رأيت المعافى لا يعرف قدر العافية إلا في المرض، كما لا يعرف شكر الإطلاق إلا في الحبس.
وتأملت على الآدمي حالة عجيبة، وهو أن تكون معه امرأة لا بأس بها إلا أن قلبه لا يتعلق بمحبتها تعلقاً يلتذ به.
ولذلك سببان، أحدهما أن تكون غير غاية في الحسن؛ والثاني أن كل مملوك مكروه، والنفس تطلب ما لا تقدر عليه.
فتراه يضج ويشتهي شيئاً يحبه أو امرأة يعشقها، ولا يدري أن إنما يطلب قيداً وثيقاً يمنع القلب من التصرف في أمور الآخرة أو في أي علم أو عمل، ويخبطه في تصريف الدنيا، فيبقى ذلك العاشق أسير المعشوق، همه كله معه.
فالعجب لمطلق يؤثر القيد، ومستريح يؤثر التعب.
فإن كانت تلك المرأة تحتاج أن تحفظ فالويل له لا قرار له ولا سكون.
وإن كانت من المتبرجات اللواتي لا يؤمن فسادهن فذاك هلاكه بمرة.
فلا هو إن نام يلتذ بنومه، ولا إن خرج من الدار يأمن محنة.
وإن كانت تريد نفقة واسعة وليس له، فكم يدخل مدخل سوء لأجلها.
وإن كانت تؤثر الجماع وقد علت سنه فذاك الهلاك العظيم.
وإن كانت تبغضه فما بقيت من أسباب تلفه بقية، فيكون هذا ساعياً في تلف نفسه كما قال القائل:
نحب القدود ونهوى الخدود ... ونعلم أنا نحب المنونا
وهذا على الحقيقة كعابد صنم.
فليتق الله من عنده امرأة لا بأس بها، وليعرض عن حديث النفس ومناها فما له منتهى.
ولو حصل له غرضه كما يريد وقع الملل وطلب ثالثة.
ثم يقع الملل ويطلب رابعة، وما لهذا آخر.
إنما يفيده ذلك في العاجلة تعلق قلبه وأسر لبه، فيبقى كالمبهوت.
فكره كله في تحصيل ما يريد محبوبه، فإن جرت فرقة أو آفة فتلك الحسرات الدائمة إن بقي أو التلف عاجلاً.
وأين المستحسن المصون الدين القنوع بمن يحبه هذا أقل من الكبريت الأحمر.
فلينظر في تحصيل ما يجمع معظم الهم. ولا يلتفت إلى سواد الهوى وغاية المنى، يسلم.
● [ فصل ] ●
العلم والخشيةإذا تم علم الإنسان لم ير لنفسه عملاً وإنما يرى إنعام الموفق لذلك العمل ويجب على العاقل ألا يرى لنفسه عملاً أو يعجب به.
وذلك بأشياء: منها أنه وفق لذلك العمل " حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم " .
ومنها أنه إذا قيس بالنعم لم يف بمعشار عشرها.
ومنها أنه إذ لوحظت عظمة المخدوم احتقر كل علم وتعبد.
هذا إذا سلم من شائبة وخلص من غفلة، فأما والغفلات تحيط به، فينبغي أن يغلب الحذر من رده، ويخاف العتاب على التقصير فيه، فيشتغل عن النظر إليه.
وتأمل على الفطناء أحوالهم في ذلك، فالملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون قالوا: ما عبدناك حق عبادتك.
والخليل عليه السلام يقول: " والذي أطمع أن يغفر لي " وما أدل بتصبره على النار وتسليمه الولد إلى الذبح.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما منكم من ينجيه عمله قالوا ولا أنت قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته.
وأبو بكر رضي الله عنه يقول: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله.
وعمر رضي الله عنه يقول: لو أن لي طلاع الأرض لافتديت بها من هول ما أمامي قبل أن أعلم ما الخبر.
وابن مسعود يقول: ليتني إذا مت لا أبعث.
وعائشة رضي الله عنها تقول: ليتني كنت نسياً منسياً.
وهذا شأن جميع العقلاء فرضي الله عن الجميع.
وقد روي عن قوم من صلحاء بني إسرائيل ما يدل على قلة الأفهام لما شرحته لأنهم نظروا إلى أعمالهم فأدلوا بها. فمنه حديث العابد الذي تعبد خمسمائة سنة في جزيرة وأخرج له كل ليلة رمانة، وسأل الله تعالى أن يميته في سجوده. فإذا حشر قيل له ادخل الجنة برحمتي قال: بل بعملي، فيرون جميع عمله بنعمة واحدة فلا يفي، فيقول: يا رب برحمتك.
وكذلك أهل الغار الذين انطبقت عليهم الصخرة، فإن أحدهم توسل بعمل كان ينبغي أن يستحيي من ذكره، وهو أنه عزم على الزنا، ثم خاف العقوبة فتركه.
فليت شعري بماذا يدل من خاف أن يعاقب على شيء فتركه تخوف العقوبة.
إنما لو كان مباحاً فتركه كان فيه ما فيه. ولو فهم لشغله خجل الهمة عن الإدلال، كما قال يوسف عليه السلام: " وما أُبَرِّىءُ نفسي " .
والآخر ترك صبيانه يتضاغون إلى الفجر ليسقي أبويه اللبن. وفي هذا البر أذى للأطفال، ولكن الفهم عزيز.
وكأنهم لما أحسنوا - فيما ظنوا - قال لسان الحال: أعطوهم ما طلبوا، فإنهم يطلبون أجرة ما عملوا.
ولولا عزة الفهم ما تكبر متكبر على جنسه ولكان كل كامل خائفاً محتقراً لعمله حذراً من التقصير في شكر ما أنعم عليه.
وفهم هذا المشروح ينكس رأس الكبر. ويوجب مساكنه الذل. فتأمله فإنه أصل عظيم.
● [ فصل ] ●
الذنوب وآثارهاينبغي للعاقل أن يكون على خوف من ذنوبه وإن تاب منها وبكى عليها.
وإني رأيت أكثر الناس قد سكنوا إلى قبول التوبة، وكأنهم قد قطعوا على ذلك. وهذا أمر غائب، ثم لو غفرت بقي الخجل من فعلها.
ويؤيد الخوف بعد التوبة أنه في الصحاح: أن الناس يأتون إلى آدم عليه السلام فيقول: اشفع لنا فيقول: ذنبي. وإلى نوح عليه السلام فيقول: ذنبي، وإلى إبراهيم، وإلى موسى، وإلى عيسى صلوات الله وسلامه عليهم.
فهؤلاء إذا اعتبرت ذنوبهم لم يكن أكثرها ذنوباً حقيقية.
ثم إن كانت فقد تابوا منها واعتذروا وهم بعد على خوف منها.
ثم إن الخجل بعد قبول التوبة لا يرتفع وما أحسن ما قال الفضيل بن عياض رحمه الله: واسوأتاه منك وإن عفوت. فأف والله لمختار الذنوب ومؤثر لذة لحظة تبقى حسرة لا تزول عن قلب المؤمن وإن غفر له.
فالحذر الحذر من كل ما يوجب خجلاً.
وهذا أمر قل أن ينظر فيه تائب أو زاهد، لأنه يرى أن العفو قد غمر الذنب بالتوبة الصادقة.
وما ذكرته يوجب دوام الحذر والخجل.
● [ فصل ] ●
الحق مع علي بن أبي طالبنعوذ بالله من سوء الفهم وخصوصاً من المتسمين بالعلم.
روى أحمد في مسنده أنه تنازع أبو عبد الرحمن السلمي وحيان بن عبد الله، فقال أبو عبد الرحمن لحيان: قد علمت ما الذي حدا صاحبك، يعني علياً، قال ما هو قال قول النبي صلى الله عليه وسلم: لعل الله اطلع إلى أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
وهذا سوء فهم من أبي عبد الرحمن حين ظن أن علياً قاتل وقتل اعتماداً على أنه قد غفر له.
وينبغي أن يعلم أن معنى الحديث: لتكن أعمالكم المتقدمة ما كانت فقد غفرت لكم.
فأما غفران ما سيأتي فلا يتضمنه ذلك، أتراه لو وقع من أهل بدر وحاشاهم الشرك - إذ ليسوا بمعصومين - أما كانوا يؤاخذون به ؟ فكذلك المعاصي.
ثم لو قلنا: إنه يتضمن غفران ما سيأتي، فالمعنى أن مآلكم إلى الغفران.
ثم دعنا من معنى الحديث، كيف يحل لمسلم أن يظن في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه فعل ما لا يجوز اعتماداً على أنه سيغفر له ؟ حوشي من هذا.
وإنما قاتل بالدليل المضطر له إلى القتال، فكان على الحق.
ولا يختلف العلماء أن علياً رضي الله عنه لم يقاتل أحداً إلا والحق مع علي.
كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أدر معه الحق كيفما دار.
فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطاً قبيحاً، حمله عليه أنه كان عثمانياً...
● [ فصل ] ●
سوء المظهر في الزهدتأملت على متزهدي زماننا أشياء تدل على النفاق والرياء وهم يدعون الإخلاص.
منها أنهم يلزمون زاوية فلا يزورون صديقاً، ولا يعودون مريضاً، ويدعون أنهم يريدون الانقطاع عن الناس اشتغالاً بالعبادة.
وإنما هي إقامة نواميس ليشار إليهم بالانقطاع، إذ لو مشوا بين الناس زالت هيبتهم.
وما كان الناس كذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض ويشتري الحاجة من السوق، وأبو بكر رضي الله عنه يتجر في البز. وأبو عبيدة بن الجراح يحفر القبور، وأبو طلحة أيضاً، وابن سيرين يغسل الموتى، وما كان عند القوم إقامة ناموس.
وأصحابنا يلزمون الصمت بين الناس والتخشع والتماوت، وهذا هو النفاق.
فقد كان ابن سيرين يضحك بالنهار، وبين الناس، ويبكي بالليل.
وقد رأيت من المتزهدين من يلزم المسجد ويصلي فيجتمع الناس فيصلون بصلاته ليلاً ونهاراً، وقد شاع هذا له فتقوى نفسه عليه بحب المحمدة.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال في صلاة التطوع: " اجعلوا هذه في البيوت " .
وفي أصحابنا من يظهر الصوم الدائم، ويتقوت بقول الناس: " فلان ما يفطر أصلاً ".
وهذا الأبله ما يدري أنه لأجل الناس يفعل ذلك، لولا هذا كان يفطر والناس يرونه يومين أو ثلاثة حتى يذهب عنه ذلك الاسم ثم يعود إلى الصوم.
وقد كان إبراهيم بن أدهم إذا مرض يترك عنده من الطعام ما يأكله الأصحاء. ورأيت في زهادنا من يصلي الفجر يوم الجمعة بالناس ويقرأ المعوذتين والمعنى قد ختمت.
فإن هذه الأعمال هي صريحة في النفاق والرياء.
وفيهم من يأخذ الصدقات وهو غني، ولا يبالي أخذ من الظلمة أو من أهل الخير، ويمشي إلى الأمراء يسألهم، وهو يدري من أين حصلت أموالهم.
فالله الله في إصلاح النيات فإن جمهور هذه الأعمال مردود.
قال مالك بن دينار: وقولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى.
وليعلم المرائي أن الذي يقصده يفوته، وهو التفات القلوب إليه.
فإنه متى لم يخلص حرم محبة القلوب، ولم يلتفت إليه أحد، والمخلص محبوب.
فلو علم المرائي أن قلوب الذين يرائيهم بيد من يعصيه، لما فعل.
وكم رأينا من يلبس الصوف ويظهر النسك لا يلتفت إليه، وآخر يلبس جيد الثياب ويبتسم والقلوب تحبه.
نسأل الله عز وجل إخلاصاً يخلصنا، ونستعيذ به من رياء يبطل أعمالنا إنه قادر.
● [ فصل ] ●
لا استقرار في الدنيامن الجهل أن يخفى على الإنسان مراد التكليف فإنه موضوع على عكس الأغراض.
فينبغي للعاقل أن يأنس بانعكاس الأغراض. فإن دعا وسأل بلوغ غرض تعبد الله بالدعاء.
فإن أعطى مراده شكر، وإن لم ينل مراده فلا ينبغي أن يلح في الطلب، لأن الدنيا ليست لبلوغ الأغراض، وليقل لنفسه: " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " .
من أعظم الجهل أن يمتعض في باطنه لانعكاس أغراضه، وربما اعترض في الباطن، أو ربما قال: حصول غرضي لا يضر، ودعائي لم يستجب.
وهذا كله دليل على جهله وقلة إيمانه وتسليمه للحكمة.
ومن الذي حصل له غرض ثم لم يكدر. هذا آدم طاب عيشه في الجنة وأخرج منها.
ونوح سأل في ابنه فلم يعط مراده، والخليل ابتلى بالنار، وإسماعيل بالذبح، ويعقوب بفقد الولد. ويوسف بمجاهدة الهوى، وأيوب بالبلاء، وداود وسليمان بالفتنة، وجميع الأنبياء على هذا.
وأما ما لقي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الجوع والأذى وكدر العيش فمعلوم.
فالدنيا وضعت للبلاء فينبغي للعاقل أن يوطن نفسه على الصبر، وأن يعلم أن ما حصل من المراد فلطف، وما لم يحصل فعلى أصل الخلق والجبلة للدنيا كما قيل:
طبعت على كدر وأنت تريدها ... صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام ضد طباعها ... متطلب في الماء جذوة نار
وها هنا تتبين قوة الإيمان وضعفه فليستعمل المؤمن من أدوية هذا المرض التسليم للمالك، والتحكيم لحكمته.
وليقل قد قيل لسيد الكل " ليس لك من الأمر شيء " .
ثم ليسل نفسه بأن المنع ليس عن بخل، وإنما هو لمصلحة لا يعلمها، وليؤجر الصابر عن أغراضه، وليعلم الله الذين سلموا ورضوا.
ثم إن زمن الابتلاء مقدار يسير، والأغراض مدخرة تلقى بعد قليل، وكأنه بالظلمة قد انجلت، وبفجر الأجر قد طلع.
ومتى ارتقى فهمه إلى أن ما جرى مراد الحق سبحانه، اقتضى إيمانه أن يريد ما يريد، ويرضى بما يقدر، إذ لو لم يكن كذلك كان خارجاً عن حقيقة العبودية في المعنى.
وهذا أصل ينبغي أن يتأمل ويعمل عليه في كل غرض انعكس.
● [ فصل ] ●
العالم والحاكمرأيت خلقاً من العلماء والقصاص تضيق عليهم الدنيا فيفزعون إلى مخالطة السلاطين لينالوا من أموالهم، وهم يعلمون أن السلاطين لا يكادون يأخذون الدنيا من وجهها، ولا يخرجونها في حقها.
فإن أكثرهم إذا حصل له خراج ينبغي أن يصرف إلى المصالح وهبه لشاعر.
وربما كان معه جندي يصلح أن تكون مشاهرته عشرة دنانير فأعطاه عشرة آلاف.
وربما غزا فأخذ ما ينبغي أن يقسم على الجيش فاصطفاه لنفسه.
هذا غير ما يجري من الظلم في المعاملات.
وأول ما يجري على ذاك العالم أنه قد حرم النفع بعلمه، وقد رأى بعض الصالحين رجلاً عالماً يخرج من دار يحيى بن خالد البرمكي فقال: أعوذ بالله من علم لا ينفع.
كيف ؟ ألم تر المنكرات ولا تنكر، وتتناول من طعامهم الذي لا يكاد يحصل إلا بظلم فينطمس قلبك وتحرم لذة المعاملة للحق سبحانه، ثم لا يقدر لك أن يهتدي بك أحد. بل ربما كان فعل هذا سبباً لإضلال الناس وصرفهم عن الاقتداء به، فهو يؤذي نفسه ويؤذي أميره، لأنه يقول: لولا أنني على صواب ما صحبني ولأنكر علي.
ويؤذي العوام تارة بأن يروا أن ما فيه الأمير صواب، وتارة بأن الدخول عليه والسكوت عن الإنكار جائز.
أو يحبب إليهم الدنيا، ولا خير والله في سعة من الدنيا ضيقت طريق الآخرة.
وأنا أفتدي أقواماً صابروا عطش الدنيا في هجير الشهوات زمان العمر حتى رووا يوم الموت من شراب الرضى، وبقيت أذكارهم تروي فتروى صدأ القلوب وتجلو صداها.
هذا الإمام أحمد يحتاج فيخرج إلى اللقاط ولا يقبل مال سلطان.
هذا إبراهيم الحربي يتغذى بالبقل ويرد على المعتصم ألف دينار.
هذا بشر الحافي يشكو الجوع فيقال له يصنع لك حساء من دقيق فيقول: أخاف أن يقول الله لي هذا الدقيق من أين لك ؟.
بقيت والله أذكار القوم، وما كان الصبر إلا غفوة يوم.
ومضت لذات المترخصين وبليت الأبدان، ووهن الدين.
فالصبر الصبر يا من وفق، ولا تغبطن من اتسع له أمر الدنيا.
فإنك إذا تأملت تلك السعة رأيتها ضيقاً في باب الدين.
ولا ترخص لنفسك في تأويل، فعمرك في الدنيا قليل:
وسواء إذا انقضى يوم كسرى ... في سرور ويوم صابر كسره
ومتى ضجت النفس لقلة صبر فاتل عليها أخبار الزهاد، فإنها ترعوي وتستحي وتنكسر إن كانت لها همة أو فيها يقظة.
ومثل لها بين ترخص علي بن المديني وقبوله مال ابن أبي داود، وصبر أحمد.
وكم بين الرجلين والذكرين.
وانظر ما يروى عن كل واحد منهما وما يذكران به.
وسيندم ابن المديني إذا قال أحمد: سلم لي ديني.
● [ فصل ] ●
الكسب الحرامتأملت أحوال الناس فرأيت جمهورهم منسلاً من ربقة العبودية.
فإن تعبدوا فعادة أو فيما لا ينافي أغراضهم منافاة تؤذي القلوب.
فأكثر السلاطين يحصلون الأموال من وجوه ردية وينفقونها في وجوه لا تصلح.
وكأنهم قد تملكوها، وليست مال الله الذي إذا غزا أحدهم - باسمه - فغنم الأموال اصطفاها لنفسه، وأعطاها أصحابه كيف اشتهى.
والعلماء لقوة فقرهم وشدة شرههم، يوافقون الأمراء وينخرطون في سلكهم.
والتجار على العقود الفاسدة، والعوام في المعاصي والإهمال لجانب الشريعة.
فإن فات بعض أغراضهم فربما قالوا ما نريد نصلي، لا صلى الله عليهم.
وقد منعوا الزكاة وتركوا الأمر بالمعروف.
فمن الناس من يغره تأخير العقوبة، ومنهم من كان يقطع بالعفو وأكثرهم متزلزل الإيمان، فنسأل الله أن يميتنا مسلمين.
● [ فصل ] ●
هموم الفقرمن العجيب سلامة دين ذي العيال إذا ضاق به الكسب، فما مثله إلا كمثل الماء إذا ضرب في وجهه سكر، فإنه يعمل باطناً ويبالغ حتى يفتح فتحة.
فكذلك صاحب العيال إذا ضاق به الأمر لا يزال يحتال، فإذا لم يقدر على الحلال ترخص في تناول الشبهات، فإن ضعف دينه مد يده إلى الحرام.
فالمؤمن إذا علم ضعفه عن الكسب اجتهد في التعفف عن النكاح، وتقليل النفقة إذا حصل الأولاد، والقناعة باليسير.
فأما من ليس له كسب كالعلماء والمتزهدين، فسلامتهم ظريفة، إذ قد انقطعت موارد السلاطين عنهم ومراعاة العوام لهم، فإذا كثرت عائلتهم لم يؤمن عليهم شر ما يجري على الجهال.
فمن قدر منهم على كسب بالنسخ وغيره فليجتهد فيه مع تقليل النفقة والقناعة باليسير.
فإنه من ترخص منهم اليوم أكل الحرام، لأنه يأخذ من الظلمة خصوصاً بحجة التنمس والتزهد.
ومن كان له منهم مال فليجتهد في تنميته وحفظه، فما بقي من يؤثر ولا من يقرض.
وقد صار الجمهور بل الكل كأنهم يعبدون المال، فمن حفظه حفظ دينه.
ولا يلتفت إلى قول الجهلة الذين يأمرون بإخراج المال، فما هذا وقته.
واعلم أنه إذا لم يجتمع الهم، لم يحصل العلم ولا العمل ولا التشاغل بالفكر في عظمة الله.
وقد كان هم القدماء يجتمع بأشياء جمهورها أنه كان لهم من بيت المال نصيب في كل عام.
وكان يصلهم فيفضل عنهم.
وفيهم من كان له مال يتجر به كسعيد بن المسيب وسفيان وابن المبارك وكان همه مجتمعاً، وقد قال سفيان في ماله: لولاك لتمندلوا بي !!.
وفقدت بضاعة لابن المبارك فبكى وقال: هو قوام ديني.
وكان جماعة يسكنون إلى عطاء الإخوان الذين لا يمنون.
وكان ابن المبارك يبعت إلى الفضل وغيره، وكان الليث بن سعد يتفقد الأكابر، فبعث إلى مالك ألف دينار، وإلى ابن لهيعة ألف دينار، وأعطى منصور ابن عمار ألف دينار وجارية بثلاثمائة دينار.
وما زال الزمان على هذا إلى أن آل الأمر إلى انمحاق ذلك، فقلت عطايا السلاطين، وقل من يؤثر من الإخوان.
إلا أنه كان في ذلك القليل ما يدفع عض الزمان.
فأما زماننا هذا، فقد انقبضت الأيدي كلها، حتى قل من يخرج الزكاة الواجبة، فكيف يجتمع هم من يريد من العلماء والزهاد أن يعمل همه ليلاً ونهاراً في وجوه الكسب وليس من شأنه هذا ولا يهتدي له.
فقد رأينا الأمر أحوج إلى التعرض للسلاطين والترخص في أخذ ما لا يصلح، وأحوج المتزهدين إلى التصنع لتحصيل الدنيا.
فالله الله يا من يريد حفظ دينه، قد كررت عليك الوصية بتقليل جهدك، وخفف العلائق مهما أمكنك، واحتفظ بدرهم يكون معك فإنه دينك، وافهم ما قد شرحته، فإن ضجت النفس لمراداتها فقل لها: إن كان عندك إيمان فاصبري، وإن أردت التحصيل لما يفنى ببذل الدين فما ينفعك.
فتفكري في العلماء الذين جمعوا المال من غير وجهه وفي المنمسين ذهب دينهم، وزالت دنياهم.
وتفكري في العلماء الصادقين كأحمد وبشر، اندفعت الأيام وبقي لهم حسن الذكر.
وفي الجملة " من يتق اللّه يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب " .
● [ فصل ] ●
العبادة على أملشكا لي رجل من بغضه لزوجته ثم قال: ما أقدر على فراقها لأمور، منها كثرة دينها علي وصبري قليل، ولا أكاد أسلم من فلتات لساني في الشكوى، وفي كلمات تعلم بغضي لها.
فقلت له: هذا لا ينفع وإنما تؤتى البيوت من أبوابها ! فينبغي أن تخلو بنفسك فتعلم أنها إنما سلطت عليك بذنوبك فتبالغ في الاعتذار والتوبة.
فأما التضجر والأذى لها فما ينفع كما قال الحسن بن الحجاج: عقوبة من الله لكم فلا تقابلوا عقوبته بالسيف وقابلوها بالاستغفار.
واعلم أنك في مقام مبتلي ولك أجر بالصبر " وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم " فعامل الله سبحانه بالصبر على ما قضى واسأله الفرج.
فإذا جمعت بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب والصبر على القضاء وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها.
ولا تضيع الزمان بشيء لا ينفع، ولا تحتل ظاناً منك أنك تدفع ما قدر: " وإن يمسسك اللّه بضر فلا كاشف له إِلاَّ هو " .
وقد روينا أن جندياً نزل يوماً في دار أبي يزيد، فجاء أبو يزيد فرآه فوقف وقال لبعض أصحابه: أدخل إلى المكان الفلاني فاقلع الطين الطري فإنه من وجه فيه شبهة فقلعه، فخرج الجندي.
وأما أذاك للمرأة فلا وجه له لأنها مسلطة فليكن شغلك بغير هذا.
وقد روي عن بعض السلف أن رجلاً شتمه فوضع خده على الأرض وقال اللهم اغفر لي الذنب الذي سلطت هذا به علي.
قال الرجل: وهذه المرأة تحبني زائداً في الحد، وتبالغ في خدمتي، غير أن البغض لها مركوز في طبعي.
قلت له: فعامل الله سبحانه بالصبر عليها فإنك تثاب.
وقد قيل لأبي عثمان النيسابوري: ما أرجى عملك عندك.
قال: كنت في صبوتي يجتهد أهلي أن أتزوج فآبي.
فجاءتني امرأة، فقالت: يا أبا عثمان، إني قد هويتك، وأنا أسألك بالله أن تتزوجني.
فأحضرت أباها - وكان فقيراً - فزوجني منها وفرح بذلك.
فلما دخلت إلي رأيتها عوراء عرجاء مشوهة.
وكانت لمحبتها لي تمنعني من الخروج، فأقعد حفظاً لقلبها، ولا أظهر لها من البغض شيئاً وكأني على جمر الغضا من بغضها.
فبقيت هكذا خمس عشرة سنة حتى ماتت، فما من عملي شيء هو أرجى عندي من حفظي قلبها.
قلت له: فهذا عمل الرجال، وأي شيء ينفع ضجيج المبتلى بالتضجر وإظهار البغض.
وإنما طريقه ما ذكرته لك من التوبة والصبر وسؤال الفرج.
وتذكر ذنوباً كانت هذه عقوبتها.
وبالغ، فإن وقع فرج فشيء كأنه ليس في الحساب، وإلا فاستعمال الصبر على القضاء عبادة.
وتكلف إظهار المودة لها وإن لم تكن في قلبك تثبت على هذا.
وليس القيد ذنباً فيلام، إنما ينبغي التشاغل مع من قيدك به والسلام.
● [ فصل ] ●
بين النفس والناسلا ريب أن القلب المؤمن بالإله سبحانه وبأوامره يحتاج إلى الانعكاف على ذكره وطاعته وامتثال أوامره، وهذا يفتقر إلى جمع الهم.
وكفى بما وضع في الطبع من المنازعة إلى الشهوات مشتتاً للهم المجتمع.
فينبغي للإنسان أن يجتهد في جمع همه لينفرد قلبه بذكر الله سبحانه وتعالى وإنفاذ أوامره والتهيؤ للقائه.
وذلك إنما يحصل بقطع القواطع، والامتناع عن الشواغل.
وما يمكن قطع القواطع جملة، فينبغي أن يقطع ما يمكن منها.
وما رأيت مشتتاً للهم مبدداً للقلب مثل شيئين: أحدهما: أن تطاع النفس في طلب كل شيء تشتهيه وذلك لا يوقف على حد فيه، فيذهب الدين والدنيا ولا ينال كل المراد.
مثل أن تكون الهمة في المستحسنات أو في جمع المال أو في طلب الرياسة، وما يشبه هذه الأشياء.
فيا له من شتات لا جامع له، يذهب العمر ولا ينال بعض المراد منه.
والثاني: مخالطة الناس خصوصاً العوام والمشي في الأسواق، فإن الطبع يتقاضى بالشهوات وينسى الرحيل عن الدنيا، ويحب الكسل عن الطاعة والبطالة والغفلة والراحة.
فيثقل على من ألف مخالطة الناس التشاغل بالعلم أو بالعبادة.
ولا يزال يخالطهم حتى تهون عليه الغيبة وتضيع الساعات في غير شيء.
فمن أراد اجتماع همه فعليه بالعزلة بحيث لا يسمع صوت أحد، فحينئذ يخلو القلب بمعارفه، ولا تجد النفس رفيقاً مثل الهوى يذكرها ما تشتهي.
فإذا اضطر إلى المخالطة كان على وفاق كما تتهوى للضفدع لحظة ثم تعود إلى الماء، فهذه طريق السلامة.
فتأمل فوائدها تطب لك.
● [ فصل ] ●
الكفر بسبب الدهرما رأت عيني مصيبة نزلت بالخلق أعظم من سبهم للزمان وعيبهم للدهر.
وقد كان هذا في الجاهلية، ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: " لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر " .
ومعناه أنتم تسبون من فرق شملكم وأمات أهاليكم، وتنسبونه إلى الدهر، والله تعالى هو الفاعل لذلك.
فتعجبت كيف علم أهل الأسقام بهذه الحال، وهم على ما كان أهل الجاهلية عليه ما يتغيرون حتى ربما اجتمع الفطناء الأدباء الظراف على زعمهم فلم يكن لهم شغل إلا ذم الدهر.
وربما جعلوا الله الدنيا، ويقولون: فعلت وصنعت وحتى رأيت لأبي القاسم الحريري يقول:
ولما تعامى الدهر وهو أبو الردى ... عن الرشد في أنحائه ومقاصده
تعاميت حتى قيل إني أخو عمي ... ولا غرو أن يحذو الفتى حذو والده
وقد رأيت خلقاً يعتقدون أنهم فقهاء وفهماء ولا يتحاشون من هذا.
وهؤلاء إن أرادوا بالدهر مرور الزمان، فذاك لا اختيار له ولا مراد ولا يعرف رشداً من ضلال، ولا ينبغي أن يلام.
فإنه زمان مدبر لا مدبر، فيتصرف فيه ولا يتصرف بأحد.
وما يظن بعاقل أن يشير إلى أن هذا المذموم المعرض عن الرشد السيء الحكم هو الزمان.
فلم يبق إلا أن القوم خرجوا عن ربقة الإسلام، ونسبوا هذه القبائح إلى الصانع، فاعتقدوا فيه قصور الحكمة وفعل ما لا يصح، كما اعتقده إبليس في تفضيل آدم.
وهؤلاء لا ينفعهم مع هذا الزيغ اعتقاد إسلام، ولا فعل صلاة.
بل هم شر من الكفار، لا أصلح الله لهم شأناً ولا هداهم إلى رشاد.
● [ فصل ] ●
كنز الوقتمن عجائب ما أرى من نفسي ومن الخلق كلهم الميل إلى الغفلة عما في أيدينا مع العلم بقصر العمر، وأنا زيادة الثواب هناك بقدر العمل ههنا.
فيا قصير العمر اغتنم يومي مني، وانتظر ساعة النفر، وإياك أن تشغل قلبك بغير ما خلق له.
واحمل نفسك على المبر واقمعها إذا أبت، ولا تسرح لها في الطول، فما أنت إلا في مرعى.
وقبيح بمن كان بين الصفين أن يتشاغل بغير ما هو فيه.
● [ فصل ] ●
الاحتراسقد قررت هذا المعنى في هذا الكتاب، وهو الأمر بحفظ السر، والحذر من الانبساط فيما لا يصلح بين يدي الناس.
فرب منبسط - بين يدي من يظنه صديق - يقول في صديق أو في سلطان يحسب أنه لا يهتم في ذلك، فيكون سبب هلاكه ذاك.
فأوصى السليم الصدر الذي يظن في الناس الخير أن يحترز من الناس، وأن لا يقول في الخلق كلمة لا تصلح للخلق.
ولا يغتر بمن يظهر الصداقة أو التدين فقد عم الخبث.
● [ فصل ] ●
التفكر والنظرتأملت على أكثر الناس عباداتهم فإذا هي عادات.
فأما أرباب اليقظة فعاداتهم عبادة حقيقية.
فإن الغافل يقول سبحان الله عادة، والمتيقظ لا يزال فكره في عجائب المخلوقات أو في عظمة الخالق، فيحركه الفكر في ذلك فيقول: سبحان الله.
ولو أن إنسان تفكر في رمانة، فنظر في تصفيف حبها وحفظه بالأغشية لئلا يتضاءل، وإقامة الماء على عظم العجم، وجعل الغشاء عليه يحفظه، وتصوير الفرخ في بطن البيضة، والآدمي في حشا الأم، إلى غير ذلك من المخلوقات، أزعجه هذا الفكر إلى تعظيم الخالق، فقال: سبحان الله، وكان هذا التسبيح ثمرة الفكر؛ فهذا تسبيح المتيقظين.
وما تزال أفكارهم تجول فتقع عباداتهم بالتسبيحات محققة، وكذلك يتفكرون في قبائح ذنوب قد تقدمت فيوجب ذلك الفكر وقلق القلب وندم النفس، فيثمر ذلك أن يقول قائلهم: أستغفر الله.
فهذا هو التسبيخ والاستغفار.
فأما الغافلون فيقولون ذلك عادة وشتان ما بين الفريقين.
● [ فصل ] ●
العزلة دواءلا يصفو التعبد والتزهد والاشتغال بالآخرة إلا بالانقطاع الكلي عن الخلق، بحيث لا يبصرهم ولا يسمع كلامهم إلا في وقت ضرورة كصلاة جمعة أو جماعة، ويحترز في تلك الساعات منهم.
وإن كان عالماً يريد نفعهم وعدهم وقتاً معروفاً واحترز في الكلام معهم.
وأما من يمشي في الأسواق اليوم ويبيع ويشتري مع هذا العالم المظلم، ويرى المنكرات والمستهجنات فما يعود إلى البيت إلا وقد أظلم القلب.
فلا ينبغي للمريد أن يكون خروجه إلا إلى الصحراء والمقابر.
وقد كان جماعة من السلف يبيعون ويشترون ويحترزون، ومع هذا ما صفا لصافيهم وقت حتى قاطع الخلق.
قال أبو الدرداء: زاولت العبادة والتجارة فلم يجتمعا فاخترت العبادة.
وقد جاء في الحديث: الأسواق تلهي وتلغي.
فمن قدر على الحمية النافعة واضطر إلى المخالطة والكسب للعائلة، فليحترز احتراز الماشي في الشوك، وبعيد سلامته.
● [ فصل ] ●
المحافظة على صفاء القلبمن رزق قلباً طيباً، ولذة مناجاة، فليراع حاله وليحترز من التغيير.
وإنما تدوم له حاله بدوام التقوى.
وكنت قد رزقت قلباً طيباً ومناجاة حلوة فأحضر بعض أرباب المناصب إلى طعامه، فما أمكن خلافه. فتناولت وأكلت منه فلقيت الشدائد، ورأيت العقوبة في الحال، واستمرت مدة، وغضبت على قلبي، وفقدت كل ما كنت أجده.
فقلت: واعجباً لقد كنت في هذا كالمكره، فتفكرت وإذا به قد يمكن مداراة الأمر بلقيمات يسيرة، ولكن التأويل جعل تناول هذا الطعام بشهوة أكثر مما يدفع بالمداراة.
فقالت النفس: ومن أين لي أن عين هذا الطعام حرام ؟.
فقالت اليقظة: وأين الورع عن الشبهات ؟.
فلما تناولت بالتأويل لقمة واستحليتها بالطبع لقيت الأمرين بفقد القلب فاعتبروا يا أولي الأبصار.
● [ فصل ] ●
اليقظة للآخرة والتدبرهمة المؤمن متعلقة بالآخرة فكل ما في الدنيا يحركه إلى ذكر الآخرة، وكل من شغله شيء فهمته شغله.
ألا ترى أنه لو دخل أرباب الصنائع إلى دار معمورة رأيت البزاز ينظر إلى الفرش ويحزر قيمته، والنجار إلى السقف، والبناء إلى الحيطان، والحائك إلى النسيج المخيط.
والمؤمن إذا رأى ظلمة ذكر ظلمة القبر، وإن رأى مؤلماً ذكر العقاب، وإن سمع صوتاً فظيعاً ذكر نفخة الصور، وإن رأى الناس نياماً ذكر الموتى في القبور، وإن رأى لذة ذكر الجنة، فهمته متعلقة بما ثم، وذلك يشغله عن كل ما تم.
وأعظم ما عنده أنه يتخايل دوام البقاء في الجنة، وأن بقاءه لا ينقطع ولا يزول، ولا يعتريه منغص، فيكاد إذا تخايل نفسه متقلباً في تلك اللذات الدائمة التي لا تفنى يطيش فرحاً ويسهل عليه ما في الطريق إليها من ألم ومرض وابتلاء وفقد محبوب وهجوم الموت ومعالجة غصصه.
فإن المشتاق إلى الكعبة يهون عليه رمل زرود، والتائق إلى العافية لا يبالي بمرارة الدواء.
ويعلم أن جودة الثمر ثم على مقدار جودة البذر ههنا فهو يتخير الأجود، ويغتنم الزرع في تشرين العمر من غير فتور.
ثم يتخايل المؤمن دخول النار والعقوبة فيتنغص عيشه ويقوى قلقه، فعنده بالحالين شغل عن الدنيا وما فيها، فقلبه هائم في بيداء العشوق تارة وفي صحراء الخوف أخرى، فما يرى البنيان.
فإذا نازله الموت قوي ظنه بالسلامة، ورجا لنفسه النجاة فيهون عليه.
فإذا نزل إلى القبر وجاءه من يسألونه، قال بعضهم لبعض: دعوه فما استراح إلا الساعة. نسأل الله عز وجل يقظة تامة تحركنا إلى طلب الفضائل، وتمنعنا من اختيار الرذائل، فإنه إن وفق، وإلا فلا نافع.
● [ فصل ] ●
مظاهر الاصطفاءلقد اعتبرت على مولاي سبحانه وتعالى أمراً عجيباً وهو أنه تعالى لا يختار لمحبته والقرب منه إلا الكامل صورة ومعنى.
ولست أعني حسن التخاطيط وإنما كمال الصورة اعتدالها، والمعتدلة ما تخلو من حسن، فيتبعها حسن الصورة الباطنة، وهو كمال الأخلاق، وزوال الأكدار، ولا يرى في باطنه خبثاً ولا كدراً، بل قد حسن باطنه كما حسن ظاهره.
وقد كان موسى عليه السلام كل من رآه يحبه، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم كالقمر ليلة البدر.
وقد يكون الولي أسود اللون، لكنه حسن الصورة لطيف المعاني.
فعلى قدر ما عند الإنسان من التمام في كمال الخلق والخلق، يكون عمله، ويكون تقريبه إلى الحضرة بحسب ذلك.
فمنهم كالخادم على الباب، ومنهم حاجب، ومنهم مقرب، ويندر من يتم له الكمال. ولعله لا يوجد في مائة سنة منهم غير واحد.
وهذه حكاية ما تحصل بالاجتهاد بل الاجتهاد يحصل منها. لأنه إذا وقع تماماً حث على الجد على قدر نقصائه.
وهذا لا حيلة في أصله، إنما هو جبلة، وإذا أرادك لأمر هيأك له.
● [ فصل ] ●
الحكمة الإلهية وجهل العقولتأملت على قوم يدعون العقول ويعترضون على حكمة الخالق.
فينبغي أن يقال لهم: هذا الفهم الذي دلكم على رد حكمته أليس هو من منحه ؟.
أفأعطاكم الكمال ورضي لنفسه بالنقص ! هذا هو الكفر المحض الذي يزيد في القبح على الجحد.
فأول القوم إبليس، فإنه رأى بعقله أن جوهر النار أشرف من جوهر الطين فرد حكمة الخالق.
ومر على هذا خلق كثير من المعترضين، مثل ابن الراوندي والبقري وهذا المعري اللعين يقول: كيف يعاب الحجاج بالسخف والدهر أقبح فعلاً منه.
أترى يعني به الزمان ! كلا. فإن ممر الأوقات لا يفعل شيئاً وإنما هو تعريض بالله جل شأنه. وكان يستعجل الموت ظناً منه أنه يستريح.
وكان يوصي بترك النكاح والنسك، ولا يرى في الإيجاد حكمة إلا العناء والتعب ومصير الأبدان إلى البلى.
وهذا لو كان ظن كان الإيجاد عبثاً، والحق منزه عن العبث.
قال تعالى: " وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً " .
فإذا كان ما خلق لنا لم يخلق عبثاً. أفنكون نحن ونحن مواطن معرفته ومجال تكليفه قد وجدنا عبثاً ؟.
ومثل هذا الجهل إنما يصدر ممن ينظر في قضايا العقول التي يحكم بها على الظواهر، مثل أن يرى مبنياً ينقض.
والعقل بمجرده لا يرى دلك حكمة ولو كشفت له حكمة ذلك العلم أنه صواب.
كما كشف لموسى مراد الخضر في خرق السفينة وقتل الغلام.
ومعلوم أن ذبح الحيوان، وتقطيع الرغيف، ومضغ الطعام لا يظهر له فائدة على الإطلاق.
فإذا علم أنه غذاء لبدن من هو أشرف بدناً من المذبوح حسن ذلك الفعل.
واعجباً أو ما تقضي العقول بوجوب طاعة الحكيم الذي تعجز عن معرفة حكمة مخلوقاته.
فكيف تعارضه في أفعاله ؟ نعوذ بالله من الخذلان.
● [ فصل ] ●
وعظ السلاطينينبغي لمن وعظ سلطاناً أن يبالغ في التلطف ولا يواجهه بما يقتضي أنه ظالم.
فإن السلاطين حظهم التفرد بالقهر والغلبة فإذا جرى نوع توبيخ لهم كان إذلالاً وهم لا يحتملون ذلك.
وإنما ينبغي أن يمزج وعظه بذكر شرف الولاية، وحصول الثواب في رعاية الرعايا، وذكر سير العادلين من أسلافهم.
ثم لينظر الواعظ في حال الموعوظ قبل وعظه.
فإن رأى سيرته حميدة كما كان منصور بن عمار وغيره يعظون الرشيد وهو يبكي. وقصده الخير زاد في وعظه ووصيته.
وإن رآه ظالماً لا يلتفت إلى الخير، وقد غلب عليه الجهل، اجتهد في أن لا يراه ولا يعظه.
لأنه إن وعظه خاطر بنفسه، وإن مدحه كان مداهناً.
فإن اضطر إلى موعظته كانت كالإشارة، وقد كان أقوام من السلاطين يلينون عند الموعظة ويحتملون الواعظين.
حتى أنه قد كان المنصور يواجه بأنك ظالم فيصبر.
وقد تغير الزمان، وفسد أكثر الولاة وداهنهم العلماء، ومن لا يداهن لا يجد قبولاً للصواب فيسكت.
وقد كانت الولايات لا يسألها إلا من أحكمته العلوم، وثقفته التجارب، فصار أكثر الولاة يتساوون في الجهل فتأتي الولاية على من ليس من أهلها.
ومثل هؤلاء ينبغي الحذر منهم والبعد عنهم
فمن ابتلى بوعظهم فليكن على غاية التحرز فيما يقول ولا ينبغي أن يغتر بقولهم عظنا فإنه لو قال كلمة لا توافق أغراضهم ثارت حراراتهم.
وليحذر مذكر السلطان أن يعرض له بأرباب الولايات فإنهم إذا سمعوا بذلك صار الواعظ مقصوداً لهم بالإهلاك خوفاً من أن يعتبر السلطان أحوالهم فتفسد أمورهم.
والبعد في هذا الزمان عنهم أصلح، والسكوت عن المواعظ لهم أسلم.
فمن اضطر تلطف غاية التلطف، وجعل وعظه للعوام وهم يسمعون ولا يعنيهم منه بشيء والله الموفق.
● [ فصل ] ●
الأنبياء الكذبة، ورسالة الإسلامالحق لا يشتبه بباطل إنما يموه الباطل عند من لا فهم له.
وهذا في حق من يدعي النبوات، وفي حق من يدعي الكرامات.
أما النبوات فإنه قد ادعاها خلق كثير ظهرت قبائحهم، وبانت فضائحهم، ومنها ما أوجبته خسة الهمة والتهتك في الشهوات، والتهافت في الأقوال والأفعال، حتى افتضحوا.
فمنهم الأسود العنسي، ادعى النبوة ولقب نفسه ذا الحمارة لأنه كان يقول يأتيني ذو الحمار، وكان أول أمره كاهناً يشعوذ فيظهر الأعاجيب. فخرج في أواخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم فكاتبته مذ حج وواعدته نجران وأخرجوا عمرو بن حزم وخالد بن سعيد صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصفاً له اليمن، وقاتل شهر بن باذان فقتله وتزوج ابنته فأعانت على قتله فهلك في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبان للعقلاء أنه كان يشعوذ.
ومنهم مسيلمة، ادعى النبوة وتسمى رحمان اليمامة لأنه كان يقول: الذي يأتيني رحمان. فآمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وادعى أنه قد أشرك معه، فالعجب أنه يؤمن برسول ويقول إنه كذاب، ثم جاء بقرآن يضحك الناس، مثل قوله: يا ضفدع بنت ضفدعين نقي ما تنقين، أعلاك في الماء وأسفلك في الطين، ومن العجائب شاة سوداء تحلب لبناً أبيض فانهتك ستره في الفصاحة.
ثم مسح بيده على رأس صبي فذهب شعره. وبصق في بئر فيبست.
وتزوج سجاح التي ادعت النبوة فقالوا: لا بد لها من مهر فقال: مهرها أني قد أسقطت عنكم صلاة الفجر والعتمة.
وكانت سجاح هذه قد ادعت النبوة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستجاب لها جماعة فقالت: أعدوا الركاب، واستعدوا للنهاب، ثم اعبروا على الرباب، فليس دونهم حجاب، فقاتلوهم.
ثم قصدت اليمامة فهابها مسيلمة فراسلها وأهدى لها فحضرت عنده فقالت: اقرأ علي ما يأتيك به جبريل.
فقال: إنكن معشر النساء خلقتن أفواجاً، وجعلتن لنا أزواجاً، نولجه فيكن إيلاجاً فقالت: صدقت أنت نبي.
فقال لها: قومي إلى المخدع، فقد هيىء لك المضجع، فإن شئت مستلقاة وإن شئت على أربع، وإن شئت بثلثيه وإن شئت به أجمع، فقالت: بل به اجمع فهو للشمل أجمع.
فافتضحت عند العقلاء من أصحابها، فقال منهم عطارد بن حاجب:
أضحت نبيتنا أنثى يطاف بها ... وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا
فعلنة اللّه رب الناس كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغوانا
أعني مسيلمة الكذاب لا سقيت ... أصداؤه ومن رعيت حيثما كانا
ثم إنها رجعت عن غيها وأسلمت، وما زالت تبين فضائح مسيلمة حتى قتل.
ومنهم طليحة بن خويلد، خرج بعد دعوى مسيلمة النبوة وتبعه عوام ونزل سميراً، فتسمى بذي النون، يقول: إن الذي يأتيه يقال له ذو النون.
وكان من كلامه: إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ولا قبح أدباركم شيئاً فاذكروا الله أعفة قياماً..
ومن قرآنه: والحمام واليمام وللصرد الصوام ليبلغن ملكنا العراق والشام.
وتبعه عيينة بن حصين، فقاتله خالد بن الوليد فجاء عيينة إلى طليحة فقال: ويحك أجاءك الملك. قال لا فارجع فقاتل فقاتل ثم عاد، فقال أجاءك فقال لا، فعاد فقاتل ثم عاد فقال: أجاءك ؟ قال: نعم قال: ما قال لك ؟ قال: قال إن لك جيشاً لا تنساه، فصاح عيينة: الرجل والله كذاب.
فانصرف الناس منهزمين وهرب طليحة إلى الشام، ثم أسلم وصح إسلامه وقتل بنهاوند.
وذكر الواقدي: أن رجلاً من بني يربوع يقال له جندب بن كلثوم، كان يلقب كرداناً ادعى النبوة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يزعم أن دليله على نبوته أنه يسرج مسامير الحديد والطين. وهذا لأنه كان يطلي ذلك بدهن البيلسان فتعمل فيه النار.
وقد تنبأ رجل يقال له كهمش الكلابي، وكان يزعم أن الله تعالى أوحى إليه: يا أيها الجائع اشرب لبناً تشبع، ولا تضرب الذي لا ينفع، فإنه ليس بمقنع.
وزعم أن دليله على نبوته أنه يطرح بين السباع الضارية فلا تأكله، وحيلته في ذلك أنه يأخذ دهن الغار وحجر البرسان وقنفدا محرقاً وزبد البحر وصدفاً محرقاً مسحوقاً وشيئاً من الصبر والحبط فيطلي به جسمه، فإذا قربت منه السباع فشمت تلك الأرياح وزفورتها نفرت.
وتنبأ بالطائف رجل يقال له أبو جعوانة العامري، وزعم أن دليله أنه يطرح النار في القطن فلا يحترق. وهذا لأنه يدهنه بدهن معروف.
ومنهم هذيل بن يعفور من بني سعد بن زهير، حكى عنه الأصمعي أنه عارض سورة الإخلاص فقال: قل هو الله أحد إله كالأسد جالس على الرصد لا يفوته أحد.
ومنهم هذيل بن واسع كان يزعم أنه من ولد النابغة الذبياني، عارض سورة الكوثر فقال له رجل ما قلت فقال: إنا أعطيناك الجواهر، فصل لربك وجاهر، فما يردنك إلا كل فاجر.
فظهر عليه السنوري فقتله وصلبه على العمود، فعبر عليه الرجل فقال: إنا أعطيناك العمود، فصل لربك من قعود، بلا ركوع ولا سجو، فما أراك تعود.
وممن ظهر فادعى أنه يوحي إليه المختار بن أبي عبيد، وكان متخبطاً في دعواه، وقتل خلقاً كثيراً وكان يزعم أنه ينصر الحسين رضوان الله عليه ثم قتل.
ومنهم حنظلة بن يزيد الكوفي، كان يزعم أن دليله أنه يدخل البيضة في القنينة ويخرجها منها صحيحة وذاك أنه كان ينقع البيضة في الخل الحامض فيلين قشرها ثم يصب ماء في قنينة، ثم يدس البيضة فيها، فإذا لقيت الماء صلبت.
وقد تنبأ أقوام قبل نبينا صلى الله عليه وسلم كزرادشت وماني. وافتضحوا.
وما من المدعين إلا من خذل.
وقد جاءت القرامطة بحيل عجيبة، وقد ذكرت جمهور هؤلاء وحيلهم في كتابي التاريخ المسمى بالمنتظم، وما فيهم من يتم له أمر إلا ويفتضح.
ودليل صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم أجلى من الشمس.
فإنه ظهر فقيراً والخلق أعداؤه فوعد بالملك فملك. وأخبر بما سيكون فكان وصين من زمن النبوة عن الشره وخساسة الهمة والكذب والكبر.
وأيد بالثقة والأمانة والنزاهة والعفة، وظهرت معجزاته للبعيد والقريب.
وأنزل عليه الكتاب العزيز الذي حارت فيه عقول الفصحاء، ولم يقدروا على الإتيان بآية تشبهه فضلاً عن سورة.
وقد قال قائلهم وافتضح، ثم أخبر أنه لا يعارض فيه كمال قال. وذلك قوله تعالى: " فأتوا بسُورَةٍ " ثم قال: " فإِنْ لَمْ تَفْعَلوا وَلَنْ تَفْعَلُوا " . وكذلك قوله: " فَتَمَنَّوا المَوْتَ " ، " وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ.. " فما تمناه أحد.
إذ لو قال قائل قد تمنيته لبطلت دعواه.
وكان يقول ليلة غزاة بدر: غدا مصرع فلان ههنا فلا يتعداه.
وقال: إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، لك بعدهما من له كبير قدر، ولا من استتب له حال.
ومن أعظم دليل على صدقه أنه لم يرد الدنيا فكان يبيت جائعاً، ويؤثر إذا وجد، ويلبس الصوف ويقوم الليل.
وإنما تطلب النواميس لاجتلاب الشهوات، فلما لم يردها دل على أنه يدل على الآخرة التي هي حق.
ثم لم يزل دينه يعلو حتى عم الدنيا، وإن كان الكفر في زوايا الأرض، إلا أنه مخذول.
وصار في تابعيه من أمته الفقهاء الذين لو سمع كلامهم الأنبياء القدماء تحيروا في حسن استخراجهم، والزهاد الذين لو رآهم الرهبان تحيروا في صدق زهدهم، والفطناء الذين لا نظير لهم في القدماء.
أوليس قوم موسى يعبدون بقرة، ويتوقفون في ذبح بقرة، ويعبرون البحر، ثم يقولون: اجعل لنا إلهاً ؟.
وقوم عيسى يدخرون من المائدة وقد نهوا.
والمعتدون في السبت يعصون الله لأجل الحيتان.
وأمتنا بحمد الله تعالى سليمة من هذه الأشياء، وإنما في بعضها ميل إلى الشهوات المنهي عنها؛ وذلك من الفروع لا من الأصول.
فإذا ذكروا وندموا على تفريطهم.
فنحمد الله على هذا الدين وعلى أننا من أمة هذا الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد كان جماعة من المتصنعين بالزهد مالوا إلى طلب الدنيا والرياسة، فاستغواهم الهوى فخرقوا بإظهار ما يشبه الكرامات كالحلاج وابن الشاش وغيرهما ممن ذكرت حال تلبيسه في كتاب تلبيس إبليس.
وإنما فعلوا ذلك لاختلاف أغراضهم، ولم يزل الله ينشىء في هذا الدين من الفقهاء من يظهر ما أخفاه القاصرون.
كما ينشىء من علماء الحديث من يهتك ما أشاعه الواضعون، حفظاًَ لهذا الدين، ودفعاً للشبهات عنه.
فلا يزال الفقيه والمحدث يظهر أن عوار كل ملبس بوضع حديث أو بإظهار دعوى تزهد وتنميس فلا يؤثر ما ادعياه إلا عند جاهل بعيد من العلم والعمل.
" لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الباطلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ " .
العلم والخشية
الذنوب وآثارها
الحق مع علي بن أبي طالب
سوء المظهر في الزهد
لا استقرار في الدنيا
العالم والحاكم
الكسب الحرام
هموم الفقر
العبادة على أمل
بين النفس والناس
الكفر بسبب الدهر
كنز الوقت
الاحتراس
التفكر والنظر
العزلة دواء
المحافظة على صفاء القلب
اليقظة للآخرة والتدبر
مظاهر الاصطفاء
الحكمة الإلهية وجهل العقول
وعظ السلاطين
الأنبياء الكذبة، ورسالة الإسلام