله . إن له فضلا و أنت بذالك الفضل تفتخر
    فقال : الآن أصبت و أحسنت و أمر له بخمسين ألف درهم
    و قال المدائني : عزى الهادي رجلا في ابن له فقال : سرك و هو فتنة و بلية و يحزنك و هو ثواب و رحمة
    و قال الصولي : قال سلم الخاسر في الهادي جامعا بين العزاء و الهناء :
    لقد قام موسى بالخلافة و الهدى . و مات أمير المؤمنين محمد
    فمات الذي غم البرية فقده . وقام الذي يكفيك من يتفقد
    و قال مروان بن أبي حفصة كذلك :
    لقد أصبحت تختال في كل بلدة . بقبر أمير المؤمنين المقابر
    ولو لم تسكن بابنه بعد موته . لما برحت تبكي عليه المنابر
    ولو لم يقم موسى عليها لرجعت . حنينا كم حن الصفايا العشائر
    ● حديث من رواية الهادي
    قال الصولي : حدثني محمد بن زكريا هو الغلابي حدثني محمد بن عبد الرحمن المكي حدثنا قسورة بن السكن الفهري حدثنا المطلب بن عكاشة المري قال : قدمنا على الهادي شهودا على رجل شتم قريشا و تخطى إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فجلس لنا مجلسا أحضر فيه فقهاء زمانه و أحضر الرجل فشهدنا عليه فتغير وجه الهادي ثم نكس رأسه ثم رفعه فقال : سمعت أبي المهدي يحدث عن أبيه المنصور عن أبيه محمد عن أبيه علي عن أبيه عبد الله بن عباس قال : من أراد هوان قريش أهانه الله و أنت يا عدو الله لم ترض بأن أردت ذلك من قريش حتى تخطيت إلى ذكر النبي صلى الله عليه و سلم اضربوا عنقه أخرجه الخطيب من طريق الصولي و الحديث هكذا في هذه الرواية موقوف و قد ورد مرفوعا من وجه آخر
    مات في أيام الهادي من الأعلام : نافع قارئ أهل المدينة وغيره

    خلفاء الدولة العباسية [ 1 ] Fasel10

    كتاب : تاريخ الخلفاء
    المؤلف : عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطيي
    منتدى ميراث الرسول - البوابة
    خلفاء الدولة العباسية [ 1 ] E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر 2024 - 13:20