منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الحديث التاسع عشر

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    الحديث التاسع عشر Empty الحديث التاسع عشر

    مُساهمة من طرف الرسالة الجمعة 7 ديسمبر 2018 - 13:45

    الحديث التاسع عشر Game10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الحديث الشريف
    جامع العلوم والحكم
    الحديث التاسع عشر 1410
    ● [ الحديث التاسع عشر ] ●

    عَنْ عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ رضي الله عنهما قالَ : كُنتُ خَلفَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال :
    ( يا غُلامُ إنِّي أعلِّمُكُ كَلماتٍ : احفَظِ الله يَحْفَظْكَ ، احفَظِ الله تَجِدْهُ تجاهَكَ ، إذا سَأَلْت فاسألِ الله ، وإذا استَعنْتَ فاستَعِنْ باللهِ ، واعلم أنَّ الأُمَّةَ لو اجتمعت على أنْ ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلاَّ بشيءٍ قد كَتَبَهُ الله لكَ ، وإنِ اجتمعوا على أنْ يَضرُّوكَ بشيءٍ ، لم يضرُّوك إلاَّ بشيءٍ قد كتبهُ الله عليكَ ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفُ ).
    رواه الترمذيُّ ، وقال : حديثٌ حسنَ صَحيحٌ .
    وفي رواية غير التِّرمذي :
    ( احفظ الله تجده أمامَك ، تَعرَّفْ إلى اللهِ في الرَّخاء يَعْرِفْك في الشِّدَّةِ ، واعلَمْ أنَّ ما أخطَأَكَ لم يَكُن لِيُصِيبَكَ ، وما أصابَكَ لم يَكُن ليُخطِئَكَ ، واعلَمْ أنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبرِ ، وأنَّ الفَرَجَ مَعَ الكَرْبِ ، وأنَّ معَ العُسْرِ يُسراً ) .

    الشرح
    هذا الحديث خرَّجه الترمذيُّ(1) من رواية حَنَشٍ الصنعاني ، عن ابنِ عباس ، وخرَّجه الإمامُ أحمد(2)
    __________
    (1) في " الجامع الكبير " ( 2516 ) .
    (2) في " مسنده " 1/293 .
    وأخرجه : أبو يعلى ( 2556 ) ، والطبراني في " الكبير " 12/( 12988 ) ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " ( 426 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    من حديث حنش أيضاً مع إسنادَيْن آخرين منقطعين(1) ولم يُميز لفظ بعضها من بعض ، ولفظ حديثه : ( يا غلام أو يا غليم ألا أُعَلِّمُك كلماتٍ ينفعُك الله بهنَّ ؟ ) فقلتُ : بلى ، فقالَ : ( احفظِ الله يحفَظْكَ ، احفظ الله تجدهُ أمامك ، تعرَّف إلى الله في الرَّخاء يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ ، وإذا سألتَ ، فاسألِ الله ، وإذا استعنتَ ، فاستعن بالله ، قد جفَّ القلمُ بما هوَ كائن ، فلو أنَّ الخلق كُلَّهم جميعاً أرادوا أنْ ينفعوك بشيءٍ لم يقضه الله ، لم يَقدِرُوا عليهِ ، وإنْ أرادوا أنْ يضرُّوك بشيءٍ لم يكتبه الله عليك ، لم يقدروا
    عليه ، واعلم أنَّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وأنَّ النصر مع الصبر ، وأنَّ الفرجَ مع الكربِ ، وأنَّ مع العسر يسراً ) .
    وهذا اللفظُ أتمُّ من اللفظ الذي ذكره الشيخ - رحمه الله - ، وعزاه إلى غير التِّرمذي ، واللفظُ الذي ذكره الشيخ رواه عبدُ بنُ حُميد في " مسنده " بإسناد ضعيفٍ عن عطاء(2) ، عن ابن عباس ، وكذلك عزاه ابنُ الصلاح في " الأحاديث الكلية " التي هي أصلُ أربعين الشيخ رحمه الله إلى عبد بنِ حُميد وغيره .
    __________
    (1) في " مسنده " 1/307 .
    (2) أخرجه : عبد بن حميد ( 636 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقد روي هذا الحديث عن ابن عباس من طُرقٍ كثيرة من روايةٍ جماعةٍ منهم(1) : ابنه عليٍّ ، ومولاه عكرمة(2) ، وعطاء بن أبي رباح(3) ، وعمرو بن دينار ، وعُبيد الله بن عبد الله(4) ، وعمر مولى غفرة ، وابن أبي مليكة(5) وغيرهم(6) .
    وأصحُّ الطرق كلها طريقُ حنش الصنعاني التي خرجها الترمذي(7) ، كذا قاله ابنُ منده وغيرُه . وقد روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه وصَّى ابن عباس بهذه الوصية من حديث عليِّ بن أبي طالب ، وأبي سعيد الخدري(8) ، وسهل بن سعد(9)
    __________
    (1) عبارة : ( جماعة منهم ) سقطت من ( ج ) .
    (2) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 11560 ) .
    (3) أخرجه : العقيلي في " الضعفاء الكبير " 3/53 ، والطبراني في " الكبير " ( 11416 ) وفي " الأوسط " ، له ( 5417 ) ، والآجري في " الشريعة " : 198 .
    (4) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 1/314 .
    (5) أخرجه : العقيلي في " الضعفاء الكبير " 3/398 ، والطبراني في " الكبير " ( 11243 )
    و( 11416 ) ، والحاكم 3/542 ، والبيهقي في " الآداب " ( 933 ) ، والضياء المقدسي في " المختارة " 11/117-118 ( 109 ) و( 110 ) .
    (6) أخرجه : الحاكم 3/541-542 من طريق عبد الملك بن عمير .
    (7) في " الجامع الكبير " ( 2516 ) .
    وأخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 12988 ) و( 12989 ) ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " ( 425 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 174 ) من طريق حنش أيضاً .
    (8) أخرجه : أبو يعلى ( 1099 ) ، والآجري في " الشريعة " : 199 ، وابن عدي في " الكامل " 9/77 ، والخطيب في " تاريخه " 14/124 .
    (9) أورده الدارقطني في " الأفراد " – كما في الأطراف - ( 2140 ) وقال عقبه : ( تفرد به زهرة بن عمرو التيمي ) .
    ولم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم بجرح ولا تعديل . انظر : التاريخ الكبير 3/366 ، والجرح والتعديل 3/544 ( 5078 ) ولم أعثر على ترجمة له في غير هذين الكتابين .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، وعبد الله بن جعفر(1) ، وفي أسانيدها كلها ضعف .
    وذكر العقيلي أنَّ أسانيد الحديث كلها لينة ، وبعضُها أصلحُ من بعض(2) ، وبكلِّ حال ، فطريق حنشٍ التي خرجها الترمذي حسنة جيدة .
    وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهمِّ أمور الدين ، حتى قال بعض العلماء(3) : تدبرتُ هذا الحديثَ ، فأدهشني وكِدتُ أطيشُ ، فوا أسفى من الجهل بهذا الحديث ، وقِلَّةِ التفهم لمعناه .
    قلت : وقد أفردت لشرحه جزءاً كبيراً ونحن نذكر هاهنا مقاصِدَهُ على وجه الاختصار إنْ شاء الله تعالى(4) .
    فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( احفظِ الله ) يعني : احفظ حدودَه ، وحقوقَه ، وأوامرَه ،
    ونواهيَه ، وحفظُ ذلك : هو الوقوفُ عندَ أوامره بالامتثال ، وعند نواهيه بالاجتنابِ ، وعندَ حدوده ، فلا يتجاوزُ ما أمر به ، وأذن فيه إلى ما نهى عنه ، فمن فعل ذلك ، فهو مِنَ الحافظين لحدود الله الذين مدحهمُ الله في كتابه ، وقال - عز وجل - : { هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَانَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ } (5) . وفسر الحفيظ هاهنا بالحافظ لأوامرِ الله ، وبالحافظ لذنوبه ليتوب منها .
    ومن أعظم ما يجبُ حِفظُه من أوامر الله الصَّلاةُ ، وقد أمر الله بالمحافظة عليها ، فقال : { حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى } (6) ومدح المحافظين عليها بقوله : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } (7) .
    __________
    (1) أخرجه : ابن أبي عاصم في " السنة " ( 315 ) .
    (2) انظر : الضعفاء الكبير 3/54 .
    (3) في ( ص ) : ( أبو الفرج ) .
    (4) وهو كتاب مطبوع اسمه " نور الاقتباس في مشكاة وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن عباس " .
    (5) ق : 32-33 .
    (6) البقرة : 238 .
    (7) المعارج : 34 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ حافظ عليها ، كان له عندَ الله عهدٌ أنْ يُدخِلَه الجنَّة )(1) وفي حديثٍ آخرَ : ( من حافظ عليهنَّ ، كُنَّ له نوراً وبرهاناً ونجاةً يوم القيامة )(2) .
    وكذلك الطهارة ، فإنَّها مفتاحُ الصلاة ، وقال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يُحافِظُ على الوضوء إلاَّ مؤمن )(3) .
    وممَّا يُؤمر بحفظه الأيمانُ ، قال الله - عز وجل - : { واحْفَظوا أَيْمَانَكُم } (4) ، فإنَّ الأيمان يقع الناس فيها كثيراً ، ويُهْمِل كثيرٌ منهم ما يجب بها ، فلا يحفظه ، ولا يلتزمه .
    __________
    (1) أخرجه : عبد الرزاق ( 4575 ) ، والحميدي ( 388 ) ، وأحمد 5/315 و317 ، والدارمي ( 1585 ) ، وأبو داود ( 1420 ) ، والنسائي 1/230 وفي " الكبرى " ، له
    ( 314 ) ، وابن حبان ( 1731 ) و( 2417 ) ، والبيهقي 1/361 والبغوي ( 977 ) من حديث عبادة بن الصامت ، وهو حديث صحيح .
    (2) أخرجه : أحمد 2/169 ، وعبد بن حميد ( 353 ) ، والدارمي ( 2721 ) ، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " ( 3180 ) و( 3181 ) ، وابن حبان ( 1467 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 1788 ) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، وهو حديث قويٌّ .
    وأخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 6807 ) من طريق قتادة بن ربعي ، به .
    (3) أخرجه : الطيالسي ( 996 ) ، وابن أبي شيبة ( 35 ) ، وأحمد 5/276 و280 و282 والدارمي ( 656 ) ، وابن ماجه ( 277 ) ، والمروزي في " تعظيم قدر الصلاة " ( 167 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 1444 ) ، والحاكم 1/130 ، والبيهقي 1/457 ، والخطيب في " تاريخه " 1/293 ، وفي إسناده انقطاع . =
    = وأخرجه : ابن ماجه ( 278 ) من طريق عبد الله بن عمرو ، به .
    وأخرجه : الطبراني في " مسند الشاميين " ( 217 ) عمن سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، به .
    (4) المائدة : 89 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ومن ذلك حفظُ الرأس والبطن كما في حديث ابن مسعود المرفوع : ( الاستحياءُ من الله حَقَّ الحياء أنْ تَحْفَظَ الرأس وما وَعَى ، وتحفظ البطنَ وما حوى ) خرَّجه الإمام أحمد والترمذي(1) .
    وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه حفظُ السَّمع والبصر واللسان من المحرمات ، وحفظُ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عَنِ الإصرار على محرم . قال الله - عز وجل - : { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ } (2) ، وقد جمع الله ذلك كُلَّه في قوله : { إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } (3) .
    ويتضمن أيضاً حفظُ البطنِ من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب .
    ومِنْ أعظم ما يجبُ حفظُه من نواهي الله - عز وجل - : اللسانُ والفرجُ ، وفي حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَنْ حَفِظَ ما بَينَ لَحييه ، وما بَينَ رِجليهِ ، دَخَلَ الجنة ) خرَّجه الحاكم(4) .
    وخرَّج الإمام أحمد(5)
    __________
    (1) في " مسنده " 1/387 ، والترمذي ( 2458 ) ، وقال الترمذي : ( غريب ) أي ضعيف .
    وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 34320 ) ، والحاكم 4/323 ، والبيهقي في " شعب الإيمان "
    ( 7730 ) و( 10561 ) ، والبغوي ( 4033 ) .
    (2) البقرة : 235 .
    (3) الإسراء : 36 .
    (4) في " المستدرك " 4/357 .
    وأخرجه : الترمذي ( 2409 ) وفي " العلل " ، له ( 614 ) ، وابن حبان ( 5703 ) ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .
    (5) في " مسنده " 4/398 .
    وأخرجه : البخاري في " التاريخ الكبير " 7/54 ، وعبد الله بن أحمد في " زوائده على الزهد " : 264 ، وأبو يعلى ( 7275 ) ، والحاكم 4/358 ، وتمام في فوائده كما في "الروض البسام" ( 1116 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 545 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 5755 ) ، وهو حديث قويٌّ بشواهده .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    من حديث أبي موسى ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( مَنْ حَفِظ ما بينَ فَقْمَيهِ وفرجه ، دخل الجنة ) .
    وأمر الله - عز وجل - بحفظ الفروج ، ومدحَ الحافظين لها ، فقال : { قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } (1) ، وقال : { وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً } (2) ، وقال : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } إلى قوله : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ } (3) .
    وقال أبو إدريس الخولاني : أوَّلُ ما وصى الله به آدم عند إهباطه إلى الأرض : حفظُ فرجه ، وقال : لا تضعه إلا في حلال .
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يحفظك ) يعني : أنَّ من حفظَ حدود الله ، وراعى حقوقَه ، حفظه الله ، فإنَّ الجزاء من جنس العمل ، كما قال تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } (4) ، وقال : { فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ } (5) ، وقال : { إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ } (6) .
    وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان :
    أحدهما : حفظه له في مصالح دنياه ، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله ، قال الله - عز وجل - : { لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ } (7) . قال ابن عباس : هم الملائكة يحفظونَهُ بأمرِ الله ، فإذا جاء القدر خَلُّوْا عنه(8) .
    __________
    (1) النور : 30 .
    (2) الأحزاب : 35 .
    (3) المؤمنون : 1-6 .
    (4) البقرة : 40 .
    (5) البقرة : 152 .
    (6) محمد : 7 .
    (7) الرعد : 11 .
    (8) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 15345 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال عليٌّ - رضي الله عنه - : إنَّ مع كلِّ رجلٍ ملكين يحفظانه مما لم يقدرْ فإذا جاء القدر خلّيا بينه وبينَه ، وإنَّ الأجل جُنَّةٌ حصينة(1) .
    وقال مجاهد : ما مِنْ عبدٍ إلاَّ له مَلَكٌ يحفظه في نومه ويقظته من الجنّ والإنس والهوامِّ ، فما من شيء يأتيه إلا قال : وراءك ، إلا شيئاً أذن الله فيه فيصيبه(2) .
    وخرَّج الإمام أحمد ، وأبو داود ، والنسائي من حديث ابن عمر ، قال : لم يكن رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَدَعُ هؤلاء الدَّعوات حين يُمسي وحين يُصبح : ( اللهمّ إني أسألُكَ العافية في الدنيا والآخرة ، اللهم إنِّي أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي ، اللهمَّ استُر عورتي، وآمن روعتي ، واحفظني من بين يدي ومن خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذُ بعظمتك أنْ أُغتَالَ من تحتي )(3) .
    ومَنْ حفظ الله في صباه وقوَّته ، حفظه الله في حال كبَره وضعفِ قوّته ، ومتَّعه بسمعه وبصره وحولِه وقوَّته وعقله .
    __________
    (1) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 15371 ) .
    (2) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 15352 ) .
    (3) أخرجه : أحمد 25/25 ، وأبو داود ( 5074 ) ، والنسائي 8/382 ، وفي " الكبرى " ، له
    ( 10401 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 566 ) .
    وأخرجه : ابن أبي شيبة ( 29278 ) ، وعبد بن حميد ( 837 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 698 ) و( 1200 ) ، وابن ماجه ( 3871 ) ، وابن حبان ( 961 ) ، والطبراني في " الكبير" ( 13296 ) ، والحاكم 1/517 ، وهو حديث صحيح .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    كان بعض العلماء قد جاوز المئة سنة وهو ممتَّعٌ بقوَّتِه وعقله ، فوثب يوماً وثبةً شديدةً ، فعُوتِبَ في ذلك ، فقال : هذه جوارحُ حفظناها عَنِ المعاصي في الصِّغر ، فحفظها الله علينا في الكبر(1) . وعكس هذا أنَّ بعض السَّلف رأى شيخاً يسأل الناسَ ، فقال : إنَّ هذا ضيَّع الله في صغره ، فضيَّعه الله في كبره .
    وقد يحفظُ الله العبدَ بصلاحه بعدَ موته في ذريَّته كما قيل في قوله تعالى : { وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً } (2) : أنَّهما حُفِظا بصلاح أبيهما(3) . قال سعيد بن المسيب لابنه : لأزيدنَّ في صلاتي مِنْ أجلِك ، رجاءَ أنْ أُحْفَظَ فيكَ ، ثم تلا هذه الآية { وَكَانَ أَبُوْهُمُا صَالِحاً } (4) ، وقال عمرُ بن عبد العزيز : ما من مؤمن(5) يموتُ إلاَّ حفظه الله في عقبه وعقبِ عقبه .
    وقال ابن المنكدرِ : إنَّ الله ليحفظُ بالرجل الصالح ولدَه وولدَ ولده والدويرات التي حوله فما يزالونَ في حفظ من الله وستر(6) .
    __________
    (1) انظر : سير أعلام النبلاء 17/668 .
    (2) الكهف : 82 .
    (3) أخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 332 ) ، والحميدي ( 372 ) ، والطبري في " تفسيره " ( 17543 ) ، والحاكم 2/369 .
    (4) ذكره : البغوي في " تفسيره " 3/211 .
    (5) في ( ص ) : ( عبد ) .
    (6) أخرجه : ابن المبارك في " الزهد " ( 330 ) ، والحميدي ( 373 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 3/148 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله ، فإنَّ الله يحفظه في تلك الحال ، وفي " مسند الإمام أحمد " عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( كانت امرأةٌ في بيتٍ ، فخرجت في سريَّةٍ من المسلمين ، وتركت ثنتي عشرة عنزاً وصيصيتها كانت تنسج بها ، قال : ففقدت عنزاً لها وصيصيتها ، فقالت : يا ربِّ ، إنَّك قد ضَمِنْتَ لمن خرج في سبيلك أنْ تحفظَ عليه ، وإنِّي قد فَقَدتُ عنزاً من غنمي وصيصيتي ، وإني أَنْشُدُكَ عنزي وصيصيتي ) . قال : وجعل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر شدَّة مناشدتها ربَّها تبارك وتعالى ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فأصبحت عنزها ومثلها ، وصيصيتها ومثلها )(1) .
    والصيصية : هي الصِّنارة التي يُغزل بها ويُنسج(2) .
    فمن حفظ الله حَفِظَهُ الله من كُلِّ أذى . قال بعضُ السَّلف : من اتقى الله ، فقد حَفِظَ نفسه ، ومن ضيَّع تقواه ، فقد ضيَّع نفسه ، والله الغنىُّ عنه .
    ومن عجيب حفظِ الله لمن حفظه أنْ يجعلَ الحيوانات المؤذية بالطبع حافظةً له من الأذى ، كما جرى لِسَفِينةَ مولى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيث كُسِرَ به المركبُ ، وخرج إلى جزيرة ، فرأى الأسدَ ، فجعل يمشي معه حتَّى دلَّه على الطريق ، فلمَّا أوقفه عليها ، جعل يُهَمْهِمُ كأنَّه يُوَدِّعُهُ ، ثم رجع عنه(3) .
    __________
    (1) أخرجه : أحمد 5/67 ، هذا الحديث مما تفرد به الإمام أحمد ، وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" 5/277 : ( رجاله رجال الصحيح ) .
    (2) انظر : العين : 538 ( صيص ) .
    (3) أخرجه : البزار كما في "كشف الأستار" ( 2733 ) وهو في "مسنده" ( 3838 )، والطبراني في " الكبير " ( 6432 ) ، والحاكم 3/606 ، وانظر : مجمع الزوائد 9/366-367 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ورؤي إبراهيمُ بن أدهم نائماً في بستان وعنده حَيَّةٌ في فمها طاقةُ نَرجِس ، فما زالت تذبُّ عنه حتَّى استيقظ(1) .
    وعكسُ هذا أنَّ من ضيع الله ، ضيَّعهُ الله ، فضاع بين خلقه حتى يدخلَ عليه الضررُ والأذى ممن كان يرجو نفعه من أهله وغيرهم ، كما قال بعض السَّلف : إني لأعصي
    الله ، فأعرِفُ ذلك في خُلُقِ خادمي ودابَّتي(2) .
    النوع الثاني من الحفظ ، وهو أشرف النوعين : حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه ، فيحفظه في حياته من الشبهات المُضِلَّة ، ومن الشهوات المحرَّمة ، ويحفظ عليه دينَه عندَ موته ، فيتوفَّاه على الإيمان ، قال بعض السلَّف : إذا حضر الرجل الموت يقال للملك : شمَّ رأسه ، قال : أجد في رأسه القرآن ، قال : شمَّ قلبه ، قال : أجد في قلبه الصيام ، قال : شمَّ قدميه ، قال : أجد في قدميه القيام ، قال : حَفظَ نفسَه ، فحفظه الله.
    وفي " الصحيحين " عن البراء بن عازب(3)
    __________
    (1) سرد هذه القصة عبد الله بن فرج العابد . انظر : حلية الأولياء 8/109 ، وصفة الصفوة 2/105 .
    (2) قال هذا الكلام : الفضيل بن عياض . انظر : حلية الأولياء 8/109 .
    (3) الذي وجدناه في الصحيحين عن أبي هريرة .
    أخرجه : البخاري 9/145 ( 7393 ) ، ومسلم 8/79 ( 2714 ) .
    وأخرجه : عبد الرزاق ( 19830 ) ، وأحمد 2/246 ، وابن ماجه ( 3874 ) ، والترمذي ( 3401 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 791 ) ، وابن حبان ( 5535 ) .
    ورواية البراء بن عازب : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة . ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل : اللهم إني أسلمت وجهي إليك . وفوضت أمري إليك وألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك . لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك . آمنت بكتابك الذي أنزلت . وبنبيك الذي أرسلت . واجعلهن من آخر كلامك . فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة ) .
    أخرجه : الطيالسي ( 708 ) ، وأحمد 4/290 ، والبخاري 1/71 ( 247 ) و8/84
    ( 6311 ) ، ومسلم 8/77 ( 2710 ) ( 57 ) و( 58 ) ، وأبو داود ( 5046 )
    و( 5048 ) ، والترمذي في " الدعوات " ( 3574 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 780 ) و( 782 ) و(785) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّه أمره أنْ يقولَ عندَ منامه : إنْ قبضتَ نفسي فارحمها ، وإنْ أرسلتَها فاحفظها بما تحفظُ به عبادَك الصالحين .
    وفي حديث عمر : أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - علمه أنْ يقول : اللَّهُمَّ احفظني بالإسلام قائماً ، واحفظني بالإسلام قاعداً ، واحفظني بالإسلام راقداً ، ولا تُطِعْ فيَّ عدواً ولا حاسداً . خرَّجه ابن حبان في " صحيحه " (1) .
    وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يودِّع من أراد سفراً ، فيقول : ( استودعُ الله دينكَ وأمانتَكَ وخواتِيمَ عملك ) ، وكان يقول : ( إنَّ الله إذا استُودعَ شيئاً حَفِظَهُ ) . خرَّجه النَّسائي وغيره(2) .
    وفي الجملة ، فالله - عز وجل - يحفظُ على المؤمن الحافظ لحدود دينَه ، ويحولُ بينَه وبين ما يُفسد عليه دينَه بأنواعٍ مِنَ الحفظ ، وقد لا يشعرُ العبدُ ببعضها ، وقد يكونُ كارهاً له ، كما قال في حقِّ يوسُف - عليه السلام - : { كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ } (3) .
    قال ابن عباس في قوله تعالى : { أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } (4) ، قال : يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار(5) .
    __________
    (1) الإحسان ( 934 ) ، وفي إسناده ضعف .
    (2) في " الكبرى " ( 10343 ) و( 10356 ) وفي " عمل اليوم والليلة " ، له ( 506 ) و( 513 ) .
    وأخرجه : ابن ماجه ( 2826 ) ، وأحمد 2/7 ، وعبد بن حميد ( 834 ) ، وأبو يعلى ( 3883 ) و( 5624 ) ، وابن حبان ( 2693 ) و( 2710 ) ، والطبراني في " الكبير " ( 13384 ) و( 13571 ) ، والبيهقي 9/173 ، والبغوي ( 2011 ) ، وهو حديث صحيح .
    (3) يوسف : 24 .
    (4) الأنفال : 24 .
    (5) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 12336 ) ، وابن أبي حاتم في " تفسيره " 5/160 ( 8954 ) و( 8955 ) ، والحاكم 2/328 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال الحسن - وذكر أهل المعاصي - : هانوا عليه ، فعَصَوْه ، ولو عزُّوا عليه لعصمهم(1) .
    وقال ابنُ مسعود : إنَّ العبد ليهمُّ بالأمرِ من التجارة والإمارة حتى يُيسر له ، فينظر الله إليه فيقول للملائكة : اصرفوه عنه ، فإني إنْ يسرته له أدخلتُه النار ، فيصرفه الله عنه ، فيظلُّ يتطيَّرُ يقول : سبقني فلان ، دهاني فلان ، وما هو إلا فضل الله - عز وجل - .
    وخرَّجه الطبراني من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( يقول الله - عز وجل - : إنَّ من عبادي من لا يُصلحُ إيمانَهُ إلاَّ الفقر ، وإنْ بسطت عليه أفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي من لا يصلح إيمانَه إلا الغنى ، ولو أفقرتُه ، لأفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي من لا يصلح إيمانه إلاَّ الصِّحَّة ، ولو أسقمته ، لأفسده ذلك ، وإنَّ من عبادي من لا يصلح إيمانه إلا السقم ، ولو أصححتُه ، لأفسده ذلك ، وإنَّ مِنْ عبادي من يطلب باباً من العبادة ، فأكُفُّه عنه ، لكيلا يدخله العُجْبُ ، إني أُدبِّر عبادي بعلمي بما في قلوبهم ، إني عليمٌ خبير )(2) .
    __________
    (1) لم أعثر على كلام الحسن وما وجدته عن أبي سليمان الداراني بلفظ : ( هانوا عليه فتركهم وعصوا ، ولو كرموا عليه منعهم عنها ) . انظر : حلية الأولياء 9/261 ، وشعب الإيمان 5/447 .
    (2) أخرجه : الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " 10/270 ، وأبو نعيم في "الحلية" 8/319 ، وهو حديث ضعيف .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( احفظ الله تجده تجاهك ) ، وفي رواية : ( أمامك ) معناه : أنَّ مَنْ حَفِظَ حُدودَ الله ، وراعى حقوقه ، وجد الله معه في كُلِّ أحواله حيث توجَّه يَحُوطُهُ وينصرهُ ويحفَظه ويوفِّقُه ويُسدده فـ { إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ } (1) قال قتادة : من يتق الله يكن معه ، ومن يكن الله معه ، فمعه الفئة التي لا تُغلب ، والحارس الذي لا ينام ، والهادي الذي لا يضل(2) .
    كتبَ بعضُ السَّلف إلى أخٍ له : أمَّا بعد ، فإنْ كان الله معك فمن تخاف ؟ وإنْ كان عليك فمن ترجو ؟
    وهذه المعيةُ الخاصة هي المذكورةُ في قوله تعالى لموسى وهارون : { لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى } (3) ، وقول موسى : { إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ } (4) . وفي قول
    النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وهما في الغار : ( ما ظَنُّكَ باثنين الله ثالثهما ؟ لا تحزن إنَّ الله
    معنا )(5) .
    __________
    (1) النحل : 128 .
    (2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 2/340 .
    (3) طه : 46 .
    (4) الشعراء : 62 .
    (5) أخرجه: أحمد 1/4، وعبد بن حميد ( 2 ) ، والبخاري 5/4 ( 3653 ) و5/83 ( 3922 ) و6/83 ( 4663 ) ، ومسلم 7/108 ( 2381 ) ، والترمذي ( 3096 ) ، والطبري في
    " تفسيره " ( 16729 ) ، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " ( 408 ) ، وابن حبان ( 6278 ) و( 6869 ) ، والبيهقي في " دلائل النبوة " 2/480 من حديث أنس ، عن أبي بكر الصديق ، به .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فهذه المعيةُ الخاصةُ تقتضي النَّصر والتَّأييدَ ، والحفظ والإعانة بخلاف المعية العامة المذكورة في قوله تعالى : { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } (1) ، وقوله : { وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ } (2) ، فإنَّ هذه المعية تقتضي علمَه واطِّلاعه ومراقبته لأعمالهم ، فهي مقتضيةٌ لتخويف العباد منه ،
    والمعية الأولى تقتضي حفظ العبد وحياطَتَه ونصرَه ، فمن حفظ الله ، وراعى حقوقه ، وجده أمامَه وتُجاهه على كُلِّ حالٍ ، فاستأنس به ، واستغنى به عن خلقه ،
    كما في حديث : ( أفضلُ الإيمان أنْ يعلمَ العبدُ أنَّ الله معه حيث كان )(3) وقد سبق .
    ورُويَ عن بُنان الحمَّال : أنَّه دخل البريَّةَ وحدَه على طريق تبوك ، فاستوحش ، فهتف به هاتف : لِمَ تستوحش ؟ أليس حبيبُك معك ؟(4)
    وقيل لبعضهم : ألا تستوحشُ وحدَك ؟ فقال : كيف أستوحش ، وهو يقول : ( أنا جليسُ مَنْ ذكرني ) (5)
    __________
    (1) المجادلة : 7 .
    (2) النساء : 108 .
    (3) أخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 741 ) وفي " الأسماء والصفات " ، له : 430 .
    (4) سرد هذه الرواية أبو علي الروذباري . انظر : حلية الأولياء 10/324 ، وصفة الصفوة 2/271 .
    (5) لم أعثر عليه وما وجدته عن نبي الله موسى عليه السلام بلفظ : ( قال موسى : يا رب أقريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك ، قال : يا موسى أنا جليس من ذكرني ) .
    أخرجه : ابن أبي شيبة ( 34287 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، وقيل لآخر : نراكَ وحدكَ ؟ فقال : من يكن الله معه ، كيف يكونُ وحده ؟ ، وقيل لآخر : أما مَعَكَ مؤنسٌ ؟ قال : بلى ، قيل له : أين هو ؟ قال : أمامي(1) ، وخلفي ، وعن يميني ، وعن شمالي ، وفوقي . وكان الشبلي
    ينشد :
    إذا نَحْنُ أدلَجْنَا وأنت أمامَنا . كَفَى لِمَطايَانا بذِكرك هاديا(2)
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( تعرَّف إلى الله في الرَّخاء ، يعرفكَ في الشِّدَّةِ ) يعني : أنَّ العبدَ إذا اتَّقى الله ، وحَفِظَ حدودَه ، وراعى حقوقه في حال رخائه ، فقد تعرَّف بذلك إلى الله ، وصار بينه وبينَ ربه معرفةٌ خاصة ، فعرفه ربَّه في الشدَّة ، ورعى له تَعَرُّفَهُ إليه في الرَّخاء ، فنجَّاه من الشدائد بهذه المعرفة، وهذه معرفة خاصة تقتضي قربَ العبدِ من ربِّه ، ومحبته له، وإجابته لدعائه .
    فمعرفة العبد لربه نوعان :
    أحدُهما : المعرفةُ العامة ، وهي معرفةُ الإقرار به والتَّصديق والإيمان ، وهذه عامةٌ للمؤمنين .
    والثاني : معرفة خاصة تقتضي ميلَ القلب إلى الله بالكلية ، والانقطاع إليه ، والأُنس به ، والطمأنينة بذكره ، والحياء منه ، والهيبة له ، وهذه المعرفة الخاصة هي التي يدور حولها العارفون ، كما قال بعضهم : مساكينُ أهلُ الدُّنيا ، خرجوا منها وما ذاقوا أطيبَ ما فيها ، قيل له : وما هو ؟ قال : معرفةُ الله - عز وجل - .
    وقال أحمدُ بنُ عاصم الأنطاكيُّ : أحبُّ أنْ لا أموتَ حتّى أعرفَ مولاي ، وليس معرفتُه الإقرار به ، ولكن المعرفة التي إذا عرفته استحييت منه(3) .
    __________
    (1) زاد بعدها في ( ج ) : ( ومعي ) .
    (2) قائل هذا البيت هو عمرو بن شاس الأسدي ، له صحبة شهد الحديبية ، وكان ذا قدر وشرف ومنزلة في قومه . انظر : الإصابة 4/205-206 ( 6488 ) .
    (3) ذكره ابن الجوزي في " صفة الصفوة " 4/196 بلفظ : ما أغبط أحداً إلا من عرف مولاه ، وأشتهي أن لا أموت حتى أعرفه معرفة العارفين الذين يستحبونه ، لا معرفة التصديق .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ومعرفة الله أيضاً لعبده نوعان :
    معرفة عامة وهي علمه سبحانه بعباده ، واطِّلاعه على ما أسرُّوه وما أعلنوه ، كما قال : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ } (1) ، وقال : { هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ } (2) .
    والثاني : معرفة خاصة : وهي تقتضي محبته لعبده وتقريبَه إليه ، وإجابةَ دعائه ، وإنجاءه من الشدائد ، وهي المشار إليها بقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكى عن ربِّه : ( ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافِل حتَّى أُحِبَّه ، فإذا أحببتُه ، كنتُ سمعه الذي يسمع به ، وبصرَه الذي يُبصرُ به ، ويدَه التي يبطِشُ بها ، ورجلَه التي يمشي بها ، فلئن سألني ، لأُعطِيَنَّهُ ، ولئن استعاذني لأعيذنَّه ) ، وفي رواية : ( ولئن دعاني لأجيبنّه )(3) .
    ولما هرب الحسنُ من الحجاج دخلَ إلى بيت حبيب أبي محمد ، فقال له حبيب :
    يا أبا سعيد ، أليس بينك وبينَ ربِّك ما تدعوه به فيَستركَ مِنْ هؤلاء ؟ ادخل البيتَ ، فدخل ، ودخل الشُّرَطُ على أثره ، فلم يرَوْهُ ، فذُكِرَ ذلك للحجاج ، فقال : بل كان في البيت ، إلا أنَّ الله طَمَسَ أعينهم فلم يروه .
    واجتمع الفضيلُ بنُ عياض بشعوانة العابدة ، فسألها الدُّعاءَ ، فقالت : يا فضيلُ ، وما بينَك وبينَه ، ما إنْ دعوته أجابك ، فغُشِيَ على الفضيل(4) .
    وقيل لمعروف : ما الذي هيَّجك(5) إلى الانقطاع والعبادة - وذكر له الموت والبرزخ والجنَّة والنار – ؟ فقال معروف : إنَّ ملكاً هذا كله بيده إنْ كانت بينك وبينه معرفةٌ كفاك جميع هذا .
    __________
    (1) ق : 16 .
    (2) النجم : 32 .
    (3) سيأتي تخريجه إن شاء الله ، وهو الحديث الثامن والثلاثون .
    (4) أخرجه : ابن الجوزي في " صفة الصفوة " 4/34 .
    (5) في ( ص ) : ( حملك ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفي الجملة : فمن عامل الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه ، عامله الله باللطف والإعانة في حال شدَّته .
    وخرَّج الترمذيُّ من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من سرَّه أنْ يستجيب الله له عندَ الشَّدائد ، فليُكثرِ الدُّعاءَ في الرَّخاء )(1) .
    وخرَّج ابنُ أبي حاتم(2) وغيرهُ من رواية يزيد الرقاشي ، عن أنس يرفعه : أنَّ يونس - عليه السلام - لمَّا دعا في بطن الحوت ، قالت الملائكة : يا ربِّ ، هذا صوتٌ معروفٌ من بلادٍ غريبة ، فقال الله - عز وجل - : أما تعرفون ذلك ؟ قالوا : ومَنْ هوَ ؟ قال : عبدي يونس ، قالوا : عبدُك يونس الذي لم يزل يُرفَعُ له عمل متقبل ودعوةٌ مستجابة ؟ قال : نعم ، قالوا : يا ربِّ ، أفلا ترحم ما كان يصنع في الرخاء فتنجيَه من البلاء ؟ قال : بلى ، قال : فأمر الله الحوتَ فطرحه بالعراء .
    وقال الضحاك بن قيس : اذكروا الله في الرَّخاء ، يذكركُم في الشِّدَّة ، وإنَّ يونس - عليه السلام - كان يذكُرُ الله تعالى ، فلمَّا وقعَ في بطن الحوت ، قال الله - عز وجل - : { فَلَوْلا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ } (3) ، وإنَّ فرعون كان طاغياً ناسياً لذكر الله ، فلما أدركه الغرق ، قال : آمنت ، فقال الله تعالى : { آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } (4) (5) .
    __________
    (1) في " جامعه " ( 3382 ) ، وقال : ( غريب ) أي ضعيف .
    وأخرجه : أبو يعلى ( 6396 ) و( 6397 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 44 ) ، وابن عدي في " الكامل " 7/58 ، والحاكم 1/544 .
    (2) في " التفسير " 10/3228 ( 18281 ) .
    وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 2711 ) .
    (3) الصافات : 143-144 .
    (4) يونس : 91 .
    (5) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 34794 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقال سلمان الفارسي : إذا كان الرجلُ دَعَّاءً في السرَّاء ، فنزلت به ضرَّاءُ ، فدعا الله تعالى ، قالت الملائكة : صوتٌ معروف فشفعوا له ، وإذا كان ليس بدَعَّاءٍ في السَّرَّاء ، فنَزلت به ضرَّاءُ ، فدعا الله تعالى قالت الملائكة : صوتٌ ليس بمعروف ، فلا يشفعون له(1) .
    وقال رجل لأبي الدرداء : أوصني ، فقال : اذكر الله في السرَّاء يذكرك الله - عز وجل - في الضَّرَّاء(2) .
    وعنه أنَّه قال : ادعُ الله في يوم سرَّائك لعله أنْ يستجيب لك في يوم ضرَّائك(3) .
    وأعظمُ الشدائد التي تنْزل بالعبد في الدنيا الموتُ ، وما بَعده أشدُّ منه إنْ لم يكن مصيرُ العبد إلى خيرٍ ، فالواجبُ على المؤمن الاستعدادُ للموت وما بعده في حال الصحة بالتقوى والأعمال الصالحة ، قال الله - عز وجل - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } (4) .
    __________
    (1) أخرجه : ابن أبي عاصم في " الزهد " 1/313 .
    (2) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 1/209 ، وابن الجوزي في " صفة الصفوة " 1/278 .
    (3) أخرجه : معمر في " جامعه " ( 20267 ) ، وأحمد في " الزهد " ( 718 ) ، وابن أبي عاصم في " الزهد " 1/135 ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/225 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 1141 ) .
    (4) الحشر : 18-19 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    فمن ذكر الله في حال صحته ورخائه ، واستعدَّ حينئذٍ للقاء الله بالموت وما بعده ، ذكره الله عندَ هذه الشدائد ، فكان معه فيها ، ولَطَفَ به ، وأعانه ، وتولاَّه ، وثبته على التوحيد ، فلقيه وهو عنه راضٍ ، ومن نسيَ الله في حال صحته ورخائه ، ولم يستعدَّ حينئذٍ للقائه ، نسيه الله في هذه الشدائد ، بمعنى أنَّه أعرض عنه ، وأهمله ، فإذا نزل الموتُ بالمؤمنِ المستعدِّ له ، أحسن الظنَّ بربه ، وجاءته البُشرى مِنَ اللهِ ، فأحبَّ لقاءَ الله ، وأحبَّ الله لقاءه ، والفاجرُ بعكس ذلك ، وحينئذٍ يفرحُ المؤمنُ ، ويستبشر بما قدمه مما هو قادمٌ عليه ، ويَنْدَمُ المفرطُ ، ويقول : { يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ } (1) .
    قال أبو عبد الرحمان السُّلمي قبلَ موته : كيف لا أرجو ربي وقد صُمْتُ له ثمانين رمضان(2) .
    وقال أبو بكر بنُ عيّاش لابنه عندَ موته : أترى الله يُضيِّعُ لأبيك أربعين سنة يَختِمُ القرآن كُلَّ ليلةٍ ؟(3)
    وختم آدمُ بن أبي إياس القرآن وهو مسجَّى للموت ، ثم قال : بحُبِّي لك ، إلا رفقتَ بي في هذا المصرع ؟ كنت أؤمِّلُك لهذا اليوم ، كنتُ أرجوكَ لا إله إلاَّ الله ، ثم قضى(4) .
    __________
    (1) الزمر : 56 .
    (2) أخرجه : يعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 2/590 ، وأبو نعيم في " الحلية " 4/192 ، وابن الجوزي في " صفة الصفوة " 3/28 ، وذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 4/271 .
    (3) أخرجه : ابن الجوزي في "صفة الصفوة" 3/81 ، وذكره الخطيب في " تاريخه " 16/554 ، والذهبي في " سير أعلام النبلاء " 8/503 .
    (4) أخرجه : ابن الجوزي في " صفة الصفوة " 4/217 ، والخطيب في " تاريخه " 7/489 ، والمزي في " تهذيب الكمال " 1/160 ، وذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 10/337 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ولما احتُضِرَ زكريا بنُ عديٍّ ، رفع يديه ، وقال : اللهمَّ إنِّي إليك لمشتاقٌ(1) .
    وقال عبدُ الصمد الزاهد عند موته : سيدي لهذه الساعة خبَّأتك ، ولهذا اليوم اقتنيتُك ، حقِّق حُسْنَ ظنِّي بك(2) .
    وقال قتادة في قول الله - عز وجل - : { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً } (3) قال : من الكرب عندَ الموت(4) .
    وقال عليُّ بن أبي طلحَة ، عن ابن عباس في هذه الآية : يُنجيه من كُلِّ كَربٍ في الدنيا والآخرة(5) .
    وقال زيدُ بن أسلم في قوله - عز وجل - : { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا } (6) الآية . قال : يُبشر بذلك عند موته ، وفي قبره ، ويوم يُبعث ، فإنَّه لفي الجنة ، وما ذهبت فرحة البِشارة من قلبه .
    وقال ثابت البناني في هذه الآية : بلغنا أنَّ المؤمنَ حيث يبعثه الله من قبره ، يتلقاه مَلَكاه اللَّذانِ كانا معه في الدنيا ، فيقولان له : لا تخف ولا تحزن ، فيؤمِّنُ الله خوفَه ، ويُقِرُّ الله عينَه ، فما مِنْ عظيمة تَغشى الناس يومَ القيامة إلاَّ هي للمؤمن قرَّةُ عينٍ لما
    هداه الله ، ولما كان يعملُ في الدُّنيا(7) .
    __________
    (1) أورده الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 10/443 .
    (2) هو عبد الصمد بن عمر بن إسحاق ، كان من أهل الزهد والصلاح ، نقل كلامه هذا ابن عقيل ، عن بعض من حضر وفاته . انظر : صفة الصفوة 2/291 .
    (3) الطلاق : 2 .
    (4) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 26573 ) .
    (5) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 26565 ) .
    (6) فصلت : 30 .
    (7) انظر : تفسير ابن كثير 1/100 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت ، فاستعن بالله ) هذا مُنْتَزَعٌ من قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } (1) ، فإنَّ السؤال لله هو دعاؤُه والرغبةُ إليه ، والدُّعاء هو العبادة ، كذا روي عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من حديث النعمان بن بشير ، وتلا قوله تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } (2) خرَّجه الإمامُ أحمد ، وأبو داود(3) ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه(4) .
    وخرَّج الترمذي(5) من حديث أنس بن مالك ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( الدُّعاءُ مُخُّ العبادة ) ، فتضمن هذا الكلام أنْ يُسأل الله - عز وجل - ، ولا يُسأل غيره ، وأنْ يُستعان بالله دونَ غيره .
    وأما السؤال ، فقد أمر الله بمسألته ، فقال : { وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ } (6) . وفي " الترمذي " (7)
    __________
    (1) الفاتحة : 5 .
    (2) غافر : 60 .
    (3) أبو داود ) لم ترد في ( ص ) .
    (4) أخرجه: أحمد 4/267 و271 و276 و277، وأبو داود ( 1479 )، والترمذي ( 2969 ) و( 2347 ) ، والنسائي في " التفسير " ( 484 ) ، وابن ماجه ( 3828 ) .
    وأخرجه : عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( 1299 ) ، والطيالسي ( 801 ) ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 714 ) ، وابن حبان ( 890 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 3901 ) وفي " الصغير " ، له ( 1041 ) وفي " الدعاء " ، له ( 1 ) و( 4 ) ، والحاكم 1/491 ، وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
    (5) في " الجامع الكبير " ( 3371 ) ، وإسناده ضعيف لضعف ابن لهيعة ، قال الترمذي: ( غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ) .
    (6) النساء : 32 .
    (7) في " الجامع الكبير " ( 3571 ) . = = ... وأخرجه : ابن أبي الدنيا في " القناعة " 1/106 ، والطبراني في " الكبير " ( 10088 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 1283 ) ، وهو حديث ضعيف .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    عن ابن مسعود مرفوعاً : ( سَلُوا الله مِنْ فَضلِه ، فإنَّ الله يُحِبُّ أنْ يُسأل ) .
    وفيه أيضاً عن أبي هريرة مرفوعاً : ( من لا يسألِ الله يغْضَبْ عليه )(1) .
    وفي حديثٍ آخرَ : ( ليسألْ أحدُكم ربَّه حاجَتَه كلَّها حتَّى يسأله شِسْعَ نعلِه إذا انقطع )(2) .
    وفي النَّهي عن مسألة المخلوقين أحاديثُ كثيرة صحيحة ، وقد بايع النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جماعةً من أصحابه على أنْ لا يسألوا النَّاسَ شيئاً، منهم : أبو بكر الصدِّيق ، وأبو ذر ، وثوبان ، وكان أحدهم يسقط سوطُه أو خِطام ناقته ، فلا يسأل أحداً أنْ يُناوله إياه(3)
    __________
    (1) الجامع الكبير ( 3373 ) .
    وأخرجه : أحمد 2/442 و447 ، والبخاري في " الأدب المفرد " ( 658 ) ، وابن ماجه ( 3827 ) ، وأبو يعلى ( 6655 ) ، والطبراني في " الأوسط " ( 2452 ) وفي " الدعاء " ، له ( 23 ) ، والحاكم 1/491 ، وهو حديث ضعيف .
    (2) أخرجه : البزار في " البحر الزخار " ( 3475 ) ، وأبو يعلى ( 3403 ) ، وابن حبان ( 866 ) و( 894 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 25 ) ، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 2/289 ، وهو حديث قويٌّ .
    (3) ومن هذه الأحاديث ما خرجه مسلم 3/96 ( 1043 ) عن عوف بن مالك الأشجعي ، قال : كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسعةً أو ثمانيةً أو سبعةً ، فقال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) وكنا حديث عهد ببيعة فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) فقلنا : قد بايعناك يا رسول الله ، ثم قال : ( ألا تبايعون رسول الله ؟ ) قال : فبسطنا أيدينا ، وقلنا : قد بايعناك يا رسول الله فعلام نبايعك ؟ قال : ( على أنْ تعبدوا الله ولا تشركون به شيئاً ، والصلوات الخمس . وتطيعوا ( وأسر كلمة خفية ) ، ولا تسألوا الناس شيئاً ) . فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم . فما يسأل أحداً يناوله إياه .
    أخرجه أيضاً : ابن زنجويه في "الأموال" ( 2065 ) ، وأحمد 6/27 ، وأبو داود ( 1642 ) ، وابن ماجه ( 2867 ) ، والبزار في " البحر الزخار " ( 2764 ) ، والنسائي 1/229 ، وابن حبان ( 3385 ) ، والطبراني في "الكبير" 17/( 67 ) وفي " مسند الشاميين " ، له ( 335 ) و( 1929 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 3519 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وخرَّج ابنُ أبي الدنيا من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود : أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ، إنَّ بني فُلان أغاروا عليّ فذهبوا بابني وإبلي ، فقال له النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( إن آل محمَّدٍ كذا وكذا أهل بيت(1) ، مالهم مدٌّ من طعامٍ أو صاع ، فاسأل الله - عز وجل - ) فرجع إلى امرأته ، فقالت : ما قالَ لك ؟ فأخبرها، فقالت : نِعْمَ ما ردَّ عليك ، فما لبث أنْ ردَّ الله عليه ابنَه وإبله أوفرَ ما كانت ، فأتى النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فأخبره ، فصعد المنبر فحَمِدَ الله وأثنى عليه ، وأمر الناس بمسألة الله - عز وجل - والرغبة إليه ، وقرأ : { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } (2) (3) .
    وقد ثبت في "الصحيحين" (4) عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : أنَّ الله - عز وجل - يقولُ : ( هل من دَاعٍ ، فأستجيبَ له ؟ هل من سائل فأُعْطِيَه ؟ هل من مُستغفرٍ فأغْفِرَ له ؟ ) .
    وخرَّج المحاملي وغيره من حديث أبي هريرة ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( قال الله تعالى : من ذا الذي دعاني فلم أُجبه ؟ وسألني فلم أُعطه ؟ واستغفرني فلم أغفر له ؟ وأنا أرحمُ الراحمين )(5) .
    __________
    (1) عبارة : ( أهل بيت ) لم ترد في ( ص ) .
    (2) الطلاق : 2-3 .
    (3) أخرجه : الحاكم 1/543 ، والبيهقي في " دلائل النبوة " 6/106 من رواية أبي عبيدة ، عن أبيه عبد الله بن مسعود ولم يسمع منه .
    (4) صحيح البخاري 9/175 ( 7494 ) و8/88 ( 6321 ) و2/66 ( 1145 ) ، وصحيح مسلم 2/175 ( 758 ) ( 168 ) .
    (5) لم أجده وقد أخرجه أبو نعيم في " الحلية " 10/187 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 1087 ) من قول يزيد بن هارون عن بعض الكتب السابقة .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    واعلم أنَّ سؤالَ اللهِ تعالى دونَ خلقه هوَ المتعين ؛ لأنَّ السؤال فيهِ إظهار الذلِّ من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار ، وفيه الاعترافُ بقدرةِ المسؤول على دفع هذا
    الضَّرر ، ونيل المطلوب ، وجلبِ المنافع ، ودرء المضارِّ ، ولا يصلح الذلُّ والافتقار إلاَّ لله وحدَه ؛ لأنَّه حقيقة العبادة ، وكان الإمامُ أحمد يدعو ويقول : اللهمَّ كما صُنتَ وجهي عَنِ السُّجود لغيرك فصُنْه عن المسألة لغيرك(1) ، ولا يقدر على كشف الضرِّ وجلب النفع سواه . كما قال : { وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ } (2) ، وقال : { مَا يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ } (3) .
    والله سبحانه يحبّ أنْ يُسأل ويُرْغَبَ إليه في الحوائج ، ويُلَحَّ في سؤاله ودُعائه ، ويَغْضَبُ على من لا يسأله ، ويستدعي مِنْ عباده سؤاله ، وهو قادر على إعطاء خلقه كُلِّهم سُؤْلَهم من غير أنْ يَنْقُصَ من ملكه شيء ، والمخلوق بخلاف ذلك كله : يكره أنْ يُسأل ، ويُحبُّ أنْ لا يُسألَ ، لعجزه وفقره وحاجته . ولهذا قال وهب بن منبه لرجل كان يأتي الملوك : ويحك ، تأتي من يُغلِقُ عنك بابَه ، ويُظهِرُ لك فقرَه ، ويواري عنك غناه ، وتدع من يفتحُ لك بابه بنصف الليل ونصف النهار ، ويظهر لك غناه ، ويقول : ادعني أستجب لك ؟!(4)
    وقال طاووس لعطاء : إياك أنْ تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه ويجعل دونها حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة ، أمرك أنْ تسأله ، ووعدك أنْ يُجيبك(5) .
    __________
    (1) ذكره ابن الجوزي في " صفة الصفوة " 2/211 .
    (2) يونس : 107 .
    (3) فاطر : 2 .
    (4) ذكره ابن الجوزي في " صفة الصفوة " 2/176 .
    (5) ذكره أبو نعيم في " الحلية " 4/11 ، وابن الجوزي في " صفة الصفوة " 2/172 .

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    الحديث التاسع عشر Empty تابع شرح الحديث التاسع عشر

    مُساهمة من طرف الرسالة الأربعاء 9 يناير 2019 - 9:34

    ● [ الصفحة التالية ] ●

    وأما الاستعانة بالله - عز وجل - دونَ غيره من الخلق ؛ فلأنَّ العبدَ عاجزٌ عن الاستقلال بجلب مصالحه ، ودفع مضارّه ، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا الله - عز وجل - ، فمن أعانه الله ، فهو المُعانُ ، ومن خذله فهو المخذولُ ، وهذا تحقيقُ معنى قول : ( لا حول ولا قُوَّةَ إلا بالله ) ، فإنَّ المعنى : لا تَحوُّلَ للعبد مِنْ حال إلى حال ، ولا قُوَّة له على ذلك إلا بالله ، وهذه كلمةٌ عظيمةٌ ، وهي كنز من كنوز الجنة ، فالعبدُ محتاجٌ إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات ، وترك المحظورات ، والصبر على المقدورات كلِّها في الدنيا وعندَ الموت وبعده من أهوال البرزخ ويوم القيامة، ولا يقدر على الإعانة على ذلك إلا الله - عز وجل -، فمن حقق الاستعانة عليه في ذلك كله أعانه . وفي الحديث الصحيح عَنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( احرصْ على ما ينفعُكَ واستعن بالله ولا تعجزْ )(1) .
    ومن ترك الاستعانة بالله ، واستعان بغيرِه ، وكَلَهُ الله إلى من استعان به فصار مخذولاً . كتب الحسنُ إلى عُمَرَ بنِ العزيز : لا تستعِنْ بغيرِ الله ، فيكِلَكَ الله إليه . ومن كلام بعضِ السَّلف : يا ربِّ عَجبت لمن يعرفُك كيف يرجو غيرك ، عجبتُ لمن يعرفك كيف يستعينُ بغيرك .
    __________
    (1) أخرجه : الحميدي ( 1114 ) ، وأحمد 2/366 و370 ، ومسلم 8/56 ( 2668 ) ، ويعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 3/6 ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 356 ) ، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " ( 621 ) و( 622 ) و( 624 ) ، وأبو يعلى ( 6346 ) ، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " ( 259 ) و( 262 ) ، وابن حبان ( 5721 )
    و( 5722 ) ، وابن السني في " عمل اليوم والليلة " ( 349 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 10/296 ، والبيهقي 10/89 ، والخطيب في " تاريخه " 12/223 من حديث أبي هريرة .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( جفَّ القلمُ بما هو كائنٌ ) وفي روايةٍ أخرى : ( رُفِعت الأقلام ، وجفَّت الصحف ) هو كنايةٌ عن تقدُّم كتابة المقادير كلِّها ، والفراغ منها من أمدٍ بعيد ، فإنَّ الكتابَ إذا فُرِغَ من كتابته ، ورفعت الأقلامُ عنه ، وطال عهده ، فقد رُفعت عنه الأقلام ، وجفتِ الأقلام التي كتب بها مِنْ مدادها ، وجفت الصَّحيفة التي كتب فيها بالمداد المكتوب به فيها ، وهذا من أحسن الكنايات وأبلغِها .
    وقد دلَّ الكتابُ والسننُ الصحيحة الكثيرة على مثل هذا المعنى ، قال الله تعالى :
    { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ
    ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ } (1) .
    وفي " صحيح مسلم " (2) عن عبد الله بن عمرو ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( إنَّ الله كتبَ مقاديرَ الخلائق قبل أنْ يخلُقَ السَّماوات والأرض بخمسين ألفَ سنة ) .
    وفيه(3) أيضاً عن جابر : أنَّ رجلاً قال : يا رسول الله ، فيمَ العمل اليوم ؟ أفيما جفَّت به الأقلامُ ، وجرت به المقادير ، أم فيما يستقبل ؟ قال : ( لا ، بل فيما جفت به الأقلام وجرت به المقادير ) ، قال: ففيم العملُ ؟ قال: ( اعملوا فكلٌّ ميسَّر لما خلق له ).
    __________
    (1) الحديد : 22 .
    (2) الصحيح 8/50 ( 2653 ) .
    وأخرجه : أحمد 2/169 ، وعبد بن حميد ( 343 ) ، والترمذي ( 2156 ) ، وابن حبان ( 6138 ) ، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان " 1/327 ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " 374-375 .
    (3) صحيح مسلم 8/47 ( 2648 ) .
    وأخرجه : الطيالسي ( 1737 ) ، وابن الجعد في " مسنده " ( 2721 ) و( 2722 ) ، وابن حبان ( 337 ) و( 3924 ) ، والآجري في " الشريعة " : 174 ، والبغوي ( 74 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وخرَّج الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي من حديث عبادة بن الصامت ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ أوَّل ما خلق الله القلم ، ثم قال : اكتب ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة )(1) .
    والأحاديث في هذا المعنى كثيرةٌ جداً يطول ذكرها .
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فلو أنَّ الخلق جميعاً أرادوا أنْ ينفعوك بشيء لم يقضِهِ الله ، لم يقدِرُوا عليه ، وإنْ أرادوا أنْ يضرُّوك بشيءٍ لم يكتبه الله عليك ، لم يقدروا عليه ) .
    هذه رواية الإمام أحمد ، ورواية الترمذي بهذا المعنى أيضاً(2) ، والمراد : إنَّ ما يُصيب العبدَ في دنياه مما يضرُّه أو ينفعه ، فكلُّه مقدَّرٌ عليه ، ولا يصيبُ العبدَ إلا ما كُتِبَ له من ذلك في الكتاب السابق ، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعاً .
    وقد دلَّ القرآنُ على مثل هذا في قوله - عز وجل - : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللهُ
    لَنَا } (3) ، وقوله : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } (4) ، وقوله : { قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } (5) .
    وخرَّج الإمام أحمد(6)
    __________
    (1) أخرجه : أحمد 5/317 ، وأبو داود ( 4700 ) ، والترمذي ( 2155 ) و( 3319 ) .
    وأخرجه : الطيالسي ( 577 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 104 ) و( 107 ) ، والشاشي ( 1192 ) ، والآجري في " الشريعة " : 211 ، والطبراني في " مسند الشاميين " ( 1608 ) و( 1949 ) ، واللالكائي في " أصول الاعتقاد " ( 357 ) و( 1097 ) .
    (2) تقدم تخريجهما .
    (3) التوبة : 51 .
    (4) الحديد : 22 .
    (5) آل عمران : 154 .
    (6) في " مسنده " 6/441 .
    وأخرجه : ابن أبي عاصم في " السنة " ( 246 ) ، والبزار ( 33 ) ، والطبراني في " مسند الشاميين " ( 2214 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 890 ) و( 891 ) ، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7/197 : ( رواه أحمد والطبراني ورجاله ثقات ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    من حديث أبي الدرداء ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ لكلِّ شيء حقيقةً ، وما بلغ عبدٌ حقيقةَ الإيمان حتى يعلمَ أنَّ ما أصابه لم يكُنْ ليخطئَهُ ، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبَه ) .
    وخرّج أبو داود(1) وابنُ ماجه(2) من حديث زيد بن ثابت ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معنى ذلك أيضاً .
    __________
    (1) في " سننه " ( 4699 ) .
    (2) في " سننه " ( 77 ) .
    وأخرجه : أحمد 5/182 و185 ، وعبد بن حميد ( 247 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 245 ) ، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في " السنة " ( 843 ) ، وابن حبان ( 727 ) ، والآجري في " الشريعة " : 187 ، والطبراني في " الكبير " ( 4940 ) ، والبيهقي 10/204 ، وهو صحيح .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    واعلم أنَّ مدارَ جميع هذه الوصية على هذا الأصل ، وما ذُكِر قبلَه وبعدَه ، فهو متفرِّعٌ عليه ، وراجعٌ إليه ، فإنَّ العبد إذا علم أنَّه لن يُصيبَه إلا ما كتبَ الله له مِنْ خير وشرٍّ ، ونفعٍ وضرٍّ ، وأنَّ اجتهادَ الخلق كلِّهم على خلاف المقدور غيرُ مفيد البتة ، علم حينئذٍ أنَّ الله وحده هو الضَّارُّ النَّافعُ ، المعطي المانع ، فأوجبَ ذلك للعبدِ توحيدَ ربِّه
    - عز وجل - ، وإفرادَه بالطاعة ، وحفظَ حدوده ، فإنَّ المعبود إنَّما يقصد بعبادته جلبَ المنافع ودفع المضار ، ولهذا ذمَّ الله من يعبدُ من لا ينفعُ ولا يضرُّ ، ولا يُغني عن عابدِهِ شيئاً ، فمن علم أنَّه لا ينفعُ ولا يضرُّ ، ولا يُعطي ولا يمنعُ غيرُ الله ، أوجبَ له ذلك إفراده بالخوف والرجاء والمحبة والسؤال والتضرُّع والدعاء ، وتقديم طاعته على طاعةِ الخلق جميعاً ، وأنْ يتّقي سخطه ، ولو كان فيه سخطُ الخلق جميعاً ، وإفراده بالاستعانة به ، والسؤال له ، وإخلاص الدعاء له في حال الشدَّة وحال الرَّخاء ، بخلاف ما كان المشركون عليه من إخلاص الدعاء له عندَ الشدائد ، ونسيانه في الرخاء ، ودعاء من يرجون نفعَه مِنْ دُونِه ، قال الله - عز وجل - : { قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ } (1) .
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( واعلم أنَّ في الصَّبر على ما تكره خيراً كثيراً ) يعني : أنَّ ما أصاب العبدَ مِنَ المصائب المؤلمةِ المكتوبة عليه إذا صبر عليها ، كان له في الصبر خيرٌ كثير .
    __________
    (1) الزمر : 38 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وفي رواية عمر مولى غُفرة وغيره عن ابن عباس زيادة أخرى قبل هذا الكلام ، وهي : ( فإنِ استطعتَ أنْ تعمل لله بالرِّضا في اليقين فافعل ، وإنْ لم تستطع ، فإنَّ في الصَّبر على ما تكره خيراً كثيراً ) .
    وفي روايةٍ أخرى من روايةِ عليِّ بن عبد الله بن عباس ، عن أبيه ؛ لكن إسنادها ضعيف ، زيادة أخرى بعد هذا ، وهي : قلتُ : يا رسول الله ، كيف أصنع باليقين ؟ قال : ( أنْ تعلم أنَّ ما أصابَك لم يكن ليخطئك ، وأنَّ ما أخطأك لم يكن ليصيبك ، فإذا أنتَ أحكمتَ باب اليقين ) . ومعنى هذا أنَّ حصول اليقين للقلب بالقضاء السابق والتقدير الماضي يُعين العبد على أنْ ترضى نفسُه بما أصابه ، فمن استطاع أنْ يعمل في اليقين بالقضاء والقدر على الرضا بالمقدور فليفعل ، فإنْ لم يستطع الرِّضا ، فإنَّ في الصَّبر على(1) المكروه خيراً كثيراً .
    فهاتان درجتان للمؤمن بالقضاء والقدر في المصائب :
    إحداهما : أنْ يرضى بذلك ، وهذه درجةٌ عاليةٌ رفيعة جداً ، قال الله - عز وجل - : { مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ يَهْدِ قَلْبَهُ } (2) . قال علقمة : هي المصيبة تصيبُ الرَّجلَ ، فيعلم أنَّها من عند الله ، فيسلِّمُ لها ويرضى .
    وخرَّج الترمذي من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنَّ الله إذا أحبَّ قوماً ابتلاهم ، فمن رضي فله الرضا ، ومن سخط فله السخط ) (3)
    __________
    (1) عبارة : ( الصبر على ) سقطت من ( ص ) .
    (2) التغابن : 11 .
    (3) في " الجامع الكبير " ( 2396 ) .
    وأخرجه : ابن ماجه ( 4031 ) ، وابن عدي في " الكامل " 4/396 ، والبغوي ( 1435 ) والضياء المقدسي في " المختارة " ( 2350 ) و( 2351 ) ، وقال الترمذي : ( حسن غريب ) على أنَّ في إسناده سعد بن سنان ، ويقال : سنان بن سعد وفيه ضعف .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ، وكان النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في دعائه : ( أسأَلكَ الرِّضا بعد القضاء ) (1) .
    وممَّا يدعو المؤمن إلى الرِّضا بالقضاء تحقيقُ إيمانه بمعنى قول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يقضي الله للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له : إنْ أصابته سرَّاء شكر ، كان خيراً له ، وإنْ أصابته ضرَّاء صبر ، كان خيراً له ، وليس ذلك إلا للمؤمن )(2).
    وجاء رجلٌ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فسأله أنْ يُوصيه وصيَّةً جامعةً موجَزةً ، فقال : ( لا تتَّهم الله في قضائه )(3) .
    __________
    (1) أخرجه : ابن أبي شيبة ( 2946 ) ، وابن أبي عاصم في " السنة " ( 128 ) و( 378 ) ، والبزار في " البحر الزخار " ( 1392 ) ، والطبراني في " الدعاء " ( 625 ) ، والحاكم 1/524-525 ، وابن منده في " الرد على الجهمية " ( 86 ) واللالكائي في " شرح أصول الاعتقاد " ( 845 ) من حديث عمار بن ياسر مطولاً ، وهو صحيح .
    (2) أخرجه : أحمد 4/332 و333 ، والدارمي ( 2780 ) ، ومسلم 8/226 ( 2999 ) ، وابن حبان ( 2896 ) ، والطبراني في "الكبير" ( 7316 ) وفي " الأوسط " ، له ( 7390 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 1/154 ، والبيهقي 3/375 وفي " الشعب " ، له ( 9949 ) من حديث صهيب بن سنان .
    (3) أخرجه : ابن أبي شيبة كما في " إتحاف الخيرة " ( 1 ) ، والخرائطي في " مكارم الأخلاق " : 60 ، والبخاري في " خلق أفعال العباد " ( 163 ) ، وابن أبي عاصم في " الجهاد " ( 25 ) ، وهو حديث ضعيف .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    قال أبو الدرداء : إنَّ الله إذا قضى قضاءً أحبَّ أنْ يُرضى به ، وقال ابن مسعود : إنَّ الله بقسطه وعدله جعلَ الرَّوحَ والفرح في اليقين والرضا ، وجعل الهم والحزن في الشكِّ والسخط(1) ، فالرَّاضي لا يتمنّى غيرَ ما هو عليه من شدَّةٍ ورخاء ، كذا رُوِيَ عَنْ عمر وابنِ مسعود وغيرهما(2) . وقال عمر بن عبد العزيز : أصبحت ومالي سرورٌ إلا في مواضع القضاء والقدر.
    فمن وصل إلى هذه الدرجة ، كان عيشُه كلُّه في نعيمٍ وسرورٍ ، قال الله تعالى : { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً } (3) قال بعض السَّلف : الحياة الطيبة : هي الرضا والقناعة(4) . وقال عبد الواحد بن زيد : الرضا باب الله الأعظم وجنة الدنيا ومستراح العابدين(5) .
    __________
    (1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 10514 ) ، وأبو نعيم في " الحلية " 7/130 و4/121 ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 1116 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 208 ) ، مرفوعاً ، وإسناده تالف لا يصح .
    وأخرجه : ابن أبي الدنيا في " اليقين " ( 32 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 209 ) ، موقوفاً .
    (2) أخرجه : البيهقي في " شعب الإيمان " ( 207 ) عن أبي سعيد الخدري ، به . وزاد في أوله ( إن من ضعف اليقين أن ترضي الناس بسخط الله وأن تحمدهم على رزق الله ) .
    (3) النحل : 97 .
    (4) أخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 16526 ) عن علي ، به .
    وأخرجه : الطبري في " تفسيره " ( 16527 ) عن الحسن البصري ، به .
    وأخرجه : الحاكم 2/356 عن ابن عباس ، به .
    (5) أخرجه : أبو نعيم في " الحلية " 6/156 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وأهل الرضا تارةً يلاحظون حكمة المبتلي وخيرته لعبده في البلاء ، وأنَّه غير متَّهم في قضائه ، وتارةً يُلاحظون ثوابَ الرِّضا بالقضاء ، فيُنسيهم ألم المقتضي به ، وتارةً يُلاحظون عظمةَ المبتلي وجلالَه وكمالَه ، فيستغرقون في مشاهدة ذلك ، حتى لا يشعرون بالألم ، وهذا يصلُ إليه خواصُّ أهل المعرفة والمحبَّةِ ، حتى ربَّما تلذَّذوا بما أصابهم لملاحظتهم صدوره عن حبيبهم ، كما قال بعضهم : أوجدهم في عذابه عُذوبة.
    وسئل بعضُ التابعينَ عن حاله في مرضه ، فقال : أحبُّه إليه أحبُّه إليَّ(1) . وسُئلَ السريّ : هل يجد المحبُّ ألم البلاء ؟ فقالَ : لا . وقال بعضهم :
    عذابُه فيكَ عَذْبُ . وبُعْدُهُ فيكَ قُرْبُ
    وأَنْتَ عِندي كرُوحي . بل أَنْتَ مِنها أَحَبُّ
    حسْبي مِنَ الحُبِّ أنِّي . لِمَا تُحِبُّ أُحِبُّ
    والدرجة الثانية : أنْ يصبرَ على البلاء ، وهذه لمن لم يستطع الرِّضا بالقضاء ، فالرِّضا فضلٌ مندوبٌ إليه مستحب ، والصبرُ واجبٌ على المؤمن حتمٌ ، وفي الصَّبر خيرٌ كثيرٌ ، فإنَّ الله أمرَ به ، ووعدَ عليه جزيلَ الأجر . قال الله - عز وجل - : { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } (2) ، وقال : { وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } (3) . قال الحسن : الرِّضا عزيزٌ ، ولكن الصبر معولُ المؤمن(4) .
    __________
    (1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " 18/( 193 ) من قول عمران بن الحصين .
    (2) الزمر : 10 .
    (3) البقرة : 155-157 .
    (4) أخرجه : هناد في " الزهد " ( 393 ) ، وابن أبي عاصم في " الزهد " 1/293 ، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 5/342 عن عمر بن عبد العزيز ، بلفظ : الرضا قليل ولكن الصبر معول المسلم . ولم أقف على قول الحسن .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    والفرق بين الرضا والصبر : أنَّ الصَّبر(1) : كفُّ النَّفس وحبسُها عن التسخط مع وجود الألم ، وتمنِّي زوال ذلك ، وكفُّ الجوارح عن العمل بمقتضى الجزع ، والرضا : انشراح الصدر وسعته بالقضاء ، وترك تمنِّي زوال ذلك المؤلم ، وإنْ وجدَ الإحساسُ بالألم ، لكن الرضا يخفِّفُه لما يباشر القلبَ من رَوح اليقين والمعرفة ، وإذا قوي الرِّضا ، فقد يزيل الإحساس بالألم بالكلية كما سبق .
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( واعلم أنَّ النَّصر مع الصَّبر ) هذا موافق لقول الله - عز وجل - : { قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (2) ، وقوله تعالى : { فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ } (3) . وقال عمرُ لأشياخ من بني عبس : بم قاتلتُمُ الناس ؟ قالوا : بالصبر ، لم نلق قوماً إلا صبرنا لهم كما صبروا لنا . وقال بعض السَّلف : كلنا يكره الموت وألم الجراح ، ولكن نتفاضل بالصَّبر . وقال البطَّال(4) : الشجاعةُ صبرُ ساعة .
    __________
    (1) عبارة : ( أن الصبر ) لم ترد في ( ص ) .
    (2) البقرة : 249 .
    (3) الأنفال : 66 ، وهذه الآية لم ترد في ( ص ) .
    (4) هو أبو محمد عبد الله بن البطال ، ذكره الذهبي ضمن الذين توفوا في سنة ثلاث عشرة ومئة ، وقال عنه : أوطأ الروم خوفاً وذُلاً . ولكن كُذِبَ عليه أشياء مستحيلة في سيرته الموضوعة .
    انظر : سير أعلام النبلاء 5/268 ، وتاريخ الإسلام ( 101-120 ه‍ ) : 307 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وهذا في جهاد العدوِّ الظاهر ، وهو جهادُ الكفار ، وكذلك جهاد العدوِّ الباطن ، وهو جهاد النَّفس والهَوى ، فإنَّ جهادَهُما من أعظم الجهاد ، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( المجاهدُ مَنْ جاهد نفسه في الله )(1) .
    وقال عبد الله بنُ عمر لمن سأله عن الجهاد : ابدأ بنفسك فجاهدها ، وابدأ بنفسك فاغزُها(2) .
    وقال بقيةُ بن الوليد : أخبرنا إبراهيمُ بن أدهم ، قال : حدثنا الثقة ، عن عليِّ بن أبي طالب ، قال : أوَّلَ ما تُنكرون من جهادكم جهادكم أنفسكم .
    وقال إبراهيم بن أبي عبلة(3) لقوم جاءوا من الغزو : قد جئتُم من الجهاد الأصغر ، فما فعلتم في الجهاد الأكبر ؟ قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : جهادُ القلب(4) . ويُروى هذا مرفوعاً من حديث جابر بإسناد ضعيف ، ولفظه : ( قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ) قالوا : وما الجهاد الأكبر ؟ قال : ( مجاهدةُ العبدِ لهواه )(5)
    __________
    (1) أخرجه : عبد الله بن المبارك ( 175 ) ، وأحمد 6/20 و22 ، والترمذي ( 1621 ) ، وابن أبي عاصم في " الجهاد " ( 14 ) ، والنسائي كما في " تحفة الأشراف " ( 11038 ) ، والطحاوي في " شرح المشكل " ( 2316 ) ، وابن حبان ( 4624 ) و( 4706 ) ، والطبراني في " الكبير " 18/( 797 ) ، والقضاعي في " مسند الشهاب " ( 184 ) والبيهقي في " الزهد " ( 370 ) ، وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
    (2) أخرجه : الطيالسي ( 2277 ) ، والبيهقي في " الزهد " ( 368 ) .
    (3) في ( ص ) : ( علية ) .
    (4) ذكره الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 6/325 .
    (5) أخرجه : البيهقي في " الزهد " ( 374 ) وقال عقبه : ( وهذا ضعيف ) .
    وليث بن أبي سليم ، قال عنه يحيى بن معين : ليس حديثه بذاك ، وعن أبي حاتم ، وأبي زرعة : ليث لا يشتغل به ، هو مضطرب الحديث ، وعن أبي زرعة قال : ليث بن أبي سليم لين الحديث ، وعن أحمد بن حنبل مضطرب الحديث ، وعنه أيضاً قال : ما رأيت يحيى بن سعيد = =... أسوأ رأياً في أحد منه في ليث ، وعن يحيى بن سعيد القطان : أنه كان لا يحدث عن ليث بن أبي سليم .
    انظر : الجرح والتعديل 7/242 ( 1014 ) ، وتهذيب الكمال 6/190 ( 5606 ) .
    وأخرجه : الخطيب في " تاريخه " 15/685 ، وهو ضعيف أيضاً فيه يحيى بن العلاء . قال عنه أحمد بن حنبل : كذاب يضع الحديث ، وعن عباس الدوري ، عن يحيى بن معين : ( ليس بثقة ) ، وعن أبي حاتم الرازي، قال : ( رأيت سلمة ضعف يحيى بن العلاء ، وكان سمع منه ).
    انظر : الجرح والتعديل 9/221 ( 744 ) ، وتهذيب الكمال 8/75 ( 7490 ) .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    ويُروى من حديث سعد بن سنان ، عن أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( ليس عدوُّك الذي إذا قتلك أدخلك الجنة ، وإذا قتلته كان لك نوراً ، أعدى عدوِّك نفسك التي بين جنبيك )(1) .
    وقال أبو بكر الصديق في وصيته لعمر رضي الله عنهما حين استخلفه : إنَّ أوَّل ما أحذِّرُكَ نفسك التي بين جنبيك .
    فهذا الجهاد يحتاجُ أيضاً إلى صبر ، فمن صبر على مجاهدة نفسه وهواه وشيطانه غلبه ، وحصل له النصر والظفر ، وملَكَ نفسه ، فصار عزيزاً ملكاً ، ومن جَزِعَ ولم يَصبر على مجاهدة ذلك، غُلِب وقُهر وأُسر ، وصار عبداً ذليلاً أسيراً في يدي شيطانه وهواه(2) ، كما قيل :
    إذا المَرءُ لم يَغلِبْ هواهُ أقامه . بمنْزلةٍ فيها العَزيزُ ذَليلُ
    قال ابن المبارك : من صبر ، فما أقلَّ ما يصبر ، ومن جزع ، فما أقل ما يتمتع .
    فقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ النصر مع الصبر ) يشمل النصرَ في الجهادين : جهادُ العدوِّ الظاهر ، وجهادُ العدوِّ الباطن ، فمن صبرَ فيهما ، نُصِرَ وظفر بعدوِّه ، ومن لم يصبر فيهما وجَزِعَ ، قُهِرَ وصار أسيراً لعدوّه ، أو قتيلاً له .
    قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وإنَّ الفرج مع الكرب ) وهذا يشهد له قوله - عز وجل - : { وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ } (3) وقول النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - : ( ضَحكَ ربنا من قُنوط عباده وقُربِ غيرِهِ ) خرَّجه الإمام أحمد ، وخرَّجه ابنُه عبدُ الله(4)
    __________
    (1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 3445 ) من حديث أبي مالك الأشعري ، مرفوعاً ، وهو حديث ضعيف .
    وأخرجه : البيهقي في " الزهد " ( 343 ) من حديث ابن عباس ، وهو ضعيف أيضاً.
    ولم أقف على طريق سعد بن سنان ، عن أنس بن مالك .
    (2) سقطت من ( ص ) .
    (3) الشورى : 28 .
    (4) في " مسنده " 4/11 و12 ، وعبد الله بن أحمد في " السنة " ( 452 ) و( 453 ) .
    وأخرجه: الطيالسي ( 1092 ) ، وابن ماجه ( 181 )، والطبراني في "الكبير" 19/( 469 ) ، والآجري في " الشريعة " : 279-280 ، وهو حديث ضعيف .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    في حديث طويل ، وفيه : ( علم الله يوم الغيث أنَّه ليشرف عليكم أزِلينَ قَنِطينَ ، فيظلُّ يضحك قد علم أنَّ غيرَكُم إلى قُرب )(1) ، والمعنى : أنَّه سبحانه يعجب من قنوط عباده عندَ احتباس القطر عنهم وقنوطهم ويأسهم من الرحمة ، وقد اقترب وقتُ فرجه ورحمته لعباده ، بإنزالِ الغيث عليهم ، وتغيره لحالهم وهم لا يشعرون . وقال تعالى : { فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ } (2) ، وقال تعالى : { حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءهُمْ نَصْرُنَا } (3) ، وقال تعالى : { حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلا إنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } (4) ، وقال حاكياً عن يعقوب أنَّه قال لبنيه : { يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ } (5) ، ثم قصَّ قصة اجتماعهم عَقيبَ ذلك .
    وكم قصَّ سبحانه من قصص تفريجِ كُرُباتِ أنبيائه عند تناهي الكَرْب كإنجاء نوح ومَنْ معه في الفلك ، وإنجاء إبراهيم من النار ، وفدائه لولده الذي أمر بذبحه ، وإنجاء موسى وقومه من اليمِّ ، وإغراق عدوِّهم ، وقصة أيوب ويونس ، وقصص محمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - مع أعدائه ، وإنجائه منهم ، كقصته في الغار ، ويوم بدر ، ويوم أحد ، ويوم الأحزاب ، ويوم حنين ، وغير ذلك .
    __________
    (1) أخرجه : ابن أبي عاصم في " السنة " ( 524 ) و( 636 ) ، وعبد الله بن أحمد في " زوائده على المسند " 4/13-14 وفي " السنة " ، له ( 1120 ) ، والطبراني في " الكبير "
    19/( 477 ) ، والحاكم 4/560 ، وهو حديث ضعيف .
    (2) الروم : 48-49 .
    (3) يوسف : 110 .
    (4) البقرة : 214 .
    (5) يوسف : 87 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فإنَّ مَعَ العسر يسراً ) هو منتزع من قوله تعالى : { سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً } (1) ، وقوله - عز وجل - : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } (2) .
    وخرَّج البزار في " مسنده " (3) ، وابن أبي حاتم - واللفظ له - من حديث أنس ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، قال : ( لو جاء العُسْرُ ، فدخل هذا الجُحر ، لجاء اليسر حتّى يدخل عليه فيخرجه (4) ) ، فأنزل الله - عز وجل - { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } .
    وروى ابنُ جرير(5) وغيره من حديث الحسن مرسلاً (6) نحوه ، وفي حديثه : فقال
    النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - : ( لن يَغْلِبَ عُسرٌ يُسرين ) .
    __________
    (1) الطلاق : 7 .
    (2) الشرح : 5-6 .
    (3) كما في " كشف الأستار " ( 2288 ) .
    وأخرجه : ابن أبي حاتم في " تفسيره " 10/3446 ( 19395 ) .
    وأخرجه : الطبراني في " الأوسط " ( 1548 ) ، والحاكم 2/255 ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 10012 ) ، وطبعة الرشد ( 9539 ) وهو حديث ضعيف .
    (4) سقطت من ( ص ) .
    (5) في " تفسيره " ( 29069 ) .
    وأخرجه : عبد الرزاق في " التفسير " ( 3643 ) ، والحاكم 2/528 .
    (6) والمرسل أحد أقسام الضعيف .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وروى ابن أبي الدنيا بإسناده عن ابن مسعود قال : لو أنَّ العسر دخل في جُحر لجاء اليسر حتى يدخل معه ، ثُمَّ قال : قال الله تعالى : { فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً } (1) . وبإسناده أنَّ أبا عبيدة حُصِرَ فكتب إليه عمرُ يقول : مهما ينْزل بامرئٍ شدَّةٌ يجعل الله بعدها فرجاً ، وإنَّه لن يَغلِبَ عسرٌ يُسرين(2) ، وإنَّه يقول : { اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (3) .
    ومن لطائف أسرار اقتران الفرج بالكرب واليُسر بالعسر : أنَّ الكربَ إذا اشتدَّ وعَظُمَ وتناهى ، وحصل للعبد الإياسُ من كَشفه من جهة المخلوقين ، وتعلق قلبُه بالله وحده ، وهذا هو حقيقةُ التوكُّل على الله ، وهو من أعظم الأسباب التي تُطلَبُ بها الحوائجُ ، فإنَّ الله يكفي من توكَّل عليه ، كما قال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (4) .
    __________
    (1) أخرجه : الطبراني في " الكبير " ( 9977 ) من حديث ابن مسعود ، وهو ضعيف .
    (2) أخرجه : مالك في " الموطأ " برواية الليثي ( 1288 ) ، وابن أبي شيبة ( 33840 ) ، والبيهقي في " شعب الإيمان " ( 10010 ) .
    (3) آل عمران : 200 .
    (4) الطلاق : 3 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    وروى آدمُ بن أبي إياس في " تفسيره " بإسناده عن محمد بن إسحاق قال : جاء مالكٌ الأشجعي إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : أُسِرَ ابني عوفٌ ، فقال له : أرسل إليه أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُكَ أنْ تُكثِرَ من قول: لا حول ولا قوَّةَ إلا بالله ، فأتاه الرسول فأخبره ، فأكبَّ عوفٌ يقول : لا حولَ ولا قوَّةَ إلاَّ بالله ، وكانوا قد شدُّوه بالقِدِّ فسقط القِدُّ عنه ، فخرج فإذا هو بناقةٍ لهم فركبها ، فأقبل فإذا هو بسَرحِ القوم الذين كانوا شدُّوه ، فصاح بهم ، فاتبع آخرُها أوَّلها ، فلم يفاجأ أبويه إلاّ وهو ينادي بالباب ، فقال أبوه (1) : عوفٌ وربِّ الكعبة ، فقالت أمه : واسوأتاه(2) ، وعوف كئيب يألم ما فيه مِنَ القدِّ ، فاستبقَ الأبُ والخادمُ إليه ، فإذا عوفٌ قد ملأ الفناء إبلاً ، فقصَّ على أبيه أمرَه وأمرَ الإبل ، فأتى أبوهُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، فأخبره بخبرِ عوفٍ وخبرِ الإبل ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( اصنع بها ما أحببتَ ، وما كنت صانعاً بإبلك )(3) ، ونزل : { وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (4) الآية .
    __________
    (1) سقطت من ( ص ) .
    (2) من ( ص ) : ( واشوقاه ) .
    (3) ذكره المنذري في " الترغيب والترهيب " ( 2446 ) .
    (4) الطلاق : 2-3 .
    ● [ الصفحة التالية ] ●
    قال الفضيل : والله لو يئستَ مِنَ الخلق حتَّى لا تريد منهم شيئاً ، لأعطاك مولاك كُلَّ ما تُريد . وذكر إبراهيمُ بن أدهم عن بعضهم قال : ما سأل السائلون مسألةً هي ألحلفُ مِنْ أنْ يقولَ العبدُ : ما شاء الله ، قال : يعني بذلك التَّفويض إلى الله - عز وجل - . وقال سعيدُ بن سالم القداح : بلغني أنَّ موسى - عليه السلام - كانت له إلى الله حاجةٌ ، فطلبها ، فأبطأت عليه ، فقال : ما شاء الله ، فإذا حاجتُه بَيْنَ يديه ، فعجب ، فأوحى الله إليه : أما علمتَ أنَّ قولَك : ما شاء الله أنجحُ ما طُلِبَتْ به الحوائج .
    وأيضاً فإنَّ المؤمن إذا استبطأ الفرج ، وأيس منه بعدَ كثرة دعائه وتضرُّعه ، ولم يظهر عليه أثرُ الإجابة يرجع إلى نفسه باللائمة ، وقال لها : إنَّما أُتيتُ من قِبَلِكَ ، ولو كان فيك خيرٌ لأُجِبْتُ ، وهذا اللومُ أحبُّ إلى الله من كثيرٍ من الطَّاعاتِ ، فإنَّه يُوجبُ انكسار العبد لمولاه واعترافه له بأنَّه أهلٌ لما نزل به من البلاء ، وأنَّه ليس بأهلٍ لإجابة الدعاء ، فلذلك تُسرِعُ إليه حينئذٍ إجابةُ الدعاء وتفريجُ الكرب ، فإنَّه تعالى عندَ المنكسرةِ قلوبهم من أجله .
    قال وهب : تعبَّدَ رجل زماناً ، ثم بدت له إلى الله حاجةٌ ، فصام سبعين سبتاً ، يأكلُ في كُلِّ سبتٍ إحدى عشرة تمرة ، ثم سأل الله حاجته فلم يُعطَها ، فرجع إلى نفسه فقال : منك أُتيتُ ، لو كان فيك خيرٌ ، أعطيت حاجتك ، فنَزل إليه عند ذلك مَلَكٌ ، فقال : يا ابنَ آدم ساعتُك هذه خيرٌ من عبادتك التي مضت ، وقد قضى الله حاجتك . خرَّجه ابن أبي الدنيا .
    ولبعضِ المتقدمينَ في هذا المعنى شعرٌ(1) :
    عسى ما ترى أنْ لا يَدومَ وأنْ تَرَى . لهُ فَرجاً مِمَّا أَلحَّ به الدَّهرُ
    عَسى فَرَجٌ يأتِي به الله إنَّه . لَهُ كُلَّ يَومٍ في خَليقتِهِ أَمْرُ
    إذا لاح عسرٌ فارجُ يُسراً فإنَّه . قَضَى الله أنَّ العُسرَ يَتبَعُهُ اليُسرُ
    __________
    (1) سقطت من ( ج ) .
    ● [ تم شرح الحديث ] ●

    الحديث التاسع عشر Fasel10

    جامع العلوم والحكم
    لإبن رجب الحنبلي
    منتدى ميراث الرسول . البوابة
    الحديث التاسع عشر E110


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 27 أبريل 2024 - 12:40