بّسم الله الرّحمن الرّحيم
تاريخ المدينة المنورة
تمر المدينة وثمارها وحرمها
ما جاء في تمر المدينة وثمارها
ودعائه صلى الله عليه وسلم لها بالبركة
أول من غرس النخل في الأرض أنوس بن شيث، وأول من غرس بالمدينة بنو قريظة وبنو النضير. حدث العوفي عن الكلبي في "تاريخ ملوك الأرض": أن شرية الخثعمي عمّر ثلاثمائة سنة وأدرك زمان عمر بن الخطاب فقال وهو بالمدينة: لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم وما به نخالة ولا شجرة مما ترون، ولقد سمعت أخريات قومي يشهدون بمثل شهادتكم هذه يعني لا إله إلا الله وممن عمّر مثل هذا جماعة منهم: سلمان الفارسي والمستوغر بن ربيعة.
وتقدم في الفضائل: " من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر ". وفي صحيح مسلم: " من أكل سبع تمرات من بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي ". واللابة: الحرة حجارة سود من الجبلين. فقوله: " من بين لابتيها " أي حرّيتها. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بأول الثمر فيقول: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي كدنا وفي صاعنا، بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان ". وفي رواية ابن السني عن أبي هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بباكورة وضعها على عينيه ثم على شفتيه وقال: " اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره " ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان . وعن علي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ائتوني بوضوء "، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: " اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك أن تبارك لهم في مدهم مثل ما باركت لأهل مكة، ومع البركة بركتين ".
ذكر ما يؤول إليه أمر المدينة الشريفة
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لتتركن المدينة على خير ما كانت مدللة، ثم أرها لا يغشاها إلا العوافي " يريد عوافي الطير والسباع " وآخر من يحشر منها راعيان من مزينة يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما ". رواه البخاري. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذى على بعض سواري المسجد أو على المنبر ". فقالوا: يا رسول الله فلمن تكون الثمار في ذلك الزمن. فقال: " للعوافي الطير والسباع ". رواه مالك في الموطأ.
ما جاء في تحديد حدود حرم المدينة الشريفة
في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً " وأراد بالحدث: البدعة وذلك ما لم تجر به سنة ولم يتقدم به عمل، وبالمحدث: المبتدع. قال التوربشتي: وروى بعضهم المحدث بفتح الدال وليس بشيء؛ لأن الرواية الصحيحة بكسر الدال وفيه من طريف المعنى وهن وهو أن اللفظين يرجعان حينئذ إلى شيء واحد، فإن إحداث البدعة وإيواءها سواء، والإيواء قلما يستعمل في الإحداث وإنما المشهور استعماله في الأعيان التي تنضم إلى المساوئ. انتهى.
وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرم ما بين عابر إلى كذا " رواه البخاري مطولاً وهذا لفظه، ورواه مسلم فقال: " ما بين عير إلى ثور ". وهذا هو حد الحرم في الطول. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين لابتيها حرام ". متفق عليه. وهذا حد الحرم في العرض. وعنه قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة. قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها، وجعل اثني عشر ميلاً حمىً رواه مسلم. قال المازني: نقل بعض أهل العلم أن ذكر ثور هنا وهم من الراوي؛ لأن ثوراً بمكة، والصحيح ما بين ثور إلى أحد. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: إن عيراً جبل معروف بالمدينة، وأن ثوراً لا يعرف بها وإنما يعرف بمكة. قال: فإذا نرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد. وكذلك قال غيره. وقال أبو بكر الحازمي: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عير إلى أحد قال: هذه الرواية الصحيحة وقيل: إلى ثور. فليس له معنى. انتهى.
قالوا أو يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي أحداً ثوراً تشبيهاً بثور مكة، لوقوعه في مقابلة جبل يسمى عيراً. وقيل: أراد بهما مأزمي المدينة؛ لما ورد في حديث أبي سعيد: "حرمت ما بين مأزميها". وقيل: أراد الحرتين شبه إحدى الحرتين بعير لنتوء وسطه ونشوزه، والآخر بثور لامتناعه تشبيهاً بثور الوحش. وقيل: إن ما بين عير مكة إلى ثورها من المدينة مثله حرام. وإنما قيل: هذه التأويلات لما لم يعرف بالمدينة جبل يسمى ثوراً.
قال المحب الطبري: وقد أخبرني الثقة الصدوق الحافظ العالم المجاور بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحاً إلى ورائه جبل صغير يقال له: ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، فعلمنا بذلك أن ما تضمنه الخبر صحيح، وعدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم سؤالهم وبحثهم عنه. انتهى.
وقال جمال الدين المطري وغيره: قد ثبت بالمدينة الشريفة عن أهلها القدماء الساكنين بالعمرية والغابة أنهم يعرفون عن آبائهم وأجدادهم أن وراء أحد جبلاً يقال له: ثور معروف. قال: وشاهدنا الجبل ولم يختلف في ذلك أحد، وعسى أن يكون أشكل على من تقدم لقلة سكناهم بالمدينة، قال: وهو خلف جبل أحد من شماليه تحته وهو جبل صغير مدور وهما حد الحرم كما نقل، قال: ولعل هذا الاسم لم يبلغ أبا عبيد ولا المازني. انتهى. وأما عير فهو الجبل الكبير الذي من جهة قبلة المدينة.
واختلف في صيد حرم المدينة وشجره ومذهبنا أنه لا يحرم، وتقدم آخر الباب التاسع الجواب عن حديث سعد بن أبي وقاص وعن قوله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ". وعن حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها ". الحديث. قال التوربشتي في "شرح المصابيح": وكان سعد وزيد بن ثابت يريان في ذلك الجزاء. وأجاب عن ذلك بأنه نسخ فلم يشعرا به. قال: وإنما ذهب للنسخ من ذهب للأحاديث التي تدل على خلاف ذلك، ولهذا لم يأخذ بحديثهما أحد من فقهاء الأمصار، وسئل مالك عن النهي في قطع سدر المدينة فقال: إنما نهى عنه لئلا يتوحش وليتقي به شجرها فيستأنس بذلك من هاجر إليها ويستظل بها. انتهى.
وأجاب أيضاً عن حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرماً ". الحديث. وفيه " لا ينفر صيدها ". وكذلك في حديث جابر: " لا يصاد صيدها ". قال: والسبيل في ذلك أن يحمل النهي على ما قاله مالك وغيره من العلماء أنه أحب أن تكون المدينة مأهولة مستأنسة، فإن صيدها وإن رأى تحريمه نفر يسير من الصحابة فإن الجمهور منهم لم ينكروا اصطياد الطيور بالمدينة، ولم يبلغنا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من طريق يعتمد عليه، ولو كان حراماً لم يسكت عنه في موضع الحاجة، ثم لم يبلغنا عن أحد من الصحابة أنه رأى الجزاء في صيد المدينة، ولم يذهب أيضاً إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار الذين يدور عليهم علم الفتيا في بلاد الإسلام انتهى.
وأجاب التوربشتي أيضاً عن حديث سعد رضي الله عنه أنه وجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه ثيابه. قال: والوجه في ذلك النسخ في ذلك على ما ذكرنا وقد كانت العقوبات في أول الإسلام جارية في الأموال. انتهى.
مختصر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء
ودعائه صلى الله عليه وسلم لها بالبركة
أول من غرس النخل في الأرض أنوس بن شيث، وأول من غرس بالمدينة بنو قريظة وبنو النضير. حدث العوفي عن الكلبي في "تاريخ ملوك الأرض": أن شرية الخثعمي عمّر ثلاثمائة سنة وأدرك زمان عمر بن الخطاب فقال وهو بالمدينة: لقد رأيت هذا الوادي الذي أنتم وما به نخالة ولا شجرة مما ترون، ولقد سمعت أخريات قومي يشهدون بمثل شهادتكم هذه يعني لا إله إلا الله وممن عمّر مثل هذا جماعة منهم: سلمان الفارسي والمستوغر بن ربيعة.
وتقدم في الفضائل: " من تصبح بسبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر ". وفي صحيح مسلم: " من أكل سبع تمرات من بين لابتيها حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي ". واللابة: الحرة حجارة سود من الجبلين. فقوله: " من بين لابتيها " أي حرّيتها. وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بأول الثمر فيقول: " اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي كدنا وفي صاعنا، بركة مع بركة، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الولدان ". وفي رواية ابن السني عن أبي هريرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتي بباكورة وضعها على عينيه ثم على شفتيه وقال: " اللهم كما أريتنا أوله فأرنا آخره " ثم يعطيه من يكون عنده من الصبيان . وعن علي قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا كنا بالسقيا التي كانت لسعد بن أبي وقاص فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ائتوني بوضوء "، فلما توضأ قام فاستقبل القبلة ثم كبر ثم قال: " اللهم إن إبراهيم كان عبدك وخليلك دعاك لأهل مكة بالبركة، وأنا محمد عبدك ورسولك أدعوك أن تبارك لهم في مدهم مثل ما باركت لأهل مكة، ومع البركة بركتين ".
ذكر ما يؤول إليه أمر المدينة الشريفة
عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " لتتركن المدينة على خير ما كانت مدللة، ثم أرها لا يغشاها إلا العوافي " يريد عوافي الطير والسباع " وآخر من يحشر منها راعيان من مزينة يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما فيجدانها وحشاً حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرا على وجوههما ". رواه البخاري. وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الكلب أو الذئب فيغذى على بعض سواري المسجد أو على المنبر ". فقالوا: يا رسول الله فلمن تكون الثمار في ذلك الزمن. فقال: " للعوافي الطير والسباع ". رواه مالك في الموطأ.
ما جاء في تحديد حدود حرم المدينة الشريفة
في الصحيحين من حديث علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو آوى محدثاً، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً ولا عدلاً " وأراد بالحدث: البدعة وذلك ما لم تجر به سنة ولم يتقدم به عمل، وبالمحدث: المبتدع. قال التوربشتي: وروى بعضهم المحدث بفتح الدال وليس بشيء؛ لأن الرواية الصحيحة بكسر الدال وفيه من طريف المعنى وهن وهو أن اللفظين يرجعان حينئذ إلى شيء واحد، فإن إحداث البدعة وإيواءها سواء، والإيواء قلما يستعمل في الإحداث وإنما المشهور استعماله في الأعيان التي تنضم إلى المساوئ. انتهى.
وعن علي رضي الله عنه قال: ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " المدينة حرم ما بين عابر إلى كذا " رواه البخاري مطولاً وهذا لفظه، ورواه مسلم فقال: " ما بين عير إلى ثور ". وهذا هو حد الحرم في الطول. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول: لو رأيت الظباء ترتع بالمدينة ما ذعرتها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما بين لابتيها حرام ". متفق عليه. وهذا حد الحرم في العرض. وعنه قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين لابتي المدينة. قال أبو هريرة: فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها، وجعل اثني عشر ميلاً حمىً رواه مسلم. قال المازني: نقل بعض أهل العلم أن ذكر ثور هنا وهم من الراوي؛ لأن ثوراً بمكة، والصحيح ما بين ثور إلى أحد. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: إن عيراً جبل معروف بالمدينة، وأن ثوراً لا يعرف بها وإنما يعرف بمكة. قال: فإذا نرى أن أصل الحديث ما بين عير إلى أحد. وكذلك قال غيره. وقال أبو بكر الحازمي: حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين عير إلى أحد قال: هذه الرواية الصحيحة وقيل: إلى ثور. فليس له معنى. انتهى.
قالوا أو يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سمي أحداً ثوراً تشبيهاً بثور مكة، لوقوعه في مقابلة جبل يسمى عيراً. وقيل: أراد بهما مأزمي المدينة؛ لما ورد في حديث أبي سعيد: "حرمت ما بين مأزميها". وقيل: أراد الحرتين شبه إحدى الحرتين بعير لنتوء وسطه ونشوزه، والآخر بثور لامتناعه تشبيهاً بثور الوحش. وقيل: إن ما بين عير مكة إلى ثورها من المدينة مثله حرام. وإنما قيل: هذه التأويلات لما لم يعرف بالمدينة جبل يسمى ثوراً.
قال المحب الطبري: وقد أخبرني الثقة الصدوق الحافظ العالم المجاور بحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحاً إلى ورائه جبل صغير يقال له: ثور، وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور، فعلمنا بذلك أن ما تضمنه الخبر صحيح، وعدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم سؤالهم وبحثهم عنه. انتهى.
وقال جمال الدين المطري وغيره: قد ثبت بالمدينة الشريفة عن أهلها القدماء الساكنين بالعمرية والغابة أنهم يعرفون عن آبائهم وأجدادهم أن وراء أحد جبلاً يقال له: ثور معروف. قال: وشاهدنا الجبل ولم يختلف في ذلك أحد، وعسى أن يكون أشكل على من تقدم لقلة سكناهم بالمدينة، قال: وهو خلف جبل أحد من شماليه تحته وهو جبل صغير مدور وهما حد الحرم كما نقل، قال: ولعل هذا الاسم لم يبلغ أبا عبيد ولا المازني. انتهى. وأما عير فهو الجبل الكبير الذي من جهة قبلة المدينة.
واختلف في صيد حرم المدينة وشجره ومذهبنا أنه لا يحرم، وتقدم آخر الباب التاسع الجواب عن حديث سعد بن أبي وقاص وعن قوله صلى الله عليه وسلم: " إن إبراهيم حرم مكة وإني حرمت المدينة ". وعن حديث سعد بن أبي وقاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها ". الحديث. قال التوربشتي في "شرح المصابيح": وكان سعد وزيد بن ثابت يريان في ذلك الجزاء. وأجاب عن ذلك بأنه نسخ فلم يشعرا به. قال: وإنما ذهب للنسخ من ذهب للأحاديث التي تدل على خلاف ذلك، ولهذا لم يأخذ بحديثهما أحد من فقهاء الأمصار، وسئل مالك عن النهي في قطع سدر المدينة فقال: إنما نهى عنه لئلا يتوحش وليتقي به شجرها فيستأنس بذلك من هاجر إليها ويستظل بها. انتهى.
وأجاب أيضاً عن حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم إن إبراهيم حرم مكة فجعلها حرماً ". الحديث. وفيه " لا ينفر صيدها ". وكذلك في حديث جابر: " لا يصاد صيدها ". قال: والسبيل في ذلك أن يحمل النهي على ما قاله مالك وغيره من العلماء أنه أحب أن تكون المدينة مأهولة مستأنسة، فإن صيدها وإن رأى تحريمه نفر يسير من الصحابة فإن الجمهور منهم لم ينكروا اصطياد الطيور بالمدينة، ولم يبلغنا فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من طريق يعتمد عليه، ولو كان حراماً لم يسكت عنه في موضع الحاجة، ثم لم يبلغنا عن أحد من الصحابة أنه رأى الجزاء في صيد المدينة، ولم يذهب أيضاً إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار الذين يدور عليهم علم الفتيا في بلاد الإسلام انتهى.
وأجاب التوربشتي أيضاً عن حديث سعد رضي الله عنه أنه وجد عبداً يقطع شجراً أو يخبطه فسلبه ثيابه. قال: والوجه في ذلك النسخ في ذلك على ما ذكرنا وقد كانت العقوبات في أول الإسلام جارية في الأموال. انتهى.
مختصر: تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام لابن الضياء