من طرف الرسالة السبت 1 فبراير 2014 - 6:42
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
من فتاوى دار الإفتاء لمدة مائة عام
الباب: من أحكام الزواج وما يتعلق به.
رقم الفتوى : ( 1175 )
الموضوع:
زواج المسلم بغير المسلمة وببنت المزنى بها.
المفتى:
فضيلة الشيخ جاد الحق على جاد الحق. 23 ربيع الأول 1400 هجرية.
المبادئ :
1- إجماع الأئمة قائم على عدم حل من لا دين لها لمسلم. أما الكتابية فيحل للمسلم التزوج منها، والأولى عندهم أن يكون الزواج من مسلمة.
2- إجماع المسلمين قائم على أنه لا يجوز للمسلمة الزواج من غير مسلم مطلقا.
3- بزواج المسلم من الكتابية يكون لكل منهما الحقوق المترتبة على العقد شرعا عدا الميراث.
4- يرى فقهاء الحنفية أن الزنا يوجب حرمة المصاهرة. فمن زنى بامرأة حرمت عليه أصولها وفروعها، ويرى الشافعية عكس ذلك. وعن الإمام مالك روايتان. إحدهما توافق الحنفية فى المنع والأخرى توافق الشافعية فى الإباحة.
سُئل :
بالطلب المقيد برقم 28 لسنة 1980 المتضمن أن السائل شاب يبلغ من العمر 22 سنة وهو مسلم ويعمل منذ ثلاث سنوات بألمانيا الغربية، ويسكن عند إحدى العائلات المكونة من سيدة ألمانية وابنتها البالغة من العمر 15 سنة، وحدث ذات ليلة أن سول له الشيطان ارتكاب الزنا من السيدة المذكورة بعد إغرائها له ثم فعل ذلك أكثر من مرة ولكنه تاب إلى الله بعد ذلك ولم يقربها وأنه أحب ابنتها ويريد أن يتزوجها بعد أن بادلته شعورها نحوه ، وسأل الطالب. هل يجوز لى الزواج من كافرة أى من ابنتها، أم يجب أن تعلن إسلامها وهل تعتبر محرمة عليه لما فعله من الزنا بأمها. كما طلب الإفادة عن معنى كلمة النكاح لغة وشرعا. وما الفرق بين النكاح والزنا.
أجاب :
النكاح لغة - الوطء والضم. وهو من الألفاظ المشتركة بين العقد والوطء بمعنى المعاشرة الجنسية بين الرجل والمرأة. ولا يطلق على الزنا أى المعاشرة بين رجل وامرأة بغير عقد زواج. ويطلق لفظ النكاح ويراد به شرعا أنه عقد يفيد حل العشرة بين الرجل والمرأة وتعاونهما وتحديد ما لكل منهما من حقوق وما عليه من واجبات. وحكمته بالإضافة إلى أنه الوسيلة المشروعة لحفظ النوع وبقاء النسل تتمثل فى مقاصد دينية واجتماعية ونفسية، فهو رابطة مقدسة شرعها الله. علاقة روحية ونفسية حيث يقوم على العطف والمودة والرحمة بين الزوجين. وإلى هذا يشير قوله تعالى { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } الروم 21 ، وكما فى قوله صلى الله عليه وسلم ( الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ). وقوله ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة ( تكاليف الزواج ) فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) - ( أى وقاية من الوقوع فى الزنا ). وفى الزواج كف النفس عن الحرام وهو الزنا الذى يكون بالاختلاط الجنسى بين رجل وامرأة دون عقد زواج ، وهو محرم ومنهى عنه بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين. من هذا قوله تعالى { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلا } الإسراء 32 ، وفى الحديث الشريف ( لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ) ذلك لأن فى الزنا انتشار الفساد وهتك الأعراض واختلاط الأنساب وشيوع الرذيلة وضياع الحرمات، بالإضافة إلى الأمراض الخبيثة التى تصيب الزناة، وكفى به فاحشة ومقتا وساء سبيلا كما وصفه القرآن الكريم. هذا وقد اتفق الفقهاء على أن المسلم لا يجوز له أن يتزوج من لا تعتنق دينا سماويا إذ من كانت من هؤلاء كالبوذيات والهندوسيات تعتبر مشركة لا يجوز للمسلم العقد عليها، وتدخل فى عموم النهى الوارد فى قوله تعالى { ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم } البقرة 221 ، وقال جمهور الفقهاء إنه يحل للمسلم أن يتزوج الكتابية ( اليهودية والنصرانية ) لقوله تعالى { اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم } المائدة 5 ، الخ وإن كان الأولى للمسلم ألا يتزوج إلا مسلمة لتمام الألفة من كل وجه، ولينشأ الأولاد بين والدين مسلمين وفى بيئة مسلمة. ولقد كان سيدنا عمر ينهى عن الزواج من الكتابيات إلا لغرض سام كارتباط سياسى يقصد به جمع القلوب، والفرق بين الكتابية والوثنية أن عباد الوثن وهم مشركون لا تلتقى مبادئهم الخلقية مع مبادئ الإسلام. فالمرأة المشركة قد تستهوى زوجها المسلم وتضعفه فى دينه وتفسد نسله. أما الكتابية فإنها تلتقى غالبا فى لب الفضائل الاجتماعية مع مبادئ الإسلام، لأن أصول الأديان السماوية واحدة وقد أجمع المسلمون على أنه لا يجوز للمسلمة أن تتزوج غير مسلم سواء كان مشركا أم كتابيا لقوله تعالى { فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن } الممتحنة 10 ، وإذا تزوج المسلم الكتابية يكون عليها كل حقوق الزوج المسلم مع المسلمة ويكون لها كل حقوق المسلمة إلا أنه لا توارث بينهما. ويكون أولاده منها مسلمين تبعا لدين أبيهم المسلم، ويرث أولاده منه ولا يرثون أمهم الكتابية لاختلاف الدين. ولهذا ينبغى للمسلم أن لا يندفع فى الزواج بغير المسلمة إلا للضرورة. أما عن الزواج من ابنة المزنى بها بافتراضها كتابية ( يهودية أو مسيحية ) فقد اختلفت كلمة فقهاء الشريعة فى ذلك. فقال فقهاء الحنفية إن الزنا يوجب حرمة المصاهرة، وعليه فلا يحل لمن زنى بامرأة أن يتزوج إحدى أصولها أو فروعها أى أمها وابنتها. ذلك لأنه قد اعتاد الاتصال بمن زنى بها وقد لا يكف عن ذلك مع الزواج بفرعها أو أصلها فيوقع العداوة بينهما. ويرى فقهاء الشافعية أن الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لأن المصاهرة نعمة فلا تنال بالحرام، فيصح عند الإمام الشافعى أن يتزوج الرجل البنت التى زنى بأمها. وعن الإمام مالك روايتان إحداهما توافق فقه الحنفية فى المنع والأخرى توافق فقه الشافعية فى الإباحة. هذا ونميل للأخذ بقول الإمام الشافعى فى إباحة الزواج للرجل ببنت من زنى بها إذا ضمن لنفسه ومن نفسه الامتناع عن مخالطة الأم جنسيا، وصحت عزيمته على ذلك، وكانت توبته خالصة لله سبحانه، وإن كان لا يقوى على مثل هذه العزيمة فإن الأخذ برأى الإمام أبى حنيفة أولى حتى لا يوقع العداوة بين أم وابنتها، ولأنه إذا عقد زواجه على البنت صارت أمها كأمه، وحرمت عليه كحرمة أمه التى ولدته. فإن اختلط بها جنسيا فكأنما خالط والدته وزنى معها. وبهذا يعلم الجواب إذا كان الحال كما ورد بالسؤال.والله سبحانه وتعالى أعلم.