منتديات الرسالة الخاتمة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ

    avatar
    الرسالة
    Admin


    عدد المساهمات : 3958
    تاريخ التسجيل : 01/01/2014

    باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ  Empty باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ

    مُساهمة من طرف الرسالة الأربعاء 24 ديسمبر 2014 - 6:05

    باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ  Albary10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مختارات من فتح البارى
    شرح صحيح البخارى
    كتاب الإيمان
    باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ  1410
    باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ
    قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِى قَالَ: أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - رَضِى اللَّهُ عَنْهُ - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ -أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ ( بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ، وَلَا تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلَا تَعْصُوا فِى مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِى الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ فَهُوَ إِلَى اللَّهِ: إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ) فَبَايَعْنَاهُ عَلَى ذَلِك.
    الشرح
    قوله (باب) كذا هو فى روايتنا بلا ترجمة، وسقط من رواية الأصيلى أصلا،فحديثه عنده من جملة الترجمة التى قبله، وعلى روايتنا فهو متعلق بها أيضا، لأن الباب إذا لم تذكر له ترجمة خاصة يكون بمنزلة الفصل مما قبله مع تعلقه به، كصنيع مصنفى الفقهاء . ووجه التعلق أنه لما ذكر الأنصار فى الحديث الأول أشار فى هذا إلى ابتداء السبب فى تلقيبهم بالأنصار، لأن أول ذلك كان ليلة العقبة لما توافقوا مع النبى - صلى الله عليه وسلم - عند عقبة منى فى الموسم، كما سيأتى شرح ذلك إن شاء الله تعالى فى السيرة النبوية من هذا الكتاب. وقد أخرج المصنف حديث هذا الباب فى مواضع أخر: فى باب من شهد بدرا لقوله فيه: " كان شهد بدرا ". وفى باب وفود النصارى لقوله فيه: " وهو أحد النقباء ". وأورده هنا لتعلقه بما قبله كما بيناه. ثم إن فى متنه ما يتعلق بمباحث الإيمان من وجهين آخرين: أحدهما: أن اجتناب المناهى من الإيمان كامتثال الأوامر. وثانيهما: أنه تضمن الرد على من يقول: إن مرتكب الكبيرة كافر أو مخلد فى النار، كما سيأتى تقريره إن شاء الله تعالى.
    قوله: (عائذ الله) هو اسم علم أى: ذو عياذة بالله، وأبوه عبد الله ابن عمرو الخولانى صحابى، وهو من حيث الرواية تابعى كبير، وقد ذكر فى الصحابة لأن له رؤية، وكان مولده عام حنين. والإسناد كله شاميون.
    قوله: (وكان شهد بدرا) يعنى حضر الوقعة المشهورة الكائنة بالمكان المعروف ببدر، وهى أول وقعة قاتل النبى - صلى الله عليه وسلم - فيها المشركين، وسيأتى ذكرها فى المغازى. ويحتمل أن يكون قائل ذلك أبو إدريس، فيكون متصلا إذا حمل على أنه سمع ذلك من عبادة، أو الزهرى فيكون منقطعا. وكذا قوله: " وهو أحد النقباء ".
    قوله: (أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) سقط قبلها من أصل الرواية لفظ " قال " وهو خبر أن، لأن قوله: " وكان " وما بعدها معترض، وقد جرت عادة كثير من أهل الحديث بحذف قال خطأ لكن حيث يتكرر فى مثل " قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ولا بد عندهم مع ذلك من النطق بها، وقد ثبتت فى رواية المصنف لهذا الحديث بإسناده هذا فى باب من شهد بدرا فلعلها سقطت هنا ممن بعده، ولأحمد عن أبى اليمان بها الإسناد أن عبادة حدثه.
    قوله: (وحوله) بفتح اللام على الظرفية، والعصابة بكسر العين: الجماعة من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها، وقد جمعت على عصائب وعصب.
    قوله: (بايعونى) زاد فى باب وفود الأنصار " تعالوا بايعونى "، والمبايعة عبارة عن المعاهدة، سميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية كما فى قوله تعالى: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة).
    قوله: (ولا تقتلوا أولادكم) قال محمد بن إسماعيل التيمى وغيره: خص القتل بالأولاد لأنه قتل وقطيعة رحم. فالعناية بالنهى عنه آكد، ولأنه كان شائعا فيهم، وهو وأد البنات وقتل البنين خشية الإملاق ، أو خصهم بالذكر لأنهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم.
    (1/65) قوله: (ولا تأتوا ببهتان) البهتان: الكذب يبهت سامعه، وخص الأيدى والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال تقع بهما، إذ كانت هى العوامل والحوامل للمباشرة والسعى، وكذا يسمون الصنائع الأيادى. وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال: هذا بما كسبت يداك. ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا وبعضكم يشاهد بعضا، كما يقال: قلت كذا بين يدى فلان، قاله الخطابى، وفيه نظر لذكر الأرجل. وأجاب الكرمانى: بأن المراد الأيدى، وذكر الأرجل تأكيدا، ومحصله أن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيا فليس بمانع. ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأيدى والأرجل القلب لأنه هو الذى يترجم اللسان عنه، فلذلك نسب إليه الافتراء، كأن المعنى: لا ترموا أحدا بكذب تزورونه فى أنفسكم ثم تبهتون صاحبه بألسنتكم. وقال أبو محمد بن أبى جمرة: يحتمل أن يكون قوله:"بين أيديكم"أى: فى الحال، وقوله: " وأرجلكم " أى: فى المستقبل، لأن السعى من أفعال الأرجل. وقال غيره: أصل هذا كان فى بيعة النساء، وكنى بذلك - كما قال الهروى فى الغريبين - عن نسبة المرأة الولد الذى تزنى به أو تلتقطه إلى زوجها. ثم لما استعمل هذا اللفظ فى بيعة الرجال احتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولا. والله أعلم.
    قوله: (ولا تعصوا) للإسماعيلى فى باب وفود الأنصار " ولا تعصونى " وهو مطابق للآية، والمعروف: ما عرف من الشارع حسنه نهيا وأمرا.
    قوله: (فى معروف) قال النووى: يحتمل أن يكون المعنى ولا تعصونى ولا أحد أولى الأمر عليكم فى المعروف، فيكون التقييد بالمعروف متعلقا بشيء بعده. وقال غيره: نبه بذلك على أن طاعة المخلوق إنما تجب فيما كان غير معصية لله، فهى جديرة بالتوقى فى معصية الله.
    قوله: (فمن وفى منكم) أى: ثبت على العهد . ووفى بالتخفيف، وفى رواية بالتشديد، وهما بمعنى.
    قوله: (فأجره على الله) أطلق هذا على سبيل التفخيم، لأنه لما أن ذكر المبايعة المقتضية لوجود العوضين أثبت ذكر الأجر فى موضـع أحدهما. وأفصح فى رواية الصنابحى عن عبادة فى هذا الحديث فى الصحيحين بتعيين العوض فقال: " الجنة "، وعبر هنا بلفظ " على " للمبالغة فى تحقق وقوعه كالواجبات، ويتعين حمله على غير ظاهره للأدلة القائمة على أنه لا يجب على الله شيء، وسيأتى فى حديث معاذ فى تفسير حق الله على العباد تقرير هذا. فإن قيل: لم اقتصر على المنهيات ولم يذكر المأمورات ، فالجواب: أنه لم يهملها، بل ذكرها على طريق الإجمال فى قوله: " ولا تعصوا " إذ العصيان مخالفة الأمر. والحكمة فى التنصيص على كثير من المنهيات دون المأمورات: أن الكف أيسر من إنشاء الفعل، لأن اجتناب المفاسد مقدم على اجتلاب المصالح، والتخلى عن الرذائل قبل التحلى بالفضائل.
    قوله: (ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب) زاد أحمد فى روايته " به ". قوله: (فهو) أى: العقاب (كفارة) ، زاد أحمد " له " وكذا هو للمصنف من وجه آخر فى باب المشيئة من كتاب التوحيد، وزاد" وطهور". قال النووى: عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به) فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة. قلت: وهذا بناء على أن قوله: " من ذلك شيئا " يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر، وقد قيل: يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك، بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه، ويؤيده رواية مسلم من طريق أبى الأشعث عن عبادة فى هذا الحديث: " ومن أتى منكم حدا " إذ القتل على الشرك لا يسمى حدا. لكن يعكر على هذا القائل أن الفاء فى قوله: " فمن " لترتب ما بعدها على ما قبلها، وخطاب المسلمين بذلك لا يمنع التحذير من الإشراك. وما ذكر فى الحد عرفى حادث، فالصواب ما قال النووى. وقال الطيبى: الحق أن المراد بالشرك الشرك الأصغر وهو الرياء، ويدل عليه تنكير شيئا أى: شركا أيا ما كان. وتعقب بأن عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد، وقد تكرر هذا اللفظ فى الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك. ويجاب: بأن طلب الجمع يقتضى ارتكاب المجاز، فما قاله محتمل وإن كان ضعيفا.
    (66 / 1) ولكن يعكر عليه أيضا أنه عقب الإصابة بالعقوبة فى الدنيا، والرياء لا عقوبة فيه، فوضح أن المراد الشرك وأنه مخصوص. وقال القاضى عياض: ذهب أكثر العلماء أن الحدود كفارات واستدلوا بهذا الحديث، ومنهم من وقف لحديث أبى هريرة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا أدرى الحدود كفارة لأهلها أم لا "، لكن حديث عبادة أصح إسنادا. ويمكن - يعنى على طريق الجمع بينهما - أن يكون حديث أبى هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه الله، ثم أعلمه بعد ذلك. قلت: حديث أبى هريرة أخرجه الحاكم فى المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبى ذئب عن سعيد المقبرى عن أبى هريرة، وهو صحيح على شرط الشيخين. وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر، وذكر الدار قطنى أن عبد الرزاق تفرد بوصله، وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله. قلت: وقد وصله آدم ابن أبى إياس عن ابن أبى ذئب وأخرجه الحاكم أيضا فقويت رواية معمر، وإذا كان صحيحا فالجمع - الذى جمع به القاضى - حسن، لكن القاضى ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة، لما بايع الأنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيعة الأولى بمنى، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر، فكيف يكون حديثه متقدما، وقالوا فى الجواب عنه: يمكن أن يكون أبو هريرة ما سمعه من النبى -صلى الله عليه وسلم-، وإنما سمعه من صحابى آخر كان سمعه من النبى - صلى الله عليه وسلم - قديما ولم يسمع من النبى - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمعه عبادة، وفى هذا تعسف. ويبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه، وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك. والحق عندى أن حديث أبى هريرة صحيح وهو ما تقدم على حديث عبادة، والمبايعة المذكورة فى حديث عبادة على الصفة المذكورة لم تقع ليلة العقبة، وإنما كان ليلة العقبة ما ذكر ابن إسحاق وغيره من أهل المغازى أن النبى -صلى الله عليه وسلم -قال لمن حضر من الأنصار: " أبايعكم على أن تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم " فبايعوه على ذلك، وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه. وسيأتى فى هذا الكتاب - فى كتاب الفتن وغيره - من حديث عبادة أيضا قال: بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة فى العسر واليسر والمنشط والمكره.. الحديث. وأصرح من ذلك فى هذا المراد ما أخرجه أحمد والطبرانى من وجه آخر عن عبادة أنه جرت له قصة مع أبى هريرة عند معاوية بالشام " فقال: يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السمع والطاعة قى النشاط والكسل، وعلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف فى الله لومة لائم، وعلى أن ننصر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع منه أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا، ولنا الجنة. فهذه بيعة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التى بايعناه عليها. فذكر بقية الحديث. وعند الطبرانى له طريق أخرى وألفاظ قريبة من هذه. وقد وضح أن هذا هو الذى وقع فى البيعة الأولى. ثم صدرت مبايعات أخرى ستذكر فى كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى، منها هذه البيعة التى فى حديث الباب فى الزجر عن الفواحش المذكورة. والذى يقوى أنها وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التى فى الممتحنة وهى قوله تعالى: (يا أيها النبى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك) ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلا خلاف، والدليل على ذلك ما عند البخارى فى كتاب الحدود من طريق سفيان بن عيينة عن الزهرى فى حديث عبادة هذا أن النبى - صلى الله عليه وسلم - لما بايعهم قرأ الآية كلها، وعنده فى تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال: " قرأ آية النساء " ولمسلم من طريق معمر عن الزهرى قال: " فتلا علينا آية النساء قال: أن لا تشركن بالله شيئا " وللنسائى من طريق الحارث بن فضيل عن الزهرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ألا تبايعوننى على ما بايع عليه النساء: أن لا تشركوا بالله شيئا " الحديث. وللطبرانى من وجه آخر عن الزهرى بهذا السند: " بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما بايع عليه النساء يوم فتح مكة ". ولمسلم من طريق أبى الأشعث عن عبادة فى هذا الحديث: " أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كما أخذ على النساء " . فهذه أدلة ظاهرة فى أن هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية،
    (1/67) بل بعد صدور البيعة، بل بعد فتح مكة، وذلك بعد إسلام أبى هريرة بمدة. ويؤيد هذا ما رواه ابن أبى خيثمة فى تاريخه عن أبيه عن محمد بن عبد الرحمن الطفاوى عن أيوب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أبايعكم على أن لا تشركوا بالله شيئا " فذكر نحو حديث عبادة، ورجاله ثقات. وقد قال إسحاق بن راهويه: إذا صح الإسناد إلى عمرو بن شعيب فهو كأيوب عن نافع عن ابن عمر. ا ه. وإذا كان عبد الله بن عمرو أحد من حضر هذه البيعة وليس هو من الأنصار ولا ممن حضر بيعتهم، وإنما كان إسلامه قرب إسلام أبى هريرة، وضح تغاير البيعتين - بيعة الأنصار ليلة العقبة وهى قبل الهجرة إلى المدينة، وبيعة أخرى وقعت بعد فتح مكة وشهدها عبد الله بن عمرو وكان إسلامه بعد الهجرة بمدة طويلة - ومثل ذلك ما رواه الطبرانى من حديث جرير قال: " بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على مثل ما بايع عليه النساء " فذكر الحديث، وكان إسلام جرير متأخرا عن إسلام أبى هريرة على الصواب، وإنما حصل الالتباس من جهة أن عبادة بن الصامت حضر البيعتين معا، وكانت بيعة العقبة من أجل ما يتمدح به، فكان يذكرها إذا حدث تنويها بسابقيته، فلما ذكر هذه البيعة التى صدرت على مثل بيعة النساء عقب ذلك، توهم من لم يقف على حقيقة الحال أن البيعة الأولى وقعت على ذلك. ونظيره ما أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن أبيه عن جده - وكان أحد النقباء - قال: " بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الحرب " وكان عبادة من الاثنى عشر الذين بايعوا فى العقبة الأولى " على بيعة النساء وعلى السمع والطاعة فى عسرنا ويسرنا " الحديث. فإنه ظاهر فى اتحاد البيعتين، ولكن الحديث فى الصحيحين كما سيأتى فى الأحكام ليس فيه هذه الزيادة، وهو من طريق مالك عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن عبادة بن الوليد. والصواب أن بيعة الحرب بعد بيعة العقبة لأن الحرب إنما شرع بعد الهجرة، ويمكن تأويل رواية ابن إسحاق وردها إلى ما تقدم، وقد اشتملت روايته على ثلاث بيعات: بيعة العقبة وقد صرح أنها كانت قبل أن يفرض الحرب فى رواية الصنابحى عن عبادة عند أحمد. والثانية بيعة الحرب وسيأتى فى الجهاد أنها كانت على عدم الفرار. والثالثة بيعة النساء أى: التى وقعت على نظير بيعة النساء. والراجح أن التصريح بذلك وهمٌ من بعض الرواة، والله أعلم. ويعكر على ذلك التصريح فى رواية ابن إسحاق من طريق الصنابحى عن عبادة أن بيعة ليلة العقبة كانت على مثل بيعة النساء، واتفق وقوع ذلك قبل أن تنزل الآية، وإنما أضيفت إلى النساء لضبطها بالقرآن. ونظيره ما وقع فى الصحيحين أيضا من طريق الصنابحى عن عبادة قال: " إنى من النقباء الذين بايعوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " وقال: " بايعناه على أن لا نشرك بالله شيئا " الحديث. فظاهر هذا اتحاد البيعتين، ولكن المراد ما قررته أن قوله: " إنى من النقباء الذين بايعوا - أى ليلة العقبة - على الإيواء والنصر " وما يتعلق بذلك، ثم قال: بايعناه الخ أى: فى وقت آخر، ويشير إلى هذا الإتيان بالواو العاطفة فى قوله: " وقال بايعناه " . وعليك برد ما أتى من الروايات موهما بأن هذه البيعة كانت ليلة العقبة إلى هذا التأويل الذى نهجت إليه فيرتفع بذلك الإشكال، ولا يبقى بين حديثى أبى هريرة وعبادة تعارض، ولا وجه بعد ذلك للتوقف فى كون الحدود كفارة. واعلم أن عبادة بن الصامت لم ينفرد برواية هذا المعنى، بل روى ذلك على بن أبى طالب وهو فى الترمذى وصححه الحاكم وفيه " من أصاب ذنبا فعوقب به فى الدنيا فالله أكرم من أن يثنى العقوبة على عبده فى الآخرة " وهو عند الطبرانى بإسناد حسن من حديث أبى تميمة الهجيمى، ولأحمد من حديث خزيمة بن ثابت بإسناد حسن ولفظه:
    (1/ 68 ) " من أصاب ذنبا أقيم عليه ذلك الذنب فهو كفارة له ". وللطبرانى عن ابن عمرو مرفوعا " ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصاب من ذلك الذنب " . وإنما أطلت فى هذا الموضع لأننى لم أر من أزال اللبس فيه على الوجه المرضى، والله الهادى.
    قوله: (فعوقب به) قال ابن التين: يريد به القطع فى السرقة والجلد أو الرجم فى الزنا. قال: وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة، إلا أن يريد قتل النفس فكنى عنه، قلت: وفى رواية الصنابحى عن عبادة فى هذا الحديث (ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق) ولكن قوله فى حديث الباب " فعوقب به " أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا. قال ابن التين: وحكى عن القاضى إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو رادع لغيره، وأما فى الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق. قلت: بل وصل إليه حق وأى حق، فإن المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل، كما ورد فى الخبر الذى صححه ابن حبان وغيره " إن السيف محاء للخطايا "، وعن ابن مسعود قال: " إذا جاء القتل محا كل شيء " رواه الطبرانى، وله عن الحسن ابن على نحوه، وللبزار عن عائشة مرفوعا: " لا يمر القتل بذنب إلا محاه " فلولا القتل ما كفرت ذنوبه، وأى حق يصل إليه أعظم من هذا ولو كان حد القتل إنما شرع للردع فقط لم يشرع العفو عن القاتل، وهل تدخل فى العقوبة المذكورة المصائب الدنيوية من الآلام والأسقام وغيرها ، فيه نظر. ويدل للمنع قوله: " ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله " فإن هذه المصائب لا تنافى الستر، ولكن بينت الأحاديث الكثيرة أن المصائب تكفر الذنوب، فيحتمل أن يراد أنها تكفر ما لا حد فيه. والله أعلم. ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود، وهو قول الجمهور. وقيل: لا بد من التوبة، وبذلك جزم بعض التابعين، وهو قول للمعتزلة، ووافقهم ابن حزم ومن المفسرين البغوى وطائفة يسيرة، واستدلوا باستثناء من تاب فى قوله تعالى: (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) والجواب فى ذلك: أنه فى عقوبة الدنيا، ولذلك قيدت بالقدرة عليه. قوله: (ثم ستره الله) زاد فى رواية كريمة " عليه ".
    قوله: (فهو إلى الله) قال المازنى: فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب، ورد على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة، لأن النبى -صلى الله عليه وسلم -أخبر بأنه تحت المشيئة، ولم يقل لا بد أن يعذبه. وقال الطيبى: فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد أو بالجنة لأحد إلا من ورد النص فيه بعينه. قلت: أما الشق الأول فواضح. وأما الثانى فالإشارة إليه إنما تستفاد من الحمل على غير ظاهر الحديث وهو متعين.
    قوله: (إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه) يشمل مـن تاب من ذلك ومن لم يتب. وقال بذلك طائفة، وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة، ومع ذلك فلا يأمن مكر الله لأنه لا اطلاع له هل قبلت توبته أو لا. وقيل: يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب، واختلف فيمن أتى ما يوجب الحد، فقيل: يجوز أن يتوب سرا ويكفيه ذلك. وقيل: بل الأفضل أن يأتى الإمام ويعترف به، ويسأله أن يقيم عليه الحد كما وقع لماعز والغامدية. وفصل بعض العلماء بين أن يكون معلنا بالفجور فيستحب أن يعلن بتوبته وإلا فلا.
    (تنبيه): زاد فى رواية الصنابحى عن عبادة فى هذا الحديث: " ولا ينتهب " وهو مما يتمسك به فى أن البيعة متأخرة، لأن الجهاد عند بيعة العقبة لم يكن فرض، والمراد بالانتهاب: ما يقع بعد القتال فى الغنائم. وزاد فى روايته أيضا: " ولا يعصى بالجنة، إن فعلنا ذلك، فإن غشينا من ذلك شيئا ما كان قضاء ذلك إلى الله " أخرجه المصنف فى باب وفود الأنصار عن قتيبة عن الليث، ووقع عنده"ولا يقضى " بقاف وضاد معجمة وهو تصحيف، وقد تكلف بعض الناس فى تخريجه وقال: إنه نهاكم عن ولاية القضاء، ويبطله أن عبادة -رضى الله -عنه ولى قضاء فلسطين فى زمن عمر - رضى الله عنهما -.
    (1/69) وقيل: إن قوله: " بالجنة " متعلق بيقضى، أى: لا يقضى بالجنة لأحد معين. قلت: لكن يبقى قوله: " إن فعلنا ذلك " بلا جواب، ويكفى فى ثبوت دعوى التصحيف فيه رواية مسلم عن قتيبة بالعين والصاد المهملتين، وكذا الإسماعيلى عن الحسن ابن سفيان، ولأبى نعيم من طريق موسى بن هارون كلاهما عن قتيبة، وكذا هو عند البخارى أيضا فى هذا الحديث فى الديات عن عبد الله بن يوسف عن الليث فى معظم الروايات، لكن عند الكشميهنى بالقاف والضاد أيضا وهو تصحيف كما بيناه. وقوله: " بالجنة " إنما هو متعلق بقوله فى أوله " بايعنا ". والله أعلم.
    باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ  Fasel10
    فتح البارى . للإمام ابن حجر العسقلانى
    باب حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ  Fasel10


      الوقت/التاريخ الآن هو السبت 27 أبريل 2024 - 9:38